أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!















المزيد.....

الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!


سامح قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 8097 - 2024 / 9 / 11 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


تُعد قضية حرية الجسد من أكثر القضايا المثيرة للجدل على الساحة الفكرية في العالمين العربي والغربي. يرتبط الجسد، كرمز للحرية والتحرر، بثنائية معقدة تجمع بين الإطار الأخلاقي والاجتماعي والديني. تختلف الآراء حول هذه المسألة اختلافًا جذريًا بين المثقفين والمفكرين، الذين يواجهون صراعًا بين الموروث الثقافي والديني من جهة، والتحديات الحديثة المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية من جهة أخرى. ويعد الحوار حول حرية الجسد جزءًا من الحوار الأوسع حول الحرية الفردية في إطار ما يسمى بـ "الحداثة" و"ما بعد الحداثة" في الفكر الغربي، وهو ما استلهمه بعض المفكرين العرب في محاولاتهم للتوفيق بين التقاليد الثقافية والمبادئ العالمية للحرية.
الجسد في الفكر العربي: بين التراث والتحرر
عندما نتحدث عن الجسد في السياق العربي، نجد أن القضية تتشابك بشكل معقد مع الجوانب الدينية والاجتماعية. الجسد، كما هو متصور في المجتمعات العربية التقليدية، يمثل رمزًا للشرف والقيم العائلية والاجتماعية. ومن هنا، يرتبط مفهوم حرية الجسد بقضايا الشرف والكرامة. يعبر المفكر الجزائري محمد أركون في كتاباته عن هذا التداخل، مشيرًا إلى أن الجسد في الثقافة العربية يُنظر إليه بوصفه مجالًا لممارسة السلطة الاجتماعية والدينية. يقول أركون: "المجتمعات الإسلامية التقليدية ترى في الجسد حاملاً لمعايير أخلاقية واجتماعية، تجعل أي محاولة لتحريره من هذه القيود بمثابة تهديد مباشر للهوية الثقافية والدينية".
على الجانب الآخر، ظهر في العالم العربي خلال العقود الأخيرة تيار فكري يسعى إلى تحرير الجسد من تلك القيود التقليدية. تبرز في هذا السياق الدكتورة نوال السعداوي، التي طالبت في كتاباتها بحرية الجسد، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. في كتابها "المرأة والجنس", تنتقد السعداوي الهيمنة الذكورية التي تفرض قيودًا صارمة على الجسد الأنثوي، مشيرة إلى أن هذه القيود هي جزء من نظام اجتماعي أبوي يسعى للسيطرة على المرأة. تقول السعداوي: "تحرير الجسد الأنثوي هو الخطوة الأولى نحو تحرير المرأة والمجتمع بأسره من الفكر السلطوي الذي يكرس التبعية".
ورغم ذلك، لا تخلو هذه الأفكار من المعارضة. فالمفكر المغربي طه عبد الرحمن، في نقده للفكر الحداثي الغربي، يعتبر أن الدعوات لتحرير الجسد في السياق العربي هي استيراد لأفكار غربية لا تتماشى مع القيم الإسلامية. يرى طه عبد الرحمن أن مفهوم الحرية الغربية، بما في ذلك حرية الجسد، يعكس انحرافًا أخلاقيًا عن المبادئ الإسلامية الأصيلة، وأن الحفاظ على ضوابط الجسد هو جزء من الالتزام بتلك المبادئ.
الفكر الغربي وحرية الجسد: بين الفلسفة والحداثة
على الجانب الغربي، نجد أن مفهوم حرية الجسد قد مر بتحولات جوهرية على مدار القرون، بدءًا من فلسفات التنوير ووصولاً إلى الفكر ما بعد الحداثي. شكلت فلسفات جون لوك وجان جاك روسو في القرنين السابع عشر والثامن عشر بداية تأكيد حق الفرد في التحكم بجسده. في هذا السياق، يرى روسو في كتابه "العقد الاجتماعي" أن الحرية تشمل سيطرة الإنسان على جسده، وأن أي قيود تُفرض على الجسد تعد تعديًا على الحرية الفردية. ويعبر عن ذلك قائلاً: "الإنسان ولد حرًا، لكنه مكبل بالأغلال في كل مكان". في هذا المعنى، الجسد هو جزء لا يتجزأ من الحريات الشخصية التي يجب الدفاع عنها.
لكن الحداثة الغربية لم تقتصر على الحقوق الفردية المتعلقة بالجسد فقط، بل تطورت مع الزمن لتشمل مساحات أوسع مثل الحقوق الجنسية والحريات المتعلقة بالهوية الجندرية. ميشيل فوكو، أحد أبرز المفكرين الغربيين في القرن العشرين، قدم رؤية نقدية حول كيفية تعامل السلطة مع الجسد. في كتابه "تاريخ الجنسانية"، يعرض فوكو كيف تتحكم الأنظمة الاجتماعية والسياسية في الجسد، معتبرًا أن "السلطة تتجسد في أدق التفاصيل، حتى في أكثر جوانب حياتنا الشخصية حميمية". بالنسبة لفوكو، فإن تحرير الجسد لا يعني فقط تحرره من القيود الاجتماعية، بل أيضًا من أشكال السلطة التي تفرضها المؤسسات على الجسد.
إلى جانب فوكو، تتبنى الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر"، رؤية تقدمية لحرية الجسد الأنثوي. تعتبر دي بوفوار أن المرأة كانت ضحية لسلطة ذكورية تقليدية سعت دائمًا إلى السيطرة على جسدها وتحديد أدوارها الاجتماعية. تقول دي بوفوار: "المرأة ليست مولودة، بل تُصنع"، في إشارة إلى أن السيطرة على جسد المرأة هي إحدى وسائل المجتمع الذكوري لتحديد مكانتها ووظيفتها.
صدام الثقافات وتداخل المفاهيم
في ظل هذا التباين الفكري بين المثقفين العرب والغربيين، يبرز سؤال مهم: هل يمكن التوفيق بين تلك الرؤى المتعارضة حول حرية الجسد؟ هذا السؤال يعكس في جوهره صراعًا أعمق حول مسألة الهوية الثقافية والتفاعل مع المفاهيم العالمية للحرية. يُطرح هذا السؤال بشكل ملح في العالم العربي حيث تتواجه الأفكار التحررية القادمة من الغرب مع التقاليد المحلية التي تنظر إلى الجسد من منظور ديني وأخلاقي.
في هذا السياق، يُعتبر المفكر المغربي عبد الله العروي من بين الأصوات التي سعت إلى إيجاد مساحة وسطية تجمع بين الأفكار الغربية والعربية حول حرية الجسد. يرى العروي أن العالم العربي يجب أن ينفتح على الفكر الغربي، لكنه يحذر من "الانبهار الأعمى" بالحداثة الغربية دون مراعاة الخصوصيات الثقافية العربية. بالنسبة للعروي، الحل يكمن في تبني فكر نقدي يمكن من خلاله مراجعة الموروث الثقافي، دون التخلي عن الهوية العربية والإسلامية.
في مقابل هذا الطرح الوسطي، نجد أن الدكتور إدوارد سعيد، رغم دفاعه عن حقوق الأفراد والحريات، يعتبر أن بعض الأفكار الغربية حول حرية الجسد هي جزء من خطاب استعماري يهدف إلى تقويض الهويات الثقافية للشعوب غير الغربية. في كتابه "الاستشراق", ينتقد سعيد النظرة الاستشراقية الغربية التي تصور الجسد الشرقي كمجال للسيطرة والهيمنة، معتبرًا أن هذا التصور يعكس الرغبة في فرض الهيمنة الثقافية على المجتمعات الشرقية.
الجسد والسياسة: مقاربة حقوقية
لا يمكن فصل حرية الجسد عن السياق السياسي الذي يشكل الخلفية لكثير من النقاشات الفكرية. في الغرب، تسارعت الحركات النسوية والحقوقية في الدفاع عن حرية الجسد باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان. حركات مثل MeToo وحقوق مجتمع الميم تعد تجسيدًا لهذه الحركات الداعية لحرية الجسد ضد أي نوع من الانتهاكات أو التمييز. وفي هذا السياق، تعتبر جوديث بتلر، الفيلسوفة الأمريكية، من أبرز المدافعين عن حرية الجسد في سياق الهوية الجندرية. في كتابها "إشكالية الجندر", تطرح بتلر أن الجسد هو ساحة للنضال السياسي والاجتماعي، ويجب أن يكون للفرد الحق الكامل في تحديد هويته الجنسية والجندرية دون تدخل من المجتمع.
الجسد كمرآة للصراع الفكري
في النهاية، يمكن القول إن حرية الجسد ليست مجرد قضية فردية تتعلق بحقوق الإنسان، بل هي مرآة تعكس الصراع الفكري والاجتماعي والسياسي في العالمين العربي والغربي. الجسد، سواء كان حاملاً للهوية أو مجالًا للنضال من أجل الحرية، يبقى أحد أهم ميادين الصراع بين الحداثة والتقاليد. وفي ظل هذا الصراع، يظل الجدل مستمرًا حول كيفية التوفيق بين الحرية الفردية والحفاظ على الهوية الثقافية، في وقت تتسارع فيه التحولات العالمية التي تعيد تشكيل مفهوم الجسد وتحريره.



#سامح_قاسم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 6 أفلام تتنافس على الإيرادات بين الكوميديا والمغامرة في عيد ...
- -في عز الضهر-.. مينا مسعود يكشف عن الإعلان الرسمي لأول أفلام ...
- واتساب يتيح للمستخدمين إضافة الموسيقى إلى الحالة
- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح قاسم - الحرية بين الفكر العربي والغربي.. يقول الجسد: أنا مهرجان!