|
الأدلة على نظرية Big Bang
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 13:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العقل المحاصر ١١ - الأدلة على نظرية Big Bang
الأدلة يصف الخط الزمني للانفجار العظيم الأحداث طبقا للنظرية الأكثر قبولا من قبل الفيزيائيين بشأن تكوين العالم، رغم وجود العديد من التناقضات والثغرات والفرضيات التي يصعب إثباتها علميا. وكما يقول إينشتاين في النص الذي ذكرناه سابقا "المفاهيم الفيزيائية هي إبداعات حرة للفكر البشري، وليست كما يمكن أن يُعتقد، محددة فقط من طرف العالم الخارجي وحده". إن هذا السرد العلمي لنظرية الإنفجار الكوني الأول، يشبه بطريقة ما أساطير الخلق التي ذكرناها سابقا، السومرية والبابلية والفرعونية واليوناية واليهودية-الإسلامية، وإن كانت قد تخلصت من الغائية ومن المهندس الكبير الذي خطط لهذا البناء ولكنها تظل قريبة من الأساطير نظرا لإعتمادها في الأصل على نوع من الخيال والحدس العلمي و نظرا لغرابتها ونظرا أيضا لإستنادها إلى ديانة جديدة هي ديانة العلم والتقدم التكنولوجي. غير أن هذه النظرية مكنت العلماء من صناعة المراكب والأقمار الصناعية وحساب المسافات الكونية بدقة متناهية مما يدل بطريقة لا شك فيها بصحة الأسس التي قامت عليها هذه النظرية في مجملها. لقد قلنا من قبل أن نظرية الانفجار العظيم تحظى بمستوى عالٍ من القبول في المجتمع العلمي. ولكن لماذا هذا القبول رغم أنها ما تزال مجرد فرضية وتحتوي على العديد من التناقضات والثغرات النظرية؟ أولاً وقبل كل شيء، يشكل قانون هابل - لوميتر المذكور أعلاه جزءًا مهمًا من الأدلة التجريبية للانفجار العظيم والفكرة المرتبطة به حول توسع الكون. ولكن بالتأكيد ليس هو الدليل الوحيد، هناك أدلة أخرى. إن وجود إشعاع الخلفية الكونية الميكرويفي هو أحد هذه الأدلة التجريبية التي يمكن قياسها. في عام 1948، درس جورج جامو George Gamow ورالف ألفر Ralph Alpher وروبرت هيرمان Robert Herman عملية التخليق النووي the nucleosynthesis للعناصر الخفيفة في الانفجار العظيم. وقد افترضوا أنه لكي تحدث هذه العملية، كان لابد أن يكون الكون شديد الحرارة، وبسبب التوسع المستمر، فقد تكون هناك بقايا من هذه الحرارة الشديدة في شكل أطوال موجية للميكروويف تنتشر في الفضاء الكوني. وهذا ما سمي فيما بعد إشعاع الأمواج الصُّغْرِية للخلفية الكونية الذي يوجد في جميع أركان الكون بنفس الشدة والتوزيع وهو يعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن. التعبير العام هو «الإشعاعات الخلفية» وتعني تلك الإشعاعات الكهرومغنطيسية التي يمكن التثبت من وجودها في كل مكان من الفضاء، والتي لا يمكن تمييز مصدر معين أو ملموس لها. فعندما نراقب السماء بالتيليسكوب نرى مسافات واسعة بين النجوم والمجرات وهو ما يسمى بالفضاء الكوني يغلبها السواد والعتمة، وهذا ما يسميه علماء الفضاء والفلك الخلفية الكونية، ولكن عندما نترك التيليسكوب الذي نرصد به الضوء المرئي، ونمسك بتلسكوب يستطيع رؤية الموجات الراديوية، يظهر لنا ضوءا خافتا يملأ تلك الخلفية، وهذه الأشعة لا تتغير من مكان إلى مكان وإنما منتشرة بالتساوي في جميع أركان الكون. يعتبر إشعاع الخلفية الكوني الميكروي الذي يشار إليه بـ CMBR وهو إختصار للإسم بالإنجليزية Cosmic microwave background radiation، من قِبل العديد من الفيزيائئن دليلاً بارزاً على أنّ الانفجار العظيم هو أصل الكون. فعندما كان الكون حديث العهد -أي قبل تكوين الكواكب والنجوم- كان أكثر كثافة، وأكثر سخونة، وكان زاخراً بتوهّج منتظم لضباب أبيضٍ ساخن من البلازما الهيدروجينيّة، ومع توسّع الكون أصبح كلّ من البلازما والإشعاع الذي يملأُ الكون أكثر برودة شيئاً فشيئاً. وقد تم اكتشافه بالصدفة في عام 1964 عندما كان عالمان من مختبرات بيل للهاتف Bell Telephone، أرنو بينزياس Arno A. Penzias وروبرت ويلسون Robert W. Wilson، يختبران هوائي ميكروويف مخصص للاتصالات عبر الأقمار الصناعية، اكتشف مقياس الإشعاع microwave radiometer هذا باستمرار "ضوضاء راديو زائدة - excess radio noise" كانت موحدة في جميع الاتجاهات وفي النهاية وجد أنها تأتي من خارج مجرتنا. وقد استنتج أرنو بينزياس وروبرت ويلسون بعد ذلك أن ما لاحظاه في مختبرات بيل للهاتف هو هذه الحرارة المتبقية من عملية التوسع التي أدت إلى ولادة الكون. وقد حازا جائزة نوبل للفيزياء لعام 1978م. ويمكن اعتبار تكوين المجرات وتطورها أيضًا دليلاً على نظرية الانفجار العظيم، وذلك بشكل أساسي بسبب الطريقة التي نظمت بها نفسها في هياكل كبيرة، مثل العناقيد clusters والعناقيد الفائقة. وهناك سلسلة أخرى من الأدلة، لكن ملاحظة الانزياح الأحمر في الفضاء، وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، والكميات الكبيرة من العناصر الخفيفة، وتطور المجرات هو ما يطلق عليه العلماء "الركائز الأربع للانفجار العظيم .The Four Pillars of the Big Bang لا يوجد دليل تجريبي يتناقض مع نظرية الانفجار العظيم. ولكن مثل جميع النظريات، فإن الانفجار العظيم ليس مثاليًا، وقد طور علماء الفلك تفسيرات أخرى لولادة الكون. أحدها هو The steady-state نموذج الحالة المستقرة، الذي يفسر توسع الكون من خلال افتراض خلق أبدي للمادة، مع الحفاظ على كثافتها بمرور الوقت. في هذا النموذج، الكون خالد ولا نهائي. ليس له بداية ولا نهاية ولا تطور. يتغير فقط لأن التوسع المستمر للكون ينتج دائمًا مادة جديدة (خاصة الهيدروجين)، والمادة الجديدة تلد نجومًا جديدة. غير أنه تم الطعن في نموذج الحالة الثابتة لأول مرة في الخمسينيات من القرن الماضي عندما تم رصد مجرات راديوية على مسافات كبيرة جدًا غير أن نتيجة هذه الملاحظات والقياسات لم تتناسب مع نموذج الحالة الثابتة. بموجب نموذج الحالة الثابتة، تتوقع أن تجد نفس الكثافة المتوسطة للمجرات في كل مكان (وفي كل وقت) - ولكن في الواقع، يوجد عدد أكبر من المجرات الراديوية على مسافات كبيرة مقارنة بالمجرات القريبة. وهذا يوضح أن الكون قد تغير بمرور الوقت. لقد سقط نموذج الحالة الثابتة مع اكتشاف الركائز الأخرى لنظرية الانفجار العظيم، وخاصة بعد اكتشاف الكوازارات quasars وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وتم التخلي عن نموذج الحالة الثابتة لصالح نظرية الانفجار العظيم في الستينيات. بديل آخر هو التضخم الأبدي Eternal Inflation. تفترض هذه النظرية أن التضخم الذي حدث في الفترة التي أعقبت الانفجار العظيم مباشرة لم يتوقف أبدًا وأنه حتى الآن، تنشأ أكوان جديدة، ربما بقوانين فيزيائية مختلفة. هناك أيضًا النموذج المتذبذب the Oscillating model، الذي ينص على وجود سلسلة لا نهاية لها من الانفجارات العظيمة، تليها عمليات انكماش كبيرة تعيد بدء الدورة. تحتوي هذه النظرية أيضًا على عدد من الاختلافات. وهناك نظريات أخرى أكثر غموضًا جاءت من العمل في نظرية الأوتار والجاذبية الكمومية، مثل نظرية الهولوغرام holographic theory، التي تنص على أن الكون عبارة عن هولوغرام ثنائي الأبعاد يتم إسقاطه على فضاء ثلاثي الأبعاد.
يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراحل الإنفجار الكبير
-
الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
-
نظرية تمدد الكون
-
وتأخر المسيح عن موعده
-
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
-
هل للكون بداية ونهاية ؟
-
العبث بين الدين والفن
-
بداية الخلق
-
بين التأمل والتجربة
-
بين الإحتمال واليقين
-
ساعة إينشتاين
-
حريق الظل الطويل
-
عن الأخلاق واللاهوت
-
الغرامشية اليمينية
-
الثقافة ضد الدكتاتورية
-
الثورة المضادة في فرنسا
-
الخطر الفاشي في فرنسا
-
القشور
-
لعبة الروليت الماكرونية
-
الفلسفة الأولى
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|