أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة















المزيد.....



تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة


كاظم حسن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8081 - 2024 / 8 / 26 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


(تعال معي نطور فن الكره)
رواية
2 - 2016




كان يستقرعلى بساط بسيط جوار زوجته, يحاوران المرأة الاربعينية التي يلتصق بها صغيرها الخجول ,الباب مفتوح .
(لا تتحرك ) كان يحمل رشاشة كلاشنكوف ويرتدي بدلة عسكرية مرقطة , فقط الرجل الخامس الطويل رأوه يغطي وجهه بقناع قطني خاكي ,
ـ (اين اسعد ؟) قال الرجل المقنع الذي كانوا ينادونه ب سيدي ..المرأة الضيفة تخشبت , اما زوجته العصبية الجريئة فقالت بصوت بين الشهقة والتوتر : (يمكن انتم من اطلقتم عليه الرصاص غروب امس ). .:. سكون مقبرة , الصغير ... وهو تلميذ في الخامس الابتدائي جاء ليدرس .. غرق في الذهول والرعب وعدم الفهم .
ـ (سيدي ) قال المقتحم الانيق .. الذي اعتنى بشعره جيدا (تلك ), مشيرا الى بندقية ممدودة على دولاب خشبي .... فتقدم المقنع بخطوات متباعدة والتقطها وسأل :
ـ (انت متأكد انت لا تعلم عن مكانه ) فاجاب ايمن النجدي : (لا ادري ).... سلب منهم الهواتف, ورجاله يرقبون حركاته وهم يمسكون باسلحة متحفزة .
(نحن لم نأت لنؤذيك بل قصدنا صاحبك . لقد نجا من الموت امس لكنه لن ينجو , نحن ندري انت هنا حارس ) .
ـ اين تعمل ؟
ـ ( في مؤسسة الافق الاعلامية ) .... فصّوب اليه نظرة استغراب قاسية , يصعب تفسيرها ... ثم ضرب برجله اسفل البساط حتى ارتفع عن البلاط , قال (تعال معي )..
ومضى معهم ما عدا واحدا تخلف قرب باب الغرفة ... هبطوا السلم وفتحوا غرفته وقال رئيسهم ( سنفتش وقد جئنا بك شاهدا كي لا تقولوا بانا سرقنا شيئا) .
بحثوا في خزانة الملابس وبعض المجرات وقلبوا الوسائد ثم عدنا للغرفة في العلوية . سحب المقنع اقسام المسدس وشهر مسدسه باتجاه المرأتين... (اسمعا , سنغادر فان صرختن فسنقضي عليكن )
ـ ((لكنا نحتاج الهواتف لم ندفع سعرها للان )) فافرجوا عن ثلاثة هواتف.
فقط عيوننا تكلمت بعد رحيلهم ... حل سكوت عميق ولم نستطع ان ندرك ما جرى الا بعد ربع ساعة على مغادرتهم ... في التوترات البركانية يتعذر التفسير .
(لا لا) قالت زوجته وهي تعبّر بحركات يديها المتوترتين,(لا اعطيه ) , فعض زوجها على اصبعه بحدة وحدجها بنظرة مزمجرة ,(لازم أخذه يلللا) صرخ بها , فقالت قريبتها الضيفة ,(اعطيه المبايل ), فسلمته لايمن .
بعض الوثائق الثبوتية واشياء اخرى حشرتها في حقيبتها , وغادروا البيت جميعا , بعد ساعة, واجمين يحنطهم الصمت .
قالت في المركبة التي ستقلهم لمنزلها (ألم تسمعيه يقول : (ان لم تهجروا المنزل خلال يومين فسنفجره بالقاذفات )...
كان الطريق طويلا رغم قصر المسافة والسكوت يسود المركبة التي يقودها رجل اشيب صامت .( اين انت ؟ ) .. اجاب اسعد (انا في مكان امين , لكن عليك ان تجرد زوجتك من المبايل ) واضاف بصوت غاضب (كسسرهه تكسير ) مشددا على الكلمة الاخيرة . وقال (امسك بندقيتك, وكن حذرا ) فتناول ايمن النجدي البندقية الكلاشنكوف واعتلى السياج, وتمدد على طوله واصبعه قرب الزناد. بعد ساعة تلفن ايمن لاكثر من صديق اعلامي ولجهة رسمية وامنية , فازدحم الشارع بالجنود وضباط الشرطة والمدنيين وبعد استكشافات وتساؤلات وتطمينات خاطب نقيب الصحفيين , الذي كان يتصدر الجميع : (اوصيت الجهات الامنية ان يتركوا نجدة مرابطة هنا لحمايتكم ).
عادت زوجته فزعة شاهقة (لقد اطلقوا النار على اسعد) سأل ايمن وزوجته بصوت متشنج وركضا الى الباب الرئيس.. لكنها اوقفتهم : (لم يصيبوه , لقد غادر بسرعة في سيارته ) .
(اسمعني اسعد , لقد اتوا اهل زوجتك واخذوها معهم ) ....(كما قلت لك : امسك البندقية واحرس المنزل ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في محل يقع في الطابق الثاني , يمتهن صاحبه المونتاج ,تتكدس الكاميرات والحاسبات واشرطة الافلام السوداء... كان يجلس قريبا من صاحبه الرسام كامل..القت التحية مبتسمة : فتاة في العشرين , حنطية البشرة لكن وجهها اقرب للبياض, بنصراها بلا حلقة , ولحظ ايمن انها جريئة تمثل دور الفتاة السعيدة .. تبذل جهدا لاشاعة جو المرح ... خمن ايمن انها فتاة تعيسة .. لان الغضون المبكرة كانت تبرق في جبينها ولانها لا تستطيع ان تتخلى عن الوجوم الذي تخفيه بمقدرة .
قال صاحب المحل (انها ابتهال الرائعة ) وتبادلوا الابتسام, وبعد ثرثرة بلا رابط قالت : (هناك مؤسسة لرعاية الاطفال والارامل , ادعوكم ان تعملوا معنا) .
ـ اين تقع ....؟ قال كامل
ـ قريبا من فندق كامرون , بناية واسعة , ساعود غدا لاصحبكم ان رغبتم ) .
كانت تفضح حركات ممسرحة , بعفوية واتقان وهي تواصل الحديث , محاولة ان تستقطب , وتخلف البهجة .
كان ذلك اللقاء بعد سنة من سقوط النظام , الناس تتدفق الى مركز المدينة , وقد تحطم القفص , هدأت السورة , سرقوا البنوك , وتجولوا سعداء في الدوائر الحكومية التي افرغها الناهبون , افرغت المذاخر , وتحطمت النصب , وتحول المتحف الطبيعي الى قفر .. لكن اكبر تجمع كان في دائرة الامن الشاهقة التي كان الاهالي يسمونها (الليث الابيض ) , صاحب العربة اثقلها باكياس التمن او الطحين , قرب جسر الخندق , انخفضت الى الارض رافعة الحصان الذي يجرها الى الارض , انه يرفس بيديه ورجليه في الهواء , جاحظ العينين ... بامكانك ان تتجول الان في الشارع المحاذي لدائرة البريد , ... في الشهور الخمسة بعد السقوط تقول الحقيقة ان وصفته ( شارع التسليب ). .. سوق الجمعة العريق الموغل بالقدم ضج بالسراق وبائعي الاسلحة الرشاشة وسط الحشود , فيما يقف سارق امسكته القوات البريطانية وقد علقوا لافتة في صدره كتب عليها ( هذا لص ) .
هؤلاء الرجال الحمر, من تمكنوا من بناء اقوى الامبراطوريات المعاصرة , الذين لا تغيب الشمس عن هم وان عطسوا اصيبت اوربا بالزكام , هؤلاء الذين احتلوا العراق منذ حوالي قرن لم يتمكنوا من فهم العراقيين ... فقد قيل للص احلف قال ( اتى الفرج ) , ان سارقنا لا يخشى من ديك العباس وهم يعلقون على صدره لافتة ليخجل , انه الوهم , الوهم وحده من اتى بهم ليغزوا العراق .
قريبا عندما ترعبهم القاذفات المباغتة (آر بي جي ), والصواريخ الموجهة لمقراتهم سيفيقون من وهمهم . وما الكتابات على الجدران ( ثانك تو فريدوم ) الا رد فعل لقمع عميق .
ــــــــــــــــــــــــــــ


جمعية الارامل والمطلقات
اقر في الاجتماع انشاء جمعية للارامل , وكلفت ابتهال بادارتها والدعاية لذلك , وكانت مختصة بالتصوير , ولان ايمن النجدي , كان مراسلا لمجلة المؤسسة (اشعة على الجمهور) فقد عملا كفريق مصغّر ,كان يعاني , فكلما دخلا موقعا او مؤتمرا او ندوة كانت تنغرز في جسدها عيون حتى اكثر الرجال تورعا و انضباطا .
كانت المحامية سناء التي ترفد المجلة الاسبوعية بعمود اسمته (الربايا المنخفضة )تطلق عليها نظرات حاقدة .. تكاد تتوغل عميقا في روحها, الا ان ابتهال حين تراها تكاد تضبطها متلبسة بالكره , تغضي عنها وتنشغل بالكتابة او تفحص الصحيفة .
كان ايمن النجدي يرقب تلك المشاهد مستغربا وعاجزاعن التفسير, أهي الغيرة ؟ او روح المرح لدى ابتهال, او جمال الرشاقة او العمر , فسناء تكبرها بخمسة عشر عاما , وهي اقرب للبدانة , بجهد تفلت منها ابتسامات مقتضبة , اقتضاب ربما لروح الحرباء , او تغطية لخجل , او شيء من طبع الانثى... ابتهال لم تلحظ شيئا من تلك المحامية , وهي ميالة لحسن الظن , مزودة ببطاريات من الخفة وروح التسامح والمحبة كأنها تجسد القيم التي حاول عبثا اشاعتها ايليا ابو ماضي:
(احسن وان لم تجز حتى بالثنا
اي الجزاء الغيث يبغي ان هما
ايقظ شعورك بالمحبة ان غفا
لولا الشعور الناس كانوا كالدمى ) .
سرعان ما انضمت اعداد هائلة من الارامل والمطلقات للجمعية , ليس لان ابتهال تفننت بالجذب , وانما انقادت الارامل لثقل الاملاق والمجاعة والعجز القاهر عن ايجاد الحلول .
من الصعب ان تتمثل روح المرأة التي طلقت او رمّلت وعادت لاهلها مع طفلين او خمسة في مجتمع يصهر امثالهن, ويسحقهن كما يسحق الطفل نملة وهو مبتهج .
الحاجة للرجل , لحمايته او لرجولته , الرغبة الجامحة بان تنتظر المرأة بعلا يعود من العمل او التسكع في الشوارع وقد استعدت له بعد جهود لتحتمل منه مشهد الاهانات او الصفع او السب او تتلقى كلمات حب وان كانت ممسرحة ,, مرارة الاهمال , كل ذلك تتمكن من احتماله لكن الاطفال وقت يمرضون , او يجوعون , العوز الابدي, نظرة الاهل لها باعتبارها نتوءا مقلقا في العائلة , تلك هي التابوت .
لا تستغرب اذن , فمنذ ان علم عدد قليل من الارامل بان جهة تسعى لتوفير مرتب لها , اشيعت الدعاية وانتشرت كضوء منتظر وصادف ثقبا في جدار ... اتين متلفعات بالعباءات و سافرات او محجبات , واصبحن ينظرن لبناية المؤسسة كموقع مقدس .
(هذا الاستعراض يعكس الهبوط الاخلاقي ) , قالت المحامية سناء تخاطب ايمن , وهما يجلسان في قاعة المؤسسة الواسعة , فابتسم ولم يعلق .
ربما في كلماتها بعض الصواب , فقد دخلت ابتهال وهي ترتدي بدلة مسمّنة مكورة تحت تنورتها ما ابرز خلفيتها المستديرة بشكل مثير وتعمدت ان تزيد من حجم صدرها بحمالة اعدت لهذا الغرض , وغير مستبعد ان وضعت حزاما ضاغطا على خصرها , فقد ظهرت مخصرة اكثر من المعتاد .... دخلت القاعة تتحرك بجسم رياضي , والاشراقة تشع من وجهها , لانها تدري تأثير ذلك على الرجال ,حتى الاستاذ رئيس تحرير المجلة كامل محمد المنضبط غالبا , لم يصبر حتى قال مبتسما وهو يمر جوار سناء وايمن : ( ما هذا معقولة !). وبعد ان استبدلت موقعها على الارائك مرات عدة وجاملت عددا من الحضور وتحولت مركزا للعيون الملتهمة , توجهت حيث يجلس ايمن.. وعلى مسافة ستة امتار قالت سناء لايمن ( ماذا تريد منك هذه الفاسقة ؟), وجرفتها بنظرات الكره من الاخمص حتى هامتها .
(هلو ايمن ) واضافت مشيرة بسبابتها : ( تعال استاذ اريدك بشغلة )... فتبعها ايمن والتفت على بعد خطوات ليرى الست المحامية تكوّر يمناها بقوة وقد اسندتها على ركبتها , ولان عينيها سوداوان واسعتان فقد التقط حنقها المكبوت , وتمثّلها تقول في سرها ( بنات الشوارع هن المرغوبات هذه الايام ).
ـ (ماذا ارادت منك استاذ ) قالت سناء .
ــ ( لا شيء ,, شغلة بسيطة ), فاطبقت رموشا طويلة ثم حدقت فيه بذهول وابتسمت خطفا واطرقت .
ليست شغلة بسيطة , انها تنفيذ لمخطط استغرق منها شهرا , فقد كان اركان شابا ابيض البشرة اقرب للبدانة ولشكل الاطفال , هادئا ابدا , حزينا وقليل الكلام , وفيه حذر من المرأة واحترام لها , بل ان من يراقبه لا يتوقع ان الفتيات يثرن اهتمامه , لقد كان يعمل ساقيا لخمارة في احد بساتين شط العرب وهو كثير الصمت , شديد التكتم , وكانت تلك الزمرة من الاغنياء يقيمون الاحتفالات كل ليلة بحضور فرق الخشابة وفتيات بعضهن راقصات ... عمل لديهم لخمس سنوات حتى سقوط النظام حيث هبت عواصف التحريم , ليجد نفسه بلا عمل : جدران وبطانية وحسرات .
صحبت ابتهال ايمن لاحد الغرف وحدثته عن اعجابها باركان واظهرت صورا التقطتها له ... كانت تقلب وتحدق فيها بشغف .
_ ايمن هل تدري ان اركان شاب نبيل لكنه لا ينتبه لمن حوله
ــ حقا انه رجل مؤدب محبوب
ــ لكنه جامد
ـ وكيف جامد ؟
فبلعت ريقها وبانت كرة لحمية وسط رقبتها ولاح كأن لمحة من الحياء غزتها
ثم نهضت فنهض وتقدما حيث يستقر اركان على كرسي خلف منضدة صاجية طويلة انتشرت عليها الصحف والاوراق .
_ ( اركان يمكن تعبان من التنقيح ).
ــ (لا ) ..رمى تلك الاوراق ببرود دون ان يلتفت اليها, فلمست باصبعها شحمة اذنها برفق وحركة استعراضية وهي تقهقه فالتفت الينا بلا مبالاة وعاد يحدق بالاوراق ..
بعد يومين استدعته لغرفتها ــ غرفة الارامل ــ ,,, كانت هناك فتاة باكر لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها , عيونها النرجسية تتلون حسب نسبة الضياء , كان سواد شعرها المنشور على ظهرها يعمق في بياض وجهها .
ــ (اسمهان ).. فتاة من ابي الخصيب , سنكل..
ــ ماذا سنكل ؟
ــ لم تقترن .. تنفعك بكتابة تقرير عنها ...
تحدثت وهي تعصر روحها لترسم البسمة , كان الحزن واضحا تماما على وجهها, كل كلمة منها وكل حركة من جسمها ونبرتها وعينيها يوحي بالبساطة ..ـ
ــ (عملت في محل استنساخ .. لست وحدي , كان صاحب المحل معي ).
ــ ( عمل سهل جيد ) قالت ابتهال وهي تبتسم فقطبت اسمهان جبينها واستفزت عيناها النرجسيتيان من التعليق ما سمح للضوء ان يشعّب لون عينيها .. اطرقت ثم نظرت ايمن النجدي بنظرات انكسار وذبول وهي تفرك يديها , وحين استوت ابتهال ومضت لتناول كاس الماء... ركزت الفتاة على خلفيتها وخصرها وحذائها البني واطرقت وهي تمسك ارنبة انفها ...
فجأة ظهر حمدان الخادم الذي يقدم الشاي لاعضاء المجلة , وقال بادب (استاذ ايمن بحثت عنك كثيرا , تعال يحتاجونك في مقر المجلة ).
ـ غدا هل تستطيعين ان تأتي : قال ايمن لاسمهان
ــ اليوم خميس , ممكن يوم السبت .













(قصور تراثية )
تلك القصور الواسعة المهندسة بذوق ومهارة .. البيوت البيضاء التي تواجه الشط , كان الناس يسألون (من المغلقة ابدا التي لا يعرف اسرارها حتى الراسخون , البيوت التي تحجب اسيجتها الواطئة الوان من المعرشات وازهار الياسمين والرازقي والجهنمي , لا يظهر منها سوى النخيل الشاهق وغصون كثيفة وشجيرات البرتقال المثقلة بالثمر ...بيوت كأنها مهجورة , مترفعة عن الناس ,, ىسكنت احدها بعد السقوط عائلة ابتهال اشد العوائل فقرا , سكنوها لمشاعة الحواسم ( الاستيلاء اللاقانوني على الاشياء ).. لقد استوطن الاهالي المحاكم والدوائر الحكومية والمقابر ومنازل الرفاق الهاربين خوفا من البطش وبيوت الشناشيل والمواقع العسكرية , واحتلوا قطع اراضي لا يعرف ملاكوها وشيدوا فيها بيوتا من البلوك او الصفيح او بقايا الاشياء ,
سمع ايمن صديقا له يقول (لو سقط النظام فاني اعرف منزلا لاحد الرفاق المتنفذين , فورا ساسكنه .


في التاسعة من يوم الجمعة طرق الباب الاسود الكبير ايمن النجدي ثم ضغط على الجرس, هؤلاء لا يصلون سريعا , هم يقطعون مسافات طويلة حتى يبلغوا الباب الرئيس , ليس مثل بيوت الكثير من الفقراء حيث تصلهم حتى الهمسات من الشارع وتتمكن من الاصغاء لشجار جارك وحديثه في منزله وتتدفق اليك يوميا مئات من الاصوات لشحاذين ينعون وبائعين ينادون واطفال عابثين , وفتيات هامسات ومراهقين يصخبون او يبعثون الاشارات بالصوت كالصفير مثلا ... اصوات القطط لحظات التجانس والكلاب والديكة والجرذان .... هنا بيوت تستبيحها الاصوات ويستعمرها الفاقة ..
البيوت البيضاء الجميلة , السرية المحتوى التي ترى الامواج من شبابيكها وفجوات اسيجتها لا تفتح ببساطة , مؤكدة عزلتها وغارقة في سريتها وفجأة ظهر شاب في الخامسة عشر من عمره واستقبله بمودة ,
( تفضل استاذ اهلا وسهلا )
ـ اهلا اخي مرحبا بك هل الست موجودة هنا ؟
ـ اكيد , تفضل , تفضل , نورت , اهلا ومرحبا بك
ـ يمكن تعطيها خبرا
ـ لا , لا , تفضل انه بيتك ,
ولاول مرة يرى ايمن النجدي داخل تلك البيوت ,: حديقة مربعة , مسيجة بشجيرات الياس والجوري , الاصص تنتشر بنظام, مساحات صغيرة من انواع الازهار تسحرك لا برائحتها وحسب بل بذلك التناغم والتنوع اللوني , الجعفري والرازقي .. الوان الكركم والجلنار والجوري والقرمزي , تحيط بها ساقية من الحجر ينساب فيها الماء, يتنازع عليه الضوء والظلال فيما عبثت في الاعلى وعلى العشب اصناف من الاجنحة وانواع من الاغصان .... تقدم ايمن على البلاط ثم صعد درجتين من المرمر ووقف قرب باب من الصاج, كان الشاب يتقدمه بخطوات ونادى عليها , ثم اجلسه على تخت يغطيه بساط حمصي ..
ـ(لحظة وستاتيك , اهلا وسهلا )
كان اخوها الاصغر ينضح رقة وترحيبا وبساطة .
ـ اهلا استاذي ايمن , تشرفت, كيف حالك ؟
كانت ترتدي ثوبا بسيطا وقد تدثرت بشرشف ابيض لمت به اكثر جسدها ,, وهي تضم يديها الى صدرها مقلصة جسمها مركزة على الانكماش
ـ عذرا لقد كنت ممدودة على السرير
ــ اتمنى لم احرجك
ـ ابدا , سعيدة بلقائك .
لا تقترب من امرأة وهي تعد الطعام او تنشغل بالتنظيف, انها تتأزم لو قابلتها قبل ان تنظر للمرآة سبعين مرة , حينها قد تحس بنفسها ـ وأحد يقترب منها ـ بانها حاوية لقمامة ... تستفز المراة اللقاءات قبل ملحمة التهيؤ وعشرات الحركات والتغلغل في المرآة .
ظهرت ابتهال وهي جالسة تتحدث كمن باغتها احد لحظة التعري .
ـ رجل نبيل ساعدنا لنسكن هذا المنزل قال لنا ان اهله غادروا البلد بعد السقوط ... المهم كيف حالك؟
ـ انا بخير
عاد اخوها الاصغر يقدم الشاي .
ــ لا تنس : غدا ستأتي الفتاة اسمهان , انها تثير الشفقة , هناك شباب تدمرهم الظروف .. هل لاحظت ان رجلها اليسرى مبتورة من فوق الركبة .
ـ اه , انه شيء مؤسف
ـ لقد سقط صاروخ على منزلهم وقضى على ثلاثة من عائلتها : ابيها واخيها واختها الصغرى .
ـ انها حكمة الله , لكنها اكيد محطمة
واستطردت ابتهال وهي تفرك وتعصر يديها محدقة للارض , ممتعضة الوجه :
ــ (اخي الاخر لا يعمل , اما ابي فقد هجر العائلة .. تركنا) .
ظهرت لحظتها امراة ترتدي ثوبا كحليا حال لونه وتتلفع بحجاب نيلي..
ـ اهلا وسهلا استاذ
ـ مرحبا يا حاجة
ـ دير بالك على ابتهال فهي طيبة , لولاها لتهدم المنزل.. يصعب علي ان تتبهذل وتجهد , لكن ماذا نعمل ؟
ــ حاجة العمل شرف وهي فتاة جادة وطيبة
ـ انها اختكم , واضافت ( الدنيا لا تخلو من الطيبين ) .
لا شبه بين شكلها وابتهال .. ظهر عليها تعب السنين ومرارة الهجر وعبء المعيشة .. لحظات وقالت :
ـ خذوا راحتكم هذا بيتك استاذ ايمن ومضت داخل الهول .
خلال كل ذلك لم تتخلص ابتهال من الانكماش الجسدي والحرج محاولة ان تبتسم ولم يظهر عليها انها نامت جيدا .
ــ ربما اتاخر عن الدوام غدا .. قد اصلكم بعد العاشرة , اكرر لا تنس اللقاء باسمهان , سلامي لاركان .







اسمهان
كانت الدنيا مسودة والمطر ينهمر والجو متثلج .. في الساعة العاشرة تزلزل المنزل , لم نستطع ان ندرك ماذا جرى .. في قرية مهيجران, في تلك الليلة السوداء فقدت اخي واختي الصغرى وابي , واشارت لساقها اليسرى ( وهذا ما فقدته ايضا ), مع كل تلك الاشارة لمعت قطرات لؤلؤية لكنها لم تنهمر , فيما تغضن جبينها واستعرت بعروقه الدماء .
ـ صعب عليّ صعب , فلكي يصنعوا لي ساقا لا بد ان اكشف حتى لاعلى الركبة , انا لا استطيع ذلك ..
عادت تفرك بيديها
ــ استاذ ايمن , غدا امضي الى ( جمعية الوفاء ) انهم يوزعون موادا غذائية وملابس وغيرها
ـ اين
ـ في البصرة الطابق الثاني , قرب عيادة البيطرة
ـ ساكون هناك , اعتقد في العاشرة .
ـ نعم العاشرة .. قالت وهي تمس بالاصبع جبهتها كأنما تمسح عرقا .
ـ صباح الخير
ـ اهلا ابتهال كيف الحال
ــ الحال تعرفه , وابتسمت وشع وجهها الذي طغت عليه الاصباغ والمبيضات
ورأى ايمن انها صبغت اظافرها بلون قرمزي, حين اشارت بالابهام ضامة اصابعها مشيرة لاسمهان
ـ كيف حالك مشتاقين
ـ نحن اكثر
ـ يود الانسان ان يرمي كل شيء عنه من هذا الحر, وتأففت مبتسمة .
حدجتها الفتاة الشهباء بنظرة استغراب واطرقت, فيما حاول ايمن وهو يخفض رأسه ان يتغلب على الخجل
ـ اترخّص .. والتفت لاسمهان : (ان شاء الله غدا هناك سنلتقي ).
وقبل ان يغادر الغرفة , اعترضه رجل في الستين.. اشيب طويل القامة خفيف اللحية ابيض البشرة يغطي وجهه بكوفية زرقاء .
ـ مرحبا ابتهال
ـ اهلا سيد , كيف حالك
فحياها وهو يعدل كوفيته غارزا نظرات ثاقبة الى صدرها وكتفيها .
ـ تأخرت اليوم , قلقت عليك
ـ شغل بسيط اخّرني , عساك بخير
ـ كيف انت استاذ (( قال مخاطبا ايمن ))
ـ حياك الله ومرحبا وغادر فتحة الباب التي تسمر فيها السيد , ملامسا دشداشته البيضاء والمسبحة .










معبد اليهود

لم يسمع به من قبل , معبد لليهود في البصرة ..
(نعم انه يقع خلف المقام قرب باعة الطبول والفخاريات )..
بعدها رأى مقبرتهم في ساحة خربة الا ان بعض الشواهد ما تزال متناثرة قبل المقبرة .
قصد مقام التوراة (معبدهم)
تناول الحقيبة وقصد معبد اليهود وبعد حوارات مقتضبة مع الباعة التقط صورا لواجهة معبد اليهود ثم دخل ... لقد تحول الى مخزن للبضائع وساحة للمستهلكات .... ورأى ثغرة واسعة في السقف في الطابق العلوي المشيد من الحديد والطابوق (عكادة ) والتشققات في جدرانه .
وقد شيد سنة 1915 بمساهمة من وجهاء الطائفة اليهودية لغرض اقامة طقوسهم وهو على ما ذكر كان يتكون من سبع غرف ومذبح , وقد نقشت عبارات باللغة العبرية على خط مستقيم بلون مزرق على اعلى جدرانه , لقد تحول الى مقر لحزب البعث خلال التسعينات وذكر الباعة بان مجهولين بعد السقوط 2003 قد اقتحموه وسرقوا محتوياته .
جال ايمن في الفروع الضيقة التي تقع خلف المعبد باحثا عن اخر يهودية هرمة كانت تتسلم ايجار المحلات ..ونظر الى الطابق الاعلى حيث زخرفة الشناشيل المتهالكة .. (هنا ) قال احدهم ...كانت تسكن تلك العجوز اليهودية لكنها اختفت ولا احد يعرف خبرا عنها . وقال له بائع مسن غاطس بين الفخاريات متمنطقا بحزام جلدي عريض فوق دشداشته البيضاء :
، (كانوا اولئك هنا يذبحون الدجاج ويتعبدون ).
لكن رئيس التحرير بعد ذلك اجّل نشر التحقيق لظروف امنية ...مرقد لامام الشيعة جوار جامع للسنة قريبا من معبد اليهود كيف ترسخ ذلك السلم الاهلي كل ذلك في مساحة لا تتعدى مئتي متر , لا بد ان السلام وعظمة التعايش السلمي وروح التسامح وحكمة ( دعه وشأنه ) كان طقسا صحيا يعيشون فيه .



جمعية الوفاء

تقع بعد ان تصعد سلما متعرجا شبه مظلم تثلمت درجاته ونشرت الجدران احشاءه بعد تساقط الطلاء والجص وتثلم الطابوق , شباكها ينفتح على سوق البصرة توقع ايمن الجندي ان اسمهان قد عانت وتعرقت وهي تسح عكازتها مستعينة بالحائط , احس بمستوى الحرج يشلها كلما صعد او هبط اخرون وعيونهم تغرقها بالشفقة .
استقبلهم رجل في الثلاثين , متثعلب العينين , ينهش جسد الفتاة المعاقة اصبعا اصبعا ولكن نظراته تستغرق وقتا اطول وهي تمر على الاماكن الاكثر اثارة في جسدها , احسه النجدي يكاد يقضمها , وهو يوزع ابتسامات بلهاء ,لا يحتاج ايمن ان ينظر اسمهان ليقرا حرجها وعرق جبينها وتدثرها بحياء مهيمن ,انها لم تتخط السابعة عشر من عمرها,, وهي خجولة بافراط بطبعها , ومن تلك العوائل الخصيبية التي ترسخ الحشمة عند الفتاة وهي في الثالثة من عمرها ... كانت تهرب من نظراته بتقلصات جسدية , وتحس بانها مكشوفة تماما .
اهلا اسمهان , انتظرتكم طويلا , كيف الحال؟
قال ذلك واقفا خلف مكتبه مبرزّا اسنان حصان .
مرحبا استاذ . لدينا سلة غذائية للعوائل المتعففة والارامل والمطلقات وبعض الملابس .. وخطا .. فناول كلا منهما كيسا اخضر .
قالت تخاطب ايمن يصهرها الم واضح وعميق : (يا اخي لا استطيع يتعذر علي ان ارفع ملابسي امام رجل , ولان عوقي في مكان محرج (من فوق الركبة ), فلا اعتقد انني ساركب رجلا اصطناعية ..
كانت تتكلم وهي تقاوم الدموع .
قال صاحب الجمعية مخاطبا ايمن :
(احسبها مثل احدى بناتي , هي طيبة وفقيرة ومؤدبة .. حزين لاجلها )
ــ انا اعاني من صعوبة بقطع الطريق حتى اصل عملي في محل الاستنساخ ) قالت اسمها ن
ـ تصور اساعدها كثيرا , بيتهم قريب منا ’ طالما اوصلتها بسيارتي ,
كان يبذل جهدا ليقنع ايمن بطيبة قلبه وصفاء سريرته وتعاطفه معها لكن نظراته ترسخ سفالته .









اسعد

(لقد قتلوا جميعا اثناء المواجهات مع البريطانيين ) قال اسعد :
دخلت على احدهم ورايته معلقا بالمروحة فبصقت على وجهه )
ــ سرقوا الحاسوب واشياء اخرى بسيطة ماذا عنك ؟
اجاب اسعد بتهكم : ( ههه بسيطة , ذهبا بقيمة تسعة ملايين )
ـ هل تعلم بعدما غادرت المنزل مع زوجتي تلفنوا لي ليلا قال احدهم (نحن نريد نخلصكم من السنة .. تعال لتسترد البندقية التي اخذناها منك .) اجبته (لا احتاجها ) قال ( لماذا نشرتم الخبر؟ )
ـ تافهون قتلة سفلة ,,, قال اسعد وهو يبتسم ومضى يلتقط حبات النبق من شجرة السدر الثكلى .







قصف المؤسسة

اهتزت بناية المؤسسة ظهيرة ذلك اليوم بعدما استهدفها فصيل مسلح , كان جميع الموظفين قد اخطروا بذلك وحذروا , فقد وصل تهديد منذ الساعة الثامنة .
كان مقر المجلة قد انتقل الى منطقة (نهر خوز ) في قضاء ابي الخصيب قبل الحدث - القصف - بستة شهور على جانب شارع معبد فرعي متعرج ..
كانت بناية كبيرة تحتوي على غرف كثيرة .. تقع غرفة الحرس لصق البوابة رسام الكاريكاتير صادق المقرب لرئيس المؤسسة اقل ايمن النجدي في سيارته الخاصة مع احد العمال, وتقدموا مسرعين .. هناك نقلوا الحاسبات والوثائق واجهزة التصوير وغيرها الى السيارة بصورة عجلى , لم يكن احد عدا الحراس في المبنى وعادوا مسرعين الى مقر المؤسسة وانزلوها بعجالة وفوضى حتى ان بعض الحاسبات وضعت على وجهها على الاسفلت الذي يبرز منه الحصى وتكاد تخلو البناية من أي مخلوق عدا الحراس الذين يرتدون بدلات مرقطة ويجولون ماسكين ببنادقهم .... صادق وايمن لم يصدّقا انهما غادرا المبنى قبل انهمار الصواريخ وانهما نجيا ... كانت لحظات مركزة من الرعب مشحونة برائحة الموت والدم وبتر الاعضاء , كان الموت يحوم وتمكنه منهم مسافة لحظات .
ـ (في اية لحظة توقعهم يستهدفون بالهاون والقاذفات )... قال صادق فالتفت اليه ايمن وقد جاوزت السيارة فلكة العروسة , فعلق (انهم يشيعون الرعب في زمن الديمقراطية , يسكتون خصومهم بالمقذوفات والرصاص ) .
قال صادق : (( هل لاحظت اخا الاستاذ كانون ,يكاد يتجمد من الرعب فهو اكثر سنواته في شارع الحمرا ببيروت , دنبك وهز وسط , وتلك النبرة تطلقها الصبايا واضاف باللهجة الدارجة : (منين اجاج الضيم كنت مدللة ). خطية لقد تركه الاستاذ كانون ليدير الامور بعدما سافر الى لندن لشهرين . )) . اضاف وهو يبتسم وقد برق وجهه الطفولي المستدير : ( ما علينا استمع لفيروز ... وتدفق من المذياع < حبيتك في الصيف ...حبيتك في الشتي >.









خبير الاثار


في الشهور الثلاثة من اندلاع الحرب العراقية الايرانية, كانت الشاشة الصغيرة باللونين / الابيض والاسود , نعيد نسختها المملة يوميا , ادق وصف لها قول احدهم ساخرا ( لا تشغل التلفاز , اتركه مطفئا والصق عليه صورة الرئيس عندها ستشاهد كل البرامج ).
يوما ما , عرضت القناة تقريرا مصورا لرجل في الخمسين يرتدي دشداشة عتيقة ويغطي راسه بكوفية بيضاء , رفوف المكتبة تثقلها اضابير الاوراق , تكدست بعشوائية وظهرت عليها مجلدات وكتب باحجام وعناوين متنوعة , الغرقة مشهد للفوضى واتضح انه لقاء تجريه القناة مع رجل عرّف نفسه : (خبير الاثار البصرية ابو علا ) )...
(هذه صفحتي وهي تعتمد كما تعلمون على دقة وعلمية المعلومات , البحث في الاثار ليس لعبا , واضاف بعد ان سعل وعدّل من كوفيته الوسخة , غارزا نظرات مركزة في وجوه الحاضرين - رغم ان عينيه الصغيرتين تنم عن فراغ (لا اسمح لاحد ان ينقح فيها حرفا وعلى الطباع ان لا يغفل عن حرف او علامة او يخطيء بها وان كان سهوا ).
كان عدد من المحررين والمشرفين الفنيين يحفهم الصمت وهم ينظرون اليه او يوجهون نظراتهم الى بعضهم ... قال المهندس اكرم بنظرة تعكس الكبرياء و الجد : (استاذ هل رأيت الكثير من الاثار في العراق ؟ ). .. سحب خبير نفس تبغ , واظهر تلذذا وهو يرتشف الشاي وانتصب ظهره ملتصقا باعلى الكرسي وحدق في وجه المهندس (ماذا تقول لقد قطعت مئات الكيلومترات مشيا متتبعا مجرى الفرات منقبا عن اي اثر )
ـ ( لقد شاهدناك في لقاء الشاشة بالاسود والابيض وكانت مكتبتك تتكدس فيها الاوراق ) قال ايمن فالتفت الخبير ابو العلا اليه : (يا اخي هذه كلها مؤلفاتي اكثر من واحد وعشرين مؤلفا لم تر النور )..

دخل غرفتها , لحظ انه اعتنت بحاجبيها وقصّرت تنورتها الرمانية ... تتدلى سلسلة ذهبية تنتهي بمجسم مستطيل ذهبي فقرأ ( القران الكريم ) يستقر اعلى صدرها على قميص سماوي قصير الاردان ما اظهر اكتنازا في العضدين وقد طرزت في اعلاه زهرة بلون احمر , ورغم المبّيض الكثيف على وجهها فقد برزت بعض الكدمات .
ـ مرحبا ابتهال
ـ اهلا استاذ ايمن , انتظرتك تأتي .. وعدلت من حجابها البيجي الذي ضغط بقوة فابرز خديها .
دفعت اضبارة امامها دون ان تنظر اليه ورفعت كابسة الاوراق ثم وضعتها على المكتب ..
ـ كيف حالك :
قالت :
ـ حمدا لله وجلس على الكرسي قبالتها .
ـ تدري
ـ ماذا
ـ (شكت كثيرا منه , ماذا في هذا الزمان , لا شيء بلا مقابل , اليس لديه اخوات , هل ضميره متخشب , صحيح هي فتاة حلوة , يتمناها الكثير لكنها على الاقل فقدت ساقها , والمطر يتسرب من سقفهم , ومع ذلك فهي تعمل , تقاوم قسوة الحياة ... ضربت ابتهال بقبضتها على الحائط ولمست ارنبة انفها ... وضعت يديها على المكتب وانحنت قليلا ثم رفعت وجهها ونظرت ايمن لاول مرة بعيون تقاوم القطرات .
فجأة دخل السيد وقد صبغ شاربيه وتقلد محبسا بفص فيروزي كبير .. في جيب دشداشته شيء ثقيل .
ـ السلام عليكم , كيف انت ابتهال ... مشتاااقين
اهلا وسهلا كيف حالك ؟
ـ تلفنت اليك ليلة امس ولم تردي
ـ فقدت شاحنتي , اأمرني مولاي
ـ لا شيء , فقط رغبت اسأل عن حالك
وانتبه لاول مرة لوجود ايمن ( مرحبا ايمن ) والتفت سريعا محدقا فيها بشغف وهو يكاد يبتسم ويفرك يديه
ـ استرح سيد
ـ لا يا ابتهال في ساعة اخرى سأمر قالها وهو يرمي نظرة باردة الى ايمن وحين استدار شيّعته بعيون مستهجنة تنضح كرها مسيطرا عليه ونفخت خديها دون ان تفتح فمها .عادت تتفحص ايمن النجدي بعدما تحسرت فابتسمت ,.
ـ اسمهان ضحية , قال ايمن ,, لكن ماذا حد ث.؟
ـ تلفنت لي ليلة امس قالت : (دعاني رئيس جمعية الوفاء بحجة ان لديه مساعدات انسانية وصلت من دولة خليجية ولما دخلت غرفته كان وحده فتهلل وجهه , كان مثل من ربح جائزة ثمينة .. يفيض فرحا .. وبعد لحظات قال (ان وجهك مشرق اليوم , ما شاء الله ) , ثم ضغط زر الجرس فاتى لنا رجل مسن ببعض العصائر . فقام وتقدم نحوي واقترب من الوجه كثيرا فجفلت , وضع يده على رأسي فملت عنه وسمعت هيجان نبضي , غرقت بالعرق وشحب وجهي , وانقذتني عجوز دخلت تجر جسدها بتثاقل وهي تستند بعصا وفي يدها كيس من النايلون , تسحه بصعوبة .
ـ السلام عليكم , امي سمعت انكم توزعون مساعدات
ـ حاجة , لا شيء وصلنا تعالي بعد اسبوع , فادارت ظهرها ودبت باتجاه السلم وقد تلونت عباءتها المتهرئة ببقع كثيرة , سمعتها تقول وهي تغادر ( رحمة الله واسعة ) .
ـ اخي ايمن تصور هذا العالم تخيل هؤلاء
نظرها واخرج سيجارة وسحب نفسا عميقا وقال
ـ احيانا بعض الاماكن لا تفرق عن الغابة ...... ابتهال بلا احراج هل انت حزينة لاجلها فقط .. اليوم لا اراك على طبيعتك
ـ اخي اكرم عاطل وبطران , اهلي فقط يأكلون , جبل العائلة على اكتافي , لكن من اين ااتي لهم بالمال؟ صحيح الاستاذ كانون لم يقّصر لكنه ليس كفيلا بنا ويصعب ان اطلب منه باستمرار, مهما تنحني المرأة تبقى متمسكة بالكرامة بقطرة الحياء , وان كان صاحبك حلو فلا يصح ان تأكله كله كما يقول المثل , انا تجاوزت العشرين وبلا زواج, من اين ااتيهم بالمال قل لي يا استاذ ايمن .
ـ رحمة الله واسعة لا تيأسي , وتدثر وجهه بالاسف والالم.
ـ الله رحيم , لكن اكرم اخي الاكبر كسّر سلعا كثيرة ليلة امس وضربني بلا رحمة , جرني من شعري ودفعني على المغسلة ولولا صراخ امي وتدخل اخي رائد - اخي الاصغر - لقضى علي ...(مائة دولار او احطم رأسك ) .... هههه كأني فاتحة بيتا للغجر .
وعادت تنحني باسطة يديها على المكتب مرة اخرى ورقب ايمن ان الكلمات خرّمت بخط النسخ حين تدلت السلسلة حتى كادت تلامس سطح المكتب...
ـ ابتهال !!
رفعت رأسها وهي في حالة مزرية , وجه محتقن وقطرات عينيها استقرت على الاوراق , امسكت جبينها موجهة عينيها الى زاوية الغرفة متحاشية النظر الى ايمن.
ــ لدي اقتراح ,, لماذا لا اصحبك الان الى بيت اقاربي في قرية السبيليات , انهم طيبون وتعلمين بساتين ابي الخصيب , رائعة , اقلها تشمين هواء وتتغلبين على هذا المزاج
نفخت وسرحت قليلا ثم قالت :
ـ ( حسنا فكرة طيبة تعاال نغادر هذا السجن وهؤلاء الاحبة الحاقدين هنا ... هيا نستريح ولو قليلا من فيضان الكره والنفاق .).





حركة البناء


كان ابو رامي مشرفا على الاستعلامات ومسؤولا عن استقبال والاعتناء بالضيوف ومدير العلاقات , رجل في الخامسة والثلاثين اشهب البشرة عيونه العسلية الواسعة واسنانه المنتظمة واللامعة , ابتسامته التي تسر الاخرين , اناقته وهدوؤه , طوله , كل ذلك يستقر في الذاكرة منذ ان يشاهده احد لاول مرة , طالما ارسلوه في وساطات وتعازي ومناسبات فرح واحتفالات .. انه دبلوماسي ناجح بالفطرة .
ضغط ابو رامي جرس بشكل سرطان بحر معلق من خيط يتدلى من الحائط خلف كرسيه المزخرف المستقر خلف مكتب فاخر بلون الباذنجان من خشب البلوط واتى الخادم لهما بعلبتي ببسي .
ـ اهلا وسهلا كيف حالكم
ـ نحن بخير ابو رامي
ـ وانت استاذ ايمن
ـ مشتاق لك , لقد افتقدناك بجد كنت انسانا رائعا طيبا , الحمد لله ,اننا نلتقيك ثانية بعد خمسة اشهر .
ـ انا هنا في < حركة البناء >.. وهم اناس جادون يحترمون , وانا اعمل هنا دون ان يتدخل احد في عملي, ومرتاح .
قالت ابتهال وهي تبتسم محركة كتفيها :
ـ (حسنا فعلت استاذ ابو رامي فهناك كره وفضول ونفاق , يحاولون معرفة كم شعرة برأسك ) , وضحكت باقتضاب وهي تلتفت الى احمد الجندي.
كانت الغرفة مفروشة بسجادة فارسية وعلى سطح المكتب المغطى بلوح زجاج سميك وضع جمل بسنام واحد يشرئب بعنقه نحو السقف .
ـ الحقيقة ارسلت اليكم لتعملوا معي فانتما اصحاب كفاءة واخلاص في العمل واخلاق وانا اعتز بكما جدا جدا
ـ ( الله يخليك ).. قالت ابتهال, واسندت ساقا على ساق .
احست بانها تحت نظرات ايمن فانكمش جسدها حتى اقترب من وضع جنيني ثم استقامت وبرقت عيناها وهي تبتسم لايمن النجدي .
ـ سنزودكم بآلات تصوير وادوات تسجيل , متأكد ايمن سيكتب معلومات باسلوب راق حول الصور التي ستلتقطونها .
وهو يضحك وينظر الى عيون ابو رامي العسلية واسنانه الناصعة المنتظمة قال ايمن (ابو رامي لم نفهم طبيعة عملنا ).
ـ ستتقاضون راتبا ممتازا دون ان ترتبطوا بدوام هنا , كل يومين او اسبوع تأتون فنستلم منكم الصور والاضابير .
(وماذا نصور ).. قالت ابتهال وهي تضحك محركة راحة يمناها من اليمين الى اليسار بحركة سريعة دائرية .
ـ تذهبون الى بيوت الحواسم , والمستأجرة , والمتهالكة , تلتقطون صورا للبيوت (كل شخص منهم سنمنحه منزلا مقابل خمسة وعشرين دينارا فقط , تكتبون في اضبارته : معلومات عنه وعدد افراد العائلة ومستوى الدخل , ونوع العمل , او بطالة )
ـ هههه شغلة بسيطة , بيوت التجاوز (الحواسم ) انتشرت بعد السقوط كالبعوض .
ـ هل لديكم امكانية لمنحهم بيوتا ملكا صرفا , قال ايمن .
ـ الحقيقة استاذ نحن سنعمل من هذه الصور معارض ونشرك معنا الاعلام والصحافة ونمضي بها الى دول الخليج وربما الدول الاوربية لنجمع المال .
(( يا لها من مهزلة )) , قال ايمن النجدي في سره , يا له من نهب مشرعن .. عشرة بيوت تجني 250 الفا في اليوم الواحد ,كم سيحصلون في الشهر , وضحك .. (ساحصيها في البيت ) .
وتذكر ايمن ذلك الشاب الانيق الهاديء: قاط ثمين - رباط ينسجم مع لون بشرته حذاء غالي الثمن - حقيبة دبلوماسية , ينتقل من مقر حزب لاخر ومن جمعية او حركة سياسية لاخرى , باحثا عن اموال لانشاء مساكن للمستأجرين ... بعد السقوط ظهرت مواهب للنهب لم تكن تخطر على البال ..
وبعد ان بلّ ريقه من قنينة ماء ومسح اسفل شفته السفلى بلسانه وضع اصبعا على صدغه ورفع نظره اليهما
ـ ربما سنصحبكم معنا الى دول الخليج او لندن , هناك جهات ومؤسسات واحزاب تدعم المنكوبين وسننجح .. ورفع اصبعه الى سرطان البحر المعلق وضغط , فاتى شاب بسيط المظهر متعب الوجه , مطيع , فسلمه اضبارة بغلاف اصفر (الى الاستاذ ).
واشار بسبابته الى الاعلى دون ان يحرك يمناه فاخذها الشاب ومضى .
ـ يوم الاثنين بعد ثلاثة ايام سنسلمكم الاجهزة , انتظركم في العاشرة صباحا .



القاعة

ـ ( تعال قربي , القاعة , القاعة مزدحمة ) كان وجوده قربها يقلل عليها ثقل الاحراج الذي كانت تعاني منه كلما صخبت القاعة واعطته رزمة من سبع صفحات كتب في اعلاها ( الربايا المنخفضة ) . واطرق يقرأ : (اللوم كله يقع على المرأة وان كان الرجل سافلا او مقصرا او مارس اعلى درجات العنف مع زوجته او مزقها جوعا ومذلة . المراة ملامة لانها طلقت , ارتكبت جريمة بشعة بحق الحياة , لا فائدة منها , لا مبالية , غير مهتمة وربما نكدية او مستهترة ) فعلم معنى العنوان الذي يتصدر العمود : ( وما لهن من ذنب انها الظروف).
ـ مقالة مميزة
ـ اشكرك , ساتابع موضوع الطلاق في الاعمدة الاسبوعية القادمة , متاكدة ان (الربايا المنخفضة ) ستجلب قراء كثر من المطلقات والارامل والنساء الاخريات .
ــ انا خبير بفقه الدستور , نلت فيه شهادة اكاديمية
قال زيد مالك وهو يقف وسط القاعة الواسعة المكتضة والجميع يصغون : (هل تعلمون انا اتقن الفارسية والبولندية )
كان خطيبا واستعراضيا بارعا , رجل في الخمسين , اصلع من امام الرأس , قصيرا ابيض البشرة , يتحرك الى الجهات الثلاث حيث تصطف القنفات مملوءة تماما بزائرين ومنتمين .
فقه الدستور يتطلب اتقانا في اللغة وانت ضعيف فيها قال رئيس تحرير المجلة كاتم محمد فاجابه زيد مالك : ( ومن اخبرك بضعفي في اللغة )
ـ حسنا اعرب جملة < لا احد في القاعة غير المتطفلين >.
لا يعنيني هذا اسمع استاذ كاتم انا لا استفز بسهولة .
راقبت المشهد الست سناء وهمست لايمن النجدي
(انهم يستعرضون عضلات ثقافية انها لعبة الصراع والتنافس, كم اكره هذا النوع من الحوار ) .
لم يعلق ايمن انه يدرك جزئيات الامور , لا يحتاج من يفسر له , ان بامكانه ان يتخيل سيكولوجية الفرد من جمل بسيطة , ربما لا يدرك شخصيته كلها , لكنه قد يستطيع ان يحيطه بدائرة الوضوح وبمرور الايام يضعه بدوائر اصغر فاصغر حتى يلتقط اعماقه بمجهر.
×××××

فيما هما يغادران معا يمران على يسار الحديقة الواسعة قرب شجرة سدر مثقلة صادفتهم المحامية سناء القت عليهم التحية وبرقت عيناها الواسعتان , كان في صوتها بحة مثيرة ونغمة جاذبة
ـ خيرا اين تذهبان ؟
ـ فالتفت اليه ايمن النجدي مبتسما وحياها
ـ في مشوار قصير
تباطأت فتباطأ وتقدمت خطوات عنهما ابتهال
فقالت سناء
ـ (( انتبه انها لا تعيش بلا حركات اخشى تتورط وانت تصحبها, وهي في هذه الملابس شبه الفاضحة .)).
ـ لا تخافي , وتبسم , ودّعها براحة يده والتحق بزميلته .

اول ظهور لخيام الاعتصام

سبق ذلك تخطيط متقن وتوزيع ذكي للادوار وتخصيص للاموال , فذهبت جماعة لاستدعاء فرق الاعراس الموسيقية , الابواق والدفوف اخرون اعدوا المهاويل , وتحركت خلايا النحل لناقري الدفوف وطارقي الصنوج وارباب الطبول ومدربي الحمير وللخطاطين وصناع المشانق وبائعي الخيام والخطباء والشعراء والصحافة والاعلام وهيأوا سيارات البيكب واستدعوا مشيّدي المنصات , اتصلوا باحزاب مؤثرة وظلية وجمعيات خيرية ومؤسسات متنوعة وشيوخ عشائر واخطروا رجال الشرطة لتوفر الحماية وتقاولوا مع معامل الثلج وبائعي قناني الماء والمثلجات واشتروا البسط والوسائد ...
وفي صباح السبت , التاسعة تماما , تدفقت الجموع يتقدمهم مسؤولون ورجال دين معممون , تسبقهم الطبول والصنوج والدفوف , يدبكون ويهزجون , الرجال السود بلكنتهم ورقصهم الشهير (هيوة وغيرها ) وعلت اهزوجة تطلقها مجموعة تتحلق وتتقدم متفرقة ثم تلتحم(ملينة ونريد الزبدة) , قطعوا مسافة كيلو ابتداء من مبنى المحافظة الاقدم المهمل مقابل جسر العشار ..حيث تجمعوا قبل شرارة البدء للتقدم باتجاه مبنى ديوان المحافظة .. وكلما اقتربوا زمجرت الاصوات تحت ظلال من دمى المشانق علقت فيها صور المتنفذين , وحين اقتربوا مسافة مائة متر من المبنى اختلطت الاصوات ودوت الاهازيج وتفنن المهاويل,
تشاهد المعقّلين يمسكون بعقالاتهم وهم يضربون الارض باقدامهم ويبتكرون الاهازيج , كانت الاعلام المتنوعة الالوان مهيبة تخفق معلنة عن الشرارة , لقد طفح الكيل (( لو تطلع لو تسحل كوة )) .. ( اليوم نحطم واويها )...ولم تمض لحظات حتى نصبت عشرات السرادق وسط الشارع امام المبنى ... كانت الحشود تتوالى والحناجر تتفجر .
وتوزعت على جانبي الحشود عجلات توزع القناني المبردة والعصائر والسندويشات ونصبت منصة مرتفعة على الرصيف واعتلى المنشدون والشعراء والخطباء وصعد رجل ضخم على سيارة كبيرة مرتفعة ماسكا بمكبرة الصوت وقال (سالقي كلمتي باللغة الانكليزية ليصل الصوت لكل العالم ).. بات عدد كبير في الخيام , وفي صباح اليوم الثاني ..اتى احد بحمار اسود يمسكه بخيط وقد كتب عليه < محافظ البصرة > .
انتعش الاعلام المحلي والعالمي , عشرات الكاميرات واجهزة التصوير .. كانت بناية المحافظة ساكنة الا من حرس على سطحها يمسكون بنادق , لا احد يدري ماذا يجري داخلها ...احيانا يطل البعض من النوافذ يلقي نظرة ثم يغلقونها .. انها اول تظاهرة بهذا الحجم والاعداد والاصرار وكمية الحشود منذ سقوط النظام , تذكر ايمن النجدي قول رئيس التحرير فيما بعد (لقد نصحتهم ان لا نشترك فاعدادنا قليلة ).. كان محقا , فلولا وجود جمعيتي مبتوري الاذن والخرسان لكانت فضيحة , لان اكثر المحتشدين اتوا من احزاب وجهات لا علاقة لها بالمؤسسه.
وقال مساعد الاستاذ كانون ( تقدموا ) فتقدم عشرون اخرس وخمسة عشر من ( مبتوري الآذان ) الى باب المبنى في لحظة الذروة .. الساعة الحادية عشرة ظهرا .. بعد ساعة عادوا للخيام حيث صوت احدهم من مكبرة الصوت (ايها الاخوة حان وقت الصلاة ).
فرشوا السجادات ووضعوا الترب واشتغل جو ايماني , فيما تنحى البعض لحظتها من غير المصلين , انتشروا على الرصيف جوار الشط يحتمون بظلال الاشجار .
تمشى ايمن النجدي ماسكا بالقلم والكاميرا والدفتر وعبر الجسر وصل فلكة الزعيم عبد الكريم قاسم فرأى ابتهال هناك تستظل باغصان شجرة .
جلسا على العشب وقد وجد لهما قطعا من الورق المقوى , تناولت رشفة من قنينة الماء .. كان العرق يقطر منها , قال في سره : ( بعد ساعة ستتحرر من اية قطعة ملابس تتمدد على ظهرها مغطاة بشرشف ابيض وسينعشها الهواء المبرد . ).

شرعت بالحديث عن هيامها بشاهين , بالبهذلة التي تعيشها وسط عائلتها , بطرقها وحيلها للحصول على المبالغ لتسمن بطون عائلتها وتغلق افواههم .
ـ امس حين اتى اخي سكران تماما في منتصف الليل.. ولم اعطه المبلغ شبعني لكما ونتف شعري وترك بصمات التشويه على وجهي .










بيوت توابيت (حواسم )

عانى كثيرا كابتا غيضه وهو يتلقى تغزلهم بها , بصوت منخفض او وقاحة وهو يتحمل العيون تنظرهما بريبة وتحدجها بشهوة , مئات الكلمات والنظرات المفترسة , نهر أسن صغير , ليس نهرا , انه مجرى نتن لنقل احشاء المنهولات , لسيل قذر من مئات الانابيب التي تتصل بالحمامات والمراحيض في بيوت متهالكة , يظهر النهر في بعض مساحاته سجادة من الالوان الترابية الخافتة او الموزية المعفرة , وفي مساحات اخرى تتحرك فيه القمامة وبقايا الجيف والعلب البلاستيكية , تتحرك بكسل وخمول , حركة ثقيلة ,عبرا جسرا خشبيا صغيرا , كانت بيوت التجاوز تمتد على الضفة الاخرى , ليست بيوتا , توابيت معملقة , صفيح صدىء على مستهلك المجمدات والمبردات المعطلة , كراتين من الورق المقوى , بقايا ابواب مستهلكة , جذوع , اغصان , هياكل حديد مبترة , مشبكات , بسط وسجادات من العهد العثماني ,بطانيات بلوك طابوق , اذرع مراوح .. ليس بيوتا انها مجمع للمستهلكات استندت وتراكمت على بعضها : موتى الاشياء تؤآز موتى اخرين , وظهر له النهر رجلا مسنا مسجى على سجادة سائلة متحركة , هنا القذارة والنتانة مجسدة , لكن هؤلاء الفقراء سلبوا من حاسة الشم ولم تعد تعنيهم كل هذه القذارة , الاهم لا يدفعون ايجارا ولا يغرقهم المطر , الاهم هنا يتكاثرون , يملأون الازقة بصغار لصوص او اذكياء سيجتازون الجامعات او يتقدمون بدروس الحوزات العلمية .. هنا سينتجون من سيكونون وقودا لحروب لا نهاية لها او مجانين .
هنا ستنمو الاذرع السمر التي ستمسك بالمعاول والمجارف وادوات البناء ويظهر سياسيو الصدفة والاطباء.
في اليوم الاول التقطت ابتهال الكثير من الصور وسجل ايمن العشرات من المعلومات , ولان بعض البيوت لم تتمكن من دفع (25) الفا فقد تحسرت وترجّت ان يأتوا رأس الشهر يوم استلام الراتب .. بعض العوائل لم تتقبل الفكرة واحتجت .
عادا لبيوت التجاوز مرتين بعد ذلك , في المرة الاخيرة وقد مضى اسبوعان منذ كلفهما ابو رامي بالعمل قال لها ايمن وهما يعودان :
ـ ( ابتهال , اليوم اصارح ابو رامي كم يدفع لنا ؟ فربما عدم الوضوح وتحديد الامور يخلق خلافا ).
ـ والله فكرة صحيحة .
وتمشيا في طريق ممتد ترابي خلوا تماما من المارة وحتى الحيوانات السائبة .
ـ كيف معك الزواج ؟ سالته وهي تحدق في الافق
ـ الزواج ههه, شر لا بد منه .
ـ شر ؟ ارى لو اقترنت مع شاهين ساكون اسعد انسانة
ـ من هو شاهين ؟
فتحت حقيبتها وارته صورة له , كان رجلا ستة وعشرون عاما تقريبا , انيق المظهر لطيف الابتسامة وسط بين القصر والطول , لون خمري والقاط النيلي خيط بمهارة ورباط عنق ..يعمل في وظيفته المناسبة .
- مهندس؟
ـ لا , خريج قسم الحاسبات, لكنه لم يمارس اختصاصه , يعمل تاجرا
ـ هل يجري تفاهم بينكما
ـ اموت ان لم اره او اتلفن له كل يوم
ـ يحبك كما تحبينه
ـ يعبدني , غدا امضي معك اليه في مكتبه .
ـ ليست منفصلة , امي هجرها ابي ويعيش مع زوجته الثانية , البارحة احتاج اخي الاصغر مبلغا , هو ليس عنيفا كاخي الاكبر , ينزوي في زاوية ويتلفع بتلال من الحزن ان تعذرت عليه حاجة .. كانت الساعة الثامنة فغادرت البيت وذهبت الى رامز , لديه محل للاعلانات وشكرت الله كان وحده
ـ ثلاثون الفا ههه مبلغ بسيط لك عيوني
ـ الحقيقة انا خجلة منك وربما احرجتك
استلمت المبلغ ونهضت لاغادر فقام من خلف مكتبه ورائي : ( ايتها البنفسج لحظة ) .. وعانقني وشدني بقوة وهو يقبلني .. انا مكرهة على تقبل ذلك , ينكسر قلبي وانا ارى امي واخي الصغير تصهرهم الحاجة
ـ ايمن هل ترى سلوكي مشينا ؟!
قال ايمن (ابتهال اتمنى ان تحجري عواطفك , وان لا ترمي نفسك اليهم فربما يسهل عليك الامر) .
ـ لا يا ايمن , انا حذرة , فقط في حالة الاضطرار حين تقهرني اللحظة , ولا اسمح للاخرين ان يمضوا معي بعيدا .
ـ هل تشاجر معك
ـ لا , لكنه ملأ البيت قيئا ثم نام
ـ هل ترى هذا المحبس الذهب , هل هو جميل
ـ جدا
ـ انه من شاهين , قضيت معه عصر امس ساعتين في بستانه , كنا وحيدين .
ـ كيف ترين هذه الظاهرة وهذا الاعتصام
ـ خبصة غير مثمرة كل يريد الزبدة لنفسه .. سيتقاسمون ويتراضون
واضافت ( تعرفت على شخص طيب رائع
ـ من
احمد ابراهيم صاحب لنج يملك عددا من المحال التجارية وكثيرا من العقار انه يهتم بي كثيرا وكلما حاولت ان افكر فيه زيادة يمر بخاطري شاهين مثل شبح جميل مهيمن .. فابعد الفكرة عني
ـ هل يساعدك احمد ابراهيم
ـ ههه, انه ينتظر طلبي بلهفة
ـ وهل؟
اشياء بسيطة , احيانا يضربني على فخذي ,, هههه , امور بسيطة لن اسمح له اكثر من ذلك
ـ احذرك مرة اخرى , اخشى عليك
ـ اطمئن , اعرف كيف اوقفهم عند حدودهم في اللحظة الحاسمة
ـ احب اسألك عن شيء محرج
ـ تعلم نحن اخوة لا احراج بيننا
ـ ارى السيد مهتما بك زيادة
ـ كثيرا وهوبطران مثل اخي اكرم الا يدري هو بعمر جدي , هههه , لم يبق الا وسخ رجلي بعد, ههه, لكني اصده بخشونة دبلوماسية لانه مسؤول هنا ومتنفذ وانا اتحاشى الصدام
ـ ماذا يريد
ـ ما يطلبه الكلب هل تفهم ؟
ودعها وعاد للخيام , يتكئون على وسائد او يتوسدون السرادق, جمهور غفير كأنه يعيش مهرجانا : الحوار والطرائف والادانات والسريات الشخصية تجري , ثم وزعوا الطعام بحاويات صغيرة على الحاضرين اما الماء والمشروبات الغازية فهي مكدسة على الارصفة في براميل بلاستيكية ضخمة ... قصيدة بعد قصيدة وخطبة بعد اخرى واهزوجة تتبع اهزوجة خلال كل ذلك تخفق الرايات وترن الصنوج وتنقر الدفوف وتصخب الطبول وتخفق عباءات الشيوخ ( رادونة نمل ما ملينه )....ولم تكن مطالب المتظاهرين والمعتصمين محددة ولا الاهازيج متجانسة كان الهدف ورقة ضاغطة للكف عن التفرد بالمشاريع والغنائم .
في الليل ياتي مندوبون عن المسؤولين : تلك جلسات سرية هناك يتم الاعلان عن المطالب الحقيقية وتتوضح النوايا وتتبرد التازمات في غرف مظلمة .. هناك التفت خبير الاثار واسر لايمن (في الجو الديمقراطي هذا التجمع انجح وسيلة للتغيير , اسميها <الاوراق الضاغطة > .


رؤى

(انظروا الكارثة ): قال صادق , وكان ثلاثة من الصحفيين ينظرون ومعهم الفتاة رؤى .. تم تشغيل الفيديو على شاشة الحاسبة ( دكستوب ):
<< مسلحان يمسكان بندقيتين يسح احدهما فتاة في العشرين ترتدي بجامة وقميصا ينزل حرا عليها معصوبة العينين , بيضاء حسيرة الرأس .. اجلساها على الارض وفمها مكمم بشريط لاصق ويداها مشدودتان الى الخلف , المشهد صامت اناماها على بطنها واخرج الرجل الثاني سكينا واخذ ينحرها من الرقبة حتى فصل الرأس ووضعه على ظهرها .. كانت عيناها تنبض كأنها حية لم تمت .. ضحكت رؤى وهي تتابع مشهد الذبح الا ان محمد حسين تقلص جسده وبدات يداه بالتوتر وارتعشت قدماه واحنى رأسه , غادر الغرفة سريعا وهوى على الارض وهو يتقيأ واصابه صرع فهرعوا يرشونه بالماء ومرخوا يديه وظهره وساقيه حتى استق فجلس فساعدوه على النهوض فاستقام شبه سكران يستند على اثنين من زملائه.
استغرب ايمن النجدي : شاب يصاب بصرع من المشهد وفتاة تضحك اية روح تحمل واية قسوة ؟! وحدث نفسه <المشهد اعلى درجات الحقد ومنسوب الكره فيه خطير جدا وعميق , يحتاج الى تحليل معمّق: حز رأس انثى بلا ذنب وبدم بارد , أي نوع من الكره هذا ربما يختلف اخرون بالرأي فيقولون <انه الحقد > او مرض نفسي متمثلا بعقيدة او اجرام لكن الحقيقة انها الكراهية ... وترك الغرفة ومضى الى حيث يجلس تبارك وهو رجل واسع الثقافة وصديقه المقرب انهما يستطيعان ان يفهما بعضهما رغم انهما يختلفان بالرأي احيانا , كان تبارك يستقر على كرسي متحرك في حديقة المؤسسة تحت شجرة زيتون , وبعد تبادل التحية والمصافحة جلس على الكرسي امامه.
ـ ما بك
ـ قبل قليل رأيت مشهدا مروعا وروى له ما رأى
ـ فاجعة
اسالك اخ تبارك ماذا تسمي هذا , كره ؟ حقد؟ اجرام ؟ عقيدة متعفنة ؟ .
ـ انه الاجرام
ـ بل هو الكره
ـ كيف ؟
قبل ذلك احب ان احدثك عن علم يسمى (الميتاهلث )هل سمعت به .
ـ لا
ـاكتشفه الطبيب الالماني هامر الذي توفي ابنه نتيجة لتعرضه لحادثة قتل وبعد ستة اشهر من الوفاة اصيب هذا الطبيب بسرطان الخصية وزوجته بسرطان المبيض ما دفع هارمر الى البحث بما يسمى علم الميتاهلث وهو ربط المشاعر بالحالات الصحية .
الاهانة مثلا تؤثر على عضلات المفاصل والعضام وتسبب الما في الركبة اليمنى , صدمة الخوف من الموت تؤدي الى الاصابة بامراض الرئة ..كل نوع من الشعور يوجد له النسيج الذي يتأثر به .
عندما نكره نبحث عن هدف نلقي عليه هذا الكم الهائل من المشاعر السلبية من خوف واشمئزاز واستياء .
ـ علم يحتاج تعمقا وبحثا, قال تبارك وهو يرتشف وينفث الدخان ويحدق بوجه ايمن باستغراب .
ـ تصور اخ تبارك تعتقد استاذة susan opotowo وهي مختصة في علم الاجتماع (بقدرة الكره على تشجيع العنف , فعندما تسيطر حالة الكره الشديد على الفرد فان اخلاقه ستعمل كعامل محفزيخلق المبررات الاخلاقية للأذى والتدمير .).
ـ راي لافت خطير .... قال تبارك
ـ اخ تبارك نحن لوعدنا الى المعاجم العربية فسنلاقى ارباكا بتفسير مادة <الكره>... فقد قال الاصمعي ( من اسماء السيوف ذو الكريه وهو الذي يمضي في الضرائب ) وقد اسموا الاسد كريها فيما قال معجمي اخر <الكره ما لا تحتمله النفس >
وتسمى الارض الغليضة الصلبة بالكراهة وقال اخرون ( كره الشيء قبح واثار الاشمئزاز والبغض ) وان دقّقت بكل المعاني لا ترسو على تحديد واضح لمادة الكره لكن يجذبك الى ان بعض تعريفاته تطورمجازيا الى اطلاقه على كل ما هو غليظ وعنيف وشرس وغيره .
ما علينا , السؤال يا تبارك كيف يكره انسان انسانا دون معرفة السبب سنعود لمناقشة موضوع الكره مرة ثانية ... الان اترخص .
كانت ابتهال قد اشارت اليه من خارج الحديقة فمضى اليها
ـ ها ابتهال
ـ غدا انت معزوم في دارنا للغداء
ـ هل من مناسبة
ـ ستاتي فتاة متنفذة من الجانب البريطاني
ـ كيف تعرفينها
ـ سامضي واوضح لك فيما بعد ..
خطت سبع خطوات فاعترضها السيد مبتسما مد يده لمصافحتها , ومضا معا .



(صحيفة الفراغ )

ـ ان كنت واثقا بانك لا تستطيع ان تتواصل فاوصهم ان اكون بديلا عنك .. تعلم بان الصفحة الثقافية يسهل عليّ تحريرها .. صحف هذه الايام مثل < شيش كباب عوازة), اسلوب متهالك تقليدي , ظل باهت للثقافة فلا اجد صعوبة في ادارتها
حسنا , قال صاحبه نجمان وعيناه تعبران عن حزن واسف .
ـ الست <دلال> فتاة قد تستقطبك , بسيطة مطيعة تحب ان تتعلم وتعيش, وضحك ,فالتقط ايمن النجدي اشارته الخفية في ضحكته المختزلة .
في اليوم الثالث دخل ايمن غرفة الصحيفة ورأى دلال كما وصفها صديقه نجمان وشاهد شابا انيقا يحرر مواضيع رياضية من اول نظرة له ادرك انه مولع بالنساء ... رحبوا بايمن وبعدما استقر في جلسته وجالت نظراته على كل شيء نظر محمد قاسم : شاب طويل رشيق ولا يدري هل من حركات جسمه او طبيعة نظراته او من اشياء غامضة حكم عليه بانه شخصية بالونية يترشح منه الكره والانتفاخ ... تواصل معهم ثلاثة ايام وبعد ان سلّمه رئيس التحرير ماهر الكاميرا الثمينة قال له :
(ارجوك قل لنجمان ان يعود للعمل معنا , انه انسان رائع وصحفي متمرس , حاول ان تقنعه بالعودة هنا
ـ بعونه سابذل جهدي .
في اليوم الرابع استلم ايمن مقالتين صغيرتين لصفحة الثقافة استغرب ايمن ولم يعلق ... اين حجب بقية الصفحات لا شك ان كرها يتدفق وشجبا ورفضا للمحررين الجدد, عاد ايمن الى مقر المؤسسة وفيما هو يلتقط النبق من اشجار السدر المثقلة الكثيرة والمتنوعة التي تمتد بخط مستقيم على بعد ثلاثة امتار من الحائط في الحديقة التى تبلغ مساحتها 400 متر .. هناك رأى السيد يتوجه اليه بخطى متسرعة
ـ استاذ ايمن , هي لا ترد عليّ,, تلفن اليها من هاتفك ثم سلمه لي لاكلمها ......
لحظ ايمن ان الرجل لم يلق التحية لان الانتفاخ على فراغ من طبعه.
ـ مرحبا ابتهال منتصف النهار ولم تأت عسى خيرا.
وقبل ان تجيب اشار اليه السيد بحركات متشنجة من يده فسلمه الهاتف .
ـ السلام عليكم ابتهال شنو القصة اهاتفك ولا تجيبين
ولم يعرف ايمن بماذا اجابته
ـ المهم مشتاقين يجب ان تأتي انتظرك لا تتاخرين .
قال ايمن في سره ( أي بؤس واي هبوط )
غادره ايمن يستمتع جدا بالتقاط النبق ... ربما في هذا الالتقاط لذته منذ الصغر فلو قدمت له اكياسا منها فلا يستمتع , النشوة ان يمد يده ويلتقط..... وصل اخر الحديقة وهو يجني نبقتين او خمسا من كل سدرة يتناول واحدة ويدس البقية في جيبه , استدار مع الحائط , صف مستقيم اخر من اشجار النبق المتنوع.كان تحت تأير سحر اللحظة كما هو لحظة يصطاد في الانهار وعاد لمقر المجلة وضع تحقيقه في سجل التحقيقات وغادر المؤسسة .
ليلا شرع بكتابة مقالات ومختا رات شعرية وقصصية , في الثامنة طرق نجمان وبعد تناول الشاي قال له
ـ بجد الاخ ماهر يعتز بك ويبلغك السلام ويصر ان تلتحق ثانية بالصحيفة انه يعتز بقلمك وطيبة قلبك وانسانيتك فهل تعود ؟
ـ ساعود ..
تدري : هذا الرجل المنفوخ محمد قاسم السكرتير سلمني مقالتين صغيرتين وحجب بقية الاوراق
واضح اراد يحرجني فانا لم امكث معهم الا اربعة ايام وتسليم ملف الثقافة غدا .. انه ينضح حقدا وانانية ربما يتصورنا منافسين اتينا لنزيحه ونزيحهم .. هههه هؤلاء الناس غير الواثقين بانفسهم يطورون في الهواء ارواحهم الصدئة روح العداء متوقعين انهم يحمون انفسهم ويتخطون ضعفهم
ـ الان هل عرفت لماذا انسحبت , فارغون ومدعون وعدائيون .. ساعود واسحقهم .





في اليوم السادس اجتمع رئيس التحرير ماهر ونجمان وايمن النجدي وثلاثة اخرون من غير هيأة التحرير الاصل في المبنى ..
كان فندقا فاخرا وبعد ان خطوا نزلوا سلما ليروا انفسهم في الطابق الارضي : غرف كثيرة وكفتيريا , الارائك تتقدمها طبلات مستطيلة منخفضة بلون الباذنجان .. رشقات من الشاي ..ز وظهر اثنان من المحررين الجدد, تحايا , وجلسا وبعد فترة ظهر الاستاذ ماهر يخطو بثقة وراء هم فتقدم لينضم اليهم مرحبا ومبتسما
ثم انتقلوا الى غرفة مغلقة
ارحب بعودة الاستاذ نجمان , حقيقة انا مسرور بعودتك
ـ الله يحفظك
المهم انا وانتم تعلمون , انهم بدؤوا بشن حرب علينا وساعفي اكثرهم لكن احتاج وقتا لان بعضهم محميون من مسؤولين في المحافظة : والان نقسم المهام.......
ـ سادير الصفحة الثقافية قال ايمن .. اجاب نجمان <لا> انا من يديرها فحدث توتر وقلق حتى التفت ماهر الى النجدي قائلا :
ـ ( الحقيقة اعرف مقدرتك بالتحقيقات , وستدير صفحتها انت .. لقد حسم الامر ماهر) .
بعد دهشة وتردد وتقليب الافكار بسرعة يتطلبها الموقف
ـ انا للثقافية هكذا اتفقنا لكن لا تهتم استاذ ماهر ساحرر التحقيقات , قال ايمن .
في اليوم الثاني ورغم حذره الشديد استهدفه ملثمون وهو يهم صباحا لقيادة عجلته قرب داره ففارق الحياة في الحال .
الكره, الكره , الكره يتسرب من العيون في حركات الاجساد, يستوطن الاحلام , الكره آلة التدمير البشري ومفرّق الجماعات, واضع الجدران بين الاخوة والاقرباء , ناحر الخطوات بين الاقارب والاصدقاء , تتنفسه الجدران والقاعات وحفلات الاعراس والقطط والشجيرات والبعوض , يستوطن الاحبة ويحيل كؤوسهم مرارة , يتطور الى حقد ورغبة صارخة بالانتقام , فيسيل الدم وتنحر الرؤوس , وتشتعل النيران في الغابات والبيوت والمصانع... ينتشر الكره في كل مكان , حتى ان ايمن النجدي تصور في لحظة ما بان التصحر هو كره تجسده الطبيعة , ربما لهذا السبب ذكر الاصمعي بان من اسماء السيوف ذو الكريهة وهو الذي يمضي في الضرائب ويرى بعض المختصين بان الكراهية مشاعر انسحابية يصاحبها اشمئزاز شديد ونفور وعداوة والعرب تسمي الاسد بالكريهة .











اضابير المطلقات

تاففت ابتهال
ـ انظر انها تتكدس حتى اكاد اختنق
كانت اضابير المطلقات والارامل تثقل كراتين المقوى
وتتوافد المئات يوميا حشود تتدفق من العباءات البارقة والحائلة والبنطلونات الانثوية , حجابات بمختلف الانواع والالوان وشيلات مثقبة او جديدة ..... لكل امرأة رواية ولكل قلب جراح بادوات مختلفة عيون متورمة اخرى متألقة وجوه مرايا اخرى متغضنة اجساد متهالكة او نشطة , عكازات وعصي لاسناد الوهن .. فيضان من الاهات والاسف والحسرات , كل مجموعة تشرح ايامها لاخرى , من يراهن يخال الزواج طلاقا مؤجلا , نبتة قد تتحول آجلا او عاجلا الى صبار , منهن من هي وحدها واخريات يصحبن او يمسكن بصغارهن , بطون جائعة او انفس محتالة , الطلاق نكبة في تأريخ الانثى وطعنة غائرة
ـ بنتي , متى يخصصون لنا راتب , قالت عجوز في السبعين .
ــ امي ربنا ارحم, حقيقة لا علم لنا , ولكن اتوقع الفرج قريبا , الصبر كنز .
ــ اخاف قشمرة , خداع , خلّص العمر بالوعود, تفرهدت اعمارنا , قالت ذلك ثلاثينية ذات حسن فارسي , عيناها تتدفق منهما الوقاحة.
نظرت لحظتها ابتهال لايمن , وفهما ما يضمر بعضهما ..انهما متفقان بالرأي... انها باختصار دعاية , جمعية انشأها المكر .. ضحك على الذقون .












كراتين الارامل والمطلقات

دعا رئيس المؤسسة كانون جميع الاعضاء للاجتماع , الارائك التي تحتل ثلاث جهات من القاعة مكتضة تماما ,السكون متحكم وظهرت الشجيرات والخضرة وازهار الجوري والمعرشات من الجهة المقابلة للشط :
ـ < دعوتكم لامر هام >
وحدق فيه بنظرات نارية وبغضب بركاني تحت السيطرة ...
ـ <احمد منصور تمضي لجهات وتدعي بان مسؤولنا في بغداد يخولك بالحصول على مبالغ > حرك بن منصور جسده بتوتر محدقا , امام حفلة اعين ترقبه وقال:
ـ ابو ابراهيم مساعدك كلفني
لم يجب ابو ابراهيم وتوالت عيناه السوداوان الواسعتان جدا بالنظر بلا معنى فيهما وهو هاديء ابدا ضخم الجثة ولم تظهر منه اية ردة فعل ....
ـ < من انت ؟ ماذا تظن نفسك >.. صرخ استاذ كانون ولاول مرة يشهد الحضور شراسته
ـ < انت موظف صغير تتقاضى راتبا من , ارتفعت نبرة الصوت وجدحت العينان وتوترت يداه
ـ < اعرف وزنك >.
ـ لم اتصرف الا بتخويل .... قالها وهو ينظر لابو ابراهيم مستنجدا به محاولا ان يستنطقه ... لكن هذا لم يتحرك ولم ينفعل .. عدل من سترته الكحلية وخرط ربطة العنق وهو صامت .
ـ < كذااب , تتجول من موقع لاخر مدعيا ايها المحتال .... الان سلّم هويتك وسلم ما في ذمتك من اضابير الارامل واخرج .
نهض احمد منصور وخطا وهو محتدم وحانق .. واختفى .
ـ <<يتصرف كجرذ, السافل ,.. واضاف كانون :
ـ < والله احس كأن احدا من عائلتي قد قتل في هذه الساعة .
وسااد سكووت .


طرق وتقابلت العيون فحياه وصافحه
ـ اخ احمد منصور , كلفت ان ابلغك بتسليمي ثلاثة من الكارتون المقوى التي فيها اضابير المطلقات والارامل .
ـ اذهب اليهم وقل لهم انهم يحلمون ... لن اسلم ورقة ..هذا تعبي ..
حدق النجدي في سمرته وقصره ونحوله وعينيه الصغيرتين الماكرتين .. وقال له :
ـ هل هذا قرارك الاخير !؟
ـ نعم ولن يروا اضبارة واحدة , السفلة الكاذبون, يتوقعون باموالهم يركعون الجميع , هذا لا يمشي مع احمد منصور, تشرفت بمجيئك استاذ ايمن النجدي , انت في القلب , صحفي متمرس وانسان خلوق , اما هم فروث وسفالة ...
هل تتذكر مرتضى ناجي ذلك الطيب عمل معهم سنوات مذ كانوا معارضة خارج البلاد ... وقبل شهر طردوه لانه لا ينافق , انهم يرفدون كل من يدلي برأي يشير لاخطائهم ... هؤلاء اصحاب الحياتين : وطنية وتقوى نهارا وغجرية في ليالي المزارع والبساتين .



مرتضى بلجيكا

لماذا رفدوا مرتضى ناجي , كان انسانا خلوقا طيبا صامتا وحزينا , في التجمعات ينسون وجوده فهو لا يتكلم حتى يسأل ليس لديه فضول , يحسن الظن يكاد ينسى حتى تنطقه بسؤال او ملاحظة
ـ ( اخ ايمن , ليس غريبا ان يتخلوا عني ويبعدوني , عادي , لكني انفقت سنوات معهم وليس لي ذنب سوى ان كانون يكرهني هكذا , ربما بلا سبب او يريد ان يتخلص ممن عرفوه في بلجيكا , غدا لا اعود والى الابد ... مرير ان تخسر سنوات لتواجه الفراغ وتضطر لغربلة مفاهيمك, وتهندس حياتك من جديد ....
كان مرتضى ناجي قد وصل الى مرحلة الخواء , الشعور بالانزلاق الى هاوية مجهولة .
ـ ( < ان الكفاح نكبة >)... اخر جملة اطلقها ونهض واختفى .....
هزيمة المناضل وهو يرى سنواته تثرم بلا جدوى , فداحة الثمن , والحماس الذي ينتهي بسرطان الحزن واليأس .
تصور سياسيا قضى عشرين عاما في نقرة السلمان وافرج عنه , ملحدا بكل القيم التي ازهق ثلثي عمره لاجلها ....ان صيادا في قصب الاهوار ارقى فهما منه. رغم مخه المثقل بمئات المجلدات ...تخيل ردة فعل هذا السجين وهو يستمع الى شبان متحمسين ينشدون ( هي ... هيا هيا هيا للجهاد ).
الكره وباء ليس كانون وحده وليس الملثمون القتلة ..
فهؤلاء الذين اقتحموا منزل استاذهم وسرقوه , اليس الكره دافعهم الاساس .
الكره جذر تتفرع منه النبتات الشوكية والسمّية , انه جذر الالغاء والتحجيم والانتقام , الكره تعفن الروح بلا رائحة .
كان ايمن النجدي قد سرح بافكاره حتى الهزيع الاخير من الليل وهو يشعر بحزن على ضحايا الكره : على السجناء الذين ضيعتهم الظلمات بلا جدوى , على مرتضى ناجي (بلجيكا ) الذي اختفى معالجا الحنظل في الاعماق , على ذلك الرجل الذي قضى عمره كادحا لتباغته زوجة خائنة , وعلى الارامل وابتهال ورؤى التي لن تعود لها الساق .
وتذكر سكرتير الصحيفة محمد قاسم والسيد ومراودته ابتهال: السيد ماذا يكره , يكره ان تكون نقية ان تتخيله قدمين في التابوت ان تشعره بشيخوخته , تلك الفتاة المغرورة الجائعة تتمنع منه , انها تحتاج مليون سنة لتجمع عشر ثروته ان استطاعت , انها تتحسر على قطعة لحم , فيما يأتي بذبيحة مقطعة بطست لدارهم كل اسبوع ( تصدني .. ساسحقها ) يقول السيد في نفسه .













الربايا المنخفضة

(1) مشاهد منهن ...
يكهربها ,يثأر بكوي بالاوتي على فخذيها وعلى محيط العينين آثارلصفعات وعض متوحش على الساعدين , خطوط محمرة على الظهر متوازية ومتقاطعة , فتاة لم تبلغ سن الرشد , فقيرة نحيلة واهية البنية شهباء عينان صغيرتان عباءة احالتها الشمس والقدم وقرضتها الفئران , نعل ممزق اكبر من قدميها , زوج خمار عاطل ... اتت تهش صغارها الخمسة الى صاحبة محل الفلافل .... رفعت رأسها وهي متكورة للرجل : (والله هو الف كل ما املك تصارخوا فصرفوا نصفه للحلوى في الطريق ) , صغارها يصخبون ويعبثون قرب المحل يحسبهم الناظر قد اتوا بازمان اشهر : كل سبعة اشهر وليد .. لانهم حفاة باجسام واطوال متقاربة , وسخون وثياب ممزقة لكنهم يمرحون ويعبثون , تسعدهم طفولتهم , حين اخذت كيس الفلافل ومضت , سأل الرجل البائعة اجابته ( انها من عائلة معروفة , لكنها تورطت بزوج نذل عاطل تركهم يعلكون الاوراق والحشائش , يسمع الجيران صراخها في سكون الليل زوج لا يجيد الا الشتم والجلد وتكسير الاثاث البالي ) ... قالت البائعة .

(2) سحبت خيطا ملتصقا بالباب وفتحت الباب , سمعت تا وهات في غرفة الاستقبال فقصدت غرفتها ثم خرجت واقتربت من غرفة الاستقبال (حقا لا يخجل سافل وابن سفلة , يطؤها في بيتي الى هذه الدرجة )...لم يكن زوجها يعلم بتسللها وانها شهدت الواقعة , لكنه في الليل قيدها على الشباك من يديها وتركها معلقة , وصفعها بالقدور والمس والتختة وقناني الزجاج وانهكها رفسا وصفعا وبصاقا : ( عااهرة , نهارك من بيت لبيت ) هي لا تستطيع ان تخبر اهلها فسيطلقونها ..لكنها اخيرا انفصلت عن زوجها .
(3) اجبرت على الاقتران بابن عمها .. وزنها الخمسون ينصهر تحت جثته الثورية كان يتكلم ولعابه يتطاير من فمه ..
صوته كخوار الثور والقمص لا يفارق عينيه , هجر المدرسة في السادس الابتدائي, هي تركت كلية الاقتصاد لتقترن به كرها , زهقت منه فهي لا تفهم منه شيئا ولا يركد في الدار دقائق الا بعد المنتصف , ياتيها ماطرا عليها رائحته النتنة يخلع دشداشته ويكرهها , تتمنى لحظته لو تسكب عليه قدر المرق يغلي , يصر : غصبا اطأك من الخلف , هكذا كل ليلة .. زهقت منه فطلقت .
هذه مشاهد بسيطة اخي القاريء وهم يلومون المرأة ,, المشكلة ببعض الرجال الانذال , يسحقون .. يدمرون الزوجات ثم ياتي بطرون ليقولوا (ليست صالحة .. لهذا انفصلت ) (لو بيها خير ما طلقت ) قسوة هي حكم المجتمع .. انه لا يرحم .... المرأة ان وجدت انسانا تستقر وتكّون اسرة ناجحة )
المحامية سناء .







كانت ابتهال تقرا في عمود ( الربايا المنخفضة ) في الصفحة الاخيرة وقد وضعت صورة لامرأة منتكسة مع العمود . فقالت لايمن : ( ما بها هذه المحامية المتكبرة , الا تتوفر اسر سعيدة , كل اسبوع مطلقات, اقطع يدي ان لم تكن طلقت اومطلقة
ـ لا , انها تقول < لي بنت صغيرة وزوجي مهندس > .
ـ انا احترمها لكن احس نقطة سوداء في داخلها عني , هل تريدني معقدة مثلها .
ـ المهم كيف يومك
ـ اخو صديقتي صائغ ذهب , اهداني هذا المحبس يوم امس ..
ـ اين اهداك ؟.
ـ ذهبت الى محله في شارع الاستقلال , كان وحده
ـ انتبهي لنفسك لا شيء من الرجال بلا مقابل .
ـ قلت لك لا تخف , اعرف اضعهم عند حدودهم .
وشعر ايمن النجدي بان الكلام لا ينفع معها فقرر ان تكون مقاله في الاسبوع القادم من مجلتهم (( اشعة على الجمهور ) حول انزلاق المرأة .
دخل السيد وحياهم وبوجه ينضح بهجة اخذ كرسيا ووضعه قربها , قال ايمن
الله بالخير
ـ حياك الله استاذ ايمن .
تناول السيد الصحيفة مباشرة الى الصفحة الاخيرة ( هذا منزل الشيخ خزعل , خوش موضوع , تعلمون انا املك منزلا قربه الان يطل على شط العرب ... رايك ابتهال نزور البستان يوما.
ـ لا استطيع
ـ لماذا , الا تعجبك بساتين شط العرب , كل جمعة نشوي السمك على حطب ونمضي بجولة في زورقي
ـ انا مشغولة يا سيد
التهم السيد نظرة من نهديها ولعق لسانه وقال
ـ هل تحتاجين شيئا او مساعدة؟
ـ لا اشكرك
ـ كلما دعوتك لا تقبلين
ـ والله انت غالي سيد لكن لي ظروف
ـ بخدمتك باي شيء
ـ لا لا , اشكرك جدا .. صاحب الحاجة اولى بحملها , اريدك سالما
ــ اطرق السيد كمن اصيب بخيبة ظن ثم رفع راسه اليها متناسيا وجود ايمن ( سياتي يوم توافقين ).. قال وخرج مطقطقا بسبحته معدلا من كوفيته التي استقرت مزخرفة بلا عقال
ـ ها ايمن .. هذا مشكلة
ـ دعيهم في غيهم يعمهون
اسمع ايمن : لا تعرف المراة الا المراة , الفتاة بحاجة لمئات المصدات لتصون نفسها , انها عظمة وسط حشد كلاب .
ـ تقولين : اوقفهم عند حدهم
ـ طبعا لكن تحتاج القضية ارادة وهو ما يدمر الاعصاب وينهك الصحة ...وفجاة قرات وهي تحدق بلوحة الطفل الدامع المعلقة على الجدار
<كم قلت اني لست عائدة له
ورجعت ما احلى الرجوع اليه >
فقال ايمن النجدي ( مالي احدق في المرآة اسالها
باي ثوب منة الاثواب القاه .
ـ بيت جميل .. هل تكتب لي القصيدة
ـ غدا تكون عندك , وتناول نسخة من ( اشعة على الجمهور ) وغادر ...











مؤتمر

قرب مجمع القصور الرئاسية جوار رصيف يلتصق بضفة شط العرب ركن زميله الصحفي العجلة قرب بعض السيارات المركونة ونزل ايمن الجندي وتبعه زميله ....( لا تركن السيارة هنا .. ممنوع ) ..قال حرس ببزة مرقطة يمسك كلاشنكوف فالتفتنا اليه (نحن صحفيون )
ـ وان .... ممنوع .. هي اوامر
فالتفت اليه النجدي
ـ وهل الصحفي يحمل متفجرات ونحن نبعد مئات الامتار عن بوابة القصور
ـ ممنوع ... وقد تستغرب لو قلت لك : عليكما ان تخلعا القمصلتين وتتركاهما هنا !!!
(كان المطر قد بدأ برذاذه الاول )
ــ نخلع القمصلة .. اسمع ( هم من دعانا اولئك البريطانيون ونحن عرب ونعد بمثابة ضيوف لديهم ).
ـ هي اوامر
ـ اسمع , نحن سنرجع ولا ندخل المؤتمر وقل لمسؤولك : ان صحفيين رفضا المشاركة بالمؤتمراحتجاجا على هذه الاساليب التعبانة .
البلد بلدنا وهم طارئون هم من وجهوا الدعوة لنا , نحن لا نخلع القمصلات ولن نركع لهم , عليهم ان يعرفوا كرامة العراقي .
في اليوم التالي ارسل اليهم القنصل رسالة اعتذار فقد دخل بعض الصحفيين وقبل بدا المؤتمر عبروا عن احتجاجهم واخبروا مدير المؤتمر البريطاني بان صحفيين وصلوا البوابة وعادوا احتجاجا على الاوامر الجديدة .







رتاج البصري

لمحها في احد المؤتمرات ترتدي تنورة بنية وقميصا بلون الزعفران , عجيزة هندست بمعمارية عالية , تخصر جاذب , وصدر لا يحتوى براحة اليد ,تمشي بخطوات واثقة تنفث الاثارة عن بعد وهي ترتج برشاقة في مشيتها .. يمكنك وصفها (امرأة خلقت للفراش )..النجدي لا يحتاج قراءة سيرتها , منذ النظرة الاولى لذلك الجسد قراها بوضوح انها < رتاج احمد البصري >, خمسة واربعون عاما , عمر يستدعي كل اجراس الانذار : قطرات المشيب , الخشية امام المرآة وجع المفاصل , احتشاد الالام الخفيفة , ادوية للسكري والقولون , ومساج للظهر والربلتين,, بحث عن وصفات العطار وارتكاز عند ابواب قارئي الكف, عمر لجته بين اشعة ضوء وصخور ظلمة , مرجلة التساؤلات المحددة , لكنه عمر النضوج والحكمة , تصاعد تلة الحذر ,...
قانونية اخت رتاج تكبرها بثلاث سنوات اطول منها , ناقة .. مكتنزة الجسم مثل رتاج البصري .. بشرة حنطية اقرب للشهباء , عينان واسعتان سوداوان تتفتحان عن حزن وفتور, تمشي بتثاقل ترتدي مثل اختها تنورة وقميصا , لكنها تحجب الشعر بحجاب منسجم مع لون القميص اما رتاج فحسيرة ينسدل شعرها عميقا بنيا حتى اسفل الظهر.
في قاعة عتبة حيث يستمع لخطباء اقترب منه شابان وحدد احدهما له موعدا مع رتاج .
في اليوم التالي قصدها , كان مكتبها في بيت من بيوت البصرة المشيدة من الطابوق المنحوت والابواب ثقيلة من الصاج .
كل شيء في البيت تشم منه رائحة البن والصاج, الرفوف الطبلات المكاتب اللوحات المعلقة الارائك الستائر , هنا سيادة مطلقة للاخشاب الصامدة , هيمنة ابدية للصاج .. حين تشاهد شجرة الصاج كأنها شعر مشعث لا تتوقع منها ان تعطيك كل هذا الشعور بصلابة المكان ,لكن ( ثنائيات الفلقة وشفويات الرتبة ) خلقت لتمنحك الشعور بالهيبة والوقار في الاشياء . اذا رأيت القانونية بكبريائها المشرب بمسحة الخجل وباثوابها البنية من الحجاب حتى الجوارب والحذاء عمقت لديك الشعور بسطوة البن وهو ينبع مشعا مهيبا في المكان .
فتحت حجابها لتعدله فتلصصت خصلات بلون الحناء ..ناعمة وبارقة .. ابتسمت قائلة
ـ مرحبا بك استاذ ايمن النجدي
ـ اين قلت تعمل .
ــ مجلة صحيفة ( اشعة على الجمهور )واذاعة الارتكاز في بلجيكا
ـ اذاعة الارتكاز من يديرها
ــ عراقيون استوطنوا في الغربة
ـ كيف هي برامجها
ـ اخبار , اهتمام بالتراث العراقي , وبالطقس السياسي في العراق , اذاعة محايدة
ـ وانت ـ مراسلهم من البصرة
ــ احييك , اهلا وسهلا .... الست رتاج ستصل بعد قليل .
اتى شاب معتم بعمامة سوداء نحيل لبق ....فتيات باعمار مختلفة و بازياء متنوعة , جميعهن يسترن الشعر بالحجاب ..يبتسمن ببلاهة ويسرحن بعيدا عن المكان , ويعلقن باقتضاب .
قال ايمن النجدي , موجها كلمات للست القانونية
ـ امس شهدت مشهدا مرعبا صورته فديو ...
ـ يا سااتر : قالت القانونية .
ـ في شارع الاستقلال , بالضبط امام ثانوية العشار صاح احدهم (هذا وهابي )
كان رجل في وسط العمر يرتدي دشداشة قصيرة ويلتحي , خلال لحظات : رفس , لكم , عصي , حجر , علب فارغة , قطع مكسرة من الرصيف الاسمنتي , الصياح يتعالى والتدافع والحشد يتضخم حتى كاد يختفي تماما عن كامرتي , لكني دفعت وتمكنت من رؤية السكاكين تنغرز في رقبته وقلبه ورأسه.. رايت اعلى درجات الحقد والثأر حتى زهقت روح الرجل .. اتضح فيما بعد انه ليس ارهابيا انما اتى من ذي قار باحثا عن فرصة عمل في البصرة ,

ـــ مشهد مروع .. قالت القانونية ونفخت بعض الفتيات وماج القلق والرهبة في عيونهن وسمع منهن تعليقات ادانة مختزلة ...لكن رجل الين الشاب الذي يلتف جسده بعباءة ودشداشة بلون عمامته السوداء قال :
ـ هي اختلطت الامور ... واضاف
(كنا نهب على الزعيق ومذ طغى
صرنا ننام على الزعيق ونهجع
باتت تفرقنا يد مسمومة
متسنن هذا وذا متشيع ).
نهضت من خلف مكتبها واستقرت مكانها رتاج وحدجت بخضرة عينيها الجالسين وهي تحاول تثبيت ابتسامة مدورة
ـ نتشرف بحضورك اسناذ ايمن
ـ احييك ست رتاج
سمعت عن كفاءتك الصحفية
ـ (الجميع تشهد له ) قال المعمم الشاب
ـ طيب وكفوء وبسيط قالت لقانونية
ـ اكيد اجابت رتاج
ـ قلت تعمل في ..
ـ مجلة (اشعة على الجمهور ) ومراسل اذاعة < الارتكاز > من بلجيكا
ـ اسمع اخي ايمن , لدينا مشروع صحيفة اسميناها (اشراقات ).. انها في طور التكوين , ارسلت عليك لتترأس تحريرها
ـ اتشرف بهذا
ـ بارك الله فيك .











نسّبت المحامية سناء للعمل مع ابتهال وحدهما معا في غرفة (جمعية الارامل والمطلقات ) ., ابتهال تمسك بقلم وتخط على ورقة , سناء تدقق في اوراق , .... انتظر ايمن النجدي حتى غادرت سناء
ـ اوووف هسة ارتاحيت
ـ ماذا ؟
ـ من طلعت , لا اطيقها , انها تنفث السم بحركات وكلمات , ان الكره يتكثف في عينيها , والمصيبة اتوا بها لتعمل معي
ـ تحمليها
ـ كيف !
ـ ما علينا , اتيتك من سبأ بنبأ عظيم .
ـ خيرا
ـ ستعملين معي في صحيفة
ـ اسمها
ـ (اشراقات ), تشرف عليها امرأة ستتعرفين عليها
ـ امنيتي ان لا ارى فيها كرها مثل المحامية سناء , ولا فضولا.
ـ سنمضي غدا هناك , بيت اعدوه مقرا للصحيفة والشركة
ـ اية شركة
ـ اخت المسؤولة رتاج علقت على الحائط ((شركة النخيل للاستثمار )).
ـ هم اغنياء يمكن
ـ لا اعرف , لاني تعرفت عليهم يوم امس , سنلتقي هنا , ونستقل تكسي لهناك .
ـ ماشي
ـ اسمع ( وقطبت حاجبيها ) كانت في مزاج نفسي مستقر ... (اسمهان ... تعاني )
ـ من ماذا؟
ـ من صاحب مكتب الاستنساخ الذي تعمل عنده , من العكازتين , من مشكلة المواصلات فشارعهم الفرعي نادرا ما تمر فيه سيارة نقل ركاب .
ـ لو انهم صدقوا ونجحوا بمنح المطلقات والارامل مرتبا لانمحى او تحجم ذل الفقر .








شركة النخيل

كل ضحى يمر ايمن النجدي على مقر (شركة النخيل )
كل يوم تتغلغل في روحه وتربكه رائحة خشب الصاج: يتخيل اليافه غير المتباينة باللون , مواده الصمغية , هذا الاستعراض البهي لتفاصيل اليافه بعد ان يطلى بالدملوك المذاب بالكحول ويمكيّج بالشمع , السلالم ودمى الافيال ومطفئات السجائر من الصاج هنا ...
وكان وجه القانونية يشرق لمقدمه, تتحرك قليلا من كرسيها بجسدها الثقيل , ينظر الى طولها الفارع الى حركة الصدر الذي ينادي , الى الفم الصغير والعينين الواسعتين تتفتحان عن حزن وفتور .
سهم النجدي سارحا في فن الاناقة التي لا تغفل عنها يوما , تتوافد الضيوف من الجنسين , كل شخص يترقب , يدرس الجو , الغموض ينفث دخانه على المجريات , الا انه في هذا اليوم الجمعة مر بهم قبل ساعة من الغروب .... تتصدر الغرفة رتاج البصري , ايمن يجاور القانونية وبعد ان اتخموا بالثرثرة والمشاريع الحالمة وحوارات عن الطقس السياسي, وحركة التغيير في المجتمع بعد السقوط .
غادروا مقر الشركة كل اثنين يتجاوران معا ويعقبان الاخرين وحين بلغوا المجاز لمح ايمن رجلا اربعيني حسير الرأس يرتدي دشداشة دارسينية ويخطو بنعال زبيري , متوسط القامة مكتنز الجسم , ادرك ايمن ان للرجل هيبة ووقارا ... سارعت اليه القانونية وصافحته والتفتت الى ايمن : (هذا الاستاذ المهندس < ابو عمر > فحيّا بعضهما ... عندما اقترب كان واضحا انه صبغ شاربيه ورش جسده بعطر ثمين مميز .






تاج الجوري

اتت اليوم لنا فتاة صغيرة غير مقترنة عملنا لها اضبارة تعيش مع امها المشلولة فقط في بيت متهالك
لا اقرباء لها بقعة ماء غامضة لا تتصل بنهر ولا تغمرها الامطار فتاة ضائعة مسكينة
ـ اسمها
ـ تاج الجوري
ـ اسم غريب
ـ صحيح
المهم ستصل فتريث هنا لتتعرف عليها , تفيدك في بحثك عن الضائعات
مضى الى الكافتريا داخل المؤسسة تناول سندويج واستمتع بقدح شاي وتوجه الى الحديقة يلتقط النبق ويستمتع .. استغرق نصف ساعة وعاد الى غرفة المطلقات
ـ اتيت بوقتك , هذه التي حدثتك عنها ( تاج الجوري )
تشرفت بحضورك
ـ من يعينكم
ـ لا احد , امي مشلولة , دهست ابي عجلة ومات من خمس سنوات
ـ الله يصبركم
ـ كيف تعيشون اقصد النقود
ـ نعيش على المساعدات , حاولت اجد عملا ولم اعثر على فرصة .
ـ انه صحفي وله علاقات بمنضمات انسانية ـ استاذ ايمن , يمكن تزورنا وترى حالنا , هل حقا سيعطونا هنا راتبا ؟
ـ لا استطيع اقول يعطون مائة بالمائة لكنهم يجاهدون حسب علمي لاجلكن , الارامل والمطلقات الاعتماد على الله
ـ والله لو خصصوا لنا مرتبا نحن ندعو كل غروب نحن لا نريد سوى لقمة زاد , زاد بسيط , نحن بلا طموح , لقد تزوجت وقلت (فرجت) اتى يسكن معنا لان امي مقعدة وعلمت بعد سنة انه متزوج وله ستة اطفال ..
دخلت المحامية وهي مقطبة وحزينة
ـ ضاعت الانسانية
ـ ماذا ؟ قال ايمن
ـ في المحكمة خسرت قضية سنا المطلقة التي حدثتك عنها واضافت ( ماذا جرى للناس ؟ )
ورمقت ابتهال بنظرات كره عجلى .







ثلاثة سيارات مركونة لتقلهم الى مقر صحيفة اشراقا ت على بعد امتار قبل ان يلوحوا ل <ابو عمر > الذي يتبعه خادمه .. اقتربت القانونية من النجدي وهمست له مشيرة الى ابو عمر ( هذا زوجي ).... الشارع شبه معتم .. مصابيح خاصة متباعدة تسكب اضواءها الباهتة على المكان , الشارع المعبد الواسع يكاد يخلو من العجلات والمارة ... قرا ايمن عناوين مكاتب لعقارات ومقار شركات معلقة اعلى الابواب وقبل ان يصعدوا السلم توقف بعضهم حيث رصفت الدلال والاقداح وعلب السكر وقوري الشاي والمغليات على رف عريض يستند على جدار ويرتفع مترا ونصفا عن البلاطات الشبيه برقعة الشطرنج . في الطابق الثاني غرفتان واسعتان تستقل احداهما رتاج احمد البصري والاخرى اعدت للمحررين والفنيين ... بعد ثلاث سنوات من السقوط غصت الاكشاك والمكتبات بعشرات العناوين للصحف وانتعشت المطابع , نصف قرن من تحكم السلطات باصدار المجلات والجرائد كانت وراء هذا التدفق الهدّار.. لاول مرة شوهدت (صحيفة الرصيف ) التي كان يكتبها هاو متحمس بخط يده ويعرضها للبيع على الرصيف قرب قاعة عتبة بن غزوان .
كانت رتاج شخصية هامشية صنعتها مهزلة الصدف قسوة الصدف حسب استقصاء اجراه النجدي فيما بعد .
لم تكن لديها اية خبرة صحفية انها بجملة جسد امراة ناضج وجاذب كل ما تملكه فضلا عن سحر الجسد هو كاسة من المكر الانثوي عبرهما حاولت ان تكون وكما يقابل بعض العمال المغتربين في دول عربية بجملة ( يعطيك العافية )فانها تاتي بفتيات صهرتهن الفاقة فتستخدمهن موظفات لديها فمن لم تدخل بامرها الغرفة المظلمة تقول لها ( يعطيك العافية ) الا واحدة شرسة وقفت امام ذلك البيت الصاجي ومقر شركة النخيل الوهمية لتفضحها صارخة بوجهها في الشارع العام ( اريد مرتبي ) سادمركم .
فلم تنجح اشراقات ولم يصدر منها عدد واحد واحس النجدي بالخدعة فحاول معها بكل الطرق الناعمة لينال مرتبه فلما عجز كتب لها ( انظري نفسك مرة واحدة في المرآة ) .
وقيل وتلك معلومة تحتاج تاكيد اولكنها ممكنة ان رتاج لها منزل في احدى الدول العربية واليه تهرب نساء ليمارسن الرقص والرذيلة .
وقيل ان قصتها انتهت بتعرضها لمسلحين ملثمين فاختفت .















الداوودي
كان احمد الداوودي بعينيه شديدتي التحديق وبشرته الحنطية واكتافه المقوسة وتوتره المسيطر عليه مسؤولا كبيرا في المؤسسة وكان غنيا , و مستمعا جيدا لمحدثه دبلموسيا بارعا وكتوما , وكان يستهدف بالنية وبعض التلميحات الفتاة رؤى المحررة في مجلة المؤسسة ( اشعة على الجمهور) .
خلقت رؤى للفراش جسد يستئذب لحظتها وانوثة صارخة تشل الناظرين وهي التي ضحكت عندما رات الفيديو الذي يعرض ملثمين يذبحون فتاة ويتركون راسها بعينين نابضتين على ظهرها .
اتى بخبير فانشا له في منزل باحد البساتين غرفة تمنع تسلل الصوت فتم بناء حوائط مزدوجة وتم ملء الفراغ بين الحائطين بمادة الصوف الصخري كعازل للصوت والحرارة.
زار هذا المكان النجدي بعدما حدثه عنه صادق فالصدف تطلعك احيانا عما لا تتخيله .
كانت في الغرفة انواع المعطرات وقوالب الكلنكس وسدية بيضاء<نقالة مرضى > صفت على الحائط .. سال النجدي ماذا يفعلون بها فاجابه صادق ( انها لاوضاع فراش خاصة ) وابتسما ناظرين باعين بعضهما .
هنا في هذه الغرفة مارس الداوودي اوضاعا اباحية مع رؤى اقرب ما تكون للمرضية والخيال.













خاتمة الضجة


عصفت قبضة المتغيرات بالمؤسسة واغلقت وتفرق الاخرون , بعد ان انتهت اللعبة واتضح بان هرم المؤسسة وهم فلا عمل لاجل ازدهار الشعب ولا هم يحزنون .. بعد ان اتى النجدي بالمؤرخ متواضعا معدما فمنحوه مبلغا بسيطا مقابل صفحة تاريخية يحررها مرة في الاسبوع ثم عينوه بمرتب فحاك مصيدة الاستئذاب وازاح رئيس التحرير كاتم محمد ثم قصد النجدي من اول يوم تسلم فيه رئاسة التحرير وقال للنجدي ( انت الاعلى مرتبا وعليك تاتي باكر ثم تمضي لتجلب تحقيقاتك ) وحين اجابه النجدي بان عمله لا يرتبط بتواجد مبكر في المؤسسة قال له ( لا بد من تسجيل اسمك هنا مبكرا , وعليك الالتزام بهذه التوجيهات ).
كان اغلب المحررين في المجلة معبئين بكره دفين لبعضهم يخزنونه في دفاتر او قلوبهم وفي الاشهر الاخيرة قبيل غلق المجلة انشرخ الجدار العازل وتدفق الكره والاحقاد كان كل يسجل اية زلة عن أي محرر معه .
ظهر يوما السيد ورأى حشود الارامل والمطلقات فرفع يه آمرا ( ابعدوا هؤلاء المزعجات فلا رواتب لدينا )!!
كانت اخر ذكرى حفرت عميقا في وجدان النجدي هي رسالة ابتهال اليه عبر المبايل :
( انا النهر الحزين الذي غادرته الازهار والسعفات والاسماك , انا الحريق وقارورة العطر النقية التي كسرت للابد , اودعكم , اعتبروني مية . كنت طيبا معي لكن اغلبهم ذئاب من اخوتي وامي والموظفين .. لم يرحم انوثتي احد , انا ذاهبة لكهف مخيف هل ساعود منه , لست ادري , خسرت حياتي وكان لدي الف طموح , لقد هزمتني انياب الضباع , اعترف , انت وحدك ربما يمنحني العذر ويشهد على قوة اصراري , لم يباغتني الانهيار فقد انثال طرقة اثر اخرى, قاومت طويلا لكنني انثى تواجه حفلة الذئاب )

مرعلى مقر المؤسسة بعد سنوات احمد النجدي فتذكر ابتهال التي قال عنها صادق ( انها اقترنت اخيرا بالسيد حسب اشاعات ), تذكر كل السفالات والكره والاحقاد والصراع من اجل التفاهات ورأى كيف يكون الزيف ربيعا في مراحل غامضة .
نظر الى الغيوم التي تتوعد والبرق الذي يحفز الغامضات وقال في نفسه :
0( تعال معي لنطور فن الكره ) .



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب رنين المعول رؤى نقدية ج6 الجزء الاخير
- رنين المعول رؤى نقدية ج5
- رنين المعول رؤى نقدية ج4
- رنين المعول رؤى نقدية ج3
- رنين المعول رؤى نقدية ج2 كتاب كامل
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل
- حي سليطة رواية كتاب كامل
- شاشة الارواح كتاب كامل
- وفاة عبوسي الذي خلده مسلسل تحت موسى الحلاق
- تسجيل لحكايا برقية ج2 الخباز والمراة البدينة
- ديوان (البصيلة الزجاجية) كتاب كامل
- البيدوفيليا مرض الاثارة الجنسية بالاطفال
- مجوهرات روحية قصائد كتاب كامل
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
- قصة رئيس ورئيسي ومبارك ومبروك
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
- تسجيل لحكايا برقية ج1
- زواج المسيار والمتعة وقانون الاحوال الشخصية في العراق .
- (ديوان الابواب) وزيارة اثر ديوان شعر


المزيد.....




- ثبتها لطفلك وخليهم يستمتعوا بأجمل أفلام الكرتون.. تردد قناة ...
- فنان مصري قدير يحصل على جائزة ويصفها بـ-نهاية العمر-
- محب الدين الخطيب.. العقل الشرعي المؤسسي الفذ
- لا تفوتوا اغنية ممية.. حدثوا تردد قناة كراميش الآن واستمتعوا ...
- “الحـد الأدنـى للقبـول“ تنسيق الدبلومات الفنية 2024 وشروط ال ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فلسفة الشر والخير التائهة في في ...
- رابط مباشر.. نتيجة الدبلومات الفنية دور ثاني 2024 بالخطوات ع ...
- الإعلان الترويجي.. مسلسل المتوحش الموسم الثاني الحلقة 37 متر ...
- إيرادات فيلم -Inside Out 2- تتجاوز مليار دولار
- البلاغة والإبادة في مفترق الحضارات.. كيف كانت غزة مركزا فكري ...


المزيد.....

- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
- آليات التجريب في رواية "لو لم أعشقها" عند السيد حافظ / الربيع سعدون - حسان بن الصيد
- رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو ... / طلال حسن عبد الرحمن
- في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة