الحرب في أوكرانيا والحفاظ على الاستقلال الطبقي

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

الحوار المتمدن-العدد: 8087 - 2024 / 9 / 1 - 00:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

1. أساس إندلاع الحرب
إن وسائل الاعلام الليبرالي الغربي (أوروبا وامريكا)، وغيرها من وسائل الاعلام العالمية الموالية لها، تصور، في حملتها الإعلامية، روسيا كدولة إمبريالية واستعمارية لا تتوقف فقط عند غزوها لأوكرانيا، بل تريد أيضا السيطرة على أوروبا، لذا يستوجب العمل على التصدي لها من أجل وقف نزعتها التوسعية.

رغم إن روسيا تحت قيادة (بوتين) انتعشت واستنهضت من جديد بعد إنهيار (الإتحاد السوفيتي) في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ورغم إنها برزت كلاعب في الصراعات الدولية وكمنافس للقوى الإمبريالية الغربية، لا سيما في قارة أفريقيا وجزئيا في الشرق الأوسط، إلا أنها لم تصل بعد إلى مستوى من القوة الاقتصادية والتنمية الشاملة حيث تمكنها حتى من التطلع إلى الهيمنة على أوروبا الغربية، ناهيك عن وجود خطة استراتيجية لديها.

إن ما قامت بها روسيا من تدخل عسكري في جورجيا (٢٠٠٨) وما تقوم به اليوم (منذ ٢٠٢٢) في أوكرانيا، ليست سوى محاولات دولة إمبريالية للاحتفاظ بنفوذها في المناطق التي كانت سابقا تحت هيمنتها في أوروبا الشرقية، ووضع حد لتوسع (حلف الشمال الأطلسي-ناتو)، وللمضي قدما نحو الاستحواذ على المزيد من المناطق التي كانت في السابق جزأ من الإمبراطورية المنهارة (الإتحاد السوفيتي)، والتي تجاور روسيا، أي إنها تحاول دفع خنادق (ناتو) بعيدا عن حدودها، ومن هنا حدث الاصطدام.

وهكذا أدى اصطدام إستراتيجيتين إمبرياليتين متضادتين إلى اشتعال الحرب في أوكرانيا. وأصبح الشعب الأوكراني ضحية الصراعات الجيو-السياسية الإمبريالية بين القوتين العسكريتين "الجبارتين"، وكذلك ضحية مصالح الطبقة الحاكمة ونظامها السياسي في أوكرانيا الذي قام بربط مصير العمال والكادحين في البلاد بالاستراتيجية العسكرية والإقتصادية لأوروبا الغربية.

2. "الخطر الروسي"
إن هذه الإشاعة المستهدفة والمبرمجة، قبل أن تكون حربا إعلامية ودعائية ضد الإمبريالية الروسية من أجل مصالح إستراتيجية إمبريالية غربية تحت ذريعة‌ الدفاع عن الديمقراطية وسيادة البلدان ومساعدة دولة أوكرانيا الشوفينية القومية للدفاع عن نفسها، هي حرب ضد الجماهير من العمال والكادحين والأحرار في البلدان الأوروبية والعالم الغربي بشكل عام.

إن الحقوق والامتيازات التي كسبتها النقابات والإتحادات العمالية، بدعم من الأحزاب الإصلاحية في أوروبا طوال القرن العشرين، فضلا عن الدرجة المتقدمة من التنظيم المهني للطبقة العاملة، تتعرض بإستمرار لحملات سياسات النيو-الليبرالية الاقتصادية، وإن الحملة الدعائية الحالية هذه تحت لافتة "الخطر الروسي على أوروبا" هي جزء من هذه الهجمة الشرسة وذلك عن طريق "إخافة" العمال والكادحين والمواطنين عموما بـخطورة "أنياب الدب الروسي" من أجل فرض تكاليف الحرب علی كاهلهم أولاً، وثانياً سلب المزيد من حقوقهم ومكاسبهم.

3. التغيير في موازين القوى
لقد حدثت تطورات تكنولوجية هائلة في العقود الثلاثة الماضية، وها نحن على أبواب عصر جديد بدخول تطبيقات الذكاء الاصطناعي مجال الإنتاج. إن هذا التطور في القوى المنتجة يدفع بالنظام الرأسمالي العالمي إلى درجة عالية من التمركز والاحتكار مع تغييرات هيكلية شاملة، وكل هذا يؤدي إلى تغيير في موازين القوى بين الدول الرأسمالية والإمبريالية على المستويين العالمي والإقليمي، وتسبب في نشوء النزاعات الإقليمية والدولية، كما نشهدها حاليا في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية.

هذا ومن ناحية أخرى يؤدي هذا التطور الهائل للقوى المنتجة داخل النظام الرأسمالي الطبقي إلی تمركز الثروات واحتكارها في يد اقلية إجتماعية تضيق دائرتها يومًا بعد يوم، وكذلك يؤدي إلى سقوط "الطبقة المتوسطة" إلى صفوف الطبقة العاملة، في حين يخفض مستوى معيشة الطبقة العاملة عموما، وتدفع بشرائح وفئات منها إلی حضيض الفقر والعبودية.

4. الإستقلال الطبقي
إن عالمنا اليوم ليس فقط عالم الرأسمالية وحروبها وويلاتها وإعادة إنتاجها للفاشية وإحيائها للرجعية الدينية القرووسطية، بل وأيضًا عالم الإعتراضات والإنتفاضات والثورات، هذا ما نراه يوميًا في جميع أنحاء العالم.
لقد هيأت الحرب في أوكرانيا ظروفًا جديدة للصراع الطبقي ليس فقط في روسيا وأوكرانيا، بل أيضًا في جميع دول أوروبا، إن لم يكن في العالم كله. فالمهمة الأساسية هي الحفاظ على الاستقلال الطبقي لنضال العمال والكادحين والشرائح المفقرة والمهمشة دون الوقوع في خنادق مختلف جبهات الكتل الإمبريالية ومختلف التيارات البرجوازية، من الليبراليين الإصلاحيين إلى اليمين الفاشي والإسلام السياسي والنازيين الجدد، إلى اليسار القومي البرجوازي والشعبوية.
أواخر آب ٢٠٢٤

#نادر_عبدالحميد (هاشتاغ)       Nadir_Abdulhameed#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات