أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - نوح رسول قومه هل كان واحدامن عدة رسل؟ وما معنى كلمة نوح؟















المزيد.....

نوح رسول قومه هل كان واحدامن عدة رسل؟ وما معنى كلمة نوح؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 8103 - 2024 / 9 / 17 - 14:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من موسى ع إلى إبراهيم عليه السلام يرجع بنا سرد السورة ليقص لنا قصة تكذيب نوح من قومه، هذه الأفة التي دمرت عالم الإنسان وصنعت منه أشبه بالحجر الذي لا يستجيب للكلام لأن هلا يدرك أن أمر الله ليس فقط كلام يلقى وينتهي الأمر، فلو أدرك بني آدم التجربة مرة واحدة وأتخذ منها عبرة لن تنسى ما شهدنا هذا العذاب وما فرط في كل هذا الزمن، وما زال يفرط لأنه ينسى ويتناسى من جهة ولأنه يكذب على نفسه فيكذب من يحدثه ظانا أن الجميع مثله {كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (105)}، هذه الآية تلقي على العقل المتدبر أسئلة وإن كانت الآن لا تغني بنتائجها على واقع الإنسان الحاضر بقدر ما تكون من حالة كشف الحقيقة، فالنصوص في كل القرآن عندما تتحدث عن رسل فإنها تتحدث عن سلسلة منهم وعلى أمتداد زمني، ربما يكون بنو إسرائيل هم الذين تكرر فيهم الإرسال والتعدد فقط { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}، إذا هذه الخاصة وردت في حق بني إسرائيل وحدهم، ولكن لم يذكر القرآن قوم نوح في أي سورة أخرى أن الله بعث لهم رسلا إلا في هذه السورة، فقد قيل في التفاسير أمرا لا يقنع الطفل بالتبرير المساق له (كذبت قوم نوح المرسلين قال "كذبت" والقوم مذكر لأن المعنى كذبت جماعة قوم نوح، وقال المرسلين لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل، لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل، وقيل كذبوا نوحا في النبوة وفيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده، وقيل ذكر الجنس والمراد نوح عليه السلام)، فلو كان من كذب الرسل هو من كذب رسوله فلا بد أن يكون الأمر على كل الأقوام وهذا ما لم يحصل، ولا حتى في التبرير الثاني لم يخبر نوحا قومه بالرسل من بعده.
إذا هناك ما هو مخفي بين الأسطر وهناك عدة أحتمالات تعززها فكرة أن نوح نصح قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهذا من الناحية الطبيعية غير ممكن ولم يسجل التاريخ المدون أن إنسانا عاش هذا العمر وإن لم يمن ممتنعا { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}، إذا المسألة حتى تدرك جيدا لا بد من معرفة أمرين أساسيين للوصول لفهم القضية بعيدا عن الفهم الأعتباطي السائد، الأمر الأول معنى العام والسنة والمقياس الذي يقاس به كل منهما، والأمر الثاني هل كلمة نوح صفة مثل فرعون أو جل في السومرية والبابلية القديمة؟ أم أسم علم لشخص؟.
في الأمر الثاني تقديما للتأسيس عليه أناسم نوح ليس أسما علما لنبي الله الذي عرف به، ولا أحد يجزم بها لا إثباتا ولا نفيا ولكن المتفق في التسمية أنها صفة له من الفعل نَوَحَ أي سكن أو أستقر وهو جذر مشترك في كل اللغات القديمة التي أعقبت قصة الطوفان والتي أرتبطت به على وجه التحديد، فقد ورد مثلا (أن اشتقاق اسم نوح من النوخة أو النوحة حسب اللفظ العبري أو العربي القديم* ، فإبدال الحاء بالخاء معروف ومشهور باللغتين ويعني (اللبث والبقاء والمقام في قومه) أي سَكَنَ أو أستكان فيهم، ولأنه أناخ أو أناح بقومه مدة طويلة نحو ألف سنة، فكأن اسمه هو (الذي أناخ أو أناح بالأرض وسمي نوحا تعظيما لما أناح مثل ما يسمى الكثير الإعفاء بالـ عفو)، فهو نوح الذي مكث وقرّ واستقر وظل وخلد فيها كثيراً جداً، فاسمه نوح وليسمن جذر فعل (ناح) فهو ينوح نوحا فهو نائح أو نواح والمؤنث منه نواحة أو نائحة والجمع نواحين أو نُوَحْ.
والغالب من البحث في جذور الكلمة لغويا مع شواهدها التأريخية تفيد أن تسمية نوح ليست من الأصل كان يسمى فيها، بل لأن بقي في الأرض وأخلد بعد أن أغرق الله قومه لقب به نوحا أي الناجي (ففكرة النوخة التي تعني "البقاء والدوام" التي عللت بها اسم نوح هي صحيحة حيث بقي نوح من بعد قومه ودام وجوده بعد أن زال قومه، وكادت أن تفسّر اسم نوح تماماً على أنه الباقي الذي دام، فنوح من نوخته بالأرض (بقائه بها) جعلت نوخة نوح بمعنى مطابق لحقيقة "نجاته" من الغرق)، والشاهد على أنه الباقي والذي أستراح بعد عناء الطوفان هوما نجده في نصوص عبرية تؤكد معنى النجاة والراحة من العذاب (نحميا 9: 28 وكنوح لهم يشوبو لعسوت رع لفنيك، وتعني ولكن لما استراحوا رجعوا الى عمل الشر قدامك، أستير 9: 17 ونوح بأربعه عسر بو، وترجمتها واستراحوا في اليوم الرابع عشر منه، أيوب 3: 13 كي-عته شكبتي وأشقوط يشنتي أز ينوح لي، ومعناها لأني قد كنت الان مضطجعا ساكنا حينئذ كنت نمت مستريحا، أيوب 3: 17 وشم ينوحو يجيعي كح، يعني وهناك يستريح المتعبون، حبقوق 3: 16 وتحتي أرجز أشر أنوح ليوم صره، وتترجم وارتعدت في مكاني لأستريح في يوم الضيق، وأخيرا في اشعيا 57/ 2: ينوحو عل مشكبوتم، أي يستريحون في مضاجعهم)، من طل هذا نجزم أن أسم نوح ليس إلا وصف لتنبي الله الذي حضر الطوفان.
ونعود للأمر الأول حول المفردة الزمنية التي أقترنت بالنبي نوح {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، وهي ليست مستغربة في أستخدامات القرآن في الإشارة للزمن، فالسنة والعام كرهما وردا في النصوص القرآنية مع الفرق في الإشارة إلى أن الله أختار العام لينسبه له { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، فعند الله التوقيت وفي كتابه الأعتماد على العام الذي فيه أربعة حرم هو التوقيت القمري الذي يعادل 354 يوما وليس التوقيت الشمسي على السنين الذي يساوي 365 يوما وربع اليوم، فأينما ورد لفظ سنه أو سنين فهو يشير إلى عد وحساب الناس {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}، فالله ينسب حساب السنين للناس وليس عنده بدليل الفرق بين ما عنده وما عند الناس {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}، فالعد عندنا بالسنين ولكن عند الله بالأعوام، هذه نقطة أولى ويجب أن تحضر معنا في الحساب، النقطة الأولى حساب السنين عند الناس مختلف بالمبدأ والمنتهى وفي عدد الأيام ولهذا اليوم، فمثلا السنة الميلادية الآن عند غالب الدول هي الألفين وأربعة وعشرين ميلادية بينما في التقويم الحبشي في أثيوبيا يفرق خمس سنوات وتسع أشهر وكم يوم، فعندهم الأن سنة 2019 ميلادي، وهنا نجد مثلا أن بعض الكتابات المدونة والتي وصلتنا من الأقوام القديمة وعن عدد سني الحكم فيها لملوكها تجدها غاية في الغرابة وبأرقام خيالية، وهذا يعود لفرق الحساب وطول السنة وعدد أيامها حسب التقاويم عندهم.
فعندما يقول النص أن مدة لبث نوح في قومه هي { أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}** يعني أن الله ذكر سنينهم التي يقيسون بها ناقصا منها خمسين عام بما يعادل ستمائة شهرا قمريا كما في حساب الله، وحيث أننا لا نعرف من طريقة قياسهم ولا عدد أيام سنينهم إلا ما أنقص الله منها أعواما فلا يعني أنها من سنيننا الحالية أو سنين وقت نزول القرآن، ربما يكون ما لبث فيهم لا يزيد على ما هو مألوف وطبيعي من أعمار الناس المعتادة ، وهنا يجب أن نذكر قضية تجاهلها كل من بحث في قصة قوم نوح وهي أن نوحا لم يلبث المدة المذكورة كلها مع قومه، بل لبث فيهم ألف سنة مما يعدون ما عدا خمسين عاما كان خارج قومه، فحرف إلا أستثناء محدد من محدد بمعنى أنه فعلا لبث كامل هذه المدة (الألف سنة) وأداة الأستثناء ليس تنقيصا منها أي تكون تسعمائة وخمسون سنة تقريبا، بل أنه منذ بدء الألف وحتى أنتهائها خرج من اللبث معهم بهذا المقدار دفعة واحدة أو أجزاء، قد تكون سفر أو غياب أو هجرة أو أي عارض يقطع من وجوده الدائم مع قومه، أو أن نوحا لبث في قومه ألف سنة مما يعدون منها خمسون عاما بعد النجاة فيكون عمر نوح مرحلتين الاولى العظمى قبل النجاة والثانية التي هي خمسون عاما بعد الطوفان كان فيها أشبه بما يعرف اليوم النبي الملك مثل داوود وسليمان وحتى النبي محمد ص.
وللجمع بين الفكرتين نكون أمام أفتراضين قد يبررا ورود كلمة رسلهم إلى قوم نوح {كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (105)}، وقد تكرر النص أيضا في سورة الفرقان {وقوم نوحٍ لمّا كذّبوا الرسل أغرقناهم}، فيكون الأفتراض الأول أن قوم نوح قد أرسل الله لهم عدة رسل وبأسماء مختلفة لكنهم لم ينجحوا في هدايتهم أو حسم موقف معهم، فقد جاء هذا النبي ليضع نهاية لهذا القوم بدعوتهم ولما يئس منهم أوحى له الله أن أصنع الفلك وكان خاتم الرسل لقومه وهذا غير مستبعد بمنطق القرآن { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164) رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، فكما أرسل الله رسلا من قبلك قصننا عليك أخبارهم فهناك رسل أيضا قبل نوح طالما أن لا نص ولا شاهد على نفي الخبر مع أن الله ذكر أنه أصطفى نوحا وأخرين من قبله {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فقد أصطفى أيضا من ذرية آدم وصولا لنوح لأنهم ذرية بعضها من بعض، فهذا لا يمنع وجود رسل قبل نوح مما لم يقصص علينا، فيكون الله قد بعث نوحا من بعدهم لأنه من أهل العزم وهم الذين تحملوا مشاق الدعوة أكثر من غيرهم من الرسل الآخرين، وهم محمد وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى عليهم السلام أجمعين‏، وقد ورد تخصيصهم في القرآن {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}.
أما الأفتراض الثاني فيكون أن نوح عاصر في دعوته أكثر من رسول وعلى نفس المنهج دون أن يتعاقبوا وهذا جائز ووارد كثيرا في القرآن وحتى في مثال موسى وهارون، أو ما ورد في النص في قصّة أصحاب القرية الواردة في سورة يس {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون}، مع العلم أن الدلائل التأريخية والقصدية تشير إلى ما ورد في سورة يس إنما تختص بأهل القرية وهم قوم نوح حسب ما جاء في مقدمة السورة {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}، والقرآن الكريم لم يشير إلى قوم لم ينذر أبائهم من قبل إلا قوم نوح بأعتبار أن نوح هو أول نبي ورسول، وهناك دليل من النص الذي أثار هذه الأسئلة وهو { كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ ٱلۡمُرۡسَلِينَ}، فبما أن نوح كذبه قومه وهم أول قوم يكذبون الرسل { قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ}، إذا هم الثلاثة التي عنتهم السورة ووصفتهم بأصحاب القرية { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ* قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ}، فيكون سيدنا نوح ع ثالثهم، ولتعزيز هذا القول أن أهل القرية قد أهلكوا { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ* إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُون}،وما يعزز هذا القول مطابقة تصرف قوم نوح مع نبيهم { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، فقد ورد في سورة يس عن أخبار أهل القرية أنهم استهزأوا وسخروا من رسولهم { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون}، وأخيرا هناك رابط قوي جدا بين قوم نوح وسورة يس وهو قوله تعالى (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ* وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ* إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)، فلم يصنع نوح ع أختراعا من عنده بل كانت الفلك والشحن بها والسفر أمرا معتادا، وهذا ما لا ينفيه القرآن أبدا إنما أشار إلى سخرية قومه لأنه ليس من أهل الصنعة أو معتاد الصناعة فقط، فإذا بالنتيجة لم يكن نوح إلى واحدا من رسل الله إلى قومه وأخرهم وهو الذي نجى ومن معه في الفلك والدليل أن الله أشار إلى غير ذريته من الناجين { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* . التبادل بين حرفي الخاء والحاء قد يحدث بين لغات المنطقة المختلفة (نوح- نوخ)، (تنوح- تنوخ). فالعرب مثلاً لفظوا كلمة (تنوخ) بالخاء، بينما لُفِظ نفس الاسم باللغة الآرامية النبطية بصورة (تنوح) بالحاء.
وقد يحدث هذا التبادل بين حرفي الخاء والحاء بين الفصحى والعامية (تنخ/ تنح). فبالفصحى لفظة (تنخ) بالخاء، وبالعامية تُلفظ بالحاء كفعل، و(تناحة) و(تتنيح) كمصدر، و(مُتّنِح) و(تِنح) كصفة للشخص (اللابث والرابض والجاثم في مكانه لا يتحرك).
عرفت اللغات القديمة بالشام (كالآرامية والكنعانية واللهجة في الأوغاريتية وبشمال الحجاز النبطية) جذر (نوح) بلفظه بالحاء (وبمعنى جذر نوخ العربي)، كما عرفته النصوص التوراتية بهذا المعنى، ولا تزال مدن بالشام (لبنان) تتسمى بهذا الجذر مثل (نيحا) و(يانوح).
**ثبتُ الملوك السومري هو وثيقة مسمارية، خطّها كاتب من مدينة لكش سنة 2100 ق.م. تقريبًا، تُحصي أسماء ملوك البلاد وإنجازاتهم، في محاولة لعرض استمرارية النظام في المجتمع رجوعًا إلى فجر الحضارة، لقائمة تحتوي على الأسطورة والمعلومات التاريخية يبدأ الأمر بالأصول الأسطورية للملوك عندما يكون للأفراد فترات حكم طويلة بشكل خيالي وبعد تلك الأسطر الشهيرة كتب اجتاح الطوفان، بعد أن اجتاح الطوفان ونزلت الملكية من السماء كان الطوفان، وورد في اللوح القصة تتحدث عن ملك يسمى زيوسودرا كان يوصف بالتقوى وينكب بخدمة الإلهة في تواضع وخشوع أُخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض حيث يوصف (زيوسودرا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة، تعد مدينة كيش وهي المعروفة الآن بـ تل الأحيمر في العراق وهي إحدى اهم المدن الرئيسية للسومريين بحسب الأساطير السومرية هي أول مدينة يتربع عليها ملك بعد الطوفان الكبير، ويدعم زيوسودرا بكونه ملكا من شوروباك بواسطة لوح جلجامش الحادي عشر إشارة إلى أوتنابيشتيم (ترجمة أكدية من الأسم السومري زيوسودرا) مع لقب رجل شوروباك في السطر 23
ويُعتقد أن أوتوحيكال كان أمر بتدوين ثبت الملوك. ركّز كتبة التاريخ المبكرين في العراق القديم على العلاقة بين الحكام والآلهة، وكان تركيزهم هذا نابعًا من إيمانهم بأن الآلهة سيّرت كل شيء، وخلقت البشر ليشاركوها العمل على حفظ النظام وكبح الفوضى.
تسجل قائمة الملوك السومرية التي يعود تاريخها إلى حوالي 2000 قبل الميلاد” أنه قبل الطوفان، حكم ثمانية ملوك في خمس مدن تم إنزال الملكية إليها من السماء وفقا للتقاليد السومرية. حكم أول هؤلاء الملوك في إريدو. استمر حكمهم، مرة أخرى وفقا للأرقام السومرية، حوالي ربع مليون سنة قبل أن يأتي الطوفان. أسفرت الحفريات في العديد من المدن القديمة في جنوب بلاد ما بين النهرين عن توضيح آثار فيضان، في المدن الجنوبية بعدها نزلت الملوكية ثانية من السماء وهذه المرة في مدينة كيش العراق.
(*) المراد بنزول الملكية من السماء إلى الأرض هو نزول الرسالات على الأنبياء والذين تم تسميتهم ملوك جرافا من قبل المؤرخين والآثارين، فلم يعرف العراقيون القدماء معنى ملم ولم يستخدموه، بل كانت كلمة "جل أو جال" وتعني العظيم والكبير أو المهاب دلالة على من يتزعم أو يظهر عظيما في المجتمع، مع العلم أن الأنبياء وحتى نوح في المعلوم المتداول لدينا هم ثمانية آدم ومن بعده شيت وصولا إلى نوح ع وهذا ما يطابق ما ورد في ثبت الملوك عندما نزلت النبوة من السماء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الثقافة في العراق بعصر الملالي
- علة التأخر في بناء واقع جديد
- الخير والشر وخلافات المسلمين على الإصالة فيهم أو الكسب
- حقيقة معركة بدر من نصوص القرآن الكريم
- لمذا سميت سورة يونس؟
- في تدبر سورة الأعراف
- في معنى رجال الأعراف قرآنيا
- خمريات... وتريات ... أوهام وأحلام
- نون والقلم وما يسطرون... من وحي المعنى...
- فلسفة العقاب في القرآن
- البيعة في الإسلام... بين المفهوم والممارسة.ح2
- البيعة في الإسلام... بين المفهوم والممارسة.ح1
- إشكالية العدل والعدالة في الخطاب الديني الإسلامي.
- مختارات فيس بوكيه مما كتبت.... 2
- مختارات فيس بوكيه مما كتبت....
- الدين والإنسان وحقيقة تأريخ الإيمان 2
- الدين والإنسان وحقيقة تأريخ الإيمان
- - نحن إلى أين؟... ما هو مستقبل العقل البشري؟- 2
- - نحن إلى أين؟... ما هو مستقبل العقل البشري؟-
- تاريخ الخرافة ح 34 والاخير


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - نوح رسول قومه هل كان واحدامن عدة رسل؟ وما معنى كلمة نوح؟