|
التقرير السنوي 2006 للمركز المغربي للدبلوماسية الموازية و حوار الحضارات
عبد الفتاح البلعمشي
الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:54
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تقديم أولا: السياسة الخارجية المغربية - تأملات و مساءلات - : 1 - العلاقات الدولية للمغرب: أ - الفاعلون في العلاقات الدولية للمغرب ب - إمكانات المغرب الدولية ج - طبيعة التفاعلات 2 - قضايا مركزية في حاجة إلى دعم بتوجهات جديدة: أ - نزاع الصحراء ب - الجالية المغربية بالخارج: إمكان فعلي بمواطنة ناقصة ج - البعد الإفريقي و ضرورة تعزيز الأدوار
ثانيا: مستقبل التنمية البشرية ضمن إطار السياسة الخارجية: 1 البرامج الإصلاحية المفروضة 2 الانفتاح : آثار اتفاقيات التبادل الحر على التنمية البشرية 3 مواجهة الهواجس الأمنية 4 نحو دبلوماسية موازية هجومية تخريج توصيات
• تقديم: إن النقاش الذي فتحه المغرب حول رهان التنمية البشرية والذي من ثمراته تقرير "المغرب الممكن" كعمل ساهم في بلورته مجموعة من الباحثين المغاربة، دفع بالمركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات إلى تخصيص تقريره، لسنة 2006، لفتح نافذة أخرى من شأنها تعميق هذا النقاش عبر محور لم يحظ في تقديرنا بما يكفي من التناول والتحليل، وإن كان لا يخلو من أهمية لابد من إبرازها،وذلك انطلاقا من دور الدبلوماسية المغربية في خدمة التنمية البشرية، على اعتبار أننا أمام إكراهات حقيقية وذات أوجه متعددة ما لم توظف آليات سياستنا الخارجية، وتستثمر تدخلاتها لخدمة المصالح العليا للبلاد، وتنخرط فعليا في الملفات الاقتصادية والاجتماعية، بدلا من الانحصار في الملف السياسي وإن كان يحتفظ بموقع الأولوية. فلم يعد بالمقدور الحديث عن التنمية البشرية الداخلية مثلا، دون وضعها ضمن إطارها الدولي الملائم، ولا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه المنظمات الدولية في هذا الإطار، كما يصعب إغفال مساهمة دول أجنبية ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هذا إضافة إلى صعوبة إنكار الانعكاس المباشر وغير المباشر لسياستنا الخارجية على تنميتنا الداخلية وما يتطلبه ذلك من تأهيل للجهاز الدبلوماسي الذي رفع كشعار منذ سنة 2002، وتفعيل كل أوجه الدبلوماسية الموازية المرتبطة بالأحزاب السياسية والبرلمان والإعلام وفعاليات الجالية المغربية بالخارج، وقدرات مؤسسات المجتمع الاقتصادية والفكرية.
إن هذا التقرير يروم في مسعاه إعطاء جرد لأهم أحداث السياسة الخارجية، مع تحليلها عبر مختبر التنمية البشرية، لاستبيان إسهاماتها في هذه التنمية سلبا وإيجابا، ثم التعريج بعد ذلك على محاولة إعطاء رؤية استشرافية للتداعيات الممكنة لتوجهات السياسة الخارجية الحالية للمغرب على تنمية البلاد، مع استيضاح الإسهام الذي يمكن للدبلوماسية الموازية أن تقدمه في هذا الإطار.
أولا: السياسة الخارجية المغربية - تأملات و مساءلات - : 1- العلاقات الدولية للمغرب:
أ - الفاعلون في العلاقات الدولية للمغرب إذا كان صنع السياسة الخارجية للمغرب يبقى دستوريا بيد الملك، فإن تنفيذها موكول لوزارة الخارجية والتعاون، والبعثات الدبلوماسية وباقي الوزارات كل حسب قطاعه، في الوقت الذي تظل فيه مراقبة هذه السياسة من اختصاصات البرلمان والقوى المؤثرة داخل المجتمع. وما يلاحظ في هذا السياق، تعثر الدبلوماسية المغربية في تقوية موقع المغرب التفاوضي اقتصاديا، وما يعترض تحركات البعثات الدبلوماسية بالخارج من عراقيل موضوعية وأخرى مادية في لعب الدور المنوط بها في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، إضافة إلى ضعف دينامية هذه البعثات، سواء المعتمدة لدى الدول أو الممثلة للمغرب في المنظمات الدولية المختلفة فيما يخص ملف الوحدة الترابية الذي يبرز كأهم أولوية لقطاع الخارجية والتعاون. يضاف لذلك ضعف المراقبة التي يمارسها البرلمان، رغم تسجيلنا الاهتمام المتزايد لهذه المؤسسة بأهمية الدبلوماسية البرلمانية، و فطنة المجلسين بضرورة تعزيز أدورها
فإذا كان البرلمان المغربي يتوفر دستوريا على وسائل التدخل في السياسة الخارجية سواء من خلال المراقبة القبلية عبر مناقشة ميزانية الحكومة، والمصادقة على المعاهدات الماسة بميزانية الدولة، أو المراقبة اللاحقة عبر الأسئلة الشفهية، وعمل لجنتي الخارجية في البرلمان، إلا أنه نادرا ما استأثرت الأسئلة الشفهية بمواضيع السياسة الخارجية، إضافة إلى أن أغلب الاتفاقيات القطاعية التي تتخذ شكل الاتفاقات ذات الشكل المبسط ومذكرات التعاون لا تحتاج إلى تصديق البرلمان مما يضعف الجهاز التشريعي عند قيامه بدور المراقبة، سيما أن اهتمام الفرق البرلمانية قلما ينصرف إلى التعقيب أو الاعتراض ولو سياسيا على العديد منها.
أما دور المؤسسات المختلفة للمجتمع فرغم سعيها لأن تكون مؤثرة في هذا الإطار، إلا أنها ما تزال تعاني من قلة انفتاح الفاعل الرسمي على مقترحاتها، وهو انفتاح نعتقد في ضرورته لمساعدة الدولة في بلوغ أهداف السياسة الخارجية على اعتبار أن ذلك هو المسلك الوحيد لتكامل الدبلوماسية المغربية بشقيها الرسمي والموازي، ومن هنا نؤكد أهمية تشكيل المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء الذي اضطلع بدور مساعد في بلوغ هذه الأهداف، خاصة في جانب الترويج لمقترح الحكم الذاتي والتأثير في مجريات الأحداث، إضافة إلى ذلك برزت في السنوات الأخيرة تحركات ذات مصداقية لمؤسسات رجال الأعمال في اتجاه البحث عن أسواق جديدة، وكذلك الدور المتنامي للجامعة المغربية في اقتحام مجال السياسة الخارجية بإنشاء وحدات للتكوين والبحث، أصبحت تبادر باقتراح الأفكار والتصورات التي تعزز النقاش في هذا المجال، بالإضافة إلى دور الجالية المغربية بالخارج،التي اضطلعت بمسؤولية وطنية عالية، عبر تحركاتها التي طبعت سنة 2005 تحديدا، والتي تجسدت في التظاهرات و الاعتصامات التي نظمتها في مختلف العواصم و المدن الدولية للتحسيس بالوضع اللاإنساني بمخيمات تندوف، زيادة على الدور المتزايد للإعلام الوطني في التأثير على السياسة الخارجية للبلاد، تقويما لمسارها، والضغط لتأهيل أجهزتها لمواجهة التطورات بما يلزم من حزم و نضالية و فعل، وتحسيس هذه الأجهزة بأن عملها ليس بمنأى عن الرقابة الإعلامية. ب - إمكانات المغرب الدولية: إذا كان المغرب لا يتوفر على كل الإمكانات التي تؤهله ليكون فاعلا أساسيا في العلاقات الدولية (اقتصاد ضعيف - مجتمع تنتشر فيه الأمية- إرث استعماري...) فإنه بالمقابل يتوفر على عناصر تقوي من وضعه (موقع جغرافي مميز- إرث تاريخي بثقافة متنوعة- نظام معتدل...) إلا أن الاستفادة من هذه الإمكانات تتوقف على دور الفاعل الرسمي في حسن توظيفها. ج - طبيعة التفاعلات: نميز في هذا الإطار بين الفعل التنازعي والفعل السلمي: • الفعل الخارجي التنازعي للمغرب: وتمثله قضية الصحراء، وسبتة ومليلية والجزر المحتلة. • الفعل الخارجي السلمي: تتوزعه عدة محاور للتفاعل: المغرب والأحلاف التقليدية: مما لا شك فيه أن علاقات المغرب تدور حول محورين أساسين للتفاعل هما الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، وإن كان ذلك منطقيا من الناحية السياسية، على اعتبار أهمية المحورين داخل المجتمع الدولي، إلا أنه على الأقل من الناحية الاقتصادية لابد من تعزيز التوجه نحو محاور أخرى جديدة للتفاعل، نظرا للتفاوت في موازين القوى بين الطرفين الذي لا يسمح بالمعاملة العادلة، ما يجعل هذا التفاعل اقتصاديا خاضعا لمنطق الفرض والقبول، وهو ما يشكل أهم العقبات أمام التنمية الاقتصادية المنشودة. المغرب والقوى الصاعدة: إن القوى الصاعدة في آسيا تشكل متنفسا اقتصاديا هاما للمغرب وجب استثماره بشكل أفضل، تنويعا لشركائه الاقتصاديين، وجعل قراره السياسي أكثر استقلالية، والتخفيف من حدة منطق القوة الاقتصادي الذي تفرضه الوجهات الكلاسيكية. المغرب ودول أمريكا اللاتينية: يمكن كذلك للمغرب الاستفادة من التجارب التي تعتمدها دول أمريكا اللاتينية على صعيد التنمية الاجتماعية، من خلال تبادل التجارب، خاصة وأن المغرب استطاع في السنوات الأخيرة إقناع العديد منها بسحب الاعتراف بحركة "البوليساريو" مما يفسر تنامي هذه العلاقات و الحاجة لتطويرها. المغرب ودول الخليج: لقد شكلت هذه الدول منذ مدة دولا صديقة للمغرب، ومساهمة في تنميته البشرية، وهو توجه مازال قائما وينبغي تدعيمه، حيث تساهم هذه الدول بمجموعة من الاستثمارات في الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب.
المغرب والدول المغاربية: بموازاة مع تحركاته الدبلوماسية الخارجية، يعيش المغرب على إيقاع أنشطة حكومية وحزبية وجمعوية تولي أكبر الاهتمام لقضيته الوطنية الأولى ولآخر تطوراتها• والملاحظ أن هذه التحركات تقوم على الانفتاح والتشبث بالشرعية الدولية وبالسلام في المنطقة على أساس الحل السياسي، وتعزيزا لهذا المنطق، يبدو أن السبيل الأنجع للتقدم في توحد الدول المغاربية، هو البحث بجدية في التقارب المغربي الجزائري دون كلل، وهنا تبرز أهمية التحركات المنظمة و المتوافقة للإعلام و لفعاليات المجتمعين المغربي و الجزائري بما يحقق نوعا من الضغط على الحكومات لاتخاذ خطوات ايجابية في هذا الاتجاه• المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء: إن إفريقيا جنوب الصحراء، تشكل بالنسبة للمغرب مجالا هاما لتصريف منتجاته واستثماراته، وإذا كان المغرب قد عمل على تكريس هذا المعطى، وبدأ بتفعيله في كل من موريتانيا والسنغال، إلا أنه ما يزال هناك مجال للمزيد. المغرب والمنظمات الدولية: إن المنظمات الدولية تعتبر شريكا أساسيا لتحقيق التنمية البشرية، والمغرب في هذا الإطار نسج علاقات هامة مع البنك العالمي، والوكالات التابعة للأمم المتحدة، كما أنه من جهة أخرى ينبغي التركيز على دعم الموظفين الدوليين من أصل مغربي داخل هذه المنظمات، والذي يبقى عددهم ضعيفا مقارنة بمصر وتونس، فرغم استقلاليتهم قانونيا، إلا أنه لا يمكن تجاهل الدور الذي بإمكانهم لعبه لصالح المغرب.
2: قضايا مركزية في حاجة إلى دعم بتوجهات جديدة أ - نزاع الصحراء: إن موضوع الوحدة الترابية للمغرب ظل من المواضيع التي تكتسي حساسية بالغة في الدبلوماسية المغربية، إلا أن الانفتاح الذي انتهجه المغرب في مقاربة هذا الملف في السنوات الأخيرة كان له انعكاس إيجابي في السعي نحو وضع مقترحات حلول تحظى بارتياح شعبي أوسع، وبقوة منطقية أكبر، ومن ذلك :
مقترح الحكم الذاتي، الذي عرض على الاستشارة أمام كافة الأحزاب المغربية، وإن كان من المحبذ توسيع هذه الاستشارة لتشمل أيضا الأوساط الأكاديمية، وبعض الفاعلين ذوي الاهتمام بالموضوع. إنشاء المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء، والذي رغم المؤاخذات التي أفرزتها تركيبته، والدعوات المطالبة بمأسسته بقدر أكبر إلا انه يظل خطوة إيجابية أعطت لأهل الصحراء آلية للتحرك ضمن هذا الملف، وأصبحت هذه التحركات تدحض تدريجيا مقولة الشعب الصحراوي ذي اللون الواحد (البوليساريو) سواء في الإعلام ولدى صناع القرار الدولي، وبمعنى أدق انفتح الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي على تصور أكثر واقعية لوضع النزاع وبدأ يقتنع بأن هناك طرفين لتمثيل الشعب الصحراوي، أغلبية موجودة بالمغرب وأقلية تدعوا للانفصال. إن أهم ما يثير الانتباه في دعم هذا المعطى هو اعتماد المجلس الاستشاري لأسلوب جديد مستوحى من نفس المنطلقات الوطنية ولكنه أسلوب أكثر مردودية، وهنا نقف على اعتبار مقترح الحكم الذاتي في خطاب المجلس أنه صيغة لتقرير المصير، ونعتقد أن إشاعة هذا الخطاب ودعمه واعتماده سيكون له مردود كبير في البحث عن إيجاد حل سلمي وسياسي للنزاع يكون أبناء الصحراء طرفا في صنعه، خصوصا إن وجدت آلية للتواصل بين الصحراويين فيما بينهم، هؤلاء الموجودون على الأرض المغربية و أولئك الموجودون فوق التراب الجزائري. ويبقى أهم الإكراهات التي خلفها هذا النزاع إنهاكه لرهان التنمية بالمغرب والمنطقة، ووقوفه أمام خيار الشعوب المغاربية في التوحد و الاندماج، حيث كلف المغرب و الجزائر الكثير من الجهود الفكرية والدبلوماسية بل وأيضا المادية والبشرية، هذا إضافة إلى ما رتبه هذا النزاع من انعكاسات إنسانية على الشعبين المغربي والجزائري، من ذلك ما يعانيه المغاربة بمخيمات لحمادة بالجزائر من جراء الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها، وكذلك تشتيت الروابط العائلية بين العديد من الأسر الموزعة بين البلدين. وإذا كانت الدبلوماسية المغربية قد اتخذت خطوة إيجابية برفعها التأشيرة على المواطنين الجزائريين للتخفيف من وطأة هذه التفرقة، إلا أن رد الفعل الجزائري لم يكن إيجابيا تجاه هذا الفعل ، ويرجع ذلك إلى الهاجس الأمني الذي طغى على السياسة الجزائرية في تدبير علاقات الجوار، و من جهة أخرى بقاء الحكومة الجزائرية مخلصة للحسابات السياسية التي تورطت فيها تجاه ملف الصحراء منذ كان العالم يعيش نظام الثنائية القطبية. إن أي تفكير في إيجاد حل لهذا النزاع بين الفرقاء لابد له وأن يستحضر ضرورة التسريع من وتيرته، ومراعاة الجانب الإنساني أولا، تجنيبا للبلدين المزيد من الإكراهات التنموية التي يتخبط فيها شعبيهما.
ب - الجالية المغربية بالخارج: إمكان فعلي بمواطنة ناقصة: أن يكون لدولة معينة جالية كبيرة منتشرة عبر ربوع العالم شئ إيجابي جدا، فبمغادرتها لأرض الوطن تكون قد ساهمت في تخفيف البطالة وبالتالي التخفيف من التوترات الاجتماعية، وبعد استقرارها في أرض المهجر تساهم في تنمية وطنها الأم عبر التحويلات المالية، كما تساعد على تعزيز السياسة الخارجية للبلاد باعتبارها أداة أخرى لتصريف السياسة الخارجية، لكن هذه الايجابيات تبقى رهينة بالقدرة الفعلية للدولة الأصلية على متابعة تطور جاليتها والتأثير فيها من جهة، ثم تعزيز دورها وحماية حقوقها من جهة أخرى. وفي هذا الإطار فإن الجالية المغربية بالخارج تجاوزت (3) مليون مهاجر موزعين بالترتيب على كل من أوروبا، العالم العربي، أمريكا، ثم باقي العالم، وتقدر تحويلاتهم المالية نحو المغرب ب 40 مليار درهم سنويا، أي 10% من الناتج الوطني الخام، كما أنها تتحرك بين الفينة والأخرى عبر الجمعيات المؤطرة لها في بلاد المهجر لدعم القضايا الرئيسية للسياسة الخارجية المغربية، كما تساهم في التعريف بالمغرب عبر الأنشطة الثقافية التي تقوم بها، وهي كذلك تساهم في جلب الاستثمارات والسياح إلى المغرب، وبذلك يتضح أن الجالية المغربية بالخارج هي إمكان سياسي وثقافي وليس اقتصادي فقط، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو هل المغرب يستغل كل الإمكانات التي تتيحها له جاليته بالخارج عبر معادلة التوجيه السياسي والحماية الحقوقية؟ بمعنى آخر هل للمغرب سياسة واضحة تجاه جاليته؟ وانطلاقا من مقولة المؤسسات تعكس السياسات، يتضح أنه إلى حدود سنة 1990 لم يكن المغرب يتوفر على مؤسسات مختصة في التعامل مع جاليته بالخارج، وفي هذه السنة تم إحداث الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بشؤون الجالية المغربية بالخارج، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وذلك لتحقيق هدفين، أولهما مركزة ملف الجالية الذي كان موزعا على عدة مصالح، وثانيهما تعزيز الروابط بين المغرب وجاليته لضمان تدفق التحويلات. وفي سنة 1995 تم تقزيم الوزارة إلى مجرد سكرتارية تابعة لوزير الشؤون الخارجية والتعاون قبل أن يستفرد هذا الأخير بشؤون الجالية سنة 1997، وفي سنة 1998 أحدثت لجنة وزارية مكلفة بالبث في مختلف المشاكل المرتبطة بالهجرة، ليتم سنة 2000 إحداث وزارة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون مكلفة بالجالية المغربية بالخارج، قبل أن يعلن الملك عن تشكيل المجلس الأعلى للمهاجرين، والذي سيشكل لا محالة أداة لتمثيل المهاجرين و التواصل معهم، لكن بالمقابل نتمنى أن لايزيد من تشتيت ملف الجالية الموزع أصلا بين وزارة الخارجية، ومؤسسة الحسن الثاني، ومؤسسة محمد الخامس، إضافة لهذا المجلس. و يبدو أن انتظارات المهاجرين، وخدمة المصالح الوطنية في هذا المضمار تقتضي الكف عن النظر إليهم كمصدر للتحويلات المادية فقط، كما تستدعي تمثيلهم سياسيا في المؤسسات المنتخبة، فالمغرب لم يعرف سوى محاولة محتشمة في هذا الإطار من خلال الولاية التشريعية 1984-1992 التي عرفت تواجدا لممثلين عن الجالية المغربية بالخارج. إن الجالية المغربية تحتاج كذلك إلى تأطير ديني و لغوي وثقافي مستمر يساعدها على الحفاظ على هويتها المغربية التي بدأت تندثر مع تعاقب الأجيال، وتحتاج أيضا إلى آليات تمكن من متابعة إدارية دائمة لمشاكلها اليومية في بلاد المهجر. ج - البعد الإفريقي و ضرورة تعزيز الأدوار إذا كان المغرب مرتبطا بإفريقيا بفعل انتمائه الجغرافي لها، فإن المعطى التاريخي قد عمق من هذا الارتباط وجعله خاضعا لجدلية التأثير والتأثر في علاقاته بدول القارة خصوصا في إطار الملف السياسي للدبلوماسية المغربية في الفترات السابقة، كما تبرز أهمية الأبعاد الاقتصادية في الوقت الحالي. في هذا الإطار اكتست وتكتسي المنطقة الإفريقية أهمية قصوى بالنسبة للمغرب باعتبارها عمقا استراتيجيا، الأمر الذي دفع بالمغرب إلى التعبير عن ذلك سياسيا كما جاء في الدستور "المغرب دولة إفريقية تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية"، هذا الارتباط العضوي جعل التفاعل بينهما أمر حتمي، وإن اكتسى ذلك طابعا إيجابيا أحيانا وسلبيا أحيانا أخرى: يتجلى الطابع الإيجابي في تبني المغرب منذ الاستقلال لتوجه هادف إلى توحيد إفريقيا وتحررها، وإنشاء أمة إفريقية متعاونة ومتضامنة، وذلك عبر تبنيه لأولى المبادرات في هذا الاتجاه والتي أفرزت مؤتمر الدارالبيضاء لعام 1961، ومساهمته في مد المساعدة لحركات التحرر بإفريقيا، ثم اصطفافه مع الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية، وترأسه لقمم منها، آخرها قمة الرباط لعام 1972. أما الطابع السلبي لهذا التفاعل فقد تجلى في عجز المنظمة الإفريقية عن إيجاد حل لمشكل الصحراء، وتنكر بعض الدول للدور الإفريقي للمغرب، ومناوشتها حول وحدته الترابية، ثم الاعتراف بحركة "البوليساريو" كعضو في المنظمة الإفريقية، ما رتب انسحاب المغرب منها. والسؤال الذي يطرح هنا يتعلق بجدوى قرار الانسحاب؟ ونتائجه على العلاقات الإفريقية للمغرب؟ إذا كان قرار الانسحاب يجد مبرراته في استحالة انتماء المغرب لمنظمة تضم حركة "البوليساريو"، إلا أن ذلك لايعفي من إبداء مجموعة من الملاحظات في هذا الإطار: إن قرار الانسحاب، وقبله القبول بعضوية الحركة داخل المنظمة، إنما هو انعكاس لما كانت تعانيه الدبلوماسية المغربية في تلك الفترة، من عجز عن انتهاج دبلوماسية وقائية تحول دون اتخاذ مثل هذا القرار. تركز الفعل الإفريقي للمغرب على تفاعلات مع دول متوسطة القوة، في مقابل تفاعلات ضعيفة مع الدول المؤثرة في القارة مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا، واللتان أبدتا اعترافهما بالجمهورية الوهمية "البوليساريو". هذا إلى جانب تحميل الانسحاب للمغرب مزيدا من الجهود المبذولة في خدمة قضاياه إفريقيا، عبر تشتيت مجهوداته على العلاقات الثنائية، وبعض التجمعات الجهوية. ثانيا: مستقبل التنمية البشرية ضمن إطار السياسة الخارجية: -1 البرامج الإصلاحية المفروضة: لقد شكل انهيار الإتحاد السوفياتي فرصة ذهبية لأنصار الليبرالية للتأكيد عليها كنموذج أفضل وأمثل لحكم العالم، فربطت الدول والمؤسسات المالية الدولية مساعداتها بالدمقرطة والإصلاح السياسي والتداول على السلطة،بل وفرضته فرضا، وفق سياسة دولية تتحكم فيها لغة الإملاءات و لا تتجاوب بالضرورة مع الإكراهات المحلية، ومتطلبات التنمية المفروض انسجام التعاطي بشأنها مع الخصوصيات المحلية. فقد أسس تقرير التنمية الإنسانية العربية (2002) لبروز سلسلة جديدة من هذه المبادرات الإصلاحية المفروضة، ذلك أن الفكرة التي خلص إليها هذا التقرير هي أن الدول العربية تعاني من نقص في الحرية وتمكين النوع والمعرفة، أدى إلى خلق أجيال من اليائسين والمحبطين، في ظل استمرارية أنظمة وأحزاب في السلطة دون أن يسلبها الدهر شيئا من قوتها وجبروتها، مما شكل الأرضية الخصبة لآلاف من الراكضين وراء الموت. هذه الخلاصات انسجمت مع تبريرات الولايات المتحدة الأمريكية في إخضاع المنطقة لخيار لقوة والدبلوماسية، حيث تم احتلال العراق سنة 2003، والسعي الدؤوب لفرض مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تراجع تحت ضغوط، وعدلت عنه الإدارة الأمريكية لصالح منتدى الشرق الأوسط للإصلاح، المصير نفسه حل بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي انكسر أمام صخرة المقاومة في لبنان و فلسطين والعراق. إن المغرب وإن كان قد انخرط في سلسلة من الإصلاحات، وعدم معارضته لصيغة مشروع الشرق الأوسط الكبير (السياسية)، ودخوله من ذي قبل في تجربة التناوب التوافقي والذي أكسبه شيء من المناعة في مواجهة المشاريع و الصيغ المستوردة لديمقراطيته، إلا أن كل ذلك لم يمنع من بروز فئة عريضة مهمشة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. والتحدي المطروح أمام انخراط المغرب في هذه المسلسلات الإصلاحية هو كونها تحمل في ظاهرها بعدا تنمويا، وإصلاحيا، لكنها في العمق قد تضعف من قدرة المناورة لديه، وقد تؤثر على الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المبتغاة، لكون هذه المسلسلات تبشر بنمط مستورد للديمقراطية و الحرية والتنمية، وفق قوالب غربية لا تراعي الخصوصيات وإنما مصالح واضعيها، ولما كانت تنظيمات المجتمع من الرافعات التي تعتمد عليها المشاريع المذكورة في تحقيق أهدافها، وأمام تدفق الأموال و خطورتها أحيانا في خلق التغيير المفروض، نلاحظ منع الإدارة المغربية استلام أي دعم أجنبي لمؤسسات المجتمع المدني وهيئاته، وهو ما نعتبره خطوة وقائية، إلا أن ضبط التدخل الأجنبي يستلزم رقابة أكثر في مجالات تتجاوز المجتمع المدني، إلى غيره من المجالات الاقتصادية، فإلى أي حد يمكن التوفيق بين هذين الوجهين المتعارضين؟
2 - الانفتاح: آثار اتفاقيات التبادل الحر على التنمية البشرية: لقد اكتست العلاقة ما بين حرية التبادل التجاري والتنمية وتطور الديمقراطية زخما قويا وازدادت وضوحا بعد نهاية الحرب الباردة، فالتجارة والتنمية والممارسة الديمقراطية تكمل بعضها بعضا، ويصعب تطبيق إحداها بمعزل عن الأخرى، فتطور المجتمعات لا يتحقق بدون تنمية ناجعة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والحرية السياسية لا معنى لها في مجتمع يسوده الفقر، وتعاني شريحة كبيرة فيه من الجهل والإقصاء والتهميش، وبالمقابل فإن التنمية المستدامة لن تتحقق دون المشاركة الفاعلة للفرد في صنع القرار كيفما كانت طبيعته ومجاله. وعليه فإن الآثار الإيجابية للتجارة الحرة لصالح التنمية ترتبط بوجود نظام اقتصادي دولي يكفل الفرص لجميع دول العالم على نحو يساعد في تضييق الفجوة الاقتصادية القائمة بينها. والمغرب في سعيه الحثيث منذ الاستقلال لتحديث نظامه السياسي والاقتصادي ليواكب الركب العالمي، وكذا إقدامه منذ بداية الثمانينات على تسريع مسلسل الإصلاحات الاقتصادية بتبني برنامج التقويم الهيكلي، وإطلاقه منذ سنة 1993 لبرنامج واسع للخوصصة وتحرير الاقتصاد، وكذا توجهه نحو بناء الدولة الديمقراطية عبر عقلنه الحقل السياسي ومعالجة الملفات القديمة والأكثر إثارة للجدل بجرأة، خاصة في مجال توطيد حقوق الإنسان، فقد وضع نصب عينيه تحقيق هدف واحد هو تحقيق التنمية الشاملة التي لازال ينشدها حتى اليوم. وإذا كان المغرب قد حسم خيار انفتاحه الحر على الاقتصاديات العالمية عبر توقيعه في السنوات الأخيرة مجموعة من الاتفاقات التي تروم إنشاء مناطق للتبادل الحر، وهي اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي في فبراير 1996، وإعلان أكادير في فبراير 2004، مع كل من مصر وتونس و الأردن، والذي يعتبر تأسيسا لبلوغ منطقة عربية حرة، وأيضا إبرام اتفاق للتبادل الحر مع تركيا في ابريل 2004، ثم اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية في يونيو 2004، وتندرج كلها ضمن العمل على جعل المغرب سوقا عالمية مفتوحة، وأيضا فتح أسواق العالم أمام الاقتصاد المغربي، مع عدم استبعاد الخلفيات ذات البعد السياسي. والسؤال الذي يطرح هنا يتعلق بالمخاطر التي تحملها هذه الاتفاقيات على النسيج الاقتصادي بشكل عام، وعلى المجال الاجتماعي بشكل خاص؟ إن المخاوف الاقتصادية تنبعث مما يمكن لهذه الاتفاقيات إفقاده من مداخيل جمركية على واردات خزينة الدولة، حيث يخسر المغرب على سبيل المثال جراء شراكته مع أوروبا سنويا أكثر من ثلاثة ملايير درهم (أي ما يعادل 1% من ناتجه الداخلي الخام غير الفلاحي)، هذا إضافة لكون أكثر من 70% من النسيج المقاولاتي بالمغرب هو عبارة عن مقاولات صغرى يتهددها هذا الانفتاح بالإفلاس والاندثار، مما سيخلف نتائج سلبية أخرى ذات طابع اجتماعي. هذا ما يقتضي الانتقال إلى مستوى أخر للتحليل، والمتمثل في الضمانات التي يمكن أن تقدمها الدول القوية اقتصاديا للدول الضعيفة مقابل تنازلها عن سيادتها الاقتصادية، وهو النقاش المتعلق بجعل القانون الاقتصادي الدولي أكثر عدلا وإنصافا، وبالتالي خلق قانون اقتصادي تنموي مندمج، فالعالم بحاجة إلى نظام اقتصادي دولي عادل قبل أن يكون في حاجة لنظام اقتصادي دولي منفتح.
3 - مواجهة الهواجس الأمنية: يعد مفهوم الأمن من المفاهيم التي تتميز بغموضها في العلاقات الدولية، وقد تطور هذا المفهوم بعد نهاية الحرب الباردة ليشمل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بعدما كان حكرا على المجال العسكري، بموازاة مع تطور مصادر التهديد حيث ظهرت هواجس أمنية بمثابة تهديدات غير عسكرية ذات طبيعة إستراتيجية (استمرارية الحروب- الإرهاب- الجريمة العابرة للحدود- المخدرات- الهجرة الدولية- الأمراض المنقولة عبر الحدود- والمشروطية). والمغرب بحكم انفتاحه الاقتصادي والسياسي، وبحكم موقعه الجغرافي، لايمكن أن ينأى بنفسه عن هذه الهواجس، وعن تداعياتها على التنمية الاقتصادية، والسياسية، وحتى الاجتماعية. الحرب: يعد هاجس اندلاع أو قيام حرب بين المغرب وجيرانه من الهواجس التي تطرح نفسها في ظل النزاعات الترابية والحدودية، سواء مع جارته الشمالية (اسبانيا: جزيرة ليلى 2002) أو الشرقية (الجزائر: استمرارية التوتر حول مشكل الصحراء). الجريمة والهجرة والمخدرات أو(التهديدات المترابطة): إن المغرب بلد مصدر للهجرة بامتياز، إضافة لكونه بلد عبور للمهاجرين سواء القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء أو آسيا، كما يعتبر بلد إنتاج، وتصدير للمخدرات، وكلها أمور حفزت عصابات المافيا للاتجار بالبشر والمخدرات بالمغرب على حد سواء، مع ما يخلفه ذلك من تداعيات على الموارد التنموية للبلاد. الأمراض المنقولة عبر الحدود: لاشك في أن سياسة الانفتاح التي انتهجها المغرب وإن كانت لها نتائج إيجابية في عدة مجالات، إلا أن المغرب سيكون له نصيب من نتائجها السلبية، ذلك أن انخراطه في إطار العولمة القائمة على تذويب الحدود، والاعتماد المتبادل، وحرية انتقال البضائع والبشر ، يضاف إلى ذلك موقع المغرب ومناخه المعتدل، كلها عوامل كفيلة بجعل المغرب عرضة للأمراض المنقولة عبر الحدود، سواء المنقولة بشريا أو حيوانيا (هجرة الأسماك و الطيور). المشروطية: إن انتهاج المغرب منذ استقلاله لسياسة تحرير الاقتصاد، وخضوعه لشروط المؤسسات المالية الدولية، إثر أزمة المديونية التي أثرت على الاقتصاد الوطني في بداية الثمانينات، والمتمثلة في برامج التقويم الهيكلي المركزة على الجوانب المالية دون الاجتماعية، خلفت نتائج عكسية على المجتمع المغربي (الاضطرابات الاجتماعية: 1981- 1984- 1990)، مما أنتج بعض الانحرافات في السلوكيات الاجتماعية لجزء من الشعب المغربي، فبعد انتشار البطالة والفقر انقسمت هذه السلوكيات إلى طائفة ألقت بنفسها في عرض البحر بغية معانقة الفردوس الأوروبي، وفئة انتهجت سبل المخدرات إنتاجا وتجارة، وفئة نكصت على عقبيها وارتمت في أحضان الراديكالية والتطرف. الإرهاب: لقد خلفت النتائج السالفة الذكر، وانخراط المغرب الغير مشروط في الحرب الدولية على الإرهاب، ظهور جماعات متطرفة بالمغرب أفرزت وقوع مأساة 16 ماي 2003. هذه الهواجس مجتمعة جعلت المغرب يخسر نصيبا من رأسماله البشري الكفيل بتحقيق التنمية المنشودة. 4 - نحو دبلوماسية موازية هجومية: إن التطور الذي عرفه المجتمع الدولي، وما رافق ذلك من تيسر سبل الاتصال والمواصلات ونقل المعلومة، وسهولة التواصل بين أفراد ومجموعات تباعدها الجغرافيا، لكن قد يوحدها الفكر، كان من انعكاسه تنامي الدور الذي يمكن للدبلوماسية الموازية أن تلعبه في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، فأصبح كل مواطن بمثابة ممثل لبلده، وبإمكانه لعب أدوار قد يصعب أحيانا حتى على الفاعل الرسمي الاضطلاع بها. إن ذلك أصبح يفرض على الفاعلين في الدبلوماسية الموازية المغربية من برلمان ومجتمع مدني وجالية وفاعلين اقتصاديين وأكاديميين وإعلام وغيرهم، نهج دبلوماسية موازية أكثر ديناميكية، تعكس واقع تفاعل المغاربة مع قضاياهم المحورية، إضافة إلى تشكيل قوة اقتراحية جادة ومؤثرة، تشتغل بالموازاة مع الفاعل الرسمي، تسنده بمعطيات وتحاليل يكون بإمكانه الارتكان إليها، واعتمادها في ما يتخذه من قرارات. كما يلزم في هذا الإطار التحلي بالشجاعة في مقاربة جميع المواضيع المتعلقة بالدبلوماسية المغربية، والبحث في سبل تطوير معالجتها، واللجوء إلى النقد الموضوعي متى استلزم الأمر ذلك، والسعي إلى تشكيل قوى ضغط واعية تروم الإسهام في تأهيل الدبلوماسية المغربية، إضافة إلى التنقيب في سبل خلق لوبيات مغربية في الدول ذات التأثير داخل المجتمع الدولي خدمة للقضايا الوطنية، دون نسيان الدور الذي يمكن للجالية المغربية بالخارج أن تلعبه في حث دول إقامتها ومجتمعاتها المدنية على الاهتمام أكثر بقضايا التنمية بالمغرب. إن ذلك يستلزم بالمقابل تجاوبا أكبر من قبل الفاعل الرسمي في المجال الدبلوماسي، وانفتاحا أوسع على المؤسسات والمعاهد المتخصصة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، بغرض وضع إستراتيجية دبلوماسية يتماهى فيها الرسمي بالموازي، تأسيسا لثقافة دبلوماسية توائم بين التجربة العملية، والتنظير الأكاديمي، دون إغفال الواقع التفاعلي، من أجل دبلوماسية قوية، مؤثرة وهجومية، وذات مردودية.
• تخريج: إن توفر المغرب منذ القدم على علاقات دولية متأرجحة بين قوة وضعف الدولة، قائمة على الامتداد والانكماش ، وانتهاج سياسة التوازن بين الشركاء في العصر الحديث، تدعو للتساؤل إلى أي حد تمكن المغرب من استثمار هذه العلاقات لصالح قضاياه الجوهرية (القضية الترابية- تحقيق التنمية)، فتوفر المغرب على جالية منتشرة عبر العالم ومركزة بأوروبا، تشكل موردا هاما للعملة الصعبة، لكن يبقى استثمارها السياسي كجماعة ضاغطة تدافع عن القضايا الوطنية في دول الاستقبال دون المستوى المطلوب. وباعتبار النزاع حول الصحراء قضية جوهرية في السياسة الخارجية المغربية، فإن مرور زهاء العقدين على انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، يدفع إلى التساؤل حول ما حققه المغرب بعد الانسحاب في خدمة هذه القضية، وماذا كان ليحققه لو اتخذ قرارا مغايرا. وحيث أن نزاع الصحراء في جزء أساسي منه هو ثمن غال قدمه ويقدمه المغرب نتيجة اختياراته السياسية في فترة الحرب الباردة المساندة لحلف الولايات المتحدة الأمريكية، ونظرا لضعف المبادرة الأمريكية لحل النزاع وتغير أولوياتها الإقليمية على ضوء المعطيات الدولية الجديدة (القطب الواحد، محاربة الإرهاب، البحث عن مصادر متنوعة للبترول...) يدفع إلى التساؤل حول جدوى الاستمرار في بعض التوجهات على مستوى العلاقات الدولية. ويطرح تساؤل آخر حول مدى بقاء علاقات المغرب الإفريقية رهينة بتفاعلاته مع دول الساحل والصحراء، في حين يبقى محور التفاعل الإفريقي المؤثر هو نيجيريا وجنوب إفريقيا، وهو محور يشهد قلة النفوذ الإفريقي للمغرب مقارنة بالجزائر. إن التحولات التي عرفها العالم بعد نهاية الحرب الباردة، في شقها السياسي، والأمني، والاقتصادي، لكفيلة بدفعنا لطرح السؤال، حول مكانة المغرب في ظل المؤهلات التي يتوفر عليها، سواء الطبيعية أو المكتسبة، وكيف استثمرها في سبيل تحقيق التنمية، في الوقت الذي اهتدى فيه العالم إلى اعتبار التنمية السياسية أساسا للتنمية الاقتصادية، وهما معا خير ضامن لتجنيب الهواجس الأمنية العابرة للحدود، وكلها تصب في خدمة التنمية البشرية المنشودة. • توصيات: 1 - تعزيز الثقة في التوجه الجديد الذي أصبح يطبع المقاربة المغربية تجاه ملف الصحراء، والاستمرار في تأكيدها، سيما أنها مقاربة تعمل على خطة تمزج بين المستوى التنموي، والسياسي، والتشاركي في إيجاد حل نهائي للنزاع، ونؤكد على ضرورة تبني خطاب الحكم الذاتي، ودعم اعتباره صيغة لتقرير المصير، خصوصا بعد تبنيه من طرف المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء، وهو الممثل لغالبية الصحراويين، كما نعتبر الظرف مناسبا أكثر من أي وقت مضى لفتح حوار مباشر بين أبناء الصحراء سواء الموجودين على أرضهم أو المتواجدين بالجزائر، لإيجاد الصيغ الأنسب لضمان مصالح الجميع، وتجاوز الخلافات التي تراكمت في ظل غياب المواجهة السياسية المباشرة بين الطرفين. 2 - دعم التوجه الإفريقي واستثمار قدرة المغرب على اختراق أسواق جديدة داخل القارة باعتماد سياسة تأخذ في الحسبان أهمية العمق الإفريقي ليس في الجوانب الاقتصادية فحسب ولكن أيضا في الأبعاد السياسية والثقافية، إن التركيز على التوجه الإفريقي لا نقصد به عدم جدوى السياسات الاقتصادية القائمة، وإنما ضرورة تعزيزها بهذا التوجه الذي نعتقد في جدواه للمرحلة القادمة. 3 - استثمار التنوع الثقافي الوطني في سياستنا الخارجية، سيما المكاسب التي حققتها وتحققها الثقافة الأمازيغية، وهو ما من شأنه أن يقدم كنموذج على المستوى الإقليمي والقاري، والمساهمة في جعل المغرب قطبا جاذبا للثقافة الأمازيغية في المنطقة و في العالم، على غرار أقطاب الفرانكفونية و الأنكلوساكسونية.... 4 - التأكيد على أن السياسة الخارجية لم تعد حكرا على الفاعل الرسمي بل تطورت كما وكيفا لتتجاوز ما هو دبلوماسي لما هو اقتصادي وتنموي وثقافي وديني، من هذا المنطلق نرى ضرورة توسيع قنوات تصريفها عبر مؤسسات غير حكومية في إثارة قضاياها، فبقدر ما يستوعب وعاء السياسة الخارجية لأدوار فاعلين جدد، بقدر ما تدعم التصورات والمقترحات الكفيلة بتعزيز الصورة الموحدة للفعل الدبلوماسي وتيسير تحقيق أهدافها. 5 - دعوة الأحزاب السياسية الوطنية لتقديم تصوراتها للسياسة الخارجية للبلاد في برامجها الانتخابية لسنة 2007 على نحو يجعلها في طليعة القوى المؤهلة للمساهمة في رسم السياسات ووضع الاستراتيجيات بخصوص الشأن الدولي للمغرب. 6 - دعوة الفاعل الإعلامي للانخراط في متابعة ملفات السياسة الخارجية على اعتبار أنه معني أكثر من أي وقت مضى بالتأثير في منظومة الفعل الخارجي، أمام الأهمية المتزايدة للإعلام على المستوى الدولي وقدرته الجبارة في التأثير على السياسات تجعل منه شريكا بامتياز في صلب التفاعل الدبلوماسي، ويبقى هذا الدور رهينا بدعم مؤسساته وآلياته لينافس في تعزيز صورة المغرب بالخارج وخدمة المصالح العليا للبلاد.
#عبد_الفتاح_البلعمشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|