أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري















المزيد.....

الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 14:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فشلُ كثير من الآباء في فهم عالم الأبناء واحتياجاتهم وأحلامهم ورؤيتهم للعالَم، يعجزهم عن التصالح معهم والعيش بسلام. وهذا نوع من الفشل يجعل بعض الآباء يعيشون أقسى أنواع الاغتراب بعد الاغتراب الوجودي، وربما ينتهي بهم الحال إلى أن الأب لا يعرف لغة الأبناء وهم لا يعرفون لغته، هو لا يعرف احتياجات الأبناء وهم لا يعرفون احتياجاته، هو لا يحبّ ما يحبون وهم لا يحبون ما يحبه، هم لا يفرحون بما يفرح به وهو لا يفرح بما يفرحون، هم لا يقرأون ما يقرأ وهو لا يقرأ ما يقرؤون، هم لا يخافون مما يخاف وهو لا يخاف مما يخافون، هم لا يرجون ما يرجو وهو لا يرجو ما يرجون. الأبناء يشبهون زمانهم، ولا يشبهون زمان الآباء.
الفجوة بين جيلنا وجيل آبائنا ضيقة، الفجوة بين جيلنا وجيل أبنائنا واسعة بسعة العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي، وإيقاع التغيير المتسارع الذي يطال كلَّ شيء. ‏يختلف الأبناء في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي عن الآباء في: الرؤية للعالم، ونمط العيش، وطرائق التعاطي مع الواقع، وإدارة العلاقات الاجتماعية، وتفسير القيم، وكيفية تلقي المعارف والعلوم، ووسائل التثقيف، وتعريف الواقع واكتشافه. لم تكن مثلُ هذه الفجوة الشاسعة بين جيلنا وجيل آبائنا، وهذا يفرض على الآباء اليوم الكفّ عن إنتاج نسخ مشابهة لهم من أبنائهم. وذلك يدعونا إلى النظر بعمق لواقعنا، ومتطلباته التربوية والأخلاقية والروحية والجمالية والمعرفية اليوم. ‏الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري في بلادنا للحاضر والمستقبل، ينبغي أن يحرص الآباء على "تكامل الأجيال" وتراكم وإثراء تجاربها وتكريسها، جيل الآباء ينبغي أن يسمح للأبناء بالحضور في مواقع متقدمة في السلطة السياسية، ويمنحهم الآباء الثقة لإدارة الحياة الاجتماعية والثقافية والإعلامية والأدبية والفنية.
بعض الأبناء اليوم يتعاملون مع الآباء على أنهم ورّطوهم في الحياة،كما يصارحني بعض الأبناء، وأظن أن آخرين يكتمون قناعتهم هذه تأدبًا. لا يقبل ‏الأبناءُ أعرافنا وعاداتنا في التربية التقليدية، المبنية على الطاعة المطلقة للأب والانقياد والخضوع إليه بكلِّ شيء، والاستجابة لكل ما يطلبه ‏منهم، حتى لو كان ‏غير مقنع للولد، أو كان على الضدّ من إرادته ومصالحه الآنية والمستقبلية. وأحيانا يفرض الأب على الابن الرضوخ إليه واستعباده، وربما يتمادى بعض الآباء فيتعامل مع ولده ‏وكأنه شيء يمتلكه كما يمتلك أيَّ شيء، كما كان يتعامل كثيرٌ من الآباء مع الأبناء، وكأنهم رقيق مستَعبدون قبل ‏نصف القرن الماضي، خاصة في الأرياف والبادية.
علاقاتي الاجتماعية واسعة متنوعة، وأحيانا متضادّة. لديّ أصدقاء من جيلي ومن أجيال أخرى: مسلمين وغير مسلمين، مؤمنين وغير مؤمنين، عقلانيين وخرافيين. أجمل صداقاتي مع من تتفاعل كيمياء روحه مع روحي، ويقترب مزاجه من مزاجي، ويثير أسئلة مشاغبة لم أفكر بها. صداقاتي الأثرى كانت ومازالت مع الشباب الذين أرى أجمل صورة للغد في أحلامهم. جذوة الشباب تلهمني أكثر من حكمة الشيوخ. يصعب القول بوجود صديق يختصر كلَّ الأصدقاء،كلُّ صديق صدوق يلهمنا على شاكلته،كذلك يصعب القول بوجود كتاب يختصر كلَّ الكتب.
نموذجي في المستقبل وليس في الماضي. غيرُ متحمّس للقاء أحد في الماضي، لأني عشت في التراث حياتي الماضية، وتعرفت بشكل جيد على أديانه وفرقه ومذاهبه ومعتقداته وثقافاته وشخصياته. أتمنى أن أرى إنسان الغد، الإنسان في القرن القادم الميلادي.كيف يفكر هذا الإنسان، كيف يرى العالم، كيف يعمل، كيف يعيش، كيف يتحدّث، كيف يحلم، كيف يرى أسلافَه نحن،كيف ينظر لمنجزات الأسلاف ومعتقداتهم وثقافاتهم وآدابهم وفنونهم، ما الذي يفعله الذكاء الاصطناعي منذ اليوم إلى نهاية هذا القرن، لو استمرت الحياة بلا حروب كونية وأوبئة وكوارث تقضي على كلِّ شيء؟
على الرغم من كل النقد الذي صوّبه الفلاسفةُ للعقل، منذ نيتشه، وجماعة معهد العلوم الاجتماعية في فرانكفورت، ومفكرو ما بعد الحداثة في الغرب، فإن العقلَ الحديث يمتلك قدرةً بالتغلب على عوائقه ومعالجة مشكلاته العلمية. العقل الحديث يضيء لنا كلَّ يوم أفقًا في العلم ومجالات المعرفة المختلفة، لينتقل بنا من الخطأ إلى الصواب، ومن ظلام الجهل إلى نور العلم. ميزة العقل الحديث تكمن في أنه يمتلك شجاعة فذّة في مراجعة ذاته ومناهجه وأدواته ورؤاه ومفاهيمه ونقدها بشدة، وتمحيص ما يقوله على الدوام. صيرورة التاريخ ومعادلات التغيير تبدلت، بعد أن دخلت التقنيات الجديدة للجينات والاتصالات والذكاء الاصطناعي والنانو، بوصفها عوامل حاسمة في معادلات التغيير. من يعاند صيروة التاريخ تعانده وتقضي عليه في خاتمة المطاف.
القيم شيء، والعقل والعلم شيء آخر. لم يمنع التطورُ العلمي الغربَ من استعمال المعايير المزدوحة في التعامل مع الآخر، وهذه أكبر التحديات التي تواجه حضارته. إنسانية الإنسان تتجلى بالحضور الفاعل للقيم الأخلاقية والروحية والجمالية في حياته،كلُّ حضارة تتصدع فيها هذه القيم تتصدع. التقنيات الجديدة على الرغم من أنها تقدّم للإنسان فرصة استثنائية، هي تحدٍّ قد يؤدي إلى تصدعّ القيم والتلاعب في معاييرها الكونية، وربما تفضي هندسة الجينات إلى إنتاج نسخة عبقرية عملاقة من الإنسان تتفوق علينا بقدرات استثنائية، وربما ينتهي الذكاء الاصطناعي إلى تغيير أنماط العلاقات في العائلة والمجتمع، ونظم إدارة المؤسسات والحكومات والعلاقات الدولية بشكل جذري. وذلك يفرض على الإنسان، بموازاة تدفق التطور العلمي كالشلال، السعيَ من أجل إيقاظ القيم الكونية وتنميتها وإثرائها بتشريعات أممية ومحلية صارمة.
التربية السليمة تعتمد الحصانةَ لا المنع، الأبناء ينتمون إلى عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، يتعذر علينا إرجاع الزمن للوراء والهجرة العكسية من زماننا إلى الماضي مهما فعلنا.كنتُ لا أمنع أولادي من اللعب في الشارع والاندماج بجيلهم، والتعرّف على الواقع ميدانيًا. أساعدهم على اكتشاف ذواتهم، والتنقيب في خرائط دروب الحياة المتشعبة بأنفسهم، لئلا يعيشوا مغتربين عن عصرهم وجيلهم. أرشدهم، وأراقب سلوكهم من بعيد، ولا أتدخل كثيرًا في حياتهم الخاصة وخصوصياتهم. حرصت على أن يكون أولادي كما هم لا كما أنا،كلٌّ منهم يشبه ذاته، ما أكرهتهم على محاكاتي، ولم أحثّهم يومًا على استنساخ صورتي. تطورت شخصياتهم في سياق طبيعتهم البشرية وبنيتهم النفسية وزمانهم، فصاروا يعبرون عن ذواتهم ورؤيتهم للعالَم وأحلامهم قبل تعبيرهم عني ورؤيتي للعالَم وأحلامي، وهذا سرّ النجاح في حياتهم.
كلّما تقدّم عمر الإنسان اشتدت حاجتُه للحُبّ والرعاية، الجسد السليم بتقدّم العمر يدبّ الوهن بالتدريج في أعضائه، وأشدّ ما يوجعه تضخّم شبح الموت. لحُبّ الأبناء للآباء، والتعبير عن هذا الحُبّ بمواقف وفاء نبيلة، تأثيرٌ فاعل لمقاومة الذهول وضياع الأجوبة حيال الموت، وإفاضة شعور على الإنسان بتخليده وحضوره الأبدي بضمير المحب، وخفض وطأة شبح الموت، بصيرورته، في ضمير المؤمن، طورًا وجوديًا تتسامى فيه الروح وتخلد في عالَم الأنوار. الإنسان هو الكائن الوحيد في العالم المولع بالخلود، مثلّما يكرّس الإيمانُ شعورَ الإنسان بالخلود يكرّس الحُبّ الشعورَ بالأبدية. الحُبّ يغذّي ويشبع شيئًا من الحاجة للخلود، مثلما يفعل ذلك الدين، والفن، وأعمال الخير النبيلة المهداة لتحرير الآخرين من الفقر والشقاء والبؤس والاضطهاد.كلٌّ منها يشبع بُعدًا من أبعاد هذه الحاجة على شاكلته، الدين يشبع الحاجة للخلود عبر الإيمان بطور وجودي يخلد فيه الإنسانُ بعد الموت، الفن يشبع الحاجةَ للخلود عبر تخليد الذكريات، الأعمال الخيرية النبيلة تشبع شيئًا من الحاجة للخلود بالشعور ببقاء أثرٍ ناطق في الحياة للفعل، وبصمةٍ مضيئة تتحدث عن الفاعل، الحبّ يشبع شيئًا من الحاجة للخلود بوصفه وسيلة لمقاومة قلق الموت.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفيُ الفلسفة ضربٌ من التفلسف
- مكافأة الحب الحب ذاته
- العقل يخضع لمساءلة العقل
- شخصيات طفيلية بثياب قديس
- مصائر مكتباتنا
- التعليم في عصر الهوية الرقمية
- أميّة الأساتذة الثقافية والرقمية
- الاستثمارُ في الحُبّ صعب
- مَن يعجز عن الإنصات يعجز عن الصمت
- إرادة الصمت أصعب من إرادة الكلام
- تحية للجيل الجديد
- حُبُّ الإنسان طريقٌ لحُبّ الله
- الإيمان بلا حُبّ ورحمة عنيف
- صمتُ الباطن بوصفه ثمرةً لصمت اللسان
- الصمت بوصفه تغافلًا حكيمًا
- تقديسُ المتخيّل للحيوان إهدارٌ لحقوق الإنسان
- يقدّسُ المتخيّلُ الحيوانَ حين ينامُ العقل
- تضخّم المقدّس واتساعه في المتخيّل
- غياب دراسة المتخيَّل في كتابات الإسلاميين
- مَنْ يمتلك وسائلَ إنتاج المتخيَّل يمتلك السلطة


المزيد.....




- شاهد/ناشطة يهودية: الحرب على غزة تشبه ما حدث لأجدادي!
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بقذائف المدفعية موقع المر ...
- الجهاد الاسلامي تكشف تفاصيل محاولة التفاف -اسرائيل- على حماس ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة للمسلمين بسبب استهلاك المياه
- أبسطي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على الأق ...
- ضحك طفلك وابسطه.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 وتاب ...
- أبسطي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على الأق ...
- ضحك طفلك وابسطه.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 وتاب ...
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: لن ندع ان يؤثر الحظر على ...
- الولايات المتحدة تعلن إحباط مخطط -هجوم إرهابي- استهدف يهوداً ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري