|
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (11)
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8087 - 2024 / 9 / 1 - 10:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المبحث الثاني: الانقسام وصل الجيش لقد تمدد الانقسام السياسي إلى داخل الجيش وطال جيش الاحتياط بشكل عام، وركنه الأساسي سلاح الطيران، الأمر الذي يشير الى تغيرات سوف تلعب دورًا جوهريًا وربما حاسمًا حيال ما يسمى "الأمن القومي الإسرائيلي". وعليه حاول نتنياهو أن يلعب ورقة عاطفية ممجوجة مع قناعته بعمق الانقسام الأيديولوجي والعقائدي، عبر عنه وزراء في حكومته بشكل لا يدل على أي احترام لليد الإسرائيلية الأكثر طولًا وإجرامًا، بالتوازي مع استخدام مصطلح للمرة الأولى منذ إنشاء الكيان وهو "الانقلاب العسكري". قال نتنياهو: "مهما كانت الاختلافات، فنحن دائمًا متحدون أمام أولئك الذين يريدون قتلنا. الرفض يهدد هذا الأساس الوجودي، وبالتالي يجب ألا يكون له مكان لدينا (...) لا مجال للرفض. لأنه بمجرد أن نمنحه الشرعية، ستنتشر آفة الرفض وتصبح نظاماً". وهذه المناشدة تعكس الانقسام الأيديولوجي والعقائدي المتجلي في الجدل حول الرفض في صفوف قوات الاحتياط، وخصوصًا من سلاح الجو ووحدات خاصة في الاستخبارات، لكن أركان حكومته استخدموا عبارات تدل على "الهوس" زايدوا فيها على نتنياهو مثل وزيرة المواصلات ميري ريغف التي دعت إلى محاكمة الطيّارين، فيما نعتهم وزير الاتصالات شلومو كرعي بـ "الوقحين" وأن إعلانهم الرفض خطوة "نتنة وتعيسة"، مضيفاً: ""شعب إسرائيل" سيتدبّر أمره من دونكم، اذهبوا إلى الجحيم". أما الوزير ايتمار بن غفير فقد ذهب إلى حد الدعوة إلى تسريحهم من الخدمة العسكرية. ومن تفوّقت على الجميع كانت وزيرة الدعاية غاليت دستل أتبريان التي كتبت: "الطيارون مع وقف التنفيذ ليسوا وطنيين. ليسوا ملح الأرض. ليسوا أفضل من شبابنا. ليسوا شعبا رائعاً. ليسوا "شعب إسرائيل".. أنا أكنّ الاحتقار لكل واحد منهم". طبعًا كانت هناك ردود فعل على "الاهانات المتلاحقة" واعلان للتضامن مع المتمردين من الطيارين، حتى أن دان حالوتس -الذي كان رئيسًا للاركان في حرب تموز عام 2006 التي لا يزال الجيش الاسرائيلي يعاني من تعقيدات وعقد هزيمته فيها - رفض الالتحاق بقوات الاحتياط "حتى لو وقعت الحرب". ليس بسيطًا تصدر الركيزتين العسكرية والأمنية معارضة التشريعات الهادفة إلى الحد من استقلالية القضاء، ومشاركة قادة المؤسستين السابقين في حركة الاحتجاج لا سيما في الأسابيع الأخيرة، وكان من بينهم رؤساء أركان سابقون ورؤساء سابقون لأجهزة الاستخبارات العسكرية والموساد والمخابرات العامة (الشاباك) والرئيس السابق للجنة الطاقة النووية وجنرالات في قوات الاحتياط. وكان قد أعلن المئات من طياري الاحتياط في سلاح الجو أنهم سيوقفون تطوعهم في الخدمة في سلاح الجو "لأنهم لا يريدون أن يخدموا في دولة غير ديمقراطية"؛ ما يعني المس بنشاط سلاح الجو؛ لأن نسبة طياري الاحتياط فيه تصل إلى نحو 60 في المئة. وقد تبنى العديد من مشغلي الطائرات المسيرة الموقف نفسه، والخبراء وضباط الاحتياط العاملون في مجال "السايبر" في وحدة الاستخبارات العسكرية 8200. وقد امتدت حركة الاحتجاج إلى قوات أخرى في جيش الاحتياط مثل سلاح المدرعات، ووصلت أيضًا إلى الجيش النظامي. وكان لهذا العامل أثر كبير في إحداث بلبلة في معسكر نتنياهو، وخروج وزير حربه علنًا بمطلب تأجيل التشريع إلى حين التوصل إلى تسوية، إضافة إلى ثلاثة آخرين من نواب الليكود. (9) المبحث الثالث: تراجع الولاء للحكومة من التداعيات المهمة أيضًا، تراجع منسوب الولاء للحكومة من جهة وللجيش من جهة أخرى، والعمل على إنشاء ميليشيات بغطاء حكومي من نتنياهو الذي فقد الثقة بالشرطة والأجهزة الأمنية وحتى الجيش، مثل "الحرس القومي". ومقابل هذه الميليشيا أعلن المعارضون لنتنياهو تشكيلًا مضادًا لحماية أنفسهم وتظاهراتهم من ميليشيا بن غفير - نتنياهو باسم "الحرس المدني" لحماية المحتجين من اعتداءات ناشطي اليمين عليهم. وقال زعيم المعارضة يائير لبيد إنه من الأفضل ألا يؤسس حرس وطني تحت إمرة بن غفير، ووصفه بمهرج الـ"تيك توك" الخطير الذي لم يخدم في الجيش دقيقة واحدة. وكان متان فلنائي نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقًا قد قال إن إقامة حرس وطني تحت تصرف بن غفير بمنزلة منح المافيا الإيطالية جيشًا خاصًا بها. ومن التداعيات التي تثبت تآكل الكيان بحيث بدأت الغدة السرطانية تتفاعل في جسده، الجدل والاتهامات بينه وبين الادارة الاميركية التي تمده بوسائل البقاء ما أمكن، لحاجتها له في المنطقة كذراع اخطبوتية. وفي هذا السياق، اتهم يائير نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الإدارة الأمريكية بتمويل الاحتجاجات في "إسرائيل" لإسقاط حكومة والده، والتوصل لاتفاق مع إيران. لكن وزارة الخارجية الأمريكية نفت ذلك، وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل "هذه الاتهامات باطلة تمامًا وبشكل واضح". طبعًا هذا الوضع ترافق مع اعلان بايدن أنه لن يستقبل نتنياهو حاليًا، مع نصح الأخير بالتراجع عن التعديلات القضائية، وعليه سارع نتنياهو للتأكيد على العلاقة العضوية مع واشنطن قائلًا: واشنطن و"تل أبيب" عرفتا اختلافات في الرأي من وقت لآخر، غير أن تحالفهما "راسخ لا يتزعزع، وما من شيء قادر على تغيير ذلك". كما طلب من وزرائه عدم التعقيب على تصريحات بايدن بعد أن مرروا رسائلهم. ووفقا لموقع "والا" الإسرائيلي، فإن مسؤولين أميركيين حذروا نتنياهو ومقربين منه من استفزاز الرئيس بايدن. وقالوا إن تحذيرهم لنتنياهو ينبع تحديدًا من أن بايدن يعرّف نفسه على أنه صهيوني ولديه خطوط حمر؛ حيث إنه لا يحتمل المساس بما يصفها بـ"الديمقراطية الإسرائيلية"، حسب تعبيره. وكان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وجه انتقادًا شديد اللهجة للرئيس بايدن وإدارته، وقال إن عليهم "أن يفهموا أن "إسرائيل دولة" مستقلة، وليست نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة". في المقابل، قال زعيم المعسكر الرسمي ووزير الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس إن أي مساس بالعلاقات مع الولايات المتحدة "التي تعتبر أفضل أصدقاء إسرائيل وأهم حليف لها يعد هجوما إستراتيجيا". وأضاف غانتس -في تغريدة له- إن تصريحات الرئيس الأميركي بشأن التغييرات القضائية تعد إنذارًا عاجلًا لحكومة "إسرائيل"، داعيًا نتنياهو إلى التصرف بمسؤولية أمنية وسياسية. (10) ويري شيلح أنه لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي يمكن أن تصله هذه الاحتجاجات، فالأحداث الجارية توحي بأن إسرائيل تتجه نحو الفوضى في ظل غياب قيادة مسؤولة وجامعة. وتتبنى الطرح نفسه عيديت شفران جيتلمان، رئيسة برنامج "الجيش والمجتمع" في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية والباحثة بمركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، والتي أكدت -في تقدير موقف تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أنه "عندما يكون هناك شرخ بالمجتمع الإسرائيلي فهذا ينعكس سلبا على المؤسسة العسكرية والجيش". وفيما يتصل بمتانة الجيش في ظل الاحتجاجات وخطة الإصلاحات التشريعية في الجهاز القضائي، فإن جيتلمان تعتقد أنه لا يمكن فصل وعزل الجيش عما يحصل في المجتمع الإسرائيلي، فالحيز المدني يختلط بالعسكري، وعليه فإن حالة التشرذم والصراعات الداخلية تسهم في تصدع مقولة "الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب".(11) ولا تستبعد جيتلمان أن يسهم الصراع الداخلي والانقسام السياسي والتفتت المجتمعي إلى زعزعة الثقة في الجيش، وفقدانه قدراته الميدانية مع تآكل قوة الردع، مشيرة إلى أن رفض خدمة الاحتياط والسجال العسكري بداية للتفتت داخل المؤسسة العسكرية، وهو أمر أشبه بكرة الثلج المتدحرجة التي لا يمكن التنبؤ إلى أين ستصل سياسيا وعسكريا. الرفيق المخلص لبنيامين نتنياهو فترة طويلة بعد توليه منصبه في عام 2009، والذي كان قد عمل من خلال تعديل القانون في عهد سلف بنيامين نتنياهو، إيهود أولمرت، على زيادة نفوذ السياسيين في لجنة انتخاب القضاة. الرفيق المخلص لبنيامين نتنياهو فترة طويلة بعد توليه منصبه في عام 2009، والذي كان قد عمل من خلال تعديل القانون في عهد سلف بنيامين نتنياهو، إيهود أولمرت، على زيادة نفوذ السياسيين في لجنة انتخاب القضاة. يعتقد محلل الشؤون السياسية والحزبية محمد مجادلة أن تفاقم الأزمة السياسية في إسرائيل يشير إلى أن الاحتجاجات كتبت بداية النهاية لحكومة نتنياهو، مما يعني أن أي قرار سيتخذه سيُواجه بمعارضة داخلية في حزب الليكود، ثم معارضة داخل الائتلاف الحاكم، وهو مؤشر إلى السير نحو إسقاط الحكومة والتوجّه نحو انتخابات جديدة. وفي ظل اتساع الاحتجاجات والانقسامات والتشرذم في المشهد السياسي الإسرائيلي، يرى محلل الشؤون السياسية والحزبية أن بقاء هذه الحكومة يعني مزيدا من الإضرابات والغموض تجاه المستقبل. وقد تفرز الاحتجاجات معسكرا سياسيا جديدا يُخرج إسرائيل من أزمتها، ويأخذ بعين الاعتبار القضية الفلسطينية ودول الجوار. ولا يستبعد أيضا عودة الليكود لتشكيل حكومة جديدة من دون نتنياهو، حيث أظهرت المعطيات أنه بمثابة المشكلة وليس الحل.(12) يُعبّر عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات عن الانقسامات الإسرائيلية العديدة، والنفور المتزايد من السياسيين، مع أن قلة قليلة منها لها سمات تميّز الأحزاب السياسية، في حين أن النسبة الأكبر منها تفتقر للمؤسسات الداخلية المتطورة، والوجود على المستوى المحلي، والحد الأدنى من الموارد، وقبل كل شيء ليس لديها أيديولوجية متماسكة، وخطة مفصلة للتعامل مع العديد من التحديات التي تواجه المجتمع الإسرائيلي اليوم، ووصلت حالة من الضعف لدرجة باتت قادرة بالكاد على أداء دورها السياسي المركزي. الخلاصة في موضوع القوائم الانتخابية أنه بالرغم من تزايد عدد المرشحين، فإن “إسرائيل” على وشك أن تصبح دولة بدون نظام حزبي متطور، صحيح أن هناك عدداً كبيراً جداً من القوائم الحزبية، والمجموعات المتخصصة، والمبادرات الشخصية، والتركيبات التي تتطلب تكويناً، لكن كلها بدائل ضعيفة جداً للأحزاب السياسية القوية، حتى إن هذه الأحزاب الإسرائيلية التي تُجري انتخابات تنافسية، كثيرٌ منها ذو ميول استبدادية، مما سيكون له عواقب وخيمة على الكيان الإسرائيلي. هذا يؤكد التخوفات الإسرائيلية من ظاهرة تكرار الجولات الانتخابية المبكرة، لأنها تتسبب بتدهور القوائم الحزبية، وتركت هذه الجولات معظم الأحزاب الإسرائيلية مفلسة، مما جعل مؤسساتها هشة، وأنشطتها محدودة للغاية، وأيديولوجياتها في أحسن الأحوال غامضة، ولذلك فإن حالة الانقسامات أو الاندماجات الحزبية الإسرائيلية لن تفلح في تحسين حالة الهياكل الحزبية الفاشلة. (13) من التوصيفات الإسرائيلية اللافتة، ذات الدلالة المهمة، أن فقدان الثقة بأهم الهياكل الأساسية في الدولة يهدد حتماً قدرتها على البقاء، ويجعل حياتها السياسية أكثر صعوبة في اتخاذ القرارات، وفرض السياسات، وتبلور المزيد من الجيوب المستقلة التي لا تخضع لسيطرتها، وهذا التفكك المؤسسي أعمق بكثير مما تكشفه الصراعات حول شكل وتركيب قوائم الكنيست المقبلة، وكل ذلك يرفع أزمة التمثيل السياسي في “إسرائيل” إلى ذروتها. ثمَّة مؤشر لافت آخر، يتعلق بأن الأحزاب السياسية الإسرائيلية تخلّت عن “ديموقراطيتها” الداخلية، وباتت تعمل لصالح أفراد معينين، حتى إن بدء العد التنازلي للانتخابات دفع الأحزاب المنخرطة فيها للتخلي عن الانتخابات التمهيدية، وهذا الإجراء يعني أنها تدوس على دساتيرها التي تنص على وجوب إجراء هذه الانتخابات قبل كل حملة انتخابية، وهذه المرة الثالثة التي يتم فيها الدوس عليها، انطلاقاً من رغبات قادتها بالحفاظ على ولاء أعضاء أحزابهم، وخوفهم من منافسيهم في الأحزاب الأخرى. حتى أنه بعد أيام قليلة فقط على إغلاق تسجيل القوائم الانتخابية، بدأت تختفي المظاهر الحزبية في “إسرائيل”، وتتفوق عليها شخصيات الحاخامات والقادة، وهم يتفوقون على المؤسسات الحقيقية والأعضاء الحزبيين، وتحول الزعماء السياسيون الحزبيون إلى العمل انطلاقاً من مشاريع فردية شخصية، ويجدون صعوبة بالتنقل بين مساراتها السياسية، وصولاً للتكيف مع حالة “الأنا العملاقة” التي تتملكهم. (14) وهكذا يمكن القول أن التطورات الحزبية في “إسرائيل” أوجدت حالة من التصدع بين أقطابها، تصل حدّ التهديد بدخول مواجهة مفتوحة بينها، بسبب حالة الغطرسة المتزايدة، وادعاءات التباهي التي لا تتوقف، ومزاعم كل حزب وقائد بحيازته الحصرية للعلاج الخاص بجميع مشاكل “إسرائيل”، وبدلاً من إجراء المراسيم الديموقراطية في الأحزاب الإسرائيلية، بدت الانتخابات وكأنها حفلة للمصابين بجنون العظمة. • ثانياً: أفول عهد الجنرالات: بينما شهد الكنيست في دوراته الثلاثة الأخيرة حضوراً لافتاً للجنرالات الإسرائيليين ممن نجحوا في السياسة، فإن التقديرات الإسرائيلية تتوافق بشأن غيابهم في الكنيست المقبل، مما قد ينذر بنهاية عصر الجنرالات في السياسة الإسرائيلية، عقب الإعلان عن تقاعد مبكر لجابي أشكنازي وزير الخارجية، وتأكيد جادي آيزنكوت Gadi Eisenkot قائد الجيش السابق عدم الانضمام لأي قائمة حزبية، والكشف أن بيني جانتس وزير الحرب لن يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات، بالإضافة إلى انسحاب موشيه يعلون من السباق الانتخابي. الغريب أنه قبل سنتين كان يُنظر لحزب أزرق – أبيضBlue and White على أنه البديل الأبرز لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، حيث ترأسه قائد أركان الجيش السابق بيني جانتس، وانضم إليه نظيريه موشيه يعلون وجابي أشكنازي، لكن بعد سنتين فقط، أعلن الأخير أنه سيأخذ استراحة من السياسة، ولم ترتفع حظوظ جانتس في استطلاعات الرأي، واستقال يعلون من الحياة الحزبية بعد تعثراته المتلاحقة.(16) يظهر إخفاق العسكريين الإسرائيليين إلى أي مدى لا يفهمون “الحمض النووي” للسياسات الحزبية في “إسرائيل”، لأن آخر مهمة شاركوا فيها في حياتهم هي الجيش، على الرغم من أن السؤال يطرح عن سبب نجاح أريل شارون Ariel Sharon، وإسحاق رابين Yitzhak Rabin، وإيهود باراك Ehud Barak، هؤلاء الجنرالات الذين حكموا السياسة الإسرائيلية عدة سنوات. (17) تحمل هذه الظاهرة ضمنياً بوادر تهديد وجودي لـ”إسرائيل”، الذي يكمن في التهديد الاجتماعي الموجود داخل الإسرائيليين، لأن الساسة الإسرائيليين، ومنهم الجنرالات، باتوا يقدسون الكذب، والخداع، والحيل، ووضع العصي في الدواليب السياسية، ومن يحاول الوقوف في وجههم يُنظر إليه بنوع من الاشمئزاز، مما يشكل الضربة الأكبر في وجه المجتمع الإسرائيلي اليوم (18) منذ بداية الألفية الثالثة بدأت عملية تحول في المنظومة السياسية والحزبية في إسرائيل، وفي طبيعة التصدعات السياسية، ساهمت في هيمنة اليمين في المنظومة الحزبية. حدة تأثير التصدعات التقليدية بدأت بالتراجع (أي الاحتلال والامن والاقتصاد). فمنذ انتخابات 2009 هناك توافق كبير بين الأحزاب الكبيرة الرئيسية على طبيعة إدارة الاحتلال، وجوهر وهوية دولة إسرائيل ومكانة المجتمع العربي في دولة اسرائيل. في المقابل، نمت تصدعات جديدة تحدد طبيعة المنظومة الحزبية، وتموضع الأحزاب على محور اليمين المتطرف (يشمل الليكود) ويمين وسط (ييش عتيد والمعسكر الرسمي)، والوسط (حزب العمل)، وفتات اليسار الصهيوني (ميرتس). قد تكون التحولات في الاقتصاد الإسرائيلي هي الأبرز على مدار 75 عاماً(19). وبدأ يتبلور تيار يمين متطرف حديث في إسرائيل يختلف عن اليمين المتطرف التقليدي. من أبرز مواصفات اليمين المتطرف الحالي في إسرائيل أنه يحمل نزعة قومية شديدة، يعمل على ضم المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويحمل أيديولوجيا عنصرية، ويتميز بمعاداته للديمقراطية، ورفض المساواة الجوهرية بين مواطني الدولة. كذلك يسعى اليمين المتطرف لتقويض صلاحيات المحكمة العليا والحد من تأثيرها وتدخلها في الحياة العامة وعملية سنّ القوانين. نمو هذا التيار تأثر بالإضافة إلى العوامل السياسية، بالتغيرات في مبنى الديمغرافية في إسرائيل وتزايد حصة الفئات المتدينة.(20) شهدت إسرائيل احتجاجات شعبية غير مسبوقة، وسط حالة انقسام عميقة بسبب وجود اليمين الصهيوني إلى السلطة، فقد نزل إلى الشوارع مئات الآلاف من المحتجين اليهود، وعم الإضراب العام كل القطاعات مما أدى إلى تعطيل مرافق البلاد كالمطارات والمستشفيات والمدارس. ورفض الجنود وضباط الاحتياط استدعاءهم إلى الخدمة العسكرية، ووقع عدد من العسكريين مذكرات احتجاج، وأعلن العديد من طياري سلاح الجو مقاطعة تدريباتهم، واعتبر رئيس الوزراء السابق والزعيم المعارض حاليًا، يائير لابيد، هذه الأحداث «أكبر أزمة في تاريخ البلاد». واشتعلت هذه الاحتجاجات بسبب رغبة الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو في تمرير تعديلات تحد من قوة السلطة القضائية الإسرائيلية، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، دفع وزير الدفاع، يوآف غالانت، لدعوة نتنياهو لتجميد المشروع، فأقاله الأخير من منصبه في 26 مارس/آذار الجاري، فكان ذلك الشرارة التي أوصلت الاحتجاجات إلى ذروتها. وانتقد البيت الأبيض مساعي نتنياهو لإقرار التعديلات القضائية، مما استدعى ردود حادة من الأخير وحلفائه على الجانب الأمريكي رفضًا لـ«تدخلاته» في الشئون الإسرائيلية، وحاول التيار الصهيوني اليميني المؤيد لنتنياهو موازنة الكفة فنظم مظاهرات مضادة لتأييد تمرير الإصلاحات، ووصلت الأوضاع إلى أقصى درجات التوتر، فتراجع نتنياهو وأعلن تعليق الخطة فعاد الهدوء إلى إسرائيل مؤقتًا وتم وقف الإضراب العام.(21) شرنا إلى أن المجتمع الإسرائيلي يخضع لانقسامات عديدة اثنية ودينية وأيديولوجية تشكل المنطلق لولادة وفرز مختلف الأحزاب ضمن دوائر تصنيف اصطلاحية يمكن إجمالها في التصنيفات التالية: 1- على مستوى الانقسامات الأثنية هناك أحزاب عديدة أهمها عند اليهود: الليكود، العمل، شينوي، ميرتس، شاس، المفدال، يهدوت، هاتوراه والوحدة الوطنية، وعند العرب: الحركة الإسلامية، الديمقراطي العربي، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمّع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير. 2- على مستوى الانقسام بين علمانيين ومتدينين نجد من الأحزاب العلمانية أحزاب عربية مثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحزب الديمقراطي العربي، والتجمع الديمقراطي العربي والحركة الحزبية للتغيير، واخرى يهودية مثل العمل والليكود وميرتس وشينوي والمركز وإسرائيل بعالياه وإسرائيل بيتنا والوحدة الوطنية وشعب واحد. 3- على مستوى الانقسام الأيديولوجي نجد أحزاب اليمين (وهي قسمان يميني ديني مثل شاس والمفدال ويهودية التوراه، ويميني علماني مثل الوحدة الوطنية وإسرائيل بعالياه وإسرائيل بيتنا والليكود وغيشر). ثم أحزاب اليسار (وهي يسار يهودي أقرب إلى الوسط مثل ميرتس وشينوي والعمل والمركز وشعب واحد، ثم يسار عربي مثل القائمة العربية الموحدة والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير).(22)
الهوامش (3) إحسان مرتضى، أزمة النظام الصهيوني وتجلّياتها البنيويّة والموضوعية،العدد 36 - نيسان 2001 https://www.lebarmy.gov.lb (3) إحسان مرتضى، أزمة النظام الصهيوني وتجلّياتها البنيويّة والموضوعية،العدد 36 - نيسان 2001 https://www.lebarmy.gov.lb (3) إحسان مرتضى، أزمة النظام الصهيوني وتجلّياتها البنيويّة والموضوعية،العدد 36 - نيسان 2001 https://www.lebarmy.gov.lb (3) إحسان مرتضى، أزمة النظام الصهيوني وتجلّياتها البنيويّة والموضوعية،العدد 36 - نيسان 2001 https://www.lebarmy.gov.lb (3) إحسان مرتضى، أزمة النظام الصهيوني وتجلّياتها البنيويّة والموضوعية،العدد 36 - نيسان 2001 https://www.lebarmy.gov.lb (4) حسن حردان، الأزمة البنيوية في الكيان الصهيوني… لماذا تفجّرت الآن وهل تؤدّي إلى حرب داخلية؟ يوليو 21, 2023 جريدة البناء اللبنانية- https://www.inbaa.com/ (4) حسن حردان، الأزمة البنيوية في الكيان الصهيوني… لماذا تفجّرت الآن وهل تؤدّي إلى حرب داخلية؟ يوليو 21, 2023 جريدة البناء اللبنانية- https://www.inbaa.com/ (5)يونس عودة، أزمات الكيان البنيوية وتسارع الانهيار، https://www.alahednews.com.lb/ (5)يونس عودة، أزمات الكيان البنيوية وتسارع الانهيار، https://www.alahednews.com.lb/ (5)يونس عودة، أزمات الكيان البنيوية وتسارع الانهيار، https://www.alahednews.com.lb/ (8) محمد وتد، التعديلات القضائية بإسرائيل.. صراعات تعمق الشرخ المجتمعي وتقوض "جيش الشعب"،28/3/2023، https://www.aljazeera.net/ (8) محمد وتد، التعديلات القضائية بإسرائيل.. صراعات تعمق الشرخ المجتمعي وتقوض "جيش الشعب"،28/3/2023، https://www.aljazeera.net/ (12) السياسية في ”إسرائيل“ والتحذيرات من الحرب الأهلية، الثلاثاء 09 مارس 2021، ttps://adnanabuamer.com/ (12) السياسية في ”إسرائيل“ والتحذيرات من الحرب الأهلية، الثلاثاء 09 مارس 2021، ttps://adnanabuamer.com/ (12) السياسية في ”إسرائيل“ والتحذيرات من الحرب الأهلية، الثلاثاء 09 مارس 2021، ttps://adnanabuamer.com/ (12) السياسية في ”إسرائيل“ والتحذيرات من الحرب الأهلية، الثلاثاء 09 مارس 2021، ttps://adnanabuamer.com/ (12) السياسية في ”إسرائيل“ والتحذيرات من الحرب الأهلية، الثلاثاء 09 مارس 2021، ttps://adnanabuamer.com (13) امطانس شحادة، 75عاماً على إسرائيل..ماذا تغير؟15/5/2023، https://www.alaraby.co.uk/ (13) امطانس شحادة، 75عاماً على إسرائيل..ماذا تغير؟15/5/2023، https://www.alaraby.co.uk/ (20) إسلام المنسي، خطة ليفين وجذور الانقسام الاجتماعي في إسرائيل، 03/04/2023، https://www.ida2at.com/ (28) احسان مرتضى، الخريطة الحزبية والسياسية في أسرائيل: دينامية الانقسامات والتحولات، العدد 49 - تموز 2004 https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (10)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (9)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (8)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (7)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (6)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (5)
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (4)
-
زيارة عباس.. نحو تطويق تعنت نتنياهو وفشل بايدن
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية.. (3)
-
مفاوضات الفرصة الأخيرة..على وقع رفض حماس وقبول الكيان المقتر
...
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية ..(2)
-
طوفان حماس.. مقاربة مختلفة
-
التعديلات القضائية وأزمة الكيان الصهيوني البنيوية (1)
-
المقاومة محاولة للفهم بعيدا عن التصنيم
-
هتاف.. هتاف
-
أمريكا وأوروبا.. هل تجدي سياسة العصا والجزرة مع خامنئي؟
-
طهران.. الرد على اغتيال هنية بين حسابات الربح والخسارة..!
-
عرب التطبيع يدافعون عن مرتكبي محرقة غزة..!
-
في انتظار رد طهران..واشنطن تحرك قواتها وشويجو بطهران
-
رد إيران والحزب.. وكأن الولايات المتحدة هي المستهدفة..!
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|