أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد القادر الفار - مذكرات تائب - 5














المزيد.....

مذكرات تائب - 5


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 8098 - 2024 / 9 / 12 - 21:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مع مرور الزمن، أصبحت فكرة الموت، التي كانت في فترة ما بعيدة وغامضة، حاضرة وملحة في ذهني، ترافقني في كل لحظة. هذا الشعور ليس وليد اللحظة؛ لقد كانت بداياته خلال "العشرية السوداء"، تلك الفترة التي عشت فيها في ظلال اليأس والعجز، وكأنني أنتظر نهاية لا أستطيع التحكم فيها. ولكن بينما كان انتظار الموت في تلك الحقبة نابعًا من فقدان الأمل والتشتت، فقد تحول اليوم إلى شيء أكثر عمقًا.

إن الألم النفسي الشديد الذي أشعر به اليوم ليس بسبب انتظاري لنهاية حياتي فقط، بل لأنني أرى أطفالًا لم يكتمل عمرهم القصير، يعيشون لحظات الرعب تحت القصف، ثم يسقطون شهداء وهم في أسرّتهم. أطفال كانوا ينتظرون بفارغ الصبر شراء حقيبة المدرسة وكتبها، ويمضون أيامهم في حلم بسيط بلعب الكرة في فناء المدرسة. اليوم، لم تعد المدرسة أو ملاعبها فقط حلمًا مستحيلًا، بل أصبح مجرد الاحتفاظ بجسدٍ سليم حلمًا آخر، فالاحتفاظ باليد أو الرجل أو العين أو حتى الجلد غير المشوه أصبح غير مضمون، وبشكل مؤلم جداً جداً جداً.

كلما رأيت صور هؤلاء الأطفال، رأيت معهم نهاياتٍ كانت أسرع من أن تُستوعب. صرخاتهم التي لم يسمعها إلا الله وحده، والتي كانت تطالب بالرحمة، تعود وتكرر نفسها في ذهني، فلا أملك سوى أن أتوق إلى نهاية هذا العالم بأسره، وأن أقف في انتظار قيام الساعة. لم يعد هذا مجرد شعور شخصي، بل أراه في عيون كثير من الناس حولي. الألم أصبح مشتركًا، ومعه يتزايد التشوق لنهاية لا تحل فقط ألمنا الشخصي، بل تنهي ظلمًا طغى على كل شيء.

هنا، أتذكر الآية 75 من سورة النساء التي تحمل في طياتها مناشدةً مباشرة لنا: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا...". هذه الآية كانت دائمًا حاضرة، ولكن اليوم، وهي في صميم هذه الأحداث، أصبحت معانيها تطنّ في أذني بشكل أكثر قوة. إنها تصرخ فينا، تسألنا لماذا نحن صامتون، لماذا نترك هؤلاء المستضعفين، الأطفال والنساء، يُبادون دون أن نحرك ساكنًا.

خلال "العشرية السوداء"، كنت مأخوذًا بفكرة إرادة الضعف والابتعاد عن القوة، حتى أصبحت وكأنني معادٍ لكل ما يرتبط بالقوة. كان هذا النفور من القوة نتيجة الركون إلى نعومة كانت، في ذلك الوقت، تبدو لي حكمة، ولكنها في الواقع كانت نوعًا من الهروب. كنت أرى أن الحق يمكن أن ينتصر بدون قوة، وكأنني أخشى أن أعترف بأن القوة أحيانًا هي السبيل الوحيد لنصرة الحق. هذا الركون إلى النعومة كاد أن يتحول إلى كارثة لو استمررت عليه (للأسف، روحانيات شرق آسيا برفضها لمقاومة الظلم تحت عناوين براقة هي فعليا لا تخدم سوى الشيطان، الشيطان الذي نسج روحانيات شرق آسيا ببراعة، حتى أصبحت مرتبطة بالسمو الروحي والنقاء عند الموهومين).

لقد كنت أتصور أن الخشونة والقوة تحملان معاني القهر والظلم، ولكني غفلت عن حقيقة أن الحق، لكي ينتصر، يحتاج إلى قوة تحميه. هذه القوة ليست قوة البطش والظلم، بل قوة العدل والصمود. الأحداث الجارية في غزة تكشف هذه الحقيقة بوضوح؛ الحق في مواجهة آلة البطش لا يمكن أن يصمد إلا بإرادة قوية وقوة تدعمه.

وأكثر ما يشعرني بالخزي الآن هو ما كنت عليه خلال العشرية السوداء، حين كنت أؤيد شخصًا مثل السيسي، فقط لأنه كان ضد الإخوان المسلمين. لم يكن الأمر نتيجة قناعة كاملة، بل كان جزءًا من ميلي للوقوف مع ما أتصوره ضعفاً مثلما كنت مولعا الأقليات سواء كانت على حق أو على باطل أو مع كل من يعارض الأغلبية والمزاج الشعبي العام في لحظات معينة، كنوع من التعبير عن إرادة الضعف التي كانت تسيطر عليّ. كنت أرى في الإخوان تهديدًا للعلمانية المقدسة التي كنت أراها تحت تأثير الشيطان والهوى في ذلك الوقت أهم من أي شيء آخر.

والآن، بعد كل ما شهدناه، أدركت كم كان ذلك القرار مأساويًا. السيسي ليس فقط قائدًا مستبدًا، بل شريك أساسي في الإبادة والمجازر التي تقع على مرأى ومسمع العالم كله. كان من الممكن أن يختلف الوضع بشكل كبير لو لم يصل إلى الحكم ولكنني كنت جزءًا ممن صفقوا للمجرم، ومن لحقتهم دعوة الأسير سلمان العودة فك الله أسره "اطلت عليكم غمة لا تفرج"، حتى ولو كنت شخصاً خامل الذكر عديم التأثير فتأييدي لذلك المنكر الفظيع ولو قلبيا ولسانيا في ذلك الوقت هو إثم لن أتحرر منه إلا لو وقفت يوم الدين أمام كل من ظلمه ذلك الطاغية معتذراً له ومعي أطنان من الحسنات التي هي تحديدا في سياق مقاومة الطغاة ونصرة الحق والتعويض عما فعلت علهم يسامحونني.

الشعور بالخزي ليس فقط بسبب دعمي للطغاة العلمانيين، بل لأن ذلك التأييد الأعمى السخيف كان يعكس حالة الانفصال التي عشتها عن المبادئ الحقيقية التي أؤمن بها. كنت في تلك الفترة أفقد البوصلة، وأخلط بين مناصرة الحق والضعف المبرر، وبين معاداة الظلم وبين ما بدا لي أنه صراع سياسي بحت. والآن، وأنا أرى كيف أن القوة التي كنت أرفضها أصبحت ضرورية لحماية الحق، أشعر بأنني أعيد تعريف موقفي من كل تلك الأحداث.

انتظار الموت اليوم ليس نابعًا من الضعف أو الهروب، بل هو نتيجة استعداد ومواجهة. لم يعد الخوف من القوة جزءًا من حياتي، بل أصبحت أدرك أن الحق بحاجة إلى من يحميه، وأصبح الموت جزءًا من رحلة نضال طويل، يستحق أن نخوضه ونحن مسلحون بالإيمان والقوة.



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات تائب - ٤
- مذكرات تائب - ٣
- مذكرات تائب - ٢
- مذكرات تائب - 1
- لا أستحق الحياة
- صابر Sober - جزء ثان
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (7)
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (6)
- لا تخالف كي تُعرف (قصيدة)
- يا قوم قصوا لي لساني (قصيدة كاملة)
- يا قوم قصوا لي لساني ٤
- يا قوم قصوا لي لساني ٣
- يا قوم قصوا لي لساني ٢
- يا قوم قصوا لي لساني
- كنتُ أضرب الطين
- صابر Sober
- الجنة الأبدية - سان جانيبيرو
- زايون
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - الفصول الخمسة الأولى


المزيد.....




- أبسطي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على الأق ...
- حلق بأطفالك مع الطيور.. تردد قناة طيور الجنة بيبي على قمر ال ...
- تحقيق رسمي في واقعة عرض مواد معادية للإسلام بمدرسة أميركية
- حوار: استثمار الإسلاميين الحرب في غزة ساهم بتحقيقهم مكاسب في ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف موقع العباد بالاسلحة المن ...
- -نشطاء جبل الهيكل- المتطرفة تنشر فيديو يحاكي حريقا بالمسجد ا ...
- منظمة إسرائيلية تنشر فيديو يحاكي تفجير المسجد الأقصى وخارجية ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان: ادخلنا مستوطنة -روش هانيكرا- عل ...
- نفض الغبار عن ضريح الإمام الرضا (ع) بحضور قائد الثورة الاسلا ...
- ألمانيا ـ حوار مع جمعيات إسلامية بشأن هجمات حماس الإرهابية


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد القادر الفار - مذكرات تائب - 5