تعظيم أداء الخدمات اللوجيستية في مصر

صبحى إبراهيم مقار
(Sobhi Ibrahim Makkar)

الحوار المتمدن-العدد: 8094 - 2024 / 9 / 8 - 16:17
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

تمثل التجارة العالمية في العصر الحديث ضرورة هامة لبقاء ونمو الدول المتقدمة وحافزاً للدول النامية لتحسين المستويات المعيشية لمواطنيها من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لتطوير وتنويع منتجاتها لكسب المزيد من الأسواق العالمية مما يزيد من حصيلة صادراتها. وبالتالي، توفير مصادر التمويل لبرامج التنمية الاقتصادية ودعم عملية التراكم الرأسمالي وسد فجوة ميزان المدفوعات.
ولذلك تركز حكومات دول العالم على كيفية التغلب على المعوقات التي تمنع الشركات ورواد الأعمال في الأسواق النامية من الوصول إلى الأسواق العالمية مثل الإجراءات غير الفعالة والمكلفة فيما يخص كفاءة الإدارة الحدودية. وتتعامل كافة الدول مع الإصلاحات والتسهيلات التجارية كأولوية إستراتيجية لتوفير إمكانية العمل التجاري للجميع مما يزيد من اعتبارات العدالة والتنافسية بين جميع دول العالم.
وتعد الخدمات اللوجيستية شريان الحياة للتجارة الدولية، حيث يتم من خلالها تنفيذ عمليات تخزين السلع ونقلها من جهات الإنتاج إلى الجهات النهائية للبيع والاستهلاك. ولذلك تعتبر الخدمات اللوجيستية شرطاً ضرورياً لتسهيل تدفق السلع عبر الحدود وزيادة حجم التجارة الخارجية خاصة في حالة توافر العمالة عالية المهارة التي تستطيع استيعاب كافة التكنولوجيات وطرق الإنتاج عالية التقنية. ولا تستطيع أي دولة مهما بلغ مستوى تقدمها أن تحقق أقصى استفادة من حركة التجارة الدولية من خلال التركيز فقط على كفاءة البنية التحتية وتسهيل الإجراءات الجمركية وغير الجمركية. بل يجب عليها القيام بدور الداعم والضامن لكل من توفير العمالة عالية المهارة، زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في توفير البنية التحتية وتطوير قطاع النقل والأنشطة المرتبطة به وسائر القطاعات الاقتصادية الأخرى مما يؤدى إلى رفع كفاءة الأداء. وذلك لأن المؤسسات هي التي تتنافس وليست الدول، فالمؤسسات ذات القدرات التنافسية العالية، والتي تمتلك قاعدة تكنولوجية متطورة تساير البيئة الدولية المتغيرة تكون قادرة على رفع مستوى معيشة أفراد دولها نتيجة لنجاحها في النفاذ للأسواق العالمية من خلال التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر.
ويعتبر "مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية" الذي يصدره البنك الدولي كل عامين مقياساً لقدرة دول العالم المختلفة على نقل السلع عبر الحدود بسرعة وبصورة منتظمة. ويقيس مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية كل من مدى سهولة إقامة روابط منتظمة عبر سلاسل الإمداد، العوامل الهيكلية التي تجعل ذلك ممكناً مثل جودة الخدمات اللوجيستية، البنية التحتية المتصلة بمجالي التجارة والنقل، عمليات مراقبة الحدود. ويساعد مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية الدول النامية على تحديد كافة المجالات التي تحتاج إلى تحسين من أجل تعزيز تنافسيتها وجذب المزيد من الاستثمارات.
وسوف نعرض فيما يلي تطور قيمة مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر، ومواطن القوة والضعف، وننتهي بعرض لبعض المقترحات الخاصة بتعظيم أداء الخدمات اللوجيستية في مصر.
أولاً: تطور قيمة مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر خلال الفترة 2007-2022:
بتتبع قيم مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر خلال الفترة 2007-2022، يتضح ارتفاع قيمة المؤشر ليصل إلى 3.18 والمرتبة 48 عالمياً من بين 160 دولة عام 2016 مقارنة بـ 2.37 والمرتبة 98 عالمياً من بين 150 دولة عام 2007. وعلى الرغم من تراجع قيمة مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر بعد ذلك ليصل إلى 3.10 والمرتبة 58 عالمياً من بين 139 دولة خلال عام 2022، إلا أنه حقق تقدماً قدره 0.28 في القيمة، 8 مراكز في الترتيب مقارنة بعام 2018.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تكون الدولة أحرزت تقدماً وتحسناً في أداء الخدمات اللوجيستية ولكن بدرجة أقل من درجة تقدم وتحسن دول أخرى مما يفسر تأخر الترتيب العام لمصر في مؤشر الخدمات اللوجيستية من المرتبة 48 عام 2016 إلى المرتبة 58 عام 2022.
وبمقارنة قيم المؤشرات الفرعية الستة المكونة لمؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر خلال عام 2022 بعام 2018، تبين لنا ما يلي:
• تحسن تقييم مصر في عدد 5 مؤشرات فرعية تمثلت في كل من معدل تكرار وصول الشحنات المرسلة وفقاً للجدول الزمني المقرر أو خلال المدة الزمنية المتوقعة (38 مركز)، سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية (30 مركز)، نوعية التجارة والبنية التحتية المتعلقة بالنقل (20 مركز)، القدرة على متابعة خطوط سير الشحنات وتتبع مسارها (16 مركز)، كفاءة عملية التخليص الجمركي (17 مركز).
• تراجع تقييم مصر في مؤشر فرعي واحد هو كفاءة وجودة الخدمات اللوجيستية (3 مراكز).
ثانياً: مواطن القوة والضعف للخدمات اللوجيستية في مصر:
تبرز أهمية تحديد مواطن القوة والضعف في المؤشرات الفرعية الستة المكونة لمؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في دعم متخذي القرار في ترتيب أولوياتهم ودعم قراراتهم المستقبلية الخاصة بتحسين السياسات الاقتصادية وتخصيص الموارد اللازمة لتعزيز القدرات التنافسية لمصر في التجارة عبر الحدود مما يساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي. ولتحديد مواطن القوة والضعف في مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية في مصر وفقاً لتقرير البنك الدولي عن عام 2022، يجب أولاً معرفة أداء مصر في المؤشرات الفرعية الستة المكونة للمؤشر الإجمالي لأداء الخدمات اللوجيستية. ويعتبر المؤشر الفرعي موطن قوة عند حصول الدولة على قيمة أفضل في ذلك المؤشر مقارنة بالتقييم العام لها والمقدر بـ 3.10 مما يساعدها في تعزيز مستوى أدائها في المستقبل. كما يعتبر المؤشر الفرعي موطن ضعف عند حصول الدولة على قيمة أقل في ذلك المؤشر مقارنة بالتقييم العام مما يستلزم ضرورة دراسته ومعالجته لتحسين تنافسيتها في هذا المؤشر في المستقبل.
وتتمثل مواطن القوة في المؤشرات الفرعية التي حققت فيها مصر قيماً متقدمة عالمياً مقارنة بالتقييم العام لها مما يساعدها في تعزيز مستوى أدائها في المستقبل، وتمثلت هذه المؤشرات في كل من معدل تكرار وصول الشحنات المرسلة وفقاً للجدول الزمني المقرر أو خلال المدة الزمنية المتوقعة (3.60)، سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية (3.20).
بينما تمثلت مواطن الضعف لمصر في المؤشرات الفرعية التي حققت فيها مصر قيماً متأخرة عالمياً مقارنة بالتقييم العام لها الأمر الذي يستلزم ضرورة معالجتها لتحسين تنافسيتها في هذه المؤشرات في المستقبل، وتمثلت هذه المؤشرات في كل من نوعية التجارة والبنية التحتية المتعلقة بالنقل (3.00)، القدرة على متابعة خطوط سير الشحنات وتتبع مسارها (2.90)، كفاءة وجودة الخدمات اللوجيستية (2.90)، كفاءة عملية التخليص الجمركي (2.80).
نخلص مما سبق إلى ضرورة قيام كافة الهيئات والجهات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة بكافة المؤشرات الفرعية لمؤشر أداء الخدمات اللوجيستية بمراجعة سياساتها وبرامجها وآليات تنفيذ هذه السياسات والبرامج مما يدعم تحسن قيم وترتيب مصر في كافة هذه المؤشرات الفرعية. وبالتالي، تسهيل تدفق السلع عبر الحدود مما يمكنها من زيادة حجم التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية.
ثالثاً: المقترحات اللازمة لتعظيم أداء الخدمات اللوجيستية في مصر:
• الاعتماد على التقنيات الرقمية وتوفير الخدمات اللوجيستية الخضراء: وفقاً للبنك الدولي، تساهم رقمنة سلاسل الإمداد بالكامل خاصة في الاقتصادات الصاعدة في اختصار فترات التأخير في الموانئ بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالدول المتقدمة. كذلك ارتفاع الطلب على الخدمات اللوجيستية الخضراء، حيث يبحث 75% من شركات الشحن عن خيارات صديقة للبيئة عند التصدير إلى الدول مرتفعة الدخل.
• ضرورة العمل على عدم وجود تأخير في الموانئ والمطارات والمرافق المختلفة من خلال وضع سياسات تستهدف تطوير هذه المرافق لضمان ارتفاع مستوى جودة وانتظام كافة الخدمات المقدمة. وتتمثل أهم هذه السياسات في كل من:
 تحسين إجراءات التخليص الجمركي وكافة الخدمات التي تساعد على تسريع الإجراءات بالموانئ من خلال كل من الخدمات المصرفية والتأمينية والجمركية، التخزين، التوزيع.
 زيادة الاستثمارات في البنية التحتية وتطويرها باستمرار، وزيادة مشاركة القطاع الخاص لاستغلال إمكانياته الاستثمارية والمهارات الإدارية المرتفعة لكوادره البشرية.
 تعظيم الخدمات اللوجيستية المستدامة بيئياً من خلال التحول إلى وسائط الشحن الأقل كثافة في انبعاثات الكربون والتخزين الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
 تأهيل الكوادر البشرية على أحدث النظم العالمية في إدارة وتشغيل السفن وإدارة الأعمال الملاحية واللوجيستية.
• تشجيع الاستثمار في مجال الترانزيت من خلال تقديم المزيد من الحوافز الضريبية والتسهيلات الإدارية للشركات التي تعمل في هذا المجال.
• تفعيل التعاون مع الدول والمنظمات الدولية في ضوء الشراكات الحالية والتوسع في الشراكات والاتفاقيات المستقبلية مع تبادل الخبرات والمعلومات والتكنولوجيا في هذا المجال.

#صبحى_إبراهيم_مقار (هاشتاغ)       Sobhi_Ibrahim_Makkar#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات