|
كلمة ختامية
غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان
الحوار المتمدن-العدد: 8096 - 2024 / 9 / 10 - 15:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلمة ختامية هذا الكتاب كم كنت اتمنى ان اقدمه لثلاثةٍ قبل الآخرين : فرج الله الحلو ونقولا شاوي وجورج حاوي : لعِظم ما اسهموا به في النضال الوطني الديموقراطي ، ولما بذلوه من تضحيات بلغت حد الشهادة ... وللتعاون والمساندة العظيمة اللتين حظيت بهما منهم . هذا الكتاب لا يدعي انه سيرة حياة ذاتية للكاتب ، وإن كان قد تابع هذه السيرة منذ اليوم الاول للولادة وحتى السابعة عشر من العمر ... ومن ذلك الحين ، وطيلة سبعة وسبعين تلت ، من الالتزام بالمبادىء والانخراط في النضال الواقعي . هذا الكتاب ما كان يهدف الى مجرد متابعة الاحداث ، وتسجيلها حسب سياقات حدوثها الموضوعي فقط ، كما تفعل كتب التاريخ المدرسية . " فحركة التار يخ " ، هنا ، مرتبطة " بحركة الاجتماع " التي يجهد الى تحريكها وتحفيزها، وتنظيمها الوف من المناضلين الذين نذروا انفسهم لإخراج شعبهم من دوامة التطور السياسي الاجتماعي التقليدي المغلقة ، التي تولّد الازمات ... مسترشدين بالعلم الذي يقول بأن الشعب يمكن ، ويجب ، ان يقرر مصيره ، وشروط حياته عامة ، بارادته الحرة ! في هذه الملحمة الانسانية هناك الفرح والحماس ! لكن الخيبة والاحباط لم يتخليا عن دوريهما كذلك ! ... فالنضال ، في جوهره ، صراع بين من اعتبر ان الحياة إنما قامت ، تحديدا ، لخدمته ، وتلبيةً لمصالحه واغراضه واطماعه ونزواته ... فيسعى الى تسخير البشر جميعا لتحقيق تلك المطامع والاهواء الانانية الحيوانية ... وبين من رزحوا ويرزحون تحت ضغط تلك الهواجس المادية والمعنوية . لضبط هذه المعادلة غير العادلة اجتماعيا ، في اطار من " العدالة العرفية " و " القانونية " الشكلية ... استُخدمت وسائل وتدابير تتراوح ما بين عوامل القوة : ( الدولة اساساً ) ، لضبط الامان والهدوء لمسار نظام الاستغلال ... وبين اعتماد سلاح " الا يديولوجيا " باستخدام بقايا الاعراف التقليدية الموروثة من القرون الخوالي ، لإضفاء الشرعية على نظام اللاعدالة هذا ، ولفرضه علاقاتٍ وعرفاً " طبيعياً وشرعياً " على الناس ! اضافة الى كل ذلك أُعتبرت الثورة العلمية التكنولوجية في الانتاج ، لدى هذه الوحوش البشرية " سندَ قوةٍ " ، و " بشارةَ خلاصٍ " ، مما يسببه لها من ازمات فيضُ الانتاج التي " اخترعها " ماركس !؟ ... بيد ان التطور الواقعي سرعان ما بدد هذه الآمال وكشف زيفها !... فاذا كان تعاظم الانتاجية قد قوّى ، حقاً ، المنحى الهجومي للاحتكارات في الدول الراسمالية الاكثر تطوراً ، كلٍ منها بذاتها ، وحفّز داخلها ميول تحقيق حلم الهيمنة في السوق العالمية ( التي بدأت تأخذ خطواتها الاولى الواضحة والسريعة نحو العولمة ) ، فان تعاظم هذه الانتاجية ، في فعلها الجماعي ، قد قوّض توقعات طغاة الراسمال ، وبدد آمالهم ، بما ادى اليه من تضييق امكانيات " السوق العالمية " لإستيعاب هذا الفيض الناجم من تطور الطاقات الانتاجية ... بالعكس : لقد ادى ذلك الى بروز ظاهرات ازمات نوعية جديدة على صعيد آليات حركة نمط الانتاج الراسمالي : لعل ابرزها ، حسبما نرى ، تحول ظاهرات فيض الانتاج الدورية الى " ازمة مستدامة عامة " ، كما نتابع ذلك منذ أزمة سنة 2008 ... ، الامر الذي ادى ، بصورة طبيعية ، الى تفاقم التناقضات فيما بين الدول الراسمالية الرئيسية ... كما ترافق ذلك مع تفاقم ظاهرة الأنكماش الأقتصادي العام ، وتعاظم " الدين السيادي " والتضخم في سائر الدول الرأسمالية المتطورة عموماً ... وبالتالي ، من الطبيعي ان يكون لكل هذا انعكاساته السلبية على البلدان النامية .
4 هذه الوقائع في الوقت الذي تؤكد فيه ، بصورة ثابتة ، بأن نمط الأنتاج الرأسمالي يسير ، في وقتنا الراهن أيضاً ، وفق المعادلات النظرية التي إكتشفها ماركس... فإن الجديد المطلوب متابعته هو ، على وجه التحديد ، التطورات والظاهرات المستجدة التي صارت واقعاً راهناً : سواءً تلك المحتدمة على صعيد العلاقات الأقتصادية في نطاق كل بلد بذاته ، او تلك على صعيد العلاقات البينية فيمابين الدول الراسمالية المتقدمة نفسها . ومن الطبيعي ان يجري في هذا المجال ايضا تركيز انتباه اكبر على المتغيرات التي اخذت تصيب آليات فعل العامل السياسي المرافق والملائم لنمط الانتاج الراسمالي : إذ بتنا نلاحظ تزايد لجم دور هذا العامل ، بهذه الصورة او تلك ، بهذه الدرجة او تلك ، عن دوره " الطبيعي " التقليدي كمدافعٍ وحامٍ - بكل مكوناته المادية والسياسية - عن نظام الاستغلال الراسمالي ، كما كان يفعل طيلة القرون الثلاثة ونيّف الاخيرة على وجه التحديد ... وتحوله ، بدرجة ما ، الى دور " عامل ضغط " معيق ( كتعبير عن نضج وتقيح التناقض الاساسي لنمط الانتاج الراسمالي الذي اكتشفه ماركس ) ، وخصوصاً على صعيد العلاقات الد ولية ( وليس تغييرياً بطبيعة الحال ومن حيث المبدأ ) ! وهنا يجب ان نتابع ، بوجه خاص ، دور وأثر روسيا الأتحادية كعامل سياسي - عسكري موازن للولايات المتحدة في نهجها لفرض هيمنتها العالمية المطلقة في عصر العولمة ! وفي هذا الاطار ايضا ، تبرز الصين الشعبية ، سواءً على صعيد الاقتصاد ، بوجه خاص ، ام السياسة ، كقوة فعالة لإجراء تغييرات في صورة نظام العلاقات الدولية ، باخراجه من دائرة السيطرة الاميركية ، التي ترسخت بصورة شبه مطلقة في الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية ... ومن جهة ثالثة ، ينبغي عدم إهمال دور البلدان النامية الضاغط ، بدوره ، على نظام العلاقات الدولية السياسي والاقتصادي الذي اقامه الراسمال الاحتكاري العالمي ، وذلك عبر التدابير التي تلجأ اليها هذه البلدان من اجل بناء إقتصادها الوطني ، ولتحصين سيادتها الوطنية ، واثر ذلك على تفاقم ازمة الأقتصاد الرأسمالي العالمي الحالي ، حتى بصرف النظر عن طبيعة التوجهات السياسية والأجتماعية التي ينتهجها حكام هذه البلدان !... ولقد كان من ظواهر هذه التطورات ايضا ، وكنتيحة لها ، بروز تآلف بريكس ، كعامل اقتصادي - سياسي ، أخذ يمارس دوره الايجابي الفعال ، الآخذ بالتعاظم على الصعيد الدولي في محاصرة العدوانية الاميركية المتصاعدة على الصعد الاقتصادية والسياسية والحربية ، خاصة في ضوء ما نتابعه من تزايد إقبال العديد من الدول على الانضمام الى عضويته .
5
بهذه الرؤية التي اردناها موضوعية ونقدية في آن ، نرجو ان يقدم الكتاب ، بما يحمل من متابعات وطروحات ، إشارةً الى ان دور الشيوعيين اللبنانيين قد خدم ويخدم الأتجاه التقدمي الذي يأخذه عالمنا المعاصر ، رغم عوامل الخلل التي مازالت معيقة لتسارع الحركة الأجتماعية السياسية على صعيد التعبئة والتنظيم الجماهيري بما يتناسب مع ما تتطلبه التطورات السياسية العامة : الداخلية وفي المحيط ...
#غسان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحياتي رفيق حنا ،
-
قال لي صاحبي
-
ايديولوجيا
-
الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني
-
بصراحة رفاقية شيوعية الرفيق الأمين العام حنا غريب مع التقدير
...
-
2 - الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الماركسية مرشدنا !... لماذا ؟... كيف ؟...
-
في الرد على مقالة ، اليسار واغتيال الدولة - محمد علي مقلد
-
كيف السبيل
-
الرساميل العائمة..الى أين ؟
-
مساهمة في حوار اسحاق الشيخ يعقوب .
-
لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ... مشروع بلاتفور
...
-
البراغماتية : المرض المزمن !
-
مشروع رؤية للنقاش
-
ما يزال للشعوب قضية !
-
ضرورة بناء يسار بستجيب لمتطلبات العصر
-
حوار من أجل صياغة رؤية سياسية ماركسية
المزيد.....
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
-
حافلات تقل 50 جريحا ومريضا فلسطينيا تصل معبر رفح في طريقها إ
...
-
بينهم 18محكوما بالمؤبد.. دفعة جديدة من السجناء الفلسطينيين ا
...
-
تساؤلات.. صحة ومهظر مقاتلي حماس والرهائن الإسرائيليين بعد عا
...
-
شاهد لحظة إطلاق حماس سراح المواطن الإسرائيلي الأمريكي كيث سي
...
-
تسليم الأسير عوفر كالدرون إلى الصليب الأحمر في خان يونس
-
يعود إلى إسرائيل دون زوجته وطفليه.. الإفراج عن ياردين بيباس
...
-
ماذا نعرف عن تحطم الطائرات في الولايات المتحدة؟
-
مأساة في سماء فيلادلفيا: انفجار طائرة إسعاف طبية بعد إقلاعها
...
-
لحظة إفراج -القسام- عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|