أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - طبيعة الادراك في الفلسفة















المزيد.....

طبيعة الادراك في الفلسفة


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8098 - 2024 / 9 / 12 - 14:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الادراك والوعي
في البدء الادراك هو ليس الوعي بالشيء. ان تدرك الشيء بالحواس هو احساسك الانطباعي لموجوديته كموضوع مستقل له خواص خارجية وتسمى هذه العملية بالانطباعات الاولية.
اما وعي الشيء او الموضوع فهو معرفة حقيقته عقليا وليس حسيّا فقط. دأب فلاسفة عديدون الى تقسيم الموجود المدرك كموضوع الى مظهر هو الصفات الخارجية له والى محتوى دفين يدعى الجوهر او الماهيّة لا تدركه الحواس. وهي تشبيه مرادف لقولنا شكل الشيء ومضمونه.
وخلاصة القول ان مقولة لماذا لا يكون مضمون الشيء منفصلا عن قابلية ادراكه التي يمتلكها الموجود المادي الشيئي كينونة موحدة شكلا ومحتوى مستقلة؟ هذه مقولة خاطئة وفرضية تعسفية تحاول وضع العربة امام الحصان لاسباب اوجزها بكلمات:
اولا قابلية الادراك هي كيفية وسيرورة تجمع بين المادة وادراكها كما هي وسيلة معرفية لا تمتلكها المدركات لاتموضعا ماديا فيها ولا تجريدا تعبيريا يصدر عنها. بل يمتلكها الحس والوعي العقلي لها فقط. ويرتبط الادراك والوعي برابطة تكاملية كونهما حلقتين في منظومة العقل الادراكية .
ثانيا مضمون الشيء لا يكون موضوعا لادراك قائم لوحده منفصلا عن موجوديته المادية الموحدة شكلا ومحتوى. المضمون يحتاج دائما لشكل يحتويه وبغير هذه الملازمة لا يمكننا تصور مضمون بلا شكل يحتويه. كما ولا يمكننا تصور شكلا خاليا من مضمون او محتوى دلالي عليه له معنى كما في مثال الرسوم الهندسية المجردة فالخطوط التي يتشكل منها الشكل الهندسي تحدد مضمونه الهندسي الاستيعابي الذي ندركه للوهلة الاولى فارغا ما عدا محدداته المستقيمة في الخطوط. في أن يكون دلالة على مثلث او مستطيل او دائرة او مربّع وهكذا. أي أن أبعاد اشكال الخطوط الهندسية المرسومة غير المنفذّة واقعيا المجردة أعطت للحيّز المكاني الذي احتوته مضمونا تصوّريا فقط متفردا هندسيا غير موجود بالواقع بل هو مرسوم على ورق او سلايد او لوحة وسيلة ايضاح وهكذا...
ثالثا الادراك لا يجزيء موضوع ادراكه الى شكل هو الصفات الخارجية والى مضمون او محتوى هو جوهره وماهيته. فالادراك هو وعي كينونة الشيء الموحد في كليته الموجودية البائنة للادراك الخارجي. اما الوعي المعرفي للشيء المدرك انطباعيا حسيّا فهو يستطيع ادراك ماوراء الصفات الخارجية اذا ما اتيحت له وجودا كموضوع مستقل.
ويكون معنا اعجاز عقلي ادراكي ان نتصور مضمونا لا يحتويه شكل يدركه العقل. وبالعكس ايضا تكون استحالة ادراكية ان تجد شكلا مجردا بلا مضمون يحتويه يمكن للعقل ادراكه كموضوع. بمعنى الادراك الحسّي للشيء هو ادراك لموجود في كليّته البائنة المتاحة لادراكها. الادراك كما مرّ بنا هو ادراك انطباعي يختلف عن الوعي انه ادراك معرفي.
رب معترض يقول أن بامكاننا رسم شكل مربع هندسي او مثلث على ورقة خال من المضمون. الاشكال الهندسية ورموز المعادلات في الرياضيات والجبر والهندسة والفيزياء والكيمياء انما هي تجريدات للدلالة على (إمكانية) معرفية ان تقودنا تلك الاشكال والمعادلات الرمزية الى تطبيقات واقعية بالحياة ذات مضامين سواء في العلوم او في المعمار.. ان من المهم ان ندرك التجريدات المرموزية بإختلاف غير ادراكك الاشياء في موجوديتها.
رابعا الصفات الخارجية هي كينونة موجودية موحدة وليس من خاصية الادراك الحسي البحث عن احتوائها على جوهر او مضمون يستقر خلفها. وعندما نقول امكانية ان يكون المضمون (موضوعا) لادراك فهي فرضية خاطئة فالمضمون لا يكون موضوعا لادراك لا يحتويه اي يؤطره (شكل) الذي هو الصفات الخارجية للشيء.
بيركلي والادراك
من مقولات بيركلي المثالية ( وجود الشيء هو قابليته ان يكون موضوعا لادراك ) وهي مقولة خاطئة كما نوضحه لاحقا..وجود الشيء لا تحدده صفة ذاتية ان يكون موضوعا لادراك. بل وجود الشيء موضوعا ندركه من خاصية موجوديته الانطولوجية التي يدركها الحس والعقل. وليس كما ذهب له بيركلي وجود الشيء هو قابليته ان يكون موضوعا لادراك. كل موجود شيئي مادي هو قابل للادراك بارادة عقلية من خارجه عليه وليست فيه.
كما ان خاصية ان يمتلك وجود الشيء قابلية ادراكه ذاتيا ليست صحيحة .فقابلية الادراك يحددها الحس والوعي الخارجي عنه ولا تمتلكه الاشياء المدركة بذاتها. ولا يفرض الشيء قابلية ادراكه الزائفة على الحواس والعقل لتكون صفة به كموجود.
النقطة الاخيرة من يحدد ان يكون الموجود موضوعا للادراك؟ هل يحدد ذلك مضمونه (جوهره)؟ ام يحدده الشكل الخارجي الصفات المدركة له؟. الحقيقة ان الشكل الخارجي او الصفات الخارجية للموجودات تجعل منها موضوعا ماديا تدركه الحواس ويدركه العقل. اما جوهر او ماهية اي شيء لا يكون موضوعا لا للحواس ولا للعقل الا في ظروف استثنائية كونه لا يدرك معرفيا بينما صفات الشيء الخارجية تكون موضوعا لادراكات حسيّة انطباعية.
الادراك الحسي لا يدرك مواضيعه لمعرفة مضامينها الجوهرية. بل إدراك الحواس ينحصر بالصفات الخارجية للشيء فقط. وادراك الشيء حسب بيركلي هو ادراك كينونة موجودية موحدة شكلا اي صفات خارجية وماهية أي جوهر. وهما كينونة موحدة غير قابلة للانفصال لانها بالانفصال تفقد وجودها الانطولوجي. خلاصة ماذكرناه بالضد من بيركلي يمكننا تلخيصه بنقطتين :
الاولى وجود الشيء تحدد قابلية ادراكه ليس كونه موجودا لا تحدد ادراكه الحواس والعقل.الثانية وجود الشيء الحقيقي هو عندما يكون موضوعا يحتوي شكل ومضمون له معنى. فالحواس والعقل لا يدركان موضوعا لا وجود حقيقي له لا على صعيد المادة ولا على صعيد الخيال... انعدام التفكير مصدره القبلي انك لا تمتلك موضوعا تفّكر به.
كيف نفهم الادراك؟
يصادفنا احيانا ما لا حصر له من موجودات واشياء مادية وهي ليست من صنع الخيال يكون ادراكنا لصفاتها الخارجية كاف ويغني او يبطل اهمية البحث عن الجوهر بما وراء الصفات الخارجية لذلك الشيء. اي هل يحمل الشيء مضمونا لا تدركه الحواس مدّخرا هو غير صفاتها الخارجية؟
الادراك الحسي لا يدرك مواضيعه في معرفة مضامينها بل يكتفي بادركها كلية موجودية مستقلة موحدة الصفات والمضمون. ورغم مثالية بيركلي الساذجة فهو قال بالواحدية الادراكية الصحيحة. اي ان ادراك الشيء حسب نظرية بيركلي هو ادراك لكينونة موجودية تدرك بصفاتها الخارجية تغني البحث عما وراء تلك الصفات من ماهية او جوهر.. اي ان الادراك الواحدي لا يهتم بوجود جوهر خلف الصفات الخارجية ام لا.
وسبق لديكارت ان قال بخلاف بيركلي بما اطلق عليه الثنائية الادراكية قوله انه لا وجود لادراك يدرك الكينونة الموجودية بصفاتها مع ادراكه لجوهرها. هذه النظرية اخذت بها الوجودية والماركسية على السواء. بمعنى ادراك صفات الشيء الخارجية يغنيك عن البحث فيما وراء تلك الصفات.
جورج مور والادراك
جورج مور طرح اشكالية بحثية حول الادراك قوله ان الاشياء في وجودها الانطولوجي المستقل تحمل معها قابلية الادراك لها. وهي عبارة ليست صحيحة ولا دقيقة للاسباب:
- وجود الشيء تحدد قابليته الادراكية الحواس والعقل. ولا تمتلك الموجودات قابلية ادراكها ذاتيا معها في حمولة موجوديتها.
- وجود الشيء حين يكون موضوعا للادراك الحسي والعقلي اي الانطباعي والمعرفي لا يكون مخلوقا ناتج التفكير به وادراكه. بمعنى ادراك الشيء ليست صفة ذاتية يمتلكها وانما هو اي الادراك او سمها ما شئت قابلية الادراك هي انطباع حسي ومعرفي تخلعه الحواس والعقل على مدركاتهما.
- لا اعرف كيف يطرح جورج مور سؤاله المعقد الجدالي هو لماذا لا يكون في امكانية المضامين الحسية ان توجد دون ان تكون هي الاخرى موضوعا لادراك؟
انه لمن المهم الاقرار بعدم امكانية الادراك ذاتيا اي يقوم بنفسه فصل مدركاته الى صفات خارجية تكون موضوعا منفصلا مستقلا لوحده ومضامين وصفها مور (حسية) ولو كانت حسية لاصبحت موضوعا لادراك ولا مشكلة بذلك حينها. اي ان ادراك الشيء والوعي به لا فرق بينهما وهو خطأ جسيم جرى توضيحنا له.
المضامين هي جواهر مدّخرة في الكليّة الكينونية للموجود في استقلاليته الانطولوجية غير قابلة الاندماج مع الصفات الخارجية له ولا يقبل مضمون الشيء التجزئة الى شكل ومحتوى حينها يكون كلاهما موضوعين لادراك. المضمون بلا شكل يؤطره ويحتويه لا يمكن ان يكتسب صفة الموضوع المستقل الوجود.
كما وليس من الثابت أن لكل شيء او موجود ماديا في عالمنا الخارجي يحتوي مضامين حسيّة هي الماهية او الجوهر فيه الذي لا يكون موضوعا لادراك. المضامين الحسية اي المحتويات هي جزء جوهري تكويني من موضوع مدرك في كليته وليس منقسما على نفسه كصفات خارجية وجوهر محجوب خلفها. لذا من المحال ادراك الجواهر او الماهيّات بالاشياء بنفس آلية ادرك الصفات الخارجية للاشياء والموجودات.



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات فلسفية نقدية عن اللغة
- الوجود وتعبير اللغة التجريدي
- هيدجر وفوكو والتزام عالم الجنون
- الابستمولوجيا في الفلسفة الحديثة
- ميرلوبونتي المصطلح الفلسفي وميتافيزيقا المفهوم
- الوعي في الجشتالت والفلسفة
- موضعة الذات في النفس والوجود
- قراءة في النقد الفلسفي
- رؤى نقدية فلسفية
- قراءة تحليلية في مبحث الوعي
- بايالوجيا العقل تجريد اللغة واشباع غرائز الجسد
- الزمن والوعي في الادراك العقلي
- الماركسية ومنهج الظاهرتية (الفينامينالوجيا)
- الوعي الخالص مصطلح فلسفي وهمي
- هل العاطفة وهم الفلسفة؟
- الماهية في المنهج الوجداني الظاهراتي
- شيلر ودلتاي المعرفة والمنهج
- قراءة معاصرة في الفلسفة الحديثة - كتاب فلسفي جديد
- ميرليبونتي ونفي واقعية الحقيقة
- جدل العقل وقوانين الطبيعة


المزيد.....




- مصدر أمني لـ-تسنيم-: ننفي أسر إسرائيل لضابطين إيرانيين في سو ...
- صاروخ روسي يضرب سفينة قمح متجهة إلى مصر في البحر الأسود
- أربعة إدعاءات غير صحيحة أو مضللة في مناظرة ساخنة بين ترامب و ...
- كيف تمرّ ذكرى سيول مدينة درنة على الليبيين؟
- روسيا تعلن تحرير 10 بلدات في مقاطعة كورسك خلال 48 ساعة
- لو مير يعتزل السياسة: وزير المالية الفرنسي يستقيل وسط فوضى ن ...
- عملية كوماندوز إسرائيلية في سوريا: الاستيلاء على ملفات إيران ...
- وزارة الدفاع الأمريكية تعيد حاملة الطائرات -ثيودور روزفلت- إ ...
- السوريون في قبرص..14 ألف طلب لجوء معلّق وعمليات ترحيل تنتظره ...
- ألمانيا: مقتل موظفين أمميين في غزة -غير مقبول إطلاقا-


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - طبيعة الادراك في الفلسفة