أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام ايو شاويش - مشاهد عاديّة جدًّا















المزيد.....

مشاهد عاديّة جدًّا


بسام ايو شاويش

الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


...غزة فجرا...
ذكريات بعيدة تنهض من سباتها فحأة ..صوت أبيك القديم..يابني لا تمت موتا مجانيا .ليكن لموتك ثمنا باهظا ..ثمن لا يستطيع أي كان دفعه...رائحة الأرض وقد غمرها الندى..صوت الأذان من مسجد تحدى الحرب...هذه الحرب اغتالت معظم المساجد...لكن ما زالت الله اكبر تتردد.. تستيقظ ذكريات موغلة في البعد ..أمك تشعل وابور الكاز ..تعد طعاما لأبيك الذي يأتيك صوته من الحوش...يبسمل ويحوقل ..ويردد لازمته اليوميه..اصبحنا وأصبح الملك لله...تفاصيل كثيرة تأتي من قاع الذاكرة تطفو على السطح ..كان فجر النكسة مختلفا...أبوك وعمك بالثياب العسكرية...يبدو عليهما الإنهاك الشديد..صوت العم الكبير ينهر أمك التي تولول ...لم يحدث شيء..سنغيب بضعة أيام ونعود..ستنتهي الحرب خلال اسبوع أو أسبوعين...وذهبا...أبوك حضنك ثم قبل شقيقتيك وتبع العم وقد اغرورقت عيناه بالدموع...كان فجرا مختلفا...كانت تلك حرب سريعة .مرت كأنها لم تكن ..لكن هذه الحرب مختلفة...تبدو بلا نهاية ..
...القصف يتواصل...تنصت...الأنفجارات تبدو قريبة...لعلهم يقصفون مدينة الزهراء وربما المغراقة...بالأمس دمروا مدينة الأسرى غربي مخيم الجديد...
...غزة صباحا
لم يخرج الاولاد إلى المدارس..لم اسمع بوق حافلة الروضة التي كانت تقف أمام البيت يوميا لتحمل اطفال شارعنا إلى روضتهم...تنصت كما اعتدت صباح كل يوم...لم يأت صوت بنات الثانوية وهن ينشدن النشيد الوطني...فدائي..فدائي..فدائي
يا ارضي يا أرض الخلود...
غاب صوت الباعة المتجولين وهم يدفعون عرباتهم نحو المدرسة الابتدائية القريبة...ليس ثمة إلا الصمت...وأصوات طائرات الاستطلاع ..وبين الفينة والأخرى يسمع صوت القصف شرقا حيث مدفعية الدبابات تمشط المنطقة العازلة التي أنشأتها مؤخرا قوات الاحتلال...أنها الحرب...لكنها مختلفة عن أي حرب أخرى..حرب تبدو بلا نهاية....
غزة ظهرا...
تداهمك مشاهد قديمة...طابور طويل من طلبة جاؤا من كل بقاع الدنيا...يتلهفون للتوجه إلى بيروت..حضروا للدفاع عن الشعب والثورة...طلبة طب وهندسة ومختلف التخصصات...جاءوا وتركوا مستقبلهم وراءهم...تنضم إليهم...تأخذكم الحافلات إلى منطقة البقاع شرقي لبنان...تتدربون على الأسلحة المختلفة في أحد معسكرات فتح..بعد أسبوع تتوزعون على المواقع العسكرية...كنت ضمن كمين متقدم على الطريق الساحلي...كان حزيران حارا وكان البحر مغريا...لكن هناك في عرض البحر ثمة بوارج وقطع بحرية تطلق قذائفها باتجاه الشاطيء..لكنك تقرر المجازفة...يجازف معك مقاتل ٱخر...قال أنه كان يدرس الطب البشري في جامعة لومومبا في موسكو...أظنه كان من نابلس ..لم يكن يعرف السباحة...كاد يغرق لكني كسباح ماهر انقذته بسهولة وبدأت بتعليمه السباحة على أصولها ..توغلنا بضع عشرات من الأمتار لكن صفير قذيفة من فوقنا جعلنا نغادر المياه مسرعين..انفجرت القذيفة على بعد أقل من خمسين مترا من الكمين...
لابد أن نغير المكان...يبدو أنهم اكتشفوا وجودنا هنا...تحركنا نحو دغل كثيف من البوص...اختفينا خلفه وكان مكانا مثاليا...حفرنا كالعادة حفرا برميلية لنختبىء بها عندما يشتد القصف...كان بحر بيروت على مرمى النظر..وكان القصف يطال كل شارع في المدينة ..والٱن...أرنو للبحر وأتعرق ..فٱب هذه السنة أقسى من كل السنوات السابقة..هل الحرب جعلته كذلك...الم أقل أنها حرب مختلفة عن أي حرب أخرى..حرب تبدو بلا نهاية...
..غزة مساء...
تأخذك الذكرى الى الجنوب...
في الجنوب ..الطائرات تحلق فوق صور وصيدا وصولا إلى النبطية..الطائرات تلقي منشورات بالغة العربية...يفرأ المواطنون المنشورات ويسخرون...العدو يعرض مكافأة كبيرة لمن يقدم أي معلومات عن الجنرال الاسرائيلي الأسير...خمسة ملايين ليرة لبنانية(كان الدولار أيامها أقل من ثلاث ليرات)...!!
والأن المنشورات تطالب الناس بالنزوح...والتوجه إلى الأماكن الٱمنة غربا...كذابون..بالأمس ارتكبوا مجزرة مروعة في المنطقة الٱمنة..سقط أكثر من مائة شهيد...ليس ثمة مناطق ٱمنة في قطاع غزة...الصواريخ لاحقت الناس في المدارس والمساجد والمستشفيات..حتى مراكز الأمم المتحدة لم تسلم من القصف...
الموت يعربد في شوارع غزة..وأعمال عزرائيل ( من اخترع هذا الاسم لملك الموت؟) تبدو مزدهرة جدا في قطاعنا الجريح...وصوت أبي مازال يتردد...أياك ان تموت بلا ثمن...اجعل لموتك ثمنا باهظا...لكنني لا اريد ان اموت يا أبي..!!!
إنها الحرب..لكنها مختلفة عن أي حرب أخرى...حرب تبدو بلا نهاية..!!
...غزة ليلا...
النازحون يتوجهون شمالا وشرقا...البعض يتوجه إلى بيروت والكثيرون إلى منطقة البقاع ومنها يغادرون إلى سوريا...يقولون إن ألاف الدبابات اجتاحت الجنوب وأنهم وصلو إلى نهر الأولى شمالي صيدا...هل يواصلوا زحفهم إلى بيروت؟؟؟ مئات الٱلاف تركوا بيوتهم في الجنوب...شاب لبناني كتب على سيارته...قصتنا طويييييلة!!!
لكن النزوح الٱن مختلف...النزوح الٱن بنكهة الموت...نزوح تحت النار...اتأمل المشهد امامي..كم مرة تكرر . ربما عشر مرات...النزوح يتكرر كل بضعة أيام...بات المشهد عاديا ..الناس تعتاد كل شيء...لكن هل يمكن أن تعتاد الموت .أن تتعايش مع فكرة الموت؟؟؟.. يسيرون كما لو كانوا في متاهه...بني اسرائيل تاهوا أربعين عاما في ستة أميال مربعة!!!كما تزعم التوراة!!! والٱن الناس تبحث عن مكان ٱمن في...ميل مربع واحد...!!! لكن الموت يلاحقهم...الصواريخ الأمريكية الذكية تلاحقهم...الأسلحة التى تعمل بالذكاء الاصطناعي تطالهم...أين المفر؟؟؟
...وشيخ يتقدم قافلة طويلة من النازحين يخطب ولا أحد يسمعه..." واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةو...".. ليس ثمة من ينصت إليه...فيصمت مغتاظا ...!!
...تتداعى الذكريات...على مرفأ بيروت يتوافد اللبنانيون لوداع الفدائيين...ياسر عرفات يرفع يده بشارة النصر فيما وليد جنبلاط يبكي ويمسح دموعه خفية...لكن كاميرات الصحفيين التقطت المشهد العاطفي...
...صبية تودع خطيبها ..تصرخ سأنتظرك ...لا تغب طويلا...سأنتظرك العمر كله...تجهش بالبكاء فيما هو يواصل صعوده إلى السماء...
...كانت تلك حربا وانتهت..مات من مات ونجا من نجا...كنت ممن نجوا...رافقتني العناية الإلهية فبقيت حيا...نعم كنت بلا شك محظوظا...والٱن ...مازالت كلمات أبي تلاحقني.. لا تمت بلا ثمن...لا يكون موتك مجانيا... وقوافل النازحين تترا...لكني لا اريد أن اموت يا أبي..لا أريد ان اموت...
ولكنها الحرب...حرب مختلفة عن أي حرب أخرى..حرب تبدو بلا نهاية. !!!



#بسام_ايو_شاويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عالم الطفولة “تردد قناة mbc3 الجديد” .. ذكريات الطفولة مع ال ...
- دي كيريكو: الفنان الذي ألهم السرياليين وكان أفضل من أي واحدٍ ...
- تردد قناة كوكي كيدز الجديد.. تابع اقوى أفلام الكرتون 24 ساعة ...
- بلاغ ضد منتج مصري شهير بتهمة السرقة
- تردد قناة كوكي كيدز الجديد.. تابع اقوى أفلام الكرتون 24 ساعة ...
- -كتاب الوصايا-.. شهادات مبدعات ومبدعين من غزة في وجه الموت
- اكتشاف ثكنات عسكرية وسيف لرمسيس الثاني في حصن الأبقعين بدلتا ...
- أغنيات شيرين -على البوتجاز-...الفنانة المصرية تطرح ألبومها ع ...
- عتمة المغيب
- وزير الثقافة الإيراني يعزي بوفاة الأديب اللبناني الكبير جورج ...


المزيد.....

- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام ايو شاويش - مشاهد عاديّة جدًّا