أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!














المزيد.....

اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 8083 - 2024 / 8 / 28 - 00:48
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


عندما كنت في خيمة اللجوء القهري في غزة، كان ضروريا أن أراقب السماء في بداية خيوط الفجر الأولى، فإذا كانت هناك غيوم ستحجب الشمس، فلن أنجح في إنجاز تواصلي الرقمي، لأن أجهزة الاتصالات مرتبطة بالكهرباء الغائبة تماما، اتصالاتنا الرقمية مرهونة بألواح الطاقة الشمسية القليلة الباقية فوق أسطح منازل تجار الشبكات الرقمية القلائل.
شبكة الاتصالات مقطوعة بالكامل منذ ثلاثة عشر يوما، أشعة الشمس تتسلل بخجل وراء كتل الغيوم السوداء، هي الوحيدة التي تسخن ألواح الطاقة الشمسية الشاحنة للبطاريات.
قررت بعد انقضاء عدة أيام على حجب الاتصالات أن أحاول اصطياد شبكة الانترنت خارج مكان خيمتي لإرسال مقالي إلى الصحف.
أما مالكو الهواتف الرقمية عليهم أن يتأكدوا من أنواع هواتفهم المحمولة، إذ أن معظم أنواع تلك الهواتف الشعبية متوسطة الجودة غير قادرة على التقاط شبكة الإنترنت، فمن يحملون الهواتف الفائقة الذكاء عليهم أن يسألوا مدمني شبكة الإنترنت عن أماكن اصطياد إشارات الإنترنت العالمية، وغالبا فإنهم سيسيرون مسافات طويلة حتى يعثروا على مكان التقاط الشبكة بهواتفهم!
أما مالكو الهواتف الشعبية المحتاجون للشبكة الرقمية؛ بأن يرسلوا بياناتهم لإكمال دراستهم، أو يحجزوا موعدا للسفر، أو يبلغوا أسرهم في الخارج عن آخر عدد شهداء عائلاتهم، هؤلاء يمكنهم التغلب على مشكلة انقطاع الاتصالات؛ بأن يستعينوا بأحد معارفهم ممن يملكون هواتف غالية وعالية الجودة ويملكون عليها شرائح خاصة بالاتصالات الدولية لا تخضع لمواصفات الشبكات المحلية، هؤلاء عليهم أن يلتصقوا بحاملي الهواتف الذكية بعد أن يختاروا مكانا مرتفعا جدا عن سطح البحر، حينئذٍ يربطون الهواتف الرخيصة بالهواتف الذكية ويحظون بقبسة اتصال سريعة جدا.
اعتدتُ أن أعتمد اعتماد كليا في كتاباتي على جهاز اللابتوب، وليس على الهاتف المحمول لأنني أجد صعوبة في الكتابة على شاشته، كما أنني أملك هاتفا شعبيا، لا يملك من القوة سوى صوت منبهه القوي، قمت أولا بشحن بطارية اللابتوب بصعوبة لكي يكون قادرا على إرسال المقال، وإرسال بعض وثائقي؛ صور هويتي وجواز سفري بواسطة الشبكة الرقمية.
استيقظت مبكرا شعرت براحة وأنا أرى أشعة الشمس تتسلل بين كتل الغيوم، تمنيت أن تتغلب الشمسُ في هذا اليوم على قطيع سرب الغيم الأسود الكثيف، حملت لابتوبي وفردتُ شباكي في محاولة لاصطياد إشارة من إشارات الشبكة الرقمية، عثرت بعد جهد على موقع مكتظ بزبائن الشبكة، اشتريت بطاقة صغيرة جدا تشبه تذكرة السفر في الحافلات، من أحد البائعين تحمل رقما سريا وتعريفا بشبكة الإنترنت يقع بالضبط مقابل أمواج البحر، استأجرت كرسيا للجلوس، فتحت اللابتوب في حجري، حاولت تعريفه على الشبكة وفق الرقم السري، فجأة وجدت صاحب الكرسي يُحذرني قائلا: ألم تر (الطراد) البحري في وسط البحر أمامنا؟ أعدت النظر إلى البحر كانت سفينة حربية إسرائيلية تبدو أمام الشاطئ مباشرة، قال لي الشاب صاحب الكرسي: ربما يقصفوننا عندما يشاهدون اللابتوب سيظنون أنك تراقبهم، وستكون كارثة علينا، ألم تسمع عن مجزرة الإنترنت على شاطئ غزة منذ أيام حين اغتالت السفينة الحربية أكثر من ستة وهم يلتقطون الشبكة؟ أرجوك، هناك مقهى خاص بالإنترنت يقع في اتجاه الشمال مسيرة أقل من ساعة، غادرتُ المكان نحو المقهى المخصص للإنترنت، دفعت ثمن بطاقة أخرى برقم سري جديد، ودفعت ثمنا غاليا لمشروب رخيص جدا، كان المهم عندي أن أتمكن من مراجعة مقالي مراجعة أخيرة سريعة لتدقيقه، ومن ثَمّ أرسله عبر البريد الإلكتروني!
وصلت المقهى بعد أكثر من نصف ساعة من السير الحثيث والسريع، كان المقهى مملوءا بالزبائن، لم أجد كرسيا للجلوس، اشتريت بطاقة إنترنت جديدة من بائع آخر، ظللتُ واقفا أنتظر كرسيا فارغا، وجدت كرسيا يبدو أنه نجا بعاهته من بيت دمرته طائرات الاحتلال، طوعت جسدي وفق مواصفات بقايا هذا الكرسي، فتحت لابتوبي، عرَّفته على الشبكة، كم كنتُ سعيدا وأنا أرى علامة الشبكة واضحة أسفل الشاشة، ظللتُ دائم المتابعة لشيئين، أشعة الشمس، وعلامة بطارية اللابتوب، لأن بطارية اللابتوب بدأت الشوط الأخير من عمرها، انشغلتُ بمسح المقهى بعيني لأتمكن من إيجاد طاولة صغيرة لاستخدمها للماوس، فأنا لا أجيد استخدام الماوس المدمج مع اللابتوب، أحمل معي ماوسا آخر كنت أقوده فوق ركبتي وأنا أجلس على الكرسي، أعدت مرة أخرى قراءة مقالي من جديد، ثم قررتُ أن أرسله، وضع النادل كأس القهوة الذي طلبتُه على الأرض تحت قدمي، أخذ ثمنه بدون أن يجد لي مكانا، أو كرسا جيدا!
فجأة، كسر رواد المقهى حاجز الصمت المطبق السائد، رفعوا رؤوسهم عن هواتفهم، كلهم رددوا اللعنات على غياب الشبكة، لأن المطر بدأ يسقط، غابت الشبكة نهائيا، وليس هناك أملٌ في عودتها.
يجب عليَّ أن أعود ماشيا إلى خيمتي تحت المطر لندرة توفر المواصلات في هذا الوقت، كذلك يجب عليَّ أن أستعد في يوم مشمسٍ آخر لاصطياد الشبكة الرقمية.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أزالت حرب إبادة غزة (ديموقراطية) إسرائيل؟
- قصة أفلاطون في خيمة اللجوء!
- إسرائيل أو أمريكا أيهما القائد؟!
- Baby Sitter من الإيباك لكل عضو كونغرس أمريكي!
- قصة فرن الطين وسط خيام النازحين
- إعلام التضخيم والتقزيم!
- الترنسفير القسري والطوعي!
- احذروا الاحتراب بين العائلات في غزة!
- قصة من غزة ..عبوات غذائية متفجرة!
- لوحات (غرونيكا) في غزة!
- الموساد يهدد قضاة العدالة!
- هل الأونروا منظمة دولية إرهابية)
- قضايا فلسطين المركزية!
- مضيفة الطائرة لا سامية!
- مظاهرات الطلاب الأمريكيين مؤامرة روسية صينية!
- برفسورة يهودية تدعو لنبذ الحركة الصهيونية!
- خطط إسرائيلية لاستبدال الأونروا!
- إلى فقهاء التحليل السياسي!!
- اربطوا أحزمتكم، أنا من غزة!
- إسرائيل جندت بلاك ووتر في غزة!


المزيد.....




- تحذير رئيسة وزراء إيطاليا من -أسلمة أوروبا-.. ما قصة الفيديو ...
- بأثر فوري.. الحكم على مارين لوبان بالسجن النافذ سنتيْن وبمنع ...
- ماسك يوزع شيكات بمليون دولار على ناخبي ويسكونسن قبيل انتخابا ...
- معرض هانوفر 2025 - فرصة لبداية جديدة في الأوقات الصعبة
- تصعيد عسكري إسرائيلي دموي في غزة و-مجزرة أطفال-.. عشرات القت ...
- الجيش الأمريكي يعلن العثور على جثث ثلاثة من جنوده فقدوا في ل ...
- سيرسكي يعترف بوجود مشاكل كبيرة في استقرار القوات الأوكرانية ...
- طهران تسلم -راعي المصالح الأمريكية في إيران- مذكرة تحذير رسم ...
- -نيويورك تايمز-: سياسات ترامب تخلق دوامة من انعدام الثقة بين ...
- أوكرانيا.. سيتم تجنيد من تزيد أعمارهم عن 50 عاما


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - اصطياد الإنترنت على شواطئ غزة!