أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - دموع وعرق واسفلت














المزيد.....

دموع وعرق واسفلت


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


دموع وعرق وإسفلت...
تدحرج من " حِجر " أّمه التي تقيّأته من آلامها بكل بحبّ في دُوّارٍ منسي في ريف مهجور في أحد دواخل مدينة غَفلت عليها الدولة ...
عُمدة قوّاد عند النظام و عُنصر إخبار عند لجان يقظة الحزب الحاكم ، الكل يصطاد للكل كلمة في غير ما رسمته الدولة من خيار ، يخفُّ بها حتى يقبض ما تيسّر مما يُغيّب عقله لليلة ...
صرخت ، تأوهت ، تألّمت ، إستقدمو لها الداية ، حظّروا الماء الدافئ ، حضرت الطناجر و الصحون والملايات و إستنفرت النسوة ، وحظر كل الأطفال ينصطون ويراقبون ...
وهو يسكب الكأس قبل الأخير من القارورة الثالثة تحت شجرة الكالتوس الباسقة ثوريا بين كروم الهندي ، ناداه إبن أمه وليدك يستغيث وقالت الداية أن أمه تنزف ...
صرخت فيهم مرة واثنين وثلاثا احملوني الى المستوصف .
قلبت الداية شفّتها " تي اول وحدة تولد والا اول وحدة نولدك !!!شوي دم ويمشو "...
-"يا سيدي ازرب روحك ، يما قالت الماء فاض" ،
اذهب يا بنت الكلب حاشا سيدي " اول مرا تولد " !!
تم تأسيس المستوصف الوحيد في المنطقة بُعيد الاستقلال و انهار تماما بُعيد انهيار مشروع التعاضد ، صار المستوصف خرابا ولكن توظيف الممرضات و طبيب الصحة الاساسية واجورهم لا تزال قائمة على الورق دون وجود أي منهم لان المستوصف صار خرابا ...
أنهى كأسه الاخيرة وودّع صحبه ولفّ عنقه جيّدا وزم يديه داخل القشابية ، حمل عصاه التي ينشُّ بها الكلاب وقصد بيته مترنّحا وهو يترنم بأغنية لام كلثوم إقتنصها من المذياع ذات ليلة "دريسة" ، اعترضته صُغرى بنتاته "آبي علي جا يبكي" ، كاد يهشها بعصاه التي يهش بها الكلاب ...
- شكون علي ؟؟
- علي ولد سيدي ؟
علي كان اخوه اللذي لم يعش معه مات باكرا بسبب حمى حادة ...
- يا بنت الكلب اتكلم
- والله علي محلاه صغيّر اهوكة سيدي بحذاه وقالي راهو خوك ، وراهو يلوج عليك ومتغشش و يما راهي دايخة ...
لم يُسمّي إبنه وهذا لم يزعجه كثيرا ، طالما والده قد اسماه ولا مردّ لحكمه ، ولكِنّه لم ينسى ولن ينسى يوما حين منعه عنه يومها قائلا " وينك سي الشباب، ما تمسّوش الا ما تطّهر من اللي انت فيه " ...
نجت أم علي دون المستوصف الذي لا يزال مطلبا مُلِحّا لأهل القرية حتى بعد أن تزوّدوا بالماء والكهرباء وإن باقتطاعات متكرّرة ، كَبُر علي وسار على قدميه الصغيرتين كيلومترات وصولا للقسم اليتيم للمدرسة والذي تلاه قسم آخر في شكل هبة من الدولة اثر عيد قومي لا يذكره احد ( ولكنه سُمي باسم مُبهم " القسم القومي " و هو عبارة عن جدران من الكنتول و برطال من الزنك ) من بين كروم الهندي وأشجار الكالاتوس ، سرق بضع لوزات و التقط من السدرة لسنين بعض حبات "النبق" الطازج ،فالاخضر منها يُسبّب الرمد في العيون مثلما قال الاوّلون ، ساق "علي" حياته المعرفية والعلمية ، مثلما يسوق شويهاتهم ومعزتهم وبقرتين وحمارة اثناء العُطل ...
معلّمُ المدرسة الأول وهو احد منتدبي الحزب مؤمن بقضية بناء الدولة كان يواسي المعلّم الثاني وهو احد شبيبة الدولة ويحثّه على الصبر و يحمله بين الفينة والأخرى بين أشجار الكالتوس ليحتسي مع اهلها بعضا من طيبات عصائر الكروم ويحثه في الاخرى على قبول بيضات من هنا و دجاجة من هناك و عطية من هذا من " عجرودة " الزيت او دقيق قمح او اللوز...الخ المعلّم في هذه الربوع مُبجّل طالما يَنقُل للعمدة كل خلجات الحقول وما يدور في نفوس الناس ، حفاظا على سلطة الدولة طبعا ...
في سني دراسته الاولى نبغ "علي" على اقرانه في اهتمامه بالتعلّم ولم يُسقط من حسابه اي يوم من أيام الرعي " السرحة " اثناء العطل ولم يتخلّف عن حصاد او " دريسة " ولم يتوانى عن أي موسم جمع زيتون ، وكان يخِفُّ بيوميته الى أمه وكأنه يُكفّرُ لها عذابات انجابه في مثل هذا المجال ...
كبر "علي" و حصّل شهادة الابتدائي ، وأطل والده من تحت شجرة الكالاتوس التي بسقت ثورية بين كروم الهندي وهو يحمل كأسه " اكهو كبر الطفل وباش يجي يعاوني " ...
مر الصيف ، و انطلق عويل الام المكتوم ، اريد المعهد "يلزمو يقرى" ، وعلت عربدة الاب " يزيه نحبو بجنبي " ، حضر الجد فسكت الجميع حتى الفتياة الصغيرات وقد كبِرن سكتن .
- علي ماشي للمدينة باش يكمّل قرايتو ...
كان المعلّم الثاني المنتدب قد أحبّ عليّا ونبوغه وعزم بكل صمت على إنقاذه مما هو فيه وانقاذ قريته به من جو القوادة والخماسة والخناسة و كان أن تحدّث مع الشيخ في كل هذا و اقتنعا ...
تدحرج" علي" الى المدينة مُرغما مثلما تدحرج من حجر أمه أوّل مرّة و ترقّى في سُلّم العلم والمعرفة ومارس السياسة و التحق بحلقات ماركسية وصارع الحياة وصارعته وحدّث الناس عن هم الريف وامكانياته الكامنة وعن العدالة و الحق و الحرية ، تمرّغ على الاسفلت و سقى حيطان المدينة والارصفة ، وتقيّأ الألم و غنى مع الأمل و تغنى باشجار الكالتوس وكروم الهندي حيث لم يجدها ...
صار مهندسا عالميا في الفلاحة العصرية وخبيرا في تثوير الموارد البيئية و الاكتفاء الغذائي ، وتدحرج المعلّم مُهاجرا مُطاردا بوصفه عدوّا لبناء الدولة نتيجة وشاية ...
لمّا علم والد "علي" بالخبر خرج من تحت الكالتوسة الباسقة ثوريا من تحت كروم الهندي وكأسه في يده " رحمك الله يا أبي اما كان الأجدر به أن يبقى بجانبي حتى نسقي الكالتوس " ...
هاجر "علي" خوفا من إلصاق تهمة معلّمه به ، وتزوّجت اخواته بمن يسقون الكالتوس كل ليلة عسى تنبثق إحداها ثوريا ، توفيت والدته و لم يُبنى المستوصف ...
تغيّر نظام الحكم بعد مدة ، عاد "علي" الى أرضه ومعه مشروع لبناء المستوصف و تحديث المدرسة و تطوير الزراعة في بلده وحماية أشجار الكالتوس حتى لا يفقد الناس مُتعة سقايتها في الليل .



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكرون يُقامر بكل فرنسا لإنقاذ اوراقه الاخيرة
- نافورة ... ( دورة الحياة الرتيبة )
- بداية ب ( لا) نهاية
- كيان ... ( انعكاس ام حقيقة )
- رؤيا
- 2 مارس 2024 موعد جديد من أجل إنقاذ تونس
- فقّإعة الاقتصاد التونسي تُبشّر بكارثة
- طابور خامس لا يعلم ... اكثر خطرا من طوابير الخبز الطويلة على ...
- حكومة الحاكم بامره وحده لا شريك له !! تعتدي على الحق النقابي ...
- مائوية الحركة الشيوعية في تونس .. ماركسي مُعترفٌ ومنضبطُ
- لا -ثورة- دون تنظيم ثوري : تونس بعد 25 جويلية
- عذرا رئيسنا لا احب لك غياهب النسيان ... فلا تزجّوا بي في غيا ...
- دردشة حول فلسطين ( مُتشنِّجة بهدوء ) ...
- صندوق الدعم مكسب اجتماعي وطني لا يجب التفريط فيه!!
- برلمان بائس لكنه حقيقي وضروري
- تونس : رئيس الجمهورية لا يؤمن بقيم الجمهورية
- دون ضمان حياد القاضي لا معنى لاستقلالية القضاء
- الانتخابات الامريكية : انهزم ترامب فهل انتصرت امريكا مع فايد ...
- في المقاطعة الاقتصادية ، جدواها وأهدافها ( مثال فرنسا )
- كورونا والدولة السفيهة !!


المزيد.....




- تردد قناة بطوط الجديد على نايل سات وتابع أقوى أفلام الكرتون ...
- فرحى ولادك.. تردد قناة نيمو الجديد لمشاهدة أفلام الكرتون بجو ...
- -حياة الماعز-.. طالب البلوشي يرد على الانتقادات لمشاركته في ...
- الجزائر.. وزارة الثقافة تطلق منصة رقمية للتبليغ عن الفساد
- بين النظام والمعارضة.. القبيلة والسلطة في سوريا التاريخ والث ...
- ثبتها لطفلك وخليهم يستمتعوا بأجمل أفلام الكرتون.. تردد قناة ...
- فنان مصري قدير يحصل على جائزة ويصفها بـ-نهاية العمر-
- محب الدين الخطيب.. العقل الشرعي المؤسسي الفذ
- لا تفوتوا اغنية ممية.. حدثوا تردد قناة كراميش الآن واستمتعوا ...
- “الحـد الأدنـى للقبـول“ تنسيق الدبلومات الفنية 2024 وشروط ال ...


المزيد.....

- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نجيب وهيبي - دموع وعرق واسفلت