أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - مفهوم النظام الدولي و خصائص النظام العالمي الجديد















المزيد.....



مفهوم النظام الدولي و خصائص النظام العالمي الجديد


رياض طه شمسان
حقوقي و أكاديمي

(Reyad Taha Shamsan)


الحوار المتمدن-العدد: 8090 - 2024 / 9 / 4 - 15:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدكتور | رياض طه شمسان
النظام بالمفهوم العام يعبر عن مجموعة متكاملة من العناصر و المكونات التي لها علاقات واتصالات مع بعضها البعض و تشكل بمجملها وحدة معينة. و كل نظام يحتوي على هيكل داخلي يمثل وحدة تكوين النظام وبنيته التنظيمه. مفهوم النظام متعدد ويشمل جميع ظواهر العالم. و الأنظمة الاجتماعية هي من نوع الأنظمة المفتوحة ضعيفة التنظيم مقارنة مع الأنظمة الأخرى، التي تلعب العلاقات بين عناصرها دورًا أكبر من العلاقات مع البيئة الخارجية. الأنظمة الاجتماعية منفتحة، قابلة للأختراق لأن التفاعل مع البيئة الخارجية أهم بالنسبة للنظام من العلاقات بين العناصر.
و العلاقات الدولية هي علاقات اجتماعية، لذلك فإن الأنظمة الدولية هي أنظمة اجتماعية، و لهذا يجب اعتبارها أنظمة تكيفية معقدة، وتحليلها ليس تحليلاً للأنظمة الميكانيكية. و النظام الدولي هو نظام اجتماعي من نوع خاص، يتميزبمستوى أقل من الاندماج للعناصر في وحدة الكل ، فضلا عن المزيد من الاستقلالية للعناصرة المكونة .
العناصر الرئيسية للأنظمة الدولية تتمثل في المجتمعات والجماعات والأفراد، مما يعني هذا أن الأنظمة الدولية هي أنظمة للتفاعل بين الأشخاص تسترشد في أفعالها بالوعي و الإرادة والتوجهات القيمية وما إلى ذلك. و وفق رأي بعض المتخصصين في علم العلاقات الدولية ترتبط العوامل المحددة للنظام الدولي بظواهر الاختيار والتحفيز والإدراك.
و العلاقات الدولية من حيث المضمون هي أيضاً علاقات سياسية جوهرها يظل التفاعلات بين الدول. ولذلك فإن جوهر النظام الدولي هو نظام العلاقات بين الدول. وتتميز العلاقات الدولية ليس فقط بتضارب المصالح، بل أيضًا بالترابط بين الجهات الفاعلة. و جميع أنظمة العلاقات الدولية في جميع مراحل تاريخ العلاقات الدولية تنتمي إلى فئة الأنظمة ذات الآلية التنظيمية العفوية. ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه في جميع الأنظمة الدولية للعلاقات الدولية لا يوجد مركز تنظيمي واحد.
و نظام العلاقات الدولية، مثله مثل أي نظام، يعمل على أساس مبدأ التوازن الديناميكي. هذا التوازن في النظام الدولي يعتمد على التوازن بين جانبين متعارضين: التقلب والاستقرار. و ضمان عمل نظام العلاقات الدولية، كأي نظام آخر، هو قانون الحفاظ على التوازن الديناميكي. أي إن وجود توازن سياسي معين بين الدول باعتبارها الجهات الفاعلة الرئيسية في أي نظام دولي في أي مرحلة تاريخية هو الشرط الأساسي لعمله الطبيعي. و يكون النظام في حالة توازن ديناميكي، و يختل التوازن بين الحالات باستمرار، ثم يتم استعادت التوازن على أساس جديد، ليختل مرة أخرى وهكذا إلى ما لا نهاية. و يحدث هذا بسبب التطورات في مختلف المجالات في الحياة الدولية و وجود قوى متعارضة مختلفة في نظام العلاقات الدولية لا توازن بعضها البعض من حيث القوة إلا في حالات نادرة. و يبدأ الأختلال في توازن النظام من خلال عملية تناقض الأفعال السياسية للدول التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، والتي لا تتطابق دائمًا مع أهداف السياسة الخارجية للدول الأخرى. وفي مجال هذه التناقضات يؤدي فعله قانون التوازن الديناميكي . ويتحرك النظام نحو حالة التوازن من خلال عدد من حالات عدم التوازن، في حين أن حالة التوازن المطلق لا يمكن تحقيقها.
ويتحقق التوازن الديناميكي في العلاقات الدولية على الواقع العملي من خلال توازن الإمكانات العسكرية والوزن السياسي ونفوذ الدول المدرجة في النظام، وفي المقام الأول القوى العظمى، في كل مرحلة تاريخية معينة من الزمن. و يتمثل توازن القوى بحشد قوى الدول منفردة، أو بالتحالف مع غيرها من الدول و إنشاء الأحلاف ضد منافسيها. وحالة توازن القوى تؤدي إلى استقرار التفاعلات السياسية الدولية، وعدم توازن القوى و رغبة دولة أو أكثر في تغييره لصالحها عن طريق العنف يؤدي إلى نشوب الصراعات والحروب، و هذا عادة ما يحصل إما لتحقيق مصالح وأهداف توسعية، أو طلباً لاستعادة حالة التوازن. والأهم للدول، أن يظل القدر الأكبر من الأمن في توازن القوى أو في القوة المتوازنة، أكثر مما هو الحال في إعلان النوايا الحسنة. و كل نظام للعلاقات الدولية يظل قائماً دون تغير طالما و علاقة توازن القوى السائدة فيه لا تتعارض مع الحقائق التاريخية و المعطيات الجديدة.
و في كل حالة تاريخية محددة للنظام الدولي، يمكن التعبير عن قانون التوازن الديناميكي بأشكال مختلفة. تاريخياً، كان الشكل الأكثر شيوعاً هو توازن القوى. وتجدر الإشارة إلى أن توازن القوى يعد من أهم الأنماط العالمية لتطور العلاقات الدولية بشكل عام، و لكن في العصر الراهن أصبح لعدد من الأعتبارات توازن مصالح جميع الدول يحتل أهمية أكثر و أكثر و أوسع.
و بشكل موازي إلى جانب توازن القوى يقوم ما يطلق عليه توازن الرعب النووي بضمان الاستقرار بين الدول النووية. وهي الحالة عندما لا يملك فيها أي طرف قدرة المخاطرة في تدمير الطرف الآخر، خوفاً من التدمير المتبادل. ولا يتطلب ذلك التكافؤ من حيث الكم في الوسائل النووية، ولكن وجود الحد الأدنى يعد كافياً لحدوث هذا التوازن. وقد ينشأ هذا التوازن حتى في غياب توازن القوى غير النووي.و يعتبر توزيع القوة داخل النظام الدولي من أهم العوامل المحددة لمسار العلاقات الدولية بين الفاعلين على الساحة الدولية و أهم مكون لعملية التوازن الديناميكي. و تقوم المعاهدات والاتفاقيات الدولية بالترسيخ القانوني لموازين القوى التي تظهر في كل مرحلة تاريخية معينة. على سبيل المثال، لخصت معاهدات فيينا (1814-1815) العلاقة بين الدول في أوروبا بعد الحروب النابليونية. معاهدة فرساي عززت توازن القوى في العالم بعد الحرب العالمية الأولى. نتائج الحرب العالمية الثانية تم تلخيصها في اتفاقيتي يالطا وبوتسدام.
و بعد الحرب العالمية الثانية، أدت المواجهة بين النظامين بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة إلى توازن القوى. و من خلال توازن القوى و السيطرة على الحلفا ء تمكنا النظامين من الحفاظ على النظام الدولي و إيجاد حالة من الاستقرار العالمي. و لكن، انهيار الكتلة السوفييتية أدى إلى تدمير توازن القوى السابق وزعزعة استقرار النظام الدولي برمته. وما زال يواجه المجتمع العالمي و حتى اليوم مشكلة كيفية إجراء عملية انتقال منظم إلى نظام جديد، و بناء نظام جديد للتوازن الديناميكي.
و هنا يجب الإشارة إلى أن في كل فترة زمنية على حدة، تتطور نوعية معينة من التفاعلات بين المشاركين الرئيسيين في العلاقات الدولية وتكتسب هذه العلاقات (هيكلاً) خاصاً بها و بالتالي على أساسه يتحدد الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني الناظم للعلاقات الدولية، وهو ما يسمى عادة بالنظام الدولي (لهذه الفترة أو تلك من التطور التاريخي للعلاقات الدولية)، و يختلف كل نظام في كل مرحلة عن الآخر في تكوينه المؤسسي والقانوني.
و هيكل نظام العلاقات الدولية يقصد به ترتيب المكونات و يمكن فهمه في ذات الوقت على أنه وسيلة خاصة للتواصل أو العلاقة داخل النظام بين الدول وغيرها من الأشخاص المشاركين في العلاقات الدولية. و طبيعة الروابط والعلاقات القائمة بين القوى الرائدة الدولية في كل مرحلة تاريخية محددة لها أهمية كبيرة في التراتبية الهيكلية . لأن التراتبية الهيكلية هي من تحدد أليات حركة الدول ، ونطاق فعلها، وإستراتيجيات تحقيق أهدافها، و تعتمد هذه التراتبية على القوى الأكثر فاعلية و تأثيراً في النظام الدولي، و قد شهد تاريخ العلاقات الدولية صعود و هبوط و اختفاء الدول و أنهيار الأمبراطوريات و ظهور أمبراطوريات و دول جديدة. و هذه الحركة الديناميكية للدول تحصل نتيجة لمجموعة من المتغيرات و المؤثرات و العوامل الداخلية و الخارجية تتفاعل فيما بينها و تحدد بمجملها سمات هيكل النظام الدولي في كل مرحلة تاريخية محددة. و جميع العوامل في البيئة الدولية دائماً ما تؤثر على الدول والمناطق والنظام الدولي ككل، مما يؤدي إلى تحول في نظام العلاقات الدولية.
و في علم العلاقات الدولية، عادة ما يتم التمييز بين ثلاثة أنواع من هياكل الأنظمة الدولية: "متعددة الأقطاب" و"ثنائية القطب" و" أحادية القطب". أساس التصنيف هو عدد القوى العظمى المدرجة في هذا الهيكل. و ضمن النظام الدولي تدخل أيضاً الأنظمة الإقليمية كأنظمة فرعية، باعتبارها مكونات مستقلة نسبيًا للنظام الدولي للعلاقات الدولية، و التي تمتلك جانبان مترابطان: النظام الإقليمي بحد ذاته، الذي يتميز بدرجة عالية من تطور العلاقات الخاصة بين الدول المشمولة في النظام والسياسة الخارجية التي تحددها الدول المعنية، وكذلك النظام الدولي العام. و يمكن للعلاقات على مستوى النظام الدولي أن تؤثر على تشكيل مسار السياسة الخارجية لهذه الدول بشكل مباشر و غير مباشر. و مع تحول نظام العلاقات الدولية إلى نظام عالمي، زاد الاعتماد الوظيفي لعلاقات النظام الإقليمي على العلاقات على مستوى النظام الدولي بأكمله، وبعبارة أخرى، على طبيعة التفاعل بين الدول وتوازن القوى على المستوى العالمي.
و قبل الحديث عن تفاصيل النظام العالمي الجديد ينبغي الإشارة إلى أن مفهوم النظام الدولي في باللغة العربية أولاً: يحمل عدد من المعاني باللغة الإنجليزية، system international ، Order International ، Regime International و كل معنى له مضمون مختلف. و ثانياً: مفهوم النظام تتعدد معانية في سياق السياسة الدولية و للنظم أشكال عدة. و ثالثاً: في الخطاب السياسي و الإعلامي و أحياناً المراجع العلمية لا يتم التفريق بين النظام الدولي و النظام العالمي على الرغم من وجودالأختلاف في المعنى. و السبب في استخدام المفهومين يعود في الحالة الأخيرة إلى إن مفهوم النظام الدولي تم أستخدامه في الأدبيات العلمية و الخطاب السياسي، عندما كانت الدول وحدها هي الفواعل في النظام و عندما توسعت البيئة الدولية لتظم جميع دول العالم و فاعلين من غير الدول تحولت التسمية إلى النظام العالمي.
و بشكل عام النظام الدولي للعلاقات الدولية (system international) هو عبارة عن شكل تاريخي ملموس ومحدد للتنظيم السياسي للعلاقات الدولية، و يستند من الناحية القانونية على المعاهدات والاتفاقيات الدولية و من الناحية السياسية يعكس توازن القوى وخصوصيات العلاقات بين الدول المدرجة في النظام، و يتضمن عدد من الأشخاص (الفاعلين) و المكونات و مجموعة معقدة للغاية من العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي، تقوم على تفاعل عوامل غير متجانسة في أغلب الأحيان، وأهم دور تلعبه نسبة الإمكانيات الإجمالية للمشاركين المنفردين و الترتيب الهرمي المبني عليها (أي وضع الدول في البنية الدولية)، وكذلك مبادئ وقواعد هذه العلاقات، و تتداخل و تتبادل فيه وظيفياً عدد من العوامل الاقتصادية و الجيو سياسية و العسكرية و غيرها من العوامل. و تجدر الإشارة هنا إلى أن النظام الدولي للعلاقات الدولية يمر حالياً في الفترة الأخيرة من عملية الانتقال من فترة ما بعد الحرب الباردة. و من أهم السمات المميزة للنظام الدولي تعدد السيادات، وانخفاض مستوى المركزية. و انخفاض مستوى المركزية في النظام الدولي يكمن في أن الدول تشكل وحدات مستقلة من حيث السلطات و الصلاحيات و الموارد داخل النظام، الذي منذ نشأته أسس على تنظيم لا مركزي بدون سلطة مركزية تعلو سلطة الدول، و في نفس الوقت تكون الدول مقيدة بالالتزامات الدولية التي عبرت عنها بإرادتها في إطار التعاون الدولي من أجل تحقيق التنمية و حفظ الأمن و السلام الدوليين و احترام ميثاق الأمم المتحدة.
و تتركز المركزية في النظام الدولي فقط في مجال التفويض، الممنوح من قبل الدول للمنظمات الدولية، التي تنبثق عن إرادة الدول الأعضاء و في مجالات محددة ممايمكنها من أمتلاك سلطة محدودة تجبر الشركاء فيها من الدول على الالتزام بالقوانين التأسيسية والاستجابة لقراراتهاها، و خاصة في مجال القضايا ذات الأهمية العالمية المتعلقة بالأمن الدولي و حقوق الإنسان و حماية البيئة و غير ذلك.
و في هذا السياق يجب الإشارة إلى أن هيكل نظام العلاقات الدولية معقد التركيب و متعدد المستويات. ويشمل العديد من الأشخاص التي تفصلها حدود الدول وتختلف في وضعها وقدراتها وأهدافها، فضلاً عن العلاقات بينها، والتي تشمل جميع مجالات المجتمع تقريبًا. وتشكل الدول ذات السيادة العناصر أو الأشخاص الرئيسية لجميع أنواع الأنظمة الدولية للعلاقات الدولية في مختلف المراحل التاريخية للعلاقات الدولية. المكانة الرائدة من بين مجموعة الدول تحتلها الدول القوية أو ما يسمى بالقوى العظمى. و المحددات الموضوعية، اللازمة لكي تكتسب الدولة مكانة القوة العظمى هي العوامل الجيوسياسية و حجم الإقليم للدولة، عدد السكان، الموقع الجغرافي الملائم، الوصول إلى البحار المفتوحة، ثروة الموارد الطبيعية، الإمكانات السياسية والاقتصادية والعسكرية القوية للدولة، والمستوى العالي من التطور الثقافي والروحي والأخلاقي لشعبها …إلخ.
و مفهوم القوة في العلاقات الدولية يتمثل في قدرات الدول على فرض إرادتها على الدول الأخرى لتحقيق مصالحها وأهدافها. و ضمن مكونات القوة يدخل الموقع الجغرافي، والموارد الطبيعية (المواد الخام، والطاقة، وما إلى ذلك)، والإمكانات الاقتصادية، وكمية ونوعية القوات المسلحة، والموارد البشرية، ونوعية ومستوى الحكومة، والخصائص القومية، وما إلى ذلك.
وفي المراحل التاريخية المختلفة، حيث كانت أهمية هذه المكونات مختلفة لفترة طويلة أستمرت حتى منتصف القرن العشرين كانت القوة العسكرية هي المهيمنة. ومع تطور العلم والتكنولوجيا في مختلف المجالات زاد دور العامل الاقتصادي. و تفاعل العوامل المختلفة في نهاية المطاف يشكل ما يمكن أن يطلق عليه القوة الإجمالية للدولة. ولا يمكن تحديد قوة الدولة بشكل صحيح من خلال بعض الصيغ الرياضية أو العمليات الحسابية، ولا يمكن الكشف عن القوة الحقيقية للدولة إلا من خلال اختبارها، واختبارها و مقارنتها مع قوة دولة أخرى. وفي ظل ظروف معينة، قد تتعرض القوى القوية للهزيمة عسكرياً على يد دول تعتبر أضعف. على سبيل المثال، في النصف الثاني من القرن العشرين، هزمت الولايات المتحدة في الحرب مع فيتنام، والاتحاد السوفييتي - مع أفغانستان.
و عندما تتجاوز مصالح القوى العظمى الحدود الإقليمية، وإذا امتلكت هذه الدول ما يكفي من القوى والموارد لتحقيق مصالحها العالمية، فإنها تصبح قوى عالمية. على سبيل المثال بريطانيا العظمى وفرنسا في بداية القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية - الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.
و على الواقع العملي أساس جميع أنواع النظام الدولي للعلاقات الدولية والعامل الرئيسي لبقاءها مستقرة في أي مرحلة من مراحل تطور العلاقات الدولية هو توازن القوى، ومع تغير اصحاب القوة من الدول يتغير شكل النظام، ومع انتهاء كل مواجهة بين دول كبرى تظهر تحولات رئيسية في توزيع القوة والقواعد التي تحكم التفاعلات الدولية، ويؤدي هذا التوزيع الجديد إلى إنتهاء مؤسسات النظام الدولي القديم لتحل مكانها مؤسسات جديدة تبلور نظامها الخاص.
و بالإضافة إلى الفاعلين الدوليين ضمن مجموعة العناصر أو المكونات للنظام الدولي للعلاقات الدولية يدخل النظام القانوني الدولي Order International.
في الواقع العملي ، المنظمان الرئيسيان للعلاقات بين الدول هما نظام توازن القوى والنظام القانوني الدولي.
النظام القانوني الدولي يتجسد بالنتيجة الفعلية لآلية عمل القانون الدولي، التي تنعكس في مجمل العلاقات بين الدول، والتي تتمثل في أنشطتها على المستوى الدولي، والتي تنظمها مبادئ و قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمصالح والقيم المشتركة والوطنية. وعلى هذا النحو، فهو كنظام قائم بذاته يتمتع بوحدة داخلية للمحتوى والبنية والعناصر. محتوى النظام القانوني الدولي يتمثل بالممارسات المشروعة لأشخاص التفاعل؛ وبناء على هذا، فإن الممارسات غير القانونية التي قد تسلكها بعض الدول تؤدي إلى انتهاكه. و ضمن بنية النظام القانوني الدولي تدخل مجالات العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والتجارية والبحرية والجوية والفضاء، بالإضافة إلى أنشطة الدول في مسائل مكافحة الجريمة والإرهاب والتطرف و الفساد ، وضمان الأمن في العالم.
و قد أرسى القانون الدولي، وخاصة مع اعتماد ميثاق الأمم المتحدة، مبادئ عادلة للعلاقات بين الدول والشعوب، و جسد نموذجا معياريا وقانونيا للنظام القانوني الذي يلبي مصالح جميع الدول والشعوب وحقوق الإنسان.
و في كثير من الحالات النظام القانوني الداخلي للدول يعتبر أيضاً و أن كان بمستويات مختلفة بين دولة و أخرى إلى حد ما أحد المكونات للنظام القانوني الدولي، لأن كثير من قواعد القانون الدولي مكرسة لتسوية العلاقات الاجتماعية على مستوى الدول التي تحمل أهمية دولية. و بدون التفاعل البناء بين النظامين القانونيين الدولي و الوطني يصبح من الصعب على القانون الدولي إداء وظيفته في التسوية القانونية للعلاقات الدولية و خاصةالداخلية ذات الصفة أو الطابع الدولي.
و توازن القوى في العلاقات الدولية الذي يمثل توزيع النفوذ العالمي بين مراكز القوى الفردية، والتي تسمى الأقطاب يهدف بشكل أساسي إلى إنهاء هيمنة دولة واحدة أو مجموعة دول على النظام الدولي و إلى ضمان الحفاظ على النظام العالمي وعادة ما يرتبط تطور المجتمع الدولي بالانتقال من توازن القوى إلى التنظيم القانوني الدولي.
فعالية هذين المنظمين : النظام الدولي القانوني و نظام التوازن الدولي ، في ضمان الأمن والاستقرار في العلاقات الدولية، يكمن في "إن نظام القانون، حسب هانز كيلسن، "يتميز بخضوع الناس ليس لأشخاص آخرين، ولكن للقواعد القانونية." وفي القانون الدولي أيضًا، هناك خضوع للأشخاص ليس لبعضهم البعض، بل لقواعد القانون، والقانون الدولي، مثله مثل القانون الوطني، هو "نظام قسري". و تطبيق المعايير القسرية لا يتم من قبل أي سلطات مركزية، ولكن من قبل أعضاء المجتمع الدولي أنفسهم و يتمثل بإتخاذ عدد من الأجراءات ، و حصراً في إطار القانون الدولي، و توازن القوى بدوره يخلق حالة من الاستقرار في البيئة الدولية.
طبيعة علاقة المشاركين في هيكل العلاقات الدولية في هذه المرحلة أو تلك من مراحل التطور و العلاقة مع المكون القانوني تشكل خاصية معينة من التفاعلات و تكتسب هذه التفاعلات بنية خاصة تسمى عادة بنظام الحوكمة الدولي Regime International و الذي يشكل هو الآخر أحد المكونات المهمة للنظام الدولي للعلاقات الدولية.
طبعاً الحديث هنا لا يدور عن وجود أو حتى بداية نشوء الحكومة العالمية و بالتالي الحديث عن نظام الحكم السياسي، و إنما عن الحوكمة الذاتية ، التي ينبغي فهمها على أنها مجموع من القواعد المحددة و الأساليب و الطرق والتقنيات التي يستخدمها المجتمع الدولي بناءً على التوافقات و التفاهمات المتبادلة في أتخاذ القرارات و إدارة الأحداث في مجال معين من العلاقات. ومن المفترض أن يتم تطوير هذه القواعد و الأساليب و الطرق والتقنيات مع الأخذ بعين الاعتبار أهداف ومصالح مختلف الجهات السياسية الفاعلة.
و نظام الحوكمة بحد ذاته يشكل الجانب الديناميكي و الحالة الوظيفية الخاصة للنظام الدولي للعلاقات الدولية الناتجة عن تفاعل جميع عناصر و مكونات النظام الدولي، الذي من خلاله يمكن التأثيرعلى سلوك الدول وغيرها من أشخاص القانون الدولي ، و الذي تمارسه الدول بشكل مشترك، عادة بمساعدة القانون الدولي، من أجل تلبية مصالحها الوطنية والدولية و الحفاظ على بقاء النظام.
و تجدر الإشارة إلى إن نظام الحوكمة الدولي يفرض بعض الإجراءات ويحظر بعض السلوكيات و التصرفات و يتضمن مجموعة من الالتزامات، على الرغم من أن الالتزامات لا يتم إنفاذها من خلال نظام قانوني هرمي كما هو الحال على المستوى الداخلي للدول.
و حالياً يرتبط تكوين النظام الدولي للحوكمة وتطويره عمله بحقيقة أن تفاعل الدول أصبح أعمق وأكثر تنوعًا بشكل متزايد أكثر من أي وقت مضى. ومن أجل تطورالتفاعل الطبيعي، من الضروري ضمان مستوى عالٍ جدًا من وحدة السلوك الملزم بشكل عام للدول ذات السيادة، لأن وجود نظام الحوكمة الدولي الفعال هو شرط أساسي لضمان السلام وتطوير التعاون الدولي وضمان الحقوق السيادية والمصالح المشروعة للدول والشعوب في المرحلة الراهنة. و هذا يتطلب بدرجة رئيسية سيادة القانون على المستووين الوطني و الدولي و عدم إزدواجية أو تعدد المعايير. و مفهوم "نظام الحوكمة الدولي " من الناحية العملية يمكن أن يساعد في فهم طبيعة العلاقات بين أشخاص القانون الدولي ليس من خلال العمليات الحسابية أو الإحصائيات، بل من خلال الديناميكيات، حيث يسعى النظام الدولي لضمان نظام معين في العلاقات الدولية من خلال التنظيم السياسي. و التنظيم السياسي يتجسد بعدد من الأشكال - الإكراه والعنف والإقناع وتنسيق المواقف والتسوية. وفي الماضي، كان القانون الدولي الكلاسيكي يعترف بكلا الشكلين على قدم المساواة. وفي الوقت الحاضر، يحظر القانون الدولي استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. وأصبحت التسوية ذات أهمية حاسمة بالنسبة للنظام الدولي الدولي للعلاقات الدولية.
و من أجل تمييز مفهوم النظام الدولي للعلاقات الدولية بشكل عام عن مفهوم عناصره المكونه المتمثلة بالنظام القانوني الدولي و نظام الحوكمة الدولية و تحديد أنواع الأنظمة الدولية للعلاقات الدولية المتشكلة تاريخياً ، ينبغي أولاً: الإنطلاق من فهم وظيفة النظام السياسي للمجتمع. و وظيفة النظام السياسي الاجتماعي باختصار تكمن في تنظيم الحياة الاجتماعية على مستوى الدول و تحديد كيفية توزيع السلطة والحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع على أساس بعض القواعد ( القوانين التي تشرعها الدول) والقيم العامة ( المعاييرالثقافية والأخلاقية و الدينية، وما إلى ذلك).
و يعتقد العديد من العلماء أن "نظام العلاقات الدولية" أكثر تعقيدًا من كونه مجرد نظام سياسي، لأن على الساحة الدولية، ليس فقط قد تتعارض و تتناقض و تتقارب و تتقاطع مصالح الدولة الوطنية المختلفة، في الصراع، ولكن هناك قوى و أنظمة متنوعة و متعارضة ، بما في ذلك جميع مختلف أنواع التكلات، والتحالفات للدول، التي تمتلك آراء متفاوتة وتتبنى مواقف متعارضة. بالإضافة إلى ذلك، يقوم النظام الدولي على مركب عضوي من القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية والأيديولوجية لمختلف البلدان والشعوب. و يشمل مجالات عديدة- اقتصادية، ودبلوماسية، وسياسية، وعسكرية، وثقافية، وغيرها.
و قياساً بالنظام السياسي للمجتمع داخل الدول مفهوم " النظام الدولي للعلاقات الدولية " يشير إلى مجتمع سياسي اجتماعي عالمي يتكون من مجموعة من الأشخاص الاجتماعية المختلفة (الجهات الفاعلة) التي تعمل على الساحة الدولية، و يتميز النظام الدولي للعلاقات الدولية عن النظام السياسي للمجتمع بغياب سلطة مركزية واحدة، وبمجموعة متنوعة من القيم المتباينة، فضلا عن غياب هيئة عليا من شأنها أن تحدد شرعية أو عدم قانونية تصرفات المشاركين في العلاقات الدولية، لكن لا يعني هذا سيادة الفوضى المطلقة، فقد شهدت العلاقات الدولية من بداية نشأتها رغبة المجتمعات البشرية في التنظيم الواعي للعلاقات المتبادلة بين كيانتها منذ ما قبل ظهور الدول الوطنية، والذي كان يرتكز على الحاجة العامة للمشاركين فيها إلى الأمن والحماية و الحفاظ على البقاء. ومع زيادة مستوى تطور العلاقات الدولية، هذه الرغبة وجدت تعبيراً لها في التطوير المتزايد لقواعد القانون الدولي، وإنشاء المنظمات والمؤسسات الدولية، وتعزيز دورها في استقرار الحياة الدولية، وأخيرا، حسب رأي الغالبية العظمى من الخبراء في العلاقات الدولية أدى هذا المسار إلى التشكيل التدريجي للمنظومة الدولية المتكاملة.
و مثل العلاقات السياسية داخل الدولة، تشكل العلاقات الدولية نظامها الخاص في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي و السياسي. و قد شهدت العلاقات الدولية في عملية تطورها، مراحل تاريخية مختلفة، فقد تغير دور بعض أشخاصها (الدولة، والشعب، والأمة، والكنيسة) والمبادئ الأساسية للعلاقات بينهما (العلاقات الأسرية والتابعية، والتضامن الديني والوطني والأيديولوجي، وما إلى ذلك). وعادة ما يطلق على النظام الحديث للعلاقات الدولية نظام "مركزية الدول"، حيث أن الدور الرئيسي فيه تلعبه الدول الوطنية المستقلة التي تتمتع بالسيادة وتسترشد في علاقاتها مع بعضها البعض، في المقام الأول، بمصالحها الوطنية. والرأي السائد في الزمن المعاصر بين علماء العلاقات الدولية هو أن تشكل هذا النظام بدأ مع صلح وستفاليا عام 1648، الذي أنهى حرب الثلاثين عاماً في أوروبا. ويعتقد أنه هو الذي عزز أولوية سيادة الدولة في العلاقات الدولية. ومنذ ذلك الحين، مر نظام العلاقات الدولية بالمراحل التالية في تطوره:
- النظام الويستفالي للعلاقات الدولية – و يمتد من صلح وستفاليا عام 1648 إلى قرارات مؤتمر فيينا عام 1815، الذي عزز توازن القوى الجديد في أوروبا والعالم بعد الانتصار على نابليون. المبادئ الأساسية لهذا النظام هي توازن القوى، وأولوية سيادة الدولة والمصالح الوطنية على الروابط الدينية والتعهدات الإقطاعية.
- نظام فيينا للعلاقات الدولية – منذ مؤتمر فيينا عام 1815 وحتى الحرب العالمية الأولى. وعلى النقيض من نظام ويستفاليا للعلاقات الدولية ، لم تكن عناصر نظام فيينا عبارة عن دول فحسب، بل كانت أيضًا تحالفات من الدول. و كان أحد أسس الوفاق الأوروبي هو مبدأ الحفاظ على توازن القوى. و المسؤولية تقع عن ذلك على عاتق الدول الكبرى. وفي هذه المرحلة، أصبحت الدبلوماسية المتعددة الأطراف تحتل أهمية كبيرة. و قد لعبت إلى جانب الدول القومية، التحالفات والائتلافات بين الدول دورًا مهمًا. و أن كان قد تم قبل ذلك، إنشاء مثل هذه التحالفات ، و لكن على أساس اتفاق الأسر الحاكمة و لفترات قصيرة و عاةً في زمن الحروب فقط. بينما في مؤتمر فيينا، أنشأت القوى الخمس الكبرى التي هزمت نابليون التحالف المقدس (أو كما كان يطلق عليه في كثير من الأحيان الوفاق الأوروبي) للحفاظ على توازن جديد للقوى في أوروبا - وهو التحالف الذي استمر أكثر من نصف قرن ويعتبره العديد من المفكرين في أوروبا النموذج الأولي للاتحاد الأوروبي الحديث. وعندما انهار هذا التحالف نتيجة لحرب القرم، تم تشكيل تحالفين متنافسين بدلاً عنة - التحالف السياسي العسكري بين ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا والتحالف العسكري السياسي بين الإمبراطورية البريطانية وفرنسا، الذي أدت المواجهة بينهما في النهاية إلى الحرب العالمية الأولى.
و تجدر الإشارة هناإلى أن نظامي وستفاليا وفيينا للعلاقات الدولية كانا أوروبيي المركز. و مبادئهم كانت فقط تطبق على الدول الأوروبية. بينما تم إعلان دول وشعوب في أجزاء أخرى من العالم "غير متحضرة". ولذلك، لم يتم الاعتراف بحقوقهم في السيادة والمصالح الوطنية، ونتيجة لذلك أصبح معظمهم أهدافًا للتوسع الاستعماري من قبل القوى الأوروبية.
- نظام فرساي-واشنطن للعلاقات الدولية – تشكل في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. و تعود هذه التسمية إلى معاهدة فرساي للسلام عام 1919 بين دول الوفاق المنتصرة وألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى، بالإضافة إلى مؤتمر واشنطن عام 1922 الذي وضع أسسه. ومن السمات المميزة لهذا النظام نمو المشاعر السلمية (المناهضة للحرب) في مجتمعات العديد من البلدان، بسبب حجم كوارث الحرب العالمية الأولى، والرغبة في منع حرب جديدة والإدانة العامة للعمليات العسكرية والعدوان كوسيلة للسياسة الدولية. و لحل النزاعات والصراعات الناشئة بالوسائل السلمية، و تم إنشاء عصبة الأمم - كأول منظمة عالمية في التاريخ، توحد جميع دول العالم الموجودة في ذلك الوقت تقريبًا (وليس فقط الدول الأوروبية). وفي الوقت نفسه، تميز نظام فرساي-واشنطن بعدم الاتساق وعدم الاستقرار. و تم استبعاد ألمانيا والدول الأخرى التي هزمت في الحرب العالمية الأولى، منها، وكذلك الدول الصاعدة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. و هذا ما عمل على تزايد المشاعر الانتقامية في الدول المهزومة والرغبة في تدمير هذا النظام ، الذي كان يعني لها إذلالاً وطنياً و تقييداً للسيادة، مما دفعها إلى طريق العدوان الخارجي. و عجز القوى الرائدة في نظام فرساي-واشنطن وعصبة الأمم عن صد المعتدين بشكل حاسم وسياسة “الاسترضاء” أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي دمرت هذا النظام.
- نظام يالطا – بوتسدام للعلاقات الدولية – منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى موقعي إنعقاد مؤتمرين لدول التحالف المناهض لهتلر، التي ثبتت نتائج الحرب العالمية الثانية. وقد تميز هذا النظام بدرجة شديدة من الطابع الإيديولوجي للعلاقات الدولية بين الدول الغربية التي دافعت عن مبادئ الديمقراطية الليبرالية والسوق الحر، بقيادة الولايات المتحدة التي حلت محل بريطانيا العظمى الضعيفة، وكتلة الدول الأخرى بقيادة الاتحاد السوفييتي التي نشرت مبادئ الاشتراكية الإدارية المبنية على الأيديولوجية الماركسية اللينينية، و تطورت مواجهة أيديولوجية وسياسية وعسكرية طويلة الأمد، سميت ب "الحرب الباردة". و قد دفع التهديد بالتدمير الشامل المتبادل المؤكد في حالة نشوب حرب نووية( الرعب النويي) قادة الكتلتين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، مما جعل من الممكن تجنب صدام واسع النطاق وحرب عالمية جديدة. ومع ذلك، فقد تطور بينهما سباق تسلح خطير ومكلف اقتصاديًا، فضلاً عن المنافسة النشطة على النفوذ في الدول المستقلة حديثًا. و أصبحت الأمم المتحدة، التي خلفت عصبة الأمم، الأداة الرئيسية للحفاظ على السلام خلال هذه الفترة. و أنشأت هذه المنظمة توازن القوى والمصالح بين الكتل المتعارضة، مما سمح لها بحل النزاعات الدولية بشكل فعال إلى حد كبير.
- نظام العلاقات الدولية الحديث "لما بعد القطبين"، الذي تشكل منذ عام 1991، عندما أختفى أحد أقطاب نظام الثنائية القطبية نتيجة لانهيار المعسكر الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي نفسه. الولايات المتحدة، التي أصبحت القوة العظمى العالمية الوحيدة، اظهرت ميلاً نحو الهيمنة في السياسة الدولية من خلال ممارسة بعض السلوكيات و التصرفات و أتخاذ بعض الإجراءات التي تتجاوز فيها الأمم المتحدة، والتي فقدت هذه المنظمة فعاليتها السابقة بشكل كبير في الظروف الجديدة. وفي القيادة الأميركية برز تنافس بين اتجاهين من الأستراتيجيات. الأولى: تقوم على فرضية أن الولايات المتحدة، باعتبارها الدولة الأقوى والأكثر تقدماً في العالم، يجب أن تتولى المسؤوليات الرئيسية للحفاظ على السلام والازدهار في جميع مناطق العالم و الحفاظ على الأحادية القطبية و عقد تحالفات إيديولوجية اقتصادية وعسكرية مع دول محورية، و احتواء الصين و تقوية التحالفات و الأنفتاح على شركاء جدد و تقليص نفوذ الخصوم و توسيع حلف الناتو و نشر القيم الديمقراطية و تغيير الأنظمة الاستبدادية و الدكتاتورية في العالم. و الثانية: تركز على الأهتمام بالقضايا الداخلية و تنمية قوة أمريكا، و إعطاء الأهتمام أيضاً للشؤون الدوليةعلى أساس عدم الأنفاق على المؤسسات الدولية التي فقدت دورها في السياسة الدولية و التخلي عن سياسةالتحالفات التي تكلف الولايات المتحدة أموال طائلة و تحد من حرية المناورة الدبلوماسية، و السعي نحو إقامة نظام عالمي يضمن الهيمنة الأمريكية. و ترى هذه الأستراتيجيةإن حلف الناتو وإن كان يمثل أحد الأدوات الأمريكية في السياسية الدولية، و لكنه مكلف للموارد المالية الأمريكية و حسب هذه الأستراتيجية ضمان الأمن القومي الأمريكي يكمن في عدم التقارب الصيني الروسي و عدم تشكيل اتحاد أوراسي و هذا هو ما سوف يعزز المكانة الدولية و الهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية و ليس الحفاظ على الناتو الذي يعتبر من مخلفات الحرب الباردة. ومع ذلك، حتى دولة قوية وغنية مثل الولايات المتحدة لم تكن قادرة على السيطرة الكاملة على أهم العمليات الدولية – فقد بدأ الفاعلون الإقليميون في الظهور في أجزاء مختلفة من العالم (الصين والهند وروسيا وإيران والبرازيل وما إلى ذلك). ولذلك فإن النظام الحديث للعلاقات الدولية يتميز بالصراع بين الاتجاهات المتناقضة المتمثلة في الأحادية القطبية والتعددية القطبية. بالإضافة إلى ذلك، زاد تأثير الجهات الفاعلة الجديدة غير الحكومية في العلاقات الدولية.
و ثانياً من أجل فهم خاصية النظام العالمي الجديد لا بد من معرفة طبيعةالعلاقات الدولية المعاصرة و تحديد أشخاصها و تحديد مكانة الدول على الساحة الدولية في ظل المعطيات الجديدة. و قبل الحديث عن أشخاص العلاقات الدولية المعاصرة يجب الإشارة إلى أن العلاقات الدولية بإعتبارها نوع خاص من العلاقات الاجتماعية تتجاوز حدود العلاقات الاجتماعية داخل الكيانات الإقليمية تمثل بيئة خارجية للتفاعلات بين الدول وغير الدول على المستوى العالمي أو الإقليمي أو على مستوى العلاقات الثنائية.
و في هذه البيئة كل دولة من خلال سياستها الخارجية تسعى لحماية مصالحها الوطنية وأمنها وتحاول الحفاظ على الوضع الراهن أو تغيير الوضع القائم في العلاقات الدولية بما يتجاوب مع مصالحها و تطلعاتها السياسية و الاقتصادية من خلال التأثير على مواقف و سلوك الدول الأخرى، والوسائل الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف هي القوة والتحالفات و الدبلوماسية.
و باعتبارهاأيضًا جزءًا من العملية السياسية تعمل العلاقات الدولية المعاصرة، كعملية تواصل بين الفاعلين الدوليين، وتتمثل تفاصيلها في التفاعلات المتنوعة في المرحلة الراهنة ليس فقط بين الدول، و إنما أيضاً بين الدول و المنظمات غير الحكومية والحركات والأفراد من مختلف البلدان، و تأثيرها على مواقفهم فيما يتعلق بالمستجدات و خاصة في مواجهة التحديات المشتركة المرتبطة بالتحولات العالمية والإقليمية.
و بالمقارنة مع العلاقات الدولية فيما مضى، ضمن العلاقات الدولية المعاصرة لا تدخل فقط الدول القومية و المنظمات الحكومية الدولية التي تمثل المصالح والأهداف العامة للدول المشاركة الراغبة في استخدام قوتها المشتركة لتحقيق أهدافها المشتركة، و إنما تدخل ضمن أشخاص العلاقات الدولية المعاصرة أيضاً:
- الشركات المتعددة القوميات العابرة للحدود. و ما يميز هذا النوع من الفاعلين، هو طبيعة الدور الذي تلعبه في العلاقات الدولية. فهي من ناحية، ترتبطت نشأتها بالدولة القومية. و من ناحية أخرى تهدف إلى السعي للحفاظ علي الوضع القائم سواءً في الدول التي تعمل فيها، ودعم النخب الحاكمة أو تغيير الواقع الدولي، مادام ذلك يحقق مصالحها و إن كان ذلك يتناقض مع مصالح دول المنشأ.
-المنظمات غير الحكومية (المستقلة عن الدول و سياساتها)،التي تعمل على توحيد الأشخاص ذوي النوايا الطيبة من دول مختلفة لتحقيق الأهداف المشتركة، والأكثر شيوعًا هي منظمات حقوق الإنسان (هومن رايتس وش و منظمة العفو الدولية). ومن بين الجمعيات غير الحكومية، يمكن أيضاً الإشارة إلى المنظمات الدولية للعلماء والشخصيات العامة والسياسيين مثل نادي روما، الذي وحد ممثلي مختلف البلدان في النظر في مشاكل الإدارة البيئية الفعالة وآفاق التنمية العالميةو غيرها.
- بالإضافة إلى ذلك الأشخاص (الفواعل) فيماتحت الدولة غير الحكومية التي تعمل داخل نطاق الدول التي تنتمي لها وليست عابرة للحدود، وتؤثر في اتخاذ القرارات الدولية وصناعته، وقد تسهم في التفاعل الخارجي للدول ( أحزاب، وميليشيات، وطوائف، وقبائل، وعصابات، وشركات ، وجمعيات، ووسائل أعلام...الخ). و كما يدخل أيضاً ضمن أشخاص العلاقات الدولية الأفراد الذين يكون لأنشطتهم تأثير قوي على التفاعل الدولي ، نتيجة امتلاكهم القدرات المالية أو الاقتصادية أو العلمية أو الإعلامية.
ويمكن القول بأن الفاعلين من غير الدول يشكلون كيانات سياسية أصبحت تكتسب المزيد من الشرعية والتأثير في المستويات المحلية والاقليمية والدولية.
و لكن من بين جميع أشخاص العلاقات الدولية، تحتل الدولة مكانة خاصة، لأن الدولة هي التي تمثل المجتمع ككل على الساحة الدولية، وليس المجموعات أو المنظمات الاجتماعية الفردية. وتعتبر الدولة المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تتمتع بالسلطة الشرعية لتنفيذ السياسات على الساحة الدولية كإعلان الحرب، وإبرام اتفاقيات التعاون، وغيرها.
ولذلك فإن الجانب الأكثر أهمية في العلاقات الدولية المعاصرة، رغم تراجع مكانة و دور الدول ما زال هو العلاقات بين الدول. و يختلف تأثير كل دولة على العلاقات الدولية، فهو يرتبط بمدى قوة الدولة، وقدرتها على المنافسة في الساحة الدولية، والتي تحددها الإمكانات العسكرية الاقتصادية، والموارد الطبيعية وموارد العمل، ومستوى تطور العلوم والثقافة والإنجازات في مجال التكنولوجيا العالية، ومستوى الاستقرار الاجتماعي و السمعة الدولية. و قوة الدولة هي مؤشر على القوى المتوفرة تحت تصرف الدولة و مدى إمكانية استخدامها في العلاقات مع الدول الأخرى أو المشاركين من غير الدول في العلاقات الدولية. وتعتبر قوة الدولة من العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية، لأنه على أساسها يتم صياغة أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي،و تحديد إطار علاقاتها بالأطراف الخارجية في البيئة الدولية. و بناءً على هذا تصنف الدول إلى:
-القوى العظمى و هي التي تتميز بقدرات تمكنها من التأثير على المستوى الدولي؛
-القوى المتوسطة التي لها تأثير مباشر و فعال على المحيط الإقليمي ، لكن هذا التأثير لا يمتد إلى خارج المنطقة؛
-القوى الصغيرة التي لديها القوة الكافية لضمان سيادتها وسلامتها الإقليمية واستقلالها، لكن تأثيرها على الإقليمي المباشرة محدود ؛
-القوى الصغيرة غير القادرة على الدفاع عن سيادتها بمفردها.
و منذ المنتصف الثاني من القرن العشرين و حتى الآن زاد إطار النظام الدولي للعلاقات الدولية اتساعاً حيث اصبح يضم حسب التقارير الدولية أكثر من ستة مليارات شخص، وحوالي 193 دولة، وأكثر من ستة آلاف منظمة دولية غير حكومية، وشركات عبر وطنية، وحركات دينية وسياسية واجتماعية مختلفة. وباتت ، مكوناته المختلفة تشكل تحالفات معقدة ومترابطة ومؤثرة، سواء على أساس مؤقت أو على المدى الطويل، الأمر الذي يجعل من وجهة نظر خبراء السياسة الدولية التنبؤ حتى على المدى القصير أكثر صعوبة، ناهيك عن التوقعات على المدى البعيد. و خاصة أن هذا النظام يمر حالياً بحالة انتقالية لم تستقر بعد قواعده وأنماط العلاقات والتفاعلات بين أشخاصه، حيث تتشابك وتتفاعل فيه العوامل والاتجاهات التقليدية والجديدة. فمنذ صلح ويستفاليا الذي أنشأ نظاما دوليا يقوم على التفاعل بين الدول القومية فقط وتوازن القوى والمواجهة بين التحالفات وما إلى ذلك، ظهرت جهات فاعلة جديدة واتجاهات جديدة على نطاق عالمي في السياسة العالمية و تزايد عدد الفاعلين، و زادت وتيرة الترابط الاقتصادي العالمي ونظام الاتصالات العالمية، والدور المتغير للعامل العسكري، وانتشار ثقافة عالمية شعبية موحدة مشتركة في القيم، بالإضافة إلى تشابك المشاكل السياسية المحلية والدولية و التداخل بين السياسة الداخلية و الخارجية و الأعتماد الدولي المتبادل وما إلى ذلك. و كل هذا بمجمله يحدد اليوم الوجه الجديد للعلاقات الدولية المعاصرة و على هذا الأساس يري بعض المتخصصين و من ضمنهم أستاذ العلاقات الدولية الأميركي سيمون سيرفاتي أن هناك اليوم حاجة ملحة لصياغة هيكل جديد للنظام العالمي، يكون قادر على استيعاب كل هذه المتغيرات و هذا الكم الكبير من الفاعلين المنتشرين بشكل غير مسبوق في جميع أنحاء العالم، حيث التجارب التاريخية الغربية السابقة في إعادة تشكيل النظام الدولي التي كانت تتم عادة من خلال إعادة تدوير الصياغات القديمة المتعلقة بتوازن القوي ومصالح الدول الكبرى باتت اليوم غير مجدية في عالم القرن الحادي والعشرين و من الضروري بدلاً عنها ، إنشاء صياغات و مقاربات جديدة.
و في نفس الوقت تجدر الإشارة أيضًا إلى أن تكوين نظام أكثر حداثة للعلاقات الدولية، على الرغم من تأثير الاتجاهات الجديدة، وتشكيل عناصر مجتمع عالمي متكامل و متداخل، لا يعني بأي حال من الأحوال تحقيق الاستقرار المثالي في المستقبل المنظور. فقد ظهرت قوى واتجاهات جديدة مزعزعة للاستقرار، و"استيقظت" صراعات قديمة تخطاها الزمن في الأساس، وظهر " جيل جديد من الصراعات ". و يبقى الأكثر خطورة الصراع بين الدول التي تريد الحفاظ على النظام القائم الذي فقد مقومات بقاء استمراره و بين الدول التي تسعى إلى تغيير هذا الواقع.
و يشهد العالم الآن تحولا غير مسبوق و يفرق المختصون في وصف حالة التحول للنظام الدولي فالبعض يطلق عليها وصف -الانتقال والذي يعني تغيير شكل النظام مع بقاء القواعد الاساسية التي تحكمه ويقتصر التغيير على توسيع او تقليص القوى الكبرى، فيما يرى أخرون انه التحول و يوصف- بالتغيير بأعتبار أن التغيير يشمل الشكل والمضمون والمواثيق والمؤسسات.
البروفيسور الصيني تشاو هواشن يرى إن البنية المستقبلية للعالم لن تكون جديدة تماما، ولا يمكن بناؤها إلا على أساس الحاضر. ولن يكون من الممكن القيام بذلك بسرعة - فالعملية طويلة. من الممكن أن يكون النظام الجديد نتاج تفاعل مختلف القوى الدولية. فلا الغرب ولا الدول الصاعدة قادرة على تحقيق النتائج بمفردها. ولا ينبغي لنا أن نتوقع نظاماً دولياً موحداً.
و غالبية العلماء و الخبراء في السياسة الدولية يجمعون على أن العالم يقف اليوم أمام بوادر و ملامح تغيير في النظام الدولي الذي أصبح يكتسب خصائص عالمية و لا يقتصر على الدول وحدها و أن نظام القطب الأوحد يشهد تراجع تدريجي ملحوظ. و من وجهة نظر الأستاذ سيمون سيرفاتي عصر الأحادية القطبية قد ولى و أن الثنائية القطبية لن تعود، فعلى الرغم من تراجع القوة الأمريكية لا توجد قوة دولية آخرى قادرة على فرض الهيمنة عليها أو حتى الوصول إلى موقع الندية معها. و ظهور قوى دولية قادرة على منافسة و مزاحمة القطب الواحد (الصين و الهند) مع قوى إقليمية تستطيع في اسطفافها أن تخلق توازنات دولية جديدة تساهم في رسم ملامح النظام العالمي الجديد وصياغتة.
و في هذا الجانب يجب الأشارة إلى أن النظام العالمي الجديد يختلف عن النظام الدولي الذي يقتصر فقط على العلاقة ما بين الدول، في كونه يجسد طبيعة التفاعل بين جميع المشاركين في العلاقات الدولية، سواء كانوا دولاً أو غير دول. و أصبحت المصالح الوطنية للدول والمصالح الخاصة التجارية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية للجهات الفاعلة الدولية الأخرى هي بمجملها من تحدد طبيعة هذا النظام الجديد و ليس فقط ميزان القوى.
و في هذه الفترة الراهنة بالذات يمر النظام الدولي بمرحلة انتقالية من النظام الدولي القطبي إلى النظام العالمي اللاقطبي، أي ما بعد القطبية ، تتعدد فيه القوي الصاعدة بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلي العديد من الدول التي، وإن كانت أقل حجما، فإنها تكتسب، لأسباب مختلفة، نفوذا متصاعدا علي الساحة الدولية. وتتضمن هذه الفترة الانتقالية عددًا من المراحل. المرحلة الأولى: مرحلة القطب الواحد، أي مرحلة ما بعد الحرب الباردة وهي على وشك الانتهاء. المرحلة الثانية مرحلة تعدد الأقطاب و هي الآن في طور التشكل. و من وجهة نظر الكثير من العلماء التعددية القطبية التي تتبنى سياسة الوفاق والتعاون يمكن أن تعمل على إيجاد نظام عالمى أكثر عدالة و تحقق الاستقرار ، الأمر الذى يترتب عليه نهوض الدول التي تعاني من ضعف التنمية و عدم الاستقلالية في اتخاذ القرارات السيادية. و بالتالي حسب مؤيدي هذه الرؤية النظام العالمي الجديد ، سيكون نظام رشيد يضم العالم بأسره، بسبب الصلة المباشرة و التداخل بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية وبين الداخل والخارج. و سيكون بمقدور مثل هذا النظام حسب رأيهم أن يضمن الاستقرار والعدل للجميع «بما في ذلك المجتمعات الصغيرة»، ويضمن حقوق الإنسان للأفراد ، بينما من وجهة نظر البعض الآخر على سبيل المثال سيمون سيرفاتي أستاذ العلاقات الدولية، غياب أي شكل من أشكال القيادة في عالم متعدد القوي سيوجد مناخا من الفوضي، وربما يكون محفوفا بالمخاطر. فهناك مصالح متشابكة قد تدعم التعاون فيما بين الأقطاب المتعددة، لكن اختلاف الرؤي والمناهج فيما بين هذه الأقطاب يجعل الخريطة الجيوسياسية حافلة بالتناقضات وعدم الوضوح. وسوف تصبح عملية اختيار الحلفاء والأصدقاء، وردع الخصوم، وتفادي النزاعات، في ظل هذا الوضع العالمي الجديد، شديدة الصعوبة. و خاصة حسب سيرفاتي التجارب التاريخية الغربية السابقة كانت تستند على إعادة تشكيل النظام الدولي الذي كان يتم عادة من خلال إعادة تدوير الصياغات القديمة المتعلقة بتوازن القوي و مصالح الدول الكبرى فقط. المرحلة الثالثة هي مرحلة النظام العالمي الديمقراطي، القائم ليس فقط على توازن و تنوع القوى الموزعة بين جميع المشاركين في العلاقات الدولية، وإنما توازن المصالح الوطنية لجميع الدول مع أولوية المصالح العالمية على المصالح الوطنية و سيادة القانون و عدم أزدواجية المعايير والقبول بالتنوع و حق الوجود و احترام أرادة الشعوب و حقوق الإنسان.
و ما يمكن التأكيد عليه في النهاية بهذا الشأن هو أن النظام العالمي الجديد الذي بدأ في التشكل يختلف تماماً عن جميع أنواع الأنظمة الدولية التي نشأت منذ ظهور نظام العلاقات الدولية. وتتحدد هذه الخاصية الجديدة بعدد من العوامل أهمها:
- تعدد الفاعلين الدوليين من غير الدول.
-التطور التقني :الذي أدى إلى تعزيز ترابط الدول بنظام تكنولوجي معولم ، كما ساعد في تقدم اقتصاديات الكثير من دول العالم لتصبح اكثر تقدماً، وتعتمد على الأقتصاد الرقمي المعاصر اليوم ، و استخدام الذكاء الإصطناعي، إضافة إلى أن المعيار التكنولوجي بات أحد اهم المعايير المعتمدة في تقييم مدى قوة وقدرة الدولة على احتلالها مكانة مهمة ومؤثرة في العالم المعاصر ، الذي أصبح مضمونه يشمل جميع جوانب الحياة البشرية ، كالعسكرية والاقتصاد والطبية والعلمية.
- تراجع سيادة و إنخفاظ دورالدول ، وذلك بغعل تأثيرات ومتغيرات عديدة ، منها على سبيل المثال تأثيرات العولمة على مجمل الحياة الانسانية وبجوانب عديدة وشاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية و أكتساب المزيد من القضايا الداخلية الصفة الدولية و على وجه الخصوض في الجوانب الإنسانية و البيئية و غيرها. و هنا من الضروري التمييز بين مفهوم العولمة كمحاولة لنمذجة العالم من خلال فرض نظام معين من القواعد والقيم من أجل احتواء العالم والقضاء على التنوع و خصائص الهوية الثقافية و بين مفهوم العولمة باعتبارها عملية عالمية حتمية. الحالة الأولى تمثل رغبة دولة معينة أو مجموعة دول محددة في فرض نموذجها نظامها الخاص الذي يلبي فقط متطلبات مصالحها الوطنية ومعتقداتها وتفضيلاتها الثقافية. على سبيل المثال، فرض النمط الغربي أو الآسيوي أو الشرقي على بقية العالم.
أما الوضع الثاني فهو نتيجة طبيعية لتطور العالم و التقدم التكنلوجي في سياق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العالمية، والذي يقوم على المصالح الاقتصادية لجميع الدول، والقيم الأخلاقية والثقافية، وحقوق الإنسان المشتركة، والمثل العليا للإنسانية، و(ليس قيم ما بعد الإنسانية (transhumanism) و استخدام المنجزات العلمية و التقدم التكنولوجي بما يخدم الإنسان و يضمن كرامته و حقوقه الطبيعية.
- تغيير الفواعل من الدول ، فبعد أن كانت أمريكا والدول الأوروبية جاءت الفواعل الآسيوية روسيا والصين والهند واتجاهها نحو الشرق والغرب.
- تحول القوة و توزعها إقليمياً و انتقالها من الغرب إلى الشرق. و هذا ما أصبح محل شبه إجماع بين الساسة والأكاديميين، في مختلف أنحاء العالم، علي أن تحول الثروة والقوة عن الدول الغربية إلي دول الشرق والجنوب قد وصل إلي نقطة اللاعودة.
و ظاهرة صعود و هبوط الدول الكبرى وتغير ميوازين القوى هي ظاهرة تاريخية، أي أن وجودها مرتبط بجملة من العوامل التي بمجرد زوالها يزول الأساس الذي تبنى علية الأنظمة الدولية للعلاقات الدولية في المراحل المختلفة لتطور العلاقات الدولية. و عادةً هذا ما يرتبط بالمتغيرات التي تشكل القوة في العلاقات الدولية في كل مرحلة تاريخية من مراحل التطور العالمي .
-القوة المؤثرة عالمياً، لم تعد تتعلق بالقوة العسكرية على أهميتها، وإنما هناك القوة الاقتصادية والثقافية والإعلامية و القوة المرنة .

إن الواقع العالمي الجديد"، الذي تشكل بفعل التحولات في القوة الاقتصادية و العسكرية و ما يصاحبها من نفوذ سياسي على الساحة الدولية أصبح يهدد قواعد وأسس النظام الدولي الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة الذي وصفه المؤرخ الأمريكي ذوي الأصول البريطانية نيل فيرجسون، في أحد محاضراته، بأنه نهاية لعصر من السيطرة والصعود الغربي. أو حسب سيمون سيرفاتي، أستاذ العلاقات الدولية، عالم ما بعد الغرب.



#رياض_طه_شمسان (هاشتاغ)       Reyad_Taha_Shamsan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دكتاتورية التنمية بوجه إنساني و قضايا الديمقراطية المستدامة
- الأمم المتحدة بين الرؤية الإستراتيجية للاصلاح ومصالح القوى ا ...
- فبراير الحدث الذي بدأ بثورة و أنتهى بمؤامرة و نكبة لليمن : ا ...
- الرؤية الواقعية لتحقيق السلام الدائم و المستدام في اليمن
- الليبرالية و الواقع العربي و إشكالية التحول الديمقراطي في ال ...
- الأهمية العالمية لمكافحة الفساد
- منظومة الحل النهائي والدائم للقضية اليمنية
- الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية
- القضية اليمنية و مسؤولية مجلس الأمن الدولي
- شرعية ومشروعية السلطة و اشكاليتها القانونية و السياسية في ال ...
- محاور التسوية البناءة للأزمة اليمنية
- التدخل الإنساني في اليمن ضرورة أخلاقية و مسؤولية قانونية
- التحولات العالمية و الواقع اليمني
- التشكيلة السياسية للمشهد اليمني و آفاق المستقبل
- تفاصيل الأزمة اليمنية و مساراتها
- اليمن وقضية بناء الدولة و مسألة الانضمام لمجلس التعاون
- اخطاء المرحلة الأنتقالية في اليمن و آفاق الحل السياسي
- الدوافع الرئيسية لعاصفة الحزم و الصفة القانونية
- دستور الدولة المدنية الحقوقية و كيفية الوصول إلى حل الأزمة ا ...
- الأسباب الحقيقية لأجتياح صنعاء و المخارج العملية لمنع الأنهي ...


المزيد.....




- منتهي الصلاحية.. شيرين ترسل لمشتركي قناتها على -واتس أب- راب ...
- لحظة مبهجة.. شاهد عملية تحرير قطة صغيرة حُشرت داخل أنبوب صرف ...
- حرب السودان الكارثية.. مبادرات دون حلول
- أقارب ترامب ضحية لعملية احتيال على منصة -إكس-
- روسيا تعلن السيطرة على بلدتين أوكرانيتين وتقصف مدينة لفيف بص ...
- إطالة حرب غزة.. تعمق خلاف بايدن ونتنياهو
- استقالة مسؤولين أمنيين وعسكريين في إسرائيل
- تحذير إسرائيلي من الغضب المصري
- القسام تبث شريط فيديو لأسيرين إسرائيليين يناشدان فيه نتنياهو ...
- تونس.. إصدار أمر إيداع في السجن بحق مرشح رئاسي


المزيد.....

- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - مفهوم النظام الدولي و خصائص النظام العالمي الجديد