عبد العزيز نايل
الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 10:52
المحور:
الادب والفن
بعد أن انتهى "العربجي" من إحكام الأربطة حول الحمولة, أمسك بلجام حماره ليقوده حتى آخر الحارة الضيقة, متفاديا أن تتعلق العربة بشباك أو بباب في هذه الحارة, وما إن استقامت العربة في الشارع الواسع, حتى قفز خلف حماره, ليلهب ظهره بعصا من الخيزران, وهو يتعجل صاحب الحمولة, بقوله: هيا.... ياااا, قفز الرجل إلى جواره, فبادره العربجي: رأيتك تلوّح لسكان الحارة كأنهم من بقية أهلك, والغريب أنه ولا واحد نزل أو خرج إليك, ما اسمك ؟ أجابه: يلقبونني بالشاعر, قالها وترجل من العربة والسعادة على وجهه, ليصافح أحد أطفال الحارة, والذي كان يجري خلف العربة, مناديا... يا عم... يا شاعر, يا عم..يا شاعر, ثم أدرك الشاعر العربة جريا وراءها, ليبتلع غصة من جراء نظرة العربجي إليه, وهو يدير جسده كله مخاطبا هذا الطفل الذي ما زال يجري خلف العربة, ليقول له, ارجع يا بني, ستضيع في الشوارع إن تَبعْته, وانطلقت ضحكته عالية, فأضحك المارةَ والجالسين على المقهى في الطريق......
جذب " العربجي" لجام الحمار فأوقفه أمام البيت, بعد أن أشار الشاعر على البيت دون أن يكلمه, أنزل الشاعر كل أمتعته من فوق العربة, و" العربجي " جالس على رصيف الشارع يتأمل دخان سيجارته, مضت العربة بحمارها, تَجمّع أطفال الشارع الجديد حول الشاعر وأشيائه, طالبهم أن يحرسوها, حتى ينقلها إلى الطابق الرابع, استجاب الأطفال, وامسك كل طفل بعصا زاعما أنها البندقية, وتحوطوا حول أشيائه بينما هو ينقلهَا وحيدا للغرفة التي على سطح البيت...
تعرقل مرتين على السلم الضيق وهو صاعد إلى الطابق الرابع وفوق رأسه الكرسي الكبير فكان عندما يصل إلى كل زاوية يحشر بين السور والزاوية فيصبح غير قادر على الصعود أو النزول فيظل متململا بينهما كجنين في بطن أمه حتى تمتد يدُ صاحبة البيت فيستدير الكرسي بينهما ليجد الشاعرُ طريقه إلى الأعلى وقد صار سهلا تتكرر نفس المعاناة في الكرسي الثاني ولكنه انتبه في هذه المرة إلى يدها و التي امتلأت بأساور من ذهب وكانت بيضاء من غير سوء بلون جُمَار النخيل ولها استدارة أشجار الكافور .....
تحامل واقفا بعد أن وضع أربعة قوالب من الطوب الأحمر تحت أرجل السرير الأربعة , سار إلى باب الغرفة وقد شبّك يديه خلف ظهره بعد أن حَمَّله مالا طاقة له به فمن غرفته السابقة في" البدروم " نَقْل أمتعته كلها فوق العربة ثم انزلها كلها بمفرده , ثم أصعدها كلها إلى السطح فوق الطابق الرابع , ارتمت يداه إلى جواره ونسي آلام ظهره عندما قفزت إلى ذهنه تلك الضحكة العالية التي كانت تنطلق من فم المرأة البيضاء كلما وقعت عيناها على بنطاله الأزرق تساءل ما الذي كان يضحكها في هذا البنطال فلما عرجت عيناه على بنطاله , هاله ما رأى , خَبّط بكفيه على رأسه وجحظت عيناه حين رأى أن سوستة بنطاله مفتوحة وأيضا رأى أن سرواله قد تزحزح يمينا فانفتحت نافذة على جسده وعورته والذي أزاد الطين بلة حين تذكر أنه عندما رأى يديها , ورأى من خلال أكمام عباءتها الواسعة إبطيها وجزءا من نهدها الأيمن وكذلك نهدها الأيسر, ككرتين كانتا فوق موجة خفيفة يترقّصان أو يهتزان أو يترجرجان , فترجرج عقله واهتزت يداه فاستنفرت أعضاؤه واستشعر هواءً باردا يداعب أعضاءه حتى أنه استشعره تحت صرته قال : أعلى هذا كانت المرأة تضحك وظل يتمتم يا للهول ما العمل لو أنها أخبرت زوجها الجزار عندما يأتي قال لنفسه متهكما : سيصعد فوق السطح بالساطور ليقطِّع أعضائي ويلقي بها لهذا الدجاج الذي يملأ السطح, قَطَعت حبل أفكاره مأمآت الخروف فتوجه بكلامه إليه قائلا تقبل اعتذاري أيها النباتي فلن يكون لك نصيبٌ في هذه الوليمة , من لم يرى ابتسامة تتألم فليرها الآن على شفتيه وهو يغلق سوستة بنطاله قال : أهناك متسع من الوقت للاعتذار للمرأة .......
. شهب سوداء خالها تنطلق من تحت عقب الباب لتختفي وتتلاشي في مطبخه الملحق بالغرفة , قفز إلى المطبخ , فإذا بها لم تكن شهبا , بل ثلاثة من الفئران, وقد اصطفوا أمامه لا يأبهون لمقدمه , قرأ الشاعر في عيونهم , فهو الخبير بلغة العيون , إنهم يرونه غازيا , متوعدين إياه بمقاومته مستيقظا ونائما إلى أن يرحل , وعيونهم التي تثبتت في عينيه كأنها تسأله , أيليق بإنسان أن يشاركها تلك الأمكنة , رأى فأرا يغمز بعينه لآخر , فأدرك أنه متهم لدى الفئران بالجاسوسية وأنه يمثل طلائع جيوش الإنس لاحتلال منازل الفئران فما كان منه إِلَّا أن ضم كفيه واضعا إياهما في مقابل صدره , ثم انحني للفئران الثلاثة واحدا واحدا , كما يفعل الهندوس في تحيتهم والبوذيون , عارضا عليهم السلام , وقال ليتهم يفهمون !!!!!!!! أننا شركاء........
وما كاد يجلس , وهو مؤرق بكونه طليعة استعمار الأمكنة الخربة , حتى انتفض , عندما ارتج باب غرفته من جراء دقة قوية , فلم يجد سلاحا يدفع به عن نفسه سوى قلم من الرصاص كان على المنضدة , التقطه وهو يقول: يكفي أنه من الرصاص , وضعه في قبضته , وارتفعت يده عالية , وهو ينتظر أن يقتحم الجزار عليه الغرفة وبيده الساطور , تهتز يداه فوق رأسه , ويدق بقدمه , على الأرض , وصوته يعلو , لن أسمح أن تكون أعضائي وليمةً لهذا الدجاج , ارتج الباب مرة أخرى حتى أن لوحا من ألواح الباب الخشبية قد طار ليسقط تحت قدميه , وما زال يصرخ دفاعا عن أعضائه , ففوجئ بقرني الخروف وقد دخلا في الفتحة المستحدثة في باب الغرفة , قفز ناحية الباب وانهال طعنا في قرني الخروف بقلمه الرصاص ,فلما تكسر قلمه على القرنين, فتح الباب ليتمكن من أن يطعن قلب الخروف , فإذا بالمرأة البيضاء واقفة على بابه وهي تستند بيدها على الجدار , فجاءت الطعنة في قلبه هو , مرة أخرى تزحف عيناه داخل أكمام عباءتها الواسعة متمنيا أن يتمدد عريانا تحت هذا الإبط البض , لم يرى شيئا فقد غَربت الشمس وأسدَلت الستائر على كل شيء أبيض بلون جُمار النخيل , صرخت به , ألم تسمعني ؟
ثمن هذا الخروف الذي تجرى وراءه يعادل ما تدفعه لاستئجار هذه الغرفة سبعة أشهر, قالتها واتجهت ناحية السور الذي يطل على السينما الصيفية لتشاهد فيلم الأسبوع الجديد, راقبها وهي تضبط من وضع ساعديها على السور جاعلة منهما وسادة لصدرها المكتنز, انحنت على السور تراقب أحداث الفيلم, تاركة أردافها في مواجهته, قبل أن يرى هذا المشهد, كان يعتقد أن أرداف النساء مستديرة, لكنه الآن قد أدرك أن للأرداف الجميلة هي التي تكون منبعجة, كما انبعاج الكرة الأرضية والتي ظُلمت هي الأخرى بظنهم أنها مستديرة, نزلت عيناه على ساقيها المتعانقتين, همس, تستحق هذه الأرداف أن تكون لها أعمدة من النور, فقد تأكد له في نفسه, أن ساقيها مؤهلان للاشتعال ضوءا وحرارة, فقط هما يحتاجان إلى طرف أرضي لتكتمل دائرة الكهرباء, التي تمد العالم والكون بالحياة, ارتعش رعشة , فَتَفرَّغَ بعدها لتسجيل دقائق هذا المشهد والذي يزداد ثراء بارتفاع ثوبها أكثر كلما تحركت يمينا أو يسارا, مؤكدا على ذاكرته ألا تنسى تلك التفاصيل الدقيقة لهذه الأرداف وللساقين, مؤكدا على ذاكرته أيضا ألا تنسى تلك الحركات الخفيفة التي تجعل من الأرداف والسيقان كائنات حية, فيقينا سيحتاج لهذه الصورة حيةً عندما يخلو إلى نفسه,
تم التسجيل, وما يغضبه, أنها تتجاهل رجولته, فهي لا تأبه لما يتعرى منها أمامه, كما أنها جلجلت بضحكتها ساعة أن رأت عورته, لوى عنقه إلى أقصى اليمين وهو يردد, أو تظنني خصي ؟!!!!!!! التف برقبته إلى أقصى اليسار, مرددا, لا.. لا... هي .. رأت بعينيها.... إنني لست خصيا..... قفزت على سطح أفكاره إحدى نظرياته عن المرأة, إن الجنس عند المرأة ليس رغبة مستقلة في ذاتها , إنها بالجنس تؤكد الحب, وبه تجمع المال, وبه تُثَبِّت شهرتها, وبه تقود الرجل حين تجعل من الجنس حبلا معقودا في أنفه, وبه تتحقق ذاتها, وبه تحكم التاريخ كله.............
قال : أما أنا فلست مدرجا في واحدة من هذه الاحتمالات, قادته هذه النظرية إلى الترفق بنفسه وبإحباطه... سمع صوتها آتيا من بعيد, وهي تقول: أو تكلم نفسك أيها المجنون.... دخل الغرفة وجلس على حافة سريره, أطلت عليه من طاقة غرفته التي تطِل على السطح, لا تغضب من الخروف, فهو غاضب منك لأنك اغتصبت غرفته... خرج إليها, يقول: أنا لست غاضبا, وإن أحبَبْتِ, أن تُحضريه ليقيم معي, فلا أمانع, عادت تجلجل بضحكتها.... وقد رفعت سبابتها أمام عينيه, مهددة إياه, إياك أن تُدْخلَ الخروف إلى غرفتك, وغمزت له قائلة, وأنت تعرف يا شاعر ماذا أعني, فجاملها بابتسامة بلهاء... جلس على سريره ومازال يردد, ما الذي تعنيه هذه المرأة ؟؟ !!
عادت الشهب السوداء خارجة من مطبخه لتمرق من تحت عقب الباب, امسك باللوح المكسور, رأى عليها آثار أقدام الفأر, قرأها, كانت تهديدا ووعيدا, فتح الباب يواجهه, فرأى الخروف واقفا وهو مستعد للنزال, التقط فانلة بيضاء متسخة, علَّقها على اللوح المكسور, معلنا استسلامه, فجنح الخروف للسلم, واستدار ذاهبا إلى ركنه البعيد, وبينما كانت محادثات السلام دائرة بينه وبين الخروف, كان للدجاج كأكآت تدمي القلب وهي تتقافز هلعا أمام "العِرسة" الكبيرة, قال لنفسه محسورا, للدجاجات ربٌ يحميها, ويكفيني هذه التهديدات التي تكتبها الفئران وكتبتها" العِرسة" بأقدامها الآن على اللوح المكسور, فرت" الِعرسة" بالدجاجة الكبرى, بكى الشاعر عليها وهي تولول مخنوقة.....
عاد الهدوء إلى السطح , دخل غرفته وقد ترك بابها مفتوحا, بل أنه عاد فخلع البابَ كلَه, فما فائدته وكل تلك الكائنات رائحات غاديات, من السطح إلى الغرفة ومن الغرفة إلى السطح, ثم تقرفص خلف الكرسي الكبير, وقد دفن رأسه بين يديه المستندة على ركبتيه, يجتر تعاسته في كل غرفة سكن فيها, ففي غرفة سابقة, تفجرت الأرض عن المياه وارتفعت حتى مستوى سريره, فقام يصرخ معتقدا بانهيار السد العالي, فأجابته صاحبة البيت, بأنها مياه المجاري, وها هو وقد وجد على السطح مهربا من البدرومات إِلَّا أنه مستباحٌ وتُنكره كلُ الكائنات, فوقف متحديا هزيمته فأمسك بقطعة من الفحم وكتب على الجدار بالخط الكبير "إنها غرفتي" كتبها وظل يصرخ ولن أسمح لكائن من كان أن يلجها, مأمأ الخروف, وصاحت الديكة أمام باب الغرفة , وها هي "العِرسة" تعبر من عقب الباب جالبة بقايا الدجاجة الكبرى , أمسك بحذائه القديم, تقدم خطوة في اتجاه الباب, لكنه عاد ونظر كتابته على الجدار, فصار يضرب فوق ضمير المتكلم الذي التصق بكلمة الغرفة, إلى أن تلاشى الضمير, فأمسك بالفحم, ليكتب إلى جوار كلمة" غرفة" بخط كبير أيضا, كلمة" وطن", ولم يضف الضمير, ثم أخذ يحتضن كتبه في صدره ويَخرج بها من الباب فيتساقط بعضها فيتركه, ليلقى بما تبقى على الجماهير الغفيرة في السينما, تصايح الناس في صالة السينما.... يا أستاذ , يا أستاذ.... نظر حوله فلم يجد أحدا ... عَرف أنه هو المعني.بالأستاذ ... ساعتها استشعر يقينا أن أقدامه مثبتةٌ فوق أرض الشارع....وإن رأسه تبين من فوق الطابق الرابع..وجماهيرٌ غفيرةٌ تهتف له... يا أستاذ... إنه الآن في وضع مطابقٍ ومساوٍ في الارتفاع لتمثال زعيم الأمة... فلابد أن يرفع لهم يده لاستنهاضهم...رفع يده عالية. وقد ألقى برأسه قليلا إلى الوراء.. وهو ينظر للأفق... ساعتها سمع ضحكتها..... فأدار جسده كله قطعة واحدة.. رأى زوجها يسن على يديه الساطور وهي تجلجل بضحكتها من خلفه
#عبد_العزيز_نايل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟