|
حول كتابين في معرض بغداد الدولي
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 16:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقوم معرض بغداد الدولي للفترة بين 12 الى 22 من شهر سبتمبر الجاري ،وفي جناح الدار المصرية مدبولي للنشر ( جناح رقم 22 K) ويتم عرض كتابين للمؤلف تم اصدارهما هذا الشهر عن هذه الدار العريقة ويتناولان موضوعان هامان. الاول يطرح فهم الاديان ، والثاني فهم الحضارة المعاصرة ، وفي كلاهما يتم تناول موضوعي البحث من رؤيا علمانية تهدف الى تعريف القارئ العربي بلغة سهلة وسلسة ، باهم المفاهيم العقلية والفلسفية لهذين الموضوعين الهامين ، وتعريف بالاسس والفرضيات العقلية التي قامت عليها الاديان ، كما وتقوم عليها اليوم حضارة العالم المعاصر. وكلا الكتابين يتناول مواضيعها بشكل تحليلي محايد وبلغة سهلة سلسة تحليلية تهدف لتحفيز العقل للبحث والتساؤل والنقاش بعيدا عن التلقين العقائدي الجاهز، او الاسلوب الاكاديمي التخصصي الجاف، فالغرض من هذين الكتابين هو محاولة لأثارة عقل وفضول القارئ العربي بطرح المفاهيم العقلية في فهم نشأة الاديان ومسيرة تطورها اللاحق .في الكتاب الثاني يتم تناول الاسس والفرضيات العقلية التي قامت عليها الحضارة المعاصرة ، التي تم دوما طرحها للقارئ العربي بشكل تحريضي مؤدلج ساهم في العزلة المعرفية لمجتمعاتنا العربية عن العالم وحضارته ، ومنه اهمية معرفة اسس التحضر العقلية والفلسفية والتطبيقية لدرء هذه العزلة والممانعة العربية في التواصل والتجاسر مع حضارة العالم المعاصر. فيما يلي استعراض مكثف لمحتويات وطروحات كلا الكتابين: 1. الكتاب الاول: نشأة الديانات الابراهيمية ـ قراءة عقلانية المؤلف: د. لبيب سلطان الناشر : دار مدبولي ، القاهرة ، سبتمبر 2024 يتكون الكتاب من اربعة فصول ويقع في 256 صفحة .ويتناول الفصل الاول نشأة ومسيرة الدعوة الابراهيمية والثاني اليهودية والثالث المسيحية والرابع الاسلامية. ويستخدم الطرح المنهج التحليلي في مناقشة ظروف النشأة من خلال قراءة في الاسباب والظروف التي مهدت ودفعت لاطلاق الدعوات الدينية الاصلاخية ، ومن ثم مناقشة المسيرة التي قطعتها هذه الاديان الى السلطوية. وعموما يجري طرح مسيرة هذه الاديان انها مرت جميعها بثلاثة مراحل : مرحلة الدعوة الروحانية ، مرحلة الدعوة التبشيرية الجهادية ، مرحلة السلطة وممارسة الدين سلطويا. هنا لا تختلف مراحل تطور دعوات الاديان السماوية عن العقائد الوضعية العقلية ، فكلاهما يمر بنفس المراحل الثلاثة تقريبا. الا ان اهم مايميز الاديان عن العقائد الوضعية العقلية هو تأثيرها الروحاني بربط الانسان بالالهام الالهي الذي يمثل في الاديان الثلاثة ببعدين متناقضين : احدهما روحاني (قيما ضميرية ووجدانية الهية عليا تدعو للفضيلة والعدل والاخاء والتكافل الانساني) تبدأ بها الاديان دعواتها، واخر سلطوي يبدأ من التفاف الناس حول الاديان املا في تحقيق دعواتها، وتتبنى السلطات القيادة الدينية ،وهنا تنقلب الاية لتصبح الاديان وسيلة سياسية لبسط شرعية الحاكم ومن حوله للتسلط على الناس باسم تفويضه الالهي وان طاعته واجبة وهي من اطاعة الله . يركز الكتاب من خلال تناوله لمسيرة هذه الاديان اننا واقعا امام دينين : الدين الروحاني الرباني الضميري الوجداني ، وله تراث عريض، والاخر سلطوي متسلط دنيوي وسياسي وله تراث عريض ايضا. اين صيغة الحل والفصل بينهما ؟ ربما طرح العلمانية العقلي الذي يعتبر ان الاديان اساسا هي عقائد روحانية هامة لتكوين الذات الانسانية التي تجمع العقل والمشاعر ، المنطق العقلاني والمطق الوجداني ، وتشكل احدى اركان التحضر الاجتماعي عموما، فالحضارة لا تقوم على رجل واحدة فقط هو المنطق العقلي الذي غالبا يدلنا على المصالح (وهي مهمة العقل) بل على مايوازنه من منطق ضميري ووجداني ( وهي مشاعر الالهام الرباني الذي بدأت بها الاديان دعواتها) . ان حالة الاستقرار الحضاري عند الانسان كما وعند المجتمعات تتطلب تجانس وتصالح العقلي مع الروحاني ، فالتتاقض بينهما يخلق شرها وتغريبا للانسان عن طبيعته الوجدانية ، ومنه تعايش وتصالح العقل والمشاعر الوجدانية معا. وعلى هذا الاساس يقوم الكاتب في كتابه باطلاق دعوة تبدو غرببة للوهلة الاولى بطرح مشروعا علمانيا لمصالحة العقل والدين الروحاني او الروحانية عموما ( وهو مشروعا يعتبره الكثيرون من اتباع ادلجة العقل والدين انه غير ممكنا ) وهي مصالحة قائمة اليوم فعلا وتعتبر ظاهرة مألوفة واحدى اسس مفهوم التحضر الانساني للمجتمعات المعاصرة، واساس المصالحة ان ينطلق كلا منهما لمهامه، العقل لتنمية القدرات المعرفية والمادية والاقتصادية للمجتمع ، والدين الروحاني لتنمية قيم العدالة والوجدان والضمير الموازية للعقل، وان تطلب الامر، ان تكون هي الغايات الحكموية التي تقود العقل في تطويرالقدرات المادية والاقتصادية للمجتمعات، والواقع ان جزء هاما من نجاح الحضارات المعاصرة هو الاخذ بهذا الطرح العلماني لعلاقة العلم والعقل بالروحانية والاديان ، وهذا مايوضحه ويناقشه الكتاب في تناوله مسيرة الاديان الثلاثة ، ويتم مثلا في مناقشة سبب تطور الحضارة والعلوم والعمران على مدى قرابة 500 عام من عمر الحضارة العربية الاسلامية انه اتى بالابتعاد عن الخط السلفي الديني عند الحكام منذ زمن الامويين والعباسيين في العصرين الاول والثاني، حيث وقفت ضدشرعيتهم الطروحات الدينية المعارضة ، ومنها اتى ميلهم لموازنته بدعمهم للمنهج العقلي الفلسفي والتمدني ، كما وانهار حكمهم وتراجعت الحضارة العربية الاسلامية بمجرد ميل الحكام للسلفية الدينية لمجابهة التيارالعقلي التي اعتقدوا انها شكلت خطرا على حكمهم بتطور المعارف العقلية. هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر يناقشها الكتاب في مسيرة الاديان الثلاثة باسلوب ومنهج متفتح يهدف لتنمية الثقافة العقلانية في مجتمعاتنا العربية التي تسودها اليوم الدعوات السلفية الانعزالية المعادية للتحضر العقلي المعاصر في العالم. والكتاب ليس بحثا في تاريخ الاديان ، بل بحثا يستخدم حقائق من التاريخ للبحث عن طريق مستقبلي لبناء التحضر العربي على اسس عقلية متصالحة مع القيم والمفاهيم الروحانية للاديان وضرورة الفصل بين الطرح الروحاني والسلفي في فهم الديان ، فالاول يتصالح مع العقل ويدعو للتحضر والانفتاح والاستفادة من فهم تجارب العالم، وانجازاته العظيمة والثاني يعادي العقل و يحجب مجتمعاتنا العربية عنهما. ويجهز الكتاب امثلة كثيرة من تاريخ منطقتنا بالذات تدعم الاطروحة بامكانية وأهمية تصالح العقل والدين الروحاني ودرء الدين السلفي المسيس ، ويستشهد على ذلك من تاريخ اوربا منذ عصر النهضة في تطوير حضلرتها المعاصرة بعد تخليها عن طروحات السلفية المسيحية وتمسكها بقيمها الروحانية فقط واطلاقها للعقل في البحث في العلم ومنه ساهم كلاهما في تطوير مجتمعاتها.
2. الكتاب الثاني: فهم حضارة العالم المعاصر المؤلف: د. لبيب سلطان الناشر : دار مدبولي القاهرة ، سبتمبر 2024 يعتبر هذا الكتاب تكملة للاول ، ويقع في 312 صفحة من القطع الكبير ويضم خمسة عشر فصلا ، العشرة الاولى منها تتناول طرح ومناقشة الاركان والفرضيات الفلسفية والعقلانية التي اقيمت عليها الحضارة المعاصرة ، والخمسة الاخيرة تتناول فهم وتحليل الظواهر والتحديات امام حضارتنا المعاصرة. ويبدأ الكتاب في فصله الاول بمناقشة الطرح العقلي لمفهوم الدولة المعاصرة باعتباره اهم انجاز عقلي وعلمي ساهم بنقل حضارة المجتمعات الى عصر جديد ، باعتبار ان الدولة هي العقل المخطط والاداة والالة التي تقود التحضر ، ومن هنا اتت اهمية معرفة الاسس والاركان التي ساهم بها العقل الفلسفي الابداعي بصياغة مفهوم الدولة واهمها صياغة مفهوم حقوق المواطنة وجعله اساسا لدستورية ولشرعية الحكم بديلا عن الشرعية الالهية التي تبجح بها الحكام واستخدموها للسيطرة وللحكم منذ فجر عصر السلالات. ويناقش تطور مفهوم الدولة على مسيرة المئتي عام الاخيرة وهو تقريبا يشكل عمر حضارتنا المعاصرة. وفي الفصل الثاني تتم مناقشة مفهومي الطرح العقلي والطرح العلمي كونه شكل تحديا كبيرا في تطوير مفهوم الدولة بحد ذاته ، كما واثر على تكوين العقائد السياسية التي طرحت مفاهيم مختلفة لاقامة نموذج الدولة ، ومنها تبرز ضرورة الفصل بين ماهو عقلي " عقائد" وبين ما هو علمي " حقائق " تم اثباتها في الواقع. في الفصل التالي يتم مناقشة مفهوم العلمانية ونموذج الدولة العلمانية الذي تطور على ثلاثة مراحل كان اخرها فصل الدولة عن جميع العقائد وعدم صبغها بعقيدة ، سواء دينية او وضعية، وتوضيح اسباب وظروف هذا التطور من الدعوة العلمانية الاولى بفصل الدين عن الدولة الى فصلها وعدم السماح لاية عقيدة بالسيطرة على الدولة وتبيان الفروقات بين الدولة العلمانية المعاصرة " المحايدة بين العقائد" وبين الدول العقائدية ، فالاخيرة تؤدي لاقامة دول ديكتاتورية بينما العلمانية المعاصرة الى دول ديمقراطية كونها تحترم عقائد مواطنيها ولاتميز بينهم ومنها برزت نظرية وجوب حياديتها . الفصل الذي يليه يتناول مفهوم الايديولوجيا ومراحل تطور الفكر الاصلاحي الاجتماعي الى عقائد ايديولوجية تأخذ بالنصوص وان احكامها علمية وهي ليست الا منهج سلفي يحد من حرية البحث وحرية العقل والعلم في صياغة حلول لتطوير المحتمعات . يليه فصلا عن فلسفسفة الحكم والليبرالية كمنهج فلسفي للحقوق والحريات الاجتماعية والسياسية وعلاقته العضوية بتطوير مفهوم الدولة العلمانية المعاصرة ، ويناقش تطور دورها في تطوير مفهوم الديمقراطية السياسية والاجتماعية في المجتمعات المعاصرة. يليها فصلا في تطوير الاقتصاد بطرح وتطوير مفهوم الرأسمالية ،الالة العملاقة التي احدثت نقلة نوعية في تنمية ونمو ثروات الدول والمجتمعات وصياغة علم الاقتصاد الحديث الذي يقوم على اسس الاستثمار والتوسع والمنافسة في السوق الحر والذي ادى الى طفرات في التقدم العلمي والتكنولوجي ، والوفرة المادية التي ساهمت برفع المستوى المعاشي للسكان بزيادة ثروات الدول والمجتمعات والانتقال من نموذج الاقتصاد الراكد الى الاقتصاد النامي الحركة الديناميكي التطور والذي استطاع ان يحل قضية الوفرة البضائعية والمادية في المحتمعات ولكنه لم يعالج قضية الفروقات في الثروة والسلطة . والفصل الذي يليه مخصص لفهم الاشتراكية ودعوتها لاقامة العدالة الاجتماعية وفق مدارس مختلفة نجح منها اقامة برامج احتماعية كثيرة ومتنوعة تتبناها الحكومات وتوولها من استقطاعات على ارباح الرأسمال ، واخرى اخذت بنموذج عقائدي اشتراكي ادى لسيطرة الدولة على الاقتصاد وتحولت الى دول ايديولوجية قامعة للحريات باسم اقامة العدالة الاجتماعية . الفصول المتيقية تناقش ظواهر برزت منذ نهاية القرن العشرين مثل العولمة ، مفهوم القطبية ، وظاهرة الهجرات وتاثيرها على السياسات الدولية ، وبروز التيار اليميني القومي، وظاهرة الترامبية ، واخيرا مناقشة واستعراص لاهم التحديات امام العالم المعاصر في القرن الحادي والعشرين. ومجمل الكتاب يهدف الى تعميق فهم اسس الحضارة المعاصرة والتعريف باركانها ومراحل تطورها وكيفية استفادة مجتمعاتنا من تجاربها وانجازاتها العظيمة كما والتعريف بالتحديات امامها.
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل بوتين
-
بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي-2
-
بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي
-
في دحض الشعبويات المتاجرة بالقضية الفلسطينية
-
تحليل للظاهرة الترامبوية
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
-
نافالني رمزا لادانة الاستبداد والدولة البوليسية
-
الاسس الخمسة لبناء الدول القوية والمجتمعات الناجحة
-
مطالعة اضافية في سبل اصلاح اليسارالعربي
-
أليسار الاجتماعي واليسار الماركسي عالميا وعربيا
-
مناقشة لمقترح السيسي في حل الدولتين
-
نقد الخطاب السياسي العربي
-
حول علاقة الفلسفة بالعلم واللاهوت والايديولوجيا
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
-
حماس وحزب الله لايمثلون قضية الشعب الفلسطيني بل قضية اية الل
...
-
العولمة السياسية وتحديات القرن 21
-
قراءة (1) في تحديات القرن الحادي والعشرين
-
في نقد الماركسية العربية
-
حلول العلم والايديولوجيا للتخلف العربي 2
-
المنهج العلمي والايديولوجي لحلول التخلف العربي
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|