أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى جمال علي - -لعنة الطفل: أنياب في قلب الظلام-














المزيد.....


-لعنة الطفل: أنياب في قلب الظلام-


مصطفى جمال علي

الحوار المتمدن-العدد: 8094 - 2024 / 9 / 8 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


كان المساء ينسدل ببطء على القرية الصغيرة، حيث يمتزج الضوء الذهبي بالغبار المتطاير في الهواء، وتظهر السماء بلون أرجواني يخفي وراءه أسرار النهار. في ذلك الوقت، جلس "عمر" على حافة النافذة، يتأمل المساحات الخضراء الممتدة أمامه، حيث تلتف الأشجار حول الأفق وكأنها تحرس بقايا الماضي الذي لا يريد أن يمضي.
لقد كان هناك شيء يصرخ بداخله، صوت خافت لكنه ثابت، صوت لم يكن بمقدوره تجاهله بعد الآن. تلك الأحلام المزعجة بدأت تزوره كل ليلة، تحاصره وتُغرقه في مزيج من الحنين والخوف.

في إحدى تلك الليالي، رأى حلماً مختلفاً عن كل ما سبق. كان واقفاً في الحقل، قدماه حافيتان تغوصان في الطين والماء، وشعر بأثر الحشائش التي تلامس بشرته. نظر إلى الأسفل، فرأى قدم أبيه الحافية تسبق خطاه، تتعمق أكثر في الأرض كأنها تمتزج معها. حوله، الحيوانات تركض عائدة إلى المنزل، بينما الشمس تغيب ببطء خلف الجبال.

لكن شيئًا ما كان يترقبه. من بعيد، ظهرت الذئاب، عيونها تتلألأ في العتمة. أحس بالخطر، لكنه لم يكن خائفًا. في يده عصا قديمة، عصا الرعاة، التي لطالما استخدمها جده وأبوه، لكنه شعر بثقلها في يده، كأنها لم تعد تلائم قبضته.
ركض، ركض مع الحيوانات نحو المنزل، لكن الذئاب كانت تقترب. وفجأة، ظهرت امرأة على الطريق، وجهها يحمل تفاصيل لم تكن غريبة عليه، لكنه لم يستطع أن يتذكرها. عيناها اللامعتان كانتا تغوصان في أعماق روحه، وكأنها تعرفه منذ زمن بعيد. حاول أن يتحدث، لكن الكلمات هربت منه.

استيقظ فزعًا، لكنه لم يجد الراحة في اليقظة. كانت تلك الليالي تتكرر، كل مرة بأحداث مختلفة، وكل حلم يحمل رموزًا جديدة. وجه أمه، أصوات هدير المياه في النهر، غراب ينهش يده، وباب قديم يخشى أن يفتحه. لم يعد يفهم مغزى هذه الأحلام، ولماذا كانت تطارده بلا رحمة.

بدأ يتساءل: هل يريد الطفل الذي كانه في الماضي العودة للسيطرة عليه؟ هل يحاول أن يخبره بشيء نسيه؟ ربما كان الأمر كذلك، لكنه لم يعد يملك الطاقة ليفهم.
"كم مرة علي أن أبدأ من جديد؟" تمتم عمر لنفسه وهو ينظر إلى السماء. لقد اختبر الحب والفقدان، عاش ومات عدة مرات في روحه. غادر المدن القديمة، باحثًا عن إجابات بين وجوه الغرباء، لكنه لم يجد سوى المزيد من الأسئلة.

وفي إحدى الليالي، وقف أمام المرآة وتأمل وجهه. لكنه لم يرَ ملامح الرجل الذي كبر. رأى وجه الطفل الذي كانه. تلك العينان البريئتان، مليئتان بالخوف والدهشة. لم يعد يعرف ماذا يريد هذا الطفل منه، لكنه شعر باليأس. "هل يريد قلباً جديداً؟" تساءل.
في لحظة يأس، رفع رأسه نحو السماء، كما كان يفعل في طفولته، وسأل الله أن يأخذ سن الحمار الذي سقط منه وينبت بدلاً منه سن غزال، كما كان يفعل حين يكسر سنًا وهو صغير. لكن شيئًا آخر حدث. بدلاً من أن ينبت سن الغزال، نبتت له أسنان ذئب.

شعر بها بوضوح في فمه، حادة وقاسية، وكأنها جزء من ذاته الجديدة. لم يكن يدري ما الذي يعنيه ذلك، لكنه أدرك أن حياته قد تغيرت للأبد. قد يكون الطفل الذي بداخله أراد عودة البدايات، لكن ما نبت الآن كان شيئًا آخر، شيئًا لا يستطيع تجاهله بعد الآن.

ربما كانت الذئاب التي طاردته في الأحلام هي جزء منه، تلك القوة التي كان يخشى أن يواجهها. لكن الآن، وقد أصبحت جزءًا من حقيقته، لم يعد بإمكانه الهروب منها.



#مصطفى_جمال_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تعرقل الدول الإسلامية حقوق المثليين في العصر الحديث
- زواج القاصرات في القانون العراقي: خرق لحقوق المرأة بتشجيع من ...
- -العنصرية: الحصن الأخير لحماية الهوية الغربية من تهديد الثقا ...
- اللغة: بين بناء الهوية وتفكيك الإنسانية - رحلة في أعماق التأ ...
- الانتهاكات ضد أفراد مجتمع الميم في العراق: تطورات الاضطهاد ا ...


المزيد.....




- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى جمال علي - -لعنة الطفل: أنياب في قلب الظلام-