|
رسائل الحرب المُرة...إغتراب الإنسان السوري. فادي الياس نصار
فادي الياس نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8085 - 2024 / 8 / 30 - 23:21
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
رسائل الحرب المُرة...إغتراب الإنسان السوري.
مثلما دمرت جيوش المرتزقة والفصائل الإرهابية، التي أتت إلى سوريا من كل أنحاء العالم، بدعمٍ من الدول الإستعمارية، وبتمويل خليجي علنيّ، كل ما يمت للحياة بصلة، بدءاً بالبنى التحتية (مدارس ومشافي) و إحراق الغابات والعبث بعناصر الحياة البرية، وصولاً الى سرقة كل غال وثمين، كذلك فعلت العقوبات الإقتصادية التي فرضتها تلك الدول (دول الناتو،الإتحاد الأوروبي ومعها جامعة العربية)، بحجة تسهيل عملية الإنتقال الى الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، ولحماية المدنيين من إنتهاكات نظام الحكم وغيرها وغيرها من الحجج الواهية التي كانت قد استخدمتها سابقاً مع دول عربية (كالعراق، ليبيا و السودان)، وأخرى في أسيا (إيران، كوريا الشمالية، واليوم الصين) وبعض دول أميركا اللاتينية (كوبا، فنزويلا وسابقاً تشيلي) وبعض الدول الأفريقية الغنية (الصومال، الكونغو، جنوب إفريقيا).
أوصلت العقوبات التي روجّوا لها، قبل فرضها، في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها(صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، الحياة الطبيعية في سوريا الى شفير الهاوية، لا بل الى الموت الفعلي، فالتغيير الديموغرافي الذي حدث في سوريا، أدى عملياً الى ضغط سكاني كثيف في المناطق الأمنة،وهذا تسبَّبَ بتردي العناصر الأساسية للحياة (تلوثت المياه والهواء وازداد التلوث الصوتي والضوئي)، كما كثرت جرائم الإغتصاب والسرقات والقتل، في حين تشوه النسيج الإجتماعي السوري، نتيجة اختفاء الطبقة الوسطى وتمدد الفقر والبطالة، وأغترب الإنسان السوري عن مجتمعه وعن ذاته، وظهرت مهن جديدة غريبة عن المجتمع السوري(تجارة الجنس، المخدرات، السلاح والأعضاء البشرية)، وفي الوقت ذاته عادت بعض الأمراض الى الظهور بعد أن كانت الجهات الحكومية قد أعلنت في فترة ما قبل الحرب اختفائها بشكل شبه نهائي (السل،الملاريا، الحمى التيفية والمالطية، إلتهاب الكبد الفيروسي، وشلل الأطفال)في بعض المراكز الحضرية.
كما تسببت تلك العقوبات بخروج مساحات شاسعةٍ من الأراضي عن الدورة الزراعية الطبيعية، بعد أن تدهورت نوعية التُرَب بشكلٍ رهيب، وبعد أن تم تهجير أكثر من ثلاثة ملايين انسان من الريف السوري خلال سنوات الحرب الست الأولى، وارتفاع أسعار الأسمدة والأدوية الزراعية، والوقود بنسبة فاقت 300 في المائة.
نعم ، لقد تسبب هذا الخلل الخطير في العلاقة بين الإنسان وبيئته، كنتيجة حتمية للعقوبات القاسية والحرب المدمرة، بإغتراب حقيقي للإنسان السوري عن ذاته، وهذا ليس إلا شكلاً آخراً من أشكال الموت.
تلك الدول الإستعمارية التي جاءت لنَشرِ الحُريات عبر بدعة “الربيع العربي” ، لم تعر إنتباهها الى أن الإنسان، إضافة الى المآكل والمشرب والمسكن، لديه من الإحتياجات الروحية، ما يحدد مستقبله وربما نمط حياته بأكملها، احتياجات كالتَعَلُّم، الرياضة، الموسيقى، الرقص، والعلاقات الإجتماعية، فبمجر فرضها لتلك العقوبات، فقد السوريون كل معنى لحياتهم، وبالتالي فالعقوبات كانت حقيقةً الشكل الصامت، المريع والمتوحش للإستعمار الجديد.
في كل مرة يفرضون العقوبات كانوا ولايزالون يقتلون الشعوب ويدمرون مستقبلها.. لكنهم لايخجلون!!
فقد فرضوا عقوباتٍ على العراق والسودان (إثنين من أغنى بلدان العالم العربي بالثروات المائية والباطنية)، فأغرقتها في المجاعات والفقر والجهل.
وفرضوا عقوباتٍ على يوغسلافيا (كانت المثال الصادق للتعددية العرقية والدينية والإثنية، خلال نصف قرن)…فمزقتها الى دويلات.
وعقوبات على هايتي وبنما….حولتها الى مستعمرات منهوبة وتابعة للإمبريالية.
وأخرى على زيمباوي والصومال وجنوب أفريقيا…فَشَلَّت قُدراتها، أثقلت كاهلها بالديون، وأفقرت شعوبها.
فيما كانت نتائج عقوباتهم على كوبا (البلد النموذجي بالخدمات الطبية المجانية والرعاية الصحية والإجتماعية) خلال أكثر من نصف قرن من الزمن(خسائر إقتصادية بلغت أكثر من تريليون و126 مليار دولار).
إنهم يدمرون الأمم، فلا يمكن مثلاً أن يكون مستقبل البلدان التي يعيش أطفالها حياة كريمة، في بيئة آمنة تنعم بالسلام، يتلقون تربيةً سلميةً، وفق أسس علمية وحضارية، ويتمتعون بكل الظروف المواتية لحياةٍ طبيعية مستقرة، كمستقبل ألأمم التي ينمو أطفالها وشبانها في ظلِ الحروب والحصار والعقوبات الإقتصادية، محرومين من أبسط مقومات الحياة الأساسية، ينهشهم الجوع والعوز والأمراض.
ختاماً نتساءل أيةُ أجيالٍ تلك التي ستُفرزها الحرب على سوريا؟ وأي مستقبلٍ لسوريا ستبني الأجيال التي حرمتها العقوبات من كل شيء، والتي أرتها الحرب، الدماء في الشوارع، الأجيال التي عضَّها الآلم والحُزن؟ لذلك وقبل إعادة إعمار “الحجر” ، يجب العمل على إعادة بناء وتأهيل الإنسان الذي هو ملح الحضارة.
#فادي_الياس_نصار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة تدوير النفايات..لإنقاذ الكوكب
-
الحروب الذكية، الموت القادم من “غوغل” !!
-
رسائل الحرب المُرة...إغتراب الإنسان السوري.
-
المولوية-.. عندما ترقص قلوب الدراويش
-
رائعة الساحر كويهلو.. الخيميائي.
-
ياشعوب العالم اتحدوا ضد التغير المناخي.
-
فوز اليسار الأوروبي بين الوهم والحقيقة.
-
عن الحب والسنديانة الحمراء
-
الإيزيديون أولى الديانات وأخر الشعوب.
-
لبنان حلم الرب
المزيد.....
-
قبل عودته إلى بيروت.. نشر لقطات للسفير الإيراني في لبنان الم
...
-
اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم شعفاط في القدس
-
دمار واسع في منطقة النبطية جراء الغارات الإسرائيلية
-
بلينكن يزور أوروبا لإجراء محادثات عاجلة بشأن أوكرانيا بعد ان
...
-
الحمل في زمن الحرب: معاناة مضاعفة للنازحات في مراكز الإيواء
...
-
واشنطن بوست: ترامب قد يحبط خطط حظر تيك توك في الولايات المتح
...
-
صحيفة تشيكية تنقل أخبارا سيئة للغرب بشأن أوكرانيا
-
إسقاط 13 مسيرة أوكرانية في أجواء مقاطعتي بيلغورود وبريانسك
-
محلل إسرائيلي: تأخر إنهاء الحرب في لبنان سيسمح لحزب الله باس
...
-
أكسيوس: ترامب يخطط لتنفيذ نصائح ماسك بشأن الحكومة
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|