|
الهندسة والمرافقة والطب
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8090 - 2024 / 9 / 4 - 09:49
المحور:
كتابات ساخرة
أنا إنسان متحضر، ابن العصر، متفتح، وتقدمي... لذلك قررتُ منذ مدة أن أتعلم البكاء أمام البرامج والأفلام والمسلسلات. نعم، قُمتُ بتربص مغلق، شاهدتُ فيه كثيرا من البرامج والمسلسلات، وحاولتُ البكاء لكني لم أجد العبرات فحاولتُ التباكي فلم أستطع... طبعا، فهمتَ أني لا أشاهد شيئا في عالم العروبة السعيد الذي من حسن حظي وُلدتُ وعشتُ فيه، فأنا متحضر كما أسلفتُ، والتحضر لا يتماشى مع إضاعة الوضع مع بضاعة التخلف والجهل التي تُعرض في العالم السعيد المذكور. أعطيك أمثلة من مشاهداتي التي لم أجد فيها العبرات: مثلا يعيشان معا منذ ثلاثين أو أربعين سنة، وعندهم أولاد وأحيانا أحفاد، ويدعوها إلى برنامج يشاهده الملايين، ليطلب يدها للزواج، فتبكي من الفرحة، ويبكي معها، ويبكي الحضور، ويبكي لا أعرف كم مما يُشاهدون... أيضا، عمره 25 ويحب امرأة عمرها 15 سنة، لم يقل أنها امرأة، لكنه قال أنها امرأة حياته، فاستنتجتُ وحدي بفطنتي وذكائي أنها امرأة، لأن امرأة الحياة لا يمكن أن تكون شجرة أو سيارة أو ديناصورة أو حشرة أو بكتيريا أو رجلا! بل فقط امرأة، ويدعو أمها أو أبيها أو كليهما، ليقول لهما أنه جاد في حبه ويريدهما أن يباركا العلاقة، فيفعلان ويتعانق الجميع ويبكون ويبكي الجمهور... أيضا، يحبها برغم أنها حامل من غيره، عندما أخطأ غلطة عمره وهجرها ذهبت إلى أحضان غيره الذي هجرها بعد أن حملتْ منه، يحبها ويقبلها ببطنها المنفوخة ويتمنى أن تغفر له هجره إياها ويعدها بالصدق والحب والتفاني مدى الحياة ويطلب يدها وقد أحضر الخاتم معه ويتمنى أن توافق عندما سينحني أمامها، ويتم كل ذلك، ويبكي هو وتبكي هي ويبكي الجمهور ولا أدري كم من ملايين المشاهدين... لكني لم أبك!!! وذلك سبب لي مشكلة عظيمة، جعلتني أفكر بجدية في عيادة طبيب نفس أو طبيبة... لا مشكلة في ذلك اليوم إلا عند المتخلفين المنغلقين، بل من شيم التقدم والتحضر زيارة معالج نفساني يعين المرء على فهم ما لم يفهمه عن نفسه فيحسن مردوده ويزيد على تحضره تحضرا... وزرتُ الطبيبة، المعالجة، ومنذ رأيتها زدتُ تأكدا أن عندي خلل! لأني نظرتُ إلى صدرها النصف مكشوف وفكّرتُ في نوعية ثدييها وخلصتُ أنهما من فصيلة ثديي جدتي لا حتى أمي وفقط ما يمسكهما من تحت هو ما أعطاهما ذلك المنظر... الخلل الذي عندي كان عظيما وصل درجة التفكير في اقتراح عملية تجميل لثدييها القبيحين اللذين لم يمرّا على خبير أثداء من طرازي... لكني لم أفعل... - أنت آخر مريض عندي اليوم، جيد أن حالتكَ سهلة... - مريض؟ - نعم، أول خطوة في العلاج هي الاعتراف بالمرض - أعترف إذن... - حسب رأيك ما هي مشكلتك وما علاجها؟ - لا أتأثر بسهولة، ولا أبكي لما يُبكي الناس... أريد أن أتأثر مثلهم وأن أبكي حتى قليلا! و... أكره البصل! - هل أنتَ متزوج؟ علاقة؟ - ما دخل هذا بمشكلتي؟ - أجبني من فضلك - لستُ متزوجا، وعلاقاتي كثيرة... - هل تفتخر بذلك؟ - نعم، كل واحدة أنتهي منها أعلق صورتها على حائط الصالة... الآن لم يبق في المنزل حائط شاغر غير الحمام! ما هذه الأسئلة يا دكتورة؟! - أنتَ عنيف، وأجوبتكَ عنيفة، ذلك يؤكد أن عندكَ مشكلة - أنا سعيد بكل شيء في حياتي، لا مشكلة عندي إلا البكاء! - عندما تفهم أن تلك ليست سعادة حقيقية، ستستطيع البكاء، هل نواصل؟ - نعم - هل عندكَ أطفال؟ - لا، ولا أرغب في أن يكون عندي - سلوك مناف للطبيعة البشرية، لماذا الاستغراب من غياب دمعتكَ؟ - يعني، أتزوج وأنجب، ووقتها سأستطيع التأثر والبكاء؟ - لم أقل ذلك، لكن لو حصل، أكيد سيعينك... أنتَ تعيش حياة بهيمية بلا أحاسيس، لا تهتم لأحد، تحكمكَ رغباتكَ، لذلك لا تشعر ولا تبكي. - وأنتِ هل تبكين دكتورة؟ - نعم، دائما، آخر مرة بكيتُ وقتَ الغداء - لماذا؟ - لأنه لم يأتِ، انتظرتُه أكثر من نصف ساعة ولم يأتِ، وحتى عندما اتصلتُ به لم يرد... - هل تريدين أن أقتله؟ - ماذا؟! - أمزح أمزح... وماذا يعني تصرفه ذاك؟ هل هجركِ نهائيا؟ هل هو غاضب من شيء ما وسيرضى؟ هل ربما كان مع أخرى عندما اتصلتِ به؟ أو لماذا لا يكون تأخر وعنده عذر؟ - لا ليس عنده أي عذر! لم يهتم لي يوما... بارد ولا يعنيه إلا عمله وأصحابه! - لا أظن ذلك... ربما فترة فتور قصيرة وستمر؟ - لا قلتُ لك! هكذا طبعه منذ أن عرفته! ولا أعرف لماذا لا أزال معه! - الجواب واضح، أكيد تحبينه - لا أعلم، ربما... - ربما؟ - الحقيقة، تعوّدتُ عليه، ولم أتجرأ على النظر إلى غيره، بالرغم من أنه فعل! - لا! مستحيل! لا تقولي لي أنه فعلها؟ - نعم... - هل تريدين الكلام عن ذلك؟ - لا... ذكرى مؤلمة... - تعرفين... الكلام متنَفّس... وخير من الانفجار... - أعلم! لكني لا أريد الكلام عن ذلك... - هل يقول لكِ أنه يحبكِ؟ - لا!! - بصراحة... هذا كثير! أنا مكانكِ لا أقبل! - أنا قبلتُ! ولا أفهم كيف! - لا يمكنكِ معرفة الرجال أكثر مني، فاسمعي لي... الرجل الذي لا يقولها إما لا يشعر بها وبقاؤكِ معه خطأ، وإما يشعر بها ولا يقولها لأسباب متعددة كلها تقول عنه حقيقة مزعجة! - ما هي؟ - غبي! - أظنه لا يحبني... - شاوري لهم، سيأتونكِ بالعشرات - لم أفكر في ذلك يوما... - لستٍ متأكدة من أنكِ تحبينه، وتظنين أنه لا يحبكِ... ماذا تفعلين عزيزتي؟! هذا عبث ومضيعة وقت! - أعرفه منذ ثلاث سنوات! - ولو كانت عشرين! عبث ومضيعة وقت! - ليس الأمر بهذه السهولة... - لماذا لا ترتدين خاتمكِ؟ - خاتم؟ - خاتم زواجكِ... - لسنا متزوجين... - ظننتكِ متزوجة! - ... - بصراحة، بعد الذي سمعتُ، لو كنتُ مكانكِ، الليلة أخرج مع أحدهم! أما هذا الذي ترككِ وحدكِ فلن يكلفني أكثر من رسالة SMS! - ماذا ستكتب فيها؟ - أنا سأكتب كلمة بذيئة! أما أنتِ تستطيعين كتابة جملة تكون واضحة وقاطعة... السكرتيرة تطرق، تدخل، تقول أنها السابعة، وستغادر، تغلق الباب، وتغادر... - انتهتْ الحصة... السابعة... مضى الوقتُ بسرعة... - أول مرة في حياتي أزور طبيبا... ليت كل الأطباء مثلكِ... - طبيب نفس تقصد؟ - لا... كل الأطباء. - لم تمرض أبدا؟ - أبدا... فقط مرضتُ بمشكلة البكاء هذه! - والتي يلزمها حصص أخرى... فإلى القادمة إذن... - ما المدون في ملفي عن عملي؟ - مهندس كيميائي - كذبتُ على السكرتيرة... - ماذا تعمل إذن؟ - ما الضامن عندكِ أن أكون صادقا؟ - قل، وسنرى... - ذاك عمل، وعندي آخر... - ما هو؟ - مرافق نساء - يعني؟ - الحريفة تُحدد ما تريد، أنا أنفذ... - متزوجات؟ - بعضهن - أعمارهن؟ - بين 25 و 75 - وهل...؟ - ليس دائما، لكن عندما ترغب الحريفة... - دعارة - أسميها خدمة تُقدم لمن هن في حاجة - لكنهن يدفعن... إذن هي دعارة! - قد يصح ذلك إذا كان هناك جنس، لكنه ليس قاعدة... - وماذا تفعل معهن إذن؟ - قلتُ أرافق، وأنفذ ما يطلبن... - أمثلة؟ - ملتْ من البقاء وحيدة في المنزل وليس عندها مع من تخرج، أمضي معها الليلة، أذهب معها أين تريد، ثم أوصلها إلى منزلها - وتتقاضى أجرا على ذلك؟ - نعم، ذهبتْ أين أرادتْ، أكلتْ، شربتْ، رقصتْ، أحستْ بنفسها مهمة، ولم تبق تنتظر عيش ذلك مع حبيب قد لا يأتِ أبدا... - مثال آخر - 70 سنة، تريد أن تسافر، لا أحد عندها، أرافقها... - وماذا عن الصغيرات؟ - 25 سنة، لا ترى نفسها جميلة، تريد أن تشعر أنها فاتنة وجذابة... - هل حقا ما تقول موجود في البلد؟ أكيد تمزح! - كل شيء موجود... - منذ متى ترافق؟ - ثلاث سنوات - وتعمل مهندس؟ - نعم في النهار... في الليل والعطل أرافق. - وبماذا تشعر نحوهن؟ - أنفذ ما أُرسل لأجله وأجتهد فيه، الشعور ممنوع... - أغرب مهمة؟ - رجل يريد مشاهدة زوجته مع رجل آخر - مرة فكرتَ في مغادرة الخدمة؟ - عجوز تطلب أن يُفعل فيها أشياء شاذة... سادية... - غريب حقا أن يكون ما تقوله يقع في البلد... - الأغرب أني أعلمتكِ بما يمكن أن يدخلني السجن لو بلّغتِ عني... لماذا حسب رأيكِ؟ - السر الطبي - قاتل قتل تسع نساء، العاشرة يحبها ولا يريد قتلها، لكنه يخشى أن تغلبه رغبته في القتل، يعودكِ لتشفينه، سرية طبية؟ - ما تفعله يشبه الدعارة، لستُ مجبرة على التبليغ على مريضة عاهرة - عندها ملف عند الشرطة لا تستحقين ذلك، لكن لو كان عندها مرض معدي لا علاج له وتصر على مواصلة عملها؟ - لماذا أعلمتني إذن؟ - أول مرة أرافق طبيبة... هل ما فعلته دعارة؟ - خطأ مهني مني! - قبل السابعة نعم، بعدها لا... - بعد إذنكَ عليّ الخروج، وأرى إلغاء الحصص القادمة... - ستعودين إلى المنزل، لتمضين الليلة وحدكِ... - عليكَ المغادرة... من فضلكَ... تفضل - أفعل... قبل ذلك، عندي اقتراح أول مرة سأفعله: رقمي عندكَ، إذا أردتِ، أستطيع مرافقتكِ الليلة، لن يكون ذلك ممكنا مرة أخرى، سأنتظر اتصالك حتى التاسعة، إن لم تفعلي، أتمنى لكِ حياة سعيدة من الآن... سأخرج...
لم تتصل حتى التاسعة، لكني زدتها ثلاث ساعات، فاتصلت مع الحادية عشرة... لم تكن عملا، لكنها... في البدء كانت تحضرا وتقدمية ولا يتأفف من الذهاب إلى المعالجين النفسيين إلا المتخلفون مثلما قلتُ. ثم تحولتْ إلى دين قديم مع الأطباء، خطر ببالي ليلتها تسديده فيها. وفي الأخير صارتْ صديقة مثلما طلبتْ ونفّذتُ... - ... - سجّلتُ رقمكِ عندي، وكنتُ على ثقة أنكِ ستتصلين. - الوقت متأخر؟ - المهندس لا يعمل غدا، ويستطيع مرافقتكِ حتى باب عيادتكِ غدا صباحا... - لستُ حريفة - أنتِ تقررين وأنا أنفذ، ماذا تريدين أن تكوني؟ صديقة؟ خليلة؟ أخت؟ أم؟ ابنة؟ - عندنا نفس العمر تقريبا، لا أستطيع أن أكون أما أو بنتا - تستطيعين كل شيء، فقط اطلبي - قلتُ لستُ حريفة، أي لن أدفع لكَ - الاستثناء الوحيد كان اقتراحي قبل خروجي من مكتبكِ، لا أستطيع استثناء آخر... - كم أجرتكَ؟ - بعد انتهاء الوقت، تقررين هل أستحق أجرا أم لا، وكم يكون... - اتفقنا - المطلوب مني؟ - صديقة عزيزة عندكَ، لم ترها منذ سنين، لا تعرف المدينة، تتضور من الجوع، ولم تعرف ابتسامة منذ شهور. - حاضر، أغادر مباشرة، أرسلي لي العنوان... - انتظر - نعم - قلتُ صديقة، ولن تسمح بحدوث أي تجاوز... - أمركِ... العنوان؟ - أنتظركَ تحت، انزل... - ماذا؟ - عندي عنوانكَ، أنسيتَ؟ - نعم، نسيت أن الأطباء يطلبون حتى ألوان ملابس مرضاهم الداخلية! دقيقة وأكون عندكِ...
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة سفهاء (3)
-
ثلاثة سفهاء (2)
-
ثلاثة سفهاء
-
مانيفستو عروبي إسلامي
-
المانيفستو اليهودي
-
رسالة في زجاجة، خربشة عن الكتابة...
-
عن الشذوذ، وكراهية إسرائيل والإسرائيليين، واليهود...
-
عن العنصرية، وكراهية فلسطين والفلسطينيين...
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...8: سلمى (*)
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-11
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-10 ملحق
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-10
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-9
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-8
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-7
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-6
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-5
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-4
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-3
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-2
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|