سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8086 - 2024 / 8 / 31 - 02:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفصل الخامس
تداعيات الأزمة البنيوية
تمهيد
شرذمة الهويات الدينية والقومية والسياسية
انتقال الانقسام من الشارع للمؤسسة العسكرية والأمنية.
احتجاجات الشوارع كأحد تجليات الأزمة البنيوية.
.شخصنة تلك الأحزاب. تزايد الأحزاب الطائفية والأثنية والقطاعية.والأحزاب الموسمية
تمهيد
إن تداعيات أزمة الكيان الصهيوني البنيوية متعددة العناصرـ تعكس نفسها في شكل ظواهر مرضية بمعناها الأمني والسياسي والديني والفكري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحتى الأخلاقي، وهي بهذه الأبعاد تشكل وصفة لتفكك المجتمع، عبر تسعير تناقضاته الداخلية، وهي من ثم تمس بشكل جوهري مناعته وصورته كتكوين اجتماعي واحد وهذه التداعيات نفصلها في الآتي:
المبحث الأول : شرذمة الهويات الدينية والقومية والسياسية.وشخصنة الأحزاب.
أدت شرذمة الهويات الدينية والقومية والسياسية. في إسرائيل, إلى تراخي قبضة الصهيونية التي لم تعد تتمكّن من احتواء التناقضات الداخلية المستشرية, إلى حدّ التصريح بالحديث عن مرحلة ما بعد الصهيونية وعن ضرورة تبنّي هويّة إسرائيلية فقط, وعن ضرورة تحوّل إسرائيل إلى دولة شرق أوسطية عادية. ويتابع فيقول: “لقد تغيّرت وتفتّتت الصورة الأسطورة المأمولة(1)
لتحلّ محلّها صور أخرى عديدة لكلٍّ منها شرعيتها... بين اليهودي والعربي, والمتشدّدين دينياً (الحريديم) والقوميين الدينيين (غوش ايمونيم) والتقليديين والعلمانيين وغيرهم ممّن تمتدّ جذورهم إلى أصول عرقية مختلفة مثل السفارديم والأشكنازيم والمهاجرين الروس والأثيوبيين (الفلاشا) وغيرهم.(2)
وقد أدّى هذا التفتّت للصيغة الإسرائيلية إلى تشرذم بين ثقافات وطوائف مختلفة, ولهجات متباينة, ومواقف متصارعة تجاه الدولة اليهودية. وهذه الانشقاقات “تؤهّل لحدوث انفجارات عنيفة داخل المجتمع”.
الجدير بالذكر في هذا السياق أيضاً أن استطلاعاً للرأي نشر في إسرائيل بعد توقيع اتفاق “واي بلانتيشن” مع السلطة الفلسطينية, أثبت أن 55% من الإسرائيليين يعتقدون اعتقاداً قوياً يكاد يكون جازماً بأن اغتيالات كثيرة, كاغتيال (رابين) سوف تقع في إسرائيل عاجلاً أو آجلاً. والجميع يعلم اليوم أن مقتل (رابين) على يد مهووس ديني اسمه (يغال عامير) قد جرى وفق فتاوى بعض كبار الحاخامات الذين اعتبروه خائناً وكافراً.
ومنذ ذلك الحين أصبح مصطلح “الحرب الأهلية” بين المتدينين والعلمانيين في إسرائيل شائع الاستعمال, بل وأكثر من هذا, بدأ الحديث عن احتمال حصول انقلاب عسكري وصراع جنرالات. فإسرائيل حسب حاييم هانغفي هي “ديمقراطية مسلّحة حيث نجد الجنرالات في كلّ مكان: في الكنيست في الحكومة, في البلديات والمجالس المحليّة, وأين لا يوجدون؟ حتى في مقر الرئاسة مثل حاييم هرتسوغ وعيزر فايتسمان. “إنها دولة ترتدي الخاكي”. وعلى سبيل المثال يعدّد هانغفي: اوري أور, رفائيل ايتان, بنيامين بن اليعيزر, متان فلنائي, رحبعام زئيفي, آمنون شاحاك, افرايم سنيه, اورن شاحور, ايهود باراك, آرييل شارون... هؤلاء وأمثالهم حسب هانغفي هم تزايد الأحزاب الطائفية والإثنية والقطاعية نتيجة الاستقطاب المتفاقم بين مختلف مجموعات المهاجرين القدماء والجدد من حيث تضارب المصالح في أن تقاسم المنافع الوطنية(3)
المطلب الأول : ظاهرة الأحزاب الموسمية
هذه الأحزاب والحركات تتشكل بشكل موسمي كنتاج هذه الانقسامات، لذا فمظاهر الانقسام السياسي هي في حقيقتها مرتبطة بالانقسامات والصراعات الآنفة.
الطغمة العسكرية, وهي “الحزب غير المسجّل أبداً في سجل الأحزاب في وزارة الداخلية وهي التي ستنتصر”. ويضيف: “علينا أن نسحب موضوع السلام من أيدي الجنرالات لأنهم يوقفونه ويفجّرونه ويقضون عليه, يجب أن نقوم بذلك قبل فوات الأوان”.
المطلب الثاني: رئيس وزراء أقوى وكنيست أضعف وبالعكس
يتيح قانون الانتخابات الجديد المطبّق منذ العام 1996 للإسرائيليين اختيار رئىس وزرائهم بالانتخاب المباشر بدلاً من انتخابه حزبياً كممثّل لأقوى حزب, ثمّ انتظار نتائج الحزب في الانتخابات البرلمانية العامة التي تجري عن طريق قوائم حزبية.
والملفت أن مؤيّدي القانون الجديد, من اليمين واليسار, كانوا طالبوا باختيار مباشر لرئىس الوزراء من أجل زيادة قوّة واستقرار الحكومة, في نظام سياسي يشهد تشرذماً سياسياً, ومن أجل تقليص قدرة الأحزاب الصغيرة على المناورة والتأثير على القرارات الكبيرة, ولضمان زيادة ثقة الشعب بقيادته. إلاّ أنه تبيّن فشل هذا الإجراء في حلّ المعضلة البنيوية, وتبيّن أنّ تطبيق القانون الجديد من شأنه أن يعادل ما بين قوّة السلطتين التشريعية (الكنيست) والتنفيذية (الحكومة) عن طريق تقليص قدرة الكنيست لصالح الحكومة, بحيث أن نجاح المعارضة في السيطرة على الكنيست من شأنه أن يؤدّي إلى أحد أمرين:
1- ¬ زيادة تعلّق الحكومة بالأحزاب الصغيرة وبالتالي زيادة نفوذ هذه الأحزاب بدلاً من تقليصه والحدّ منه.
2- ¬ عدم قدرة الحكومة على تمرير اقتراحاتها وسياساتها في الكنيست وبالتالي عجزها عن تنفيذ خطتها وستراتيجيتها.
على الصعيد ذاته شكّل انتخاب رئيس الوزراء بشكل مباشر إضعافاً لدور بقيّة أعضاء الحكومة, ممّا أدّى عملياً إلى تحويل الوزراء إلى مجرّد مدراء مكاتب وحرّاس وزارات أكثر منهم صنّاع قرار سياسي. ولهذا السبب غالباً ما وجدنا حالات عديدة من الاستقالات أو الإقالات في حكومتي نتنياهو وباراك على حدّ سواء, ممّا زاد في الصعوبات والعقبات بوجه مشاريع التسوية السياسية, وأدّى إلى حالات كثيرة من التأجيل أو التعطيل أو التبديل في بنود هذه التسوية في حال التوصّل إليها. ومن هنا يستخلص أفيغدور هاسليكورن في صحيفة جيروزاليم بوست أنه بدلاً من محاولات “إعادة عملية السلام إلى مسارها, يتوجّب على قادة إسرائيل إعادة التفكير بعقيدة البلد الاستراتيجية, ذلك لأنّ التوصّل إلى معاهدات سياسية مع دول المواجهة العربية والفلسطينية لم يكن يهدف إلى إحلال السلام فحسب, بل إلى تحسين الأمن القومي الإسرائيلي في وجه تهديدات ستراتيجية جديدة”.
ويضيف: “لقد كانت مبادرة السلام في أذهان واضعيها شمعون بيريس وإسحاق رابين, تهدف إلى مواجهة التهديد المتنامي للصواريخ العربية المزوّدة بأسلحة الدمار الشامل. وعدم القدرة على منع مثل هذه الصواريخ من الوصول إلى إسرائيل, كان بمثابة الإعلان عن أن الحل السياسي قد أصبح حاجة أساسية, لذلك يتوجّب على إسرائيل أن تعمل على الحؤول دون أن تصبح هدفاً... وبالتالي وعلى ضوء الحرب المستمرّة مع الفلسطينيين, فإنه بات من الواضح, حتى وإن تمّ التوصّل إلى اتفاق في نهاية الأمر, بأن أكثر ما يمكن توقّعه هو “سلام بارد”. وفي أسوأ الأحوال, دولة فلسطينية جديدة قد تكون مصدراً مستمراً لعدم الاستقرار والتحريض والتوتّر الذي سيهدّد علاقات إسرائيل مع بقيّة العالم العربي. وبدلاً من سلام ينجز مهمّته الاستراتيجية في تعزيز الأمن الإسرائيلي في مواجهة التهديدات المستجدّة, سيكون هناك سلام ذو أثر هامشي في أحسن الأحوال”(4)
أمّا الكاتب اوري أفنيري فعلّق على مقولة عضو الكنيست شلومو بنزري من حزب شاس حين قال وهو مأخوذ بنشوة النصر عام 1996: “سنحوّل الكنيست إلى كنيس”, فقال في افتتاحيّة الجيروزاليم بوست:
“إن إسرائيل الواحدة الموحّدة قد ماتت منذ وقت طويل, وقامت بدلاً منها فيدراليات من المجتمعات, كلّ واحدة منها لها طابعها الداخلي ووجهة نظرها وأحاسيسها وحبّها وكراهيتها”. (5)
باتت أغلبية الصهاينة في كيان الاحتلال (67 %) تخشى اندلاع حرب داخلية، وذلك وفق آخر استطلاع للرأي أجرته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، فيما تزامن هذا الاستطلاع مع تحذيرات من الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ، ورئيس الأركان السابق بني غانتس من أن تؤدّي الأزمة المتفجرة بين المعارضة وحكومة بنيامين نتنياهو إلى اندلاع حرب أهلية تهدّد وجود الكيان بالخطر…
هذا المناخ العام، عززته مؤخراً جملة من الأحداث التالية:
الحدث الأول، استمرار التظاهرات الحاشدة، وتهديد المعارضة بشلّ كلّ مناحي الحياة، في الكيان.. بعد أن قامت ببروفة نفذت خلالها إضراباً شاملاً وناجحاً عبر النقابات…
الحدث الثاني، حصول أوّل اشتباك بين أنصار المعارضة من أحزاب اليسار من جهة، وأنصار أحزاب الصهيونية اليهودية المتشددة من جهة ثانية.. واستخدام العنف من قبل الشرطة ضد المتظاهرين..
الحدث الثالث، انتقال الانقسام من الشارع إلى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وتحديداً الجيش الإسرائيلي، حيث أعلن المزيد من ضباط وجنود الاحتياط في القوة الجوية وبقية الأسلاك العسكرية التمرد على الخدمة، اذا ما استمرت الحكومة في إقرار الإصلاحات القضائية في الكنيست الذي أقرّ بعضها بالقراءة الثانية مما أجّج الاحتجاجات في الشارع وزاد من تفاقم حالة التمرد في المؤسسة العسكرية، الأمر الذي دفع رئيس الأركان هرتسي هيلفي إلى دق ناقوس الخطر من أن يؤدي ذلك إلى التأثير على تماسك الجيش.. وقال: “تتطلب الجبهات المختلفة البعيدة والقريبة أن يبقى الجيش متيقظاً لتعزيز الردع .. وان التحديات الأمنية تتطلب استعداداً عالياً”.. مشيراً إلى أن “استعداد الجيش هو مزيج من الكفاءة والتماسك”.، مؤكدا أنّ “كلّ من يدعو إلى رفض الخدمة العسكرية خلال هذه الأيام يضرّ بالجيش الإسرائيلي كما يضرّ بأمن الدولة”.
والأسئلة التي تطرحها هذه التطورات هي:
ما هي الأسباب العميقة للأزمة العاصفة بالكيان؟ وهل تقود إلى اندلاع حرب داخلية؟
وما هو ارتباطها بهزائم الكيان أمام المقاومة وتأثيرها السلبي على قوة الردع الصهيونية المتآكلة أصلا؟
أولاً، انّ الأزمة التي يشهدها الكيان الصهيوني إنما هي أزمة مفصلية في تاريخه تحصل لأول مرة منذ احتلال العصابات الصهيونية أرض فلسطين وإقامة هذا الكيان، المؤقت والمصطنع، والذي قام على التمييز العنصري حتى بين المستعمرين الصهاينة الذين تمّ الإتيان بهم من دول العالم المختلفة، مما جعل الكيان يقوم على تناقضات في بنيته وتكوينه منذ البداية.. غير انّ هذه التناقضات لم تطفُ في العقود الماضية الى السطح، بسبب عاملين أساسيين:
العامل الاول، غلبة المستوطنين الأشكناز الغربيين، وسيطرتهم على كل مفاصل الكيان ومؤسساته، خصوصا ان القادة الصهاينة الأوائل كان اغلبهم ينتمون إلى هذه الفئة من المستوطنين وهم قادة المشروع الصهيوني.. فيما المستوطنون المنتمون إلى ما يسمى اليهود السفارديم الشرقيين، كانوا أقلية، وتمّ تهجيرهم من الدول العربية إلى فلسطين بعد إقامة الكيان، وتمّت معاملتهم كمستوطنين من الدرجة الثانية.
العامل الثاني، أنّ الكيان طوال المرحلة التي سبقت هزيمته عام 2000 أمام المقاومة في لبنان كان في حالة ازدهار وتقدم مشروعه الصهيوني، نابعة من الانتصارات التي حققها في حروبه مع الدول العربية، والدعم الغربي غير المحدود الذي وفر للكيان ومستوطنيه مستوى عال من حياة الرفاهية، والامن والاستقرار مما جعل التناقضات تخبو ولا تظهر إلى السطح..
اليوم هذان العاملان لم يعودا موجودين، لسببين:
السبب الاول، التغير الديمغرافي في بنية الكيان، حيث ازدادت اعداد المستوطنين من السفارديم وباتوا منظمين في أحزاب صهيونية متشددة تعبّر عن طموحهم في وضع حدّ لتهميش دورهم في الكيان الصهيوني، وتمكنوا من الوصول إلى الكنيست بكتلة نيابية وازنة، استفادوا من حاجة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التحالف معهم لتشكيل الحكومة وإحداث تعديلات في القضاء لحماية نفسه من الملاحقة القضائية بتهم الفساد، وبالتالي حماية مستقبله في الحياة السياسية، وشكلا معاً الحكومة، بعد الانتخابات، وحصلوا على مناصب وزارية هامة مثل المالية والاستيطان والامن الداخلي… مما جعلهم في موقع التأثير القوي في السلطة السياسية والتنفيذية لأول مرة لتحقيق مشروعهم الاستيطاني وحلمهم التلمودي…
على انّ وضع هذا التحالف الحكومي التعديلات القضائية موضع التنفيذ العملي واقرارها من قبل الكنسيت بالقراءة الأولى والثانية فاقم الأزمة، ودفع أحزاب المعارضة التي تنتمي إلى المستوطنين من اليهود الغربيين الاشكناز إلى دق جرس الإنذار من خطر إحداث انقلاب في النظام وتغيير هويته الليبرالية الغربية، لمصلحة سيطرت المستوطنين المتطرفين المتشدّدين الذين يريدون مدّ نفوذهم داخل الدولة، وخارجها، من خلال السيطرة على مواقع اساسية في المؤسسات، أو من خلال تشريع طموحهم بتعزيز وتقوية دور ميليشياتهم المسلحة كجسم رديف للجيش، مع إعفاء المنتسبين إليهم من الخدمة العسكرية.. الأمر الذي تعتبره الاحزاب العلمانية الليبرالية خطراً يهدّد وحدة وتماسك الكيان وهويته التي قام ونشأ عليها.
السبب الثاني، دخول الكيان منذ هزيمته أمام المقاومة عام 2000 في مرحلة الهزائم والانكسارات وتآكل قوته الردعية وعجزه عن تحقيق الانتصارات، لا سيما بعد هزيمته الاستراتيجية أمام المقاومة في قطاع غزة عام 2005 ومن ثم في حرب تموز عام 2006، الأمر الذي أدّى إلى تفجر الازمات السياسية داخل الكيان، والتي تراجعت معها حالة الازدهار وانتعاش المشروع الصهيوني، ليحلّ مكانها عدم الاستقرار السياسي والقلق على وجود ومستقبل الكيان.. فيما الثقة بقدرة الجيش الصهيوني على تحقيق النصر والأمن والاستقرار للكيان باتت ضعيفة، حتى داخل المؤسسة العسكرية نفسها، خصوصاً بعد فشل كلّ الاعتداءات التي نفذها ضدّ قطاع غزة في القضاء على المقاومة أو إضعافها.. ونجاح المقاومة في فرض نوع من توازن الردع والرعب مع الكيان من خلال قدرتها على قصف العمق الصهيوني لا سيما تل أبيب ومحيطها، إلى جانب المستعمرات في جنوب فلسطين المحتلة… فيما المقاومة في لبنان عززت من معادلاتها الردعية التي شلت قدرة الكيان على شنّ اعتداءاته او تحقيق أطماعه في الأرض والمياه والثروات اللبنانية.. (6)
من هنا طفت التناقضات التي قام عليها الكيان إلى السطح، وعكس تفجرها إلى أيّ مدى كان الصراع الملتهب اليوم، موجوداً تحت السطح بانتظار اللحظة التي يظهر فيها بقوة إلى السطح..
ثانيا، انّ الصراع المحتدم اليوم له علاقة بتركيبة وبنية الكيان القائمة على التمييز، ولهذا فهو صراع عميق ويمسّ مصالح ونفوذ النخبة الصهيونية الحاكمة من المستوطنين
الاشكناز، الذين بدورهم قرّروا الدفاع عن هذه المصالح وعن نفوذهم في السلطة، واستخدام كل ما يملكون من قوة لمنع ايّ تغيير في السلطة يمسّ مصالحهم، الأمر الذي سيزيد من حدة الصراع والاستقطاب في الشارع، وهذا بدوره سيقود إلى مزيد من الانقسام والتفسخ والتذرّر في بنية الكيان، والذي بدوره سينعكس بإضعاف تماسك الجيش، بمزيد من التمرد في صفوفه.. وهو ما يجعل عندها احتمال اندلاع حرب داخلية احتمالاً كبيراً.. لانّ الأطراف التي تهيمن على مفاصل النظام الصهيوني تخوض اليوم معركة المحافظة على مصيرها وجودها التاريخي في السلطة ومؤسساتها..
ثالثاً، هذه الأزمة العاصفة في الكيان تصبّ في مصلحة قوى المقاومة ضدّ الاحتلال، وتشكل فرصة لتعميق مأزقه، ومجرد استمرار المقاومة في ظلّ ارتباك الكيان في مواجهتها، وتفاقم أزمته الداخلية وانتقالها إلى قلب الجيش، فإنّ ذلك يسهم في تغذية الأزمة داخله ويزيد من تآكل قوته الردعية، وإضعاف قدرته على مواجهة المقاومة، ويوفر الظروف المواتية لتعزيز قوة المقاومة في داخل فلسطين المحتلة، وخصوصاً في الضفة الغربية.. ولا شك أنّ هناك ترابطاً بين الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني اليوم، وبين هزائمه أمام المقاومة وازدياد عجزه في مواجهتها، والذي تجلى أخيراً في مخيم جنين المقاوم، حيث تسهم الأزمة في إضعاف الكيان وقدرة جيشه في مواجهة المقاومة المتنامية ان كان في لبنان، او قطاع غزة او الضفة الغربية، والتي تؤدّي الى مفاقمة أزمة الكيان.. وجعله كياناً غير آمن او مستقر للمستوطنين الصهاينة مما يدفعهم للهجرة المعاكسة إلى الدول التي أتوا منها بحثاً عن الأمن والاستقرار اللذين باتا مفقودين في الكيان المصطنع…(7)
يعيش الكيان الصهيوني المؤقت على أرض فلسطين العربية أسوأ مراحله المتعاظمة بحيث إن الصراع الداخلي غير المسبوق يوسع الشروخ بين المكونات السياسية والاجتماعية اليهودية المتعددة التي لم تتمكن من انتاج مجتمع متوائم على مدى 75 عامًا من الاحتلال باستثناء قاسم مشترك واحد وهو الارهاب ضد الفلسطينيين والعرب.
لذلك فإن الأزمة أعمق من أن تحاول ما تسمى بـ"الدولة العميقة" -وهي الجيش وأجهزة المخابرات على اختلافها- منع تفاقمها بالترقيع الموضعي لمسألة الخلاف على التعديلات القضائية وتشكيل لجنة مفاوضات من الأطراف مهمتها الوصول الى حل بعد اعلان بنيامين نتنياهو تأجيل اقرارها لبضعة أسابيع.
لقد أظهرت الأزمة الطافية على السطح تداعيات مهمة سوف تنعكس حتمًا على بنية التشكيلات الاجتماعية مع تزايد التحذيرات العاكسة لهواجس "الحرب الأهلية"، ولهذا الأمر بحد ذاته تداعيات مهمة على ما يسمى "الجبهة الداخلية"، وبالتالي على مستوى الصراع مع محور المقاومة عمومًا ومع القوى الفلسطينية في المحور المقاوم خصوصًا.
لم يتمكن ما يسمى بـ"جيش الاحتياط" أن يكون بمنأى عن الصراع التصادمي في جوهره بين معسكرات معروفة بدمويتها، فجيش الاحتياط لدى الكيان يصنف ركنًا أساسيًا من مكونات "الأمن القومي الإسرائيلي"، وإحدى أهم الركائز التي تستند إليها آلة الحرب الإسرائيلية في أي عدوان. ولم يكن سابقًا أحد في الكيان مهما علا شأنه ينتقد حتى ارتكاباته غير الاخلاقية وجرائمه الموصوفة، لا بل إن الساسة والأمن والعسكر والمحكمة العليا، جميعها تشكل مظلة حامية له، ولذلك فهو مستثنى من الانتقاد باعتبار أنه لا يتأثر بالصراعات السياسية أو الحزبية داخل الكيان. (8)
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟