أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد القادر الفار - مذكرات تائب - ٣














المزيد.....

مذكرات تائب - ٣


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 00:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كانت طفولتي أشبه بزهرة تتفتح في بيئة ناعمة ودافئة، حيث نشأت في كنف بيت تملؤه عاطفة أمي الغامرة، التي لم يكن حضنها مجرد ملجأ، بل مدرسة للعاطفة والرؤية المثالية للحياة. ذلك الحنان اللامتناهي الذي غمرني منذ ولادتي شكّل جزءاً كبيراً من تكويني. ومع أن والدي كان مشغولاً في عمله كأي رجل ناجح يسعى وراء لقمة العيش وتأمين مستقبل عائلته (وهو ما كان فعلا حتى بعد وفاته بعشرين سنة) ، فلم يكن غائبًا عن حياتي، لكنه لم يخشنني رغم انه هو نفسه كان رجلا صلبا وقويا ولكن حياتي كان ينقصها تحفيز ذكوري حازم. وكنت أنظر إلى أختي الكبرى، التي تكبرني بعامين، كرفيقتي الأولى والمثالية؛ كانت قدوتي، وكنت أتشكل على صورتها، حتى باتت علاقتنا أشبه بعلاقة المرآة بالانعكاس.

لم يكن هناك الكثير من الذكور في حياتي، فلا أعمام أو أخوال ولا حتى أبناء عمومة أو خالة يشكلون تفاعلًا يوميًا. صحيح أنهم لم يكونوا غائبين تمامًا، لكن وجودهم (في تلك المرحلة تحديدا) كان ضئيلاً وغير مؤثر. بيئتي المدرسية كانت مختلطة، لكن حتى فيها كان الجو السائد ناعماً ومترفًا، والمعلمات كنّ أكثر حضوراً من المعلمين، فيما كان الذكور في المدرسة مثلي، ينحدرون من نفس البيئة المرفهة، مما جعل التنشئة الذكورية في حياتي شبه غائبة.

ما زاد من تشكيل تلك الطبيعة الرقيقة هو ما كنت أتابعه من مسلسلات كرتونية يابانية مدبلجة. كانت تملؤها العاطفة؛ قصص لأطفال يبحثون عن أمهاتهم، وكانت تلك اللحظات من الألم والفقد تشعرني بحزن عميق يدفعني للبكاء دون تردد. هذه العاطفة كانت جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي، وجعلتني أتعاطف مع كل شيء حولي بعمق لا يوصف.

لكن في نفس الوقت، كانت هناك نقطة ارتكاز أخرى في حياتي: سيارة والدي، حيث كانت الأشرطة التي اشتراها من مصر خلال دراسته في السبعينيات تصدح بأغاني عبد الحليم حافظ الوطنية. لم تكن تلك الأغاني مجرد أناشيد وطنية عادية، بل كانت مليئة بالعاطفة والانفعال الحقيقي. كان أبي يعيش تلك الأحلام الناصرية (صناعة كبرى ملاعب خضرا تماثيل رخام عالترعة واوبرا في كل قرية عربية) . ومع أنني كنت طفلاً صغيراً لا يدرك التعقيدات السياسية، فإن تلك الأغاني كانت تُنشئ في نفسي نوعاً من التقديس لعبد الناصر. وصار معيار "الحق" عندي مرتبطًا بتلك الشخصية، حتى أنني كنت أبتعد عن الملتزمين دينياً الذين لم يروا فيه البطل الذي رأيته. وجدت ضالتي بين اليساريين والقوميين، حيث كان هناك من يقدر عبد الناصر ويُعجب بتاريخه.

مع تلك الخلفية، لم يكن من المستغرب أن تنجذب نفسي الحساسة إلى الموسيقى. من عمر سبع سنوات، كنت أجمع الخيوط المطاطية على أوعية بلاستيكية محاولاً تقليد آلة العود. لم يمر هذا الشغف على والديّ مرور الكرام، فسارعا بشراء عود صغير لي، وسجّلاني في مركز لتعليم العزف. لم يكن والداي علمانيين، ولم يكن قصدهما استباحة الحرام، لكنهما، ككثير من الناس في ذلك الوقت، كانا يعيشان نسخة مخففة من الإسلام. كانت تلك الفترة في أوائل التسعينيات، حيث لم يكن ارتداء الحجاب ضروريا، وكانت مشاهدة التمثيليات التي تحتوي على مخالفات شرعية أمراً عادياً، وغير ذلك كثير. ودون أن يُنظر إليها على أنها خطيئة.

في المركز الموسيقي، كان المعلم مخلصًا ومحباً لي، بل وكان ولا زال ملتزما دينيا، وقد أتقنت العزف بسرعة حتى صار العود جزءاً من هويتي. أصبحت الموسيقى ما يميزني عن غيري. لكن لاحقاً، حين اكتشفت أن العزف على العود محرم في الإسلام، كان ذلك بمثابة صدمة كبيرة. في البداية أنكر قلبي تلك الحقيقة، ثم تحول ذلك الإنكار إلى تمرد داخلي على الدين الذي بدا وكأنه يحرمني مما يجعلني مميزاً. وجدت نفسي في مواجهة مباشرة مع ما كنت أعتقد أنه جزء من ذاتي المتحققة أمام الآخرين.

وفي المدرسة، كنت أدعى في الإذاعة المدرسية لأعزف وأغني فأقوم بمحاولة إبهارهم ب أغان لمارسيل خليفة، مثل "جفرا" و"ريتا البندقيه" و"وعود من العاصفة"، وما لبثت ان تعرفت الى الشيخ امام. (سيظهر زياد رحباني بعد مدة قصيرة وبمفارقة عجيبة ليجعلني انجذب لنموذج مختلف ونقدي تماما واكثر جاذبية، قد افرد له حلقة خاصة). لم يكن الأمر مجرد موهبة وإسماع واستماع إذا، بل كان بدايةً لتشكل اتجاهاتي الفكرية، حيث بدأت أتعرف على الأفكار اليسارية من خلال تلك الأغاني. شيئاً فشيئاً، وجدت نفسي أنجذب إلى الفكر اليساري والتمرد، بعيداً عن الدين الذي بدا لي في ذلك الوقت أنه يُقيّدني.

لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد. روحي المتمردة لم تجد ضالتها في اليسار فحسب، بل بدأت تبحث في كل مكان: من الفلسفات الوجودية إلى التصوف الباطني، ومن الطاوية إلى البوذية. كنت أبحث عن كل شيء عدا ما فُطرت عليه من دين الحق



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات تائب - ٢
- مذكرات تائب - 1
- لا أستحق الحياة
- صابر Sober - جزء ثان
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (7)
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (6)
- لا تخالف كي تُعرف (قصيدة)
- يا قوم قصوا لي لساني (قصيدة كاملة)
- يا قوم قصوا لي لساني ٤
- يا قوم قصوا لي لساني ٣
- يا قوم قصوا لي لساني ٢
- يا قوم قصوا لي لساني
- كنتُ أضرب الطين
- صابر Sober
- الجنة الأبدية - سان جانيبيرو
- زايون
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 6
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - الفصول الخمسة الأولى
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 5
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 4


المزيد.....




- ضجة يثيرها الداعية عثمان الخميس بفتوى عن لبس النبي محمد -حلّ ...
- إشارة قوية بدون تشفير “تردد قناة طيور الجنة 2024” على نايل و ...
- إسرائيل تضيق على الحجاج المسيحيين بالقدس
- ” أنا البندورة الحمرا” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد ...
- الضفة الغربية، إنزلاق نحو غزة ثانية؟.. تهويد المسجد الأقصى، ...
- رئيس منظمة العلاقات الإسلامية في إيران يدعو لتدعيم وحدة العا ...
- تير شتيغن يصف اختياره حارسا أول لألمانيا بعد 12 عاما من الان ...
- الكويت.. حبس مدرس -تربية إسلامية- مصري بسبب جريمة شائنة
- السيد الحوثي: نحن بحاجة الى احياء الروح الجهادية في اطار هذه ...
- حميدو الولد الشقي.. تردد قناة طيور الجنة بيبي 2024 على نايل ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عبد القادر الفار - مذكرات تائب - ٣