أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الحريّة في فلسفة التغيير















المزيد.....


الحريّة في فلسفة التغيير


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 15:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعتقد جازماً أنّ ما يُبقيكَ أنيقاً وجميلاً، وواثقاً ومتماسكاً ومتقدّماً، في تقلّبات وتحوّلات الحياة، معرفتكَ الواثقة بِوجود الجمال ساطعاً في أعماقك. جمال الفكر والعقل، والسؤال والفهم، والتفكّر والإبداع، إنّه الجمال الذي يُلهمكَ متعة تقصّي حقيقتكَ، في حقيقة أنّك لم تزل مستمتعاً باكتشاف جديدكَ في مبادرات الفكر والتفكّر والسؤال، وإنّه جمالكَ الذي تعرفُ أنّكَ من غيره، لن تحصل على لذّة الفهم في حقول المعرفة. فالإنسان دائماً ما يأتي من مكانٍ بعيد في محاولةٍ شغوفةٍ منه لمعرفة الخطوة الأقرب إلى ذاته، وفي هذه الخطوة تحديداً يرتكز جهده الملهم لمواصلة ثقتهِ الكاملة بما يتوفّر لديه من جمال الفكر والعقل والمعرفة.

ولا يشعر الإنسان بالعجز، إلاّ حينما يبقى عاجزاً عن تحقيق حريّته في التغيير، وهذا أكثر ما قد يصيبه بالجمود والاقتعاد والتراجع، ولا شيء في المقابل يجعله متطلّعاً ومبدعاً ومتجدّداً سوى امتلاكهِ لحريّتهِ الكاملة في التغيير، لأنّ ما يحقّقه في التغيير، ليسَ إلاّ إبداعاً لوجودهِ على قيد الفكر والعقل والتفلسف والتفكير. ويرى بوضوح أنّ الانتقال من الوعيّ بحقيقةِ جهله، إلى الوعيّ بالمعرفة، يتطلّبُ منه أولاً قدرةً ذاتية على استيعاب فكرة التغيير، كونها الدافع الحقيقيّ للتطوّر والتحوّل في تعزيز تكوينه الثقافيّ المستقلّ، ولذلك فإنّ ما يجعله متتبّعاً حريّته في التغيير، هو اعتقاده الرصين، أنّ الوعيّ بالمعرفة هي خطوته الكبيرة بعد وعيه بِحقيقةِ جهله، وفي هذا الوعيّ يعملُ متطلّعاً إلى ترسيخ استقلاليّته الفكريّة والتفكيريّة والنقديّة.

وبقدر حاجتكَ إلى العقل الفلسفيّ، والتفكير المستقلّ، والفهم المتنوّر، تعرفُ حاجتكَ الدائمة إلى القدرة على التغيير، فمن خلاله أنتَ تبحثُ عن أجملَ ما يجمعكَ مع عقلكَ وفكركَ ونظرتك، وتعرفُ أنّ ما يجمع بينكما تحديداً، هو مقدار ما في التغيير نفسه من اشتهاءٍ معرفيّ، وحريّةٍ في السؤال، ووعيّ في التجربة، واستقلاليةٍ في التفكير، ولذلك قد تكتنف عملية التغيير بعض الصعوبة، كونها بحاجةٍ ماسَّة إلى الجهد الفكريّ والجرأة على التقدَّم، والإصرار على المتابعة، والاستمرار في المحاولة، وتبنّي ثقافة المبادرة، ولكنّكَ في الأخير تكتشف أنّك مع حريّتكَ في التغيير قد تخلّصتَ من أبشع ما كنتَ واقعاً فيه من تراجعٍ وجمودٍ وتخلّفٍ وسطحيّة.

قد نتوهّم في كثيرٍ من الأحيان، أنّ هناك حقيقة واحدة وأبديّة، وقد نستمرّ في التمسّك بها، ظناً منّا إنّنا قد عثرنا على ما نريده من وجودنا، لكنّ الأمر يختلف تماماً مع العقل الفلسفيّ الذي يتبنّى دائماً ثقافة التغيير والسؤال، والمبادرة، ذلك لأنّ معظم الأشياء تخضع دائماً للفهم والسؤال، والتفكير والنقد، وليس هناك دائماً وأبداً حقيقة واحدة، أو اتجاه واحدٍ وأوحد، أو فكرةٍ نهائيةٍ ومطلقة. لذلك يبقى العقل الفلسفيّ في حريّة التغيير صفتهُ الدائمة، هيَ السؤال والنقد والتفكير، ويمضي حثيثاً إلى اكتشاف المعاني الملهمة للتغيير هنا وهناك في مخاضات الفهم والتفكّر والمبادرة. ولذلك عادةً ما ترتكز فكرة التغيير على معرفة الأفكار وفقاً لأهميّتها لنا ووفقاً لِمعانيها الملهمة والطليقة، من خلال تفسير طبيعتها وتكويناتها، وتأثيراتها أيضاً. كلّ ذلك يأتي انطلاقاً من حريّة العقل في الاحتمال والتجربة والنقد والتفسير، وفي هذه الرحابة من الفهم والتفسير والتجربة، تبدأ عملية التغيير، بحيث أنْ يجد الإنسان في بعض الذي يعرفه، دافعاً خلاّقاً إلى الكثير ممّا يريد أنْ يعرفه ويتعلّمه ويتدرّب عليه.

وإنّكَ إذ تتوقّف بين الحين والآخر لترى ما أنتَ عليه من جديدكَ في غمار التغيير، ليسَ إلاّ لكي تتأمّل بكثيرٍ من الحبّ والشغف والتفكّر، ما قمتَ به من أشياء رائعة وخلاّقة وملهمة، ثمّ تمضي في طريقكَ من جديد. هكذا دائماً أحسبكَ تفعل وأنتَ في حريّة التغيير، لأنّك تتلمّس بحبّ طريقتكَ في التغيير، وتحسبُ إنّكَ تتقدَّم، لأنّك تتعالق بجمالية مع أفكاركَ في التجديد والتغيير والتطوّر، وتستهويكَ دائماً أنّ الأفكار الحرَّة والحيّة إنّما تتخلّق في مخاضات النقد والشّك والتفكير والتغيير، ويستهويكَ أيضاً أنّكَ تتعرَّف عليها من خلال مدى قدرتها على فعل التغيير، ومن خلال حيويّتها وحركتها في فعل التجديد. لذلك تدركُ جيّداً من أنّ أفكارك هذهِ، لا يمكنها أنْ تستقيم مع الأفكار التلقينيّة والوراثيّة واليقينيّة والمعلبة، وتحسبُ أنّكَ كثيراً ما تحيا جميلاً وخلاّقاً وواثقاً، بكلّ تلك الأفكار التي تبعثُ فيك تغييراً وإبداعاً وتفنّناً وحريّةً وتجدَّداً، وتبقى في كلّ ذلك تملكُ أنْ تستلذ بمعنى الأفكار في عقلك وفي مبادراتكَ التفكيريّة، من حيث إنّها زادكَ الوفير في حريّة التغيير.

في التغيير، أنتَ لا تبحث عن معنى وجودكَ بين خرائب الأوهام، والأكاذيب، والأغلال، لأنّك تعشقُ أنْ تجده بارقاً في وميض الحريّة. تلك الحريّة التي ما إنْ آمنتَ بها حتّى ألفيتَ نفسك مستمتعاً بأثيراتها على معانيكَ في فكر التغيير، فواحدة من تلك المعاني الملهمة أنّك أصبحتَ تعي أنّ الحريّة في فلسفة التغيير، تعني أولاً ما تملكهُ في عقلك من وعيّ الاختيار، وبه تستطيع أنْ تمضي في حريّتكَ بقدرتكَ على اختيارك الذي تعرفُ من خلاله أنّك لن تبقى رهين الأوهام، والأغلال، والأكاذيب والأفكار الانهزاميّة. وترى أنّك تعتلي مدارج التغيير مفعماً بكلّ تلك التدفقات الحرَّة لأفكارك الرافضة للانغلاق والتردّد، والتوقّف والخوف والتراجع، وليس مقبولاً لديك أنْ تحبّ ما تريده من حريّتك في التغيير، ولكنّك تخشاه في الوقتِ ذاته، ذلك لأنّك مدركٌ تماماً أنّ الحبّ لا يستقيم مع الخوف، فما تحبّه من فكركَ في التغيير تمضي معه بعيداً، بشغفٍ ومتعةٍ وطلاقة وانسيابيّة، وإنّكَ في هذا الانفتاح التواصليّ الخلاّق مع ما تحبّه من أفكارك في أفق التغيير الحرّ، إنّما تعمل على بناء تجربتكَ المعرفيّة، التي من خلالها تعرفُ مدى قدرتكَ على التغيير والتطوّر والتخلّق والارتقاء.

وإنّكَ إذ تتقدَّم هنا وهناك باحثاً عن أفكاركَ في أفق التغيير، لا تكرّر ذاتك أبداً، لأنّكَ تكونُ على حقيقتكَ الحاضرة في جديدكَ من حريّة السؤال والفكر. ولا تلتفِتُ كثيراً إلى ما كنتَ عليه بالأمس، لأنّك تنشغل بِغدكَ من الأفكار، وما قد تراه في غدكَ من التغيير، يربطكَ فعلياً بِأجمل معانيك في الفهم والتفكّر والمبادرة. وكثيراً ما تعتقد بأنّ الحقيقة دائماً ما تبقى حرَّة في مخاض التغيير، لا تستقيم مع الثابتِ من الأفكار، ولا تخضع للتفسيرات الجامدة والنهائيّة، وكم تراها في عقلك طليقة ومتمرّدة وقريبة وبعيدة، لا تستكين للوهم، والقيود، والانغلاق، صفتها الدائمة الحريّة والتخلّق والتغيير والتجديد، ولذلك عادةً ما تكون الحقيقة الحرَّة الطليقة، مُرعبة لأولئك الذين يرونَ أنّ ليس هناك سوى حقيقةٍ واحدةٍ تخصُّهم فقط.

وما تعرفهُ عن حقيقتكَ في فلسفة التغيير، هوَ بالضبط مقدار ما تستطيع أنْ تعرفه من طريقتكَ في الفهم والتفسير والتفكّر، وفي هذا المنحى تتبنّى حريّتك في التغيير، كَأجملِ ما تريد أنْ تعايشه دائماً، وعلى نحوٍ يتوافق كثيراً مع فكركَ الحرّ، الذي ترى فيه عقلكَ وقد تحرَّر من قيود الثابت والنهائيّ والسائد، وما تعايشه مع جديدكَ في الفهم والتفكير، يدفعكَ دائماً إلى الاعتناء جيّداً بحريّتكَ في التغيير، ويصبح تالياً وعيكَ الذي تعرفُ من خلاله أنّه من الخطأ أنْ تسجنَ المفاهيم في يقينٍ مطلق، وتبقى تدافع عنها وكأنّ فيها خلاص البشريّة. فالمفاهيم في فلسفة الفكر التغييريّ تخضع دائماً للنقد والتفسير الحرّ والتجربة والاحتمال، ووعيّ التساؤلات الخلاّقة، وفي كلّ ذلك تعرفُ تحديداً إنّك في مخاض التغيير، عندما تدرك في خطوتكَ القادمة حضور السؤال، وفكر المبادرة، وجرأة الخَلق.

تقدّر كثيراً حريّتك في التغيير، لأنّها أثمن ما يمكنكَ أنْ تملكه دائماً وأبداً، ومن شأن ذلك أنّكَ تملكُ عقلاً حرَّاً يفلسفُ حضوره باستجلاء المعاني وفقاً لنظرتهِ المستقلّة وتفكيره التساؤليّ، ولا يُمكن له في المقابل أنْ يخضع لبنود المحرَّمات الثقافية أو الوقوع في ثقافة تأثيم الذات. فالحريّة في عقلك مشرعة دائماً على رحابة التغيير والمبادرة والتجربة، والتفكّر، والتساؤل، ولا شيء يمنعه من ارتياد ما يتجنّبه العقل الجمعيّ، ففي حريّة التغيير ينتصر العقل الفلسفيّ لكيانهِ القائم أساساً على شغفهِ المتواصل بالمعرفة والتفكير والنقد والتساؤل، ويجد في كلّ ذلك متعةً كبيرة للتماسك في مواجهة كلّ ما من شأنهِ أنْ يصيبه بالجمود، أو الانغلاق، أو التبلّد أو السذاجة، ولا شيء لديه يضاهي جمال الحريّة في انشغالاتهِ، وتساؤلاته، وإبداعاتهِ، ومعانيه المتطلّعة للجديد والمبتكر والجريء.

لذا دائماً ما تتوفّر في ثقافة العقليّة التغييريّة، تلك الأفكار التي تعينها كثيراً على فهم ما تصبو إليه في أفق التغيير، لأنّها أفكار العقل في سؤال التجربة، وأفكار الإبداع في أصل الحريّة، وأفكار التقدَّم في شجاعة المعرفة، وأفكار التنوّع في ثقافة التجديد، وأفكار الجمال في بناء الحياة.



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُحبّون يعيشونَ كثيراً
- الإنسان وفلسفة الاختيار
- رسائل عابرة
- الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً
- فلسفة العقل ما بين الذاتِ والحقيقة
- وداعاً يا صديقي الجميل
- أنْ تحيا سعيداً في فلسفتك
- أنتِ يا سيّدة الحرف الطَّليق
- الإنسان في فلسفة التعبير
- الإنسان.. متفلسِفاً
- في أنْ يحضر الإنسان جميلاً
- الإدراك في العقل الفلسفي
- الحبُّ والمعرفة ... فلسفيّاً
- الحياة في فلسفة الذّاكرة
- المقدَّس وثقافة التّقديس
- في التّفلسفِ جوهر الخَلق
- الإنسانُ في فلسفة التّكامل
- المباركية .. جماليّات في ذاكرة التراث
- ذاتَ حلم
- لذّة الفهم


المزيد.....




- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الحريّة في فلسفة التغيير