أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - وجدة: من مشروع مدينة عصرية إلى قرية كبيرة














المزيد.....


وجدة: من مشروع مدينة عصرية إلى قرية كبيرة


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 8078 - 2024 / 8 / 23 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يشفع الموقع الجغرافي لمدينة وجدة من تبوؤها لمكانة رمزية كبيرة في تاريخ المغرب، خاصة في عصره الوسيط، ويكفي أنّها كانت في زمن عنفوان قبيلة زناتة، التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه أطماع الخلافة الفاطمية بعد دعم الخلافة الأموية الأندلسية لها، مركز حكم المغرب وعاصمته على يد زيري بن عطية.
يعود اختيار مدينة وجدة عاصمة للملك من طرف القائد المغراوي زيري بن عطية لعدة أسباب، منها الموقع الاستراتيجي الذي يخوّل له مراقبة ما يجري في المغرب الأوسط وما يقع في الشمال وما يدور في الجنوب. ومنها الجانب الطبيعي بحيث تتوفر المدينة على كل الأساسيات كوفرة المياه وخصوبة الأراضي، علاوة على كونها قريبة من موطن الأمير الأصلي (قبيلة مغراوة)، وما يعنيه من تسمك بالعصبية وذود عن الملك من جهة، وترسيخ لنفوذه السياسي واستقلاله بحكم المغرب من جهة أخرى.
ثم مع بداية الدولة المركزية القوية في تاريخ المغرب في القرن 11م، عمل المرابطون في إطار توسيع دائرة ملكهم على سحق مناوئيهم، والذي كان يأتي من جهة الشرق حيث موطن التكتل الزناتي. وبعد أن كانت مدينة وجدة مستعصية على الدولة المرابطية، جهّز الأمير يوسف بن تاشفين سنة 1081م بنفسه حملة كبيرة، والتي بلغ صداها بني يزناسن والمغرب الأوسط من مدينة وهران إلى مدينة الجزائر، وبذلك صارت تلمسان قاعدة للدولة المرابطية شرقاً، وحصناً حصيناً يحمي ظهر المغرب الأقصى من الهجمات الشرقية، وفقدت معها وجدة زعامتها السياسية، وأمست من أحواز تلمسان وتابعة لواليها.
وبعد ذلك، ظلت مدينة وجدة دائماً موطن القلاقل، ومسرحاً للصراعات الكبرى للدول المتعاقبة على تاريخ المغرب، بدءاً مع الموحدين ومروراً بالمرينيين والسعديين، ثم وصولاً إلى العلويين. إلاّ أنّ أكبر خطر واجه المدينة في القرن التاسع العشر، هو ترسيم الحدود الجغرافية، جرّاء هزيمة المغرب في معركة إسلي سنة 1844م، ومعاهدة لالة مغنية سنة 1845م، التي ستصير بموجبها مغنية تابعة للإدارة الفرنسية، وما يعنيه ذلك من حرمان القبائل الموجودة على سهل أنكاد من الرعي والانتجاع، بل وتفريق أواصرهم العرقية. وهكذا، صارت مدينة وجدة، وبحكم كونها باباً يربط المغرب بالمشرق، ونوعية موقعها الاستراتيجي بالنسبة للغازي الفرنسي، أول مدينة استعمرت في تاريخ المغرب المعاصر سنة 1907م.
عرفت مدينة وجدة في عهد الحماية دينامية ديموغرافية، نتيجة الجالية الأجنبية التي رافقت المستعمر، وكان من ضمنها الفرنسيون والإسبان والإيطاليون والألمان، زيادة على الجالية الجزائرية والطائفة اليهودية اللتين لعبتا دوراً مهماً في عملية التجارة والربط بين الساكنة الأصلية والأوربية. وعلى هذا النحو، وبعد استقرار الحياة في المدينة مع الحماية الفرنسية، تطورت التجارة والصناعة وتوسعت الإدارة، وتدفقت نسبة أعداد الجالية الأجنبية، ونشأت في مرحلة مبكرة من تاريخ المغرب المعاصر أول مدينة كولونيالية عصرية، يقول الباحث "ناجم مهلة" في هذا الصدد: "في سنة 1921 حطمت الأسوار الغربية والشمالية للمدينة من أجل توسيع المدينة الأوروبية التي سيصبح مركزها الشارع المؤدي الى الجزائر (محمد الخامس حاليا) والشارع المؤدي إلى محطة القطار القديمة (الدرفوفي حاليا)، ثم أنشئت محطة القطار (1928) أصبحت بمثابة الحدود الغربية للمدينة الأوروبية كما أنشئ حي صناعي في شمال المدينة وبنايات عمومية على طول الشارع الرئيسي (البريد والبلدية والخزينة).
كانت الفئة الراقية من الجالية الأوروبية تسكن وسط المدينة في فيلات واسعة ومسيجة وكانت هذه الفئة تتكون من موظفين كبار وتجار وأصحاب المهن الحرة. أما ذووا الدخل المحدود وأغلبهم من الاسبان فقد كانوا يسكنون حي الطوبة في الشمال والحي المجاور للثكنة في الجنوب وكانت دورهم متواضعة" (مجلة كلية الآداب وجدة ص174).
على هذا النحو، بدأت تلوح في الأفق بوادر تشكّل مدينة عصرية في شرق المملكة، بتركيبة إثنية متنوعة، وبمؤسسات حديثة، وبذهنيات متحضرة، ونمط عيش متمدن، ولكن سرعان ما أجهضت هذه الروح اليافعة بعد نيل الاستقلال، إذ حلّت البداوة مكان الحضارة نتيجة الهجرة القروية، وغابت الثقافة المدنية التي ورثها الوجديون عن الجالية الأوروبية، كاللّغة المهذّبة، واللّباس النّظيف والأنيق، وارتياد المقاهي ودور السينما، وتقلّصت الموسيقى الراقية من طرب غرناطي وأندلسي جميل، بعد أن كانت وجدة رائدة في هذا المجال، ويكفي أن أول جمعية مغربية أسست لهذا النوع من الطرب كانت بالمدينة سنة 1921، هذا بالإضافة إلى انتفاء الأسر الموسيقية الوجدية (مثال عائلة بوشناق)، وغياب الأجواق العصرية، واختفاء المسارح ودور الرياضة والشباب.
لقد صارت وجدة، بعد مسلسل التهميش والإقصاء، نموذجاً واضحاً لبَدْوَنَةِ المدينة ورَيْفَنَتِهَا، ومرتعاً خصباً لانتعاش كلّ أشكل البداوة بدءاً بالفكر والسلوك، وانتهاء بالذوق والعمران. وباتت بموجب ذلك قرية كبيرة، بعد توالي مسلسل الهجرات القروية من أحواز وجدة المهمّشة، وفتح الحدود بشكل عشوائي، وامتهان فئة من المجتمع التهريب/طراباندو، واغتناء أخرى بالتجارة في المحظورات، وما وازى ذلك من شراء العقارات، وبناء العمارات، ولو على حساب المساحات الخضراء، هذا بالإضافة إلى وجود سياسيين منتخبين لا همّ ولا غيرة لهم عن المدينة ومستقبلها. ويبقى السؤال المؤرق دائماً مطروحاً: من المسؤول إلى ما آلت إليه أحوال مدينة وجدة؟





#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم النافع والتعليم غير النافع
- نهاية الواعظ الديني وبداية المؤثر الاجتماعي
- في نقد مفهوم -المجتمع التراحمي-: المسيري نموذجاً
- مجتمع الكر... نحو نموذج تفسيري جديد
- البحث العلمي تحت مجهر الأنثروبولوجيا
- زمن المؤخرات السائلة
- الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية
- رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية
- المُثَقّفُ المنشود في رواية -عبد الرحمن والبحر- لخالد حاجي
- في ضيافة بيت العنكبوت: من بيت من وهن إلى بيت من زجاج
- الكَهْفُ الافتراضي: هل فكرنا يوماً في السوشيال ميديا أَمْ عَ ...
- الجنس البارد
- نوستالجيا -سيد لميلود-
- في الحاجة إلى تعليم ذكوري
- المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد


المزيد.....




- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - وجدة: من مشروع مدينة عصرية إلى قرية كبيرة