|
قصة : متاتيا
محمد عبد المنعم الراوى
الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 21:26
المحور:
الادب والفن
متاتيا (قصة درامية هادفة تجمع بين الزمن الجميل وزمن الجمهورية الجديدة) مقدمة (متاتيا) مهندس إيطالى قام بتخطيط وتصميم دار الأوبرا المصرية القديمة وحديقة الأزبكية وفى عام 1875م قام بتصميم وبناء عمارة كانت تعد من أجمل وأشهر عمائر القاهرة.. وكانت تقع تلك العمارة فى القلب من ميدان العتبة خلف دار الأوبرا المصرية القديمة.. كما كانت تشغل الطوابق العلوية من العمارة لوكاندة شهيرة تسمى (لوكاندة مصر).. أما أسفل العمارة من الجهة الغربية الملاصقة لدار الأوبرا كان يوجد بعض البارات الصغيرة.. وقد كان يعشق ارتياد تلك البارات بعض الذين يعشقون الاستماع للأوركسترا وأشهر المعزوفات التى تصدح من خلف جدران ونوافذ دار الأوبرا . أما من الجهة الشرقية توجد ثلاث مقاهى : مقهى المختلط ومقهى وبار الخديوية ومقهى متاتيا.. مقهى متاتيا هوالمقهي الأكبر والأشهر..وتاريخه يبدأ من عام 1875 وقد كان يشغل معظم واجهة عمارة متاتيا المطلة علي ميدان العتبة المواجهة لحديقة الأزبكية... لكن للأسف توقف مقهي متاتيا سنة1960 وتم تقسيمه إلي محلات تجارية ! وترجع شهرة وعراقة مقهى متاتيا منذ أن كان يرتاده العديد من رجال الفكر والأدب والفن والسياسة الذين غيروا وجه الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية فى مصر.. كما كان يرتاده العديد من الأجانب والمصريون بشتى طوائفهم.. من أجل ذلك لم يكن مقهى متاتيا مجرد مقهى؛ بل ملتقى للفكر والإبداع وشاهداً على ذلك العصر والزمن الجميل ! وللأسف الشديد تأثرت عمارة متاتيا وتصدعت عقب زلزال 1992م .. لذلك قامت محافظة القاهرة بإخلائها .. وتم هدمها عام 1999م لتنفيذ مشروع نفق شارع الأزهر! أما قصة متاتيا ليست لها علاقة بحياة المهندس الإيطالى متاتيا ! (متاتيا) يشير إلى ذلك المقهى (مقهى متاتيا) الذى يعد واحداً من أقدم وأعرق مقاهى القاهرة على الإطلاق..ذلك المقهى الذى ارتاده وجلس عليه العديد من فئات المجتمع وطوائفه المختلفة : زعماء..شعراء..أدباء..فنانون..خواجات..صعايدة..فلاحون..أفنديات.مشايخ .. لذلك نرى أن مقهى متاتيا يعد بمثابة شاهد على العصر ونموذجاً للمجتمع المصرى آنذاك.. وقصة متاتيا قصة اجتماعية تدور أحداثها خلال الفترة الزمنية من عام 1945 إلى عام 1960 أى أنها تتناول سبع سنوات من عصر الملكية وسبع سنوات تقريباً من عصر الجمهورية وتلك فترتان متناقضتان حدثت فيهما تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية كان لها أكبر الأثر على مجتمع مقهى متاتيا ومن ثم المجتمع المصرى بصفة عامة ! لذلك سنرى أحداث قصة متاتيا تتمحور حول ثلاث شخصيات مسلمة ومسيحية ويهودية.. مظهر أفندى وجميل أفندى حنّا ويعقوب..وافترضنا أن هؤلاء الثلاثة من رواد مقهى متاتيا.. وأنهم يعيشون هم وأسرهم فى بيت واحد كان يمتلكه الخواجة نيكولا متاتيا.. وسوف نرى ما طرأ على تلك الأسر من تحولات وتطورات تبعاً لما مرت به مصر من أحداث ! والأهم أننا سوف نسلط الضوء على بعض الحقائق التاريخية الهامة من خلال السياق الدرامى للمواقف والأحداث..ومنها على سبيل المثال : ـ ما قدمه الجيش المصرى العظيم من تضحيات عام 1948 وما تعرض له من خيانة .. ـ كما سنذّكر المصريين..لماذا يوم 25 من يناير 1952 هو يوم عيد للشرطة المصرية ؟! لذلك سنتناول أحداث تلك المعركة الشرسة التى وقعت بين جنود الشرطة المصرية وجنود الاحتلال البريطانى ليدافعوا عن قسم البوليس بمحافظة الإسماعيلية..وما قدمه رجال الشرطة المصرية من شهداء ودماء طاهرة سالت حفاظاً على كرامتهم وكرامة الشعب المصرى كله. وكذلك عام 1955 حين برعت الشرطة المصرية فى إسقاط أخطر شبكتين للتجسس والتخريب وتهريب الأموال واليهود من مصر..وهما عملية (سوزانا) وشبكة (جوشين). ـ من أجل ذلك سنظهر أيضاً ذلك التناقض الرهيب فى المجتمع المصرى آنذاك ! حيث إنه فى الوقت الذى كان يواجه فيه الجيش المصرى وجنود الشرطة المصرية أصعب المواقف والمواجهات والمعارك الشرسة ويقدمان من أجل الحفاظ على كرامة الشعب المصرى الشهداء والدماء الطاهرة كان الملك يطلّق ويتزوج ويقيم الاحتفلات وكانت الخمارات والبارات والملاهى الليلية وبيوت الدعّارة مشاعاً للتسلية والترفيه ! ـ كما سنعرض ما يؤكد على أن هجرة اليهود من مصر قد بدأت منذ عام 1942 حين سمح الملك فاروق لروميل أن يدخل بجيشه مصر عن طريق العلمين..ثم إعلان بن جوريون عن إقامة دولة إسرائيل فى 15 من مايو عام 1948..ثم وقوع حريق القاهرة فى 26 من يناير 1952.. كل تلك الأحداث الخطيرة المتتابعة كان لها أكبر الأثر على رحيل معظم اليهود عن مصر.. وكان ذلك قبل ثورة 23 من يوليو 1952..مما ينفى عن الضباط الأحرار والجيش المصرى تهمة إجبار اليهود المصريين على الرحيل.. كما سنعرض بعض المواقف الإنسانية العظيمة للرئيس محمد نجيب تجاه اليهود المصريين.. لذلك نستطيع أن نجزم أن مسلسل متاتيا : ـ دراما مصرية هادفة تعكس رؤية القيادة المصرية الحكيمة ودعودتها الدائمة لأهمية التعايش والتسامح بين جميع طوائف الشعب المصرى ونبذ التعصب الدينى الذميم . ـ وهو حلقة وصل بين الماضى والحاضر لتؤكد لجميع المصريين والشباب بصفة خاصة على مدى عظمة وانتماء وتضحية الجيش المصرى والشرطة المصرية عبر التاريخ . ـ وأزعم أن قصة (متاتيا) فى حال تحولها إلى عمل درامى ستمثل نقلة نوعية للدراما المصرية التى تجمع بين الرقى الفنى والموضوعى معاً أما شخصيات "متاتيا" فبعضها واقعى وبعضها من وحى خيال المؤلف..وما يصدر عنها جميعاً من مواقف وأحداث وما تعبر عنه من أفكار ورؤى مجرد تصورات وأطروحات للمؤلف. المؤلف محمد عبد المنعم كمال الدين محمد (الراوى) للتواصل من قِبل المنتجين 01140977997
القاهرة 1945 البداية مشهد عام لميدان العتبة الخضرا..قسم الأزبكية.. مصلحة البريد .. حديقة الأزبكية..ثم تظهر لنا عمارة متاتيا التى يقع بالأسفل منها مقهى متاتيا.. داخل مقهى (متاتيا) العريق نرى صورة للملك فاروق..وبالأسفل منها عدة صور لبعض العظماء من رواد المقهى السابقين..أحمد عرابى..الإمام محمد عبده..سعد زغلول..أحمد شوقى.... ثم نسمع صوت عبد الوهاب يصدح من خلال الراديو المعلق : يا جارةَ الوادى طربتُ وعادنى .. ما يشبه الأحلامَ من ذكراكِ مثلت فى الذكرى هواكِ وفى الكرى .. والذكرياتُ صدى السنين الحاكى الخواجة نيكولا متاتيا (ابن الخواجة متاتيا وصاحب المقهى الحالى) جالس بالداخل أمام مكتب صغير يدخن البايب..ويهز رأسه طرباً مستمتعاً بعبد الوهاب.. وفى الزاوية ألبير يعد المشروبات..وعبده عامل المقهى يقوم على خدمة الزبائن.. وداخل المقهى وخارجه نرى العديد من الطاولات يجلس عليها بعض الأجانب والخواجات.. وطاولات يجلس عليها بعض الصعايدة يمارسون لعب الدومينو.. وطاولات يجلس عليها بعض المشايخ بالجبة والقفطان..وطاولات أخرى يجلس عليها بعض الأفنديات.. أما الطاولة الأهم فيجلس عليها الأصدقاء الثلاثة مظهر أفندى ويعقوب وجميل أفندى حنا.. وفجأة تطيح الطاولة بما عليها..حيث هجم فجأة مجموعة من العساكر الإنجليز يقودهم الضباط (جاك) الذى اعتاد هو وعساكره اقتحام المقهى..يقتحم جاك وعساكره المقهى ويحطمون العديد من الطاولات والكراسى.. وهو يسأل بعصبية عن نيكولا متاتيا ؟! فينتفض الخواجة نيكولا معترضاً على اقتحامهم الدائم للمقهى وتحطيمهم له.. فيتهمه جاك بأنه يأوى فى المقهى البلطجية..وقتلة العساكر الإنجليز..ويأمر بالقبض عليه.. هنا يتدخل مظهر أفندى وجميل أفندى ويعقوب ليدافعوا عن الخواجة متاتيا..فيقوم يعقوب بمحاولة حجز نيكولا متاتيا خلفه ليحول بينه وبين العساكر الإنجليز..ويرد مظهر أفندى على اتهام الضابط جاك بأن كل من يجلس على المقهى بهوات وأفنديات وعمد وأناس متعلمون ! ويسخر جميل أفندى من الضابط وهو يشير إلى الصور المعلقة : إلا إذا كنت شايف إن أحمد بيه شوقى وسعد باشا زغلول والزعيم أحمد عرابى بلطجية ومجرمين ! ويتم القبض على الخواجة نيكولا متاتيا وأصدقاءه الثلاثة مظهر أفندى ويعقوب وجميل أفندى ! وداخل محبسهم يخبرهم نيكولا أن جريمته أنه من أصول إيطالية..والإنجليز منذ أن قامت الحرب وهم يتخذون موقفاً عدائياً من إيطاليا والطليان.. ورغم أن ميول متاتيا ليست سياسة.. لكن الخطأ أو الجريمة الوحيدة التى ارتكبها حينما أعلن من قبل عن تأييده لقرار الملك فاروق بالسماح لروميل بدخول مصر عن طريق العلمين..وكان ذلك على الملأ فى المقهى .. فوشى به أحدهم لدى الإنجليز..ومنذ ذلك اليوم وهم يتعمدون مضايقته واضطهاده .. ثم يتم الإفراج عنهم بعد التحقيق وأخذ التعهدات اللازمة عليهم ! وعلى المقهى يفصح متاتيا لأصدقائه عن نيته فى بيع أملاكه والرحيل بأسرته إلى إيطاليا.. خاصةً بعد أن تم الإعلان فى سبتمبر الماضى عن انتهاء الحرب بعد أن استسلمت ألمانيا واليابان. وقد كان الخواجة نيكولا قد ورث عن أبيه الخواجة متاتيا العديد من الأملاك .. أهمها عمارة متاتيا وبيتاً قديماً يقع بدرب الأغوات المتفرع من شارع محمد على.. هذا البيت يتكون من ثلاثة طوابق.. بالطابق الأرضى من البيت يسكن يعقوب مع زوجته زهرة وأبنائهما نسيم و نظيرة ومراد.. ويعيش معهم الرجل العجوز زخارى حما يعقوب..ويعمل يعقوب بصناعة آلة العود فى الورشة الواقعة بالطابق الأرضى..وفى زاوية من الورشة يعمل زخارى بصناعة القباقيب الخشبية. وبالطابق الأوسط من البيت يسكن جميل أفندى حنّا مع زوجته رجاء وابنته رولا.. ويعمل جميل أفندى حنا مدرساً لمادة التاريخ بإحدى المدارس الأهلية.. وبالطابق الأعلى من البيت يسكن مظهر أفندى مع زوجته خديجة..ويقيم معهما فى نفس الشقة ابنهما فؤاد وزوجته وداد..وتلك الأسرة من أصول صعيدية.. ويعمل مظهر أفندى بائعاً بشركة عمر أفندى.. بينما يعمل فؤاد مع يعقوب بصناعة آلة العود.. وقد كانت هناك علاقات حميمة ومعاملات طيبة تجمع بين تلك الأسر الثلاث. ويبيع الخواجة نيكولا متاتيا أملاكه العديدة فى مصر..وكان من بينها عمارة متاتيا .. وقد باعها للخواجة ميشيل الفرنسى..ولكن ظل المقهى معروفاً باسم (مقهى متاتيا ) .. أما البيت فقد قام بعرضه على أصدقائه الثلاث مظهر أفندى ويعقوب وجميل أفندى .. وطلب فى البيت ثمناً بالكاد يساوى نصف قيمته!..لأنه يريد الإسراع فى بيعه لضيق الوقت ! بالنسبة لمظهر أفندى تولدت لديه رغبة قوية فى امتلاك البيت..حيث كانت أمنية حياته أن يمتلك بيتاً فى القاهرة منذ قدومه إليها شاباً من الصعيد..لذلك قرر أن يسرع بالسفر إلى بلدته بالصعيد ليقوم ببيع قطعة أرض مهجورة ملاصقة لبيت ابن عمه ! وبالنسبة لجميل أفندى حنا تمنّى امتلاك البيت لما له من قيمة تراثية ومعمارية..فتوجه لوالده وعرض عليه الأمر..لكن والده رفض معللاً ذلك بأنهم على وشك الانتهاء من بناء بيتهم الجديد بحى شبرا..ذلك البيت الذى سينتقل إليه جميل بأسرته عمّا قريب للعيش مع إخوته! وبالنسبة ليعقوب اجتمع مع عمه زخارى وزوجته زهرة..وأخرج كل منهم ما يحتكم عليه من مال وقد كان مبلغاً زهيداً لا يفى بربع قيمة البيت الحقيقية ! فاستبعد يعقوب موافقة الخواجة نيكولا على بيع البيت يهذا المبلغ الضئيل.. لكن الرجل العجوز زخارى قرر أن يذهب بالمال للخواجة نيكولا مصطحباً معه يعقوب.. وتحدث المفاجأة حيث وافق الخواجة نيكولا متاتيا على طلب ورجاء زخارى له..معللاً ذلك لأجل خاطر عم زخارى لعلاقته القديمة بوالده متاتيا ..كما أنه أول من وضع قدمه فى البيت منذ أن استأجر الطابق الأرضى من والده..وقام بالفعل بتسجيل حجة ليعقوب تثبت ملكيته للبيت ! حينئذ يشعر جميل أفندى بالندم على أنه أخذ رأى والده فى الأمر..فقد كان بإمكانه شراء البيت حتى لو انتقل بعد ذلك للعيش مع إخوته بحى شبرا ! كما يعود مظهر أفندى مسرعاً بالمال المطلوب ليجد الخواجة متاتيا قد باع البيت ليعقوب.. فيجلس مع زوجته خديجة يعض على يديه متحسراً على ضياع البيت من يده .. ذلك البيت الذى أخذه يعقوب (بتراب الفلوس) ! ويرحل نيكولا متاتيا مشكوراً من يعقوب وأسرته..وغير مأسوفٍ عليه من الآخرين ! ويرى كل من مظهر أفندى وجميل أفندى أن يعقوب لاذنب له..لأنه لم يرتكب جرماً حين سعى لامتلاك البيت..فقد كان لديه نفس الطموح الذى لديهم..لكن كل شئ قسمة ونصيب ! فيبارك مظهر أفندى وجميل أفندى ليعقوب على البيت رغم أن قلب كليهما يعتصر حزناً وألماً على ضياع تلك الفرصة التى لا تسوقها الأقدار إلا مرةً واحدة فى العمر! ورغم امتلاك يعقوب للبيت وشعوره بالفرحة إلا أنه يؤكد لصديقيه مظهر أفندى وجميل أفندى أن البيت يعتبر ملكاً للجميع بحكم سنين العشرة التى قضوها تحت سقفه ! لكن هل ستستمر تلك المشاعر المتبادلة بين الأسر الثلاث أم أن هناك لعنة ستصيب الجميع بعد أن امتلك يعقوب بيت الخواجة نيكولا متاتيا ؟! نظيرة (ابنة يعقوب) تعمل لدى مدام مارى التى تقوم بتصميم وتفصيل الفساتين وملابس الاستعراضات لفرقة بديعة مصابنى وغيرها.. ذات يوم تذهب نظيرة بتصاميم جديدة لتطلع عليها مدام بديعة..فتقف فى زاوية من الصالة تشاهد فتيات الفرقة الاستعراضية وهى تقوم بإحدى بروفاتها..فتتفاعل معهن وتشاركهن الرقص من بعيد على استحياء..فتلمحها مدام بديعة وتُعجب بها..ثم تستدعيها وتجلس معها فى مكتبها.. وتسألها عن رغبتها فى الالتحاق بفرقتها..فتعبر نظيرة عن موافقتها وسعادتها الغامرة.. فتطلق عليها مدام بديعة اسم (ريتا) بدلا من نظيرة..وتطلب من إيزاك (مدرب الرقص) أن يقوم على تدريبها والاهتمام بها..وقبل أن يغادر إيزاك المكتب ..تهمس له مدام بديعة.. ـ خد بالك منها يا إيزاك البنت دى حييجى منها.. وتكتم ريتا خبر التحالقها بفرقة بديعة وتركها العمل لدى مدام مارى الخياطة..فطالما كان يحذرها يعقوب وأحياناً يضربها منذ أن كانت طفلة كلما ذهبت لبيت الأسطى نعيمة العالمة.. وتعلم أمها زهرة بالمصادفة من مدام مارى أن ابنتها نظيرة قد تركت العمل لديها منذ فترة.. فترجوها نظيرة ألا تخبر أباها بالأمر..وتؤكد لها أنها تمارس عملاً تحبه وألا تخشى عليها ! وبعد أن عبرت أمها زهرة عن اعتراضها وخوفها أوصتها بأن تحافظ على نفسها ! وبالفعل تنطلق ريتا مع فرقة بديعة وتصبح من فتيات الصف الأول..وتشارك فى جميع استعراضات الفرقة سواء فى صالة بديعة أو فى بعض الأفلام الغنائية.. وتصبح جوليا (ابنة بديعة بالتبنى وأهم فتيات الفرقة) صديقة ريتا المقربة وموضع أسرارها.. أما فؤاد بن مظهر أفندى فقد كان يعمل مع يعقوب فى ورشته أسفل المنزل فى صناعة آلة العود..ويهوى الغناء ويجيد العزف على آلة العود..ويحمل لنظيرة ابنة يعقوب مشاعر حب دفينة.. رغم أنه متزوج من وداد ابنة خالته التى استقدمتها أمه خديجة من الصعيد ! ويحاول فؤاد التعبير لنظيرة عن تلك المشاعر على استحياء..ولا يبوح بها صراحةً إلا لصديقه ماركو الذى يجيد عزف الكمان ويعمل خلف راقصات شارع محمد على.. ويعلم فؤاد من ماركو أن نظيرة قد احترفت الرقص وأصبحت من فتيات فرقة بديعة مصابنى.. فيخبر فؤاد نظيرة بما سمعه عنها..فتطلب منه راجية كتمان الأمر عن أبيها يعقوب.. فيتعاطف معها..ويطمئنها ويظهر لها مدى حرصه وخوفه عليها..
15من مايو 1948 حيث نرى مقهى (متاتيا) كالعادة مزدحماً بالجالسين عليه فى الداخل والخارج.. ومظهر أفندى مع أصدقائه يعقوب وجميل أفندى حنا.. يتسامرون ويضحكون.. وفجأة يتوقف الغناء الصادر من الراديو.. حيث يتم الإعلان عن النبأ الهام والخطير عن ( إعلان بن جوريون عن قيام دولة إسرائيل) حينئذ يتوجه الجميع بنظره نحو الراديو وتسودهم حالة من الصمت والوجوم وكأننا أصبحنا أمام مشهد من مشاهد متحف الشمع وليس مقهى متاتيا الذى كان منذ قليل يعج بالحركة والضجيج والضحك ! وعلى أثر ذلك تحدث حالة من الاضطراب والانقسام .. وأهم وأخطر ما حدث بالفعل هو انقسام اليهود فى مصر على أنفسهم إلى فئتين : فئة تؤيد وتتعصب لقيام تلك الدولة التى طالما كانت بالنسبة لها الحلم والأمل المنشود ! وفئة تعارض وترفض قيام تلك الدولة الصهيونية المغتصبة للحقوق والأرض العربية ! ومن خلال أسرة يعقوب سوف نلحظ هذا الانقسام وردود الفعل المتباينة.. حيث نجد يعقوب وأسرته تسودهم جميعاً حالة من الاضطراب عقب سماعهم ذلك الخبر المفاجئ ..فنرى الابن الأكبر نسيم يتحدث بحماسة شديدة وفرحة عارمة ويفاجأهم بأنه قد اتخذ قراره بالرحيل عن مصر..وأنه سوف يعيش ويستقر فى ذلك الوطن الجديد المنتظر.. بينما الابن الأصغر مراد (الطالب بكلية الحقوق) يثور عليه ويتهمه بالعمالة والخيانة لوطنه وأسرته وأسرة عم مظهر وعم جميل وكل المصريين ! أما نظيرة فقد عبّرت عن عدم رغبتها فى الرحيل..حيث لديها أحلام كثيرة لم تحققها بعد.. وأن تلك الأحلام لن تتحقق إلا فى حال بقائها..ومن المستحيل أن تتحقق لا فى إسرائيل ولا فى غيرها.. كما أنها تعشق ذلك البيت..الذى شهد مولدها..ويحمل بين جدرانه ذكريات طفولتها..و من المستحيل أن تفارقه وتسكن غيره..حتى لو كان قصر عابدين ! حينئذٍ يشيد يعقوب بموقف مراد ونظيرة..بينما يثور على نسيم..ويتهمه بأنه سيجلب عليهم جميعاً العار..ويهدده بأنه إذا صمم على الرحيل فإنهم سيتبرأون منه..وتنقطع علاقتهم به إلى الأبد ! وبالفعل يرحل نسيم فجأة ـ دون رجعة ـ غير مبالٍ بتهديد أبيه يعقوب..ولا توسلات أمه زهرة.. كما لم يخطر أحداً من أصدقائه..وقد كان أقربهم إليه ماركو الصديق المشترك بينه وبين فؤاد ! واضطر يعقوب أن يدّعى بعد ذلك لجيرانه وأصدقائه أن نسيم سافر للعمل فى أحد الفنادق !
ثم نرى مشهداً (حقيقياً) شبيهاً لما حدث فى بيت يعقوب..فى حىّ الضاهر.. بين ممثلتين مغمورتين.. هما الأختان جارسيا وسالى قاصين..حيث يحدث بينهما نفس الخلاف والجدل.. حين تتخذ الأخت الكبرى جارسيا قرارها أيضاً بالرحيل إلى الوطن الجديد..وتشرع فى حزم حقائبها.. فتتفاجأ سالى بموقف جارسيا..وتخبرها بحزن وأسى أنها لم تكن تتوقع منها ذلك.. وتسألها بأسى كيف يهون عليها أن تترك بلدها وأختها وترحل إلى بلد غريب ؟! وتحذرها سالى بأنها سوف تندم على تلك الفكرة الشيطانية..فلم تعبأ جارسيا بنصائح وتوسلات أختها..بل حاولت استقطابها للرحيل معها..وتخويفها فى حال بقائها..فترد عليها سالى بدموعها : ـ انتى بتقولى ايه يا جارسيا ؟!..دى بلدنا يا أختى اللى اتولدنا وعشنا فيها.. وعمرنا ما عرفنا بلد تانية غيرها.. ـ خلاص خليكى..انتى حرة..بس ما تجيش فى يوم من الأيام تندمى..وتقولى يا ريتنى.. ـ أنا حقول يا ريتنى أفضل عايشه هنا على طول..فى البلد دى لحد ما أموت وأدّفن فيها ! أنا ترابها عندى يا جارسيا أغلى من كنوز الدنيا كلها !
و فى جامعة القاهرة نجد مراد بن يعقوب يجلس مع بعض زملائه المقربين..عبد الحميد وشكرى وفاتن وكذلك رولا ابنة جميل أفندى حنّا..حيث يدور بينهم حوار يعبرون من خلاله عن مدى غضبهم ورفضهم لقيام تلك الدولة الصهيونية المغتصبة..ومثلما يحارب الجيش الآن على أرض فلسطين عليهم هم أيضاً دور لابد أن يقوموا به فى الداخل..! وفجأة يحضر زميلهم رفيق ويدعوهم للمشاركة فى المظاهرة التى ستخرج الآن من الجامعة. وعلى أرض فلسطين نجد الجيش المصرى يحاول مجابهة الاحتلال الصهيونى..ويقدم التضحيات من أجل الدفاع عن كرامة الأمة واسترداد الأرض العربية المغتصبة..لكن للأسف يجد نفسه يحارب منفرداً ومحاصراً فى الفلوجة بعد أن انسحب الجيش الأردنى فجأة.. فضلاً عن الخيانة والأسلحة الفاسدة التى كانت ترتد طلقاتها نحو قلوبهم وصدورهم.. وعقب ذلك المشهد الذى تُراق فيه دماء الجيش المصرى على أرض فلسطين بسبب الخيانة ينتقل المشهد على أفيش فيلم (أحب الرقص) حيث يقوم محروس بلصقه على الجدار الملاصق لمقهى متاتيا (وهذا الفيلم بالفعل تم انتاجه وعرضه عام 48 بطولة محمد أمين وتحية كاريوكا) !
وعلى مقهى متاتيا يدور حوار مشحون بمشاعر الغضب بسبب ما حل بالأمة من نكبات متوالية.. بدأت بالإعلان عن قيام الدولة الصهيونية المغتصبة للأرض العربية..ثم ما حل بالجيش المصرى من هزيمة بسبب الخيانة وصفقة الأسلحة الفاسدة وما ترتب على ذلك من ضحايا ودماء طاهرة سالت..ثم هجرة رجال الأعمال وأثرياء اليهود من مصر..وغيره !.. فنرى أحدهم يتهم حكومة النحاس باشا بأنها وراء كل ذلك الخراب..وآخر يدافع عن حكومة النحاس ويتهم الملك بالعمالة والخيانة..وثالث يتهم حكومة النحاس والملك معاً ! أما يعقوب فيعبر عن رأيه بنبرة حزينة بأن الملك قد أخطأ خطأً كبيراً حين سمح لروميل بدخول العلمين ..لأن ذلك أثار حفيظة الإنجليز..كما أدى إلى هجرة رجال الأعمال وأثرياء اليهود من مصر.. ويوافقه فى الرأى جميل أفندى حنّا..فيدافع مظهر أفندى عن الملك معللاً ذلك بأنه كان يريد ضرب الإنجليز بالألمان..ومن ثمّ طردهم من مصر! ثم يأتى رجل يصعد سلماً خشبياً قريباً منهم..فيلتفتون إليه حينما بدأ يدق لينزع اللافتة المعلقة على الجدار وقد كان مكتوباً عليها..(ميدان الملكة فريدة).. (وكان قد تم إطلاق اسم الملكة فريدة على ميدان العتبة عقب زواجها من الملك فاروق) فيعود الرجل ويعلق اللافتة القديمة (ميدان العتبة الخضرا).. فيزعق عليه مظهر أفندى مستنكراً بلهجته الصعيدية : ـ وه..شلت اليافتة ليه يا واكل ناسك ؟! فيخبره الرجل ببساطة .. أصلهم اطلّقوا ! فتنتاب الجالسين على المقهى حالة من الضحك والسخرية معاً.. وما زال مشهد المتناقضات مستمراً ..حيث إنه فى الوقت الذى نرى فيه مقهى متاتيا يمتلأ بالمثقفين وأصحاب الفكر والحوارات الأدبية والسياسية..فيما يدور فى المجتمع من مواقف وأحداث.. نجد بالخلف منه بار جابريلا الذى تملكه جابريلا (أخت يعقوب) وزوجها داوود مقصداً للسكارى والمشبوهين..ونرى بعض صور الانحلال من خلال (آلين) التى تعمل معهما بالبار حيث يستخدمها داوود وزوجته جابريلا من أجل إغراء بعض المغفلين والسكارى لابتزازهم وسرقتهم..وأحياناً تقوم جابريلا بالأمر نفسه بمباركة زوجها إذا تطلب الأمر أو عبر الزبون عن إعجابه بها ورغب فيها !
ونعود لجامعة القاهرة لنجد شكرى ـ الطالب الثورى ـ يطلع زملاءه على ما نشرته مجلة روزاليوسف من مقال لإحسان عبد القدوس يكشف من خلاله عن بعض الصفقات المشبوهة فى قضية الأسلحة الفاسدة..وكيف تاجر الملك وحكومة النحاس باشا بدماء المصريين..مما أدى إلى هزيمة الجيش المصرى..ويخبرهم عبد الحميد ـ الطالب الثورى أيضاً ـ بأنه قد علم اليوم من مصادر موثوقة أن وزير الحربية مصطفى نصرت قدّم بلاغا للنائب العام لفتح التحقيق فى قضية الأسلحة الفاسدة.. حينئذٍ يعبر مراد عن غضبه وثورته رافضاً قعود وصمت طلاب الجامعة الذين يجب أن يكون لهم دور فعّال..لأن صمتهم وتقاعسهم يعد خيانة لا تقل عن خيانة الملك وحكومته والإنجليز ! وبالفعل تتفجر المظاهرات من جديد ويحتشد طلاب الجامعة ويتوجهون نحو قصر عابدين رافعين اللافتات المنددة بالإنجليز وبالملك..والمطالبة بإسقاط رئيس الوزراء واتهامه بالخيانة.. وعلى إثر ذلك تقوم الحكومة بإعلان الأحكام العرفية وتحدث مصادمات ومواجهات عنيفة بين البوليس وطلاب الجامعة المتظاهرين..فيتم القبض على بعضهم..ويسقط بعضهم جرحى.. وفى الوقت الذى كان فيه مشهد المظاهرات عنيفاً ودامياً كان فى صالة بديعة راقصاً ومبهجاً.. ـ رقصها يا جدع بالترتر والودع ..على واحدة ونص ـ واتفرج على الدلع والوسط اللى انخلع..على واحدة ونص آه يا جدع..آه يا جدع..آه يا جدع
وفى سينما ريفولى كان فؤاد بصحبة زوجته وداد يشاهدان فيلم (عفريتة هانم) لفريد الأطرش.. فتلمح وداد نظيرة ضمن الفرقة الاستعراضية الراقصة فى أوبريت الإنس والجن.. فيحاول فؤاد تضليلها حينما تبيّن له بالفعل إنها نظيرة .. ـ وذلك لعدم رغبته فى أن يفسد علاقة نظيرة بأسرتها ـ لكن وداد تؤكد له أن تلك الفتاة هى نظيرة بنت يعقوب ! ولأن وداد لا تحبها وشعرت بتعاطف فؤاد معها أسرعت عقب عودتهما من السينما لزيارة زهرة (أم نظيرة) لتبارك لها ـ ساخرة ـ على عمل ابنتها كراقصة..وأثناء ذلك يدخل يعقوب ويسمع ما قالته وداد..فيستشيط غضباً..اعتقاداً منه أن نظيرة ما زالت تعمل لدى مدام مارى (الخياطة) وتنصرف وداد وقد تركت يعقوب فى حالة من الغضب والثورة على زوجته زهرة متهماً إياها بالتقصير وخداعه هى وابنتها..وتعود نظيرة إلى البيت بعد منتصف الليل كعادتها..فتجد الأسرة فى انتظارها..حينئذ يعلو الصوت بالتوبيخ والشجار والصفع..وتستيقظ أسرة مظهر أفندى وأسرة جميل أفندى على الصوت والشجار..ويستنكرون جميعاً تصرفات نظيرة !..وتنتهى تلك الليلة الطويلة بطردها من البيت..حيث لم تشفع لدى أبيها توسلات الجميع ! وينطلق فؤاد خلفها عقب خروجها..ويعبر لها عن أسفه مما فعلته وداد رغم تحذيره لها.. وحينما يعود إلى شقته يتشاجر مع وداد التى تسأله مستنكرة عن سر غضبه ودفاعه عنها.. ويبيت فؤاد ليلته حزيناً لعدم رؤية نظيره بعد ذلك كما اعتاد..ويظل يشعل سيجارة تلو الأخرى.. بينما زوجته وداد بجواره تختلس النظر إليه..وتبيت هى أيضاً ليلتها دامعة حزينة على حظها العثر بعدم الإنجاب..وذلك المجهول الذى صارت تشعر به نحو زوجها ونظيرة ابنة يعقوب. ونلحظ على الجانب الآخر داخل جامعة القاهرة قصة حب جديدة تنشأ بين رولا ابنة جميل أفندى وزميلها رفيق الذى ينتمى لأسرة أرستقراطية تسكن حىّ الزمالك..ومن المؤكد أن هذا الفارق الاجتماعى والطبقى بين الأسرتين سيحدث خلافاً ويعوق تحقيق حلمهما بالزواج ! كما نجد ماركو عازف الكمان بشارع محمد على يحب أيضاً رولا..لكنه لا يقدر على أن يبوح لها بحبه..ويكتفى فقط بنظراته إليها كلما مرت من أمامه..فهو يشعر بمدى الفارق بينه وبينها.. لأنه لم ينل حظه من التعليم كما نالت..كما أن عمله خلف عوالم شارع محمد على لن يكون مشرفاً لها ولا لأبيها الأستاذ جميل أفندى !..ويصرح فقط بذلك لصديقه فؤاد بن مظهر أفندى الذى نصحه بأن يتشجع ويحاول أن يعبر لها عن تلك المشاعر كما يحاول هو مع نظيرة ! وبالفعل يحاول ماركو أن يستوقف رولا..ويتحدث معها بذوق وأدب شديد..لكنه يظل يسألها عن والدها جميل أفندى وعن صحته..ورولا تجيبه أيضاً بأدب احتراماً وتقديراً لمشاعره.. ويكرر ماركو المحاولة دون جديد..كما أن رولا ما زالت لا تدرك حقيقة ما يهدف إليه ! هى فقط تراه مجرد جار وصديق مخلص..وفنان مرهف الحس يتمبز بالذوق والأدب الرفيع ! لكن ذلك القدر الضئيل مما أبدته رولا نحوه جعله يغامر ويتشجع ليذهب لجميل أفندى على المقهى ..ويصارحه بمدى إعجابه بأخلاق ابنته وأدبها وأنه سيكون فى قمة سعادته إذا وافق على زواجه منها..لكن جميل أفندى يدرك ما بين ابنته وماركو من تفاوت تعليمى وثقافى واختلاف فى الأهداف وأسلوب الحياة..وفى ذات الوقت يشعر بالحرج لعلمه بمدى ما يتصف به ماركو من أخلاق وأدب ومشاعر راقيه كإنسان وفنان..فيعتذر له بأدب معللاً ذلك بصغر سنها..وأن كل ما يشغل بالها هو دراستها..وكيف ستشق طريقها بعد التخرج..وعموماً كل شئ قسمة ونصيب ! فيدرك ماركو بإحساسه المرهف أن طلبه مرفوض..فينهض شاكراً ومعتذراً . وعلى إثر المظاهرات التى قام بها طلاب الجامعة..يقوم البوليس بالقبض على بعض المشاركين فيها..فيقتحم منزل يعقوب ليلاً ..ويتم القبض على مراد ويتم احتجازه بقسم الدرب الأحمر.. فتسرع رولا لتطلب من زميلها رفيق أن يتوسط لمراد لدى والده بحكم مركزه الاجتماعى المرموق وعلاقاته ..لكن (جبرائيل باشا) يقوم بتعنيف ابنه رفيق لعلاقته بمثل هؤلاء الطلبة المشبوهين.. وفى النهاية يستجيب لتوسلاته..ويتم الإفراج عن مراد بعد أن تم أخذ التعهد عليه وعلى والده يعقوب..وبعد أن أصبح له ولأسرته سجل لدى البوليس بالاسم والعنوان والديانة..
وينفرد يعقوب بابنه فى إحدى الحدائق العامة ليبوح له بمخاوفه وحزنه على ما حلّ بأسرته.. وظل يعاتبه على خروجه واشتراكه فى تلك المظاهرات التى يراها لن تقدم ولن تأخر.. وأنهم ينبغى أن يبتعدوا عن أية شبهة..وأن يتواروا عن أعين البوليس..بعد أن صارت حياتهم ومصيرهم فى مصرعلى المحك..خصوصاً بعد أن رحل ابنه الأكبر نسيم إلى إسرائيل.. ووضعهم جميعاً فى موضع لا يحسدون عليه..ولولا أنه أوهم الناس بأن نسيم قد سافر للعمل لأصبحت الأسرة جميعها فى أعين الناس منبوذة وخائنة !..فضلاً عن نظيرة التى جلبت عليهم العار بعملها كراقصة..واليوم لا يريد أن يصاب فى ابنه مراد..أمله الوحيد فى الحياة !
ونعود لنظيرة (ريتا) لنرى ماذا فعلت بعدما قام أبوها يعقوب بطردها من البيت..حيث نرى ريتا تتوجه نحو درب الخيامية لتعيش مع عمها إبرام الذى لم يتزوج بعد ويعيش بمفرده.. فيخبرها الجيران بأنه غادر السكن منذ فترة..ولا يعلم أحد عنوانه ولا محل عمله الجديد.. فتضطر للتوجه لبيت عمتها جابريلا بحى باب الشعرية..فتلقى الترحيب من عمتها..بل وتهنئها على ما حققته من نجاح مع فرقة بديعة..وحين تعلم من ريتا بطردها من البيت تصف جابرايلا أخاها يعقوب بالمتخلف لتفريطه فى تلك الموهبة.. وتمكث ريتا بالفعل فى بيت عمتها..وتمارس عملها كما كانت مع فرقة بديعة..ثم تضطر لمغادرته حيث أنها لم تسلم من مضايقات زوج عمتها داوود وتحرشه بها ! ثم تلجأ لصديقتها جوليا..وتحكى لها عمّا مرت به..من طرد أبيها لها..ومضايقات زوج عمتها.. فتطلب منها أن تساعدها فى العثور على سكن رخيص..فتعرض عليها جوليا أن تقيم معها.. لأنها صارت تعيش بمفردها بعد أن انفصلت عن أنطوان الذى اكتشفت خيانته لها مع ببا..
وأثناء عودة الأصدقاء الثلاثة مظهر أفندى وجميل أفندى ويعقوب فى ساعة متأخرة من الليل إلى بيتهم بدرب الأغوات وأثناء مرورهم بشارع محمد على يلاحظون بعض العساكر والضباط يحاصرون مسجد قيسون..ويشددون الحراسة عليه ويمنعون أى إنسان من مجرد الاقتراب ! وقد تبين لهم بعد ذلك من خلال الحوار الذى دار على مقهى متاتيا أنه قد تم الصلاة على جثمان حسن البنا فى صبيحة اليوم التالى ! وبالفعل كان قد تم اغتيال حسن البنا في الساعة الثامنة والثلث من مساء السبت 12 فبراير 1949.. وتمت الصلاة عليه فى مسجد قيسون بشارع محمد على صبيحة الأحد 13 من فبراير 1949.. وسوف نحاول من خلال مسلسل متاتيا عرض ذلك المشهد التاريخى: حيث لم يكن مسموحاً لأحد بالتواجد داخل المسجد للصلاة على حسن البنا غير والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا !..وفى ذلك يقول الشيخ أحمد والد حسن البنا : "وعندما وصلنا إلي جامع " قيسون " للصلاة علي جثمان الفقيد ، كان المسجد خالًيا حتى من الخدم ، وفهمت بعد ذلك أن رجال البوليس قدموا إلي بيت الله وأمروا من فيه بالانصراف ريثما تتم الصلاة علي جثمان ولدي ..ووقفت أمام النعش أصلي فانهمرت دموعي ولم تكن دموعا بل كانت ابتهالات إلي السماء أن يدرك الله الناس برحمته..ومضي النعش إلي مدافن الإمام ، فوارينا التراب هذا الأمل الغالي" (ونلاحظ هنا أن حادثة اغتيال حسن البنا وطريقة الصلاة عليه ودفنه من المؤكد أثارت حفيظة جماعة الإخوان..ومن ثم دفعتهم للانتقام من خلال العديد من الاغتيالات..كما تؤكد أنهم يمثلون الطرف الخفى وراء حريق القاهرة 26 من يناير 1952 وتدمير وحرق ممتلكات اليهود..ومن ثم هجرة الكثير من اليهود للنجاة بأنفسهم بعدما أصابهم الهلع والخوف الشديد على أرواحهم ممتلكاتهم.. وكل ذلك كان قبل ثورة 23 من يوليو 1952)
وداخل جامعة القاهرة نجد مراد ورولا ورفيق مع أصدقائهم يعبرون عن سعادتهم بنجاحهم وتخرجهم فى كلية الحقوق..ويتحدث كل منهم عن طموحه وأحلامه ومستقبله..ثم ينفرد رفيق برولا ليخبرها عن رغبته القوية فى الارتباط بها..وأنه بمجرد عودته للمنزل سوف يفاتح والديه فى الأمر..ورغم شك رولا فى موافقتهما يؤكد لها رفيق أنهما لا يرفضان له طلباً ! وداخل سراية جبرائيل باشا نجد رفيق يصرح لوالده جبرائيل باشا ووالدته زاهية هانم برغبته فى التقدم لخطبة زميلته رولا..فيسخر منه والده حين يعلم أنهم من قاطنى درب الأغوات بشارع محمد على.. وأبوها بقى يا سى رفيق بيشتغل إيه فى شارع محمد على..طبّال ولاّ صبى عالمة ! فيخبره رفيق إنه مدرس محترم..وأن تلك الأسرة محافظة..فيلقى المزيد من الرفض والسخرية.. بل والتهديد له ولأسرتها فى حال استمرت علاقته بتلك الفتاة ! وحين تعلم رولا ما حدث بين رفيق وأسرته تحاول أن تصرفه عن التمسك بها حتى لا تكون سبباً فى توتر العلاقة بينه وبينهم..كما أنها ترى أن ارتباطهما بالفعل أمر مستحيل نظراً للفوارق الطبقية بينهما. ورغم ذلك يصر رفيق على تمسكه بها والدفاع عن حبهما..ويخبرها بأنه سوف يحاول مقابلة والدها الأستاذ جميل أفندى..فتحذره رولا..لكنه يطمئنها ويطلب منها أن تثق به ! وتضطر رولا لمصارحة أمها وأبيها بأمر زميلها رفيق الذى يرغب فى الارتباط بها ..وما حدث بينه وبين والده من رفض وتهديد..لكنه ما زال متمسكاً بها ويريد مقابلة والدها ! وعلى مقهى متاتيا يعرض جميل أفندى على صديقيه مظهر أفندى ويعقوب أمر رفيق بن جبرائيل باشا ورغبته فى الزواج من ابنته رولا..فيحذره صديقاه من جبرائيل باشا الذى من المؤكد أنه سيرفض وبشده..وأن فى استطاعته أن يفعل أى شئ من أجل أن يمنع زواجهما ! فيسرع جميل أفندى للبيت وينفرد بابنته رولا ليتحدث معها فى أمر رفيق ووالده جبرائيل باشا وينصحها بأن تصرف النظر عن زميلها رفيق لأنه من المستحيل أن يرضى والده عن زواجهما.. وأنه يخشى من بطش هذا الرجل بأسرته..فتعده رولا بأنها ستحسم هذا الأمر ! لكن فى اليوم التالى يتوجه رفيق للمدرسة التى يعمل بها جميل أفندى ويقابل رشدى بيه صاحب المدرسة ويعرّفه بنفسه..فينهض الرجل مرحباً به حيث إنه يعرف والده جبرائيل باشا معرفة وثيقة.. ثم يسأله إن كان هناك أية خدمة يستطيع أن يقدمها له..فيخبره رفيق أنه جاء لمقابلة جميل أفندى فى أمر خاص..فيبدى الرجل موافقته ويستدعى جميل أفندى ويتركهما للجلوس منفردين..لكنه يرتاب فى الأمر لما بين الاثنين من فوارق وتباعد اجتماعى كبير!.. إذاً ما الأمر الخاص الذى يمكن أن يجمع بين هذا الشاب ابن جبرائيل باشا وجميل أفندى ! وفى غرفة المكتب يصرح رفيق لجميل أفندى بمدى إعجابه برولا..ورغبته فى الارتباط بها..لكن جميل أفندى يعبر له عن استيائه من سوء تصرفه بزيارته له فى المدرسة..فيرتبك رفيق ويتعلل بأنه يريد أولا أن يتأكد من موافقته ثم بعد ذلك سيزوره بصحبة أسرته فى البيت زيارة رسمية !..فيؤكد له جميل أفندى أن موافقة أسرته أمر مستحيل..وأن زيارة رفيق له فى المدرسة ستعقد الأمر أكثر وربما تسفر عن عواقب وخيمة..وينهى جميل أفندى المقابلة رافضاً طلب رفيق..راجياً منه أن ينسى هذا الأمر.. وبالفعل بمجرد رجوع رفيق إلى السراية نجد والده جبرائيل باشا ووالدته زاهية هانم فى انتظاره.. بعدما أخبرهما رشدى بيه بما حدث وبالأمر الخاص الذى جمع بين رفيق بيه وجميل أفندى ! فيثور جبرائيل باشا وزاهية هانم على رفيق ثورة عارمة..ويتهماه بالحمق وسوء والتصرف.. لأن ما يقدم عليه ضرباً من المستحيل..كما لم يقدم عليه أحد فى العائلة من قبل ! ويعود جبرائيل باشا لتحذيره وتهديده من جديد..إما أن ينسى تلك الفتاة وأسرتها وإما سيتعامل معه كشخص لا يعرفه..حتى لو وصل الأمر لحبسه أو طرده والتبرؤ منه ! ثم يصرخ فى وجه الجميع ويأمر بعدم الخروج من السراية إلا بإذنه..ثم تتوجه زاهية بالسؤال لزوجها عن كيفية تصرفه فى تلك المصيبة ؟!..فيطمئنها بأنه لن يسكت عن هذا الأمر.. وأنه الآن سيضع حداً لتلك المهزلة !..وبالفعل يدخل مكتبه ويقوم باتصالاته العاجلة !
ويعود جميل أفندى إلى بيته..ويجلس مع زوجته رجاء وابنته رولا ويخبرهما بما حدث بينه وبين رفيق حينما قام بزيارته فى المدرسة..حينئذٍ يدق الباب بعنف..ويصاب البيت بحالة من الهلع حيث قام البوليس باقتحام الشقة وإلقاء القبض على جميل أفندى ! ويتم احتجاز جميل أفندى.وأثناء التحقيق معه يظهر له المحقق قرار فصله من المدرسة موقعاً ومختوماً من رشدى بيه..وقد ذكر فى القرار سبب فصله..وهو الخوض فى أمور سياسية والعيب فى الذات الملكية أثناء قيامه بالتدريس لمادة التاريخ ! حينئذٍ تدرك رولا أبعاد الموقف والأسباب الحقيقة للقبض على والدها وفصله من المدرسة.. لكن تظل التهمة الموجهة إليه خطيرة..وربما تذهب به لأبعد من ذلك ! لذا قررت أن تسرع بالتدخل فى الأمر لأنها تدرك جيداً أنها السبب وراء تلك الكارثة التى حلت بأبيها.. وأنها الوحيدة التى يمكن أن تخلصه منها..فنجدها تخرج من البيت وتنطلق نحو ماركو الذى لاحظ حالة الاضطراب والفزع التى عليها..فتطلب منه أن يقدم لها خدمة إن كان بالفعل يقدرها هى وأباها.. فيؤكد لها ماركو بأنه على استعداد أن يضحى بحياته من أجلها وأجل جميل أفندى..فتخبره أنها تريد منه أن يأتى معها إلى سراية جبرائيل باشا والد زميلها رفيق..وهناك ستكون الخدمة التى سيقدمها لها ماركو. وتصل رولا إلى السراية بصحبة ماركو وتقابل جبرائيل باشا وزوجته السيدة زاهية هانم.. فتبدأ بالاعتذار لهما عن زيارتها المفاجأة..ثم تقوم بالتعريف عن نفسها..وقبل أن تشرع زاهيةهانم فى انفعالها عليها تسرع رولا بتعريفهم على ماركو بصفته خطيبها..وأنها حضرت خصيصاً ليشرفوها جميعاً بحضور حفل زواجهما !..حينئذٍ يتبادل جبرائيل باشا وزوجته نظرات الرضا بعدما فهما رسالة رولا لهما..بينما يهبط رفيق مسرعاً من أعلى بمجرد سماعه ما ادّعته رولا..فيتوجه إليها مستنكراً.. ـ انتى بتقولى ايه ؟! فتنفعل عليه والدته زاهية هانم.. ـ جرى إيه يا رفيق !..زميلتك وجاية تعزمنا على فرحها..ده بدل ما تباركلها ! ويتوجه جبرائيل باشا نحو رولا ويبارك لها..ويهمس لها ليطمئنها على والدها ! هنا يبدأ رفيق يفهم ما يدور حوله..وقبل أن ينطق ينفعل عليه والده ويأمره بالصعود لأعلى !
وبالفعل يتم الإفراج عن جميل أفندى حنا بعد تبرئته من التهمة الموجهة إليه..لكنه يعود إلى بيته مشوهاً بعدما تعرض للأذى والضرب المبرح..فظل منطوياً على نفسه صامتاً يشعر فى أعماقه بالمذلة والمهانة والانكسار ! ويقوم مظهر أفندى ويعقوب بزيارته ويحاولان مواساته والتخفيف عنه..ويلومانه لأنهما حذراه من قبل من جبرائيل باشا وبطشه..فينفعل جميل أفندى مؤكداً لهما أنه كان ضحيه لسوء تصرف رفيق الذى قام بزيارته فى المدرسة..ورغم ذلك رفض طلبه بالزواج من رولا ! ثم يصطحبان جميل أفندى للجلوس معهما على مقهى متاتيا ليخرجاه من حالته النفسية.. وعلى مقهى متاتيا نجد مظهر أفندى ويعقوب يحتفيان به وكان ذلك بالمصادفة فى 6 من مايو 1951 فى نفس اليوم الذى تم فيه الإعلان عن زواج الملك فاروق من الملكة ناريمان.. فنجد يعقوب يعبر عن سعادته بالإفراج عن جميل أفندى وسلامته فيأمر بإنزال المشاريب على حسابه لكل الجالسين على المقهى..فيعقبه مظهر أفندى بقوله : ـ وكمان علشان خاطر جلالة الملك..مولانا المعظم اللى فرحه الليلة ! فيعترض البعض لعدم رضاه عن الملك الذى يعتبره خائناً..وتحدث مشادة بين مظهر أفندى وبينهم.. فيعاندهم مظهر أفندى ويخبرهم بأنه سيقيم احتفالاً بهذه المناسبة فى حديقة الأزبكية المواجهة للمقهى. وبالفعل يأتى ماركو بفرقة موسيقة وراقصة وأحد المطربين ليغنى : يارب تسعد لينا الأوقات..وتديم علينا الفرح سنين عقبال كده ما اسقى شربات..فرح البكارى للسامعين وأقول وأغنى..يارب هنّى..عروستنا بعروسها وبارك وتشعر مدام بديعة بالتعب النفسى والجسدى معاً لسوء أحوالها المادية..وفرض الضرائب الباهظة عليها..فتخبر جوليا أنها ستضطر لبيع الصالة ل ببا بعد أن ورطها أنطوان ابن أختها فى الأمر ! فتستنكر جوليا شراء ببا للصالة..فتؤكد لها مدام بديعة بأن أنطوان السبب ! ـ أنطوان ابن أختى للأسف خانّى زى ما خانك يا جوليا.. وباعنى بالرخيص قوى.. وترحل مدام بديعة مصابنى فجأة إلى موطنها بلبنان..وتعبر فتيات الفرقة عن حزنهن لفراقها.. لكن جوليا تجتمع مع ريتا وفتيات الفرقة فى بيتها وتقنعهن بأهمية الاستمرار فى العمل.. حيث ما زالت هناك اتفاقات وعقود لابد أن يوفوا بها للعديد من الاستعراضات الغنائية وبالفعل تمارس الفرقة عملها بنجاح..وتساهم بقوة فى صناعة الأفلام الغنائية الاستعراضية..
ويلحظ فؤاد أثناء جلوسه مع ماركو صمته وعدم شعوره بالفرحة..فيصرح له ماركو بعدم رضاه حين قدمته رولا لأسرة جبرائيل باشا على أنه خطيبها .. لشعوره أنه كان مجرد وسيلة لتنقذ والدها.. وقد كان يتمنى أن تكون تلك رغبتها الحقيقية..لأنه من المؤكد ما زالت تحب زميلها رفيق.. أما ماركو بالنسبة لرولا كان مجرد خدمة وانتهى من تأديتها !
ثم يتفاجأ جميل أفندى بزيارة رشدى بيه صاحب المدرسة له فى المنزل ..وقيامه بالاعتذار له بعدما تأكد من براءته..ويطلب منه راجياً أن يعود لعمله بالمدرسة ! لكن جميل أفندى يعتذر له ويصرفه مشكوراً..رغم سوء أحواله المادية ! وعقب انصراف رشدى بيه يبدى جميل أفندى دهشته من تحول موقف الرجل..فجميل أفندى يعلم أن رشدى بيه مجرد آداة تنفذ أوامر جبرائيل باشا حين قام بفصله ولفق له تلك التهمة.. لكن ما الذى حدث ليتم تبرئته والإفراج عنه..ويجعل هذ الرجل يأتى إليه خصيصاً فى بيته ليعتذر له ويرجوه أن يعود إلى عمله بالمدرسة ! حينئذٍ تضطر رولا أن تخبر والدها بما فعلته حينما ذهبت إلى جبرائيل باشا بصحبة ماركو ! هنا ينتفض جميل أفندى غضباً..ويظل يعنف رولا على ما فعلته دون علمه أو مشورته..وصرح بأن أكثر ما أغضبه هو محاولة استخدامها ماركو كوسيلة..هذا الشاب المحترم النبيل كيف تتلاعب رولا بمشاعره وتضعه فى هذا الموقف المهين ؟! فتخبره رولا أنها كانت مجرد خدمة لم يعترض عليها ماركو من منطلق احترامه وحبه لوالدها.. فيرد عليها جميل أفندى بل قام بذلك من منطلق حبه لرولا ورغبته فى الزواج منها.. لأن ماركو سبق وأن طلب يدها منه على المقهى ..لكنه اعتذر له بأدب دون أن يجرح مشاعره.. حينئذ تشعر رولا بأنها أخطأت بالفعل فى حق ماركو..فلم تكن تدرك حقيقة مشاعره نحوها.. وأنه بالفعل يحبها ويرغب فى الزواج منها..هى كانت تعتقد أنه مجرد جار وصديق.. ! حينئذٍ يرسل جميل أفندى فى طلب ماركو لمقابلته فى المنزل.. وبالفعل يسرع ماركو بالحضور..وينفرد به جميل أفندى فى غرفة الجلوس ليعتذر له عما قامت به رولا دون علمه..وفى ذات الوقت يشكره على شهامته وموقفه النبيل..حينئذٍ تدخل رولا عليهما معترضة على والدها بأنه لا داعى لشكر ماركو لأن هذا واجب عليه نحو خطيبته وحما المستقبل !..فيبدى جميل أفندى وماركو اندهاشهما..ثم تستأذن رولا والدها بأنها ترغب فى الجلوس مع ماركو منفردين..فيسمح لها بذلك..فتقوم رولا بالاعتذار لماركو لأنها ربما تكون فاجأته بما حدث فى سراية جبرائيل باشا.. وأنها لجأت إليه ولم تلجأ لغيره لعلمها بأنه يقدرها ويحبها..وأنه كان يرغب فى الزواج منها ! لكن ماركو بذكائه يدرك أبعاد الموقف..ويصرح لها بأنه كان يتمنى لو أن موافقتها على الارتباط به لم تكن فى سراية جبرائيل باشا وذلك الظرف الصعب الذى مر به جميل أفندى..فينصحها ماركو بألا تورط نفسها مقابل مجرد خدمة وواجب كان عليه أن يقو م به ! ثم يؤكد لها أنه يدرك ما بينه وبينها من فوارق كبيرة..حيث إنها ستتخرج من الجامعة قريباً وتصبح أستاذة ومحامية..أما هو فمجرد عازف يعمل خلف راقصات وعوالم شارع محمد على ! فتسأله رولا متعجبة : ـ طب ولما انت شايف كده..ايه اللى خلاك تطلب إيدى من بابا ! فينهض ماركو ويرد عليها بعيون دامعة ونصف ابتسامة .. ـ الكمنجة الله يسامحها.. كل ما بعزف عليها بتحيى عندى الأمل وتجدد مشاعر الحب اللى جواية من ناحيتك !
وعلى مقهى متاتيا يذيع الراديو خبر إنجاب الملكة ناريمان ولى العهد الأمير أحمد فؤاد.. فيعبر مظهر أفندى عن سعادته الغامرة كعادته..ويأمر عبده أن ينظر فى طلبات كل الجالسين على المقهى..وأن المشاريب جميعها على حسابه ! ويدور النقاش والجدل والخلاف حول الملك فاروق الذى لا جدوى منه ولا من ولى عهده ! وتتنقل فرقة بديعة من استعراض إلى آخر..ومن بروفة إلى أخرى..ومنها بروفة أوبريت أنا عايزة اتجوز وكانت ضمن فتيات الفرقة ريتا ابنة يعقوب وصديقتها الحميمة جوليا.. تروح هناك..تروح هنا .. ما فيش غرام غير عندنا وأنا مالى أنا عايزة اتجوز..وأنا مالى أنا عايزة اتجوز وهنا نلحظ تباين ومفارقة عجيبة..ففى الوقت الذى كان فيه معظم فئات المجتمع يعيش حالة من اللهو والتسلية والترفيه كانت الشرطة المصرية تضحى بالروح والدم دفاعاً عن كرامة المصريين من خلال ذلك المشهد الدموى الرهيب ! الإسماعيلية 25 من يناير 1952 حيث تدور معركة شرسة يخوضها 800 جندى من جنود الشرطة المصرية البواسل وهم محاصرون ويحملون بنادق قديمة تقليدية ليدافعوا عن قسم البوليس بمحافظة الإسماعيلية حفاظاً على كرامتهم وكرامة المصريين فى مواجهة سبعة ألاف جندى من جنود الاحتلال البريطانى مزودين بأحدث الدبابات والعربات المصفحة والأسلحة الثقيلة والمدافع.. وفى قلب ذلك الجحيم والموقف العصيب ظل أبطال الشرطة المصرية صامدين في مواقعهم يقاومون رغم سقوط الشهداء والجرحى.. حتي نفدت ذخيرتهم وسقط منهم في المعركة 50 شهيدا و 80 جريحا , بينما سقط من الضباط البريطانيين13 قتيلا و12 جريحا.. ولم يستطع الجنرال الإنجليزى اكسهام أن يخفي إعجابه بشجاعة وبسالة المصريين..فأمر فصيلة من الجنود البريطانيين بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصرية عند خروجهم من دار المحافظة وهم يمرون أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم ..من أجل ذلك أصبح يوم 25 من يناير من كل عام عيداً للشرطة تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء من أبطال مصر العظماء..
وعلى مقهى متاتيا نجد الجميع فى حالة من الصمت والحزن الشديد كأنهم يجلسون فى سرادق للعزاء ..ويستمعون للراديو وهو يعلن أسماء شهداء الإسماعيلية..وفجأة يصرخ عثمان الرجل الصعيدى المغترب الذى يعمل بأحد محلات السجاد بالموسكى بمجرد سماعه اسم أخيه الأصغر المجند الشهيد ..ويلتف الجميع حوله لتهدئته ومواساته..مؤكدين له أن أخاه الشهيد ما زال حياً يرزق عند ربه.. وأن الثأر قادم لا محالة ! وبعد ذلك سنرى عثمان هذا سيتحول من حالة الفقر الشديد إلى الغنى حين يصبح فجأة هو المالك لمحل السجاد الكبير على أثر رحيل صاحبه اليهودى ! القاهرة 26 من يناير 1952 حيث خرجت المظاهرات العارمة في القاهرة ، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة.. وانطلقت الجماهير الغاضبة تشق شوارع وميادين القاهرة..ثم زحفت تجاه الجامعة و انجرف معها الطلبة متجهين إلي مبني رئيس الوزراء مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا و إعلان الحرب عليها..ثم توجهوا نحو قصر عابدين منددين بالملك و الإنجليز. وبالطبع كان مراد وزملاؤه فى مقدمة الطلاب المتظاهرين.. ومع انتصاف ذلك اليوم بدأت الشرارة الأولي لحريق القاهرة من ميدان الأوبرا بإشعال النيران في عمر أفندى وكازينو أوبرا ، وانتشرت النيران في فندق شيبرد والعديد من المتاجر و الشركات ودور السينما و الفنادق و البنوك والملاهي الليلية و المؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية واليهودية.. كما طالت الحرائق أيضاً أحياء الفجالة و الضاهر و القلعة و ميدان التحرير و ميدان محطة مصر.. وسادت الفوضي و أعمال السلب و النهب.. وقد أسفر كل ذلك عن مقتل 26 شخصًا ، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا ولم يهدأ الأمر إلا بنزول فرق من الجيش إلي الشوارع فاختفت عصابات السلب و النهب.. و أعلنت الحكومة الأحكام العرفية ووقف الدراسة فى الجامعات والمدارس لأجل غير مسمى. ثم نرى مظهر أفندى الذى يعمل بائعاً فى شركة عمر أفندى بشارع عبد العزيز يقف بين الركام المحترق يتأمله بحسرة وأمامه السيد عمر أرناؤوط مدير محلات عمر أفندى جالس على أحد المكاتب واضعاً يده على رأسه فى حالة من الشرود والصمت ! ويخرج مظهر أفندى من المبنى وهو ما زال يتلفت حوله ليتأمل الحطام والركام بحسرة وألم ويسير فى شارع عبد العزيز بخطا متثاقلة متوجهاً نحو مقهى متاتيا بميدان العتبة..فيرى أناساً يهرولون بجانبه فزعاً لينجوا بأنفسهم..وأناساً يفرون بأشياء قاموا بسرقتها..وأناساً يحملون أفراداً مصابين بالحروق أو الكسور..فيضرب كفاً بكف ويردد : ـ حسبى الله ونعم الوكيل ! .. حسبى الله ونعم الوكيل ! ثم يصل إلى المقهى فيجد أحد العاملين فى كازينو أوبرا يهرول نحو المقهى ليخبرهم وهو فى حالة من الفزع بحرق الكازينو..حينئذٍ يسرع الخواجة ميشيل ومعه عبده وألبير بغلق المقهى.. ويقفوا جميعاً خارجه وبجوارهم بعض رواد المقهى وقد كان من بينهم يعقوب وجميل أفندى..وقد انتابتهم حالة من الغضب لحرق القاهرة ومعالمها..فيعلو من بينهم صوت (يهاجم الملك فاروق) ويتهمه بأنه وراء كل ذلك لكى يتخلص من وزارة النحاس باشا..فيتعصب مظهر أفندى مدافعاً عن الملك كعادته : ـ يا عالم حرام عليكو..اتقوا ربنا..وماتقلش ليه إن الإنجليز همّا اللى عملوها.. ـ والانجليز مصلحتهم إيه فى كده ؟! ـ ما همّا كمان عاوزين يتخلصوا من النحاس باشا بعد ما لغى معاهدة 36 .. ويتخلصوا من الملك بالمرة بعد ما رفض يسلمهم السودان..ووقفلهم زى اللقمة فى الزور ! ـ وفيه اللى بيقول إن الإخوان المسلمين هم اللى عملوها.. ثم يعود يعقوب للمنزل بصحبة صديقيه ليجد الرجل العجوز زخارى ملقى على الأرض فى ورشته..مضرجاً فى دمائه..ويحيط به أهل البيت والدرب وهم ينتحبون عليه !
حيث قام ثلاثة من الشباب الملتحين باقتحام الورشة..وقد كانوا يقصدون يعقوب ليتخلصوا منه على اعتبار أنه كافر وخائن لمجرد أنه رجل يهودى ..ويقوم على صناعة الآلات الموسيقية ! ولم يكن فى ذلك الوقت غير الرجل العجوز زخارى (حما يعقوب) حيث يجلس فى زاوية من الورشة..ومنهمك فى عمله المعتاد صناعة القباقيب..ويريد أن ينجز عشرين قبقاباً جديداً لمسجد قيسون المجاور..ويتلفت هؤلاء الملتحون بحثاً عن يعقوب..فيسأله أحدهم عن يعقوب.. فلم يجبه زخارى بسبب فقدانه لحاسة السمع..ويعتقد أنهم جاءوا من أجل قباقيب المسجد.. فيشير إليهم للجلوس..ويخبرهم بسذاجة ! .. ـ اتفضلوا أقعدوا..واقفين ليه..عشر دقايق..وقباقيب جامع قيسون حتكون خلصانة ! وبمجرد أن ذكر أمامهم اسم مسجد قيسون تذكروا مرشدهم وأمامهم الأعلى حسن البنا.. فأخذوا يترحمون عليه بأسى..ثم همس زعيمهم لزميليه.. ـ وده بقى يطلع ايه؟!..مسلم ولا مسيحى ولا يهودى..ولا ايه حكايته بالظبط.. ـ ده الخواجة زخارى عم يعقوب..بييشتغل فى القباقيب..وهو اللى عامل قباقيب الجوامع اللى حوالينا دى كلها..جامع السلطان حسن والرفاعى والنصر وقيسون.. ـ يعنى القباقيب اللى فى الجوامع دى..اللى بيلبسها المسلمين ويتوضوا فيها..اللى عاملها الراجل اليهودى ده ؟! ..طبعاً ماهو علشان القائمين على الجوامع دى كلهم كفرة زيه.. وازاى تسمحوا بحاجة زى كده ؟! ـ واحنا فى إيدينا ايه نعمله !.. فيقبض على إحدى القباقيب الخشبية بعصبية..ويصرخ : ـ فى إيديكم تعملوا كده.. ويظل يضرب عم زخارى على رأسه بعنف وقسوة حتى هشم رأسه ولم يتركه إلا جثة هامة ! وعقب هروبهم يلتف الجميع حول عم زخارى وهو ملقى على الأرض غارقاً فى دمائه.. ويبكى عليه كل أهل الدرب المسلم والمسيحى واليهودى..ويترحمون جميعاً عليه..
وتظل حالة المتناقضات تسود المجتمع المصرى..حيث ينتقل المشهد فجأة من ذلك المشهد الحزين المصحوب بتلك الموسيقى الجنائزية إلى مشهد مبهج خليع.. طبلى على الدربكة كمان .. حرقصلك زى بديعة زمان كانت لما صاجتها ترن تجن عقول .. دغرى تخلى القلب يحن ساعة ما تقول : آه يا أسمر اللون حياتى الاسمرانى ..حبيبى وعيونه سود أما الكحل ربانى هكذا كانت ريتا بصحبة فرقة بديعة تقدم استعراضها خلف الطفلة فيروز فى فيلم دهب !
وعلى أثر ما وقع من حريق القاهرة وما حدث لعم زخارى من ميتة بشعة أسرع جميل أفندى باتخاذ قراره للانتقال بأسرته للنجاة بها والعيش مع إخوته فى بيتهم الجديد بحى شبرا.. ويتوجه ماركو لجميل أفندى ليودعه هو وأسرته وداعاً حزيناً..فيناوله جميل أفندى ورقة بها عنوان مسكنه الجديد متمنياً أن يقوم بزيارته لتعلقه وحبه الشديد له.. وتظل علاقة جميل أفندى بصديقيه مظهر أفندى ويعقوب قائمة حتى بعد أن انتقل بأسرته إلى مسكنه بحى شبرا..فظل يحرص على زيارتهما إما فى البيت أو يلتقى بهما على مقهى متاتيا.
أما يعقوب فظل يندب حظه العثر..وما حلّ بأسرته وبيته من نكبات..نسيم الذى رحل ولا يعلم عنه شيئاً..ونظيرة التى باعت أهلها وفضلت عليهم حياة الراقصات والعوالم..وعمه الرجل العجوز الذى قتلوه دون ذنب أو جريرة..كما أنه لم يعد يستطيع رؤية زوجته زهرة وهى تنتحب حزناً على مقتل أبيها زخارى..وترتجف خوفاً على زوجها وابنها مراد..فلم تعد تقدر على النوم بعدما فقدت الشعور الأمان.. فيفاجأ يعقوب صديقيه المقربين بأنه قد اتخذ قراره الصعب على نفسه بالرحيل..لكى يحافظ على ما تبقى من أسرته..وعلى ابنه مراد الذى صار مستقبله مجهولاً ! فيستنكر كل من مظهر أفندى وجميل أفندى قرار يعقوب بالرحيل..ويحاولان إثنائه عن فكرته لكنهما يفشلان..ثم يحاولان التعرف على وجهته التى يقصدها فى حال رحيله بأسرته.. فيجيبهما يعقوب وقد فهم مقصدهما من السؤال بأنه سيحاول التوجه لأية دولة من دول أفريقيا !
أما بار جابريلا أخت يعقوب فقد اشتعل عن آخرة..وأصيبت جابريلا وزوجها بحروق وتشوهات خطيرة..وقد كانت آلين فى ذلك الوقت بصحبة أحد الأعيان فى لوكاندة مصرتمارس عملها المعهود (الدّعارة) .. فنجت من الحريق ! فقام يعقوب بزيارة أخته جابريلا..وأخذ يواسيها..وأخبرها بأنه قد عزم على الرحيل هو وأسرته عن مصر..وأنه اتفق مع زوجته زهرة على بيع البيت..فتخبره جابريلا بأنها هى وزوجها داوود قررا أيضاً الرحيل عن مصر..وأنها تعرض الخمارة للبيع..ولا تجد من يشتريها..حتى أنها عرضتها على أخيهما إبرام..لكنه اعتذر لأنه قام بشراء ملهى بشارع عماد الدين..فتقترح على يعقوب أن يذهب إليه فى عنوانه الجديد بالضاهر..ويعرض عليه البيت.. ويبدى يعقوب دهشته من تبدل حال إبرام.. وكيف استطاع أن يسكن حى الضاهر ..ويصبح لديه ملهى خاص..بعد أن كان يسكن غرفة مظلمة بدرب الخيامية..ويعمل فى محل مينى فاتورة بالموسكى ؟!
وتحضر آلين لزيارة جابريلا وزوجها داوود لتطمئن عليهما..فتسألها جابريلا إن كانت ترغب فى الرحيل معهما..فتخبرهما آلين بأن العمدة..يريد بقاءها..وأنه يعرض عليها شراء شقة خاصة بها أوأى شئ تطلبه..فتخبرها جابريلا بأنها تعرض البار للبيع..وعليها أن تنتهز تلك الفرصة..فتراها آلين بالفعل فرصة ذهبية..وتسألها عن ثمنها..فتخبرها جابريلا بأنها تريد ألفين جنيه..فتساومها جابريلا وتعرض خمسمائة جنيه فقط..معللة ذلك بقولها.. ـ مدام انتى آرفة كويس إن الزبون كان يدخل خمارة جابريلا موش أشان شمبانيا ولا ويسكى.. كان يدخل أشان آلين..وأكيد كمان أشان جابريلا..لا مؤاخذة مسيو داوود..لكن دلوكتى ما فيش جابريلا..وما فيش آلين..كمان ما فيش زبون..وخمارة خلاص فنيتو..مالوش لزوم ! وبعد أن أخذت جابريلا تتحسس وجهها المشوّه..اضطرت للموافقة على عرض آلين الرخيص ! وتحقق فتيات فرقة بديعة نجاحات مبهرة..وصارت تساهم فى استعراضات كل الأفلام الغنائية.. ولم تعد تلاحق على العمل..لكن للأسف الشديد كان عدد فتيات الفرقة يتناقص من حينٍ لآخر البعض منهن كان يتزوج ويتم إجباره على عدم الاستمرار فى العمل.. والكثيرات منهن كن يهوديات وبدأن يرحلن عن مصر مع من رحل.. وتصبح ريتا ذات يوم على صدمتها الكبرى ..حين تخبرها صديقتها الحميمة جوليا بأنها اتخذت هى أيضاً قرارها بالرحيل !..فتصبح ريتا بلا مأوى ولا عمل..حيث اعتادت أن تعمل فى فرقة وليس بمفردها..فتضطر للإقامة فى لوكاندة مصر..وهناك تقابل آلين والعمدة المرافق لها.. وتعرف ريتا من آلين أن عمتها جابريلا قد رحلت هى وزوجها داوود عن مصر..وأن آلين قد اشترت الخمارة..وتقوم الآن بتجديدها..وحين تعرف آلين من ريتا أنها أصبحت بلا عمل وبدأت أموالها تنفد تعرض عليها العمل معها..وأنها بما تملكه من جمال ووسائل إغراء تستطيع أن تمتلك ما تريده من المال ويتبدل حالها إلى الأفضل ! لكن ريتا ترفض عرض آلين..فهى لم تعتد حياة الغانيات الرخيصات..ولم تكن تلك تربية أمها زهرة ولا أبيها يعقوب لها..وما عرفت ذلك يوماً منذ أن عملت مع جوليا بفرقة ماما بديعة.. إنها كانت فقط راقصة تعشق الاستعراض وهؤلاء الفنانيين العظماء أصحاب الذوق والفن والخلق الرفيع من أمثال فريد الأطرش ومحمد فوزى وليلى مراد وغيرهم ! فتتوجه ريتا نحو بيت أبيها يعقوب..لكى تعتذر له ولأمها وتستعطفهما لتعود إليهما من جديد .. فيراها فؤاد فجأة أمامه وهو يعمل بالورشة..فتبدو على وجهه علامات الفرحة الغامرة..خاصة بعد أن علم منها برغبتها فى أن تعود للعيش مع أسرتها..فيقوم بتوصيلها للداخل..ثم يجلس فى ورشته رافعاً يده بالدعاء ليهدى الله عم يعقوب ! وتدخل ريتا على أسرتها فتجد الجميع فى حالة من الحزن والانكسار..وتعلم ما حل بهم وبجدها زخارى..فتعبر عن حزنها وإشفاقها عليهم وتقوم بالاعتذار لأمها وأبيها يعقوب..وتطلب منهما راجية السماح والغفران..وأنها ترغب فى رضاهم وأن تعيش بينهم من جديد..فتفاجأها أمها بأنهم قد اتخذوا قرارهم بالرحيل..وأنها إن أرادت أن يصفحوا عنها فعليها هى أيضاً أن تستعد للرحيل معهم..وتبدأ معهم حياة جديدة بعيداً عن مصر ..لكن ريتا ترفض وتتمسك بالبقاء فى مصر مرةً أخرى..فيثور عليها يعقوب من جديد..ويعلن غضبه عليها إلى الأبد..ويرفض أن تقيم فى البيت حتى بعد رحيلهم عنه..فيدفعها خارجاً ويغلق الباب وراءها بقوة..وهو يسب ويلعن اليوم الذى ولدت فيه ! ويسمع فؤاد دوىّ الباب..فينخلع قلبه..ويرى ريتا تخرج أمامه صامتة كسيرة الخاطر..فينطلق خلفها ليسألها بلهفة عمّا حدث !..فتخبره بأنهم طردوها لأنها لا ترغب فى الرحيل معهم عن مصر..ورغم أن فؤاد شعر بالحزن لقرار يعقوب بالرحيل..إلا أنه شعر بالفرحة أيضاً لقرار نظيرة بالبقاء وعدم رحيلها معهم..ثم يسألها عمّا ستفعل عقب رحيلهم؟! فتخبره أنها الآن تقيم فى لوكاندة مصر أعلى مقهى متاتيا..وأنها تقوم بالبحث عن عمل.. فيؤكد لها أنها لن تكون وحيدة وأنه سيكون دائماً قريباً منها..وبجوارها فى أى وقتٍ تريده.. ويتوجه يعقوب إلى حى الضاهر قاصداً سكن أخيه إبرام الجديد..ويصعد للدورالثالث..ويدق على باب الشقة التى على يمينه..فتفح الباب السيدة سالى قاصين ـ التى صارت تعيش بمفردها بعد رحيل أختها جارسيا عن مصر ـ ..وتسأله: ـ أى خدمة يا حضرة ؟! فيسألها..مش دى شقة إبرام؟! ـ إبرام مين يا خويا..آه يمكن قصدك سى إبراهيم الساكن الجديد !.. ده فى الشقة التانية اللى قدامك دى.. فيدق على باب الشقة الأخرى..ويفتح إبرام..وقبل أن ينطق يعقوب باسمه..يضع إبرام يده على فم يعقوب..ويجذبه للداخل..فيبدى يعقوب دهشته..فيفسر له إبرام الأمر..بأنه الآن صار معروفاً بين جيرانه وأهل الحى باسم (إبراهيم سعيد القناوى)..وأنه مسلم ! فيبدى يعقوب دهشته بما طرأ على إبرام..وعدم اقتناعه بتنكره لاسمه وديانته..لكنه لم يعبأ بذلك كثيرا وأخبره بما حلّ بأسرته..من رحيل نسيم..وغضبه على نظيرة وطرده لها.. وأخيراً مقتل عمه زخارى فى ورشته..ثم يخبره يعقوب أنه من أجل ذلك كله قد عزم على الرحيل عن مصر خوفاً على زوجته زهرة وابنه مراد..خاصة بعدما تم إلقاء القبض على مراد وصار لهم جميعاً سجل بالاسم والديانة والعنوان لدى البوليس.. ثم يخبره يعقوب بأنه جاء اليوم خصيصاً ليعرض عليه شراء البيت..لكن إبرام يخذله ويسخر مما يعرضه عليه يعقوب..معللا ذلك بأنه ترك مسكنه القديم وعمله فى الموسكى..وغير اسمه وديانته ليظل فى مأمن بعيداً عن السلطات وعن أية شبهة..فمن غير المعقول أن يشترى الآن بيتاً صار معروفا ومشبوها لدى السلطات؟!..فضلاً عن أن البيت ليس فارغاً..لأن أسرة مظهر أفندى وأسرة جميل أفندى ما زالا يسكنان البيت وهما ليستا على نفس الدين ولا الملّة..وهما ـ فى نظره ـ أخطر من السلطات والبوليس المصرى نفسه ! فيخبره يعقوب بأن جميل أفندى قد رحل بأسرته وسكن حى شبرا..ولم يعد يسكن البيت غير مظهر أفندى مع ابنه فؤاد بالطابق الأعلى..ورغم ذلك لم يتغير موقف إبرام ! فيحاول يعقوب أن ينفذ إليه من زاوية أخرى..حيث أخذ يجمّل البيت فى عينيه..ويقنعه بأهمية موقعه..ويكفى أنه يحمل ذكريات طفولتهم وحياتهم التى عاشوها بين أمهم وأبيهم.. فيتظاهر (إبرام) بتأثره وتعاطفه مع (يعقوب)..فيعرض عليه مبلغاً ضئيلاً من المال ربما لا يساوى ربع ما دفعه يعقوب للخواجة نيكولا متاتيا..ويقسم له إبرام بأنه يفعل ذلك فقط من أجل أخيه (يعقوب) وأبنائه وابنة عمه زهرة..ولكى يظل محتفظا ً بالبيت وتلك الذكريات الجميلة ! فينهض يعقوب بعدما أصيب بخيبة أمل كان يتوقعها من أخيه إبرام الذى اعتاد دائماً استغلال الظروف والمواقف لصالحه منذ الصغر ! ويصارحه يعقوب بأنه يرفض ذلك العرض الرخيص لأنه لم يقدر أى معنى للأخوّة ! وأن الذى يجعله متردداً فى الرحيل هى أسرة مظهر أفندى وأسرة جميل أفندى اللتين عاش معهما زمناً .. وأن أكثر ما يعز عليه هو فراقهما !..كما يعز عليهما أيضاً رحيله !
ويجلس يعقوب منفرداً..ويظل شارداً محيراً بين أمرين يتصارعان فى خاطره..هل يبيع البيت بالرخيص ويرحل لينجو بأسرته..أم يبقى فى مصر وبيته ويتحمل عقبات المصير المجهول ! وأخيراً هداه تفكيره إلى حل وسط بين الأمرين..وذلك الحل يكمن فى صديق عمره وجاره مظهر أفندى ..فتوجه إليه..وقام بتسليمه حجة البيت على سبيل الأمانة..على أمل أن تتحسن الأوضاع ويعود بأسرته إلى البيت من جديد!..كما سلمه ورقة بالتنازل عن البيت ليكون ملكاً له فى حال عدم عودته إلى مصر..خاصة أنه كان يشعر من البداية برغبته فى شراء البيت ! فتأثر مظهر أفندى بما فعله يعقوب حين سلمه الحجة والتنازل عن البيت..وظل يحاول معه بصدق أن يقنعه بالعدول عن فكرة الرحيل..لكن يعقوب أصر على موقفه.. فأكد له مظهر أفندى أنه سيحافظ له على بيته وسيقوم بغلق شقته لحين عودتهم إليها من جديد. وعقب صلاة الفجر تجتمع الأسر الثلاث فى منزل يعقوب ليقوموا بوداعه هو وأسرته.. وينفرد مظهر أفندى بيعقوب ويقوم بإعطائه مبلغاً من المال ربما أكثر مما كان سيعطيه له إبرام ! وبالفعل يرحل يعقوب بأسرته بعدما قام الجميع بتوديعهم وداعاً حزيناً مصحوباً بالدعاء ! وعقب رحيل يعقوب قام بالفعل مظهر أفندى بوضع قفل علي باب شقته دون أن يدخلها أو يفتش فيها..كما أمر ابنه فؤاد بأن ينزل ويعيش هو وزوجته وداد بشقة جميل أفندى الخاوية ! وبعد أن علم إبرام من أخيه يعقوب بطرده لنظيرة وعدم رحيلها معهم..أراد أن يبحث عنها ليستغلها للعمل معه فى الملهى الذى اشتراه بثمنٍ بخس من أحد اليهود قبل رحيله..لعلمه بأنها صارت راقصة محترفة منذ أن كانت تعمل فى فرقة بديعة مصابنى..وقد كانت شهرتها ريتا.. ففكر فى أنها ربما عادت لتعيش فى شقتهم القديمة بعد رحيل أبيها يعقوب.. فيتوجه على الفور نحو البيت..ويقابل فؤاد وهو يمارس الحرفة التى تعلمها على يد يعقوب.. فيدّعى إبرام أنه جاء ليطمئن على أخيه يعقوب وأسرته..فيخبره فؤاد ـ متأثراً ـ برحيلهم.. بينما نظيرة لم ترحل معهم..وأنها الآن تقيم فى لوكاندة مصر منذ أن قام أبوها بطردها.. فيتظاهر إبرام بالحزن على رحيل يعقوب وتعاطفه وخوفه على نظيرة ! فيتوجه إلى اللوكاندة..ويلتقى بريتا ويخبرها برحيل أبيها يعقوب..فتستشيط ريتا غضباً لرحيلهم دون أن تودعهم.. لقد كانت تعتقد أنها مجرد فكرة وسيعدلون عنها..ثم تعبر عن مدى حبها لهم وأنها كانت تتمنى فقط رضاهم عنها قبل رحيلهم ..وتظل ريتا تبكى..وعمها يتظاهر بتعاطفه معها.. ويؤكد لها أنه ما زال موجوداً..وأنه لن يتخلى عنها كما تخلى عنها يعقوب وأن العمل ينتظرها فى الملهى الذى اشتراه..وعليها الآن أن تجمع أشياءها لتنتقل للعيش معه فى بيته..فتتخبره ريتا أنها توافق على العمل معه فى الملهى..لكنها تعتذر له عن الإقامة معه..لأنها ستنتقل للعيش فى بيت أبيها وأمها.. البيت الذى ولدت وتربت فيه.. فيصدمها إبرام بأن (يعقوب) قد باع البيت قبل رحيله.. فتنتفض ريتا صارخة..غير مصدقة ما يقوله عمها إبرام !.. ـ معقولة هان عليهم يفرطوا فى البيت بالسهولة دى ؟! طب وأنا..ما فكروش فىّ..ما يعرفوش إنى عايشة فى الشارع..هان عليهم يبيعونى أنا كمان ! وتظل ريتا تبكى وتنتحب..ثم تعود وتتذكر أسرتها النى رحلت..ولن تراها من جديد.. معقولة ! .. اتكتب علىّ إنى أعيش وحيدة طول عمرى..معقولة !..مش حشوف ماما تانى !.. ولا بابا !..ولا أخويا نسيم !..ولا مراد !..
وفى صباح اليوم التالى تتوجه ريتا نحو بيت أبيها..ويلمحها فؤاد وهو يمارس عمله فى ورشته فيلمح على وجهها علامات الحزن..فأخذ يواسيها ويخفف عنها.. فتسأله ريتا ـ وهى تمسح دموعها ـ عمّن اشترى البيت..فيفجأها بقوله: لا أحد ! فتعاجله ريتا وهى تصوب نحوه نظراتٍ حادة..وكأنه قد أنقذها من الغرق فى بحرٍ عميق.. قصدك تقول إن بابا ما بعش البيت ؟! فيقسم لها فؤاد أن عم يعقوب لم يبع البيت..فتقفز ريتا لأعلى من وضع الجلوس..وقد اتسعت عيناها..ووضعت راحة يدها على فمها المفتوح..وظلت تصفق وهى تدور حول نفسها..ثم تنطلق للداخل..فتقف أمام باب الشقة وتقبله باكية..وفؤاد واقف خلفها مشفق عليها من شدة فرحتها.. ثم أبصرت قفلاً حديدياً..فقبضت عليه وشدته بعصبية..وهى تسأل فؤاد.. ـ مين اللى حط القفل ده على الباب ؟! حينئذ يهبط مظهر أفندى ليخبرها بأنه من قام بغلق الشقة حتى لا يسمح لأحد باقتحامها.. ثم يدعوها لأعلى ليخبرها بأن أباها يعقوب قد سلمه حجة البيت قبل رحيله على سبيل الأمانة.. وأنه أغلق الشقة لربما يعود إليها يوماً ما ! فتذكره نظيرة بأنها ابنة يعقوب..وأنها الآن أحق بالبيت بعد رحيلهم..وعليه الآن أن يسلمها الحجة.. لكن مظهر أفندى يرفض..معللاً أن تلك أمانة فى عنقه..ولا يمكن أن يفرط فيها..وأن يعقوب لو كان يريد أن يسلم الحجة لابنته أو لأخيه أو لأى شخص آخر لفعل! وتفشل ريتا فى الحصول على الحجة بسبب صلابة وإصرار مظهر أفندى..فتسأله.. ـ طب وافرض ما رجعوش؟! فيرد عليها مرتبكاً ـ وقد فضل ألا يخبرها بأمر التنازل عن البيت لصالحه ـ.. ـ يا بتى يا مين يعيش !..ساعتها يحلها الحلال ! ثم تطلب منه مفتاح الشقة لتفتحها وتعيش فيها..فيفاجأها أيضاً بالرفض..وقبل أن تثور ريتا عليه ..تعترض خديجة على زوجها ولا توافقه فى رأيه..كما يحاول فؤاد أن يقنعه بأن من حق نظيرة أن تقيم فى شقة أبيها..وأنه ليس من العدل أن تؤجر سكناً وبيت أبيها ما زال موجوداً..أما وداد زوجة فؤاد فتؤيد موقف عمها مظهر أفندى الرافض..لأن نظيرة لا يصلح أن تعيش هنا فى الشقة بمفردها..ومن الأفضل لها أن تعيش مع عمها أو أى أحدٍ من أقاربها إلى أن يرجع أبوها ! ـ إن رجع ! ـ حينئذٍ يحضر جميل أفندى ويقوم بالترحيب بنظيرة..فيقوم مظهر أفندى بتسليم مفتاح الشقة لنظيرة ويشهد صديقه جميل أفندى على ذلك ..ثم يذكرها بأن أباها يعقوب كان غاضباً عليها ورافضاً أن تقيم معهم وأنه قام بطرها..ورغم ذلك سيسمح لها بأن تقيم فى البيت..لكن منذ أن تطأ قدمها شقة أبيها يعقوب لن يصبح البيت ولا الشقة فقط أمانة فى عنقه..بل نظيرة نفسها.. وأنه لن يرض بما لم يرض به يعقوب..وإلا سيتخذ معها نفس موقفه..وربما أشد من ذلك ! ثم يسألها عن طبيعة عملها الآن..فترتبك ريتا..لكن فؤاد يسرع بإنقاذها بأنها تعمل الآن ممرضة بإحدى المستشفيات..وأنها ملاك رحمة دائم السهر على المرضى ! حينئذ تلجأ ريتا إلى الصمت..وتتظاهر بالرضا وقبول الأمر الواقع..لأنها فضلت أن تضع قدمها فى البيت..لتخطط من داخله كيف تسترد بيت أبيها الضائع ! وهى تحمل فى قلبها حقداً على مظهر أفندى..وكراهيةً لوداد..وغضباً من أبيها يعقوب !
وتمارس ريتا عملها كراقصة فى ملهى عمها إبرام..وتستطيع أن تحوله إلى كازيو أشبه بكازينو بديعة.. وصارت تشارك فى إحياء حفلات الزفاف والمناسبات المختلفة الراقية..كما نمت علاقة عاطفية بينها وبين آندرو عازف آلة الساكس..لكنها لم تكن تستريح لأخته كارمن التى تعمل معهم بالملهى عملاً شبيهاً بما كانت تقوم به آلين..حيث تستقطب الزبائن للجلوس على طاولات القمار وابتزازهم أو مصاحبتهم خارج الملهى ! وكلما عادت ريتا إلى شقة أبيها يعقوب متأخرة لا تسلم من توبيخ وشجار مظهر أفندى الدائم معها بعدما نصب نفسه وليّاً عليها..لكن أكثر ما كان يضايق ريتا ويستفزها حقاً هى وداد التى ترقب حركتها وسكناتها..وتدفع مظهر أفندى دائماً للإنقلاب عليها..وذلك على خلاف زوجها فؤاد الذى كان دائم الدفاع عنها ومساندتها ! فلم تنس نظيرة لوداد تلك المواقف..ولم تنس لها أنها وشت لأبيها يعقوب من قبل وكانت سبباً فى طردها من البيت..وموقفها حين كان مظهر أفندى رافضاً أن يسلمها مفتاح الشقة لتقيم فيها وقد أيدته فى ذلك!..فعملت ريتا على مضايقتها..والانتقام منها من خلال فؤاد الذى يعبر من حين لآخر عن تعاطفه معها..وفكرت..لو أنها واربت فقط الباب لفؤاد لربما عبر عن حبه لها..رغم أنها لا تبادله نفس المشاعر ولا تفكر مطلقاً فى الزواج منه لتعلقها بآندرو !
ومنذ أن عادت ريتا وسكنت الشقة وفؤاد بدأ يسهر فى ورشته..فذلك الوقت المتأخر قبل نومها هو فرصته الوحيدة ليعبر لها عن بعض مشاعره الدفينة..فيجلس تحت الشباك المطل على الورشة من الداخل..ويمسك بالعود ليعزف ويغنى لها أرق وأعزب الألحان والكلمات.. حبيبى يسعد أوقاته على الكمال سلطان فى نظرته وابتسماته فرحتك يا زمان ولما يخطر بأوانه ترقص الأغصان ولما ينعم بكلامه تعزف الألحان أحلف بحبه وغرامه أصدق الأيمان عمر الخيال ما يجبش مثال فى كمال وجمال زى حبيبى وتستمع ريتا بإنصات وإعجاب وهى تجلس تحت الشباك من الجهة الأخرى..فبدأت تفهم أن تلك الكلمات الرقيقة ما هى إلا رسالة أراد أن يبعثها إليها فؤاد من خلال نغماته الرقيقة وصوته الرخيم.. بعدما كانت تعتقد أنها مجرد عادة قديمة لديه ! وعلى الجانب الآخر بدأت شكوك وداد وظنونها تصبح واقعاً مريراً أشعل نيران الخلاف والشجار اليومى بينها وبين فؤاد..فتتعاطف معها خالتها وتحاول طرد الهواجس من داخلها.. أما مظهر أفندى فقد ضاق بهذا الشجار الدائم..لكن وداد قدمت له خدمة جليلة حيث أوحت له بفكرة زواج فؤاد من نظيرة..خاصة أن وداد فشلت فى الإنجاب مراراً..ومظهر أفندى يتمنى أن يرى حفيداً له قبل موته..خصوصاً لوكان من نظيرة تلك الفتاة الجميلة الفاتنة ! والشرع يحق للرجل أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع..حتى وإن ظلت على ديانتها..فلما لا ؟! ومن يومها لم يعد مظهر أفندى يحكم الخناق علي نظيرة..بل على العكس من ذلك..بدأ يعبر لها عن إشفاقه عليها..ويمنحها مساحة من الحرية لم تكن تنعم ولا تحلم بها مع أبيها يعقوب ! وباتت وداد تصرخ فى وجوههم جميعاً ..وتتهم فؤاد صراحةً أمام الجميع بعلاقتهما المشبوهة.. زاعمة أن نظيرة فتاة فاجرة لأنها تسمح بدخوله عندها..وربما يبيت فى أحضانها..فيقوم مظهر أفندى بصفعها..لأنه لا يقبل مثل تلك الاتهامات الخطيرة التى بلا بيّنة ولا دليل..ولا يرضاها على ابنه فؤاد ولا على نظيرة..لأن كليهما تربا على يديه..ويثق فيهما..! وهنا تخيّر وداد عمها بين أمرين إما أن يقوم بطرد تلك الغازية ريتا ابنة يعقوب..أو ترحل هى إلى الصعيد..لأن ذلك البيت منذ اليوم لن يجمعهما معاً ! فيصدمها مظهر أفندى بأنه من الظلم إخراج نظيرة من بيت أبيها..خاصةً أن الفتاة لم ترتكب جرماً ليطردها !..فتشعر وداد بمدى التحول الخطير فى موقف عمها..وبدأت تشك فى أن الأمر سيصل إلى أبعد من ذلك..فتنطوى على أحزانها وشكوكها..وتسلم أمرها للمقادير !
وينفرد مظهر أفندى بزوجته خديجة وينجح فى إقناعها بأن فؤاد من حقه أن يتزوج مرة أخرى.. وأن وداد ستظل زوجة فؤاد ولن يسمح بأن يظلمها أحد أو يهينها..فتوافقه خديجة على مضض.. وبمجرد أن يذكر أمامها اسم نظيرة ابنة يعقوب تنفجر في وجهه..وتقسم بأغلظ الأيمان.. إن حدث هذا فلن يراها ثانية..وأنها سترحل بوداد إلى الصعيد ويعيشان هناك إلى الأبد.. فيصمت مظهر أفندى..وكأنه كان يتمنى ذلك ..حتى قبل أن تأتى نظيرة ! وترتمى وداد فى أحضان خالتها تبكى وترجوها أن يسرعا بالسفر إلى الصعيد..بعدما سمعت الحوار الذى دار بينها وبين زوج خالتها وتأكدت من رغبته فى تزويج فؤاد من نظيرة !
وعقب رحيل وداد وخالتها بدأ مظهر أفندى يقنع ابنه فؤاد بفكرة زواجه من نظيرة .. ويجتمع مظهر أفندى وجميل أفندى وفؤاد بنظيرة..ويعرضان عليها أمر الزواج..فتكون صدمة ومفاجأة لها..لأنها لم تكن تتصور أن مظهر أفندى يفكر فى أن يزوج ابنه من فتاة يهودية.. كما أنها اعتقدت أن مشاعر فؤاد نحوها ستقف عند حدود إعجابه أو حبه لها ! والواقع أنها تحمل لمظهر أفندى وأهل بيته كراهية شديدة لاغتصابه لحقها فى بيت أبيها.. وأنها تعيش بينهم الآن ليس حباً فى معاشرتهم وإنما فقط من أجل استرداد ذلك البيت المغتصب ! هذا فضلاً عن تعلقها بآندرو والحلم الذى يراودها فى الارتباط به ! حينئذٍ اضطرت ريتا أن توهم مظهر أفندى بأنها تجله هو وأسرته وتحمل لهم مشاعر حب واعتزاز منذ أن نشأت وتربت بينهم..ثم أخذت تتظاهر بالبكاء وهى تحتضن رأس مظهر أفندى وتقبلها وتدّعى أنها صارت تشعر بالأمان والطمأنينة فى وجوده..وأنها تراه عوضاً عن أبيها الذى تركها وحيدة تتخبط فى الحياة..لكنها لا ترى فؤاد إلا أخاً وصديقاً عوضها عن أخويها نسيم ومراد !..كما أنها من المستحيل أن تبنى سعادتها على خراب بيت أختها وحبيبتها وداد ! حيبئذٍ تدمع عين مظهر أفندى..فيترحم على جدها زخارى..ويتذكر يعقوب بالخير..ويوجه حديثه لفؤاد وهو يشير على نظيرة بأسى.. ـ هى دى يا ولدى بت الأصول اللى كان لازم تتجوزها من زمان..مش وداد اللى فضلت قاعدة فى أرابيزك من غير عيّل ولا تيل..وفى الآخر غارت ولا سألت فيك ! وبعد أن يعبر لها مظهر أفندى عن تعاطفه معها واحترامه لمشاعرها نحوهم يخبرها أيضاً بأنه ـ كوالد لها ـ من الصعب أن يرضى بأن تعيش هكذا بمفرها فى هذا البيت أو غيره.. وأنها لابد من أن تتزوج رجلا..تقطع به ألسنة الناس..ويصون بمعاشرتها كرامتها وشرفها ! فتضطر ريتا أن تخبرهم بأن هناك شاباً يدعى آندرو يحبها ويرغب فى الزواج منها.. وأنها ستجعله يقابل عم مظهر أفندى فى أقرب فرصة ليطلبها منه !
و عقب تلك الجلسة أدركت ريتا أن أمر زواجها بالفعل لا بد أن يتم حسمه..فتسرع لمقابلة آندرو..لتخبره بأنها أصبحت فى موقف صعب بعد أن تقدم فؤاد للزواج منها.. وأنها إن لم توافق عليه فمن المؤكد لن يهدأ أبوه مظهر أفندى ولن يسكت عنها.. وسيكون مصيرها فى النهاية إما أن تقبل بالزواج من فؤاد مرغمة أو الطرد من البيت ! لكن آندرو لم يقدر قلقها وصعوبة موقفها..وظل يحدثها ـ بمشاعر باردة ـ عن مدى حبه وتعلقه بها..لكنها فاجأته الآن بأمر الزواج الذى لم يضعه فى حسبانه..ولم يكن يخطط له إلا بعد خروجهم من مصر إلى الوطن والمستقر المنتظر..إسرائيل ! هنا بدأت ريتا تتشكك فى نوايا آندرو وأهدافه التى لم تكن تتوقعها..وأخبرته أنها لم تفكر يوماً فى الرحيل عن مصر..ولن ترحل عنها لا إلى إسرائيل ولا إلى غيرها ! وحاولت أن تقنعه بأنه أصبح أملها فى الحياة بعدما تعلقت به وأحبته..وتحلم بأن يتزوجا ويخططا معاً لمستقبلهما هنا فى مصر ! ويسخر آندرو من ريتا ويسفه من رأيها..بل ويتهمها بالأنانية والخيانة..لأنه كان ينتظر منها أن تضحى من أجل الدين والوطن !..الوطن الحقيقى !..إسرائيل !..وليس ـ كما تتوهم ـ مصر ! 23من يوليو 1952 على مقهى متاتيا..فجأة يتم قطع الإرسال ليلقى محمد أنور السادات البيان الأول من اللواء محمد نجيب إلى الشعب المصرى..هنا يتنبه الجميع وتسود حالة من الصمت والإنصات الشديد.. "لقد اجتازت مصر فترة عصبية في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم..وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش..وتسبب المرتشون المغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين..وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش..وتولى أمرهم إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها..وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا..وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولابد أن مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب ..." وعقب البيان نجد الجميع يهلل ويصفق ويكبر..وتسودهم حالة من الذهول وعدم التصديق.. كما أصابت أيضاً مظهر أفندى حالة من الذهول..لكن من هول ما وقع على رأسه من صدمة ! فلم يكن يتصور يوماً أن الملك المعظم فاروق الأول ملك البلاد المفدّى سيتم الإطاحة به ! ويستند مظهر أفندى على عصاته ويتسلل من المقهى دون أن يشعر به أحد حيث الجميع فى حالة من الصخب والنشوى..فينظر إليهم وهو ينصرف بعينٍ دامعة فيراهم كأنهم سكارى غائبون عن الوعى! ..فيهز رأسه أسفاً ويظل يغالب قدميه حتى وصل إلى البيت بصعوبة..فيلمحه فؤاد وهو يمارس عمله فى ورشته فينطلق نحوه ويسنده ليصعد به إلى أعلى..وعندما يعلم فؤاد منه بالخبر..ظل هو أيضاً يرقص ويصفق..فيسبه مظهر أفندى ويلعنه..ويصفه بالجاهل المتخلف..ويدفعه بعصاته صارخاً فيه ليختفى من أمامه !
لقد حرص الضباط الأحرار على طى صفحة الملكية..كما حرصوا على خروج الملك آمناً بعزة وكبرياء! حيث تم عقد جلسة بين الضباط الأحرار وبين رئيس الوزراء على ماهر باشا اتفقوا خلالها على إعداد وثيقة لتنازل الملك فاروق عن العرش..وبالفعل اتصل على ماهر بالملك فاروق وأخبره بأمر الوثيقة ومن ثم خروجه آمناً من مصر فوافق فاروق مطالباً أن تحفظ له صيغة الوثيقة كرامته وكبرياءه..فطمأنه علي ماهر باشا وذكر له أنها ستكون على غرار الوثيقة التي تنازل بها ملك بلجيكا عن عرشه..وعلى هذا اتصل على ماهر باشا برئيس مجلس النواب عبد الرازق السنهورى ليعد وثيقة التنازل..وبالفعل قام السنهورى بإعدادها وسلمها لسليمان حافظ الذى قام بدوره بتسليمها لعلى ماهر..وقام على ماهر بعرضها على اللواء محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة. فتمت الموافقة عليها بعد أن تم إضافة (ونزولاً على إرادة الشعب) التى اقترحها جمال سالم. وفى صباح اليوم التالى26 من يوليو وصل رئيس الوزراء على ماهر بصحبة سليمان حافظ قصر رأس التين ومعهما صيغة التنازل عن العرش فاستقبلهما الملك..وظل يقرأ الوثيقة أكثر من مرة.. وأراد إضافة كلمة (وإرادتنا) عقب عبارة (ونزولًا على إرادة الشعب)..لكن سليمان حافظ أقنعه بأن صياغة الوثيقة في صورة أمر ملكي تنطوي على هذا المعنى، وإنها تمت بصعوبة كبيرة ولا تسمح بإدخال أي تعديل..وبالفعل قام الملك بالتوقيع وهو فى أسوأ حالاته النفسية والعصبية! وفى مساء نفس اليوم وفى تمام الساعة السادسة وعشرين دقيقة غادر الملك فاروق البلاد مع زوجته وأولاده على اليخت الملكى الخاص (المحروسة) متجهاً إلى إيطاليا ! وهنا نرى مظهر أفندى فى بيته يستمع عبر الراديو لنص بيان الوثيقة والدموع تتساقط من عينيه ! "نحن فاروق الأول ملك مصروالسودان..لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة ونزولا على إرادة الشعب..قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه." وعقب انتهاء البيان نجد مظهر أفندى يحمل الراديو بعصبية ويطيح به على الأرض.. ويمكث فى بيته مكتئباً حزيناً لا يرغب فى رؤية أحد..وفضل أن ينطوى على نفسه يتجرع غصص الألم والحسرة على زمنٍ جميل مضى وولّى..ولم يستطع النوم فى تلك الليلة الغريبة.. ففضل أن يجلس فى البلكون منفرداً..وإذ هو كذلك يصل إلى مسامعه صوت أحد المطربين على المقهى المجاور وهو يغنى وكأنه ينعى رحيل الملك العزيز ! يا ذل حال العزيز لو راحت أيامه ! يهرب من الهم يلقى الهم قدامه ! كان الزمان دولته والسعد خدامه ! ولمّا هانه الزمن هانت عليه روحه ! الصبر طيب لأمر الله وأحكامه ! وعقب انتهاء ذلك الموال الشجى الحزين يظل مظهر أفندى يمسح دموعه بطرف كمه ..ويردد "الصبر طيب لأمر الله وأحكامه !"..ثم أخذ يبث الأمل فى نفسه ويمنيها بعودة الملك من جديد ! ومنذ الصباح الباكر..نجده يرتدى البدلة والكرافتة والطربوش ويمسك بيده العكازا ويبرم شاربه (كما كان يفعل الملك من قبل) ويخرج من بيته رافعاً رأسه مزهواً بنفسه.. وبدأ يتجول على قدميه فى ميدان العتبة..يتأمل بعض معالمها..مصلحة البريد..حديقة الأزبكية..دار الأوبرا..عمارة متاتيا..ويرفع كف يده ليلقى بالتحية والسلام على كل من يقابله.. وكأن الملك قد بعث من جديد ليتفقد أحوال الرعيّة !
أما فؤاد فقد بدأ يشعر بالقلق والخوف نحو أبيه..ولم يعد مطمئناً لجلوسه أو نزوله منفرداً.. لأنه يعلم مدى ما كان يحمله أبوه للملك من عشق..وأنه لا يريد الآن أن يصدق أنه قد رحل.. لذلك بدأ يسايره فى أفكاره ومعتقداته القديمة..ولم يحاول أن يظهر تأييده لثورة يوليو وضباطها الأحرار وكل ما يصدر عنهم من مواقف وقرارات تدعم مبادئ الاشتراكية والقومية العربية..وغير ذلك مما ألهب نفوس المصريين وجعلهم يتعلقون بمبادئ الحرية والكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية.. ومن خلال مسلسل متاتيا سوف نعرض بعض المشاهد العظيمة للواء محمد نجيب.. ( أول رئيس مصرى لجمهورية مصر العربية .. ذلك الرئيس الذى ظُلم حياً وميتاً ) تلك المشاهد التى تؤكد على عظمة وحكمة ذلك الرجل الوطنى المخلص..كما تؤكد تلك المواقف على حرصه على إقامة علاقة إنسانية طيبة بين الضباط الأحرار واليهود فى مصر.. منها زيارة اللواء محمد نجيب للمعبد اليهودى وإجبار الباقورى على الاعتذار لليهود.. وحين احترق الفرن ومخزون الدقيق الخاص باليهود لصنع أكلتهم المقدسة فى عيدهم وتسمى الكوشر (طعام الصيام) ..فقام على الفور الرئيس محمد نجيب بإصدار أوامره باستيراد هذا الدقيق خصيصاً من الخارج احتراما لليهود وشعيرتهم الدينية !
وتظل ريتا تمارس عملها فى ملهى وكازينو عمها إبرام..وتحرص على العودة إلى بيتها بمجرد انتهاء عملها حيث صارت تشعر بالوحدة..خاصة بعدما انقطعت علاقتها العاطفية بآندرو.. كما بدأ يتولد لديها شعور بالقلق والريبة بعدما لاحظت تردد بعض الشباب والفتيات اليهوديات على الملهى..واجتماعهن مع عمها إبرام وآندرو وكارمن عقب انصراف الزبائن..ورجحت أنهم ربما يخططون للخروج من مصر..خاصة بعدما لاحظت حالة الاضطراب التى سادت الكثير من اليهود بعد قيام ثورة يوليو..لكنها لم تشغل بالها كثيراً بالأمر..ما دام طريقها غير طريقهم ! ولولا أن الملهى تمارس فيه عملها الذى تحبه وأنه مصدر رزقها الوحيد لغادرته دون رجعة ! ولاحظت ريتا أيضاً أنها كلما رجعت إلى بيتها لم تعد ترى مظهر أفندى كما كان من قبل.. حيث كان ينتظرها ليعاتبها أو يبوخها عند تأخيرها..كما أنه لم يجدد حديثه معها فى أمر زواجها.. وأيضاً فؤاد لم يعد يعزف أو يغنى كما كان..لقد اعتادت على سماع صوته الذى كانت تأنس به فى تلك الساعات المتأخرة من الليل ! لقد بدأت ريتا تشعر بمدى فقدها لهما..وأنها ترغب فى عدم انصرافهما عنها..وتساءلت.. ما الذى يمنعها الآن من الزواج بفؤاد ؟!..خاصة بعدما خاب أملها فى آندرو ..وباتت تشعر بنفس مشاعر القلق والتخبط التى أصابت اليهود..وهى لا ترغب مثل الكثيرين منهم فى الرحيل عن مصر.. ويكفى أن فؤاد بما يحمله لها من حب ومشاعر صادقة كفيل بأن يجعلها ترجح كفته على ذلك المخادع آندرو الذى أحبته وتخلى هو عنها ! إنها الآن تشعر برغبة قوية فى وجود فؤاد معها ربما أكثر مما هو فى حاجةٍ إليها ! وربما زواجها منه سيحقق لها الشعور بالآمان ويقضى على وحشتها..ويثبت أقدامها فى مصر ومن ثمّ لن يستطيع أحد أن يجبرها على الرحيل! حينئذٍ تنتفض ريتا..وتصعد لأعلى..ويفتح لها فؤاد وهو ممسك بالعود فى يده..فتدخل وتسأله عن أبيه فيشير إليه..فتلقى نظرها نحوه لتراه جالساً بمفرده فى البلكون يستمع عبر الجرامافون لعبد الوهاب طول عمرى عايش لوحدى .. فريد وراضى بحالى وإن زاد على القلب وجدى .. أسهر معاه الليالى وحيد من الأهل والخلان ..عزيز النوم والقلب خالى فتقترب من مظهر أفندى وتقف بجواره وتحاول أن تلفت نظره لوجودها..لكنه لم يلتفت إليها..فتعود وتجلس بجوار فؤاد..وتسأله عمّا حلّ بمظهر أفندى..فيخبرها بأنه يعانى من اكتئاب شديد ورغبة دائمة فى الجلوس بمفرده..وعدم الرغبة فى التحدث مع أحد..فتخبره ريتا بأنها أيضاً تعانى نفس ما يعانيه مظهر أفندى..شعور بالوحدة..والاضطراب..والقلق..والخوف.. ثم تطلب من فؤاد أن يقترب منها..فيقترب..فتطلب أن يقترب أكثر..فيلتصق بها..ثم تطلب منه أن يمسك يدها..فيمسكها..ويقبض عليها بقوة..فتخبره أنها الآن بدأت تشعر بشئ من الأمان.. فيسألها فؤاد..هل يفهم من ذلك أنها....؟!..فتومأ برأسها بالإيجاب..فيعاجلها..وآندرو..؟! فتخبره أنه كان وهماً أعماها عن أن ترى وتدرك حقيقة مشاعر حب وإخلاص فؤاد لها ! فيعبر لها فؤاد عن مدى سعادته وأنه لم يصدق أن حلمه بالزواج منها أخيراً سيتحقق ! فتخبره بأنها أيضاً ترحب وترغب فى الزواج منه..لكن فى حال وافق على بعض شروطها .. فيؤكد لها فؤاد أنه يوافق على كل شروطها قبل أن تطرحها..مهما كانت ! فتشترط عليه ألا يمنعها من الاستمرار فى العمل كراقصة فى كازينو عمها إبرام أو فى غيره.. فيوافق..وأنها ستظل محتفظة بديانتها ولن تغيرها مطلقاً..فيؤكد أن هذا من حقها.. وأنها ستعيش فى شقة أبيها يعقوب..وليس فى الشقة التى كانت تعيش فيها وداد..فيوافق أيضاً! وأن يساعدها فى أن تسترد بيت أبيها يعقوب الذى ولدت وعاشت فيه وتتمنى أن تموت فيه أيضاً.. فيخبرها بأن هذا الأمر فى يد أبيه..لكنه سيسعى فى ذلك وسيحقق يوماً ما رغبتها ! ويقام على سطح المنزل حفل زفافهما.. بمباركة مظهر أفندى الذى بدأ يفيق ويسترد شيئاً من وعيه الغائب..!..ويحضر الحفل أصدقاء مقهى متاتيا والعديد من الجيران..كما يحضره جميل أفندى حنّا وأسرته..وقد أحيا الحفل ماركو و بعض الراقصات من شارع محمد على..ومطربة تغنى أغنية الزفاف الشهيرة : يا محلا جمالك يا عروسة .. يا حلوة من العين محروسة يا وردة فى البستان يا حورية من الجنة ..آوان ربيعك آن للى حيتهنى
وفى نفس الوقت الذى كان يتم فيه زفاف ريتا على فؤاد كانت وداد فى الصعيد تجلس فى زاوية من البيت تبكى بحرقة على فراق فؤاد وهى تحتضن طفلاً وتقوم بإرضاعه ! فتأتى خديجة وتلاحظ مدى حزنها فتنصحها بألا تقوم بإرضاع الطفل وهى على تلك الحال.
وتسير الأمور بريتا وفؤاد على خير ما يرام..هى تمارس عملها كما أرادت وهو يعمل بالورشة ويمارس هوايته بالعزف والغناء..ويتحقق حلم مظهر أفندى وابنه فؤاد..حيث تنجب ريتا توأما متمائلا .. فتطلق ريتا على أحدهما اسم يوسف..بينما يطلق مظهر أفندى على الآخر اسم عمر .. وكان يحب أن يناديه ب عمر أفندى..لرغبته فى أن يصبح يوماً مثل عمر أفندى أرناؤؤط ذلك الرجل الاقتصادى العظيم! ثم تحدث خلافات عديدة بين فؤاد وريتا نتيجة رجعوها من الملهى متأخرة..كما لم يعد يطيق صراخ الطفلين وإهمالها لهما..فيطلب منها أن تترك عملها بالملهى وأن تتفرغ للطفلين..لكنها ترفض وتذكره بوعده لها..ثم يحتدم الشجار بينهما ويحاول إرغامها على ترك عملها..لكنها تزداد إصراراً وعناداً..حتى أنها بدأت تشعر بالضيق من فؤاد حيناً ومن مظهر أفندى حيناً آخر..حتى أصبح الملهى هو المتنفس الوحيد لها..ولم تعد تغادره بمجرد انتهاء عملها كما كانت تفعل من قبل..و بدأت تقبل على التدخن وشرب الخمر..ولعب البوكر والروليت..والجلوس مع آندرو الذى بدأ يستقطبها من جديد..! وكان من الطبيعى أن يلاحظ فؤاد ما طرأ عليها من تغير رائحة فمها وترنحها..وازدياد إهمالها له ولبيتها وعدم قدرتها على القيام بإرضاع الطفلين..فاتفق مع أم محمود إحدى الجارات بالحى على أن تقوم بإرضاع ورعاية الطفلين نظير مبلغ من المال ! وعلى مقهى متاتيا يجلس فؤاد شارداً حزيناً..يتذكر ريتا حيناً ووداد حيناً آخر والفرق بينهما حيث كانت وداد كزوجة تخلص له وتحرص على كرامته ورعايته ورعاية بيته !.. حينئذٍ يحضر ماركو..فيستفيق فؤاد على صوته..ويبدأ ينفس عما بداخله من هموم لصديقه ويبوح له بمعاناته مع نظيرة وذلك الملهى الذى قلب حياتهم رأساً على عقب.. حينئذ يتذكر ماركو ما جاء خصيصاً من أجله..وهو تحذير فؤاد من استمرار عمل ريتا بملهى إبرام..لأنه قد تم الكشف عن شبكة يهودية داخل مصر..تسمى شبكة (جوشين)..وقد كانت مهمة تلك الشبكة تهريب الأموال واليهود من مصر..وأن وزير الداخلية زكريا محى الدين أصدر أوامره العاجلة بالقبض على المتورطين ومطاردة المشبوهين.. وأنهم بالفعل داهموا العديد من الشقق و البارات والملاهى الليلية المشتبه فيها ..وأنه علم من أحد أصدقائه المقربين أن إبرام عم نظيرة من الأعضاء البارزين فى تلك الشبكة..لذلك يخشى على نظيرة أن تتورط معهم ويتم إلقاء القبض عليها ! هنا ينسى فؤاد فى لحظة ما كان بينه وبين نظيرة..ويسأل ماركو مستنكراً : ـ معقول!..تفتكر يا ماركو إن نظيرة ممكن تكون متورطة معاهم فى الشبكة دى ؟! فينطلق فؤاد نحو الملهى رغم تلك الساعة المتأخرة دون أن ينتظر رد ماركو على سؤاله ! فى تلك الأثناء كان ملهى إبرام أصبح خالياً من الزبائن..وكان إبرام وأندرو وكارمن يجلسون مع ريتا فى زاوية من الملهى يحاولون إقناعها بخطورة بقائهم فى مصر..بعدما تم القبض على العديد من الشباب والفتيات اليهوديات ومنهم أصدقاؤهم موسى مرزوق وصموائيل عازار ومارسيل نينو وغيرهم !.. وهنا يحاول عمها إبرام أن يقتعها بأن تسرع بالهروب معهم من مصر..وأن تلك هى الفرصة الأخيرة لها إن أرادت النجاة بنفسها..لأنهم إذا داهموا الملهى سيتم إلقاء القبض على الجميع..حتى ريتا لن تسلم ولن تستطيع إثبات براءتها..يكفيهم فقط أنها يهودية وتعمل معهم فى الملهى ! حينئذ تبكى ريتا وتؤكد لهم أنها لا ترغب فى الرحيل عن مصر..وتذكرهم بأنها زوجة وأم لطفلين.. فما الذى يدفعها لتترك زوجها وطفليها وبيتها وهى لم ترتكب جرماً ؟! فينهض إبرام متأففاً ويصفها بالغباء كأبيها يعقوب ويطلب من كارمن أن تأتى معه للداخل لتساعده فى جمع متعلقاته وإفراغ خزانته ليقوم بتسليم الكازينو للمشترى الجديد ! ويصب آندرو كأساً ويشعل سيجارة ويناولهما لريتا وهو يصرح لها ـ من منطلق إدعائه بحبه وتعاطفه معها ـ بأنهم بالفعل أعضاء فى الشبكة التى تم الإيقاع بها..وأنها إن لم ترحل معهم سيتم القبض عليها حتى وهى فى بيتها..وسيتم محاكمتها وربما ينتهى الأمر بإعدامها..! هنا تنتاب ريتا مشاعر الفزع وتعود للبكاء من جديد..فيقوم آندرو بطمأنتها ومسح دموعها.. ويخبرها بأنهم سيتحركون فى السابعة صباحاً من ميدان الأوبرا وستقلهم سيارة إلى (أبو قير).. ومن هناك سيصعدون إحدى المراكب لتتحرك بهم فجراً إلى إيطاليا..
حينئذٍ كان فؤاد قد وصل للملهى فيندفع للداخل متلهفاً على ريتا..فيراها تجلس مع ذلك الشاب وهو يمرر يده على رأسها وخديها..وهى تمسك بيدها كأساً وبيدها الأخرى سيجارة ! فيلمحه إبرام من بعيد..فيسرع نحوه مرحباً به..فيعاجله فؤاد بالسؤال عمّن تجالسه نظيرة ! فيضطرب إبرام ويخبره أنه ليس غريباً..إنه آندرو عازف الساكس الذى يعمل مع ريتا بالملهى ! وبالطبع لم ينس فؤاد أن آندرو هذا كان فى يوم من الأيام حبيبها وحلمها المنشود.. والتى يسهل عليها أن تخون زوجها ليس مستبعداً أيضاً أن تخون وطنها ! الآن فقط بدأ فؤاد يفهم سر تغيرها وتأخرها وإهمالها لطفليها يوسف وعمر اللذين ربما يصرخان الآن عليها..ولكن أقسى ما يراه الآن وما لم يكن يتوقعه هو خيانتها له ! فينطلق فؤاد نحوها بعصبية..ويجذبها من يدها بقوة ويدعوها للخروج معه..وقبل أن يبدى آندرو اعتراضه يناوله فؤاد لكمة أطاحت به بعيداً على الأرض..فيسرع إيرام ليحتجز آندرو ويحوط عليه.. ويأمر ريتا بأن تستمع لزوجها وتخرج معه..ويثور آندرو على إبرام عقب خروجهما.. فيدفعه إبرام ويعنفه : هوّ أنا كده تملّى ربنا رزقنى بالأغبية والمتخلفين اللى زيك وزيها..ايه ؟!..عاوز تمسك فى خناقه علشان الدنيا تتقلب عندنا هنا..ونروح كلنا فى داهية !.. يالاّ يا خويا ما عندناش وقت نضعيه فى العواطف الخايبة دى !
لكن حينما يصل فؤاد بريتا إلى البيت يدفع باب الشقة بقدمه..ويجذبها للداخل نحو غرفة زخارى بقوة..ويظل يصفعها وهو يصفها بالخائنة..فتطيح ريتا على الأرض ويرتطم رأسها فتغيب عن الوعى..وحينما بدأت تفيق أخذت تتحسس الكدمات على وجهها وتمسح الدماء من فمها.. وتتلفت حولها فترى فؤاد جالساً على الأرض فى مواجهتها مستنداً بظهره على الحائط الرطب.. فتنظر له باكية ومعاتبه : ـ بقى كده يا فؤاد!..انت اللى تعمل فى نظيرة كده ؟! فيرد عليها فؤاد..وماذا تنتظر منه بعدما رأى خيانتها له بعينيه..ثم يلوم نفسه على أنه وافق على كل شروطها كالأعمى!..لكن من المؤكد لم يكن من ضمن الشروط أن يوافق عل خيانتها له ! فتدافع ريتا عن نفسها وتقسم له بأنها لم تخنه..ربما تكون قد قصرت فى حقه وحق ولديها وبيتها.. لكنها لم تخنه..لأنه ليس من أخلاقها ولا من طباعها ! ـ لكن من أخلاقك وطباعك إنك تشتركى معاهم فى خيانة بلدك؟! فترتبك ريتا ..خيانة بلدى !.. أنا مش فاهمة انت بتقول ايه؟! فيسألها فؤاد مستنكراً.. ـ ليه ما تعرفيش إن عمك إبرام رئيس عصابة وبيدير شبكة يهودية مشبوهة ! وإن كل اللى بيشتغلوا معاه فى الكازينو أعضاء فى الشبكة ! ويخبرها أنه سيقوم بالتبليغ عنهم..وسيتهمهم بالعمالة والخيانة..وسيتم القبض عليهم جميعاً ومحاكمتهم !.. ـ وأولهم سى آندرو بتاعك ! هنا ترتبك ريتا ويتمكن الخوف منها..فتبكى وهى تحاول أن تبرأ نفسها ! ـ آندرو بتاعى!..الله يسامك يا فؤاد..أحلفلك إنى عمرى ما كنت خاينة ليك ولا لبلدى.. والنهاردة بس أنا اتفاجأت بالشبكة اللى انت بتقول عليها ! هنا يبدأ فؤاد يشعر بشئ من الصدق فى كلامها..وفى ذات الوقت يتيقن مما قاله ماركو.. حينئذٍ يضطر فؤاد أن يفترض أنها صادقة..ويعرض عليها أنها إذا كانت ترغب فى أن تبرأ نفسها وتثبت أنها وفيّه له ومخلصة لوطنها مصر فعليها أن تستمع الآن لكل شروطه وتنفذها.. أولا: أن تترك عملها بالملهى وألا تعود إليه مرة أخرى..وأن تتفرغ لبيتها ورعاية ولديها.. ثانياً : أن تعلن إسلامها وتعود لاسمها القديم (نظيرة)..أو أى اسمٍ آخر تختاره غير ريتا ! فتوافق ريتا على شرطه الأول ..لكنها تعترض على شرطه الثانى وتراه ظالماً ومجحفاً.. لأنه من المستحيل أن تتخلى عن اسمها وعقيدتها..وتفاجأه بأنه إذا استطاع أن يتخلى هو عن اسمه وعقيدته فستتخلى هى أيضاً.. فيرتبك فؤاد..ويخبرها أن ذلك مستحيل لأنه مخلص لبلده ولم يفكر يوماً فى خيانته ! وتتعجب ريتا من محاولة إلصاقه تهمة خيانة الوطن بالدين..فترد عليه بانفعال : ـ ولما هو كده اتجوزتنى ليه ؟!.. ومعنى كده إن جدى زخارى وأبويا يعقوب وأمى وعمى جميل أفندى ومراته وولاده كل دول كمان كانوا فى نظرك خاينين ؟! وانت وعمى مظهر أفندى و وداد اللى مخلصين للبلد !..مش كده ؟! هنا يقبض فؤاد على ذراعها بقوة ويمنعها من أن تذكر اسم وداد على لسانها..تلك الإنسانة الوفية المخلصة التى ظلمها..وفضل ريتا الخائنة عليها..لكنه سيصلح من غلطته بمجرد أن يطلع الصبح سينطلق إليها ليقبل قدميها ويستسمحها لتعود معه وتقوم هى على تربية ورعاية يوسف وعمر ! .. أما ريتا فلم يعد فى حاجة إليها كزوجة..ويوسف وعمر لم يشعرا بها يوماً كأم.. لذلك ستظل ريتا قابعة فى تلك الحجرة..ولن تخرج منها إلا إذا وافقت على شروطه كما وافق هو على شروطها من قبل..أو أن تظل داخل تلك الغرفة المظلمة من البيت إلى أن تموت وتدفن فيها.. كما كانت تتمنى أن تعيش وتموت فى ذلك البيت..وبذلك يكون قد حقق شرطها الأخير الذى وعدها به قبل زواجهما !..ويخرج فؤاد ويقوم بغلق الباب عليها من الخارج.. وينتاب ريتا شعور بالحزن والندم على زواجها من فؤاد الذى لم يحقق لها الشعور بالآمان كما كانت تأمل ..بل إنه بدأ يبث فى نفسها الخوف والفزع بعدما بدأ يتهمها بالعمالة والخيانة.. والآن يدفعها دفعاً من أجل الرحيل الذى لم تفكر فيه يوماً ولم تكن تتمناه..بدلاً من أن يثبت أقدامها ويشجعها على البقاء ! وتشرد ريتا بخيالها فتتذكر ما قاله عمها إبرام وآندرو من أنه سيتم القبض عليها ومحاكمتها وربما إعدامها..وأن تلك فرصتها الأخيرة فى الهروب..ثم تتذكر رحيل صديقتها جوليا ووداعها لها !.. فترى ريتا أن دورها أيضاً فى الرحيل قد آن..ويبدو أن الأمر كان مجرد وقت وليس أشخاصاً تعلقت بهم ثم خذلوها..بل واتهموها بالعمالة والخيانة..ويريدون إجبارها على أن تغيّر اسمها وعقيدتها.. أو يتركونها هكذا فى تلك الغرفة الموحشة لتموت هماً وكمداً ! ومع مطلع الصبح تسمع ريتا صوت غلق الباب الخارجى ..فترجّح أن فؤاد قد خرج..ويبدو أنه عزم على السفر كما قال ليأتى بوداد..فتنهض وتفتش فى الغرفة فتجد قطعة من الحديد من مخلفات جدها زخارى..وتقوم بفتح الباب عنوة..ثم تدخل الغرفة المجاورة لتجد الطفلين ما زالا نائمين..فتسرع وتأتى بحقيبتها..وتضع فيها أشياءها..و فجأة تتذكر حجة البيت والتنازل..فتصعد للأعلى وتتسلل لغرفة مظهر أفندى بحذر..وتظل تفتش إلى أن عثرت عليهما..ثم تعود للأسفل وتسرع بحمل حقيبتها..لكنها لم تستطع حمل الطفلين معاً..فاضطرت أن تحمل أحدهما..وتترك الآخر وهى تقبله وتبكى عليه ! أما فؤاد..فبعدما خرج من البيت مرّ على بيت السيدة أم محمود..ليوصيها بأن تتابع والدها والطفلين لحين عودته من الصعيد..فتؤكد له أم محمود أنها ستفعل ولا يشغل باله ! وبالفعل يتوجه فؤاد لمحطة مصر ويصعد القطار ويجلس فيه منتظراً تحركه ! وتلوح له صورة ريتا وهو يضربها بقسوة ..وحين سقطت على الأرض وسالت الدماء من فمها.. وظل يلوم نفسه على اندفاعه وتهوره عليها وضربه لها بتلك القسوة وحبسها.. وتكفى موافقتها على أن تتخلى عن عملها فى الملهى لتكون دليلاً على براءتها من الخيانة ؟ ! ومن يكون حتى يجبرها على أن تغير عقيدتها .. وهذا أمر لا يرضاه الله ولا رسوله ؟! كما أنه من المستحيل أن توافق وداد على رجعوها معه..خاصةً إذا علمت أن نظيرة ما زالت على ذمته وتمكث فى البيت !.. وحتى إذا وافقت هل بذلك يحل المشكلة أم يعقدها ؟! ويتحرك القطار فجأة فينتفض فؤاد..و يقاوم الزحام..حتى وصل إلى الباب وأسرع بالقفز منه ! أثناء ذلك تذهب أم محمود إلى البيت..وحينما تدخل الغرفة..تجد فيها طفلاً واحداً.. فتضرب على صدرها..وتظل تفتش عن الآخر هنا وهناك..وتصعد للأعلى ..وتوقظ مظهر أفندى لتسأله عن الطفل الآخر !..فيتهمها مظهر أفندى بالجنون..ثم يلاحظ أن دولابه مفتوح.. والصندوق فارغاً..فيهبط مسرعاً ويمسك بتلابيب أم محمود ويتهمها بسرقته ! حينئذٍ يحضر فؤاد..ويدخل البيت فيجد شجاراً عنيفاً بين والده وأم محمود..يفهم من خلاله ضياع أحد الطفلين والأوراق الخاصة بالبيت..فينطلق نحو غرفة زخارى..فيجدها مفتوحة خالية من ريتا.. حينئذٍ يطلب من والده أن يترك أم محمود لأنها بريئة..ويعتذر لها فؤاد ويصرفها مشكورة.. فيسأله والده بعصبية عن الولد والأوراق !..فيخبره فؤاد بأسى وغيظ وهو يحمل الطفل الآخر ويتأمله بأن نظيرة الخائنة قد هربت بيوسف وسرقت حجة البيت والتنازل ! وفجأة يلقى فؤاد الطفل بين يدى جده وينطلق عدواً نحو شارع عماد الدين قاصداً ملهى إبرام .. وأثناء عدوه بجوار سور حديقة الأزبكية ..كانت ريتا تسير على الجانب الآخر أمام عمارة متاتيا متجهة نحو ميدان الأوبرا وهى تحمل حقيبتها وطفلها..ولو كان فؤاد فى تلك اللحظة التفت يساراً لرآها.. وحين لمحته ارتعبت وتدارت إلى أن غاب عن عينيها..فأسرعت نحو السيارة حيث كان فى انتظارها إبرام وآندرو وكارمن..فصعدت وهى تطلب مضطربة أن يسرعوا بالتحرك! ويصل فؤاد للملهى ..ويندفع فى الدخول..فيجد رجلاً غريباً عن المكان وبعض العمال..فيقبض على تلابيب الرجل بعصبية ويسأله عن العملاء الخونة الذين يعملون هنا..فيغضب الرجل ويزجره .. ـ احترم نفسك يا حضرة ما فيش هنا عملا ولا خونة ! ـ لا فيه ! ..إبرام عميل وخاين..وآندرو عميل وخاين..وكمان مراتى نظيرة.. قصدى اللى اسمها ريتا .. دى كمان أكبر عميلة وخاينة ! فيبدأ الرجل يستشف سر عصبيته وغضبه ..فيصرف العمال ويحاول تهدئته ويدعوه للجلوس.. ثم يخبره بأنه قد اشترى الكازينو من إبرام..وأغلب الظن أنهم قد رحلوا عن مصر.. لأن إبرام كان متعجلاً فى البيع ! وينهض فؤاد ويسير بخطى متثاقلة نحو البيت..وقد بدا ناقماً على الدنيا كلها وعلى ريتا .. تلك المرأة التى خانت وطنها..والزوجة التى خدعت زوجها..والأم التى فرقت بين أطفالها!
ويستقل إبرام وأندرو وكارمن وريتا إحدى المراكب المتجهة إلى إيطاليا..وتمكث ريتا على ظهر المركب منزوية حزينة وهى تحتضن طفلها الرضيع...وحين تبدأ المركب فى التحرك تنهمر ريتا فى البكاء..وتقف لتتأمل آخر ما تراه عيناها من مصر..وظلت تستعرض شريطاً سينمائياً كانت هى بطلته..منذ أن كانت ترغب فى الرقص مع الست نعيمة العالمة..ثم فصلها من المدرسة..ثم لقاءها بالسيدة بديعة مصابنى..وذكرياتها مع جوليا وبعض الاستعراضات التى أبدعت فيها مع الفرقة..ثم تتذكر أسرتها وطرد أبيها لها..وطفلها الرضيع الذى تركته..وفؤاد الذى اتهمها بالعمالة والخيانة ودفعها للرحيل وهى كارهة..وهو الوحيد الذى كان بإمكانه أن يشد من أزرها ويقوى من عزيمتها..وبالتالى يساعدها على البقاء ! وترسو المركب على الشاطئ فى إيطاليا..ويستقر إبرام وآندرو وكارمن وريتا فى خيمة مجاورة للعديد من المخيمات الأخرى لليهود الذين سبقوهم فى الخروج من مصر..انتظاراً للمركب الأخرى التى ستقلهم للوطن الجديد (إسرائيل) ! ونرى ريتا و المقيمين فى تلك المخيمات يشعرون بمعاناة شديدة تتمثل فى البرد القارس..ونقص فى الطعام..وعدم النظافة والقدرة على الاستحمام !.. وأخيراً تلوح المركب فى الأفق وترسو على الشاطئ..وينزل منها خواجة يهودى أرستقراطى يرتدى بدلة وبرنيطة..فينطلق نحوه معظم من فى المخيمات ويتحلقون حوله وهويقوم بإلقاء خطبة حماسية فيهم.. يبدأها بالترحيب بهم..ثم يشيد بما اتخذوه من قرار يدل على مدى شجاعتهم ووطنيتهم..وأن الجميع كان عليه أن يضحى من أجل أرض الميعاد والوطن الحبيب الذى طال انتظاره..كما ضحى هو من قبل حين غادر مصر..واضطر أن يتنازل عن جزء كبير من ثروته ليساعد الفقراء الوطنيين من أمثالهم على الخروج والنجاة بأنفسهم وأبنائهم ! حينئذ تحاول ريتا أن تتفرس ملامح الرجل من بعيد..فإذا به الخواجة نيكولا متاتيا ! وقد كانت تلك مفاجأة مذهلة لم تكن تتوقعها..وكلما دعاهم للرحيل تتراجع هى للخلف ! فيتسابق معظمهم للصعود على المركب..وفى مقدمتهم إبرام وآندرو وكارمن..وعقب صعودهم ظلوا يتلفتون على ريتا ويفتشون عنها..وهم لا يعلمون أنها قررت البقاء فى إيطاليا منذ خروجها معهم من مصر..وأنها من المستحيل أن ترحل معهم إلى إسرائيل..لأنها ستعيش على أمل أن تعود يوماً إلى وطنها الغالى الحبيب .. مصر !
ونعود لماركو فنجده قد أصبح مجنداً بالجيش المصرى..فيتوجه لبيت جميل أفندى بحى شبرا ليقوم بتوديعهم قبل سفره إلى السويس حيث مقر وحدته العسكرية..فيستقبله الجميع بترحاب شديد.. خاصة جميل أفندى الذى يحمل له الكثير من المحبة و التقدير..وأخبرهم ماركو أنه لم يكن يستطيع أن يسافر إلى وحدته قبل أن يقوم بزيارتهم ويقوم بتوديعه..ويتعمد جميل أفندى أن يترك ابنته رولا وماركو يجلسان منفردين ليقينه بأن هناك مشاعر نبيلة متبادلة ما زالت تربط بينهما ! وبالفعل نجد ماركو ورولا يتبادلان حواراً صامتاً ونظرات تعبر باستحياء عن مكنون مشاعرهما ! وفجأة تضحك رولا وهى تتأمل ماركو بزيه العسكرى..ثم تخبره بسر ضحكها واندهاشها.. حيث إنها لم تكن تتخيل ماركو وهو يحمل السلاح ليحارب به بعدما كان يحمل آلته الموسيقية (الكامنجة) التى كان يعزف عليها أرق وأعزب الألحان ! فيخبرها ماركو بأن الكامنجة أيضاً كانت سلاحه الذى يحارب به..لكنها كانت مثل الأسلحة الفاسدة.. لأن كل نغمة كانت تصدر منها ترتد على قلبه وتصيبه هو ! حينئذ تدمع عين رولا..وتقوم بنزع الصليب من على صدرها وتناوله لماركو وتوصيه بأن يحتفظ به لكى يحفظه الرب ويعود إليها سالماً..وتعده بأنها ستصلى من أجله وتدعو له..وسوف تنتظره ليعود إليها من جديدكما كانت تنتظره وتتوقع مجيئه الآن ! أثناء ذلك نرى جميل أفندى خلف الباب يقوم بمسح دموعه متأثراً بما سمعه وما شعر به من حبٍ متبادل عظيم بين ابنته رولا وماركو .. هذا الملاك المحارب !
أما مظهر أفندى فقد بدأت تتراكم عليه الأزمات النفسية والصحية والمزيد من الفقد والوحدة.. بعدما هربت ريتا بحفيده يوسف ..أما فؤاد فقد ظل منطوياً حزيناً على خيانتها له وهروبها بالطفل الرضيع..ثم أصبح تفكيره منصباً على ابنه عمر الذى حرم من أمه وأخيه معاً إلى الأبد ! حينئذ يتذكر وداد تلك الزوجة التى كانت مخلصة وعاشقة له..وشعر بمدى ظلمه لها..وأنه أيضاً قد غدر بها ودفعها للرحيل إلى بلدتها بالصعيد وهى لم ترتكب ذنباً بعدم قدرتها على الإنجاب.. فيتخذ فؤاد قراره بالسفر ليعتذر لها عما ارتكبه فى حقها..ويحاول إعادتها من جديد.. فربما تستجيب له بعدما أصبح البيت خالياً من نظيرة..وتصفح عنه من أجل عمر ذلك الطفل الرضبع الذى ربما ساقته الأقدار ليعوضها عن عدم قدرتها على الإنجاب ! وبالفعل يسافر فؤاد إلى الصعيد..ويلتقى بأمه خديجة التى عبرت بمجرد رؤيته عن غضبها منه وعتابها الشديد له..فيقوم بالاعتذار لها ويطلب السماح منها وهو يقبل يديها ورأسها.. وبعد أن لانت له يرجوها أن تتوسط له لدى وداد لتسامحه هى الأخرى وتعود معه..فتنادى عليها خديجة لتنزل من الأعلى..فتنزل وداد الدرج وهى تحمل طفلاً تعدى عمره عاماً ونصف.. فينهض فؤاد مبهوتاً ..معتقداً أن وداد قد تزوجت غيره وأنجبت ذلك الطفل الغريب ! فتعاجله أمه لتبشره بأن هذا الطفل هو ابنه جمال حيث أنهم اكتشفوا حمل وداد بعد سفرهم بشهرين..وأن الله أتم حملها وولادتها على خير!..فيتقدم فؤاد نحو وداد وعيناه معلقتان بالطفل.. ويمد يديه ليحمله عنها..فيحتضنه ويقبله..ثم يأخذ بيد وداد أيضاً ويقبلها طالباً منها الصفح والغفران عما ارتكبه فى حقها وحق طفلهما !.. ثم تخبره وداد بأنها أطلقت عليه اسم جمال كما كان يتمنى..فيداعبهم فؤاد بقوله : ـ بس على الله جده ما يعملش فيه حاجة لمّا يعرف إن اسمه جمال ! فيضحكون جميعاً .. ثم يجلس فؤاد معهما ويقص عليهم حكايته مع نظيرة.. وتتعاطف وداد مع فؤاد والطفل الرضيع عمر ..فتقرر العودة معه إلى القاهرة هى وخالتها لتقوم على احتضان الطفلين عمر وجمال وإرضاعهما وتربيتهما معا القاهرة 1956 حيث نجد مقهى متاتيا قد تغيرت بعض معالمه..فنجد على الحائط صورة للرئيس جمال عبد الناصر.. وبالأسفل الصور القديمة للزعماء والشعراء والمفكرين..ويجلس على المقهى العديد من الصعايدة.. والعمال..والمثقفين..(ولا أحد يرتدى الطربوش..كما نرى المقهى خالياً من الخواجات والأجانب) والجميع يستمع باهتمام لخطاب الرئيس جمال عبد الناصر..وفجأة تسود الجميع حالة من الفرح والضجيج بمجرد إعلان الرئيس قراره بتأميم شركة قناة السويس! بينما الخواجة ميشيل (الفرنسى الأصل) الجالس على مكتبه فى زاوية من المقهى يصف عبد الناصر بالجنون .. ويهمس لعبده العامل بأن هذا الأمر خطير ولن ينتهى على خير ! وبالفعل ينتج عن ذلك وقوع العدوان الثلاثى على مصر.. لكن تكون المفاجأة حين يتم استشهاد ماركو فى السويس على يد نسيم بن يعقوب صديقه القديم الذى التحق بالجيش الإسرائيلى عقب رحيله عن مصر ! ويشعر الجميع بالحزن الشديد على وفاة ماركو ذلك الملاك الذى لم يكن يوماً محارباً .. بل عاشقاً وعازفاً لأرق وأعذب الألحان..وتصاب رولا بانهيار عصبى تلزم على إثره الفراش والصمت وعدم القدرة على الحركة..أما جميل أفندى فقد كان حزنه مضاعفاً..بدأ بحزنه على ماركو وأعقبه حزنه على ابنته رولا..فأصيب بأزمة قلبية مات على إثرها.. ويتعمد فؤاد كتمان خبر وفاة جميل أفندى عن أبيه..لأنه كان آخر ما تبقى من أصدقائه.. كما أن الحالة النفسية لمظهر أفندى قد ازداداً سوءً بعد كل تلك النكبات التى مرّ بها.. وعلى أثر الكشف عن الطابور الخامس للصهيونية فى مصر..ووقوع العدوان الثلاثى صدرت بعض قرارات التأميم للعديد من الشركات والمبانى والمؤسسات الكبرى اليهودية والفرنسية والإنجليزية..وقد كان من بينها عمر أفندى وعمارة متاتيا ! وتتم إحالة مظهر أفندى للتقاعد عن عمله بشركة عمر أفندى..فيشعر بالمزيد من الفقد..ويبدأ ينفصل عن الواقع ويعيش فقط فى الماضى..فنراه يصعد ويهبط داخل البيت فيجده فارغاً من سكانه..ثم نراه يتردد على مقهى متاتيا منتظراً مجئ أحد من أصدقائه القدامى..فيتوجه بالسؤال للجالسين على المقهى عن يعقوب وجميل أفندى حنا..والخواجة نيكولا متاتيا ! القاهرة 1960 (فى ذلك العام تم تقسيم مقهى متاتيا الكبير والعريق وتحويله إلى عدة محلات تجارية) فنرى مظهر أفندى رجلاً عجوزاً يتجول فى ميدان العتبة وهو لا يزال حريصاً على ارتداء البدلة والكرافت والطربوش وبيده عصاته...ثم حينما يصل إلى عمارة متاتيا يبحث عن المقهى فلا يجده.. فيظل يدور ويلف فى المكان بحثاً عن مقهى متاتيا..ويظل يسأل كل من يصادفه فى الطريق عن الخواجة نيكولا متاتيا و يعقوب وجميل أفندى حنّا.. ويعبر الطريق إلى حديقة الأزبكية..وينظر إلى عمارة متاتيا من بعيد..وحينما يراها يتوجه إليها.. ثم حينما يصل ولا يجد المقهى يعتقد أنه ضل الطريق..فيعود للجهة الأخرى وينظر للعمارة من جديد فيراها.. فيسرع بالعبور إليها فلا يجد المقهى ! حينئذٍ يلقى مظهر أفندى بطربوشه بعصبية فى منتصف الطريق..ويظل يصرخ وينادى.. ـ يا خواجة متاتيا !..يا يعقوب !..يا جميل أفندى !..يا سيد عمر.. انتو رحتوا فين ! ..حد يرد عليّا ! حينئذٍ تعبر سيارة جيب تابعة للجيش المصرى الطريق فتدهس طربوش مظهر أفندى.. فينزل من على الرصيف ويتوجه نحو الطربوش ويلتقطه..فيحتضنه بأسى بعدما صار قطعة بالية من قماش !..فتأتى سيارة جيب أخرى فتدهسه هو والطربوش من جديد !
القاهرة 1999 حيث نرى مشهدا من بعيد لميدان العتبة وهو يقتظ بالسيارات والباعة الجائلين والناس.. ثم تقترب الصورة نحو شاب يدعى(عمر) يخرج من شارع عبد العزيز بعدما أنهى عمله اليومى بشركة عمر أفندى.. وقد بدا عليه الشعور بالبؤس والإحباط من خلال هيئته المنفرة وملابسه الرديئة..وقبل أن ينحرف نحو شارع محمد على ليتوجه إلى بيته بدرب الأغوات يلفت نظره تجمهر الناس قى ميدان العتبة وهم يشاهدون عملية هدم (عمارة متاتيا ) ! فيتوقف عمر ويظل يتأمل المشهد صامتاً وقد بدت على وجهه علامات الامتعاض.. ثم يواصل سيره نحو البيت إلى أن يتوقف أمام ورشة أبيه التى تقع أسفل البيت..حيث ما زال والده الرجل العجوز (فؤاد) الذى تجاوز الخامسة والسبعين يقوم على صناعة آلة (العود) ! فيبادره فؤاد بالسؤال عن حالة الفوضى والضجيج وأمر الونشات والرافعات التى تذهب وتجئ فى شارع محمد على منذ الصباح..فيخبره عمر بأنهم يقومون بإزالة عمارة متاتيا ! هنا يسقط المبرد من يد فؤاد ويتراجع للخلف ليرتمى بجسده على كرسى متهالك..وقد ارتسمت على وجهه علامات الحزن وشرد بفكره ليستعيد شبئاً من ذكريات مقهى متاتيا.. ثم يصعدان إلى شقتهما بالأعلى..وتفتح لهما المرأة العجوز وداد فزعة على زوجها..و يدور بينهم حوار حول عمارة متاتيا وذلك المقهى العتيق الذى طالما حمل بين جدرانه العديد من الذكريات والمواقف وجلسات السمر التى جمعت بين (مظهر أفندى) وأصدقائه الخواجة نيكولا متاتيا وجميل أفندى حنّا ويعقوب وغيرهم من رواد المقهى ! ثم تلاحظ وداد صمت وحزن عمر..فتعتقد أنه أيضاً حزين كوالده على هدم عمارة متاتيا ؟! فيخبرهما عمر أنه غير راض عن حياته الرتيبة وحاله الذى لا يتغير..و الوضع العام لشركة عمر أفندى الذى لا ينبأ بالخير..فى ظل تدهور أوضاع الشركة..حيث لا يوجد بضائع جديدة يمكن أن تنافس الشركات الأخرى..ومن ثم لا يوجد زبائن..وأن كل ما يفعله هو وزملاؤه تناول طعام الفطور وشرب الشاى..وتبادل حكايات ونكات قديمة عفى عليها الزمن مثل تلك البضائع المعروضة فى الشركة !..وهنا يطلق فؤاد لمشاعره المكبوته العنان ويتساءل منفعلاً.. ـ طب ليه؟!..ليه مصممين نهد كل حاجة جميلة فى حياتنا؟!..وعلشان ايه؟!..حد يقوللى؟! الأوبرا تتحرق ويقولوا دا ماس كهربائى !..متاتيا تتهد ويقولوا أصلها اتصدّعت من الزلزال ! حتى شركة عمر أفندى اللى كانت عنوان الذوق والفخامة..وكنا بنتباها بيها قدام الأجانب والعالم كله..دلوقتى خلاص بقت خرابة !..وبتخسر !..معقول اللى بيحصل ده؟! فيؤكد عمر صحة ما قاله والده..ويفاجأهما بأنه قرر ترك العمل بشركة عمر أفندى.. وأنه من الغد سيحاول البحث عن أية فرصة للعمل بإحدى دول الخليج.. حينئذ يقبض فؤاد على تلابيب عمر..مؤكداً له أنه من المستحيل أن يسمح له هو أيضاً بالهروب من تلك الجريمة التى ارتكبها هو وزملاؤه..جريمة هدم تلك المؤسسة العريقة (عمر أفندى) ! فيسأله عمر مستنكراً عن الجريمة التى ارتكبها !..فى حين أنه ضحية ومجنى عليه ! فيدفعه والده ويشير بإصبعه باشمئزاز معبراً عن استيائه من سوء مظهره .. ـ أنا كم مرة نبهتك إنك تاخد بالك من منظرك اللى ما يشجعش أى زبون يدخل الشركة.. وحتى لو دخل استحالة حيفكر يشترى ولو إبرة خياطة من بياع زيك منظره بالشكل البشع ده.. هنا ينتفض عمر ليؤكد لوالده أنه ضحية لمنظومة تعمدت إفشال الشركة وكل العاملين فيها.. ـ والنتيجة..مفيش بضاعة..ولا زباين..ولا مرتبات..ولا حوافز..ولا مستقبل ! ثم يخبره فؤاد بأن جده أطلق عليه اسم (عمر) على اسم أعز وأقرب أصدقائه (عمر فندى) لأنه كان يتمنى أن يراه مثله فى أناقته ولباقته وطموحه..فيضحك عمر ساخرا : ـ يا بابا أنا فين وعمر أفندى فين ! فيؤكد له والده أن (عمر أفندى) كان فى بدايته مجرد بائع مثله..لكنه استطاع بحسن مظهره ولباقته أن يؤسس لتلك الشركة التى أصبحت إمبراطورية اقتصادية اسمها "عمر أفندى" ! وأن جميع من فى الشركة كان يتخذه مثلاً وقدوة بصرف النظر عن الراتب أو الحوافز ! ثم يتوجه فؤاد نحو غرفة أبيه المغلقة منذ سنوات..ويخرج منها وهو يحمل بإحدى يديه شماعة تتدلى منها بدلة وكرافتة وبطرف إصبعيه طربوش..وبيديه الأخرى مجموعة من الصور القديمة.. فيلوّح بما فى يديه فى وجه عمر ويسأله بعصبية..ـ عارف ايه دى ؟! فيرد عمر بشئ من السخرية الممزوجة باللا مبالاه.. ـ أكيد دى بدلة الملك فاروق ! ـ انت بتتريق يا أفندى..دى بدلة الشغل بتاعة جدك لما كان بيشتغل زيك فى عمر أفندى ؟! ثم يضع فؤاد البدلة والطربوش جانباً..ويمد يده بإحدى الصور لابنه عمر..ويدعوه ليتأملها جيدا.. ويخبره أن ما يراه فى تلك الصورة جده مظهر أفندى مع صديقه عمر أفندى وفى الخلفية منهما العمال والموظفين وهم يرتدون جميعاً زياً موحداً غاية فى الأناقة.. ويظل عمر يتأمل الصورة حيث يلحظ فى الخلفية أيضاً العديد من رجال وسيدات المجتمع الراقى..والجميع يملأ ساحة الشركة..وقد بدا عليهم الانشغال بحالة البيع والشراء ! لكن أكثر ما أثار اندهاش عمر وحزنه معاً أن ما يراه فى الصورة هو نفس المكان الذى يعمل به الآن.. (شركة عمر أفندى بشارع عبد العزيز) ! ..لكن البائعين غير البائعين والزبائن غير الزبائن.. فتتساقط الدموع من عينيه ويتمنى لو أنه عاش فى ذلك الزمن الجميل ! القاهرة 2000 حينئذٍ نرى فؤاد رجلاً عجوزاً تجاوز السادسة والسبعين ولا يزال يعمل بصتاعة آلة العود فى ورشة يعقوب وبجانبه ابنه عمر يساعده بعدما ترك عمله بشركة عمر أفندى.. وفجأة تتوقف أمام الورشة سيارة ملاكى فارهة.. ينزل منها رجل وسيدة عجوز وقد بدت عليهما ملامح الارستقراطية والثراء..ثم وقفا فى مواجهة فؤاد وعمر اللذين تركا ما فى أيدهما من عمل والتفتا عليهما ..فترفع السيدة نظارتها تتأمل فؤاد وعمر حيناً والورشة والبيت حيناً..فيسألها فؤاد متهيباً.. ـ أأمرى يا ست هانم..حضرتك بدورى على حاجة معينة ؟! لكنها تقترب من عمر وتظل تتفرس ملامحه بعيون دامعة..ثم تضع يدها المرتعشة على خده لتتحسسه..فيسألها عمر متعجباً.. ـ فى حاجة يا ست هانم ؟! فتجيبه وقد بدأت دموعها تنهمر.. ـ لا يا حيبيى أنا مش ست هانم !..أنا أمك يا يوسف ! حينئذٍ يقترب منها فؤاد بتثاقل..ويطل فى وجهها.. ـ مش معقول !..نظيرة .. فتنظر له نظيرة من خلف دموعها..قائلة : ازيك يا فؤاد ! ثم يتوجه فؤاد نحو ابنه الآخر ويظل يتأمل وجهه وهيئته..ـ مش معقول..أنا..أنا مش مصدق ! وتصيب فؤاد حالة من الذهول..فيتراجع للخلف ويلقى بجسده على كرسى متهالك.. وهنا نلمح الفارق الكبير بين الأخوين.. فالأول الذى ظل بصحبة أبيه فؤاد تبدو عليه كل مظاهر البؤس والفقر والشقاء!..والثانى الذى هربت به ريتا تبدو عليه مظاهر الأبهة والعظمة بعدما صار من رجال الأعمال المرموقين ! ثم تدخل ريتا البيت وتظل تتفرس كل زاوية وركن فيه..وتتذكر أسرتها وبعض المواقف من الماضى ..بينها وبين أسرتها..وبينها وبين مظهر أفندى..وبينها وبين فؤاد ! ثم يجلسون جميعاً فى شقتها بالطابق الأرضى..وتدخل عليهم وداد وقد أصبحت هى الأخرى امرأة عجوز..فتصاب أيضاً بالذهول حين رأت ريتا ومدى التشابه بين الأخوين! وتصر ريتا على مناداة ابنها الذى كان بصحبة فؤاد باسم جوزيف (يوسف)..فتخبرها وداد بسخرية أن اسمه عمر..فتفاجأهم ريتا بأن هذا يوسف أما الذى بصحبتها فهو عمر ! وتتوجه نحو فؤاد بحديثها لتؤكد له بأن الذى بصحبتها هو عمر..أوعمر أفندى كما كان جده مظهر أفندى يتمنى أن يراه مثل عمر أفندى..وقد أصبح كذلك ! ثم تشير باستياء نحو مظهر ابنها الآخر لتؤكد لهم أنه من المستحيل أن يكون هذا هو عمر ! هنا تنفعل وداد عليها مستنكرة..هل جاءت نظيرة بعد كل هذه السنين لكى تخبرهم أيّهما عمر وأيهما يوسف ؟!..فيتدخل عمر (ابن ريتا) فى الحوار موجهاً حديثه لوداد بقوله (يا طنط) وأحياناً يخطأ وهو يحدث فؤاد بقوله (يا أونكل) ..ثم يصحح ويقول (بابا) بهدوء وبرود! ثم نجده يعبر عن استيائه ورفضه لما آل إليه والده وأخوه يوسف .. فيقترح عليهما أن يتركا تلك المهنة التى عفا عليها الزمن وكانت سببا فى فقرهم وما آل إليه حالهم!..وأن يهدم البيت ويقيم فوق تلك الأرض التى تقع بالقرب من ميدان العتبة برجا ضخما به محلات لبيع أجهزة المحمول..ومعرضا للموبيليا..وشركة كبرى لبيع الأجهزة الكهربائية وغير ذلك! لكن فؤاد يستنكر ما يقترحه عمر..ويذكّر ريتا بأن هذا البيت قد شهد مولدهما وحياتهما وأنه ظل محافظا عليه بعد وفاة والده ورحيل والدها يعقوب..وأنه لم يفكر يوما فى بيع البيت ولا هدمه.. وأنه لن يتخلى عن الورشة ولا مهنته التى أخذها عن أبيها يعقوب وسيظل محتفظا بتلك المهنة وبالبيت ما دام على قيد الحياة ! وحين ترى ريتا مدى تمسك فؤاد بالبيت والورشة وحالة الفقر التى ارتضاها لنفسه تتوجه نحو جوزيف (يوسف) وتعرض عليه الرحيل معها ومع أخيه وأن يترك مصر وحالة الفقر التى يعيش فيها !..لأن هناك الحياة الحقيقية والمستقبل الذى يتطلع إليه كل شاب.. وأنها ستمنحه المال الذى سيبدأ به حياته ليصبح من رجال الأعمال مثل أخيه عمر. هنا يشعر (يوسف) بدوار ويظل ينظر لأبيه تارة ووداد زوجة أبيه تارة خرى.. وبمجرد أن شعرت ريتا بأن (يوسف) بدأ يفكر فى الأمر اقتربت منه وحاولت جذبه واحتضانه ! حينئذ تنفعل وداد وتنطلق صارخة نحو (يوسف) وتحوط عليه وتحتضنه وتؤكد لريتا أنها لن تتخلى عن عمر (يوسف) لأنها أمه الحقيقية التى احتضنته وأرضعته وربته وهو أيضا لن يتخلى عنها ولو بكنوز الدنيا كلها..وظلت تهاجم ريتا وتتهمها بأنها ليست أما لعمر بل امرأة غريبة هربت وتخلت عن بلدها وزوجها وابنها..والآن لم يعد هذا البيت بيتها..ولا فؤاد زوجها..ولا عمر(يوسف) ابنها..وأن عليها الآن أن ترحل بذلك المسخ إلى حيث أتت (وهى تقصد بالمسخ رجل الأعمال بن ريتا)..لأن هذا المكان لن يسعهما معا كما لم يسعهما فى الماضى! وهنا ينصح فؤاد ريتا بالرحيل الذى لم يكن يتمناه لها من قبل..لأن عمر الذى أتت به رغم أنه ابنه إلا أنه يشعر بأنه شخص غريب لا يعرفه ! ويحتضن فؤاد ووداد عمر (يوسف) وهو يؤكد لريتا أن عمر (يوسف) لن يتخلى عن أبيه ولا عن أمه (وداد)..ولا عن الورشة أو البيت الذى ولد وتربى فيه بين أحضان أمه وأبيه.. ثم يحاول فؤاد أن يثبت لريتا أنه سيكون عادلا ومنصفا معها..وأنه لن يقبل أن يظلمها ويجور على حقها فى ابنها كما ارتضت هى فى الماضى أن تظلمه وتجور على حقه فى ابنه بأنه سيترك لعمر (يوسف) حرية الاختيار بين البقاء معه أو الرحيل معها. وبعد لحظات من التأمل والتفكير والترقب يحتضن عمر (يوسف) أباه فؤاد ويأخذ بيد وداد ويقبلها ويحتضنها..وبخاطب أمه ريتا بقوله يا مدام وأخيه عمر (يوسف بيه)..ويعتذر عن السفر معهما..أو بمعنى أدق الهروب معهما..لأنه لن يستطيع أن يتخلى عن أبيه وأمه (وداد) ووطنه والبيت والورشة. وهنا تبكى وداد وهى تحتضن عمر(يوسف) وتدافع باستماته عن حقها فيه كابن لها أرضعته وربته مع ابنها الآخر جمال الذى استشهد فى حرب 73 ..والآن لن تسمح لريتا أن تنتزع منها ابنها الوحيد الذى عاشت وعانت من أجله كل هذه السنين..بينما ريتا التى تدعى أنها أمه هربت وتركته ولا تعلم إن كان حياً أم ميتاً..ثم تقسم وداد إنها لولا أنها تعمل خاطراً لفؤاد وابنها عمر لقتلتها الآن بيديها..على الأقل ثأراً لابنها الشهيد الذى ربما مات بيد أحد أخواتها أو أبناء أخواتها الخونة الذين هربوا إلى إسرائيل ! حينئذٍ يعود فؤاد ليوجه النصح لريتا بالرحيل من جديد..كما رحلت من قبل بإرادتها ولم يجبرها عليه أحد..أما ابنه عمر(يوسف) فقد اختار وبإرادته أمه الحقيقية..ومن المستحيل أن يوافق على الرحيل أو الهروب من مصر..مثله مثل كل المصريين الحقيقيين..مهما ضاقت بهم الأرزاق أو الأحوال ! وهنا تصرخ ريتا فى وجه الجميع..وتتوجه بحديثها لفؤاد بشكل خاص لتؤكد له أنها مصرية من أب مصرى وأم مصرية وهو يعلم ذلك..وأنها ولدت فى هذا البيت كما ولد وعاشت فيه كما عاش..وأنه هو الذى أجبرها على الرحيل والخروج من مصر..ولم ترحل بإرادتها كما يدّعى..حتى عندما رحلت لم ترحل إلى إسرائيل لأنها مصرية حقيقية..ولم تكن يوماً خائنة..سواء قبل الرحيل أو بعد الرحيل..ولو كانت مخيرة لاختارت مصر التى عشقتها..والبيت الذى ولدت وعاشت فيه مع أسرتها..وأنها ما زالت تحمل لمصر فى قلبها وعقلها ذكريات لن يستطيع أحد أن ينتزعها منها ولا يجبرها على التخلى عنها ! ثم تفاجأ ريتا الجميع وتخرج من حقيبتها حجة البيت والتنازل..وظلت تلوح بالحجة لفؤاد.. وتخبره أن تلك هى الحجة التى سجلها الخواجة متاتيا لأبيها يعقوب..ومن ثم تثبت ملكية البيت لأبيها ولها أيضاً..ثم تخرج ولاعة من حقيبتها وتشعل فى الورقة الأخرى وهى تخبره أن تلك الورقة ورقة التنازل عن البيت التى تركها أبوها يعقوب لمظهر أفندى..وهى لا ترغب فى هذا التنازل !..ولن تتخلى عن البيت لأنه هويتها الحقيقية ووطنها المفقود ! وتؤكد أنها سوف تسترد البيت من جديد لأن من يحكم مصر الآن ليس الملك ولا الإنجليز.. كما أنها تثق فى عدل ونزاهة القضاء الذى تتسع ساحته للجميع.
النهاية
#محمد_عبد_المنعم_الراوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة قصيرة : شفت منام !
-
ملخص قصة مسلسل عمر أفندى
-
قصة قصيرة: زيارة خاطفة !
-
هى على حق !
-
ماما ماكينة صرف آلى
-
الظل
-
وحوى يا وحوى
-
زوجتى والفأر
-
الراعى وذو القرنين
-
قصة قصيرة : الخاتم والبطات الثلاث
-
قصة قصيرة : بائع العرقسوس
-
رحيل
-
قصة قصيرة : المنزل المجاور
-
قصة قصيرة : تعارف
-
قصة قصيرة : مرزانة
-
قصة قصيرة : -الغربة مرّة-
-
قصة قصيرة : -العصفور الرمادى-
-
أوعى تنكزنى جوزى جاى ورايا
-
كوب شاى
-
محاكمة المعلم ساطور
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|