|
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به ( 7 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 8080 - 2024 / 8 / 25 - 16:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
--- سقوط منظمات اليسار الماركسي ، وبالأخص منظمة الى الامام ، في تناقضات استراتيجية : ان من بين النقط المحورية التي استندت اليها منظمات اليسار الماركسي ، وفي مقدمتها اقوى تنظيم الذي هو منظمة " الى الامام " عند انفصالها عن " الحزب الشيوعي المغربي " ، " حزب التحرر والاشتراكية " في صيف سنة 1970 ، وبالضبط في 30 غشت من نفس السنة ، كانت مسألة الديمقراطية داخل الحزب . واذا كانت المركزية الديمقراطية ، بالشكل وبالمضمون الذي مورست به آنذاك من طرف أعضاء المكتب السياسي للحزب ، تحتاج الى تحليل وتقييم نقدي شامل ، يشمل بنية الحزب السياسية والتنظيمية ، فانه يجب تسليط الضوء على الكيفية التي كانت تمارس بها هذه الديمقراطية ، من طرف مجموعة من الطلبة ، الذين اسسوا فيما بعد منظمة " الى الامام " . لقد عالجت هذه المجموعة مسألة الديمقراطية داخل " حزب التحرر والاشتراكية " PLS ، من نفس المنطلق الذي تعاملت به مع باقي القضايا السياسية ، التي شغلت رأي الطبقة السياسية المغربية . فلم يكن يحركها في طرح شعارها حول تطبيق الديمقراطية داخل " حزب التحرر والاشتراكية " هدف جدي " اصلاح ثوري " ، من اجل توفير شروط اكثر ملائمة ، لتطوير الصراع الأيديولوجي والسياسي الديمقراطي وسط الحزب ، لان فكرة الانشقاق وتجاوز الحزب ، في اطار شعار تجاوز الأحزاب ، تطورت وهيمنت داخل صفوف طلبة الحزب بالرباط . وعلى قاعدة هذه الأرضية ، اتخذت مسألة الديمقراطية بُعداً حاداً ، ارتبط بهدف إزاحة القيادة نهائيا ، وبالكامل عن طريق عقد مؤتمر وطني استثنائي . وانسجاما مع فكرة هذه المجموعة ، ومع طبيعة القطاع الذي تتواجد فيه ( الطلبة ) ، أعلنت قيادة المنظمة ، الانفصال التنظيمي والايديولوجي عن " حزب التحرر والاشتراكية " PLS ، معتبرة نفسها ، أنها تشكل البديل الثوري الذي يحمل الإجابات النيرة عن أسئلة المرحلة المحرجة ، ومن أهمها انجاز الثورة في المغرب ، ومنه ينتقل اشعالها الى بقية بلدان المغرب الكبير . يلاحظ ، انه بعد الانفصال والقطيعة مع تجربة " الحزب الشيوعي المغربي " PCM ، اصطدمت منظمة " الى الامام " في الشهور الأولى من تأسيسها ، بمشكلة التعامل مع التناقضات التي برزت في صفوفها ، فوجدت نفسها لأول مرة امام اختيار مدى استعدادها لممارسة الديمقراطية في علاقاتها الداخلية بين أعضاءها ، وفي علاقاتها مع مثيلتها " منظمة 23 مارس " و " حركة لنخدم الشعب " .. ورغم المعارضة التي جاءت صريحة من طرف احد الذين لعبوا دورا هاما في الانشقاق ، وعضو في القيادة ( م.ب ) ، وانها كانت جزئية ، ولم تخرج عن دائرة الفكر الأيديولوجي والسياسي العام للمجموعة ، فإنها مع ذلك لفظته من صفوفها ، من دون ان تفتح مجال النقد ، والنقد الذاتي ، وممارسة الصراع الديمقراطي داخلها . وفي نهاية سنة 1971 ، تكرر نفس التعامل مع عضو آخر مسؤول في القيادة ، عندما طرح وجهة نظر مخالفة للفكر السائد ، بصدد الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد . فتمت وبطريقة بوليسية في القمع الأيديولوجي ، محاصرة وجهة نظره ، ومورس في حقه الاجهاز السياسي والتنظيمي ، وانتهى الامر بإبعاده من المسؤولية .. بعد سنة 1972 ، ومع تصاعد حدة الازمة التي كانت تعيشها منظمات اليسار الماركسي ، وكانت تعيشها في مقدمتها منظمة " الى الامام " ، من جراء المراجعات والانسحابات التي حصلت في صفوفها ، ومن جراء عملية الاعتقالات التي طالت مناضليها واطرها ( ع ل / ا و ط م ) خلال سنة 1973 ، او بسبب تعمق الخلاف الأيديولوجي والسياسي بينها وبين " منظمة 23 مارس " ، و " حركة لنخدم الشعب " ( لنخدم الشعب هو احدى إصدارات الرئيس Mao Tsé Tong ) ، لم يستمر في الالتزام معها والارتباط بها ، سوى مجموعة من الأعضاء والعاطفين ، خاصة الطلبة الجدد المستعدين لتبني نهجها السياسي العام ، الذي تبلور خلال الفترة الممتدة من 1970 الى 1972 ، او الذي فرض عليه القمع الاستمرار في الارتباط بها ومعها . وخلال سنوات 1972 الى 1974 ، لم تظهر داخلها سوى خلافات بسيطة لا تتعارض مع الفكر العام السائد ، لِمَا عرفته هذه الفترة من جمود في وضعيتها السياسية والتنظيمية ، واستمرار تقلص هيكلها التنظيمي ، وقاعدتها الاجتماعية . ومن الانعكاسات البارزة لهذا الواقع على المنظمة ، الانسحابات التي أصبحت ظاهرة واسعة قياسا الى حجمها . فكانت تجربة العزلة السياسية التي عانت منها بعد سنة 1974 ، وحملات القمع التي تعرضت لها ما بين 1974 و 1976 ، التي أدت بالأغلبية الساحقة من أعضائها الى دخول السجون .. أقول كانت عاملا حاسما في ظهور خلافات عميقة وجوهرية داخلها ، اتسعت لتشمل مجمل البنية الفكرية ، والتوجهات السياسية للمنظمة ، فأعطت اتجاهين رئيسيين : --- اتجاه يرى ضرورة إعادة النظر في مجمل الفكر الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي للمنظمة ، وباقي المجموعات اليسارية الأخرى ، منطلقا من التجربة ومن ارهاصاتها الأولية ، ومعتمدا عليها كممارسة ابرزت الطريق المسدود الذي سلكته المجموعات ، وهذا الاتجاه عبر عنه عدد قليل من الاطر . --- اما الاتجاه الثاني ، فقد اعتبر ان الخط السياسي الذي بلورته المنظمة ، ومارست على هُداه صحيح تماما ، وان التصفية السياسية والتنظيمية ، التي تعرضت لها المنظمة ، شيء عابر ويرتبط بأخطاء فردية . اما الخط السياسي للمنظمة ، فهو صحيح وبريء .. ويعتبر هذا الاتجاه ان كل متشكك في التوجه الفكري والسياسي للمنظمة ، لا يسعى في نهاية المطاف سوى لتبرئة اخطائه . وهكذا رفض المعبرون عن هذا الرأي ، أيّ نقاش او تساؤل عن جوهر الفكر السياسي والايديولوجي للمنظمة . بل رفعوه الى مستوى التقديس ، واجتهدوا لتطويره بما يحافظ على اسسه الصلبة ، فصاغوا بذلك في اطروحتهم ، ما اطلقوا عليه " بنظرية الثورة في المغرب العربي " ، التي تعتبر قمة ما وصل اليه الفكر اليساري الماركسي اللّينيني الماوي لمنظمة " الى الامام " ، والمجموعات اليسارية الماركسية التي ظهرت في تلك الفترة من التاريخ . وكانت المحاكمة التاريخية المشهورة التي تعتبر بحق بمحاكمة القرن في يناير/ فبراير 1977 بالدارالبيضاء ، اول فرصة ومناسبة للاصطدام بين الاتجاهين ، سواء فيما يخص التوجه العام الذي يتعين على المعتقلين سلوكه في المحكمة اثناء المحاكمة ، او فيما يخص تحديد الموقف من قضية الصحراء ، وكيفية التعامل معها ، إضافة الى الخلاف حول توقيت المحاكمة . واذا كان الاتجاه الأول يرى ان المطالبة بتعجيل المحاكمة ، او الدخول في اضراب عام وغير محدود عن الطعام ، من اجل ذلك موقف خاطئ ، نظرا لمعطيات الأوضاع العامة التي كانت تعيشها البلاد آنذاك ، فان التوجه العام الذي سار عليه أصحاب الاتجاه الثاني ، وحاولوا فرضه على مجموع المعتقلين في نفس القضية ، كان هو فرض التعجيل بالمحاكمة . لهذه الاعتبارات رفض أصحاب الاتجاه الأول اضراب نونبر 1976 ، الذي كان شعاره " المحاكمة او اطلاق السراح " . اما أصحاب الاتجاه الثاني ، فقد قرروا ضرورة الدفاع في المحكمة ، عن " نظرية الثورة في المغرب العربي" ، والتي تجعل من قضية الصحراء الغربية ، نقطة مركزية في برنامج منظمة " الى الامام " ، والدفاع كذلك عن حقوق " الشعب الصحراوي " . الاّ ان أصحاب الاتجاه الأول ، رفضوا هذا الموقف ، واعتبروا ان ما يجب التركيز عليه ، هو المشاكل الداخلية للبلاد . لكن الموقف حُسم بشكل عام في قاعة المحكمة لصالح التركيز على مسألة الصحراء الغربية ، الامر الذي اعطى للمحكمة وللبوليس السياسي ، فرصة انزال اشد العقوبات بالمعتقلين وصلت فيها الاحكام الى المؤبد . بعد المحاكمة مباشرة ، بدأت مجموعة " الى الامام " تبذل المجهودات من اجل تطويق وعزل أصحاب وجهة النظر المعارضة ، فاستعملت في ذلك كل الأساليب للوصول الى أهدافها . فسعت في البداية الى طمس الطابع السياسي للصراع ، وتقديمه وكأنه صراع اشخاص تحركه حزازات شخصية وذاتية . فبدأت المجموعة الأولى تروج دعايات مغرضة عن المعارضين لها ، من أصحاب الاتجاه الثاني ، متهمة إياهم بالتفسخ الأخلاقي والانهزام السياسي . وقد وجدت هذه الممارسات في البنية الفكرية والسياسية التي كانت سائدة وسط مجموعة " الى الامام " ، والعاطفين عليها مرتعا خصبا للازدهار . فبرزت الأفكار الستالينية الفاشية التي تدعو الى تصعيد الاضطهاد ، وعزل المعارضين على مستوى المعتقلين وعائلاتهم . وقد مورس هذا القمع وبأشكال بشعة خلال نهاية 1977 ، حين وصل مستوى الصراع الى المقاطعة الكلامية ، وحجز الاخبار السياسية عليهم ، وتفتيش امتعتهم وزنازينهم بشكل مستمر ، الى غير ذلك من اشكال الاضطهاد الستاليني والبوليسي التي استعملت في هذا الصراع . واذا كانت منظمة " الى الامام " قد حرصت منذ تأسيسها على تجاوز وتفادي التناقضات التي يمكن ان تظهر في صفوفها ، وكانت تحاول فرض انسجام بين أعضائها المرتبطين بها ، وخضوعهم الاعمى للفكر اليساري السائد داخلها ، ولم تتردد بذلك من ممارسة الاضطهاد السياسي والايديولوجي والتنظيمي مع المعارضين لفكرها وخطها السياسيين ، فإن من النتائج الطبيعية لهذا النهج الاستئصالي ، ان تصل المنظمة الى النهاية المأساوية التي وصلت اليها ، بخسائر وتضحيات اكبر ، أعادها الى نقطة البداية عندما كانت جنينا مجرد فكرة ، اي الى ما قبل 30 غشت 1970 ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فشل الدولة المزاجية التائهة البوليسية في غزوة طوكيو باليابان
...
-
ما يجب على الدولة البوليسية ، المزاجية ، التائهة ، المارقة ،
...
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
البوليس السياسي المدني اكثر من رديء
-
ماذا من وراء دعوة سفير النظام المخزني بالأمم المتحدة عمر هلا
...
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
هل تكون الگويرة سببا في اندلاع حرب بالمنطقة
-
أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي .
...
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الأمين العام للأمم المتحدة
...
-
5 غشت 1979 ذكرى انسحاب موريتانية من - وادي الذهب - ، وذكرى ا
...
-
ماذا يخطط لصراع الصحراء الغربية
-
أراك في عيون الغد المعلق
-
الغاية من الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء
-
الموساد الإسرائيلي
-
أي نظام سياسي صالح للمغرب ؟
-
هل حقا ان فرنسا ايدت الحكم الذاتي بالصحراء الغربية ؟
-
الأوراق الملعبة
المزيد.....
-
السعودية.. شقيقة الأمير الوليد بن طلال وابنة الأميرة منى ريا
...
-
البحرية الكورية الجنوبية تجري أول مناوراتها في 2025
-
عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع -نابليون العرب- توحيد المملكة
...
-
في ذكرى 6 يناير.. ذكريات الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي
...
-
عودة ترامب تربك حسابات أوروبا في علاقاتها بروسيا وأوكرانيا
-
عاصفة تهدد 62 مليون أمريكي
-
انهيار جسر في ولاية أوريغون أثناء مرور قطار شحن عبره (صورة)
...
-
أنقرة: نحو 40 ألف سوري عادوا من تركيا إلى وطنهم منذ الإطاحة
...
-
مشروب بثلاث مكونات قد يساعدك على -تنظيف القولون وفقدان الوزن
...
-
-آبل- تتوصل لتسوية بقيمة 95 مليون دولار في قضية التجسس على م
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|