|
عن الطوفان وأشياء أخرى(3)
محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 20:17
المحور:
القضية الفلسطينية
-بيان فتح وكرّازي جديد هناك طرفة تقول إن أحدهم التقى صديقاً له في الطريق، وكان يضمر له كره شديد؛ فأوقفه وقال له" وك مش ستي شافت ستك بالدار الكبيرة؟ [ اللي بعرف شو يعني الدار الكبيرة يغرش]" قام صفن الصديق.. صفن شي سيعة وقال" طب ستي كانت بتعمل حكي رزالة.. قل لي إسه ستك شو كانت تعمل غاد؟ إصحك تقول كانت تشتري سكّر، بزعل منك والله" لم يعد يستقيم التعريف القديم للحروب مع عصر العولمة والشركات الأمنية والارتزاق العسكري الأممي، إذ لم يعد أحد يعترف بوجود "مناضلين" أو "ثوار"، بل سوف ينظر لهؤلاء بصفتهم "مقاتلين غير شرعيين". وفضلاً عن نعتهم بالإرهاب، فهم متهمون أيضاً بـ "عرقلة" و- أو "مقاومة" سلاسل التوريد والممرات المائية الحيوية وبالتالي النظام العالمي "القائم على القواعد"، بحكم الأمر الواقع، كما هو الحال مع الفلسطينيين وغيرهم. وبات من الممكن تصور قيام قوة إقليمية أو عالمية مهيمنة ومنحازة (لكنها مقبولة من الجميع لعدم وجود البديل) بدور الوساطة بين الأطراف وكأنها "منظمة إنسانية محايدة"، لأن هذه القوة الإقليمية أو العالمية ( في الحالة الفلسطينية قد تكون مصر أو الأردن أو قطر أو تركيا الولايات المتحدة أو جميعهم ) تعمل، بل تروّج لدورها، كـ "راعٍ للسلام" و "حامٍ للنظام العالمي". وفي الحالة الأمريكية سوف تعتبر نفسها مسؤولة أيضاً لجهة سحق أي "تمرد" أو "ثورة" أو "ربيع"، في ذات الوقت الذي لا تمانع فيه من تأمين بعض المساعدات هنا وهناك إلى "السكان المحليين". هذه العبثية والانتقائية لا تعتبر جديدة في السياسة الدولية. لنتذكر الحالة الفلسطينية عندما قرر شارون التخلص من ياسر عرفات، وكيف رافق هذا القرار الترويج لمقولة (لا وجود لشريك فلسطيني "حقيقي" لإتمام عملية السلام) بالتزامن مع الأصوات الأمريكية * التي وصفت عرفات بـ "الإرهابي"، وبضرورة التخلص منه أو تنحيه/ تنحيته واستبداله بـ "زعيم جديد" يكون مستعداً لعقد صفقة "سلام" مع إسرائيل. هذا ليس كلام يراد منه اتهام الذات أو إلقاء "اللوم" على طرف دون آخر دون برهان، فجميعنا يذكر ما حدث في أفغانستان، حامد كرّازي مثلاً، زعيم سياسي تم انتخابه بشكل ديمقراطي، لا أحد ينكر ذلك، حتى خصومه، لكنه زعيم "ديمقراطي" مفروض من الخارج. وعلى الصعيد الفلسطيني، المعظم اعتبر مقاول الاحتلال عزيزي الرئيس محمود عباس رئيساً مؤقتاً أو "حلاً " مؤقتاً لحين ترتيب البيت الفلسطيني، لذلك لم يتم التعامل معه، فلسطينياً، بجدية، في بادئ الأمر، فضلاً عن أن صورته في أذهان الناس تتناقض تماماً مع صورة عرفات " على صعيد الكاريزما أو الخطاب أو حتى اللباس" (ذات الشيء كان يقال عن حامد كرازي ، فهو كان يرتدي الملابس التي لا يمكن إلا أن تبدو وكأنها نسخة جذابة تم تحديثها بالزي الأفغاني التقليدي: قبعة من الصوف والسترة تحت المعطف الأكثر حداثة، فضلاً عن كونه يتحدث الإنكليزية بطلاقة).. وهكذا ظهر كرازي أفغانستان وكرازي فلسطين كأنهما يجمعان ملامح الحداثة الغربية دون أن يتجاهلا التقاليد المحلية "في حالة كرازي أفغانستان كانت الملامح أكثر وضوحاً" -الزبلحة الثورية إعلان مقاول الاحتلال عزيزي الرئيس محمود عباس عن تشكيل "حكومة تكنوقراط" ليس "هفوة"؛ بل هي أكثر من بروتوكول وأقل من مماحكة.. بل هي أقرب ما تكون لـ "الزبلحة"، والدفاع عن هكذا موقف وهكذا قول زبلحة أيضاً، لكن من نوع آخر. أن تفاضل دكانة الطلكة الأولى بين أمريكا و "محور الممانعة" يقع أيضاً في خانة الزبلحة.. وكذلك التصريح بالثقة بحكمة رئيسها (هكذا بكل بلادة)، وأن عزيزي الرئيس محاصر من كل الجهات، "ويله هم الشعب وويله هم الاحتلال وويله هم المصالحة" (على فكرة هذه الأخيرة كان موقف عزيزي الرئيس واضح تماماً؛ على حماس القبول بمقررات الشرعية الدولية [اقرأها الأمريكية والإسرائيلية والرجعيات العربية] ماذا وإلا.. ). لا أعرف بالضبط مرادفاً لكلمة "زبلحة" فهي تشبه، في عموميتها وسيولة معناها، كلمة "تعريص" الشائعة في المشرق العربي لا سيما مصر وفلسطين، إذ أصبحت مع مرور الوقت تشير إلى أداء وظيفي.. المهم الزبلحة تعني فيما تعنيه "مْوَجهن" يعني صاحب وجهين، أو عارف الغلط وتصر عليه، أو تفكر بأمر وتتصرف بعكس ما تفكر، أو ما يفيد هذه المعاني جميعها. يمكن إيجاز معنى الزبلحة بما يشبه نكتة كنا نحكيها زمان أيام الأخمص طيّ: كان يا ما كان في رفيق يساري جداً تزوج رفيقة يسارية جداً. وذات يوم بينما كانوا يكزدرو ويفصفصفو بزر، وإذ بالرفيقة، تترك حبيبها، فجأة، وتركض نحو الرصيف المقابل وتعبط شاب وعلى حكي وصهونة، ثم عادت للرفيق اليساري جداً، وقالت: حبيبي هذا رفيق أعرفه من أيام الاجتماعات الحزبية، كان عضو في الحلقة الحزبية تبعي؛ قام صفن الرفيق، صفن شي سيعة، ثم هز رأسه وابتسم وتابع المشي وهو يتف قشر البزر ذات اليمين وذات الشمال، وما هي إلا دقائق حتى نطت الرفيقة على الرصيف، وبدأت عبط وحضن وحكي وضحك، ورجعت، وهذا أيضاً كان عضو بالحلقة تبعي.. المهم اكتشف الرفيق اليساري جداً، بذكائه الخارق ودون طلب مساعدة من صديق، أن نصف شباب الحارة "كانوا" أعضاء بالحلقة تبعها.. وما هي إلا لحظات حتى لاحت من بعيد صبية جميلة قادمة، نظر الرفيق نحوها ثم نظر نحو حبيبته، وانطلق جرياً نحو الصبية الحلوة وهات على حضن وتعبيط و تبويس. ثم قفل راجعاً لحبيبته اليسارية جداً ليجدها متخنصره وتنظر نحوه شزراً وعلى وشك البدء بوصلة ردح.. فقال لها حبيبتي هذه رفيقة أعرفها من أيام الاجتماعات الحزبية، كانت حلقة بالعضو تبعي... وهكذا حال الدنيا الحنونة يا أخانا حين تمنحك خياراً، بعد أن نفقد صلاحيتك كعضو، بأن تكون حلقة الرفيقة اليسارية جداً أو حلقة صديقة الرفيق اليساري جداً . - التمسحة بصفتها خياراً استراتيجياً لا أحد يعلم حتى الآن إن كان عزيزي الرئيس عباس سوف يحضر مراسم تدشين الميناء العائم في غزة باعتباره أحد المقاولين بالباطن؛ وإن كنت أرجح اعتذاره عن الحضور وسوف يقال إنه يعاني من أزمة صحية، وسوف ينشغل الإسرائيليون قليلاً أو كثيراً -من باب التسلية والترفيه- لتفسير عدم حضور عزيزي الرئيس عباس، سوف يقول البعض ما فائدة حضوره إن كان سيكرس خطابه السابق ويحاول تسجيل مواقف ومماحكة لا أكثر، وسوف يصف البعض عدم حضوره من باب التياسة والغباء السياسي، لا سيما في الظروف الراهنة، وسوف يعلل البعض ذلك أن عباس ليس لديه ما يقدمه لإسرائيل وفاقد الشيء لا يعطيه كما يحب العرب أن يرددوا فتوالي الهزائم والانكسارات يولد ميولاً لا شعورياً للعودة إلى ما يخاف منه الإنسان، بل والوقوع به على حد زعم الأخ سيغموند فرويد بما يدعوه "إجبار التكرار" الذي يعزوه إلى محاولتنا تجاوز خوف الصدمة الناشئ عن التجربة. فنكرر الحوادث المؤلمة كمحاولة لتجاوز خوفنا منها. اللافت في الأمر أن حالة الوسواس القهري هذه ستفشل في كل مرة نكررها بسبب إحاطتنا بأقمطة الخوف من التجربة وهذا ما يعزز الشعور بالهزيمة والشلل العقلي. لكن الطريف في إجبار التكرار هذا أننا سنفشل في كل مرة طالما خوفنا من التجربة لا يزال حاضراً وأننا ما دمنا نفشل سيتعزز إحساسنا بالهزيمة أمام مخاوفنا وهكذا نبقى ندور وندور ( مثل ثور الساقية)؛ وندخل في حلقة مفرغة. ولعل هذا ما يفكر به عزيزي الرئيس عباس منذ أن علم بوفاة المرحومة أورا، وهو الذي نذر نفسه للفشل تلو الآخر حين يسعى لا شعورياً لتكراره. علماً أنه حتى لو كنا نستعين بمبادئ "علم النفس الغيبي" فلن نستطيع تفسير عدم تفاعل الغرائز الرئيسية لعزيزي الرئيس، ولو من باب العناد الوجودي، أو من باب غرور وهم مجد أفل، إزاء أسير يواجه الموت في أحد مشافي عسقلان أو لخبر وفاة طفل على باب أحد مشافي الضفة لأسباب لا يعلم بها إلا الله ومعاليه، هذا دون الحديث عن التغوّل الإسرائيلي في النقب للقضاء على المعيش الفلسطيني وقيمته الوجودية. لاحظوا أني لم أتطرق إلى قطاع غزة إشفاقاً على عزيزي الرئيس ولكن لا بأس من تذكيره بما يلي: -تنص المادة 135 من قانون العقوبات لمنظمة التحرير الفلسطينية للعام 1979، على العقاب بالأشغال الشاقة، مدرجاً تحت بند الخيانة لكل من "قدم سكناً أو طعاماً أو لباساً لجندي من جنود الأعداء أو لجاسوس للاستكشاف وهو على بينة من أمره أو ساعده على الهرب". وهو القانون الذي صدّقت عليه مؤسسات المنظمة، ووقع عليه ياسر عرفات رئيس عزيزي الرئيس عباس. -تنص المادة 140 على عقوبة الإعدام لكل من "تخابر مع العدو أو أعطاه أخباراً بصورة تنطوي على الخيانة أو أرسل إلى العدو راية المهادنة عن خيانة أو جبن". ...... *في الحقيقة لم تتوقف هذه الأصوات حتى بعد رحيل عرفات، بل أن التهم لحقت بجموع الفلسطينيين ، ويكفي أن نذكر هنا تصريح قديم ( كانون الأول2011) للنائب والمرشح الجمهوري الأسبق للرئاسة الأمريكية نيوت غينغريش عن الفلسطينيين بأنهم "مجموعة إرهابيين، وشعب تم اختراعه" في معرض سخريته من التصورات السياسية لإدارة أوباما لعملية السلام في المنطقة ، [ https://www.youtube.com/watch?v=twtqCrDecJE]، ويضيف غينغريش: "إن الحياد بين ديموقراطيّة تحترم القانون [يقصد إسرائيل] ومجموعة إرهابيين [ يقصد الفلسطينيين ] تطلق صواريخ كل يوم، ليس حياداً، بل تشجيعاً للإرهابيين.
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور حدّادي أفريقيا و-صنع- الثورة الصناعية في أوروبا
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(2)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(1)
-
الاستعمار البديل لفلسطين: 1917-1939
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
-
من شارون إلى شارون: منظومة التخطيط المكاني والفصل في إسرائيل
...
-
السياسة النرويجية تجاه فلسطين: تاريخ موجز
-
-لست سوى واحدة منهم فقط- حنّة آرنت بين اليهودية والصهيونية :
...
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
-
على جدار النكسة: الوعي الذاني بالهزيمة
-
حرب إسرائيل السرية ضد المحكمة الجنائية الدولية: تسع سنوات من
...
-
لماذا سأتخلى عن جنسيتي الإسرائيلية.
-
ورقة عمل سياسية: خيارات سياسية تجاه السكان المدنيين في غزة.
...
-
نظام الذكاء الاصطناعي -لافندر-: كيف تقتل إسرائيل الفلسطينيين
...
-
العيش على حساب الآخرين: -يموتوا بستين حفض، المهم تزبط البلد-
-
الصرخة الأولى، أو لماذا يبكي الأطفال: تأملات حول ترامب
-
المؤتلف والمختلف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في السياسات ا
...
-
ثقافة الحاجز بين إرهاب العقل وتقنية الهيمنة
-
السلوك الاستعماري وصور الإبادة الجماعية في غزة
-
السلوك الاستعماري وصور الإبادة الجماعية في غزة
المزيد.....
-
قبل عودته إلى بيروت.. نشر لقطات للسفير الإيراني في لبنان الم
...
-
اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم شعفاط في القدس
-
دمار واسع في منطقة النبطية جراء الغارات الإسرائيلية
-
بلينكن يزور أوروبا لإجراء محادثات عاجلة بشأن أوكرانيا بعد ان
...
-
الحمل في زمن الحرب: معاناة مضاعفة للنازحات في مراكز الإيواء
...
-
واشنطن بوست: ترامب قد يحبط خطط حظر تيك توك في الولايات المتح
...
-
صحيفة تشيكية تنقل أخبارا سيئة للغرب بشأن أوكرانيا
-
إسقاط 13 مسيرة أوكرانية في أجواء مقاطعتي بيلغورود وبريانسك
-
محلل إسرائيلي: تأخر إنهاء الحرب في لبنان سيسمح لحزب الله باس
...
-
أكسيوس: ترامب يخطط لتنفيذ نصائح ماسك بشأن الحكومة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|