أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي















المزيد.....

بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8088 - 2024 / 9 / 2 - 17:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظلت المنطقة العربية الحالية تُشكل القلب النابض للحضارة الإنسانية طوال أزمنة سحيقة من عمر العالم القديم. حينذاك، لم تنعزل أو تنزوي أو تختبئ أو تهرب يوماً من ملاقاته والتفوق عليه على أغلب الصُعُد. دائماً ما كانت تَسحره بثرواتها ومنجزاتها، تأسره بمفاتنها، وكثيراً ما تُقحمه، تُجبره على التعلم منها وتقوده إلى الأمام، نحو مزيد من التحضر والعمران. حتى عندما نالت منها الشيخوخة وأصابها الوهن وتجرأت عليها وقهرتها وغزتها أممٌ من الشرق والغرب، عادت كل أُمةٍ منهم، من ضمن ما حملته معها، بوديعة حضارية لا زال إلى اليوم يمكن بسهولة تتبع أصولها عودةٍ إلى المنطقة العربية. ما من باحث واحد شرقي أو غربي لم يُقر بحقيقة المساهمة التأسيسية الأصيلة لهذه المنطقة على وجه الخصوص في مسيرة التطور الحضاري للإنسانية. من هذه المنطقة، انطلقت الرسالتان التبشيريتان الأعظم على الإطلاق والأوسع انتشاراً حتى يومنا هذا- المسيحية والإسلام- لتوقظا ضمائر البشرية وتوحدا بين الشعوب والأقوام في أُخوة إنسانية غير مسبوقة النطاق. رغم ذلك، في العالم الحديث، كأن المنطقة العربية قد اختارت الافتراق عن الركب الحضاري العالمي، والاستغراق ببطء وعن عَمَد في انعزالية، أو ما تسميها خصوصية، شيدتها من مجرد أوهام اليقظة وتكاد تُخرجها ليس من مواكبة التطورات العالمية المعاصرة فقط لكن من الحياة ذاتها، فيما يشبه الانتحار الذاتي الجماعي المُتَعمد. سأحاول هنا التصدي لبعض هذه الأوهام- الخصوصيات- العربية المزعومة كما تنعكس في التصورات العربية حول ثلاث مفاهيم: الديمقراطية والبيعة والشورى.

1- الديمقراطية

كان ظهور الديمقراطية في الدول/المدينة اليونانية القديمة سابقاً على ظهور الإسلام في المنطقة العربية بنحو ألف (1000) عام كاملة. رغم ذلك، واصلت شعوب المنطقة آنذاك حياتها وفقاً لأعرافها وتقاليدها المتوارثة وغضت الطرف كُلياً عن ذلك التطور السياسي المعاصر لها. ليس معنى ذلك أن سكان المنطقة في ذلك الزمان لم يكونوا على علم أو دراية بهذا التطور. لأنه، بالنظر إلى التفاعل والاتصال الحاصل بالضرورة وعلى مدار التاريخ فيما بين شعوب ضفتي المتوسطي، لابد أن وجهاء القوم ومفكريهم على الأقل كانوا قد سمعوا بالديمقراطية اليونانية وقرأوا عنها حتى من قبل مجيء الإسكندر الأكبر على رأس جيوشه إلى عُقر ديارهم. عندئذٍ، حتى لو كانوا لم يسمعوا بها أبداً من قبل، لابد أنهم قد علموا بها بشكل جيد وعن قُرب من اختلاطهم مع الغزاة اليونان وعلمائهم والنقل من معارفهم وعلومهم. مع ذلك، لم تحظى الديمقراطية اليونانية ولو بمجرد الاهتمام النظري من قبل شعوب المنطقة العربية الحالية في العصور القديمة، حتى وهم يعيشون في كنف حكم وثقافة يونانية خالصة. لقد نقل العلماء العرب القدامى بالفعل عن اليونانيين الكثير جداً من علومهم باستثناء علم واحد لم يعيروه أدنى اهتمام- الفلسفة السياسية اليونانية القديمة.

في معرض الصراع على زعامة القارة الأوروبية، انتصر الرومان على الدول/المدينة اليونانية الواحدة تلو الأخرى حتى أخضعوها جميعاً وبالكامل لسيطرتهم، ومن ضمنها أثينا. لكن رغم هزيمتها السياسية المُذلة بحد السيف التي أسهب في التحسر عليها والرثاء لها عظماء مفكريها وفلاسفتها، انتصرت أثينا على روما فعلياً بحروف الكلام ومفاهيم الفكر لتتحول إلى الأستاذة والمعلمة الأولى للوجهاء الرومان. ومن صُلب الغنيمة اليونانية، شيد الرومان في مدينتهم الأم روما ركائز جمهورية ديمقراطية إمبراطورية كان مُقَدراً لها أن ترث الإمبراطورية التي جمعها الإسكندر الأكبر قبل زهاء أربعة قرون. كانت المنطقة العربية جزء من التركة التي ورثها الرومان عن اليونانيين. ما فعله العرب مع اليونانيين وعلومهم من قبل، فعلوه ثانية أيضاً مع الرومان وعلومهم سواء التي نقلوها عن اليونانيين أو استحدثوها بأنفسهم في التخطيط والعمران والتنظيم والإدارة وتموين الجيوش وغير ذلك- نقلوا ونهلوا منها بغزارة ونهم عدا بئر واحد لم يشربوا منه قط- التقليد الجمهوري ومرتكزه مجلس الشيوخ الروماني أو السيناتوس في روما. هكذا، قدمت إلى المنطقة واستعمرتها لمئات السنين ثم رحلت عنها اثنتان من أعظم التقاليد الديمقراطية القديمة وأعمقها أثراً في تاريخ البشرية دون أن تخلفا من ورائهما أثراً يُذكر على الأفكار والممارسات السياسية المحلية لشعوب المنطقة العربية القديمة، رغم آثارهما الدامغة والبادية لعيان السائحين والباحثين حتى اليوم في كل شيء آخر.

ثم بعد مرور أكثر من ألف (1000) عام من مغادرة الأوربيين (الرومان)، عاود الغرب الرجوع غازياً إلى المنطقة مجدداً خلال العصر الحديث، هذه المرة تحت تأثير الثورة الفرنسية وبقيادة نابليون بونابارت. هذه المرة كانت مختلفة جوهرياً عن سابقتيها اليونانية والرومانية. في الحقيقة، لم يمكث الفرنسيون طويلاً مثلما فعل اليونانيون والرومانيون. لكنهم، رغم ذلك، وفيما يتعلق بإيقاظ الوعي السياسي والحقوقي على الأقل، أحدثوا في السكان المحليين صدمة حضارية مُزَلزلة لا تزال ارتداداتها فاعلة فينا ومؤلمة لنا حتى اليوم. للمرة الأولى على الإطلاق خلال تاريخهم السحيق، يعير وجهاء المنطقة ومفكروها جانباً من انتباههم لنظريات الحكم الغربية ومؤسساتهم الديمقراطية. الأكثر أهمية لا يزال، هو أنهم تحت رعاية فرنسية ومن بعدها انجليزية شرعوا لأول مرة على الإطلاق في نقل واستزراع مؤسسات الديمقراطية الغربية مثل الدستور والبرلمان والأحزاب وحرية الصحافة واستقلالية القضاء والانتخابات والتداول السلمي للسلطة وغير ذلك في تربة بيئتهم المحلية. عندئذٍ، في كنف وبدعم من مؤسسات الحكم والثقافة الفرنسية والإنجليزية المهيمنة عبر دول المنطقة في ذلك الوقت، كادت المؤسسات الديمقراطية المحلية المأخوذة كنسخ كربونية مما لدى المستعمر أن ترى النور وتشتغل في ذات المنطقة التي قد ظلت تغض الطرف عنها ولا تعيرها أدنى اهتمام طوال أكثر من ألفي عام مضت. هكذا، للمرة الأولى، وضعت الدساتير وقُننت الأحزاب ونُظمت الانتخابات وأُنشأت الصحافة الحرة والقضاء المستقل وتم تداول السلطة بطريقة سلمية بين حكومات الأغلبية البرلمانية. لكنها كانت لا تزال تجربة في المخاض، بعيدة كل البعد عن القدرة على القطيعة مع الماضي والتأسيس لحاضر ومستقبل مغاير.

في النهاية، لم تُعَمِّر التجربة الديمقراطية العربية الأولى أكثر من عُمر الاستعمار الغربي الحديث يوماً واحداً. لأن العرب، بعد أقل من مئة عام من المخاض التحديثي العسير تحت حماية وانتداب الاحتلال، وأدوا بأيديهم أنفسهم الجنين الديمقراطي خلال أقل من مئة عام أخرى من الحكم الوطني المستقل. الواحدة تلو الأخرى، انقضت أنظمة الحكم العربية المحلية على مؤسساتها الديمقراطية التي ورثتها من المستعمر لتفرغها من كل مضمونها. صحيح قد بقيت هذه المؤسسات قائمة مثلما كانت في عهد الاستعمار بعد رحيله، لكنها بقيت أثراً بعد عين، شكل من دون أي مضمون فعال قادر على إحداث التغيير في حياة الشعوب. لا تزال مباني البرلمانات موجودة وتُجدد وتُوسع، والانتخابات تُعقد بصفة دورية، لكن وجودهما كعدمه لا يُقدم ولا يؤخر في حياة السكان. أمام هذا المشهد الاستبدادي المطلق، ظن الكافة من المنطقة وحول العالم أن التقليد الديمقراطي العربي الحديث والقصير العمر قد مات وانتهى للأبد منذ مغادرة آخر جندي أجنبي. هذه البيئة الثقافية غير مواتية بغريزتها لاحتضان قيم التسامح والتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان. والحال كذلك، دون سابق إنذار، تفاجأ العالم كله بما أسماها ’انتفاضات الربيع العربي‘. لماذا يلجأ هؤلاء المحليون أخيراً إلى الشوارع، إلا أن يكون رفضاً منهم لأسلوب حياة يُقصيهم من المشاركة السياسية الفاعلة ويحرمهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية في الحياة الكريمة؟! عندئذٍ فُتحت لفترة وجيزة ثم طُويت صفحة أخرى في المسعى الديمقراطي العربي المتعثر. لكن رغم الفشل المدوي والكارثي، إلا أن العِظة من الانتفاضات الشعبية كانت جلية: حتى لو نُزعت من المؤسسات الديمقراطية كل شكوتها ومضامينها وفاعليتها، لا تزال الفكرة الديمقراطية كامنة، تختمر وتلعب في أدمغة الشعوب العربية.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نَظْرة ذُكورية
- هل التعايش ممكناً بين الديمقراطية والدين؟
- التناقض بين الديمقراطية والدين
- كيف أضعنا غزة مجدداً
- ما هي منزلة المرأة في الإسلام؟
- محاولة لفهم الدولة
- مفهوم الدولة ما بين الإرادة والقوة
- حُلُم الدولة العربية المُجهض
- أصحاب الجلالة والسيادة والسمو
- عبادة المقاومة - حدود حق الدفاع عن النفس
- تفكيك السلطوية العربية-2
- تفكيك السلطوية العربية
- اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية
- جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25
- شرعية الحكم والأمر الواقع
- من خواص العقل العربي المعاصر- حماس عينة
- اللهُ في السياسة
- هيا بنا نَكْذب
- حقيقة الأجهزة السيادية في الدولة الوطنية
- لماذا نَظْلمُ النساء؟


المزيد.....




- ما رد نتنياهو على انتقادات بايدن بشأن صفقة الرهائن؟
- ضربة لشولتس.. فوز -البديل من أجل ألمانيا-
- كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تجريان مناورات إنزال مشتركة ...
- بينهم مغاربة.. الجزائر تعلن توقيف سبعة أشخاص بتهمة التجسس
- نتنياهو: حماس أعدمت الرهائن الست ولن نترك محور فيلادلفيا
- ليبيا تعلن الحداد وتنكس الأعلام في الذكرى السنوية لإعصار -دا ...
- أكثر من 110 قتلى وجرحى في قطاع غزة منذ فجر الاثنين
- -حماس-: تصريحات نتنياهو خطاب اليائس الباحث عن نصر موهوم
- -البرق حوّل الليل إلى نهار-.. أمطار غزيرة تضرب السعودية وجري ...
- إيلون ماسك يتوعد بمصادرة الأصول البرازيلية في الولايات المتح ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين الديمقراطية والبَيْعّة والشورى في الواقع العربي