أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أزمة الفيزياء النظرية















المزيد.....

أزمة الفيزياء النظرية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8093 - 2024 / 9 / 7 - 12:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
١٤ أزمة الفيزياء

في عالم تتراقص فيه إعوجاجات الضوء وتقعرات الزمن والفضاء ورنين أوتار الجسيمات اللامرئية على أنغام الاحتمالات اللانهائية وعدم اليقين يكمن تقاطع اثنتين من أعظم النظريات في الفيزياء: نظرية النسبية The Theory of Relativity وميكانيكا الكم Quantum Mechanics.
تحاول نظرية النسبية الخاصة تفسير كيفية تأثير السرعة على المكان والزمان والكتلة. وتقول أيضًا أن الكتلة قابلة للتبادل مع الطاقة كما هو محدد بالمعادلة المعروفة 𝐸 =𝑚�. وفقًا لهذه المعادلة، عندما يقترب الجسم من سرعة الضوء، تصبح كتلته لا نهائية وغير محدودة، وتزداد الطاقة اللازمة لتحريكه، مما يجعل من المستحيل على المادة تجاوز سرعة الضوء.
أحد الجوانب المهمة للنسبية الخاصة هو تمدد الزمن Time Dilation. عندما يتحرك الجسم بسرعة كبيرة، يتباطأ الوقت مقارنة بوقت السكون". لا يكون التأثير واضحًا في السرعات المحدودة أو الصغيرة، ولكن بالنسبة للمسافر الذي يتحرك بسرعة الضوء، الزمن يتوقف نهائيا وفقًا لمباديء النظرية النسبية. نظرًا لهذه العوائق والحواجز العملية، لا يستطيع البشر السفر بسرعة قريبة من سرعة الضوء، لذا فإن هذه الظاهرة لم يتم اختبارها بعد وربما إستحالة إختبارها لقرون عديدة. وتعتبر نظرية النسبية العامة بأنها واحدة من أعظم الإنجازات العلمية في القرن العشرين. إن براعتها وعمقها ودقتها في التنبؤات تفوق كل النظريات الأخرى حيث استبدل أينشتاين قانون نيوتن للجاذبية، الذي ينص على أن الجاذبية هي "فعل عن بعد"، بفكرة جديدة مفادها أن الجاذبية هي انحناء في الزمكان. وقد أرسى هذا الأساس الفهم المعاصر للكون، بما في ذلك الثقوب السوداء ونظرية الانفجار العظيم لتطور الكون. في عام 1915، قدم أينشتاين نظريته النسبية العامة General Theory of Relativity، متوسعًا في مواضيع مثل الجاذبية والزمان والمكان، واقترح أن الكون يتكون من 4 أبعاد، حيث أضاف للأبعاد الثلاثة المعروفة بعدا رابعا هو الزمكان، وأعتبر المكان والزمان متشابكان لتشكيل نسيج متصل يسمى الزمكان space-time fabric continuum. ووفقًا له، فإن الزمن ذو طابع نسبي، فالشخص الذي يختبر أو يعيش ظاهرة ما في القطب الشمالي، فإنه سيختبرها في زمن مختلف عن الشخص الذي يختبر نفس الظاهرة حول خط الاستواء. في السابق، كان يُعتقد أن الجاذبية قوة (حسب نظرية نيوتن)، لكن أينشتاين اقترح أن الجاذبية هي في الواقع انحناء نسيج الزمكان. ويمكن تشبيه هذا النسيج - وهو تشبيه كلاسيكي متعارف عليه - بالترامبولين trampoline التي تتكون من قماش مطاطي مشدود، عندما تضع جسمًا ثقيلًا عليه، يحدث انخفاض وتقعر في القماش حسب كتلة الجسم. إذا وضعت كرة على هذا الترامبولين، ستتدحرج الكرة تلقائيًا نحو هذا التقعر .. وإذا طبقنا هذا المثال على نطاق أكبر بكثير على مستوى الكون، فالكواكب لها كتلة شديدة الضخامة، مما يخلق نتوءًا في نسيج الزمكان، يدور القمر حول الأرض لإنه ينجذب نحو الانخفاض الذي خلقته الأرض في نسيج الزمكان. هذا التدحرج هو الجاذبية حسب النظرية النسبية. ووفقًا لهذه النظرية فإن جسم له كتلة سيخلخل مجال الزمكان، مما يتسبب في انجذاب أجسام أخرى نحوه. هناك جانب مهم آخر أكتشفه إينشتاين وهو ما يسمى عدسة أو تعدس الجاذبية Gravitational lensing. وفقًا لهذه الظاهرة، ينحرف الضوء عند إقترابه من الأجسام الثقيلة ولا يواصل مساره المستقيم كالمعتاد. وقد لاحظ علماء الفلك هذه الظاهرة عند مراقبة الضوء حول المجرات والثقوب السوداء والأجسام الثقيلة الأخرى في الفضاء مما يدل على صحة التقعر الزمكاني الذي تسببه الكتل الضخمة.
بعد ذلك، وفي القرن العشرين، وضع علماء الفيزياء مثل بلانك Planck وبور Bohr وأينشتاين نفسه الأساس لميكانيكا الكم. وهي نظرية تحاول تفسير طبيعة وطريقة عمل العالم الكمومي المنتهى الصغر. وكان أكبر إنجاز لنظرية الكم هو ما يسمى النموذج القياسي Standard model.
يمنحنا النموذج القياسي فهمًا لِلَبنات البناء building blocks التي نشأ وتكون بها العالم. وتنقسم الجسيمات حسب هذه النظرية إلى قسمين: الفرميونات Fermions والبوزونات Bosons. الفرميونات هي جسيمات مادية وتشمل كل المادة الموجودة في هذا الكون، وتنقسم إلى كواركات Quarks وليبتونات Leptons. في حين أن البوزونات هي جسيمات حاملة للقوة، وهي مسؤولة عن القوى الأساسية الأربع التي سنوضحها لاحقا: النووية القوية والنووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية.
كما توفر النظرية إطارًا رياضيًا للتنبؤ باحتمالات النتائج المختلفة في الأنظمة الكمومية، مثل موضع الجسيمات وزخمها وطاقتها. تُعرف النظرية بتنبؤاتها غير البديهية، مثل تراكب الحالات superposition of states والتشابك entanglement. وهي ضرورية لفهم العديد من الظواهر في الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا..
تُعد نظرية ميكانيكا الكم إنجازًا مميزًا في العلوم الحديثة وقد أثبتت أنها واحدة من أنجح النظريات في التاريخ رغم وجود العديد من نقاط الضعف وعدم الوضوح إلا أن العديد من التجارب أثبتت تنبؤاتها، وعلى الرغم من المحاولات العديدة، لم يتم التشكيك في صحتها أبدًا. وقد تنبأت بدقة بوجود 17 جسيمًا، تم اكتشافها لاحقًا من خلال مسرعات الجسيمات particle accelerators.
إن نظرية النسبية وميكانيكا الكم هما ركيزتان أساسيتان في الفيزياء الحديثة، لكنهما تتعارضان في وصفهما للواقع على أصغر المقاييس، ولهذا السبب يحاول الفيزيائيون منذ سنوات عديدة تطوير نظرية موحدة يمكنها التوفيق بين هاتين النظريتين، والتي يسميها الباحثون بالجاذبية الكمومية quantum gravity.
إن الجاذبية الكمومية هي إطار نظري يهدف إلى التوفيق بين مبادئ ميكانيكا الكم والنسبية العامة لإنشاء وصف شامل لسلوك المادة والطاقة والجاذبية على جميع المقاييس، من أصغر الجسيمات دون الذرية إلى أكبر الهياكل التي يمكن تخيلها في الكون. تعتبر هذه الإشكالية من أكثر المشاكل تحديًا في الفيزياء النظرية لأن مبادئ النسبية العامة وميكانيكا الكم مختلفة تمامًا. وكانت محاولات دمج هاتين النظريتين مستمرة لسنوات عديدة، وتم اقتراح نظريات مختلفة، بما في ذلك نظرية الأوتار string theory، وجاذبية الكم الحلقية loop quantum gravity، والهندسة غير التبادلية والعديد من انظريات الأخرى والتي ترجع في بعض الإحيان إلى الخيال أكثر منها للعلم أو للفيزياء، ومع ذلك، لم يتم بعد إنشاء نظرية كاملة ومقبولة عالميا للجاذبية الكمية..
في القرن العشرين، تم إجراء العديد من الاكتشافات الرئيسية حول الكون، بما في ذلك إكتشافات الفيزيائي والرياضي ستيفن هوكينج Stephen Hawking حول تحلل الثقوب السوداء من خلال الإشعاع وإشعاع الخلفية الكونية الميكروية وغيرها من الفرضيات. أظهرت هذه النتائج أن المادة تظهر سلوكًا كميًا ولكنها تتحرك وفقًا للزمكان الكلاسيكي، مما أدى إلى تطوير الجاذبية شبه الكلاسيكية، وهي خطوة تعتبر جسرا بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة. وقد تحمل الثقوب السوداء الموجودة في الأطراف الخارجية للكون المفتاح لتوحيد هذه النظريات، وهو اعتقاد يؤمن به هوكينج نفسه في "نظريه كل شيء - theory of everything"، حيث يمكن أن تكشف الجاذبية الشديدة للثقوب السوداء، والتي يمكنها حتى حبس الضوء، عن كيفية تفاعل الجسيمات الضخمة macroscopic والنانوية الضئيلة nanoscopic والعلاقة بينها.
فرضيات هوكينج بخصوص نظرية الأوتار وإشعاع هوكينج، وهو نوع من الإشعاع المنبعث من الثقوب السوداء، جعلته يقترب نظريا من سد الفجوة بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة. وعلى الرغم من صغر حجم إشعاع هوكينج لدرجة لا يمكن ملاحظته، فإنه يوفر نظرة ثاقبة حول الشكل الذي قد تبدو عليه هذه النظرية الموحدة.
لقد تم مناقشة الحلول المحتملة لجاذبية الكم والثنائيات الرياضية المختلفة لسنوات عديدة دون نتيجة حاسمة، رغم أمل العلماء بأنه يمكن لنظرية موحدة لعلم الفلك الكمومي أن تحدث ثورة في فهمنا للكون وتؤدي إلى عصر جديد من الفيزياء النظرية وعلم الكونيات. إن العلم لا يقتصر على إيجاد الإجابات فحسب، بل يتعلق أيضًا بطرح أسئلة جديدة. إن النظريات الأكثر إقناعًا هي تلك التي تلهم المزيد من الاستفسار، مما يؤدي إلى دورة لا تنتهي من الاكتشاف والاستكشاف، تمامًا مثل الطبيعة اللانهائية للزمان والمكان.
إن تطوير نظرية ناجحة للجاذبية الكمية له آثار ضرورية على فهمنا للكون، ويمكن أن يجيب على أسئلة مثل ما حدث أثناء الانفجار العظيم، وما حدث في اللحظات القليلة الأولى من الكون، وما يحدث داخل الثقوب السوداء، وما إذا كان الكون له أصل كمي إوكل التساؤلات التي قد تبرز في السنوات القادمة نتيجة للتطور التكنولوجي الفائق السرعة. إن السعي إلى كشف أسرار الكون هو رحلة قد تستغرق العلم والعلماء سنوات عديدة أخرى لإكمالها، وعلى الرغم من المحاولات العديدة، فإن التقاطع بين النسبية وميكانيكا الكم يظل أملا بعيد المنال، ومع ذلك، كما يقول المتفائلون، رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم الذرة وعالم المجرات
- نهاية العالم بين الجحيم والجليد
- الأدلة على نظرية Big Bang
- مراحل الإنفجار الكبير
- الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
- نظرية تمدد الكون
- وتأخر المسيح عن موعده
- بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
- هل للكون بداية ونهاية ؟
- العبث بين الدين والفن
- بداية الخلق
- بين التأمل والتجربة
- بين الإحتمال واليقين
- ساعة إينشتاين
- حريق الظل الطويل
- عن الأخلاق واللاهوت
- الغرامشية اليمينية
- الثقافة ضد الدكتاتورية
- الثورة المضادة في فرنسا
- الخطر الفاشي في فرنسا


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - أزمة الفيزياء النظرية