أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سليم مطر - بعد غيبة طويلة، حوار موسع مع سليم مطر حول الهوية الوطنية















المزيد.....



بعد غيبة طويلة، حوار موسع مع سليم مطر حول الهوية الوطنية


سليم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 11:46
المحور: مقابلات و حوارات
    


بعد غيبة طويلة، حوار موسع مع
(سليم مطر) عن الهوية العراقية..
أجرى الحوار : احمد ألهاشم ـ دمشق
لم يكن لمفردة الهوية حضور يذكر في الأدبيات الثقافية والسياسية العراقية. و لذا جاءت كتابات سليم مطر لتطرق بابا ظل بعيدا عن متناول الطروحات الشائعة. وكان من الطبيعي أن تلفت طروحاته انتباه الكثيرين و تفتح المجال لسجالات و حوارات مازال أثرها باديا. ولم يقف نشاطه عند حدود البحث النظري وإنما امتد كي يجسر الهوة الفاصلة بين التجريد المعرفي والتجسيد التخيلي، وبين الفكر والأدب. وتعتبر مجلة(ميزوبوتاميا) التي تصدر في بغداد ويشرف عليها من جنيف، افضل تعبير عن ثقافة(الهوية الوطنية) التي يدعو اليها.
. بيد أن إجراء هذا الحوار في مكان غير بغداد قد بعث التساؤل عن مصاديق قضية الهوية ذاتها. فإذا كان قدر أبناء بلاد النهرين هو الهجرة خارجها أو التقاتل داخلها فيما البلاد تبحث عن خريطة طريق قد تفتح الباب لخريطة تتسم باحتمالية يتعذر تجاهلها، فان السؤال المرير يفرض نفسه : أين إذن تلك الهوية الجامعة المانعة التي يتحدث عنها سليم مطر؟ سؤال أساس تفرعت منه الأسئلة الأخرى.
ـ البعض يقول إن سليم مطر يحاول أن يختلق مفهوم (الامة العراقية) التي لا تجد لها اي اساسي واقعي وتاريخي، لأن العراق بالحقيقة ماهو إلا جزء من الامة العربية؟

ان فكرة (الامة العربية) تجد تبريراتها فقط في فترة قصيرة جدا من التاريخ الاسلامي هي الحقبة الأولى من الدولة الأموية، يعني بضعة عشرات من السنين. بل حتى في هذه الفترة (الوحدوية العروبية) القصيرة، كانت الأصول الوطنية حاضرة وفعالة. فكانت هنالك الخصوصية المصرية والخصوصية الشامية و الخصوصية الأندلسية و الخصوصية المغاربية، وكذلك طبعا الخصوصية العراقية التي لعبت دورا حاسما في تغيير تاريخ الاسلام. ان بروز دور العلويين – آل البيت - في العراق في تلك الفترة وظهور التشيع بشكله الاولي السياسي، كان بالحقيقة شكلا من أشكال الوطنية العراقية، ضد الهيمنة الشامية(الاموية). أن شعور العراقيين بان الأمويين قد اعتمدو على الشاميين وجعلوا عاصمتهم دمشق، بينما علي ابن ابي طالب قد اختار أحدى مدنهم و هي الكوفة(وريثة بابل) عاصمةً للخلافة، جعلهم يلتفون حول العلويين ويؤسسون التشيع كحالة دينية مذهبية عراقية.
كل هذا يدل على ان الجانب الوطني( القطري حسب تعبير العروبيون) كان حاضرا بصورة حاسمة وفعالة كل التاريخ العربي الاسلامي.

ـ القوميون من مختلف الاطياف يقولون ان (سليم مطر) ينافي المنطق عندما يصر على التنظير لمشروع(الهوية العراقية)، لأن العراق ليس له وجود تاريخي، فجغرافيته حديثة النشأة و وضع خريطتها البريطانيون. بل إن البعض يذهب إلى القول إن بلدا مثل العراق مازال بعيدا عن وضع أل التعريف عليه انه "عراق" ما و ربما هو "عراقات" ؟
فكرة أن العراق بلد مختلق هي فكرة ابتدعها القوميون العرب و تبناها القوميون الأكراد فيما بعد. هذه الفكرة اتت من اجل القول ان الشعب العراقي غير موجود لانه مكون من اجزاء تابعة لأمم اكبر، مثل الامة الاسلامية والأمة العربية والامة الكردية والامة الآشورية والامة التركية، بل بلغ الامر بالبعض في الفترة الاخيرة، الى الحديث عن (امة شيعية!) و(امة سنية).. هكذا هو حال العراق المسكين، نخبه السياسية والثقافية قد حولته بسذاجة الى سوق مفتوحة لمن هب ودب لتصنيع وتسويق(امته) حسب مزاجه!
بالحقيقة ان اية نظرة ضميرية حيادية للتاريخ تجد ان العراق هو من اقدم الأوطان المعروفة في العالم. فمعظم الأوطان لم تتكون بإرادة قائد سياسي أو بإرادة مجموعة، إنما الذي كونها هي إرادة الجغرافيا. لاحظ أن لغالبية الأوطان حدوداً جغرافية تمنحها هذا التمايز. فمثلا مصر تكونت حول النيل وهناك الصحارى والبحار تحيطها وتفصلها عن الشام وعن ليبيا، بالاضافة الى المرتفعات التي تفصلها عن السودان. هناك دائما تضاريس جغرافية كالبحار و الجبال والصحارى وغيرها هي التي تحدد الأوطان وتفصلها عن باقي الاوطان. إذا أخذنا إيران مثلا فهي برغم التنوعات العرقية والجغرافية الداخلية، لكن هناك الجبال والبحار التي تحيطها وتفصلها، مثل جبال طوروس التي تفصلها عن الأناضول و جبال زخاروست التي تفصلها عن العراق ثم الجبال التي تفصلها عن أفغانستان ثم بحر قزوين و البحر الأسود اللذان يفصلانها عن القوقاز وروسيا.

ـ وهل هذا الحالة الجغرافية تنطبق على العراق؟
طبعا، فمن الواضح والمعترف به من جميع الباحثين ان العراق بلد كونته الجغرافية وشكلت حدوده الطبيعية. فهناك النهرين دجلة و الفرات، وهما محاطان بهضاب كبرى من كل النواحي، فمن الغرب الهضبة الشامية ومن الجنوب الخليج العربي وهضبة نجد ومن الشمال جبال طوروس و من الشرق جبال زخاروست. إذن ثمة حدود واضحة من الجبال و الهضاب تحيط العراق وتعزله عن باقي الاوطان المحيطة به. ثم هناك النهران اللذان أضفيا الهوية الجغرافية لما سمى ببلاد النهرين وفرضا وحدة العراقيين المادية والروحية منذ فجر التاريخ وحتى الآن. منذ أن تكوّن التاريخ العراقي قبل أكثر من سبعة آلاف سنة، كانت هناك دائما وحدة سياسية دينية لغوية تجمع العراقيين من أقصى شمال الموصل إلى أقصى الجنوب في الخليج العربي. نلاحظ أن السومريين كونوا حضارتهم في جنوب العراق و لكن وجودهم العرقي كان في أنحاء العراق وحتى في دير الزور. ثم ظهر الساميون ممثلين بالناطقين بالاكدية. بالمناسبة ما يسمى بالكلدانيين و الآشوريين و البابليين هي مصطلحات ابتدعها المؤرخون و ليس لها أي أساس من الواقع. فهي إنما سلالات مثلما نقول السلالة العباسية و السلالة الأموية و لكن من الناحية اللغوية و الدينية هم الشعب نفسه خلال اكثر من الفين سنة، لانهم جميعاً كانوا يتحدثون باللغة الاكدية بلهجاتها الآشورية والبابلية لأنها لهجات و ليست لغات، وكلهم ايضا على نفس الدين(عبادة الكواكب). ان المرحلة الاكدية التي تبدأ من نهاية الدولة السومرية قبل ألفين و خمسمائة قبل الميلاد، حتى زهاء خمسمائة قبل الميلاد. أي أكثر من ألفين سنة ظل العراقيين ينطقون باللغة الاكدية ويعتنقون الديانة نفسها. أما سياسيا فظلت الوحدة الإدارية سائدة. كانت السلالة الآشورية في نينوى تحتل جنوب العراق و السلالة البابلية تحتل الشمال.ان الوحدة السياسية والادارية للوطن العراقي فرضتها ظروف البيئة. حتى الأجنبي حينما كان يحتل العراق فإما أن يحتله كله أو يتركه كله لان إدارة النهرين في الري و السيطرة على الفيضانات تقتضي إدارة سياسية واحدة تسيطر على العراق برمته، فلا يمكن ترك جزء و حكم جزء لان هذا يؤدي إلى فوضى وفيضانات و جفاف و كوارث. اما في الفترة الآرامية فقد اعتنق العراقيون الديانة المسيحية وأصبحوا ناطقين باللغة الآرامية السريانية. حتى اتى الفتح العربي الاسلامي، حيث تبنى غالبية العراقيين اللغة العربية والدين الاسلامي.

ـ وأين تضع المناذرة وإمارتهم، أي العنصر العربي ؟
هذه إمارات و محميات بسيطة. و قد ركز العروبيون ولمقتضيات أيدلوجية على دولة المناذرة وكأنها كانت تشكل العراق كله، في حين أنها كانت امارة محمية صغيرة تابعة للدولة الساسانية، لكي تحمي الحدود الغربية من الغزوات البدوية.
وحتى هذه الامارة فقد كان غالبية سكانها من العراقيين الناطقين بالآرامية(السريانية). ان غالبية العراقيين كانوا من أتباع الكنيسة النسطورية العراقية التي كانت تسمى كنيسة الشرق او كنيسة بابل، وكان مقرها في(المدائن ـ طيسفون)، بالاضافة الى أقليات يعقوبية وصابئية ويهودية.

- إذن العراق ليس خريطة بريطانية ؟
الغريب أن الحديث عن تكون العراق يعتمد فقط على تاريخ دخول الانكليز، مع التناسي التام للتاريخ العراقي السابق. ان العراق بصفته كياناً كان موجودا في زمن العثمانيين و ليس مع الانكليز فقط. في زمن العثمانيين كان العراق يتكون من ثلاث ولايات وكان والي بغداد يقود العراق. كانت اربيل دائما جزءا من الخريطة العراقية. أما السليمانية فكانت متنازعا عليها بين العثمانيين والإيرانيين.

ـ ولكن مفهوم الوطن مفهوم حديث كان هناك مفهوم الأمة الإسلامية في زمن العثمانيين ؟
إذا أخذنا بهذا القول فإننا لا ننفي الكيان العراقي وحده بل جميع الاوطان التي كانت تكون الدولة العثمانية. فمثلا ننفي مصر وتركيا نفسها. لماذا يطبق مفهوم الأمة الإسلامية على العراق وحده. كما أن مفهوم الأمة المسيحية و الإفرنجية ينفي دول أوربا جميعها. أما مسالة الحدود فان تسعين في المائة من الدول تكونت حدودها بعد الحرب العالمية الثانية. ألمانيا تكونت قبل بضعة سنوات بعد الوحدة و لم يتفق على حدودها حتى الآن. معظم دول العالم غير متفق على حدودها. و هذا هو الحال مع إيران و تركيا واليابان. لماذا إذاً العراق وحده الاختلاف على حدوده يؤدي إلى نفيه و إلغائه؟

- كيف تفسر أذاً ثورة محمود الحفيد في السليمانية في بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة ألا تمثل ثورة قومية للخروج من إطار الدولة العراقية المتنوعة بحثا عن دولة قومية لمكون عرقي معين بما ينفي ما تتحدث عنه بشان الوحدة الجغرافية و الثقافية للعراق؟

ان الثورات موجودة في كل دول العالم. العشائر العربية في العراق أيضا قامت بأعمال تمرد وثورات. ولكن ذلك لا يشكل دليلا على أن هذه الأمة العراقية غير موجودة. هذه الأمة كانت لها وحدة جغرافية و لغوية ووحدة قومية إلى حد ما.

- يبدو ما تقول و كأنه نوع من الضم و الإلحاق ألقسري لمجموعة سكانية تعلن على لسان أفرادها إنها تريد حق تقرير المصير فهل المهم هو وحدة الوطن أم حرية الناس ثم إن البعض يقول إن أجزاء يعيش فيها الجميع أفضل من وطن واحد يموت فيه الجميع؟
من الذي منع الأكراد من تأسيس دولتهم خلال آلاف الاعوام؟ لست أنا العراقي من منع ويمنع الأكراد من إنشاء دولة كردية. وإنما التاريخ و الجغرافيا هو الذي منعهم. في الشرق الاوسط، حيث ينتشر الناطقون باللغات الكردية( السورانية والبهدنانية وغيرها) خلال آلاف الاعوام، قامت دول ايرانية وعراقية وبيزنطية(اناضولية) وسورية، ولكن لم تقم دولة كردية واحدة. اقصى ما تمكنوا عليه هو تكوين امارات صغيرة محمية ومتنافسة وتابعة لدول المنطقة. حتى الآن فأننا جميعا نعرف انه في الجزء الكردي العراقي، ورغم توفر الحماية الامريكية، ليست هنالك سلطة واحدة، بل هنالك(إمارتين) كرديتين، طلبانية وبرزانية.
حين أقول إن الجغرافية والتاريخ منعهم فاقصد أن المناطق الكردية الحقيقية والتاريخية(قبل التمدد الكردي الى سهل اربيل وكركوك في القرن الاخير، وهذا التمدد حدث ايضا في ايران وتركيا وسوريا)، هي مناطق جبلية معزولة بعيدة عن طرق التجارة والحضارة، كذلك هي مناطق حدودية تقع بين الحضارات الكبرى المتنافسة في المنطقة(الايرانية والعراقية والاناضولية والسورية)، هذين العاملين قد لعبا دورا حاسما في جعل هذه المناطق الكردية غير قادرة على تكوين مركز حضاري كبير ولا دولة كبيرة وثابتة قادرة على الصمود بوجه الدولة الاقليمية المحيطة. واقصى ما تمنكوا منه هي امارات صغيرة متنافسة وتابع للدول المحيطة. ولكن ايضا يتوجب التأكيد ان الاكراد، رغم عزلتهم الجغرافية والتاريخية، الا ان الكثير من العناصر الكردية المهاجرة الى المراكز الحضارية المحيطة، سواء في العراق او ايران او الشام او الاناضول، ساهموا ولا زالوا يساهمون بصورة فعالة في صنع الحياة والحضارة في هذه البلدان. ان تاريخ العراق مثلا، منذ الفترة العباسية وحتى الآن، هنالك الكثير من السياسيين والمبدعين من اصول كردية عراقية ، قد ساهموا بصورة فعالة في الحياة السياسية والثقافية العراقية.

ـ هنالك من يقول ان هنالك خصوصية قومية جغرافية لكردستان العراق تميزها وتفصلها عن العراق.
نعم هنالك خصوصيات جغرافية وبيئية لمناطق تواجد اكراد العراق، ولكن يجب عدم المبالغة بذلك. جميع اوطان الارض، تحتوي على مناطق جغرافية وبيئية متنوعة، ولكن ايضا هنالك قواسم جغرافية وبيئية وتاريخية وثقاية مشتركة تسمح باجتماع هذه المناطق المختلفة في وطن واحد. لو نظرنا مثلا الى منطقة تواجد الاكراد في شمال العراق حاليا و خصوصا اربيل و ما يحيط بها فهي مناطق حديثة التكريد لأنها أساسا مناطق سريانية تركمانية. فحتى مرحلة متأخرة من التاريخ أي في سنوات العشرينيات و الثلاثينيات في القرن الماضي كان غالبية سكان اربيل هم من التركمان و السريان. وكركوك كذلك و لكن حدث نزوح كردي وخصوصا بعد سنوات العشرينيات إلى كركوك بعد ظهور النفط. ان العراق شانه شان سبعين بالمائة من دول العالم دولة متنوعة عرقيا و دينيا. خذ اسبانيا مثلا و بريطانيا و فرنسا، حتى الدول الكبرى والعظمى مكونة من عدة أقوام. وهذه مسـلة طبيعية جدا. ولو سمح لكل عرق أن يشكل دولة لتضاعف عدد الدول خمسة أضعاف، ولحدثت حروب قومية لا تعد ولا تحصى. خذ ايران مثلا، لا يتجاوز الناطقون بالفارسية خمسة و أربعين بالمائة، فهنالك العرب والاذريين والتركمان و الأكراد والبلوش، ومع ذلك فأنهم جميعا تبنوا الفارسية كلغة رسمية. في حين أن الناطقين بالعربية في العراق يشكلون نسبة خمسة وسبعين في المائة، على الاقل...

- يبدو أن تناولك للقضية الكردية ينبع من المفهوم الذي تتبناه للأمة وهو مفهوم الأمة الفرنسي أي وحدة الأرض والدولة وان الأمة و الوطن شيء واحد فالأمة هي الكيان الجغرافي السياسي بحدوده المعترف بها دوليا، و ليس المفهوم الألماني للأمة الذي يقوم على أساس العرق و اللغة. في حين أنت تبدو للكرد كأنك قومي عربي أي تنتمي للمفهوم الألماني القائم على العرق و اللغة؟
الحقيقة أن القوميين الاكراد هم الذين يشيعون ذلك. بالنسبة لي إذا كان ثمة تيار يقف على الضد من مفهوم الأمة العراقية الذي أدعو إليه فهو التيار القومي العربي. لأنني ضد مفهوم الأمة العربية و لا وجود للأمة العربية بالنسبة لي برغم أني متفق مع مفهوم الوحدة العربية ولكن على طريقة الوحدة الأوربية. وأنا أقول في كتاباتي أنا ضد القومية العربية ومع الوحدة العربية. أنا أدعو إلى وحدة الشعوب العربية و لكن ليس على أساس مفهوم العرق و الأمة وإنما نحن أمم مختلفة و لكن المصالح الجغرافية السياسية و التاريخية تجمعنا وتسمح لنا بالتوحد و التقارب مع احترام خصوصياتنا. و لكن النزعة القومية الكردية هي التي صورت أطروحاتي على أنها ضد القومية الكردية. و لكن إذا كان ثمة شيء يقف على النقيض من طروحاتي فهي الطروحات القومية العربية.

- أنت قلت إن الخصوصية العراقية تجسدت أيام الأمويين باحتضان الفكر الشيعي و لكن في زمن العباسيين اضطهد من يناصر آل البيت هل لان بغداد أصبحت مركزا حضاريا وما عاد التمايز ممكنا عبر المكون المذهبي أم لان العراقيين شعروا بنوع من النرجسية فها نحن قد أصبحنا مركز الحضارة فلا داعي للاهتمام بالاختلافات؟ ثم كيف أصبح التشيع شائعا في حين أن التنوع العرقي والثقافي كان مازال قائما كان هناك السريان الذين لم ينقرضوا بعد والدين الإسلامي لم يكن منتشرا تماما بين العراقيين كما هو الحال مع بلاد الشام التي سبقت بغداد كمركز للدولة الإسلامية العربية ؟
التشيع العراقي بالحقيقة كفكرة جنينية سياسية نشأت في مكة و المدينة و لكن تكوينها السياسي والمذهبي الحقيقي هو في العراق، بعد اختيار الامام علي للكوفة عاصمة للخلافة. ثم أخذ التشيع بعدا أكثر وضوحا حينما جاء الإمام الحسين و استشهد في معركة كربلاء. و قد أعطت هذه الحادثة بعدا عقائديا واسطوريا عميقا للتشيع العراقي. ومع استمرار الاضطهاد الأموي(الشامي) للعراقيين، واشهرهم الحجاج وتقولاته عنهم، نشأ نزوع عراقي ضد الأمويين و ضد ما يسمى بالشاميين الذين يضطهدون العراقيين. فأصبح علي والحسين رموزا لتمرد العراقيين أو لرغبة العراقيين بالتحرر من الهيمنة الأموية. ووصل هذا النمو الشيعي العراقي ذروته في الحركة العباسية. لا ننسى أن الحركة العباسية لم تكن حركة سنية لان مفهوم السنة لم يكن موجودا في ذلك الحين. كان ثمة الأمويون والعلويون -آل البيت-. لم يكن الأمر متداولا بمصطلحات مذهب سني ومذهب شيعي. فالشيعة كانوا حركة سياسية ولم يشكلوا حركة مذهبية فقهية.. لان التشيع أصبح حركة مذهبية بالفعل و الوضوح في أيام جعفر الصادق. وليس مصادفة أن العباسيين اختاروا العراق مركزا لحركتهم لان الحركة العباسية أساسا كانت حركة عراقية للتخلص من الهيمنة الشامية الأموية. وقد ظلت بغداد عاصمة الخلافة العباسية لحوالي خمسة قرون، وظل العراقيون من العرب والمستعربين(أي من سمي بالموالي) العنصر الفعال والقيادي في هذه الدولة. أما بشأن اتهام الحركة العباسية بالاعجمية من خلال بعض الأسماء مثل أبي مسلم الخراساني وغيرهم.. فأقول إن من الطبيعي أن الشعوب الأخرى المضطهد ة أصبحت تحت راية العراقيين كالإيرانيين في تمردهم ضد الهيمنة الأموية التي كانت مشبعة بنفس عنصري عربي يحتقر غير العرب واحتقرت العراقيين باعتبارهم موالي. وكان العنصر العربي في الدولة الاموية هو المهيمن في حين كان السكان الأصليون كالاتراك والعراقيين والإيرانيين محتقرين لأنهم ليسوا بعرب. فالجاحظ مثلا، يذكر في زمنه ان الكثير من اهل جنوب العراق كانوا لم يتقنوا العربية بل يرطنون بـ (النبطية) أي لهجة (آرامية) هي نفسها التي احتفظ بها الصابئة.

ـ ولكن الفرس لعبوا دورا مهما في الدولة العباسية، حتى قبل انها دولة فارسية؟
ان اكذوبة (فارسية الدولة العباسية) هي من صنع المؤخرين القوميين والطائفيين في العصر الحديث وليس لها أي سند تاريخي حقيقي. كان من الطبيعي أن ينضوي الإيرانيون تحت راية العراقيين و ليس العكس. فالحركة العباسية هي حركة عراقية ضمت الأتراك و الإيرانيين وغيرهم. واختيار العراق وبغداد عاصمة للدولة العباسية دليل على أن العراقيين هم كانوا قادة الحركة العباسية وهم الذين كانوا يرفدونها.. فضلا عن بقاء العباسيين في بغداد مدة خمسة قرون برغم كل ما يسمى بالنفوذ الإيراني. ولو كان للإيرانيين هيمنة ونفوذ على القرار العباسي لكان من الطبيعي أن يكون مركز الخلافة هو إيران مثلما الأتراك حولوا مركز الخلافة إلى اسطنبول مدة خمسة قرون و استبعدوا العنصر العربي. فما كان من شيء يمنعهم. فلماذا تتهم الدولة العباسية بتهمة الفارسية في حين أن مركزها العراق. ألمجرد أنها سمحت للأقوام الأخرى بالتعبير عن تمردها على الهيمنة العربية التي أخذت طابعا عنصريا مع الدولة الأموية برغم أن الإسلام جاء لكل الأقوام. و الدليل على ذلك أن الحركة الشعوبية وفي تفسير الكثير من المؤرخين هي لغويا الحركة المساواتية. فالشعوبية هي المساواة بين الشعوب و ليس فيها شيء عنصري، بل هي جاءت كردة فعل على احتقار العنصر العربي لبقية الأقوام، ومن بين من ناصرها شخصيات عربية. كما أن أعلام الحركة الشعوبية ليسوا من الإيرانيين بل إنها نشأت و ماتت في العراق و ليس هناك أي وجود لها في إيران. فكل من اتهم بها و شعرائها و أعلامها ومن اعدموا بسببها كلهم في العراق. فلماذا حولت كلها إلى حركة إيرانية برغم أن المؤرخين القدماء لم يذكروا ذلك وإنما المؤرخون القومويون و الطائفيون هم الذين شوهوا التاريخ العراقي.

- كنت تقو ل في كتاباتك إن تاريخ العراق يمثل عصبية السلطة وتسامح الشعب وذكرت في غير مكان أن الحكومات العراقية المتعاقبة في تاريخ الدولة العراقية عجزت عن تشكيل هوية عراقية واضحة ما يجري الآن في العراق من احتراب طائفي ألا يمثل تكذيبا لطروحتك الأولى تلك وهل أن سبب ما يحدث الآن هو غياب الهوية أم عدم تسامح الشعب؟

لا اخفي عليك أنني أصبت بنكسة شخصية كبيرة و قاسية حين حدث هذا الاحتراب الطائفي. و لذلك انعزلت مدة من الزمن عانيت ما يشبه الانهيار العصبي بسبب خيبة الأمل القاسية التي عشتها . وما خيب ظني هو خيانة النخب العراقية.. كان لدي أمل أو بصيص منه في أن هذه النخب و بعد النكسات التي عانتها طيلة هذه الأجيال الماضية و خصوصا في ظل حكم صدام حسين ستحاول أن تستفيد من الماضي و تطرح برامج عراقية محض. و لكنها للأسف دلت على أنها مازالت هشة والجزء الحاكم منها حاليا يشكل طبقة لا تستحق أن تكون في هذه المواقع القيادية. واتفق معك أن عدم النجاح في عدم تكوين هوية وطنية هو الذي أدى إلى هذه النكسة الكبيرة. و أنا أقول دائما إنني متشائم على المدى القريب ولكنني متفائل على المدى البعيد، لأنني اعتقد وهذه تمنيات و ليست تخمينات، أن النكسات التي يعانيها العراقيون الآن هي آخر ما تبقى من تلك الطاقة السلبية .. طاقة الأحقاد و التجاهل فيما بين الأعراق و المذاهب و الأديان في العراق، وآخر ما تبقى ومن ذلك الدم الفاسد الذي تجمع على مدى أجيال. و لدي أمل أن ما يحصل ليس نهاية العراق و إنما نهاية مرحلة من التجاهل و الانفصام و هيمنة الأيدلوجيات الخارجية. واعتقد أن الخيبات المعاشة تساهم في تكوين هوية عراقية فيها يكمن خلاصنا، وان و المشاريع الخارجية مثل العروبوية و الاسلاموية والكردوية و الأممية أثبتت جميعا فشلها و ربما هي الارتعاشات الأخيرة لموت الطروحات الخارجية المضادة للهوية العراقية. لعل العراق يمر بحالة ولادة عسيرة للهوية العراقية وسط هذه لنكسات بدليل أننا نرى حتى المتحاربين و الطائفيين يدعون بخطاب الهوية العراقية.

- يرى البعض أن المكون الإسلامي غائب في كتاباتك؟
لقد اعتدنا وبشكل لاواع أو بالأصح عودتنا الأطروحات العروبية على أن أي فكر يتعلق بتاريخ العراق السابق على المرحلة الإسلامية يوحي بإلغاء الحقبة العربية الإسلامية. و أنا في كتاباتي كلها خصصت الجزء الكبير من عدد الصفحات للحقبة الإسلامية و الحقبة الحديثة و جزء من العشر مخصص لفترة ما قبل الإسلام. ولكن مجرد وجود هذا العشر يجعل صاحب الميول العروبية والإسلامية يتخيل بان هذا العشر هو الغالب. وهي حالة غريبة. فإذا ذكرت بعشرات الصفحات شخصيات إسلامية وعربية و ذكرت في سطر واحد كلكامش و آشور بانيبال فان الآخر يتصور بأنك لا تكتب إلا عن آشور بانيبال و كلكامش.
انا بالحقيقة من انصار التأكيد على اولوية البعد الاسلامي للهوية العراقية، لأننا لا نستطيع أن ننكر أن الغالبية الساحقة من العراقيين بما فيهم الكرد و التركمان هم مسلمون. كذلك اؤكد على اولوية البعد العربي للهوية العراقية لأن أكثر من خمسة وسبعين بالمائة من العراقيين هم من الناطقين بالعربية. لكن ايماني باالاهمية الكبرى للبعدين الاسلامي والعربي للهوية العراقية، لا يمنعني من التأكيد ايضا على البعد التاريخي السابق للمرحلة العربية الاسلامية. أن كل ما أريد قوله هو إن المراحل السابقة هي جزء من تاريخنا. ان عمر الاوطان يشبه عمر الإنسان، فالإنسان لا يستطيع أن يقول إنني ابن ما بعد سن الخامسة عشر، وان ما قبل سن الخامسة عشر هو ليس عمري. كلا.. ولا يمكن القول أيضا إن فترة الأربعة آلاف سنة السابقة على الفتح العربي الإسلامي هي فترة ملغية واجنبية من تاريخنا الوطني، واعتبارها زورا كتاريخ إيراني أو تاريخ مسيحي او تاريخ وثني! إن تاريخنا منذ العصر الحجري هو تاريخنا الذي لا يمكننا التخلي عنه شأننا في ذلك شان شعوب الأرض جميعا.. فكل لحظة من حياتك هي تاريخك. و لا يعود تاريخنا العراقي إلى الفتح العربي الإسلامي فقط. إن تاريخ أي بلد يبدأ من لحظة تكونه والحضارات التي مرت به هي جزء من تاريخه. فلماذا نربط أنفسنا بتواريخ اليمن و الحجاز لأننا عرب؟ لماذا يتعين على العراقي القول إن أجدادي هم الدولة المعينية و السبئية في اليمن وجاهلية مكة في الحجاز؟ لماذا يبدأ تاريخ العراق من هؤلاء، وما دخل تاريخ اليمن والحجاز بتاريخ العراق؟ لماذا لا يتعلم العراقي انه ابن بابل وأكد وسومر و آشور و بغداد و الديوانية و الكوفة و نينوى واربيل والسليمانية، و ليس ابن صنعاء والمدينة المنورة؟ أنا ابن عائلة مسلمة شيعية و اعتز بتاريخ عائلتي و بتاريخ شعبي ولكنني لا استعير تاريخ المدن الأخرى التي لا تنتمي إلى ارضي التي ولدت عليها، و لست مضطرا لذلك. أنا اعلّم ابني الذي يعيش في الغرب اللغة العربية واحترام الإسلام و لكنني لا اعلمه انه ابن اليمن لأنه عربي فهو ببساطة ابن العراق وهو اقرب إلى المسيحي العراقي والكردي العراقي منه إلى الجزائري و الحجازي و اليمني مع كامل اعتزازي بهذه الشعوب. فهذا ما أقوله وهو أمر واقعي جدا وهو أننا يجب أن نعتز بالعراق ونعتز بتاريخه واقوامه وطوائفه و أديانه...

- و لكن هذا المكون النهريني الذي تتحدث عنه كان غائبا عن الوجدان العراقي لمدة غير قليلة من الزمن بحكم انه تراث مكتشف وبحكم اختلاف اللغات الرافدينية عن اللغة العربية أي انه لم يكن تراثا حيا و حاضرا ، بفعل القطيعة التاريخية و اللغوية، هل يكفي تواجد هذا التراث على جغرافيا معينة كي يتحول إلى مكون من مكونات الوجدان ؟ وهل يعني مجرد كشف هذا التراث النهريني الذي ترجم إلى العربية انه أصبح جزءا من الهوية العراقية ولاسيما انك تحاول أن تأصل بعض العادات و تعيدها إلى التراث الرافديني كالندابة التي كانت تنعي على تموز كحال "الملاية" الناعية على الحسين مثلا..

أرجو ألا نبالغ في هذا الموضوع.. إذ لا يبلغ بي التطرف مبلغ الطلب من العراقي بان يتحدث باللغة السومرية أو الاكدية و لا أريده أن يقدس عشتار الآن أو يحتفل بعيد اكيدو العراقي وغير ذلك. أنا أطالب بمجرد الشعور بالانتماء لهذا التاريخ حتى لو كان انتماءً شكليا و بمجرد أن يقول العراقي إن هذا تاريخي أما التفاصيل فتظل تفاصيل رمزية و احتفالية. ففي دول العالم قاطبة يتربى الطفل في المجالات كافة ، في التربية و الإعلام و الثقافة انه ينتمي إلى أقوام بلاده الأولى. لنأخذ فرنسا مثلا، إن أول عبارة يتعلمها التلميذ في التاريخ هي " نحن الغاليون " و أن فرنسا هي بلاد الغال" وهم الشعب القديم الذي سكن فرنسا و كان يتحدث اللغة الغالية التي يجهلها الفرنسيون حاليا، كما أن لا احد في فرنسا اليوم يدين بديانة الغاليين وإنما يتحدث الفرنسيون اليوم اللغة الفرنسية اللاتينية و ديانتهم هي المسيحية، و مع ذلك يعتزون بتاريخهم القديم و هو مجرد اعتزاز. خذ السويسريين مثلا، فالناطقون بالألمانية والناطقون بالفرنسية و الايطالية يقولون جميعا نحن شعب "الهلفت" و الهلفتيون هم الشعب السابق الذي كان يسكن سويسرا والآن هم يتحدثون بعدة لغات مختلفة و ديانتهم اليوم هي الكاثوليكية و البروتستانية. حتى الاسم الرسمي لسويسرا هو بلاد الهلفت وعلامته حرفH . أما مسألة الطقوس والعادات و الموروثات فهي موجودة و نحن غير قادرين على اصطناعها وتظل أمورا اختيارية و تدرس في الجامعات .. المصريون الآن يعتزون بالأهرامات وبتاريخهم الفرعوني ولكن لا احد يشكك في عروبتهم واسلامهم..

- ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تحول التاريخ الفرعوني في مصر إلى مكون من مكونات الهوية فهو حاضر في الأدب وروايات نجيب محفوظ الأولى كانت بشكل من الأشكال إعادة إنتاج للتاريخ المصري القديم و هناك أيضا المسلسلات و الأفلام لماذا لم يحدث ذلك عراقيا. أين العلة؟ هل يخشى العراقي من تراثه القديم ولماذا لا يجاهر به ؟
لاحظت ذلك عند العراقيين و السوريين أيضا. فكلاهما خلق كائنا وهميا عملاقا اسمه (العروبة)ثم وقع تحت سطوته. و هذا الكائن هو القومية العربية أو النزعة العروبية. لاحظ أن اعتزاز المغاربي و الجزائري بهويته لا يعد مثلبة، لا احد يقول له انك خائن للعروبة. و كذا الحال مع السعودي الذي تعد أرضه الحجاز موئل العروبة و اليمني حين يقدس تاريخ بلقيس و سبأ و الدولة المعينية هؤلاء كلهم لا احد يشكك بعروبتهم أو يقول لهم انتم شعوبيون. حتى دول الخليج تقول الأمة الكويتية والأمة العمانية و غير ذلك و لا احد يطعن في عروبتهم . إلا السوري والعراقي عندما يتكلم عن شيء خارج العروبة يقولون له أنت شعوبي وأنت خائن للعروبة وأنت قطري. و هذا الشيء خاص بالسوريين والعراقيين لانهم هم الذين خلقوا التيار القومي العروبي بمختلف بأشكاله. أما المصري فلا ضير أن يتحدث على مدار الساعة عن الأمة المصرية و التاريخ الفرعوني ولديه أفلام عن الفراعنة وروايات عنهم. و الكل يتغنى بالثقافة المصرية والأغنية المصرية و الأفلام المصرية، وتظل مصر(أم الدنيا) و لا احد يطعن في عروبتها. على عكس العراقي، فعندما يقترب من تاريخه مباشرة يتهم بالقطرية، مثلما حدث لي ما أن جاهرت بالقول إنني اعتز بتاريخنا القديم كما اعتز بتاريخنا العربي الإسلامي. وتحتاج مشكلة مراعاتنا الخائفة والمرضية لما يسمى بالقومية العربية إلى إعادة نظر. نحن العراقيين و السوريين خلقنا هذه الفكرة و تحكمت بنا واستحكمت. وعلينا أن نشفى من مرضها.

- ربما لان منطقة الهلال الخصيب متنوعة أكثر من غيرها و كان ذلك مدعاة لخلق أيدلوجيات عابرة للحدود المذهبية و الدينية والعرقية..
لنأخذ مثالا العراق بخصوص الإشكالية القومية فيه وكيفية توظيفها في الصراع الاقليمي. ان تمسك العراقيين بحجة العروبة، غايته مواجهة العملاقين الإيراني والتركي. فلكي لا نكون وحدنا نحن العراقيين في مواجهة هاتين القوتين التين تصارعتا على احتلال العراق خلال القرون الاخيرة، اصطنعنا فكرة الانتماء الى (الأمة العربية) كقوة وهمية كبرى. أي انتم يا إيرانيين و يا أتراك توجد امة عربية بكاملها تواجهكمم(الانتماء العروبي) كتعويض عن شعورها بأنها اقلية سكانية بالنسبة للغالبية الشيعية.
اكبر مثال على ذلك هو الفترة البعثية الصدامية. فقد استطاع صدام أن يجيش العرب كلهم معه إزاء الخطر الإيراني باسم الأمة العربية. ولو تحدث بمنطق عراقي فقط لما حصل على دعم عربي في مواجهة الخطر الإيراني. فالخطاب القومي العروبي يهدف إلى تجييش العرب وكسبهم لصالح العراق ضد الخطر الإيراني. وثمة وظيفة أخرى غير معلنه للنزعة القومية والآن أصبحت معلنة ومكشوفة نلاحظها حاليا بعد الاحتراب الطائفي، ولنتكلم تحديدا عن الطائفيين السنة - وليس عن سنة العراق عموما: فشعورهم أنهم أقلية من الناحية العددية بمواجهة غالبية شيعية مدعومة إيرانيا من وجهة نظرهم وإحساسهم بفقدان حليفهم التاريخي بعد جلاء العثمانيين يدفعهم إلى الاحتماء بمفهوم (القومية العربية) كتعويض عن ضعفهم العددي. و نلاحظ الآن بعد الاحتراب الطائفي كيف أن هذه الحجة أصبحت واضحة جدا وأصبح الخطاب الطائفي الذي يتكلم بالعروبة بمواجهة ما يسمى بـ (الصفويين الفرس)!!..

- برغم أن القياديين الأوائل للتيار القومي كانوا في جزء كبير منهم من الشيعة أيضا مثل فؤاد الركابي و حازم جواد و غيرهم و لكن طبيعة الصراع كانت أيدلوجية آنذاك و ليس صراعا بين المكونات المجتمعية ..
نعم كان ثمة عناصر شيعية كثيرة قيادية و لكن التيار العروبي لم ينتشر كثيرا لدى الشيعة وبقي الشيوعيون هم المهيمنين على شيعة العراق عدديا. ربما انضم للتيار القومي بعض شيعة الأطراف وبغداد وغيرها لكن سرعان ما أزيحوا أو لم يلعبوا دورا يذكر. فلنكن واقعيين التيار العروبي منذ أيام الفيصليين وعهد النخبة الفيصلية التي حكمت العراق تحكمت به النخب ذات الاصول السنية بشكل أو بآخر وهي التي احتمت بالتيار القومي العروبي إزاء الخطر الإيراني، بعد ان فقدت الحماية التركية العثمانية.

- لماذا العلاقات بين المراكز الحضارية الثلاث بين مصر و العراق و سورية عادة ما كانت خاضعة للشد والجذب والتوتر.. هل السعي لان يكون كل منهم مركزا أم أن ذلك أيضا تعبير عما تسميه الشعور الوطني ؟
اعتقد أنها مسالة طبيعية أنها منافسة نفوذ. و الحال نفسه في أوربا . المنافسة بين المراكز الحضارية الثلاثة ألمانيا و فرنسا وانكلترا. و قد حدثت بينها حروب دامية و برغم ذلك نجد بينها الكثير من المشتركات العرقية والثقافية ووصلت ألان إلى ذروتها بالتوحد. و لكن حتى مع محاولات الوحدة لا يخلو الأمر من منافسة فثمة المحور الانكليزي في مقابل المحور الألماني الفرنسي. يسود دائما بين مراكز النفوذ التنافس و التوحد في آن واحد. وقد كانت مراكز الحضارة الكبرى القديمة تقع في العراق ومصر أما الشام فكانت تاريخيا عرضة للتأثر في الصراع ما بين هاتين الحضارتين ونفوذهما. و لنأخذ مثلا أيام جمال عبد الناصر، فحينما خلق الأخير المفهوم القومي الناصري فإنما فعل ذلك –من ضمن أسباب أخرى - من اجل السيطرة على الشام و سحبها من تحت سيطرة النفوذ العراقي. و هناك طرفة تاريخية يلخصها البحث عمن طرح مفهوم الجامعة العربية، وهي مصر الملك فاروق في العام الثمانية وألأربعين. لماذا؟ لقد طرح ذلك المشروع رداً على مشروع نوري سعيد لوحدة الهلال الخصيب. فما أن طرح نوري سعيد مشروع وحدة الهلال الخصيب يعني وحدة سورية والعراق حتى سارعت مصر إلى طرح مشروع الجامعة العربية. و حتى في زمن الدولة العباسية مثلا، نشأت الدولة الفاطمية في مصر و غيرها من الدول التي استقلت وكلها حاولت أن تمد نفوذها إلى الشام. و المنافسة الحقيقية هي بين المصريين و العراقيين وهي منافسة شديدة. ان من أدى دورا كبيرا في تشويه التاريخ العراقي القديم هم المؤرخون المصريون الذين كتبوا التاريخ العراقي من وجهة نظرهم. فقد أشاعوا فكرة أعجمية التاريخ العراقي و حولوه إلى تاريخ فارسي وروجوا أن معظم أعلام العراقيين و أعلام الدولة العباسية في بغداد أعاجم و فرس. لدى المصريين للأسف شعور بالغيرة من العراق بشكل طفولي جدا. اذهب مثلا إلى المتحف المصري في القاهرة تجد تمثالا لعشتار مكتوبا في أسفله "عشتار آلهة الحب الآسيوية". لا يذكرون العراق و لا سوريا. ان المصري يحترم ويعترف بالحضارة اليونانية و الحضارة الهندية و الفارسية أما إذا و صل إلى الحضارة العراقية فإنه يتردد في الاقتراب منها إن لم نقل انه يتجنبها. في العقل الجمعي المصري ان العراقي منافس دائم. و الدليل الآخر على المنافسة أن أول من دعم الحركة الكردية العراقية- ويا للمفارقة- هو جمال عبد الناصر برغم طروحاته العروبية و في غمرة الطروحات القومية. و حتى أيام صدام كانت كل الأحزاب العراقية ممنوعة في مصر و إذا نشط المعارض العراقي في مصر فانه كان يعتقل إلا حزبين عراقيين كرديين فقط هما الديمقراطي بزعامة البارزاني و الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني فقد كانت لهما مقرات رسمية و أقيمت لهما احتفالات رسمية تضامنية في القاهرة.

- أنت تبدو إشكاليا إلى حد ما أنت ابن اليسار و لديك تحفظاتك على اليسار العراقي أنت تناصر مفهوم القومية بمعنى الوطن وهو المفهوم الفرنسي و تناهض المفهوم الألماني القائم على العرق و اللغة ولديك تحفظاتك على التيار القومي العربي و الكردي. و دعني أسالك باختصار ما تحفظاتك كعراقي على طروحات اليسار والقوميين؟
اشعر أن مفهوم يسار و يمين بحد ذاته هو مفهوم مصطنع إلى حد كبير ومجلوب من أوربا ومقتطع من فترة زمنية محددة. أفضّل مفهوم التيارات الحداثية و التيارات الدينية مثلا. أما اعتراضي على الحركات اليسارية و العلمانية و الماركسية فهو أنها فشلت في انجاز المهمة التي تتكفل بانجازها الحركات السياسية عموما و المتمثلة في الانتباه لتكوين هوية وطنية. فالغريب أن هذه الأحزاب جميعا حاولت أن تحافظ على الدولة و أرادت في لحظة ما أن تقودها و نجح بعضها في قيادة الدولة و الحفاظ على رموزها كالعلم و النشيد الوطني و الجيش العراقي و لكنها فكريا كانت ضد وجود وحدة هوية عراقية و امة عراقية. بالنسبة للشيوعيين كانت هناك قضيتان مقدستان هما القضية الكردية وحقوق الأكراد القومية برغم أنهم امميون، و القضية الثانية هي الطبقة العاملة وكأن العراق هو ألمانيا.. يعني العشائر والطوائف والأديان و القوميات الأخرى كلها غير موجودة. ليس لدينا في الخطاب اليساري عشائر أو تركمان ويزيديون و شبك و لا شيعة و لا سنة ..العراق مجرد أكراد وعرب و طبقة عاملة و برجوازية. أما القوميون العرب فهم من ألغى الهوية العراقية وربطوا العراق بمشروع خارجي قومي و أعطوا التبريرات للخطاب الكردوي و كردستان الكبرى على نمط الأمة العربية وأعطوا التبرير للتركمان في الأمة التركية والوطن الأم تركيا والسريان كذلك. لقد سمح المفهوم القومي العروبي لبقية الأقوام العراقية أن تأخذ المفهوم القومي الخاص بها. و ثقافيا حدث تجاهل تام لكل الخصوصيات العراقية فالمثقف العراقي اليساري يعرف كل شيء عن العالم الخارجي و لكنه لا يعلم شيئا عن بلده. لا عن الطوائف و لا الأديان و العشائر لأنها كلها تختصر بأنها أمور رجعية ومتخلفة لا داعي لها. لم يحدث هناك لا تعريف ولا أعلام و لا بحوث و لا ثقافة خاصة بالمكونات. أما أسطورة أن الشيوعيين و اليساريين مثقفون فهي أسطورة كاذبة. أن ابسط مراجعة لأدبيات اليسار في العقود الماضية في السبعينات و الستينيات تكشف مقدار السطحية و حتى السذاجة الفكرية فيها،كانت مليئة بالعبارات الطنانة التي تسخر من الإنسان العراقي، من قبيل تلك العبارات الأيدلوجية المعقدة التي تبنتها فيما بعد اللغة الصدامية. بالمناسبة إن لغة صدام قد استعيرت ضبابيتها و غموضها الفارغ من لغة الشيوعيين. تلك اللغة الطنانة التي كانت تستخف بوعي الإنسان العراقي عبر استعلائيتها النظرية والتي تخلق لدى المتلقي شعورا بالضآلة: ((أنا المثقف الشيوعي من يفهم هذه اللغة أما أنت أيها المواطن فلا تفهم شيئا)). ولم يولي احد اهتماما للثقافة العراقية و التاريخ العراقي و التنوعات العراقية. كنا آنذاك و باسم التمرد على الواقع العراقي نحتقر ثقافة أهلنا و طبخهم و ملابسهم و شربهم. انا حين كنت شيوعيا كنت أتمنى أن تتحول الأماكن المقدسة إلى مراكز للشبيبة و لم نكن نتصور أن في أوربا كنائس عظيمة مقدسة و كاتدرائيات يزورها السياح بالآلاف في حين صور لنا الشيوعيون أوربا عبارة عن جامعات و حانات و مراقص، ليس بها كنائس أو أماكن مقدسة. و حين وصلنا اكتشفنا الفرق. بل إنهم أي الأوربيين من أكثر الناس تقديسا لتاريخهم وموروثهم و احتراما لآثارهم فلماذا نحن العراقيين نستخف بموروثنا؟ اتذكر بأسف كيف اني كنت أغلق الراديو حين كنت اسمع أمي تبكي على مقتل الحسين.. لماذا ؟ لماذا لا يكون ذلك من حقها؟!

- أجد أن نبرتك النقدية إزاء الحركات الإسلامية تبدو اخف بالقياس إلى نقدك للحركات القومية و اليسارية؟
انأ أتعاطف مع الحركات الإسلامية و لكن من ناحية أخرى ارفضها. أتعاطف معها لأنني اعتبر أنها جاءت كرد فعل لهذا التطرف الحداثي المحتقر لخصوصيتنا. لا ننسى أن الحركات الإسلامية في العراق نشأت عموما في عقدي الستينيات و السبعينيات أي نشأت متأخرة. ومن قاد العراق مدة ما يقارب سبعين سنة هم اليساريون وبالذات الشيوعيون. أي من قادوا العقلية الثقافية سواء على الصعيد الشعبي أو النخبوي. فبعد مبالغة التيارات القومية واليسارية و صراعها المحموم و انقلاباتها و صراعاتها و عنفها في الشارع و الحكم جاءت الحركات الإسلامية لمعادلة الوضع آنذاك و لإشعار العراقي بتراثه و أصوله و خصوصيته. من هذه الناحية أنا أتعاطف معهم و لكن من الناحية الأخرى فان مشروعهم أعرج و اعوج. فأولا لم يأتوا بعقلية عراقية. يعني التيار الديني الشيعي جاء بعقلية و للأسف أقول ذلك إيرانية بشكل أو آخر. برغم أن التشيع في العراق هو تشيع عراقي بكل معنى الكلمة و العراقيون هم الذين نقلوا التشيع إلى إيران وليس العكس. و لكن للأسف التاريخ العراقي المشوه في الفترة العثمانية بالذات ساعد في أن تكون المراجع الإيرانية هي التي تسيطر على التشيع العراقي وبالتالي العقلية الإيرانية هي التي هيمنت على التشيع العراقي ثم على الحركة السياسية الشيعية العراقية. أما الإسلاميون السنة فإنهم وقعوا في الخطأ نفسه فتيار الإخوان المسلمون العراقي تابع لتيار الإخوان المسلمين في مصر و الجزء الأكبر منه الآن هو نسخة عن التيار السلفي التابع لمراكز خارجية. فلم ينشا لدينا تيار إسلامي عراقي بمعنى الكلمة لا في الطرف الشيعي و لا في الطرف السني. و أتمنى أن ينشا تيار عراقي إسلامي يوحد الشيعة و السنة في العراق. ولم لا؟ لدينا خمسة و تسعون بالمائة من السكان مسلمون. لنأخذ مثلا تجربة الحزب الديمقراطي المسيحي الذي قاد الحكم في ألمانيا و ايطاليا و في كثير من بلدان أوربا. لقد نشأ كتيار كاثوليكي و في فترة تاريخية حدث صراع سياسي إلى حد الموت مع البروتستانت. و لكنه الآن يضم غالبية بروتستانتية في ألمانيا مثلا ودخل فيه حتى اليهود و الآن دخل فيه عرب و مسلمون باعتباره تيارا سياسيا يخدم بعض توجهاتهم. و أتمنى أن تأخذ الحركة الإسلامية العراقية هذين البعدين البعد الوطني الجامع لكل المكونات الإسلامية و البعد الإنساني و تتخلص من العقلية الطائفية لان مستقبل العراق في جزئه الكبير على الأقل هو مستقبل إسلامي. و لهذا من الخطأ أن نقف باسم العلمانية و الحداثة ضد الإسلام و نعتبر أن كل ما يجري الآن هو بسبب الإسلاميين. كلا. إن جزءا مما يحصل بالعراق مسئول عنه الحداثيون بسبب الأجيال السابقة من التجاهل والتجهيل الذي مارسوه ضد الخصوصية العراقية.
حول الثقافة والادب
- لديك تحفظات على دور المثقف العراقي و لكن لعل قائلا يقول ما ذا بوسع هذا الأعزل المثقف أن يفعل فهو أما صاحب قلم أو آلة أو موهبة في مجال ما فلماذا يُحمّل أخطاء السياسي كلها و يُلقى عليه الجزء الأكبر من المؤاخذة باعتباره هو المصدر الأساس في إضفاء الشرعية على فعل السياسي.. أليس في ذلك تجنٍ على فعل المثقف و تحميله ما لا يستطيع ثم أن السياسة هي التي سعت إلى تسييس الثقافة برغم أن الثقافة حاولت تثقيف السياسة؟
ثمة فهم خاطئ عند المثقف العراقي و عموم المثقفين العرب لدور المثقف. فالحديث عادة و دائما ما يتم عن الحكومات و السياسيين باعتبارهم القوة القادرة المقتدرة. وتم تناسي أن المثقف هو الذي يتحكم بالسياسي سواء أكان السياسي المعارض أم السياسي الحاكم. لأنه لا يمكن أن يحكم السياسي المعارض أو الحاكم من دون ثقافة ومن دون موقف و أيدلوجيا. حين نتحدث عن السياسي نقول سياسي قومي وبعثي وإسلامي و ليبرالي. و من يصنع له ثقافته و ايدلوجيته هم المثقفون من كتاب و صحفيين و فنانين وشعراء و رسامين.صدام لم يكن يحكم لوحده كان الآلاف من السابقين لصدام من المثقفين البعثيين اليساريين و اليمينيين و العروبيين و القوميين في سنوات الخمسينيات حتى نهاية التسعينيات من الذين أسهموا و أعطوا التبرير كي يتحدث صدام باسم الأمة العربية و يصبح بطلا قوميا لان ذلك خطاب ثقافي و من صنعه هم المثقفون. ميشيل عفلق لم يكن يعتبر سياسيا بقدر اعتباره مثقفا وكاتبا. إن كتبه وليس نشاطه السياسي و كتاباته برغم رداءتها و ضحالتها هي التي كانت تتحكم بالشارع العراقي ألبعثي و كذلك ساطع الحصري و شبلي العيسمي و الياس فرح وغيرهم. و كذا الحال مع المثقفين الذين صنعوا الثقافة الماركسية. السياسي يتحكم بالمثقف على نحو مباشر و لكن المثقف هو الذي يتحكم بالسياسي على نحو غير مباشر. وأنا حين اكتب اعرف انه إذا لم يكن هذا الجيل فالجيل القادم سيتبنى كتاباتي. ويصبح لها فعل على الشارع العراقي و الإنسان العراقي. و بالتالي علي أن اكتب بمسؤولية ضميرية لان هذه الكتابات ستلعب بشكل أو آخر دورا في حياة الإنسان العراقي وسلامته وأمانه ومستقبله ومعيشته. هذا الحس للأسف غائب في جزء كبير منه عن المثقف العراقي: حس المسؤولية، فتجده أما تابعا لسياسي يروج له طروحاته و يشرح له شعاراته أو انه ينعزل منكفئا لينشغل بطروحات عبثية او تجريدية وغامضة وبعيدة عن الواقع.

- ألا تجد أنها مشكلة داخل الثقافة العربية نفسها فقد انحسر دور المثقف التنويري و جيله بطروحاته الليبرالية في التعليم والإصلاح و حقوق المرأة ثم جاء المثقف الحزبي الحامل لمشروع المستقبل إما ألأممي أو مشروع الأمة الإسلامية أو الأمة العربية أو البعض سماه العضوي و لكن ظل دور المثقف النقدي غائبا إلى حد ما في هذه الثقافة ، و مؤخرا فقط بدأنا نقرا نقد الخطاب القومي و الماركسي و الديني و حتى الحداثي ؟

إنا لا إميل إلى هذا النوع من الجمع القسري للمثقف العراقي مع المثقف العربي. فوضعية المثقف المصري تختلف اختلافا كبيرا عن وضعية المثقف العراقي.إذ كان لدى المصريين دائما المثقف الفعال المستقل و المؤثر والواعي لدوره. وقد قدمت مصر نماذج من المثقفين الذين يشعرون بأهميتهم، كانت أم كالثوم وحدها تستطيع أن تغير وزارات و لها ثقل على الساحة و بقية الفنانين كذلك أي حتى المثقف غير السياسي. و ليس لدينا نموذج مثل محمد حسنين هيكل ذي الكلمة المؤثرة، أو بمستوى طه حسين. ليس من ناحية الكفاءة العقلية و الثقافية وإنما من ناحية التأثيرالسياسي المباشر. و ليس ذلك بسبب خطا المثقف نفسه وإنما خطا العقلية بكاملها. السياسي لدينا لا يتحمل المثقف.. فصدام يتحول إلى روائي لمجرد أن يقول أيها المثقف أنا احل محلك. واذكر أنني مرة شاهدت احد السياسيين العراقيين هو إبراهيم الجعفري و هو يتحدث ثلاث ساعات عن مناسك الحج. و صدمت حينها! رجل سياسي في عراق محترق يتحدث عن أمر يمكن أن يتحدث فيه أي مثقف أو رجل دين. أي بطر هذا! لا يحدث أن يسمح رجل سياسي لنفسه أن يتحدث مدة ثلاث ساعات في موضوع ثقافي حتى في أوربا حيث البطر و الراحة و الديمقراطية. إن رجل الدولة و السياسة مشغول بمشاكل الدولة والناس والخدمات. اعتقد أن الكل متآمر على دور المثقف في العراق بما فيهم المثقف نفسه.

لنتحدث عن كتابتك الأدبية ، البعض يرى أن الجانب التجريدي النظري تغلب على الأدبي التجسيدي بعد روايتك "امرأة القارورة" إلى أي حد يبدو هذا الرأي صحيحا؟
اعتقد أن ذلك صحيح. و أحاول أن أتجاوز ذلك في مشروعي القادم. و توصلت إلى أن النشاط الفكري هو نشاط ذكوري والنشاط الأدبي هو نشاط أنثوي. و لا أقول ذكوري و أنثوي على نحو تعسفي، و إنما بحسب المفهوم الصيني (الين واليان). ذكوري بمعنى نشاط جاف عقلي مسيطر متحكم ليس فيه مجال للمشاعر. أما النشاط الأدبي ففيه الكثير من التلقائية والكثير من اللاوعي. عندما اكتب أدباً اترك العنان لخيالي و بكائي و حزني و ضحكي. أتلقى الفكرة على نحو سلبي مفعول. وحينما اكتب الفكر اصدرها على نحو فاعل. و لا يمكن جمع الحالتين.
ان روايتي الاولى (إمرأة القارورة) لأني كتبتها بروح انفعالية(انثوية) وافرغت فيها كل عقلي الباطني المكبوت في اعماقي منذ سنوات طويلة. ولكن بعد هذه الرواية ابتلشت بالقضية العراقية وعالم التفكير الذكوري الفعال والواعي حيث اصدرت كتابي الشهير( الذات الجريحة)، ثم (جدل الهويات). هكذا قد غلب علي الجانب(الذكوري) التحليلي والنقدي، فضعف عندي الجانب (الأنثوي) الانفعالي المتلقي الباطني. لاحظت ذلك جليا في الرواية الثانية (التوأم المفقود)إذ سيطرت عليها الذكورية(الواعية) رغم تفاصيلها الانثوية(الباطنية) العميقة. ولهذا أصررت واتصلت بدار النشر كي توقف توزيعها. و قررت أن أعيد كتابتها. و لم تتح لي أحداث العراق و ضميري أن أتوقف عن الكتابة في الفكر العراقي. ومنذ سنة توقفت عن الجانب الفكري بسبب أزمة وربما خيبة أمل مما يحصل في العراق، عدى اشرافي على (مجلة ميزوبوتاميا). قراءاتي الآن مكرسة للأدب وتوقفت حتى عن قراءة الصحف وأصبحت متابعتي للتلفزيون محدودة جدا. كل هذا لكي اسقي الجانب الانثوي الابداعي في ذهني، وعندي الآن رواية شبه منتهية، بالاضافة الى اشتغالي علي سيرة ذاتية روائية.



#سليم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلالة الحقد.. سلالة الحب..
- حلفاء امريكا في العراق يحرضون اطفال المدارس على قتل المسيحيي ...
- اعلان انبثاق تيار الضمير العراقي
- اليسار العراقي ومشكلة الدين والقومية
- نصيحة جادة صادقة لكل عراقي يبتغي ان يصبح سياسيا ناجحا
- محبة الوطن، تعني الارتباط بواقعه واحترام خصوصياته
- موقع مجلة ميزوبوتاميا: خمسة آلاف عام من الانوثة العراقية..
- من يريد طرد مسيحي العراق والشرق الاوسط؟
- هلموا قدموا عروضكم ايها العراقيون..مطلوب قادة للعراق
- نداء ضد الارهاب والمقاومة المسلحة ومن اجل الكفاح الشعبي السل ...
- .. خمسة آلاف عام من الانوثة العراقية: دعوة للمشاركة بالعدد ا ...
- نداء الى القيادات والنخب الكردية العراقية: نخلصوا من اسطورة ...
- الحل الوحيد لخلاص العراقيين: المصالحة ثم المصالحة ثم المصالح ...
- سلام وتهاني
- مقالات في الهوية
- من اجل مفاهيم حياتية جديدة: علاقة البدن بالعقل كعلاقة الشعب ...
- شمال العراق وسياسة التصفية العرقية الكردية
- عن الشاعر ادونيس والحجاب: حنابلة الحداثة واكذوبة المجتمع الع ...
- حملات التطهير العرقي الكردية ونذر الحرب الاهلية في العراق..
- بالفكر الوسطي الجديد نبني وطننا الجديد


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سليم مطر - بعد غيبة طويلة، حوار موسع مع سليم مطر حول الهوية الوطنية