|
رنين المعول رؤى نقدية ج4
كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8077 - 2024 / 8 / 22 - 10:08
المحور:
الادب والفن
مذكرات الامريكية ليالاكس : كسر القيود الدينية واكتشاف الذات .
( لقد تغلغلت في اعماقي محاولة ان التقط الحقيقة باقصى ما استطيع ) هكذا تقر الكاتبة الامريكية ليالاكس في مذكراتها التي تربو على 400 صفحة . في 22 فصلا تروي كيف تمكنت من هجر الحياة > , وعادت اخيرا للوطن وتعني به ذاتها .لقد رسمت حالة الرضا عن النفس في تغيير حياتها ومعنى ايمانها . بدات كتابة سيرتها منذ 1975وهي سنة زواجها (لم اكن الاحظ الخواء الناتج من غياب رغبتي لان الخواء لا يصدر صوتا ), لقد دام هذا الخواء 30 عاما حتى اكتشفت بانها سلبت مشاعرها وعقلها وارادتها ...(حياتي كانثى : لحظات الخيبة او السخط او الفرح هي ذروة وقتية للنمو الذي يتلاشى , اما م انقضاض الامومة , التفاصيل, الاحتياجات اليومية التي تستحق احساسي بالذات وتجعل ذلك النمو غير مهم في الوقت الذي تاتي فيه لحظات اخرى كهذه تكون اللحظة السابقة قد اوشكت على الانتهاء, لا نماء لا تغيير تدريجيا انني اتصرف وفقا لسطور مكتوبة , لا اتفاعل , الاحظ مشاعر اطفالي ولا اتفاعل . تستطرد لرسم تعاليم <الحسيدية > : تحت تاثيرها حرف نظرنا عن الاهتمام بالدراسة الجامعية لنوجه الى الحياة الربانية . تقول ( شهدنا في الجامعة طلبة من يسمون بمجانين المسيح .. شعور هيبية وعيون تاثرت بالمخدرات في الحرم الجامعي وبايديهم كتيبات مسيحية وهناك طلاب مسلمون يحتجون على شاه ايران وغيرهم من التجمعات . وتكتب (النساء يمتهنن الكتابة ويكتبن بصوت الرجل فيحضضن النساء على الالتزام بالحدود ..لكني كلما كتبت حول المراة اصبحت اكثر انفصالاعن الجماعة .. لقد اعتقدت ان الزواج هروب من الوحدة ولهذا هو مرادف للقداسة ). تصف ليالاكس لحظات المخاض: (اني اتنفس واعدّ اترقب رفس الطفل اوج الانفعال مزيد من التنفس ثم مجددا ومجددا حتى يصدر صوت كالزمجرة من مكان لا اميزه لكنها انا ..ثم تعقبه قوة لم اعرف من اين امتلكتها تدفع الطفل للخارج بحركة اندفاع حيوانية ) بعدها تكتب (انه صبي ,متى سيحلون وثاق يدي ويتاتى لي ان اضحك.. اطراف اناملك نقاط مدورة ,بشرة كالهمسة , شعر كزغب الطيور ,حاجبك الصغير المجعد, ساعمل جهدي لاجعل أي مكان فيه منزلا تتمكن فيه من الازدهار, تجد وجهي ,تتلاقى اعيننا واسكب كل ذهبي فيك .. لن اتركك ابدا ) . وهي توجه رسالة ساطعة الى النساء المحجبات اللواتي لا يعتقدن بان لديهن القدرة على < الغربلة >أي استخلاص الافضل من الدين (واجهي الذنب والعار الذين يستخدمها البعض اداة للدين .. خذي الحكمة والالهام والجمال واتركي الباقي ). وفي تغلغل سيكولوجي لعلاقتها الاخص والحميمية مع زوجها ليفي : (لا اعرف معنى ان اشتهيه ,بل اعلم انه يجب علي فعل ذلك , وجه -ليفي- حنون وخطوه متلهف ... انتابتني وخزة صغيرة من الخوف عندما تسلط ثقله المفاجيء على السرير , تسارع ياخذ انفاسي ,عندما اتقرب اليه اسعى للامل بان يمسك بي ويبقيني معه ليحميني وان اتمكن من الوثوق به لاجل ذلك < الحماية > وعلي ان احبه واسلم له نفسي , وان لم يكن بداخلي أي ارتعاش لرجل . ). <من منطلق الحب يا اخواتي اقدم لكن افواه> هكذا تختتم ليالاكس مذكراتها العميقة . حصلت ليالاكس على الماجستير من جامعة هيرستن .. ناشطة في حقل الدفاع عن الحقوق المدنية .. قال عن مذكراتها الكاتب ليفي رافائيل (انها قصة التوق العالمي لاكتشاف الذات الاصيلة والاحتفاء بها ) ــــــــــــــــ الحسيدية -حركة الحاسيديم : حركة روحانية اجتماعية يهودية نشات بالقرن ال 17 ويعد بعل شيم توف مؤسسها ونشرها في انحاء شرق اوربا .
بول اوستر :ابتكار العزلة مذكرات افتراسية
من ايام اعلنت الكاتبة سيري هاستفيت زوجة الروائي والمخرج الأمريكي، بول أوستر، بأنه يخضع للعلاج من مرض السرطان. اثاراتهام أوستر لوالده بالبخل - في "اختراع العزلة"- غضب عائلته فكذبته، ما جعله يفسر في "تباريح العيش" لاحقاً، بقوله: "لقد ترعرعت في عائلة بورجوازية، وعشت طفولة ميسورة، ولم أعانِ أبداً من أي نقص أو حرمان يزهق غالبية البشر. لكن على رغم اليسر فإن المال كان موضوع المناقشات والهموم المتواصلة ,عاش والداي الأزمة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية ، ولم يبرأ أي منهما من هذه الأزمنة العصيبة بصفة نهائية. تركت تجربة العوز آثارها فيهما، وكان كل واحد منهما يحمل جرحها على طريقته. كان أبي مقتصداً وما انفكت ذكرى الفقر تلازمه. أما أمي، فكانت تعشق طقوس الاستهلاك. وكانت على غرار الأميركيين تمارس التسوق بوصفه وسيلة للتعبير". في مقابلة مع "الغارديان" البريطانية، بيّن أوستر الدور الكبير الذي تلعبه السير الذاتية في حياة القراء. إنها رحلة استكشاف للذات وليست استعراضاً لها على الملأ. تطفل البطل لمنزل ابيه الذي عاش فيه وحيدا مدة 15سنة , فعلم بانه لم يجر عليه أي تغيير .. و ان ما كان يحكمه هو الاهمال لا الذكريات .. فبعد انفصاله عن زوجته صار الوقت الذي يستغرقه داخل المنزل يتناقص .. فالمنزل مكان للنوم فقط .. انه خارج مفاهيم باشلار بكتابه جماليات المكان اذ قال > , وقد راى الابن المتطفل على بيت ابيه بان الاهمال الجلي للبيت هو انعكاس للسلوك الذهني فقد مر بحالات تفسخ تدريجي فاثاث الغرفة مطمور بالعناكب , تتلبس فرن المطبخ قطع من طعام محروق ,علب طحين موبوءة , اكياس سكر تكلست .... كان يجيب ان حثه اصدقاؤه على ترك المنزل (انا سعيد هنا ). هذا البيت اشتراه ابوه بثمن مرتفع وكان ذا مواصفات هندسية راقية وبعد فترة قصيرة انفصل الزوجان ومضى الولد للكلية واستانفت الام حياة جديدة ومعها اخته ...وحده الاب مكث بالبيت الشاسع . هو يرفض بيع البيت لاسباب منها الاتفاق مع الزوجة اثناء الطلاق ينص على ان للزوجة ملكية نصف البيت وفي حال بيعه لها نصف السعر ..او لان الاب يرفض بضميره تغيير حياته او بسبب كسله وفتور في مشاعره من اتخاذ أي قرار.
الكاتب يروي حادثا غريبا حدث بعد انتقالهم لمنزلهم الجديد بوقت قصير ... قاد سيارته وبدلا من قيادتها لمنزله ذهب بها لمنزله القديم ودلف من باب خلفي وصعد الدرج واستلقى على الفراش وحين اكتشفت وجوده المالكة الجديدة بعد ساعة من نومه اصيبت بالهلع لكن الاب لم يقفز فزعا ولم يهرب وتوضح الامر اخيرا وضحكا . هنا يندفع الابن بتحليل هذه الظاهرة فيقول . لم يجر أي تغيير في المنزل اثناء سنوات الوحدة التي قضاها لم يضف اثاثا ولم يزل ايا منها , لم يبدل اصص الزهور ولم ير فساتين امي التي خزنها في العلية ليس لرغبة باحتفاظه بالبيت كمتحف بل لجهل شاسع بشان حالته الرثة . يدخل الابن للمنزل بسلوك وعيون محقق بوليسي او عالم اثار .. فمن خلال مخلفات البيت يحاول ان يبني الهيكلية السيكولوجية لابيه المنعزل والمتكتم تماما . كان المنزل سريرا للنوم فقط وان الافتقار الى مكان يرتكز اليه حوّله الى متجول دائم , وسائحا في حياته نفسها فلم يعرف الاستقرار . واقر الابن بان الاهمال في المنزل هو تجسيد لحالة ابي الذهنية . كانت مستقبلاته للمسرات والالم متكلسة .. فلا يعرب عن ذلك لا بايماءات ولا بحركات جسدية ولا بالنطق ..لقد تدرب بما يكفي ليغلف ذاته عن الجميع ..وتحجرت مشاعره فكفاه عشر دقائق ليلقي نظرة على ولده البكر الوحيد ويختفي ولم يستجب لاستغاثة زوجته قبيل المخاض فلم يكن جوارها ما دفعها للاستعانة بزوج اختها لتقلها الى المشفى . ان اكثر الاشياء رهبة هو مواجهة اغراض رجل مات الاشياء تهمد لان معناها كامن بدورها خلال حياة صاحبها ,عندما يموت يجري عليها تحول ما , انها اشباح ملموسة محكومة بالبقاء في الحياة في عالم لا تنتمي اليه .ما الذي يثير تامله في حزم هاربة من الواقيات الذكرية متناثرة في ادراج تحتشد بالملابس الداخلية , ماذا عن شفرة حلاقة تجلس في الحمام لا تزال مسدودة ببقايا شعر ذقن بعد اخر حلاقة .او درزن من اصباغ الشعر. لا تعني الاغراض شيئا بذاتها فهي ادوات طبخ لحضارة بادت لكنها رموز الخلوة التي يتخذ فيها رجل قرارات بخصوص نفسه : هل يلون شعره ؟ هل يلبس هذا القميص او ذاك هل يبقى او يرحل .. يشعر الابن وهو ينقب في الاغراض والمخلفات بانه طفيلي , لص يفتش في اماكن سرية . بعد عشرة ايام تم تنظيف البيت واعداده لمالكيه الجدد كان وقتا غريبا هزليا بجداره .كانت زوجته معه خلال ذلك وابنه دانيال 18 شهرا . كان ينام مع زوجته بلحاف واحد , يشهدان افلاما رديئة من شاشة تلفاز قبل بيعه : واجها انقطاع الكهرباء وعطل السخان اما طفلهما فكان سعيدا يجري منقبا وعابثا بالسلع الانقاض ..فجاة يرن الهاتف فيرد عليه : ابي قد مات .. لقطة فاجعة .لقد تحول بائع اثاث تحول المنزل الى سلسلة كوميدية فالاقرباء يصلون ليستولوا على اواني وملابس يقلبون الصناديق ويثرثون , واقبل المزايدون لتفقد البضاعة <الاثاث لا يساوي قرشا > يقولون ويرفعون انوفه ويخرجون ..ياتي جامعو القمامة لينقلوا تلالا من من الاغراض ,عمال الوقود قرؤوا العداد واتى عامل اعداد الغاز ليقيس , كما فعل عامل مصلحة المياه ... احد في الماضي اذاقه الاب وقتا عصيبا لسنوات قال (والدك كان بغيضا ودنيئا ). لكن مثل هذا الرجل الذي مات المقنع سلوكا حتى الشبحية كيف يفعل وهو يخطب امراة للاقتران .. هل ستتحرك فيه المشاعر او يقدم لها زهرة او يتلو شعرا رومانسيا ..بعد اسابيع من الزواج ستشعر امراته بانها دخلت كمينا وان زوجها لا يمكن العيش معه .. لكنها عادت للمنزل وبقيت سنتين لان نطفة تحركت في بطنها وسيلد بكرها وستبقى تحتمل بسبب قوة الامومة . يكتشف الابن مغامرات ابيه ويفسر من سلوكه بالبوم الصور ما كان غامضا ويصعب استيعابه .. من الامور المفزعة ان تصل بنت جاره فتلعب مع صغيره ثم ترفع سماعة التلفون وتقول له < بول انه والدك يريد التحدث اليك > ما يجعله في هزة عميقة .
ــــــــــــــــــــــــ بول اوستر كاتب ومخرج أمريكي مولود في 3 فبراير 1947. كتب في أدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية , وتحلى بشجاعة فائقة باضاءة احداث بالمذكرات قلما يتمكن منها كاتب .. أبرز أعماله ثلاثية نيويورك (1987)، قصر القمر (1989)، موسيقى الصدفة (1990)، كتاب الأوهام (2002) و حماقات بروكلين (2005)..
بول اوستر :ابتكار العزلة مذكرات افتراسية
من ايام اعلنت الكاتبة سيري هاستفيت زوجة الروائي والمخرج الأمريكي، بول أوستر، بأنه يخضع للعلاج من مرض السرطان. اثاراتهام أوستر لوالده بالبخل - في "اختراع العزلة"- غضب عائلته فكذبته، ما جعله يفسر في "تباريح العيش" لاحقاً، بقوله: "لقد ترعرعت في عائلة بورجوازية، وعشت طفولة ميسورة، ولم أعانِ أبداً من أي نقص أو حرمان يزهق غالبية البشر. لكن على رغم اليسر فإن المال كان موضوع المناقشات والهموم المتواصلة ,عاش والداي الأزمة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية ، ولم يبرأ أي منهما من هذه الأزمنة العصيبة بصفة نهائية. تركت تجربة العوز آثارها فيهما، وكان كل واحد منهما يحمل جرحها على طريقته. كان أبي مقتصداً وما انفكت ذكرى الفقر تلازمه. أما أمي، فكانت تعشق طقوس الاستهلاك. وكانت على غرار الأميركيين تمارس التسوق بوصفه وسيلة للتعبير". في مقابلة مع "الغارديان" البريطانية، بيّن أوستر الدور الكبير الذي تلعبه السير الذاتية في حياة القراء. إنها رحلة استكشاف للذات وليست استعراضاً لها على الملأ. تطفل البطل لمنزل ابيه الذي عاش فيه وحيدا مدة 15سنة , فعلم بانه لم يجر عليه أي تغيير .. و ان ما كان يحكمه هو الاهمال لا الذكريات .. فبعد انفصاله عن زوجته صار الوقت الذي يستغرقه داخل المنزل يتناقص .. فالمنزل مكان للنوم فقط .. انه خارج مفاهيم باشلار بكتابه جماليات المكان اذ قال > , وقد راى الابن المتطفل على بيت ابيه بان الاهمال الجلي للبيت هو انعكاس للسلوك الذهني فقد مر بحالات تفسخ تدريجي فاثاث الغرفة مطمور بالعناكب , تتلبس فرن المطبخ قطع من طعام محروق ,علب طحين موبوءة , اكياس سكر تكلست .... كان يجيب ان حثه اصدقاؤه على ترك المنزل (انا سعيد هنا ). هذا البيت اشتراه ابوه بثمن مرتفع وكان ذا مواصفات هندسية راقية وبعد فترة قصيرة انفصل الزوجان ومضى الولد للكلية واستانفت الام حياة جديدة ومعها اخته ...وحده الاب مكث بالبيت الشاسع . هو يرفض بيع البيت لاسباب منها الاتفاق مع الزوجة اثناء الطلاق ينص على ان للزوجة ملكية نصف البيت وفي حال بيعه لها نصف السعر ..او لان الاب يرفض بضميره تغيير حياته او بسبب كسله وفتور في مشاعره من اتخاذ أي قرار.
الكاتب يروي حادثا غريبا حدث بعد انتقالهم لمنزلهم الجديد بوقت قصير ... قاد سيارته وبدلا من قيادتها لمنزله ذهب بها لمنزله القديم ودلف من باب خلفي وصعد الدرج واستلقى على الفراش وحين اكتشفت وجوده المالكة الجديدة بعد ساعة من نومه اصيبت بالهلع لكن الاب لم يقفز فزعا ولم يهرب وتوضح الامر اخيرا وضحكا . هنا يندفع الابن بتحليل هذه الظاهرة فيقول . لم يجر أي تغيير في المنزل اثناء سنوات الوحدة التي قضاها لم يضف اثاثا ولم يزل ايا منها , لم يبدل اصص الزهور ولم ير فساتين امي التي خزنها في العلية ليس لرغبة باحتفاظه بالبيت كمتحف بل لجهل شاسع بشان حالته الرثة . يدخل الابن للمنزل بسلوك وعيون محقق بوليسي او عالم اثار .. فمن خلال مخلفات البيت يحاول ان يبني الهيكلية السيكولوجية لابيه المنعزل والمتكتم تماما . كان المنزل سريرا للنوم فقط وان الافتقار الى مكان يرتكز اليه حوّله الى متجول دائم , وسائحا في حياته نفسها فلم يعرف الاستقرار . واقر الابن بان الاهمال في المنزل هو تجسيد لحالة ابي الذهنية . كانت مستقبلاته للمسرات والالم متكلسة .. فلا يعرب عن ذلك لا بايماءات ولا بحركات جسدية ولا بالنطق ..لقد تدرب بما يكفي ليغلف ذاته عن الجميع ..وتحجرت مشاعره فكفاه عشر دقائق ليلقي نظرة على ولده البكر الوحيد ويختفي ولم يستجب لاستغاثة زوجته قبيل المخاض فلم يكن جوارها ما دفعها للاستعانة بزوج اختها لتقلها الى المشفى . ان اكثر الاشياء رهبة هو مواجهة اغراض رجل مات الاشياء تهمد لان معناها كامن بدورها خلال حياة صاحبها ,عندما يموت يجري عليها تحول ما , انها اشباح ملموسة محكومة بالبقاء في الحياة في عالم لا تنتمي اليه .ما الذي يثير تامله في حزم هاربة من الواقيات الذكرية متناثرة في ادراج تحتشد بالملابس الداخلية , ماذا عن شفرة حلاقة تجلس في الحمام لا تزال مسدودة ببقايا شعر ذقن بعد اخر حلاقة .او درزن من اصباغ الشعر. لا تعني الاغراض شيئا بذاتها فهي ادوات طبخ لحضارة بادت لكنها رموز الخلوة التي يتخذ فيها رجل قرارات بخصوص نفسه : هل يلون شعره ؟ هل يلبس هذا القميص او ذاك هل يبقى او يرحل .. يشعر الابن وهو ينقب في الاغراض والمخلفات بانه طفيلي , لص يفتش في اماكن سرية . بعد عشرة ايام تم تنظيف البيت واعداده لمالكيه الجدد كان وقتا غريبا هزليا بجداره .كانت زوجته معه خلال ذلك وابنه دانيال 18 شهرا . كان ينام مع زوجته بلحاف واحد , يشهدان افلاما رديئة من شاشة تلفاز قبل بيعه : واجها انقطاع الكهرباء وعطل السخان اما طفلهما فكان سعيدا يجري منقبا وعابثا بالسلع الانقاض ..فجاة يرن الهاتف فيرد عليه : ابي قد مات .. لقطة فاجعة .لقد تحول بائع اثاث تحول المنزل الى سلسلة كوميدية فالاقرباء يصلون ليستولوا على اواني وملابس يقلبون الصناديق ويثرثون , واقبل المزايدون لتفقد البضاعة <الاثاث لا يساوي قرشا > يقولون ويرفعون انوفه ويخرجون ..ياتي جامعو القمامة لينقلوا تلالا من من الاغراض ,عمال الوقود قرؤوا العداد واتى عامل اعداد الغاز ليقيس , كما فعل عامل مصلحة المياه ... احد في الماضي اذاقه الاب وقتا عصيبا لسنوات قال (والدك كان بغيضا ودنيئا ). لكن مثل هذا الرجل الذي مات المقنع سلوكا حتى الشبحية كيف يفعل وهو يخطب امراة للاقتران .. هل ستتحرك فيه المشاعر او يقدم لها زهرة او يتلو شعرا رومانسيا ..بعد اسابيع من الزواج ستشعر امراته بانها دخلت كمينا وان زوجها لا يمكن العيش معه .. لكنها عادت للمنزل وبقيت سنتين لان نطفة تحركت في بطنها وسيلد بكرها وستبقى تحتمل بسبب قوة الامومة . يكتشف الابن مغامرات ابيه ويفسر من سلوكه بالبوم الصور ما كان غامضا ويصعب استيعابه .. من الامور المفزعة ان تصل بنت جاره فتلعب مع صغيره ثم ترفع سماعة التلفون وتقول له < بول انه والدك يريد التحدث اليك > ما يجعله في هزة عميقة .
ــــــــــــــــــــــــ بول اوستر كاتب ومخرج أمريكي مولود في 3 فبراير 1947. كتب في أدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية , وتحلى بشجاعة فائقة باضاءة احداث بالمذكرات قلما يتمكن منها كاتب .. أبرز أعماله ثلاثية نيويورك (1987)، قصر القمر (1989)، موسيقى الصدفة (1990)، كتاب الأوهام (2002) و حماقات بروكلين (2005).
كازو المتوج بنوبل بقايا اليوم التخلي عن الذات لاجل الخدمة .
من سنتين غادرت قراءتها بعد 20 صفحة .. لم ترق لي .. ولاني احارب عاداتي القرائية واحورها باستمرار فقد عدت للرواية بعد يومين اذ انا امام رواية تمكنت من اجتيازامتحان التاريخ وتخلدت . رواية تتناول رئيس الخدم -ستيفز - يعمل في دار لنجتون هول البريطاني ..الذي يفني عمره في خدمة صاحب الدار اللورد البريطاني , المؤثر بقوة في مجرى السياسة البريطانية .. متخليا عن اية احلام سوى المهنية , كابتا عواطفه مشغولا عن العالم الا احداث القصر ..وهو يرى انه بتفانيه بخدمة اللورد سيساهم بخدمة انكلترا . حين توج بجائزة نوبل 2017 رسمت الاكاديمية السويدية انجاز كازو ب (كشف الهاوية التي تقف تحت شعورنا الوهمي بالاتصال بالعالم في روايات تمتلك قوة عاطفية عظيمة ). وعلى القارئ ان يتعامل بحذر مع التوصيفات السويدية لحاصدي نوبل ..لان اهم ما يميز باولو ايضا هو تناوله لشخصيات بعيدة عن التناول ويشبعها بحثا .. ان الكتابة عن مثقف اسهل بكثير من الكتابة عن مثل هذه الشخصيات ..مثلا ان كان البطل حوذيا فانت محدد بالبحث او كان شاعرا او كاتبا فبامكان المؤلف ان يزج بافكار ثقافية وفيرة ما يسهل عليه مهمته . يضعك الكاتب في بقايا اليوم امام ازمة حقيقية ذاتية وموضوعية من السطور الاولى .. فانت امام جشع رأسمالي واضح فقد تحولت ملكية الدار لغني امريكي وطلب من رئيس الخدم ان يسرح الخدم وان يعتمد على 4 اشخاص .. تصور حال ستيفر وقد كان يدير القصر ب17 فردا و28 في بعض الاوقات ...كيف سيحافظ على الفخامة في القصر والخدمة الفائقة .. ولعل المالك الجديد التقط الحرج من ملامح ستيفر فقال له -تتمكن من اضافة خادم خامس وان تستعين ببعض يعملون بالقطعة , مؤقتين -.. انه اول ادانة للجشع الرأسمالي , اربعة بدل عشرين . ويطلب منه ان يتمتع باجازة ليرى جمال الريف الانكليزي وللتشجيع يطمئنه -الوقود على حسابي - هذا الموقف تزامن مع رسالة مهمة من زميلته في العمل انسة كنتيون ـ التي عملت معه لعشر سنين ـ وقد غادرت الدار لتتزوج ..اذن يمكنه ان يقصدها فيقنعها بالعودة الى العمل . وبين الاستذكار للقصر انكليزيا وامريكيا تشتغل الذاكرة والمقارنة بين حضارتين مختلفتين واسلوبين متغايرين بالتعامل مع الاحداث ..ويتم تسليط الضوء على التغيرات الاخلاقية .. كان ستيفز قد ركز كل طاقته الفكرية والنفسية لانجاح الخدمة ربما هو يرى بهذا النجاح نجاحا للامة ..لهذا توّج باعلى درجات ضبط النفس والاداء الاداري الفائق . لكنه خلال ذلك ينسى نفسه فيهمل الانسة كنتيون ولا يعبر لها عن مشاعر, لقد كبح نفسه بجدارة .. ولم يمض لاغماض عين ابيه الميت بل كلف زميلته بذلك ..وهو معهم بالقصر لانهماكه بتادية خدمة في اجتماع مهم ضم اصحاب هتللر وانكليز وفرنسيين . تتحدث الرواية عن زمن كانت البشرية فيه على شفا حفرة .. وان القبضة الهتلرية الصلبة في طريقها لاكتساح العالم . فهل كانوا محقين عندما ادين اللورد البريطاني بالتواطيء ..وهل استجابت لكبير الخدم زميلته حين دعاها للعودة وما سر تفاني الاب وهو يؤدي خدمة بالقصر اعتادها لكنه تلكلأ بها بسبب العمر. اسئلة تلح ان تقرأ الرواية لتستكشف اعماقها .ورغم ان تراخيا يحدث في الرواية نسبيا الا ان قوة الاحداث لا تدعك تتمكن من الفكاك من سلسلتها التي تسحك بقوة . اثناء تسلم كازو نوبل ذكر ( لوالتقيتم بي سنة 1979 ربما لوجدتم صعوبة بالتصنيف حولي من الناحيتين : الاجتماعية والعرقية .. كان محقا فقد نجت امه من القنبلة الذرية على اليابان وانتقلت عائلته الى لندن سنة 1960 لكنه لم يحصل على الجنسية البريطانية الا 1982 ورغم ان تربيته صارمة ـ فكانت عائلته تشترك بسلسلات تعليمية وادبية يابانية وتطلعه عيها ليشد الى بلده ـ فانه لم يزر اليابان الا متاخرا ما خلق لديه ما يمكن تسميته -دسنتر سيلف - الفجوة النفسية . حولت الرواية الى فلم بنفس العنوان ادى دور رئيس الخدم الممثل الاوسكاري انتوني هوبكنر , ما اكسب الرواية شهرة اعظم. ــــــــــــــــــــــــــ ولد كازو 1954 باليابان , انهى الماجستير في الكتابة بالفنون الابداعية بانكلترا ..له اكثر من 8 روايات مترجمة, من رواياته : (من لا عزاء له - لا تدعني ارحل -بينما كنا يتامى صدرت في سنة 2000 -ورواية كلارا 2021. كتب بقايا اليوم بشهر واحد وقد اغلق هاتفه وانعزل حتى اتمها . رشحت رواياته لاكثر من 40 جائزة عالمية .
عود ثقاب دعوة لجمع ما كتب عن البريكان .
( انا تخليت امام الضباع والوحش عن سهمي لا مجد للمجد فخذ يا ضياع حقيقتي واسمي .. البريكان ) ستمر علينا قريبا ذكرى رحيل الشاعر المفكر الرائد محمود البريكان (1931_ فبراير 2002) ومن المتوقع ان تنضم اتحادات الادباء والمراكز الثقافية مهرجانات بهذه المناسبة . كل ذلك لا ينفع سوى انها عرفان بالجميل . الاهم ان تتشكل لجنة من الكتاب والمحققين لوضع كتاب يضم كل ما كتب عنه . في كل عام اوجه هذه الدعوة ولا احد يستجيب . وقد سبقني لذلك عميد الادب العربي طه حسين فخاطب المثقفين والكتاب والمحققين بان المهرجانات لا تفيد ابا المعري بل كتاب يجمع كل ما كتب عنه . في الذكرى الألفية لرحيل أبي العلاء المعري أقامت سوريا احتفالية كبيرة بهذه المناسبة في أوائل العام 1944، وقبل شهر من الموعد المحدد لها تشكلت في القاهرة لجنة من كبار محققي التراث العربي والإسلامي برئاسة د.طه حسين وعضوية كل من الشيوخ والدكاترة: عبد الرحيم محمود، إبراهيم الإبياري، عبد السلام هارون، مصطفى السقا، حامد عبد المجيد، وشرعوا بالبحث والعمل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
عكفت اللجنة على تحقيق آثار أبي العلاء تحقيقا علميا فنيا، وضبطها وشرحها، من أجل العمل على نشر كل ما كتبه الفيلسوف بنفسه، وكل ما كتب عنه بأقلام القدماء.
وقد استطاعت اللجنة في أول عهدها إخراج مجلد ضخم بعنوان: «تعريف القدماء بأبي العلاء» يبلغ اكثر من 700 صفحة ، أعقبته بخمسة مجلدات من شروح ديوان «سقط الزند». ان كتاب البريكان عن الرازي يضعه في عداد المفكرين وهو لم ير النور لكنه حدثني عنه وكتابه في التعليم رغم اختزاله وكثافته يعكس المعرفة التربوية وكتابه في الموسيقى فريد من نوعه لانه يصحح ترجمة المصطلحات العربية بالموسيقى , فضلا عن عشرات المجاميع الشعرية التي تنتظر الافراج عنها .
البريكان لم يكتب عنه في حياته الا ما ندر لكن بعد موته الّفت حوله كتب عدة وعدد من الاطاريح الجامعية ومئات المقالات . ان عدم نشر ديوان للبريكان طيلة عقود وعزلته الادبية واصراره على العمل ضد مصالحه حسب قوله ساهم بتواري ادبه عن الكثيرين . مؤخرا وبعد يأس من اتحاداتنا ومنتديانتنا الادبية ومراكز البحوث الثقافية بدأت اوجه دعوتي لكتاب وباحثين من خارج العراق .. وقد وجدت استجابة اولية رغم ان بعضهم ذكر صعوبة المهمة نظرا للناحية القانونية حيث ينبغي الاستئذان ممن كتبوا عن البريكان .
محنة المثقف العربي امام وهن الترجمة
في لقاء معه قال الصحفي محمد حسنين هيكل (لقد خجلنا ونحن نجيب الوفد الصيني ـــ وقد ترجم من العربية عشرات الالاف من الكتب ـــ لاننا ترجمنا عددا ضئيلا من عناوين الكتب الصينية .). احتفل الملتقى الدولي الثالث للترجمة في 2006 بمشاركة 200 باحث عربي واجنبي بصدور الالف كتاب الاولى في المشروع القومي للترجمة الذي يتبناه المجلس الاعلى للثقافة في مصر منذ 1995 .. فهل يكفي هذا ؟!...يتمكن عدد من المثقفين الاطلاع على الاداب والعلوم العالمية ان كانت باللغة الانكليزية , وماذا عن اللغات الاخرى . لقد انشأ د. حسن حماد , عالم الاداب المصري ليترجم للادباء الشبان الى الالمانية , لكنها تبقى جهودا فردية دون مستوى الطموح . في الجهة الاخرى .. الكتب العربية المترجمة الى اللغات خاصة الانكليزية ضئيلة جدا ما يحرم الكاتب العربي من فرصة الحصول على جوائز عالمية .. فخلال ( 2011 ــــ 2015 ) ترجم252عملا , رغم ان المختصين في الترجمة مثل يرون تحسنا في اعداد الكتب العربية المترجمة . وربما كانت موافقة نجيب محفوظ على نشر اعماله بالانكليزية احدى اسباب تتويجه بجائزة نوبل . هنالك دول عربية ثرية -الخليج حصرا -تقع عليها مهمة الدعم لمشاريع الترجمة . وقد خطا العراق متقدما في حقل الترجمة في العهد السابق ثم انتكست الترجمة ..فقد تاسست - دار المأمون - للترجمة والنشر في العراق سنة 1980 حيث شهد العقدان -- الثمانينيات والسبعينيات --انطلاقة نوعية موفقة . ان بقيت الدول العربية واهنة في مجال الترجمة فما على المثقف الا ان يصعد التل ويراقب تطور الذكاء الصناعي لعله ينجب مترجمين فعالين يعوض عن فقرالترجمة لدى البشر .
النوبلية اليس مونرو : الغور في روح المرأة
(اذا تركت المراة الحزن لدقيقة واحدة فانه سيعود ليغريها بقوة اكبر عندما يصدم بها مرة اخرى - اليس ) ..(السعادة الدائمة هي الفضول -مونرو ) . هذان الاختياران يستحقان ان يكوّنا دليلا يقود لجغرافية القاصة الكندية اليس مونرو المتوجة بجائزة نوبل 2013 . ورغم ان الكثير من الكتاب غادر القصة القصيرة وتوجهوا لكتابة الرواية فانها ظلت وفية لخطها الاسلوبي فلم تغادر حقل القصة القصيرة .. وقد اصدرت 14 مجموعة قبل ان تعلن توقفها عن الكتابة . في مجموعتها (الحياة العزيزة ) ـ صدرت 2012 بالنص الانكليزي .. ت نهلة الدربي , 15 قصة تعكس خيبة المراة ومحنتها وهي تواجه النهاية الماساوية للحب .. وتلك النسوة والفتيات المهمشات الذين يتشبثن بصعوبة في الحياة التي غدرت بهن ..وذلك الوصف الحي للريف والحياة فيه .. والرجال الذين لا يبالون بالنساء , المجموعة لا تبهرك بقوة البلاغة او اللغة الشعرية كما ترى ذلك لدى ماركيز وغيره .. لكنها ترسم حياة مكثفة لحيوات بسطور لا تتعدى اصابع اليد تضعك امام مشهد عميق لتلك الارواح وماسيها وتطلعاتها وخيباتها .. فكثير من الشخصيات تظهر في قصصها ظهورا برقيا لكنه يعصر روحك ويضعك امام شبكة من الاسئلة التي عليك انت الاجابة عليها او فك طلاسمها .كل ذلك يجري عبر رادار سيكولجي يكشف اعمق الخلايا في روح الانسان خاصة المراة . تقول مونرو .. وحتى عندما تستقل القطار عائدة لمدينتها تفكر بكل لحظة ان ترمي نفسها وتمضي اليه ليوضح الموقف .. لكن ذلك يشعرها بالخزي ..وربما هذا الموقف تمر به كل النساء بالعالم عندما يهجرهن الرجل دون ان يقدم سببا او اعتذار . ان مونرو بكل قصصها تجعلك تكتشف اشخاصا جوارك او في موقع عملك او الاسواق , لهم حياة عميقة لكنك لا تنتبه اليهم . وصفت الاكاديمية السويدية مونرو <افضل من كتب القصة القصيرة في العصر الحديث >. من اعمالها (الدب القادم من الجليد -تحولت فلما -المتسولة-حب امراة طيبة -الهروب -حياة الصبايا والنساء ).
البعثة المصرية لليمن لكشف مخطوطات المعتزلة
تعد اليمن من اكبر المناجم للمخطوطات .. خاصة ما يتعلق بفرقة المعتزلة التي ظهرت اخر العهد الاموي وازدهرت بالعهد العباسي كفرقة كلامية قدمت العقل على النصوص . واحد اسباب انتشار هذه المخطوطات باليمن هو تقارب نهج الزيدية مع المعتزلة ..وتتباين الاحصائيات حول المخطوطات اليمنية , منهم من يقدرها ب 80 ألف مخطوطة والبعض يعدها ما يقارب المليون نسخة .وبفضل الامامين :احمد بن سليمان ت 566 ه ــ وعبد الله بن حمزة ت 614 ه فقد ارسلا وفودا لجمع وجلب كتب الزيدية والمعتزلة من العراق وبلاد الجيل والديلم - شمال ايران - . عبر التاريخ العربي كان الباحثون والمؤلفون لا يعتمدون على فكر المعتزلة المكتوب وانما من مصادر قد تكون تناقضهم او تختلف معهم .. الا ان المستشرق السويدي هنريك صامويل تمكن من العثور على نسخة من كتاب القاضي ابن الخياط المعتزلي الذي تصدى فيه لكتاب بن الراوندي -وتمكن هنريك من تحقيقه وطباعته في دمشق , بعد جهد بليغ لان النسخة وشمت بختم التحريم.
بتوجيه من طه حسين وصلت البعثة العلمية لمصر الى اليمن لاستكشاف مخطوطات المعتزلة وغيرها , سنة 1936قطعوا 2500 كم , ثلثا المسافة بالسيارات وثلث مشيا وعلى الدواب فجلبوا 6000 عينة من الحيوانات الصغيرة وكمية كبيرة من المخطوطات التي صورت بالميكروفيلم ونشرت كلها ب 14مجلدا .منها كتاب القاضي , المغني , وكتاب شرح الاصول الخمسة . وقيل ان الصدفة لعبت دورا بكشف عدد من المخطوطات اثر انهيار احد المنازل في اليمن . مر عهد بين المثقفين ان من لم يقرا الوجودية وسارتر ليس مثقفا , اما اليوم فمن يحيي كنوز طه حسين ورجال احياء التراث يعتبر -دءة قديمة -... قد نختلف معهم ومعه بالرأي لكن من باب احترام الجهد المعرفي علينا ان نتفهم ونثمن رواد النهضة العربية .
الروائي الاوكراني كوركوف يوميات غزو
الاوكراني كوركوف يوميات غزو هو الكاتب الاكثر مبيعا بعد انجازاته الروائية المتوجة بجوائز عالمية يصدر له كتابه كمذكرات وضعها سنة 2021 عشية عيد الميلاد قبل ان تقتحم القوات الروسية اوكرانيا بشباط 2022.. كانت تلك القوات على الحدود ..يتحدث في المذكرات عن اطفال ولدوا في الاقبية وعن حراثة الفلاحين لارضهم رغم القصف والالغام .. وقتال الناس من اجل الاستمرار في الحياة رغم الطقس المتعكر ..ورمادية الاشياء ... عرف الكاتب بروايته 1996 تهتم بمشكلة كاتب وبطريقه الاليف ومشكلاته مع المافيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي . ومن رواياته و<قضية حياة او موت > . رواية ( النحل الرمادي ) نشرت في 2022 تدور في دونباس بقرية مالا على خط المواجهة منذ 2014بين الانفصاليين الموالين لروسيا والجيش الحكومي الاوكراني ..وقد فازت الرواية بجائزة ميدسيس الفرنسية لافضل رواية اجنبية . وقد ورد في مقدمتها : ( لا اعرف متى ساتمكن مرة اخرى من زيارة القرم ,او دونتسك , ولا اعرف متى ستنتهي هذه الحرب ,لكن كل ما اتمناه باخلاص هو ان يتركوا سكان المنطقة الرمادية لكي يعيشوا حياتهم كما يريدون , ان يبقوا في امان ويعود للعسل المصنوع في دونباس طعمه الخالي من البارود . ) . تتناول الرواية البطلين :سيرجينش وباشكا في منطقة مهجورة ومحصورة بين الانفصاليين والجيش الاوكراني .. سيرجينش متقاعد يعتني بالنحل ويعيش مع صاحبه بلا كهرباء ولا متاجر وتحت ضغط الانفجارات والفاقة .. اخيرا يقرر اخذ نحلاته والتوجه بها نحو القرم .....
الهواتف ستحيل الكتاب الورقي الى المتاحف
ربما تكمن العوائق بحاجزين : صعوبة ومعرقلات التحميل وصغر الحروف .. ان تمكنت التكنولوجيا من تخطيهما سنودع الكتاب الورقي . ما زلت منبهرا كلما شاهدت حدثا ينقل مباشرة من آخر العالم .واتساءل أي عقول تمكنت من ابتكار ذلك .. القصة بدأت سنة 1973 حين اجرى المخترع الامريكي اول مكالمة هاتفية من هاتفه الخلوي مع منافسه جويل انجل من شركة- ايه تي آندي - الذي سمع منه اصطكاك اسنانه لهول المفاجأة .وفيما يشتعل الصراع حول الصين وامريكا حول مواد الخام الاولية لصناعة الهواتف اعلنت المانيا بان مواد الخردة منه تكفي للتصنيع لعشر سنوات فيها . كان اول هاتف طرحته شركة موتورولا - التي يعمل فيها كوبر ـ مخترعه ـ - للمستهلكين سنة 1983يزن كيلو ويمكن لمستخدمه التحدث منه 35 دقيقة ثم يضطر لشحنه عشر ساعات . وقال المخترع كوبر مازحا (حين ارى الناس يستخدمون الهاتف وهم يعبرون الشوارع اظنهم مجانين وسيدركون ذلك لحظة يدهسون .. واضاف : ودعا الناس لتخيف انشغالهم بالهاتف والاهتمام بحياتهم .. الامريكي مارتن كوبر م1928 الذي حصد الماجستير بالهندسة ..اشار في مقابلة بانه لم يستلهم فكرة اختراع النقال من فلم (ستار تريك - الذي ظهر 1966 بل قبل ذلك بكثير من فلم هزلي بطله كان يرتدي ساعة يد لاسلكية . ان تحول الكتاب الورقي الى ذكرى ليس بعيدا كما يتوقع البعض ..ربما سنحن الى رائحة الورق ... الى ذكريات مرتبطة به .. سهولة قراءته وانت في السرير .. مشهد المكتبات المنزلية من الصاج والابنوس .. ذلك التوقيع و تلك الكلمات المحبرة التي تتصدره (الى صديقي مع خالص المودة ). في دراسة استقصائية اجرتها statista ظهر ان 46 بالمية من المشاركين يستخدمون الخلوي 5 ساعات فيما اظهر الاستبيان ان 11 بالمية يستعملونه سبع ساعات واكثر .
البحث عن الروائية الامريكية آش دايفيدسون
البحث عن الروائية آش دايفيدسون صدرت في العام الماضي رواية للكاتبة الامريكية آش ... تقع في 464 صفحة وقد استغرقت في كتابتها عشر سنين . تدور ا لرواية في الاعوام -1977 ـ 1978 -شمال كاليفورنيا . تتحدث عن محنة الحطابين القاسية وتعرضهم للخطر المستمر والموت احيانا ..فالبطل ريتش يعمل في شركة ساندرسون التي تستثمر في الغابة وتجني ارباحا طائلة دون مراعاة الحفاظ على البيئة وهو متزوج من كولين التي تعمل قابلة وتعرف كل نساء الحطابين وتزورهن غالبا في بيوتهن . ارتفاع الاشجار في السيكويا بكالفورنيا يبلغ 155 م وربما اكثر , وبقطر 30م ويعمد العمال الى تشذيب الاشجار قبل قطعها ما يعرضهم للمخاطر . انجبت يوهين 6 اولاد وتعرضت ل ثماني حالات اجهاض ..وهنا ينشب صراعها مع زوجها فهي تريد ان تنجب اخرين اما زوجها فيخشى عليها من الم الاجهاض . ويندلع صراع اخر لان زوجته انضمت لناشطات توقعن بان الاسقاط والتشوهات الجنينية سببها ما ترشه شركة اندرسون من مبيدات وغيرها .. فيما زوجها يتعذر من مساندتها خشية المسؤولين في الشركة ...ترسم الرواية لوحة ماساوية لانين الاشجار وعويلها وهي تهوي بلا رحمة . اما انا فشخصيا يوترني شحة المعلومات عن الكاتبة اش اندرسون .
رواية ارض البشر : محاولة لتخطي الموت
في التاريخ الادبي العالمي يحدث ان يبرز كاتب او اثنان يغطيان على كتّاب وهذا ما اراه في هذه الرواية السحرية النثر التي توارت عن التناول .انطوان دوسانت اكزوبيري هو طيار وكاتب فرنسي قضى في مهمة استطلاعية لاجل فرنسا في الصحراء الكبرى اثناء طيرانه من باريس الى سايفون , وعثر على جثمانه سنة 1988 على الساحل الفرنسي قبالة مرسيليا بعد ستين عاما من وفاته . يصعب تصنيف عمله هذا هل هومذكرات او نسج روائي . يتناول فيه ايام التدريب ومشاعره وهو يقود طائرته لاول مرة لنقل البريد , خاصة ان المحركات في ذلك الزمن لم تكن تتمتع كما اليوم بشروط الامان . وكيف يعجب بامهر الطيارين الذي لا يجيب على اسئلته وقد عاد من مهمته البريدية توا سوى بضحكة ساحرة منكبا على تناول طعامه ..ينقل لنا تلك الاحاديث الشيقة التي غالبا ما تخص التحليق ومتعته وخطورته في مواقع الاستراحة .. وتلك المشاعر والاذرع والعيون المتحفزة للطيار وهو في قمرة القيادة .. والانطباعات ونظرة (النمل ) من الاعلى لحظة التحليق .. وهو ما لا تسطيع البشرية ان تراه وتحسه .. حيث يواجه الطيارون قوة الريح وعروق البروق وقمم الجبال وكثافة الضباب وهيمنة الظلمة .. وان أي خطأ او تهاون بالابصار او الذراعين سيقود الى التهلكة . وتشاء الصدف ان تهوي طائرته وسط الصحراء الليبية هناك تندلع الدراما لاقصى مدى .. انه العطش القاتل .. وهما ينتظران ـ هو ورفيقه ـ موتهما بعد تسع عشرة ساعة: (ابصر تلوي الحياة , احصي حلقات الجذع ,هذه الغابة التي كانت ملاى بالعصافير , والموسيقى اصابتها اللعنة فتحولت الى ملح هذه الحيطان الفخمة الاشد سوادا من دروع التلال الحديدية ترفضني ..ماذا افعل هنا انا الحي بين هذه المرمريات المعصومة انا الفاني انا الذي سينحل جسمه ماذا افعل هنا في الابدية ؟ )... وتستغرق الرواية صفحات طويلة وهي ترسم ذلك العطش البطيء نحو هاوية العدم ..حيث يصبح الحصول على قطرات ماء هي اثمن شيء في الوجود .اخيرا يتمكن البدو من انقاذهما . تتناول الرواية اولئك العبيد المملوكين لاسيادهم وكيف تاقلموا مع الذل واصبح اسلوب حياة يحتمل ... وعددا كبيرا من الاسئلة الوجودية وتخوض في الاخلاقيات وحقيقتها ...ولكن الكاتب تناولها باسلوب سلس لا بلغة فلسفية مستعصية ..عبر كل ذلك تسحرك اللغة البسيطة الشاعرية العميقة . عرف الكاتب بروايته 1943 وفيها يرسم لوحات فريدة للطفولة وقد نالت شهرة واسعة . ومن مؤلفاته (طيار الحرب 1941 , بريد الجنوب 1929 , رحلة ليلية 1931 ).
جويا الافغانية من مذيعة لعاملة مصنع
76 ألف افغاني تم توطينهم في الولايات المتحدة الامريكية ..ما قصص الصحفيات منهم ؟ . الصحفية بصيرة جويا 24 عاما امضت خمس سنوات في البحث عن الضيوف واعداد الاسئلة لتقديم برنامجها الاخباري وصدمت بعدما اجتاحت طالبان كابل في آب 2022 فلمجرد نشرها مقالا على صفحتها تلقت تهديدات من طالبان ما اضطرها للاختباء مع شقيقها من منزل لاخرخشية البطش .. بعد 17 شهرا وجدت نفسها في دايتون بولاية اوهايو الامريكية .. والان تزاول العمل في مصنع , مقلوعة من اختصاصها لتعيل عائلتها شرق افغانستان . لقد منعت طالبان النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية خاصة الامم المتحدة .. ومن ارتياد الجامعات والمتنزهات .. كذلك المراسلة الصحفية (زهرة نادر ) التي عملت لدى نيويورك تايمز بافغانستان والتي وصلت كندا في 2017 فهي قد اسست صحيفة وتتلقى طلبات كثيرة من صحفيات افغانيات يبحثن عن عمل . وعلينا ـ ونحن نتآزر مع الكفاءات الصحفية والاعلامية في افغانسان التي اضطرت للهرب من قبضات الفتك ـ ان لا ننسى اولئك الصحفيين الذين يعيشون في بلدان اختبرت الانظمة ( الديمقراطية ) حديثا , فقد ركن كثير منهم هويته الصحفية على الرف لان مستوى الترهيب لهم بلغ درجات لم تصلها انظمة دكتاتورية او ظلامية متشددة .
-------------
رواية وليمة لاعشاب البحر وضجة الجدال
مرت بسلام منذ صدورها سنة 1983 حتى قامت سلسلة - افاق الكتابة -باعادة طبعها بعد صدورها في بيروت , فاثارت جدلا واسعا وحادا في الاوساط الشعبية والثقافية بمصر حتى حظرها الازهر . وقد تدفقت بسببها تظاهرات لطلبة جامعة الازهر وسقوط جرحى بحجة ان الرواية تسيء للمفاهيم الاسلامية ..وتمت المطالبة باقالة وزير الثقافة الاسبق الفنان فاروق حسين .. .. وقد اجاب الروائي حيدر حيدر على كل تلك الضجة ب (نحن نعرف ديننا وتاريخنا ولسنا بحاجة لفقهاء متعصبين ودعاة يرشدوننا الى الصراط .). فيما صرح المفكر والناقد جابر عصفور ب (انها افضل رواية عربية معاصرة ومن يتهمها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسي الذين يتدرعون باقنعة دينية ويتولون ارهاب المثقفين .. بطل الرواية محمد جواد مناضل شيوعي يغادر العراق ابان تواري الحكم القاسمي .. فيلتقي بمناضلة جزائرية تعيش خيبات الظن بالثورة الجزائرية : (تراءى على وجهها ظلال اسى جارح ,لكنه صادق من زمن مشرق ولى الى زمن قاتم ,فحول الناس من حالة الحب والتضحية والتعاون الى حالة غريبة من الحقد والكراهية والانانية والوهية الما ل) .. هكذا توصف زميلته التي هزتها الصدمة التي لم تكن تتوقعها .. استغرق الكاتب حيد رفي كتابتها 9 سنوات وقد برز كاتبا سرديا حينما نشر قصصه القصيرة في الاداب البيروتية التي جمعت وصدرت لاحقا باسم حكايا النورس . ان لغة الكاتب في هذه الرواية - وليمة - تتارجح بين اللغة الايحائية والبيانية ..لكنه ليس رائدا في هذا الحقل - الايحاء والكثافة الشعرية - لان الكتاب العراقيين تمكنوا من استكشافات بلاغية ولغة ايحائية منذ الستينيات الا ان النقد لم يواكبهم بمستوى الطموح . لقد رحل عن العالم الكاتب حيدر حيدر يوم الجمعة الماضي تاركا ضجة جدلية ستتواصل ان لم تكن فنيا فاقلها من الناحية الاديولوجية والدينية ... ان ظاهرة الحظر تشكل منعطفا خطيرا وهو لا ينجح .. فبعد حظر الازهر زاد عدد قراء الرواية بشكل لافت ...ان السيف وكاتم الصوت لن يتمكن من حجب الفكر والفن .. الروائي الياباني ميشيميا وروايته اعترافات قناع
بعد ترشيحه لاكثر من ثلاث مرات لجائزة نوبل وانجازه اربعين رواية و ثمانين عملا مسرحيا و20 مجموعة قصصية .. وضع الكاتب الياباني يوكو ميشيميا حدا لحياته بالانتحار باسلوب مرعب على الطريقة اليابانية الساموراي .وبعد مرور اكثر من خمسين عاما على الحادث ما يزال الجدل قائما حوله . وليس غريبا الانتحار في اليابان فقد انتحر الكاتب كواباتا مؤلف ( منزل الجميلات النائمات ) سنة 1972 بخنق نفسه بتنشق الغاز بعد ان حصد جائزة نوبل 1968 . كانت عملية الانتحار مرعبة فبعد ان استدعى كويو الصحافة لتصله بعد ربع ساعة , بقر نفسه بالسيف معتمدا على صديقه بان يقطع رأسه ويخلصه من الاحساس بالالم .. لكن صديقه تردد فانتحر ما استدعى رجلا ثالثا ليحز رأسه. ولعل كاتب سيرته , داميان فلاناغان, تمكن من تفسير حالة الانتحار فقال . ولد الكاتب في طوكيو (1925 ـ 1970 ) ظهر اول عمل له 1941 وهو في ال 16 من عمره ...كتب روايته اعترافات قناع سنة 1949 وهي لون من الاعترافات والسيرة الذاتية ..تتصدر الرواية كلمات دستوفسكي في الاخوة كرامازوف (رهيب هو الجمال المروع , رهيب لانه لم يسبر له غور ولا يمكن ان يعرف له قرار ....) . تبدا الرواية بوصف الظروف البيئية والانسانية التي احاطت بولادة الطفل ( في مساء اليوم السابع لف الطفل في اردية داخلية من الصوف الناعم والحرير الشاحب الصفرة البس كيمونو من الكريب الحريري ذي الزخارف اللامعة . وبحضور اهل الدار المجتمعين رسمت جدتي اسمى على شريحة مراسيمية من الورق وضعتها على منصة التقدمة في ركن الصلاة ) . جدته التي تكره جده وتشبعه سخرية كانت روحها ضيقة الافق لا تقهر وهي وحشية في شاعريتها .. اخذته من احضان والديه لتحتفظ به لديها في الطابق السفلي . في عامه الاولى تهاوى من الدرج حين تعثر بذيل كيمونو امه ما تسبب له مرض التسمم التلقائي وكاد يزهقه .. وهنا نصل الى مقطع غاية الدرامية يصعب تصويره لو لم يكن المؤلف مشبعا بالحس المسرحي والتبحر في الدراما <وقفت جدته - حين استدعيت اثر حادث سقوطه - عند المدخل منحنية على العصا .. حدقت بجدي بنظرة ثاقبة عندما تناهى صوتها هادئا على نحو غريب كانما تنحت كل كلمة من تلفظها ــ امات ؟ ـ لا فنزعت نعليها , اجتازت المدخل عبرت البهو بخطى واثقة تحاكي خطى راهبة > . يمضي الكاتب باضاءة حياة الطفل والبذور التي ستنمو عميقا فتشكل هيكل مسيرته عبر تحليل سيكولوجي وفلسفي عميق ..مستفيدا من التاريخ الاقدم كالرومان والموروث الياباني وتجربته الحياتية الغنية في وصف يعكس دقة كامرا ولغة سهلة عصية تستدعي تاملا متانيا لفك شفراتها .. فما هي تلك الافكار والصور التي تترسخ في ذهن ووجدان طفل أي طفل لتكونه وتجعله مغايرا ..وهل للتركيب الفسلجي والبيلوجي علاقة بذلك .. حين سألت البريكان مرة عن سر كتاباته عن الموت ووصفه نفسه بانه شاعر الموت اجاب بان حادثة موت اخيه الصغير يكمن السر وراء ذلك لكن عددا لا يحصى شهد حوادث موت لصغار مقربين وظلت فكرة الموت لا تقلقه فما السر اذن ...يحاول كويو بروايته القناع ان يجيب : ( ما من شك في ان صورة ما رايت انذاك قد اكتست معنى جديدا , في كل مرة من المرات التي لا حصر لها والتي اعدت النظر فيها من خلالها تكاثف زخمها وتركزت في بؤر النظر , لانه عبر المنظور الغامض والضبابي لذلك المشهد لم ينتصب شيء في جلاء يختل تناسبه مع باقي مكونات المشهد بقدر ما بد ذلك الشخص المقبل منحدرا عبر التل ,ولم يكن ذلك بدون سبب فقد كانت هذه الصورة ذاتها اولى الصور التي قدر لها ان تواصل تعذيبي وبعث الذعر في نفس طوال عمري ) . لكن لماذا شكل ذلك المشهد لشخص ينحدر من تل , يجمع السماد البشري وهو يحمل نيرا مثقلا بدلوين يوازن ثقلهما باقتدار بخطواته , كشفه الاول لقوة معينة ؟! سيحاول الكاتب الاجابة وتحليلا لمدى تاثير هذا المشهد ومشاهد اخرى ستصادفه وستؤدي به شخصيا الى الانتحار الشخصي بصورة مرعبة . (شعرت حيال مهنته < جامع فضلات البشر > بشيء يحاكي اسى نفاذا اسى يصهر البدن راودني الشعور بالمأساة باكثر معاني الكلمة حسية شعور معين بالتخلي عن الذات شعور بالحميمية مع الخطر ..) من هنا تبدأ الساماراوية بالتجلي : الانتحار لحظة الخطر , عدم الاستسلام والتراجع ..حتى في قراءاته المبكرة يستقطبه الموت فحين قرأ لاندرسون تجاذبته قصة - عفريت الورد ـ حيث فتى جميل يطيح برأسه شرير مستخدما السكين - ... ومن قصص وايلد تأسره قصة الصياد وروحه التي تسجل جثة صياد شاب القتها الامواج على الشاطيء ..ورغم ان الطفل في الرواية قد تستقطبه صور للجمال والفكاهة الا ان قلبه ميال لمشاهد الموت والدم اكثر من سواها . ويصادف ان يطلع الطفل على لوحة القديس سباستيان للمصور جيدو رينيه فيصف جذع شجرة الاعدام في غابة كابية وشابا وسيما عاريا مقيد الى الجذع ,مخمنا ان اللوحة مشهد لاستشهاد احد المسيحيين : ( ما ان تطلعت الى اللوحة حتى انتفض كياني كله بفرحة طاغية ) .--------------------
التماثيل في البصرة فقر كمي وتراجع فني
اصبحت اغلب التماثيل والنصب التي نفذت في العراق بعد السقوط موضعا للتندر ودليلا على هبوط الذوقية الفنية . في البصرة تعرضت التماثيل التي تمثل ضباطا يشيرون بايديهم نحو ايران والتي نفذت بشبه نسق على الضفة الغربية من شط العرب , تعرضت للسحل وانتهت في مصاهر البرونز, وكان اكبرها حجما تمثال لوزير الدفاع الاسبق عدنان خير الله الذي رأيته ممدودا قرب احد مراكز الشرطة بعد السقوط . فيما لم يتعرف الكثير من اهالي البصرة على تمثال عتبة بن غزوان لان اسمه تساقط من قاعدته , وتعرض تمثال السياب لاطلاقات نارية وقد حجموا من ارتفاع قاعدته وازيلت اجمل ابياته المذهبة من قاعدته ,اما نصب اسد بابل قرب نهر العشار فقد نسفه مجهولون متشددون بالمتفجرات .وتعرض نصب الحوت في ساحة سعد الى القصف ابان دخول القوات البريطانية البصرة 2003 فانهار الجندي الذي يطعن حوتا وشوه النصب ثم ازيل تماما ,واختفى من الساحة ذاتها تمثال سعد بن ابي وقاص كما ازيل تمثال السيدة العذراء من احدى الساحات وتوارى في مرآب مهمل تمثال العربي والكردي للفنان البصري بتور ,ولم يبق اثر لنصب برونزي شيد على مقربة من جسر الكرمة من اعمال النحات الشهير محمد غني , اما نصب ذات الصواري الذي يتصدر بوابة القاعدة البحرية للفنان عبد الرزاق فهو آيل للسقوط قابع على مكان قمامة . نفذ في ساحة سعد بعد 2003 نصب يمثل نقط نفط كبيره تدور حولها خيول ضمن مشروع يشمل حديقة صغيرة واكشاك كلف 8 مليار دينار , اطلق عليه البصريون تندرا اسم الباذنجانة لانه حقا يشاكلها رغم مبررات الفنان البصري الذي نفذه ... وكنت اصاب بالاستفزاز كلما مررت على نصب في فلكة ام البروم بالعشار قبل ازالته . اسباب عدة تكمن وراء تنفيذ نصب وتماثيل تصدم الذوق المتحضر اهمها استصغار الفن والفساد المالي.
ولا تلام الحكومة المحلية فقط لهذا التدهور في الذائقة الفنية , فلا يستطيع فنان اصيل ان يتقبل تكليفه بانشاء تماثيل او نصب تحط من مكانة الفن مقابل النقود . اذكّر هؤلاء بالفنان الايطالي (اندريا جانديني ) الذي تمكن بعمر 22 عاما من انجاز عشرات المنحوتات على جذوع الاشجار الميتة وصرح (كل منحوتة تستغرق مني نحو اسبوع ثم تصبح ملكا للجميع ), وادرج المرشدون السياحيون اعماله في برامجهم بروما. يذكرني كل هذا بقصيدة البريكان الخالدة -قصة التمثال من اشور- : (جردت من خواتمي ... جزت ذؤاباتي دحرجت من قاعدتي نقلت من مكانْ إلى مكان حاورتني البوم والعقبانْ تسلقت اضلاعي الصبيان جّرب فأس ما في جسدي يوماً ربطت بالحبالْ سحبت ممدوداً علي وجهي وراء زوجين من البغال ...).
كتاب شذرات من كتب مفقودة في التاريخ ثلاثون كتابا جلها مفقود تمكن الدكتور احسان عباس ان يجمع ما تمكن من مواضيعها التي تناثرت في مؤلفات كتاب اخرين , وهو يعكس اتساع تيار التاليف في تراثنا والحاجة الجادة بمزيد من البحث لاكتشافها . اختار المؤلف من تلك الكتب ما يغذي اهتمامه وهما في مجال التاريخ والادب . يبلغ الكتاب بطبعته الاولى 1988 حوالي 544 صفحة. يقول الدكتور احسان في المقدمة ( هنالك كتب يقول من يجوس خلال رياضها حقا لقد وقعت على كنوز متعددة ). من تلك الكتب تاريخ دمشق لابن عساكر وبغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم . لقد عايش المؤلف الكتابين لسنوات طويلة . وكان بن العديم يملك مكتبة نادرة وحرصا على العلم وحصافة الناقل ودقة العالم . ويقول المؤلف ان بن العديم يعتمد على اثني عشركتابا من كتب الانساب وحدها مثل الجوهر المكنون ونزهة العيون والمجرد في النسب الشريف وغيرها . ان الكتاب يؤكد بان القرن السابع الهجري شهد ثلاثة رجال كبار متقاربين لانهم جميعا كانوا ياوون الى حلب وهم ياقوت والقفطي وابن العديم وهم لم يكتفوا بان تكون مؤلفاتهم مصدر رزق بل مصدر ثقافة ايضا وكل منهم يمتلك مكتبة ثرية . يثبت المؤلف بعنوان بارز اسم الكتاب ومؤلفه مثل ( اخبار البرامكة لابي جعفر عمر بن الازرق الكرماني ) ثم يشرع بالترجمة له . فعن بن الازرق يقول انه عاصر الجاحظ وسمع منه بعض اخبار البرامكة . ويحاول المؤلف ان يتوثق من سيرة أي مؤلف يورده ويزيل الاشكال عن اختلاط اسمه باسم اخر اشتبه به المؤلفون والمؤرخون . احسان عباس (1920- 2003 ) ناقد ومحقق ومترجم فلسطيني واستاذ في الجامعة الامريكية وضع اكثر من مائة كتاب من مؤلفاته اتجاهات الشعر العربي المعاصر ومعجم الادباء وملامح يونانية في الادب العربي .¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬ ¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬
عزوف الاكاديميين عن الكتابة والنشر
هذا حكم استقرائي لا احصائي . في سنوات الحصار زرت صديقا لي يحمل الدكتوراه بعلم النفس بعد انقطاع عنه بسبب سفره فرايت لديه برف عليه كتب قليلة كتابا جذبني فسالته عنه فاجابني وفي عينيه الاستغراب ( الا تزال مجنونا فتحب القراءة ) كان صديقا موظفا بمكتبة الجامعة وكان يلتهم الكتب . تلك الحادثة ارعبتني وجرى بيننا برود لزمن طويل . وحين كنت اعمل بصحيفة حوار حدثني رئيس التحرير د .حامد الظالمني بان ( اغلب الاساتذة لا يكتبون ) وقبل ايام سألت صديقي الدكتور ع لماذا لا تكتب بحوثا ولو لغرض الترقية فاجابني ( هيأت بحوثا لم تكتمل لان لا مزاج لي ) . اذن نحن امام ثلاث ظواهر : عزوف عن القراءة والكتابة والنشر . في الغرب يتصدر الاكاديميون النقد والبحوث ومنهم انبثقت المدارس الفكرية والنقدية . فرولان بارت مثلا مؤلف كتاب الكتابة بدرجة صفر هو فيلسوف فرنسي، ناقد أدبي، دلالي، ومنظر اجتماعي. وُلد في 12 نوفمبر 1915أصبح أستاذا للسميولوجيا عام 1976 في الكولج دي فرانس، و كان مساعداً في جامعة السوربون، قبل أن يصبح مدرساً للفلسفة في غراندس ايغولوس , فيلسوف وناقد أدب فرنسي ولد في مدينة الأبيار بالجزائر 1930 - وتوفي في باريس 2004. يعد دريدا أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة، وأول من وظفه فلسفياً بهذا الشكل وهو ما جعله من أهم الفلاسفة في القرن العشرين . هنري برجسون قدم عام 1988 رسالتين للدكتوراه في باريس، وفي عام 1889 نشر كتاب "Time and Free Will" وتابع بعدها نشاطه البحثي من خلال تأليف الأطروحة اللاتينية "مفهوم أرسطو للمكان". وفي عام 1927 اعتمد الفيلسوف "هايدجر" على هذه الأطروحة وقد صرح حينها أن رؤية هنري برجسون لمفهوم الزمن لا تزال في أفق الميتافيزيقيا اليونانية. في عام 1896 نشر هنري برجسون كتابه الثاني بعنوان "المادة والذاكرة" وقد أسهم هذا الكتاب في اختياره ليكون عضوًا في الجامعة الفرنسية "كولج دو فرانس". ان القائمة تطول لاولئك الاكاديميين الذين اثروا المكتبات المعرفية وقادوا حركات التحول وابتكروا المدارس الفكرية والنقدية . الكثير من الاساتذة هنا يعد الشهادة الاكاديمية وظيفة , مهنة تمليء جيبه برأس الشهر وخلاص .
قصة البحث عن مؤلفات البريكان بعد فقدانها ج1
( الفلاح الاَخير : حيث يعتنق النخل والظلمات ، ويمشي السكون الخفيف على الماء ، يختم جولته ، يدخل الكوخ . يشعل فانوسه ، ويدخن تبغا رديئاً يعد طعاما من الخبز والرز . يطعم كلباً يتيماً . ويرفع طرفاً كليلاً الى صورةٍ : ولد شاحب بثياب القتال . ثم يدخل في غيمة الذكريات لا اَحد في البساتين لا شبح غيره . رحلوا وهو ينتظر الموت منفرداً ! ). البريكان مجموعته الشعرية غير المنشورة< قصائد صغيرة لحرب المدن> ) احب ان ازف بشرى الى الوسط الثقافي الذي انتابه قلق من فقدان مؤلفات البريكان بعد مقتله في البصرة طيلة اكثر من عقدين . بان تلك المؤلفات الشعرية والبحثية نجت من الضياع وانها مودعة ببلد عربي في امان . التقيت البريكان نهاية الثمانينيات وكانت الحرب العراقية الايرانية مستعرة . جرى اول لقاء بيننا في معهد المعلمين . مضيت مع نجله الاكبر الصحفي ماجد البريكان وكان فتى يافعا الى بغداد بعد رحيل البريكان وتسلمنا مفتاح الصندوق البريدي له لكن الوصول للصندوق كان يقتضي ترتيبا قانونيا فتاجل الامر بعدها بفترة اخبرني ماجد بانه تمكن من الوصول ولم يجد اوراقا فيه او مؤلفات . الحقيقة وخلافا للاشاعة حدثني الرائد البريكان بانه اودع دفاتره في صندوق بريد ببغداد اثر اشتداد القصف على البصرة ثم سحبها على حد قوله . كان يحتفظ بقصائده بدفتر صغير اوارق سمرغير مخططة بغلاف ورقي زهري , رايت ذلك حين قرأت له قصيدتي ( حارس الجثث) كنا واقفين في الهول بمنزله فسارع الى غرفته واتى باحد الدفاتر التي اصفها ووضع يده على النص واراني العنوان وهو ( حارس الاموات ).. اتفقت مع نجله الاكبر بعد يومين من تعرضه لحادث القتل بمنزله بان ندخل معا المنزل وننقذ المؤلفات باول لحظة تسلمه مفتاح المنزل من الشرطة . حدث عكس ذلك فدخل ماجد منفردا وعاد ليقول لي ان الاوراق مفقودة كلها . وبدات رحلتي المضنية للبحث عن تلك المؤلفات خشيت ان يكون المنفذ وربما بفعل تحريض قد استولى عليها فمزقت او احرقت . حين نشرت بعد رحيله قصيدته ( الوصية ) كنت واثقا انها له لانه حدثني عنها قال لي يوما : نحن قست معنا الظروف فشنجتنا لهذا كتبت لحث الشباب على التمتع بالحياة : (لكم أن تكونوا صغاراً وأن تنعموا بالشباب وأن لا تشيبوا سريعاً لكم كل شيءٍ : جمال العطاء وكنز الصداقة لكم كل هذا الوجود العريض فلا تقنطوا ولا تتبعوا الشعراء إلى الوهم . لن تجدوا حكمة في البكاء . تسيئون فهمي إذا لم تروا غير حزني العميق نشدتُ الفرح ولكن حملي ثقيل فكونوا أخفّ وأوفر حظاً . لكم أبسط الكلمات ستكفي . لكم فسحة الوقت : أن تصنعوا أجمل الذكريات وأن تعرفوا للفصول مسراتها وأن تتغنوا معاً . ألا آمنوا بالحياة ولا تفقدوا لون هذا الحضور : عذوبة هذا الهواء وحرية الأفق المترامي ودفء اليد البشرية ومعجزة الحلم المشترك ). اما قصيدة الفلاح الاخير فقد حدثني يوما بانه كتب ديوانا صغيرا عن الحرب واتذكر كان واقفا اسفل اللوحة الفنية الوحيدة المعلقة وسط صالة الاستقبال ( وقال كيف يكتبون عن الحرب تصور سائق اسعاف يقود في جو متثلج ان مثل تلك اللقطات افضل منعكس تصويري لهول الحروب ).
قصة البحث عن مؤلفات البريكان بعد فقدانهاج2 صادفت القاص الشهير محمد خضير في احدى المقاهي بشارع الكويت بعد مقتل البريكان بطعنات عدة بسكين فاخبرته بنيتي بحث نجله الاكبر بان اول ما يفعله ان يعثر على مؤلفات البريكان والاحتفاظ بها اثر تسلمه مفتاح الباب المودع لدى الشرطة لانه اثر ثمين فقال لي القاص خضير تلك فكرة غير صحيحة عليكم ان تدفعوها لوزارة الثقافة فهي اولى بها. لكن كانت هناك مخاوف من سرقتها اوبعضها .. فذات يوم حدثني البريكان بانه ارسل اوراقا قصائد للنشر وعلم بانهم احتفظوا بورقته ونقلوها فقدموها للمجلة . قلة من رأى خط البريكان كان يتميز بجمالية عالية حتى ان جامعة البصرة دعته ليلقي محاضرات بالخط العربي ورفض على حد قوله . وهناك حادثة اخرى فاحد كتاب العراق البارزين وهو سامي مهدي اثيرت اشاعات عن ترجمته لاشعار بريفير من الفرنسية يقال انها ليست من ترجمته بل ربما وصلته وطور بها . وليس السياب وحده من استفاد من ثيمات البريكان فالقصيدة الاشهر لعبد الرزاق عبد الواحد عن الموت حين قرأتها وكنت متحفظا على نتاج الشاعرعبد الرزاق اتيت البريكان وعبرت عن اعجابي بها فاجابني بانه زاره في بغداد ابان القصف على البصرة وقرأ له قصيدة مشابهة عن الموت (1) بعدها علمنا حين استانف النشر بانها قصيدة ( الماخوذ) وكان البريكان يدرك تاثيره على الشعراء فيحجب شعره عنهم بعد تجارب قاسية . ذات يوم سلمني ماجد البريكان احد كتب ابيه المنشورة ((قواعد اللغة ومشكلة تعليمها للناشئة العربية ) ولم يكن حدثني عنه البريكان بل قال يوما ان محاضراتي في معهد المعلمين كان بعض الاساتذة يستعيرها مني . ______________________ الزائر الاخير لعبد الرزاق عبد الواحد من دون ميعادِ من دون أن تُقلقَ أولادي اطرق عليَّ الباب أكونُ في مكتبي في معظم الأحيان أجلسْ قليلاً مثل أيّ زائرٍ وسوف لا أسألُ لا ماذا ولا من أين وعندما تُبصرني مُغرورقَ العينين خذْ من يدي الكتاب اعدِهُ لو تسمح دون ضجة للرف حيث كان وعندما نخرجُ لا توقظ ببيتي أحداً لأن من أفجع ما تبصره العيون وجوه أولادي حين يعلمون
هل ساهم التخلي عن الوزن بتدهور الشعر العربي
قال الرسام سيزان عبارته الشهيرة أن «الكرة، والأسطوانة، والمخروط» هي جوهر بِنْيَة الطبيعة، والتكعيبة كمدرسة في الفن التشكيلي قد نشأت عن نوع من الالتباس في فهم هذه العبارة، فلم يكن الغرض فرض هذه الأشكال الهندسية على الطبيعة، لأنها موجودة فعلا . مخطيء من يظن بان الشعر الحر نشأ فجأة ,انه ثمرة لتراكم تحولات في البنية الشعرية منذ زمن شعراء المهجر.وكتاب الخضراء الجيوسي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ....) يسلط الضوء بدقة وموضوعية على تلك التحولات . محظوظا كنت لامتداد صداقتي وعمقها مع اهم رواد الشعر الحديث محمود البريكان . فكنت من خلال الحوار المتواصل معه حول النشأة اوسّع من افق فهمي لتلك المرحلة . بدأ الشعر الحر بالعراق بتجارب شكلية فلم تكن قصيدة السياب الاولى حرا بالقصيدة الجاذبة .. كانت قصائد تهتم بتغيير البنية وهو حدث تاريخي سيقود لانقلاب حاسم في الشعر . ولم يكن الاهتمام بالشكل قد جرى منفردا فقد رافقته دراسات وبحوث مخلصة في المضمون فتم اعادة النظر بالاستعارة والمجاز والصورة الشعرية . واندلعت معركة مريرة بين البيان والايحاء معركة بكل ما تحمل الكلمة من معنى . في النهاية انتصرت الحداثة وتراجعت البنية الكلاسيكية . حدثني الرائد البريكان يوما عن حوار ساخن جرى بينه وصديقه رشيد ياسين حول بيت كتبه البريكان حيث استخدم فيه مجازا لم يرق لصديقه . وذكر عبد الرزاق عبد الواحد بحوار متلفز احدى الطرائف التي صاحبت الشعر الحر في بداياته فقد القى النواب قصيدة من الشعر الحر بالحرم الجامعي ما ادى الى استخفاف مجامل مع ضحكات لدى عبد الرزاق وزملائه ما جعل السياب يحتدم , فقد قال للسياب مبتسما ( انت من اتيت لنا بهذا النهج ). في الجهة الاخرى اهتم كتاب نازك الملائكة (قضايا الشعر المعاصر) النقدي بالاضاءة والدفاع عن الحركة الشعرية الجديدة وكانت لتخصصها الاكاديمي ومقدرتها التنظرية دور بتمكين الشعر الحديث وهو في بداية نشأته . ان عبقرية سيزان لم تتمكن من تبطيء الحركة الفنية فقد قال بيكاسو ان الرسامين الافذاذ الاكبر عمرا منا لم يتقبلوا لوحاتنا. فصمدت التكعيبية وترسخت المدرسة الوحوشية . ويحدث ان يمر الادب بمرحلة ارتداد فقد مجد اليوت الشعر الميتافيزيقي وعادت مرة اخرى الرومانسية بعد تلاشيها لانكلترا . كان على الفرد ليكون شاعرا ان يتقن الوزن ولكي تستجيب اذنه الموسيقية للايقاع يكره ان يمر بمئات الدواوين الشعرية القديمة والمعاصرة . اما الان فلا حاجة لكل هذا الجهد ( سفّط مفردات تنتج شعرا ). ورغم ان الموهبة عامل حاسم بتحديد هوية الفنان والشاعر فهما يحتاجان لكدح ثقافي غير محدود , استغراق بالمصنفات . اذا اعترفنا بان التاريخ لا يجري عشوائيا نستطيع ان نهّون على انفسنا ما نرى من منشورات ادبية هابطة. فان كان تقدم السنوات يفرز مبدعين ابدا فكيف مرت بنا الفترة المظلمة . خلافا لتصريح ادونيس بكتابه الثابت والمتحول لم تشهد الفترة المظلمة طيلة ستة قرون أي شعر جاذب الا ما ندر . وما ندر عبارة تحوطية .
انقذوا مسودات المؤلفات لكتاب البصرة من الضياع بحّت اصواتنا ونحن ننادي بمطبعة للبصرة . لقد حضرت للمحافظة بعد سقوط النظام بسنتين دار نشر ضخمة مدعومة من احدى المرجعيات الدينية مقرها بلندن وطلبت منهم ان ينشئوا فرعا لهم في البصرة فاجابني كبيرهم ( الوضع الامني يمنعنا ) فاجبتهم كلفوا احدا نيابة عنكم فلم يستجيبوا . وتعذر علي فهم اصرارهم بالنشاط بانكلترا فيما نحن بامس الحاجة لدعمهم للمنشورا ت. بعدها اتصلت بجهات وذوات عدة تستطيع ان تساهم بنشر الكتب ولم اجد اية استجابة . مؤخرا شرعت محافظة البصرة باصدار سلسلة من الكتب مشروطة ضمن مبادرة ( البصرة تاريخ عريق وثقافة متجددة ) وهو جهد يستحق الثناء لكن العناوين التي طبعت قليلة والشروط لتقبل الكتاب مقيدة لان المسودات المقبولة ينبغي ان تختص بالبصرة . مثل واحد يكفي فالكاتب البصري احسان وفيق السامرائي صاحب كتاب (لوحات من البصرة: عبير التوابل والموانئ البعيدة ) لديه اكثر من خمسين مسودة كتاب وتساءل حين زرته وقد تقدم به العمر عن مصير مؤلفاته بعد رحيله معبرا عن قلق شديد. تمكن الدكتور الشاعر حيدر الكعبي البصري المغترب في امريكا من انقاذ بعض نتاجات الكتاب البصريين الذين غيبهم النظام السابق او رحلوا بسن مبكرة في كتابه (اعمدة النيران الخضراء ). تفتخر الامم بمبدعيها وربما تحافظ على سطر او توقيع لبيكاسو ورغم ان النت سلاح فتاك ضد ضياع المؤلفات واللوحات فهو لا يكفي . ان البصرة كنز خفي لألاف النتاجات الادبية والفنية والفكرية لم يتم اكتشافه بعد . ولا اطلق حكما لتقييم مكانتها بل اشارة لكمياتها . لا انكر موجة المطبوعات ولكن اغلبها كتب دينية تدعمها جهات متنفذة . اما غالبية المؤلفات الاخرى خارج هذا الاطار فهي في انتظار المنقذين . انظر للكم المتراكم من الاطاريح الجامعية في العراق لن تجد منها الا عناوينها فكيف ستحترمنا مراكز البحث الاجنبية وجامعات العالم وهي مودعة في الظلام . مرة قصدت سوق ابي الخصيب والتقيت مصلح ماكنات خياطة بمحله واتضح انه دكتور بيطري انجز مؤلفين باختصاصة . وفي مرة سألت دكتورا تقاعد من جامعة البصرة مختصا بالاسماك حول التغيرات بسلوكها بشط العرب فارسل لي مسودة كتابه فحزنت لمثل هذا الجهد الذي يتعذر عليه رؤية النور . دور النشر التي توسعت بالعراق كالعشب لا تطبع الا لكاتب شهير بعضها تطبع بسعر متواضع اعدادا محدودة مائة كتاب مثلا وهي ليست معنية بمشاركة الكتاب بمعارض دولية او عربية وكثير منها ساهم بنشر كتب لاقلام هابطة وصنع كتابا وهميين . ان الديمقراطية في العراق سلاح ذو حدين فمن جهة تنفس الكتّاب من مقص الرقيب او شجبه للمؤلفات او منعه, ومن جهة اخرى عدد هائل من الكتّاب وان لم ينتموا . ------------------------------
كتاب تثقيب القوقعة كتّاب شحت الترجمات عنهم والمعلومات
تثقيب القوقعة ج1 الروائية غيليغان بركة الجزارين
فازت الروائية الايرلندية غيليغان بجائزة اونداتجي التي تمنح في بريطانيا لافضل كاتب يستحضر روح المكان عن روايتها ( بركة الجزارين ). وقد وصفت رئيسة التحكيم لولا يونغ الرواية بانها اثارة ادبية وقصة عن صعوبة مرحلة المراهقة حتى الوصول الى النضج وبانها رواية تاريخية وسرد للخرافات و وهي قطار الملاهي ..) . اما عضوة التحكيم هيلين فقالت <انها فولكلور يواجه ضغوط الراسمالية الحديثة فنرى ايرلندا في لحظة تحول وتغير سريع ونحن منجرفون معها .. وعلى امتداد الرواية نتنفس الطبيعة بشكل حي ومنعش ) . اما غيليفان فقد اكدت ب (انها عند ظهور مرض البقر كانت في الثامنة ولاجل كتابة الرواية كان عليهاّ ان تعود للافلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تلك الفترة ). تتناول الرواية اسطورة بركة الجزارين التي تنطوي على غموض وسرية , فعلى الجزارين ان يمسوا البقرة قبل موتها والا ستحل اللعنة ... والشرط الرئيسي ان يحضر الجزارون الثمانية جميعهم ..هذه المهنة يقابلها الجيل الجديد بعدم الايمان بها او السخرية منها ما يجعل (اونا ) 12 عاما , بنت احد الجزارين تعاني من تنمر زملائها في المدرسة لكنها تصر على تحقيق طموحها بان تصبح جزارة متدربة بسكين مطبخ وفأرة ..ورغم ان امها تحاول ان تثنيها لان العرف لا يسمح بتقبل فتاة جزارة لكنها لم تفلح .. حتى تتمكن الفتاة مستقبلا من الثار لقاتل احد الجزارين وهو الشخص المغدور الذي رسمه المصور الفوتغرافي رونان مونكس فعرض لوحة لجزار علق بكلابين من ساقيه بالمقلوب سنة 2018... اما ام الفتاة -غرا- فهي غارقة بمعتقدات دينية ولكون زوجها الجزار كوشي يتغيب 11 شهرا ليؤدي مهمته على طول الريف الايرلندي فانها تعاني من ضغط العزلة والشعور بالتلاشي فتقصد صديقتها الوحيدة ..وتعشق المصور رونان . شقيقة غرا .. ليا .. تعاني من مرض خبيث وعسر تفاهم مع زوجها ما دفعه وهو ثمل لان يكسر انفها وفكها ثم بدا قلقا من تكاليف المعيشة والعلاج ما اضطره لتهريب المواشي اثناء جنون البقر . احد ابطال الرواية دايفي مراهق يتعرض للتنمر لانه يهتم بالاساطير وينجح بتفوق دراسي ورغم ان اباه لا ينتمي للايمان فان الشاب يجد ضالته صدفة داخل بيئته الكاثوليكية المحافظة . ليس بوقت بعيد حين اندلعت تظاهرات بفلسات بايرلندا الشمالية وصفت بالاعنف منذ اتفاق الجمعة العظيمة 1998 تمظهرت بشكل صراعات تاريخية تقوم على اساس الدين لانها تدفقت قرب جدار السلام الفاصل بين البروستات والكاثوليك .لهذا يتعذر استيعاب الرواية بغض النظر عن الخلفية التاريخية التي تستلهم الكاتبة منها ابعادها .
ولدت الروائية الشابة روث غيليغان في دبلن 1988 وهي استاذة للادب في جامعة برمنغام ولها خمس روايات : ( تناسى 2006 - في مكان بين بين - هل بامكانك ان تراني -الجزارون 2020 ). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تثقيب االقوقعة ج2 الروائي الامريكي باورز امضى الروائي الامريكي ريتشارد باورز خمس سنوات في اعماق غابات جبال (غريت سموكي ) في ولاية تنيسي الامريكية ليكتب رواياته الزاخرة بالاساطير والرموز المستوحاة من تلك الاشجار الباسقة فكانت روايته <اوفر ستوري >صرخة احتجاج ضد الدمار الذي يلحقه البشر بالبيئة . ذلك التجوال في الغابات البكر اثرت عميقا في روحه ما ادى الى تركه وظيفته في التدريس الجامعي وانتقل منزويا الى منزل منعزل هناك متوحدا مع الاشجار . فازت روايته التاسعة (صانع الصدى ) الصادرة في 2006ى بجائزة الكتاب الوطني . يقول باورز (انه لم ينتبه الى الاشجار الا بعد مشاهدته موقع اولبرايت غروف في جبال تنيسي حيث شاهد اشجار الخشب الاحمر العملاقة ذات مرة اثناء مزاولته تدريس -الكتابة الابداعية - فالشجرة باتساع منزل وطول ملعب كرة قدم .. لكن انبهاره ليس بسبب مشاهدته حجمها بل لكونه كان غافلا عنها. درس باورز النباتات والطحالب والفطريات لمدة سنة يقول : (كنت فضوليا اريد معرفة أي شيء ,وكل يوم لدي شغف جديد , وعندما بلغت ال 16 وحان وقت الاختصاص احسست بالذعر ) .فلم تسعفه دراسة الفيزياء او الماجستير بالادب , فقرر الانسحاب من الدراسة الاكاديمية ,فعمل مبرمجا , الى ان خطر بباله ان يكتب روايته المنشورة 1985(ثلاثة مزارعين في طريقهم الى حفل راقص ) . ورغم شهرته فقد تعرضت رواياته الى الانتقاد لافتقارها للدفيء الانساني ... يقول < شخصياتي ليسوا عباقرة كما يقول البعض بل انهم يتمتعون بشغف كبير وطريقة لتنظيم العالم غير مالوفة لدى القراء > ,ويضيف (ان المهن التي زاولها ساعدته في توصيف شخصياته وان كتاباته لا تتعمق بمواضيع شائعة كالغيرة والغضب والحسد لكنها اكثر واقعية وصورة واضحة المعالم عمن نكون , فالمهنة تشكل ذواتنا بعمق بالنسبة لمعظمنا . ) . في روايته -ذ اوفر ستوري -كان مصدر الالهام لها هو فلم وثائقي لناشطين احتشدوا سنة 1990لمنع قطع اشجار السيكويا العملاقة في كاليفورنيا .. وقد وزع الكاتب ذاته في الرواية فكان البطل نيك هاول قريب الشبه به على حد قوله .. فهو شخصية مبتكر متعمق بتاملاته وافكاره عن ذاته ويحاول حل التوتر الدائم بين هذا الانطواء في مزاجه والطموح الخارجي لمهنته . ولد باورز 1957 في ايفانستون الينوي الولايات المتحدة . من رواياته (معظلة السجين -انبهار-صانع الصدى -الشجرة العالم - ).. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تثقيب القوقعة ج3 الروائية فانتل الانهماك بتجسيد الماضي .
في 33 من عمرها بدات الكاتبة والناقدة السينمائية هيلاري تكتب اولى رواياتها (كل يوم هو عيد الام ) واستوحتها من عملها في مشفى دار المسنين .. تدور احداثها منتصف السبعينيات حول الارملة ايفيلين التي تكتشف بان ابنتها حامل ,وعليها التعامل مع هذا الامر المرير . الا انها بلغت اوج شهرتها في ثلاثيتها المتسلسلة (قصر الذئاب -حصدت البوكر 2009 , واخرجوا الجثث نالت بها البوكر سنة 2012 , والمرآة والضوء 2020 ). عاشت الروائية الانكليزية هيلاري مانتل مبتعدة عن الوسط الادبي , وركزت في كتاباتها على رسم التاريخ في القرون الوسطى . تقول : (كيف نعلم التاريخ ؟ بمجموعة من القصص او مجموعة من المهارات ايضا ـ كلاهما اعتقد . نحتاج ننقل القصص ونضع قصصا . لنستعيد التاريخ نحتاج الى صراحة ونزاهة واخلاص سخي ونزوع الى الشك .. المؤرخ وكاتب السير يقتفيان آثارا من الادلة , اثارا ورقية ثم يعيدان الماضي الى سيرورته .. الى الحركة ) <1>. في ثلاثيتها تناولت الحياة المضطربة لتوماس كروميل <1485 ـ 1540 > احد ابرز الوجوه في التيار الاصلاحي بانكلترا والذي سيغير تاريخها قبل ان يعدم بقطع رأسه . وهو يظهر في الرواية كشاب طموح , انتهازي وسياسي متمرس وثعلبي , اتى من الطبقة الدنيا لكنه تقافز صعودا ليكوّن صداقة وثيقة مع الملك هنري ويساعده على التخلص من مناوئيه لاجل تطليق زوجته والاقتران بعشيقته -آن بولين - .. هذه الرواية التي ترجمتها للعربية زينة ادريس تضمنت بعضا من الاساطير الاغريقية . في الجزء الثالث من الثلاثية (المرآة والضوء ) تتناول الكاتبة السنوات الاربع من حياة كروميل حتى اعدامه سنة 1540 .استغرقت كتابة الرواية 15 عاما وهي تتناول مرحلة قلقة وصراعية من التاريخ الانكليزي فالصراع بلغ ذروته بين الملك هنري الثامن والكنيسة , كان بحاجة لوريث فبدونه ستندلع حرب اهلية ..ورغم ان الملك هنري متزوج من اراغون لكنه وقع في حب آن بولين وهو بحاجة للموافقة على الزواج وكان ذلك طلبا محرما في ذلك الزمان . ( للكاتبة 17 كتابا , تابعت دراسة القانون بكلية لندن ثم في جامعة شيفيلد, وتزوجت من خطيبها الجيلوجي وقضيا 5 سنوات في بوتسوانا واربع سنوات في السعودية حيث انجزت فيها اهم روايتها . من مجاميعا القصصية -اغتيال ماركريت تاتشر 1914). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ < 1 > اذاعة بي بي سي والغارديان ..نشرت المحاضرة في مجلة الدوحة بترجمة احمد امان .
تثقيب القوقعة ج4 الروائي الهايتي ماكنزي يفوز بجائزة غونكور.
حصد هذا العام الروائي والشاعر الهايتي ماكنزي غورسيل -م 1983- جائزة غونكور الفرنسية بنسختها الامريكية الثانية , تثمينا لروايته (مجموع انساني ) التي تقع في 600 صفحة وهي الجزء الثاني من ثلاثيته . هذه الجائزة المتفردة اسست سنة 1903 , تمنح سنويا لعمل واحد لكل فئة للكتاب الفرنسيين او للناطقين بالفرنسية من الدول الفرنكوفونية . وقد منحت تاريخيا لمالرو 1933 و سيمون دو بوفوار الوجودية 1954 وغيرهم .. وفتحت لها فروعا بدول عدة . وقد توج بها لهذا العام ماكنزي بتصويت من طلاب 8 جامعات امريكية ...ويقول عن روايته المتوجة < مجموع انساني >: (كتبت هذه الرواية لاقول بان البؤس موجود بكل مكان وليس في بلدي فقط .. ويضيف مفسرا سرده لاحداث روايته على لسان رواية بطلته الميتة او المنتحرة (انها طريقة لالغاء الموت الذي هو موجود اينما نظرنا يشكل لغتنا وكلماتنا وحياتنا .. حاولت ان انطلق من المجهول من المراة التي ماتتاو انتحرت لانها لم تلد في الزمان ولا المجتمع ولا المكان المناسب .. فتاة نشات بين اكثر وحوش الارض شراسة وعنفا ) . فالثلاثية تحاول سبر ما يقوله الاموات عنا ,نحن الاحياء , الموت هو المجهول الضبابي اللامتناهي , انا احاول اكتشف عالمنا من الناحية الاخرى ) . في موروث هايتي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تثقيب القوقعة ج5 الروائية اليابانية يوكو
نهج الديستوبيا في روايات اليابانية يوكو تاوادا بعد ترجمة اعمالها لثلاثين لغة ونيلها جائزة كلايست بالمانيا في 2010 والجائزة الامريكية للكتاب الوطني 2018وترشيحها لجائزة نوبل اخذت دار فيردييه الفرنسية بتقديمها للقراء الفرنسيين خاصة بعد ترجمة اثنتين من رواياتها : الثانية (الملاك التيبيتي العابر ) وروايتها الاولى (الكشافة ) للغة الفرنسية . الكاتبة اليابانية يوكو تاوادا المولودة في اليابان 1960 والتي درست اللغة الروسية ثم رحلت لالمانيا لتستقر في هامبورغ عام 1982 تمارس كتابة القصة والرواية والمسرحية والشعر والمقالة . تميزت الكاتبة يوكو بابراز سحر اللغة اليابانية وتناولها مواضيع مهمة كالمنفى والاغتراب النفسي والكوارث الطبيعية والتلوث , ما دفع بعض النقاد لوصف اسلوبها ب (اللغة الجارحة ). في روايتها <الكشافة >تؤكد الكاتبة على الازدواجية بين الانفتاح والانغلاق ,الشيخوخة والشباب ,الطبيعة البرية ومدينة (الديستوبيا ) 1...خلال كل ذلك تجري مسحا وتحليل اللمجتمع الياباني المعاصر بالاعتماد على خيال غني وترصد التحولات الاجتماعية بين الاجيال .. احداث روايتها تدور في طوكيو داحل شقة صغيرة على الطراز الياباني .. يقترح الشاب البطل على جده الكاتب الذي تخطى المائة عام ان يرسم الجدران بالازرق الفاتح ويرسم عليها طيورا وسحبا لكن الجد يدرك السبب وراء ذلك ففي الخارج اصبحت كل ملامح الطبيعة مشوهة .. يقول الجد < الطفل لا يعرف الطبيعة كما عرفناها ..لانه يعيش يابان المستقبل التي دمرتها كارثة بيئية >. وتلجأ الكاتبة في روايتها الكشافة الى الفكاهة والعبثية . تتوفر لها بالبحث قصتها <وثنية في دير وثني > ادعو القراء للاطلاع عليها . لان ترجمة روايات يوكو للان بعيدة المنال . ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) تعني الديستوبيا بالياباني المكان الخبيث وهي كلمة اغريقية وتم تعميمها فشملت الحقل السياسي والاقتصادي والادبي ..اول روايات الديستوبيا صدرت سنة 1607 بعنوان <العالم الاخر والعالم ذاته > للكاتب الانكليزي جويف هول . واشهرها رواية 1948 . وهي تعني الفرد وقد تحول لالة في بيئة لا تعرف الرحمة وتنهج القسوة والاضطهاد . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تثقيب القوقعة ج6 كولين هوفر كولين هوفر التيك توك وراء شهرتها الكاسحة. روائية امريكية مواليد 1979 متخصصة بادب الاطفال . جذبت مليون متابع على تيك توك وبيع 20 مليون كتاب لها وتحولت من كاسبة الى مهيمنة في سوق المشتريات . صرحت : (قرأت كتب الآخرين، وأنا أشعر بالحسد الشديد منها، أفكر أنها أفضل بكثير من كتبى ، وان القراء يتحكمون في ما يتم بيعه الآن ". ان نجاح هوفر وفقا لنيويورك تايمز هو أن العديد من أكثر الكتب مبيعًا لها تم نشرها منذ سنوات، وعلى الرغم من أن لديها بالفعل قاعدة معجبين راسخة، إلا أن شعبيتها على تيك توك أثناء فترة انتشار كورونا جعلتها واحدة من أكثر الأسماء التي تحدث عنها القراء الذين اكتشفها الكثيرون منهم لأول مرة. تقول في روايتها الثانية( حقيقة )- تقع ب 250 صفحة - : ( يكون زواجك ناجحا من كل النواحي ولكن ما ان يبدأ الجنس بالذبول , تتأثر مباشرة الاجزاء الاخرى من العلاقة -كولين ) . الرواية التي تبدأ بدهس شاحنة لـشخص استعجل بعبور الشارع وتناثر دمه على قميص بطلة الرواية الكاتبة الفقيرة المغمورة (لوين آشلي)..التي تلقت عرضا من زوج الكاتبة فيرتي كروفورد، لإكمال الكتب المتبقية في سلسلة ناجحة لا تستطيع زوجته المصابة إنهاءها . فتذهب لوين الى السكن في منزل الكاتبة المشلولة الفاقدة للإحساس بكل من حولها، مع زوجها وإبنها الصغير وهناك عن طريق الصدفة تعثر على مذكرات فيرتي المكتوبة بكل مصداقية فتقلب الاحداث رأساً على عقب. هنالك الكثير من المشاهد الجنسية التي وظفتها الكاتبة لتسليط الضوء على اسلوب التفكير الذي يتميز به المصابون بالاضطراب النفسي فلم تكن قصة حب فيرتي لزوجها جيرمي كروفورد الا محاولة للتملك أكثر من كونه حبا. لقد كشفت فيرتي بمذكراتها الاعترافية الجانب المظلم من حياتها الذي كانت تستره عن زوجها وظلت عائلتها تعاني من نكبات متسلسلة . فنرجسيها وحبها للتملك تدفعها الى محاولة قتل بناتها لانهن شاركنها بقلب زوجها حسب قولها، فتعاملت معهن كأنداد لها و وتسببت في موت واحدة منهن وقتلت الأخرى. كتبت كوفين روايتها <الحقيقة> ابان جائحة كورونا في مقطورة سكنتها مع زوجها وابنائها الثلاثة ولم تكن تملك حاسوبا فكتبت روايتها باستعارته من امها . ان اشهر روايات كولين هوفر: (تنتهي معنا ) وهي رواية عاطفية تتمحور حول بائعة ازهار وجراح اعصاب في علاقة يسودها العنف المنزلي . وقد استوحت فكرة الرواية من تجربة والدتها حسب قولها . ______________
تثقيب القوقعة ج 7 وفاة الروائي باسكال مورسييه
قبل ايام توفي الشاعر والروائي السويسري بيتر بيري - مورسيه (م 1944 ـ 2023).. الذي لم تجذب النظر الروايتان اللتان نشرهما هذا الفيلسوف ,الا انه حصد نجاحا مبهرا في روايته الثالثة (قطار الليل الى لشبونة) -572 صفحة - والتي تبدا مع معاناة البطل الذي اخطا لغويا وهو المتبحر باللغات اثناء الدرس , هذا الخطا الذي شغل جميع من في المدرسة لايام وايام وكلما اتسع النقاش حول الموضوع زاد عدد المعتقدين بانهم اخطاوا السمع .. بعدها : ( نظر غريغوريوس الى متحف بيرن التاريخي المائل بابراجه الحادة ثم رفع بصره الى الغورتن وخفضه بعد ذلك الى نهر الآربمياهه الخضراء المتجمدة فيما كانت الريح تعصف بشدة وهي تطرد من فوقه الغيوم المنخفضة وتتلاعب بمطريته وفي تلك اللحظة لمح امراة في منتصف الجسر كانت متكئة على الحاجز تقرا ما بدا له رسالة تحت المطر المنهمر بغزارة وهي متشبثة بالورقة بكلتا يديها عندما اقترب منها غ طوت الورقة فجاة ودعكتها في شكل كرة وبحركة عنيفة رمتها في الفضاء عنده اضطر لا اراديا الى ان يسارع في مشيته حتى اصبح على بعد خطوات منها لمح وجهها الشاحب المبلل بالمطر وقد علاه غضب شديد لم يكن من ذلك الغضب السهل تصريفه في شكل صرخات عالية ما يلبث ان يتبدد بعدها بل كان غضبا داخليا غضبا مكبوتا ما يزال يحترق منذ فترة طويلة دون لهب ) .هذا المقطع الذي يتصدر روايته يؤكد مقدرته السينمائية التي تحولت الى فلم سنة 2013. ولد باسكال بمدينة بيرن السويسرية و حصل على الدكتوراه 1971 في فلسفة الوقت , عمل استاذا في الجامعات الالمانية و تركزت ابحاثه على نظرية المعرفة والفلسفة التحليلية .. اتقن اللغة اليونانية والفرنسية والانكليزية والعبرية والسنسكرتييه ودرس الروسية والعربية . فضلا عن الاطروحات الاخلاقية واللغوية في الرواية ودور اللغة في حياة الانسان تتناول الرواية اسئلة حول تعدد الذات ومدى استخدام الانسان منها (اننا لا نعيش الا بجزء من صغير من دواخلنا فما مصير بقية الاجزاء ؟ ). ان البطل في الرواية العالم غريغوريس يشرع برحلة استكشاف بعد عمل لخمسين عاما , كمدرس منضبط , يمضي باحثا عن البرتغالي اماديو صاحب كتاب (صائغ الكلمات ) وهي رحلة للكشف عن اسرار الذات . (نحن نكتب الاشياء ذاتها ونردد الكلمات نفسها , والاستعارات ذاتها , والاسوا من هذا كله هو انني حين اصغي لنفسي اجدني مثل كل الناس اردد الاشياء الابدية ذاتها , انها مستهلكة وذاوية بشكل رهيب ). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تثقيب القوقعة ج8 الروائي ميلان كونديرا
اعلن من ايام عن وفاة الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان عن عمر 94 ..الدواوين الثلاثة التي نشرها لم تثر اهتماما ... لكنه حقق نجاحاحته في مجال السرد رواية وبحثا نقديا .. جرد كونديرا من جنسيته الاساسية واستعادها بعد 40 عاما .. وقد حمل الجنسية الفرنسية منذ 1981.. في تشيكيا صدرت له روايتان : ( الدعابة و غراميات مرحة 1968 )..اصبح من المرفوضين في بلده وبعد ربيع براغ غادر سنة 1975 مع زوجته فيرا نجمة تقديم البرامج بالتلفزيون التشيكي ,ليستقر بفرنسا . كتب كونديرا لصحيفة لوموند بعد ان نشر كتابه <الوصايا المغدورة > : ((لقد افلست اوربا لانها لم تعرف كيف تفكر في الرواية كوحدة تاريخية ويتهم النقد بالفشل في التخلص من الجغرافيا )). اشهر رواياته - وجود لا تحتمل خفته 1984- يعالج فيه احداث ربيع براغ والروح والجسد وموضوعة الخفة والثقل أي الاحساس بالمسؤولية والتخلي عنها .. وهو يرتكز بكثير من اطروحاته على فكرة <العود الابدي > للفيلسوف نيتشة .. وتقع الرواية في سبعة اجزاء ..تدور احداثها سنة 1986خلال اجتياح الاتحاد السوفيتي لبراغ . لقد تزوج البطل الطبيب توماس من تريزا التي اعتبرها رمزا للثقل فيخونها مع سابينا التي تمثل الخفة .. وهو يبرر تلك الخيانة ما دام حبه لزوجته قائما..في النهاية عندما يتحرر من الثقل ويبلغ اسلوب الخفة يرى البطل نفسه وحيدا وضائعا فيتوق للعودة لزوجته التي هجرته . (لا يمكن للانسان ابدا ان يدرك ماذا عليه فعله لانه لا يملك الا حياة واحدة لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا اصلاحها في حيوات لاحقة ... ايهما افضل : العيش مع تيريزا ام البقاء وحيدا . ).
من روايات الكاتب : <كتاب الضحك والنسيان 1963 - البطء -الخلود 1988 -غراميات مضحكة .. وغيرها ). لقد اطلق اسمه على الجرم السماوي 7390 المكتشف 1983... ومات وفي ضميره غصة لانه لم يمنح نوبل التي يستحقها . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروائي النوبلي ماريو يوسا ورواية الرياح
صدرت عن دارليرن الفرنسية ترجمة لرواية الرياح للكاتب البيروفي ماريو <89 عاما > .. بطل الرواية رجل عجوز يعيش في مدينة مدريد اكمل مائة عام , يقرر الذهاب لحضور عرض اخير في احدى دور السينما قبل ان يتم اغلاقها , فيرى في القاعة ستة رجال من كبار السن (اشلاء بشرية ) فيقول (لقد مضى وقت طويل منذ هجر الشباب السينما لانهم اعتادوا على مشاهدة الافلام عبرشاشات الكمبيوتر ..فيعيش حالة الوحدة والضياع فيصف نفسه < انت الزاحف المجنح , ديناصور ما قبل الطوفان >.. في طريق عودته يضيع فلا يهتدي الى بيته , يحاول تذكر الطرق لكن بلا جدوى فيظل تائها لساعات فلا يعرف اين هو رغم الحشد المتجمهر ولافتات الشوارع والساعة ورجال الشرطة ومداخل المترو فيخشى ان ينفضح امره فتستدعيه الشرطة فيودع في السجن .. ويقر البطل يوسا بان الشاشات الافتراضية لا تقدم سوى تجربة سطحية وغير مكتملة للفن والثقافة . ولد الكاتب 1936وحصد نوبل 1910.وهو روائي وصحفي وبروفسور جامعي وسياسي ترشح للرئاسة البروفية 1990لكنه لم يفز .بدا دراسة القانون والادب في جامعة ناسيونال سنة 1953. كتب روايته الاولى -المدينة والكلاب 1963.. والبيت الاخضر 1968 وحديث الكاتدرائية .. -البطل المتكتم -شيطنات الطفلة الخبيثة .. وعشرات الروايات . حصل على الدكتوراه حول كتابته عن مائة عام من العزلة لماركيز ... وانجز اكثر من 70 عملا ادبيا . حول اسلوبه في الكتابة يقول في احدى المقابلات (كنت دائما أتفاجئ حين أكتب. بل سأكون صريحا إن قلت ربما للمرة الأولى؛ إن اكثر اللحظات إثارة و التي اجد فيها نفسي متحفزا هي حين انكب على كتب قصة ما و تبدأ الأشياء تبرز من تلقاء نفسها دون سابق اعتبار. فعلى سبيل المثال في روايتي الزوايا الخمسة، كانت هناك شخصية أردت لها في البداية ان تكون شخصية ثانوية، غير مأثرة، إلا ان ما حدث سبق ان حدث في عديد المرات، هو أنني كلما تقدمت في القصة ، تأخذ الشخصية في التبلور و تكتسب قوتها فارضة نفسها و سطوتها علي، بمبادرة منها و قررا حاسما بأن تأخذ حيزا كبيرا لها في الظهور، فجأة تصبح الشخصية مفعمة بالحياة، أعتقد أن هذه هي أكثر اللحظات سحرية في الكتابة ). تثقيب القوقعة ج 9 وفاة الروائي مارتن فالزر توفي عن عمر 96 عاما الروائي الالماني فالزر( 1927 ــ 2023 ).. بعد ان خلّف 50 عملا ادبيا تمثلت بمسرحيات وقصص وروايات مقالات .. لكنه اكتسب شهرته من كتاباته الروائية في المقام الاول . اطلق عليه النقاد ..وهو وصف ينطبق عليه من خلال رواياته (زيجات في فيلبسبورغ 1957 -و منتصف الوقت 1960 -جواد هارب 1978 ). في بداياته سخر منه جماعة الذي انتسب اليها بعد ان قدم لهم قصصه , لكنه تمكن اخيرا من ان يثبت مكانته وان يجتازمحنة التاريخ . ولد مارتن في مدينة فاسروج قرب بحيرة كونسانس بالمانية ,وحصل على الدكتوراه 1952 عن اطروحته <الشكل القصصي عند فرانس كافكا >. وصفه الكاتب مويان-بان كتاباته ذكية ومفعمة بالفلسفة > كما وصفه -لي أر- <اعظم كاتب الماني خلف توماس مان وبانه جوته المعاصر >. ترجمت له بالعربية الروايات ((رجل عاشق -القديسة -وجواد نافر )). جند ابان الحرب العالمي الثانية وكان في الاسر الامريكي وقت انتهت الحرب . قال فالزر <الرواية التي تخلو من السيرة الذاتية ليس رواية وانهما هب بحث اجتماعي > بروايته "دفاع عن الطفولة" التي صدرت في عام الوحدة الألمانية (1991) كان فالزر أول كاتب ألماني تناول موضوع وحدة الجمهورية الالمانية بشكل روائي روائي . وقبل انتهاء القرن العشرين احتفى عديد من نقاد الأدب بروايته "النبع الفوار" الصادرة عام (1998),حيث استلهم سنوات صباه في مسقط رأسه "فاسّربورغ" أيام النازية. في عام 2005 صدرت يومياته في الفترة بين 1951 - 1962 في كتاب سماه فالزر "الكتاب والكتابة"، وهو عن مهنته ككاتب وسر الإبداع الأدبي عنده. ورغم تقدمه بالسن فان روايته -رجل عاشق - ترسخ الشعور بحيوته ودفقه الروحي . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرست تثقيب القوقعة 1 الروائية غيليفان 2 وفاة الروائي الامريكي مارتن باورز 3 الروائية فانتل 4 الروائي الهايتي ماكنزي يفوز 5 الروائية اليابانية يوكو 6 كولين هوفر 7 وفاة الروائي باسكال 8 ميلان كونديرا 9 الروائي النوبلي ماريو يوسا
مطلع قصيدة تعلل لمظفر النواب ليست له
تعلل فالهوى علل وصادف انه ثمل وكاد لطيب منبعه يشف ومانع الخجل تذكر اهله فبكى ولكن مانع الخجل عراقي هواي وميزة فينا الهوى خبل فيما كان الوضع مضطربا في العراق والضغط الدولي عليه في ذروته في تسعينيات القرن الماضي بعد ان بردت حربا الخليج وكانت الناس تبحث عن ابسط ثقب لتطلق صرخة الاحتجاج ظهر النواب يلقي قصيدته تعلل بالقائه الجاذب المؤثر فحصدت شهرة واسعة . لكني ارجح ان الابيات الاربعة الاولى ليست بقلمه والقصة تبدأ حين زارني صديقي الشاعرعبد الكريم سلمان الذي عاد من رحلة اغتراب اضطرارية وادلى بانه هو من كتب تلك الابيات وقد ارسلته القوى الاسلامية المعارضة قبل السقوط الى ليبيا ليلتقي بالنواب وهناك في شقته قرا له الابيات الاولى من قصيدته تعلل فاقترح عليه مظفر النواب ان يكمل عليها لتنال الشهرة وتم الاتفاق . ان نسبة قصائد او ابيات لغير قائليها يحتاج لدراسات معمقة ورغم الجهود التي بذلت في هذا الحقل من الدراسات فان الحقيقة بعيدة المنال . مثلا قصيدة انا وليلى التي انشدت في جامعة البصرة لاول مرة تنسب لاربعة كتاب او ستة ارجح ان يكون خالد الشطري هو كاتبها ليس لان نجله برهن على ذلك في كتابات ولقاءات متلفزة بل استقراء لطبيعة اللغة والايقاع . لقد التقيت الشاعر عبد الكريم سلمان مطلع التسعينات واطلعت على بعض قصائده الكلاسيكية ولم يكن بناء قصائده الايقاعي رصينا وكان الاهتمام بالسياسة يتصدر اهتمامه . ان دراسة صوتية وايقاعية معمقة لقصائد كريم سلمان قد تقود الى دليل مطمئن لنسبة القصيدة له في حال افتراض ان ما اورده لي ليس دقيقا لكني عرفته انسانا صادقا وبعيدا عن الادعاءات. وفاخَر صحبِهِ في رحلة الدنيا وما وصَلوا ولمٌا أيقظتهُ الريح ضاقَت في الشُجى الحِيَلُ فما يَبكي ولكِن لو بَكى يُرجى له أملُ تفَرٌد صامتا مُرا ومِنهُ يقطِرُ العسلُ فما خلَلُ بها الدنيا ولكِنْ كلٌها خلَلُ ذِئاب كلٌما شَمٌت جريحا بينها أطالت من مخالبها وصارَت فيهِ تقتَتِلُ بمذئبةٍ كذلكَ كيفَ دعوى يسلَم الحمِلُ وكيفَ يقالَ إنٌ الحكمَ للأغماد ينتقِلُ تفاهات وأتفَهها ضميرُ تحتَهُ عجَلُ يُفلسِفُ ثمٌ ينقِضُ ثمٌ لا عقمُ ولا حَبَلُ مزالقُ في مزالِقٍ يرتَشى فيها ولا جَلَلُ بمختَصَر العبارة إنٌهُ عُهر تركَبُ فوقهُ دَجلُ طِباق أو جِناس أو مراحل كلٌها حيَلُ فإن لم تقدَحوا نارا فكيفَ يراكمُ الأملُ فإن قَدَحت فكونوا لُبٌها ستَظلٌ تشتَعِلُ ففي لَيلُ كهذا تكثر الضوضاء والجُمَلُ ومانظروا هذا الحضيض وتِلكُم العِلَلُ قضيتنا وإن عجنوا وإن صَعَدوا وإن نَزلوا لها شرح بسيط واحد!! حقا لِمَ الهَبَلُ لماذا ألف تنظير ويكثر حولها الجدَلُ قَضِيٌتُنا لنا وَطَنُ كما للناس من نُزلُ وأحبابُ وأنهارُ وجيرانُ وكنٌا فيه أطفالا وفتياناً وبعضا صارَ يكتهِلُ وهذا كُلٌ هذا الآنَ.. مغتصب.. ومحتلُ.. ومعتقلُ قضيتنا سنرجع او سنفنى.. مثلما نفنى ونقصف مثلما قصفوا.. ونقتل مثلما قتلوا فإرهاب بعنف فوق ما الإرهاب ثوري يمينا هكذا العمَلُ أقول ويمنع الخجَلُ بشج العين يكتحِلُ وكيف عروسكم حصص وحصتكم بها نغلُ أراهنتم على جمل بمكة تسلمون ويسلم الجمَلُ غفا جرح فأرٌقَه بماذا قد غفا كهِلُ وأنب قلبه ما كان عشق فيه يكتمِلُ وكاد لما تصبى وإلتقت في روحه السبلُ تطيب بريقه القُبَلُ وأطيبهن تَتٌصِلُ ولكن في قرارته هموم ما لها مُقَلُ كما قطط ولائد في عماها والعمى كلَلُ تذكر أهله فقضى فكابر دمعه الخضِلُ وكاد يجوب لولا تمسك الآمال والحِِيلُ وعاتب صامتاً لو كان يحكي إنما المَلَلُ فما أحبابه يوماً بأحباب ولا سألوا وما مسحوا له دمعاً كما الأحباب بل عزلوا ونقل قلبه لكنهم كانوا هم الأوَلُ فلم يعدل بنخلة أهله الدنيا فنخلة أهله الأزل وماؤهم الذي يروي وماء آخر بلَلُ وحبره الذي نصف الهوى في قلبه وحلُ يخط عدوه من وطنه له شبراً فينتقِلُ طباق.. او جناس.. او مراحل كلها حِيَلُ قضيتنا وان نفخوا الكلى وشرارهم جبَلُ وصاغوا من قرارات وان طحنوا.. وان نخلوا لها درب مضيء واحد رب فلا لاتٍ... ولا عزُ ى.. ولا هُبَلُ قضيتنا لنا أرض قد أغتصبت وكنا عزلاً لا نعرف السوق البرجوازية في الدنيا ولا ما تصنع الأموال والحِيَلُ وطالبنا فكان قرار تقسيم وطالبنا فصرنا لا جئين وخيمة جرباء تنتَقِلُ كم إغتصبتْ عروسُ مِن مُخيٌمُنا وكم جعنا.. عرينا.. كم خجلنا ثم طالبنا فلَم نُسمَع فكشٌر نابهُ الخجلُ وأرسلوا السكين تَختَجِلُ يميناً انه درب الى حيفا غداً يصِلُ
الشيئية في الادب البصري
الشيئية في نصوص بعض ادباء البصرة في ستينيات القرن الماضي ظهرت الرواية على يد الان روب غرييه..ولوحظ تأثير واضح لبصماته على الادب العربي خاصة في العراق. ولان القصة الستينية اهتمت بالتجريب والتجديد ومحاولة الانفكاك من هيمنة الواقعية اليسارية فقد وجدت في الشيئية اضاءة فتحت لها افاقا جديدة . لا نقول اننا كنا مقلدين بل مستفيدين من الشيئية. سنة ١٩٧٩ ظهرت مجموعة محمد خضير منزل النساء:.وهيمنت القصة التي يتصدر اهتمامها الشكل والكتابة المحايدة واللغة الموحية الملتقطة بحيوية. اللافت ان بعض ابرز كتاب البصرة ما يزالون في قوقعة الشيئية . ورغم انك تقرأ جهودهم في اثراء اللغة مجازا واستعارة والغوص عميقا من اجل لغة شفافة مميزة الا اننا نفتقر الى المحتوى الانساني الاعمق في بعض الادب البصري. اما آن الاوان لمغادرة التجريب الشكلي بعد ٧٠ عاما من انبثاق الشيئية.
ا
لجذور السيكولوجية للاهتمام ببيت شعر او قصيدة
أَوَبـعدَما ابـيضَّ الـقذالُ وشـابا...أصـبو لـوصلِ الغيدِ أو أتصابى هـبني صـبوتُ، فمَنْ يُعيدُ غوانيا...يـحسبنَ بـازيَّ الـمشيبَ غُـرابا قـد كـانَ يـهديهنّ لـيلُ شبيبتي...فـضللنَ حـينَ رأيـنَ فـيهِ شهابا والـغيدُ مثلُ النجمِ يطلعُ في الدجى...فـإذا تـبلَّجَ ضـوءُ صـبحٍ غابا للسيد رضا الهندي. قال الشاعر الشيخ مغامس بن داغر الحلي البحراني المتوفي حوالي 850 هـ: أتطلب دنيا بعد شيب قذالِ وتذكر أياماً مضت وليالِ أما كان في شيب القذال هداية فيهديك نور الشيب بعد ضلال ـــــــــــــــــــــ رأته على شيب القذال وأنّها … تواقع بعلا مرّة وتئيم
قاله ساعدة بن جؤيّة الهذلي. يصف امرأة فقدت ولدها الذي رزقته بعد أن شاب قذالها وبعد أن مرّت بتجارب الزواج والطلاق، فهي امرأة تنكح فتوطأ ومرة تطلق فتئيم والأيم: التي لا زوج لها، وقبل البيت: وما وجدت وجدي بها أمّ واحد … على النأي شمطاء القذال عقيم ـــــــــــــــــــــــــــــــــ قال الجواهري مضى شباب فهل يعود ولاح شيب فما يريد ورغم ان الشعر العربي زاخر بالشعر الذي يتناول موضوعة الشيب الا انني منذ الصغر حتى بعد الستين اردد ابيات السيد الهندي رغم اني مبكرا تحايدت مع الشعر البياني وصرت اشد اهتماما بالحداثة . لقد سمعت تلك الابيات في صغري من فم روزخون باحد المجالس الحسينية ثم قرأتها بكتاب مثير الاحزان الذي يجمع مئات القصائد الحسينية . ولم اكن وقتها متمرسا بالاستعارة والمجاز لكن استعارة الباز والغراب لوصف الشيب والشعر الاسود واضحة ولم اكن قد اتقنت علم العروض لاتفهم الزحافات والعلل في الابيات. فما الذي رسخ الابيات بذهني ودفعني ارددها احيانا طيلة ستين عاما . لم تكن قصيدة قارئة الفنجان لقباني تحتل كل هذه الشهرة لو لم يقم بادائها مع عبد الحليم مصحوبة بموسيقى باهرة . احيانا اتساءل كيف نهتم ببيت النابغة ( سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته واتقتنا باليد ) , رغم ان النت يظهر لنا عريا غير مسبوق . وكثير من قصائد النواب بعدما هدأت سورة الحروب وتلاشى النظام السابق ضعف اهتمامنا بها بل ان بعضها بعد قراءتها مكتوبة لم تعد تستقطبنا فهل كان الالقاء عاملا حاسما او المرحلة التاريخية ؟ ان كثيرا من الابيات التي نرددها ليس بسبب قوتها بل لعوامل اخرى مصاحبة مثل ارتباطها بذكرى غائرة او لجمال ايقاعها او لتفرد مفردات فيها او لان فما عذبا تدفقت منه لاول مرة .
علاقة الشعر الفصبح بالشعر الدارج
علاقة الشعر الفصيح بالشعر الدارج في كل بلد بالوطن العربي هناك علاقة تآزرية بين الشعر الشعبي والفصيح. لكني لم ار من دارسي الشعر الحديث من عقد مقارنة او ثبت التأثر بينهما سوى اشارة مقتضبة وردت في كتاب سلمى الخضراء الجيوسي بكتابها الضخم ( الاتجاهات والحركات في الشعر العربي) حيث تناولت الشاعر العراقي احمد الصافي النحفي. حين تتاثر بجمال ورقة الشعر اللبناني عليك تذكر اغانيهم خاصة فيروز. الشعر العراقي الشعبي محمل بحزن عميق وعاطفة فياضة وحتى الساخر منه يعكس اعماق سيكولوجية الفرد العراقي مثلا شعر الكرخي وجسام النجفي. لقد مر الشعر الدارج في العراق بثلاث مراحل توجت بديوان الريل وحمد للنواب. وحين تطلع بدقة على هذا الديوان يبهرك الايقاع وتفرد المجاز والاستعارة. كنت دائما ما اعقد مقارنة بين ابياته في قصيدته البنفسج ( يلي جرة سما بعينك ...) والشاعر الفرنسي اراغون في ديوانه عيون الزا ( الزا عيناك قطعتان من السماء قصتا بمقص) . لم يكن انبثاق الشعر الحر في العراق والتوجه نحو الحداثة بقوة بمعزل عن تطور الصورة الشعرية في اللهجة الدارحة. اطمح ان ارى نقادا يعقدون مقارنةويثبتون تفاعلا بين الشعر الحديث والدارج في العراق.
اين سيكون مصير لوريات الاصدارات القصصية
اين سيكون مصير لوريات الكتب القصصية في الوطن العربي. شهدت الساحة الادبيةمنذ مطلع القرن العشرين تراجعا لافتا بالاعمال الشعرية وتصدرت المجاميع القصصية والرواية خاصة في العراق . وتفسير ذلك يحتاج الى تظافر جهود نقاد حيويين ودارسين متأملين. ما حدث في العراق من ظروف ملحمية وتضييق حاد على مساحة النشر اعقبه ظهور مجلات ادبية متساهلة بعد حوالي ١٥ عاما من استلام النظام السابق للسلطة ما دفع عددا كبيرا من الكتاب الشباب لان ينشروا قصصهم القصيرة .وذلك جلي لكل من اطلع على مجلات مثل اسفار والطليعة الادبية العراقيتين. فبعد ثماني سنوات من الحرب وعشرة اعوام من الحصار سمح لاول مرة باقامة مهرجانات للشعر الشعبي وخفت حدة مقص الرقيب في التضييق على النصوص. وارى ان كثيرا ممن كتبوا الرواية بدؤوا شعراء او ان طاقتهم الكتابية قريبة من روح الشعراء. ولظروف يصعب غورها وتحديدها بدقة تحولوا من كتاب قصة قصيرة الى روائيين. كان بامكاننا ان نقرأ مجموعة شعرية بين ليلة وضحاها نظرا لقلة الصفحات وقصر السطور. اما الان فتحتاج عشرة قراء في مخك لتتمكن من قراءة الروايات التي تصدر سنويا. ان اصدار او كتابة رواية اصبحت موديلا ولونا من الاربطة المزخرفة التي يحتاجها كتاب لا موهوبون ليدخلوا بها حفلات الجلسات الادبية. وان كانت الكمية تؤدي الى كيفية فاين من يفرز واين من يضيء.
لهوس بالحداثة حرمنا من سحر الواقعية
كاظم حسن سعيد الحوار المتمدن-العدد: 7863 - 2024 / 1 / 21 - 00:48 المحور: الادب والفن
في التسعينيات قرأت كتابا بالانكليزية (بيست اوف امريكان شورت ستوري ) واستغربت على تلك القصص الواقعية المؤثرة فيه فهي مختارات من القصص الامريكية مع مقدمة نقدية متقدمة ,وكانت المرحلة الادبية صاخبة بتاثير البنوية . وقلت لماذا نجري وراء احدث التقليعات الادبية فحين ظهر سارتر لا يتقبلك المثقفون بسهولة ان لم تكن كتاباتك وجودية , بعدها انبثقت الشيئية وهكذا . فانت بحاجة لتغيير اساليبك حسب ما ينتجه الغرب بل عليك ان تكيّف افكارك حسب اطروحاتهم . وحدث ذات الامر في الشعر العراقي فكنا نحرق المراحل ونتنقل طلبا للاحدث حتى لم نعد نميز بين الشعر الحقيقي والشخابيط . اقرا القصص التي وردت في التراث فاحس بالمتعة مثلا تلك القصة التي رويت باضافات ونقصان والاشهر انها تنسب للبهلول حين طلب اخوه من امه ان تهديه لصفات الزوجة الصالحة فاجابته اقصد اخاك البهلول ومضى فصادفه يعدو على قصبة واجابه ( احذر الرنانة الحنانة وام جرس وتزوج بام ( لا ادري ) وابتعد عن طريق الفرس ), طبعا كان فرسه عصاه يسوطها بين ساقيه . وانت ترى في قصص ماركيز خاصة مجموعته قصص ضائعة و12 قصة مسافرة وغيرها تلك الواقعية المؤثرة مع النظر الى انه كيّف الاسلوب فنيا . وكذلك فعل بورخيس. هذه ليست دعوة للرجوع للوراء لكنا مللنا من الحداثة السائبة في القصص . فكثير منها اشبه بحلوى نسميها في العراق ببيض اللقلق وهي شهية سريعة الذوبان في الفم وبلا ثمرة غذائية . لوحظ ان كثيرا من القصص تتناول الشخصية المثقفة وهي طريقة مستسهلة في الكتابة لان بامكانك ان تزج الافكار كما تشتهي اما ان تكتب عن حوذي اوسائق عجلة فستكون مقيدا بالموضوع تحكمك مساطر القياس بقوة .
لماذا المقالات القصيرة
تعمدت مؤخرا كتابة مقالات مختصرة ومكثفة وهو ما دفع بعض الادباء والاصدقاء بالحث على توسيع تلك المقالات . غالبا في الفترة الاخيرة جنحت للاختصار والتكثيف لان نفس القاريء اصبح ضيقا فضلا عن العزوف عن القراءة . ولان النت لم يترك عذرا فلماذا التوسيع والاستطراد فيما تتمكن من حصد المزيد من المعلومات بضغطة زر. في مقالتي السابقة عن علاقة الشعر الدارج بالفصيح ذكرت بان الشعر الشعبي العراقي مر بثلاث مراحل . وكنت ادرك ان هذه المعلومة بحاجة لاضاءة لكني ما كنت بوضع كتابة عن تاريخ الشعر الدارج متأملا ان يمضي القاريء لمفتاح البحث فيجد ضالته بدقائق . مع هذا ارى ان المرحلة الاولى نضجت على يد الشاعر الحاج زاير . زاير بن علي بن جبر الدويج المسلماوي، زاير البرسي أو زاير الديك، ولد في برس في الفرات الأوسط المحاذية لبابل والقريبة من الحلة، في العام 1860 وسط عشيرة الشريفات من طفيل القيسية، ودرس في النجف في مدرسة القوام، عرف اليتم لاحقاً فحرمه من متابعة دراسته، ليدخل سوق الحياة والعمل حفاراً لآبار المياه، ولكن هذا لم يجعله ينقطع عن التواصل مع العلماء ومجالس الذكر والحسينيات . وتم سوق زاير مع السوقيات الجندية إلى حاميات العثمانيين في الخليج العربي، وفي طريقه تلك زار مكة وحجّ إليها، فحمل لقب الحاج، قبل أن يستقر في قطر، حيث كانت مهمته كجندي حراسة قلعة عالية، فكان كلما حانت مناوبته صعد إلى بروجها، ناظراً إلى الأفق الذي يفصله الخليج عن العراق، ليشتعل حنيناً لأرضه ومجالسه، ويتدفق شعراً حاراً حياً . ومن شعره وهو من صنف الموال : من يوم فركَاك جسمي من صدودك عود وهيهات عكَبك يسليني نديم وعود كلما يتوب الكلب روحي تكَلي عود من حيث بجفاك صارت بالكلب لوله وحياة من بالمهد جبريل اله لوله لوما يكَولون واعرف بالحجي لوله جنت احجي وياك لاجن بالزبيبة عود له ديوان مطبوع .والفت كتب عنه واشاد بمقدرته بعض المستشرقين . ومن شعره الشهير الذي غالبا ما تتغغنى به فرق الخشابة بالبصرة : دار الملوك أظلمت عكب الضيا بسروج/ وتميت اكت الدمع اعله الوجن بسروج/ والخيل لمن تردت واطلت بسروج/ الكدش أصبح لها عزم شديـد وباس/ والزين دنك على جف الزنيـم أوباس/ والشهم لو عاشر أنـذال بها الوكت لاباس/ من جلة الخيل شدوا عل جلاب سروج”. زار مكة فلقب بالحاج وله ديوان مطبوع . وانت ترى ان هذه المعلومات رغم ضرورتها لا تحتاجها مقالتي المذكورة فانا افضل الاشارات مهتما بما هو اهم من رصد الظواهر الادبية . ان كثيرا من القراء رأيتهم يجافون مكتباتهم التي تعبوا لاجل تجميعها واصبحت بعض التطبيقات تشدهم مثل التكتك . ولا ادري كيف نعيد العراقيين الى سابق عهدهم بالاهتمام بالقراءة في ظروف قلقة ومرتجة نمر بها . اصبح الكثير من القراء النهمين لا يطيق قراءة صفحة واحدة . والمثل كان شهيرا بان مصر تؤلف ولبان تطبع والعراقيون قرّاء نهمون , العدوى القرائية والكتب الاكثر مبيعا العدوى القرائية والكتب الاكثر مبيعا ظاهرة قراءة الكتب المتشابهة تقود لقالب قرائي متشابه لكنها تعكس مزاج جيل في مرحلة تاريخية محددة . لقد جمع كاتب امريكي مجموعة من القصص ( بيست اوف امريكان شورت ستوري .. افضل القصص الامريكية المعاصرة ) واستخلص منها اهم المشاكل والازمات التي يعاني منها الامريكيون حسب كتابها . وبهذا يمكن لمثل هذه المختارات واستخلاص توجه كتابها ان يساعد في علم الاجتماع . اجرت جريدة الغارديان البريطانية استطلاعا لاكثر الكتب مبيعا في القرن 21 وكانت الحصيلة (رواية ما تخبئه لنا النجوم بيعت منها 23 مليون نسخة تحولت لفلم سينمائي وتروي عن فتاة مصابة بسرطان الغدة الدرقية وتقع في حب اوغاستس المصاب بسرطان العظام و رواية سارقة الكتاب صدرت 2005 وحققت 16 مليون نسخة , وكتاب السر حصد20 مليون نسخة وهو يختص بالمساعدة الذاتية و ورواية خمسون درجة من جراي وهي رواية رومانسية 15 مليون نسخة والفتاة ذات الوشم للكاتب السويدي لارسون حصدت 30 مليون نسخة ورواية الشفق رواية رومانسية خيالية حول مصاص الدماء وعداء الطائرة الورقية 31 مليون نسخة وهاري بوتر للكاتبة البريطانية رولنغ تحكي حكاية الصبي الساحر ورواية مباريات الجوع 100 مليون نسخة واخيرا رواية المختلفة صدرت 2011وحققت 35 مليون نسخة ). رواية المختلفة هي جزء من سلسلة ثلاثية ( الجامحة والمتمردة و الوفية ) , شرعت بكتابتها الروائية الامريكية فيرونيكا روث وهي طالبة جامعية وترجمها ادريس للعربية وهي من مواليد 1988 من اصل الماني وبولندي , انفصل ابواها وهي بعمر الخامسة , امها الرسامة باربارا روس . ومن رواياتها الاخرى افتراق الاقدار بترجمة هيلدا عساف ورواية احفر العلامة . ونكرر القول بان جدب الترجمة يحرم القاريء العربي من الاطلاع على اغلب نتاجات العالم الادبية ولا يمكن تجاوز ذلك الا عبر مؤسسات الدول العربية الثقافية والتي للان بعيدة عن هذا الطموح .
امراة في الرمال لكافكا اليابان كوبي آبي
صدرت رواية امراة في الرمال سنة 1973 لكن ترجمة روايته( المعلب ) التي ترجمها مجدي خاطر1988 عن دار العين المصرية دفعت بالحوار والتباحث حول ادب كوبو الى الصدارة . والمعلّب ترسم صورة لرجل عادي يتحول الى كائن لا يرى في علبة كمأوى من الازمات ولكنه وهو يروي في علبته يشاركه اخرون من داخل العلبة , فيتعذر على القاريء ان يميز بين الروائيين المعلبين هناك .
يعد كوبو من كتاب الادب الطليعي او التجريبي وهو مصطلح فرنسي انبثق بفرنسا في القرن التاسع عشر , ودخل القاموس الياباني خلال حكم الامبراطور تايشو . كانت تجربة الخراب اثناء الحرب الثانية وخلال الاحتلال الامريكي قد تركت خواء وتازمات نفسية في اليابان . ولد كوبو بطوكيو وقضى طفولته وشبابه في اقليم منشوريا الصيني وكان ابوه طبيبا . عاد الكاتب لطوكيو ليدرس الطب في 1943 وليتخصص بعلم امراض النساء وكان ضجرا من دراسته . نشر ديوانه الاول على نفقته . التحق بالحزب الشيوعي سنة 1943وظل محتدما ومختلفا معهم . كان قائدا لمجموعة شباب سميت ( نادي القرن )الذي تاسس نهاية الحرب . كان يرى ان المدينة جحيم وان الثيمتين الاغتراب والهوية اهم ما كانت تتصدر اهتماماته . ( اختفى رجل ذات يوم من ايام اغسطس وكان قد انطلق في اجازة على شاطيء البحر .... ومن الطبيعي ان الجميع تصور ان في الامر امراة ولكن زوجته او المراة التي كان يعاشرها اعلنت اخيرا ان الهدف من رحلته كان جمع نماذج من الحشرات , ذات اصيل من اصائل اغسطس وقف رجل في محطة السكك الحديدية في بلدة سك كان يعتمر قبعة رمادية مستدقة القمة وقد دس اطراف سرواله في جوربيه وتقاطع على كتفيه صندوق خشبي ومزادة فبدا موشكا على الانطلاق في حملة تسلق الجبال ... شرع الرمل في التساقط في نهيرات صغيرة هنا وهناك ساوره شعور بان هناك حشرة غريبة داخل السقف رمل وخشب متحلل , لا شكرا , فقد نال كفايته من الاشياء الغريبة ثم شرع الرمل في التساقط من احد اركان السقف متالقا من غدران عديدة تشبه الشرائط شكّل الهدوء الغريب مفارقة مخيفة مع عنف تدفق الرمل سرعان ما ارتسمت الثقوب والصدوع في الواح الحصير المصنوع من القش اتقد الرمل في انفه واهاج اغشية عينيه فلاذ بالهرب من الدار.. فجاة احس بانه يذوب ذوبانا من قدميه فما فوق في مشهد من لهيب لكن شيئا من الثلج بقي في محور جسمه شعر بالخجل على نحو من الانحناء , امراة تشبه الحيوان لا تفكر الا باليوم لا امس ولا غد وقد حلت نقطة سوداء محل قلبها .) من رواية امراة في الرمال ..
كوبو آبي روائي ومخترع وكاتب مسرحي ومصور فوتغرافي من اعماله روايات جريمة السيد س.كاروما والخريطة الممزقة ومرحبا بعصر الجليد وصورة انسان ). _______________
رواية وليمة لاعشاب البحر وضجة الجدال مرت بسلام منذ صدورها سنة 1983 حتى قامت سلسلة - افاق الكتابة -باعادة طبعها بعد صدورها في بيروت , فاثارت جدلا واسعا وحادا في الاوساط الشعبية والثقافية بمصر حتى حظرها الازهر . وقد تدفقت بسببها تظاهرات لطلبة جامعة الازهر وسقوط جرحى بحجة ان الرواية تسيء للمفاهيم الاسلامية ..وتمت المطالبة باقالة وزير الثقافة الاسبق الفنان فاروق حسين .. .. وقد اجاب الروائي حيدر حيدر على كل تلك الضجة ب (نحن نعرف ديننا وتاريخنا ولسنا بحاجة لفقهاء متعصبين ودعاة يرشدوننا الى الصراط .). فيما صرح المفكر والناقد جابر عصفور ب (انها افضل رواية عربية معاصرة ومن يتهمها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسي الذين يتدرعون باقنعة دينية ويتولون ارهاب المثقفين .. بطل الرواية محمد جواد مناضل شيوعي يغادر العراق ابان تواري الحكم القاسمي .. فيلتقي بمناضلة جزائرية تعيش خيبات الظن بالثورة الجزائرية : (تراءى على وجهها ظلال اسى جارح ,لكنه صادق من زمن مشرق ولى الى زمن قاتم ,فحول الناس من حالة الحب والتضحية والتعاون الى حالة غريبة من الحقد والكراهية والانانية والوهية الما ل) .. هكذا توصف زميلته التي هزتها الصدمة التي لم تكن تتوقعها .. استغرق الكاتب حيد رفي كتابتها 9 سنوات وقد برز كاتبا سرديا حينما نشر قصصه القصيرة في الاداب البيروتية التي جمعت وصدرت لاحقا باسم حكايا النورس . ان لغة الكاتب في هذه الرواية - وليمة - تتارجح بين اللغة الايحائية والبيانية ..لكنه ليس رائدا في هذا الحقل - الايحاء والكثافة الشعرية - لان الكتاب العراقيين تمكنوا من استكشافات بلاغية ولغة ايحائية منذ الستينيات الا ان النقد لم يواكبهم بمستوى الطموح . لقد رحل عن العالم الكاتب حيدر حيدر يوم الجمعة الماضي تاركا ضجة جدلية ستتواصل ان لم تكن فنيا فاقلها من الناحية الاديولوجية والدينية ... ان ظاهرة الحظر تشكل منعطفا خطيرا وهو لا ينجح .. فبعد حظر الازهر زاد عدد قراء الرواية بشكل لافت ...ان السيف وكاتم الصوت لن يتمكن من حجب الفكر والفن .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كنزابورو آوي :كشف سيكولوجي عميق بشاعرية ومهارة التقاط .
اعلن من ايام عن وفاة الروائي الياباني آوي 88 سنة الذي توج بجائزة نوبل 1993, وهو ثاني اديب ياباني يحصدها بعد مواطنه ياسوناي كاوباتا .ولد آوي في جزيرة شيكوكو غرب اليابان وانتقل لدراسة الفرنسية بالعاصمة طوكيو . في الحصص الدراسية يقف طالب ياباني صغير ويسال زملاءه (هل انت مستعد للموت ان امرك الامبراطور ؟ او تشعر بالخزي ان تراجعت عن ذلك ليلا ) ويصيحون جميعا (نعم ) ... لهذا شعر اوي بغاية الصدمة عندما تكلم الامبراطور معلنا الموافقة على الاستسلام للعدو بعد القنبلتين الذريتين .. لقد تضبب الشعور بالقدسية لديه وزملائه الصغار في 1945. لحسن حظ القارئ العربي ان خمسا من روايات اوي ترجمت للعربية : (الموت غرقا -الصرخة الصامتة ـ ترجمها سعدي يوسف -علمنا ان نتجاوز جنونا -مسالة شخصية ــ هموم شخصية - ). فاز كنزابورا بجائزة اكوتاغاوا اليابانية 1958 ذات السنة التي نشر فيها روايته البكر . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كتبت هذه الرواية سنة 1964 وربما كانت النص الاهم لمنحه نوبل .. قالت لجنة التحكيم ( بقوة شاعرية يخلق آوي عالما متخيلا حيث تتكثف الحياة والخرافات لتشكل صورة مركبة لوضع البشر الهش ).. الرواية تتحدث عن رجل يولد له طفل معاق فتتغير حياته جذريا ولان اوي ولد ابنه الاكبرمصابا بتلف دماغي فيمكنك الاستنتاج بان الرواية شبه مذكرات صيغت فنيا كرواية . (كان التلفون يرن فاستيقظ عصفور .. انه الفجر والسماء تمطر لا تزال ..ويضرب عصفور بقدميه العاريتين قافزا على التلفون كارنب ورفع السماعة وساله صوت رجل عن اسمه دون كلمة تحية ...وفي الحال فقد عصفور صوابه..... ولكنه تفحص نفسه وقال في صوت موضوعي للغاية قد يصدر عن غريب له قلب حديد : ـ هل الام بخير ؟ وجاء الرد ـ زوجتك بخير . من فضلك احضر حالا . ). وبعد ان يصف كيف خطا على اطراف اصابعه حذرا من استيقاظ صاحبة المنزل وتحاشيا لطعنات اسئلتها الفضولية .. يدخل في الفجر ويعتلي دراجته ويجري بسرعة جنونية مجتازا البقع المائية وقوة الريح التي تعرقله وتثلجه فيصل المشفى ليرى مولوده .. .. يقول آوي (انه كان يعيش استقطابا كندبة بين ثقافة بلاده الاصيلة واعتمادها السريع على اساليب الحياة الغربية ).. حقا انها محنة كل الشعوب التي تعرضت للهيمنة .. وليس اليابان وحدها .
فلم صمت الحملان : مشهد الزنزانة المرعب
في مطلع التسعينات شاهدت هذا الفلم لاول مرة .. كنت ابات في منزل الرائد البريكان وشاهدناه معا على شاشة تلفاز ملونة ..لم المس اهتماما من البريكان للفلم لكنه اثر فيّ عميقا فشاهدته عشرات المرات خاصة بعد دخول السيدي العراق وتوفر الاشرطة المدمجة , حرك الفلم المخاوف الاعمق في الجماهير بكل العالم , لكنني تاثرت بمقدرة الفلم التحليلية للنفس البشرية والكشف عن اعماقها , ولهذا كان المشهد الاهم لدي هو اول مواجهة بين القاتل المتسلسل آكل لحوم البشر والشرطية المتدربة التي تمضي اليه ليكشف لها عن اسرار قاتل متسلسل ما يزال طليقا ..قصة الفلم اسست على رواية توماس هاريس الاكثر مبيعا . الفلم يحكي عن قصة عميلة من مكتب التحقيقات الفدرالي الشابة الجميلة التي تكلف بالكشف عن عقل قاتل متسلسل في زنزانة للقبض على قاتل متسلسل طليق ,الفلم من بطولة فوستر وانتوني هوبكنر . التقى البطلان بلندن قبل التصوير لاول مرة ونجحا بتخويف نفسيهما قبل تجربة الاداء حسب ما ادلت به فوستر وهذا السلوك هو احد عوامل تفوق مشهد اول لقاء لهما في الزنزانة (شعرت بقشعريرة تاتي من الغرفة بطريقة ما . كان الامر كما لو كنا خائفين من بعضنا ). اصبح فلم صمت الحملان الذي عرض 1991 انجح افلام هوليود .وحصد خمس جوائز اوسكار. 1989 قال هوبكنر( تلقيت سيناريو فيلم صمت الحملان في لندن , ارسل لي كيلي النص وبعد عشر صفحات اتصلته وبدأنا مناقشة الدور . كنت بدءا قد تصورته فلما للاطفال .وتقول فوستر <انها تتذكر ذلك الصوت الذي كان لدى هوبكنر .. هناك شيء مخيف وحصل تغيير بالصوت بفضل احد المشتغلين على الصوت>.. في الفلم لم تستخدم كلاريس الانقباضات في نبرة صوتها .. تم تصوير الفلم في فيلادلفيا . بعد سلسلة من التحذيرات من قبل مسؤوليها وابواب متعاقبة تفتح وتغلق كهربائيا .. تمضي البطلة مرتعبة في الممر الذي تسلسلت زنزانات لعتاة المجرمين على يمينه ويساره وهم يتنمرون عليها ويكادون ينهشونها بذئبية غاية الوحوشية فتصفهم في لقاء <كان مكانا غريبا للغاية كل السجناء مختلفون متقلبو المزاج وحين ظهر واقفا يستقبلني كان ليكتر نوعا من الاضاءة الساطعة >. كان مكتب التحقيقات الفدرالي يبحث عن قاتل متسلسل يقتلهن ويسلخ جلودهن .. وقد خطف ليقتل بنت مسؤول كبير وبعد ان وصل المكتب لطريق مسدود ارسل متدربة ضعيفة الخبرة لتقابل عالم نفس عبقري التحليل الذي تم اعتقاله ل 8 سنوات تحت حراسة مشددة .. وهو ما حدث فنجحت بالحصول على بعض المعلومات منه فاخبرها ان القاتل الذي يبحثون عنه كان احد مرضاه وانه يجلد ضحاياه من النساء ويسكب مادة ترقق جلودهن ثم يسلخها ليخيط منها ثوبا له لانه يريد ان يتحول .. وهو يربي لونا خاصا من الحشرات لا تتوفر بالبلد فجلب بيوضها وكاثرها واعتنى بها لتساعده في <التحول الجنسي >. يفرض عليها ليكتر ان تبادله معلومة مقابل معلومة منها . ومن خلال ذلك يتمكن من اختراق اسرارها واستلال اسرارها ..فترى نفسك اما م محقق متمرس ... فيعلم انها قد احست بالرعب اثر صراخ لحملان في مزرعة يباغتها بهجيع الليل فتهرع للصوت فترى حملا بوضع محرج فتحاول عبثا اتقاذه .. وهي تعاني من فقدان ابيها الشرطي الذي قتل غدرا لهذا تحاول انقاذ المخطوفة قبل سلخ جلدها .. كل ذلك يجري في جو من الرعب وهي تواجهه واقفا خلف قضبان زنزانته .. متمتعا بخبرة وثقة . فلم الرعب والقتل بلا دماء مرفقا بموسيقى تعمق جرعات الرعب هو من اخراج جوناثان ديم . كتب النص السينمائي تيد تالي وقد حصل الفلم على الترتيب 65 لافضل افلام السينما الامريكية عبر 100 فلم . حسب معهد الفلم الامريكي . .
بول اوستر :ابتكار العزلة مذكرات افتراسية
من ايام اعلنت الكاتبة سيري هاستفيت زوجة الروائي والمخرج الأمريكي، بول أوستر، بأنه يخضع للعلاج من مرض السرطان. اثاراتهام أوستر لوالده بالبخل - في "اختراع العزلة"- غضب عائلته فكذبته، ما جعله يفسر في "تباريح العيش" لاحقاً، بقوله: "لقد ترعرعت في عائلة بورجوازية، وعشت طفولة ميسورة، ولم أعانِ أبداً من أي نقص أو حرمان يزهق غالبية البشر. لكن على رغم اليسر فإن المال كان موضوع المناقشات والهموم المتواصلة ,عاش والداي الأزمة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية ، ولم يبرأ أي منهما من هذه الأزمنة العصيبة بصفة نهائية. تركت تجربة العوز آثارها فيهما، وكان كل واحد منهما يحمل جرحها على طريقته. كان أبي مقتصداً وما انفكت ذكرى الفقر تلازمه. أما أمي، فكانت تعشق طقوس الاستهلاك. وكانت على غرار الأميركيين تمارس التسوق بوصفه وسيلة للتعبير". في مقابلة مع "الغارديان" البريطانية، بيّن أوستر الدور الكبير الذي تلعبه السير الذاتية في حياة القراء. إنها رحلة استكشاف للذات وليست استعراضاً لها على الملأ. تطفل البطل لمنزل ابيه الذي عاش فيه وحيدا مدة 15سنة , فعلم بانه لم يجر عليه أي تغيير .. و ان ما كان يحكمه هو الاهمال لا الذكريات .. فبعد انفصاله عن زوجته صار الوقت الذي يستغرقه داخل المنزل يتناقص .. فالمنزل مكان للنوم فقط .. انه خارج مفاهيم باشلار بكتابه جماليات المكان اذ قال > , وقد راى الابن المتطفل على بيت ابيه بان الاهمال الجلي للبيت هو انعكاس للسلوك الذهني فقد مر بحالات تفسخ تدريجي فاثاث الغرفة مطمور بالعناكب , تتلبس فرن المطبخ قطع من طعام محروق ,علب طحين موبوءة , اكياس سكر تكلست .... كان يجيب ان حثه اصدقاؤه على ترك المنزل (انا سعيد هنا ). هذا البيت اشتراه ابوه بثمن مرتفع وكان ذا مواصفات هندسية راقية وبعد فترة قصيرة انفصل الزوجان ومضى الولد للكلية واستانفت الام حياة جديدة ومعها اخته ...وحده الاب مكث بالبيت الشاسع . هو يرفض بيع البيت لاسباب منها الاتفاق مع الزوجة اثناء الطلاق ينص على ان للزوجة ملكية نصف البيت وفي حال بيعه لها نصف السعر ..او لان الاب يرفض بضميره تغيير حياته او بسبب كسله وفتور في مشاعره من اتخاذ أي قرار.
الكاتب يروي حادثا غريبا حدث بعد انتقالهم لمنزلهم الجديد بوقت قصير ... قاد سيارته وبدلا من قيادتها لمنزله ذهب بها لمنزله القديم ودلف من باب خلفي وصعد الدرج واستلقى على الفراش وحين اكتشفت وجوده المالكة الجديدة بعد ساعة من نومه اصيبت بالهلع لكن الاب لم يقفز فزعا ولم يهرب وتوضح الامر اخيرا وضحكا . هنا يندفع الابن بتحليل هذه الظاهرة فيقول . لم يجر أي تغيير في المنزل اثناء سنوات الوحدة التي قضاها لم يضف اثاثا ولم يزل ايا منها , لم يبدل اصص الزهور ولم ير فساتين امي التي خزنها في العلية ليس لرغبة باحتفاظه بالبيت كمتحف بل لجهل شاسع بشان حالته الرثة . يدخل الابن للمنزل بسلوك وعيون محقق بوليسي او عالم اثار .. فمن خلال مخلفات البيت يحاول ان يبني الهيكلية السيكولوجية لابيه المنعزل والمتكتم تماما . كان المنزل سريرا للنوم فقط وان الافتقار الى مكان يرتكز اليه حوّله الى متجول دائم , وسائحا في حياته نفسها فلم يعرف الاستقرار . واقر الابن بان الاهمال في المنزل هو تجسيد لحالة ابي الذهنية . كانت مستقبلاته للمسرات والالم متكلسة .. فلا يعرب عن ذلك لا بايماءات ولا بحركات جسدية ولا بالنطق ..لقد تدرب بما يكفي ليغلف ذاته عن الجميع ..وتحجرت مشاعره فكفاه عشر دقائق ليلقي نظرة على ولده البكر الوحيد ويختفي ولم يستجب لاستغاثة زوجته قبيل المخاض فلم يكن جوارها ما دفعها للاستعانة بزوج اختها لتقلها الى المشفى . ان اكثر الاشياء رهبة هو مواجهة اغراض رجل مات الاشياء تهمد لان معناها كامن بدورها خلال حياة صاحبها ,عندما يموت يجري عليها تحول ما , انها اشباح ملموسة محكومة بالبقاء في الحياة في عالم لا تنتمي اليه .ما الذي يثير تامله في حزم هاربة من الواقيات الذكرية متناثرة في ادراج تحتشد بالملابس الداخلية , ماذا عن شفرة حلاقة تجلس في الحمام لا تزال مسدودة ببقايا شعر ذقن بعد اخر حلاقة .او درزن من اصباغ الشعر. لا تعني الاغراض شيئا بذاتها فهي ادوات طبخ لحضارة بادت لكنها رموز الخلوة التي يتخذ فيها رجل قرارات بخصوص نفسه : هل يلون شعره ؟ هل يلبس هذا القميص او ذاك هل يبقى او يرحل .. يشعر الابن وهو ينقب في الاغراض والمخلفات بانه طفيلي , لص يفتش في اماكن سرية . بعد عشرة ايام تم تنظيف البيت واعداده لمالكيه الجدد كان وقتا غريبا هزليا بجداره .كانت زوجته معه خلال ذلك وابنه دانيال 18 شهرا . كان ينام مع زوجته بلحاف واحد , يشهدان افلاما رديئة من شاشة تلفاز قبل بيعه : واجها انقطاع الكهرباء وعطل السخان اما طفلهما فكان سعيدا يجري منقبا وعابثا بالسلع الانقاض ..فجاة يرن الهاتف فيرد عليه : ابي قد مات .. لقطة فاجعة .لقد تحول بائع اثاث تحول المنزل الى سلسلة كوميدية فالاقرباء يصلون ليستولوا على اواني وملابس يقلبون الصناديق ويثرثون , واقبل المزايدون لتفقد البضاعة <الاثاث لا يساوي قرشا > يقولون ويرفعون انوفه ويخرجون ..ياتي جامعو القمامة لينقلوا تلالا من من الاغراض ,عمال الوقود قرؤوا العداد واتى عامل اعداد الغاز ليقيس , كما فعل عامل مصلحة المياه ... احد في الماضي اذاقه الاب وقتا عصيبا لسنوات قال (والدك كان بغيضا ودنيئا ). لكن مثل هذا الرجل الذي مات المقنع سلوكا حتى الشبحية كيف يفعل وهو يخطب امراة للاقتران .. هل ستتحرك فيه المشاعر او يقدم لها زهرة او يتلو شعرا رومانسيا ..بعد اسابيع من الزواج ستشعر امراته بانها دخلت كمينا وان زوجها لا يمكن العيش معه .. لكنها عادت للمنزل وبقيت سنتين لان نطفة تحركت في بطنها وسيلد بكرها وستبقى تحتمل بسبب قوة الامومة . يكتشف الابن مغامرات ابيه ويفسر من سلوكه بالبوم الصور ما كان غامضا ويصعب استيعابه .. من الامور المفزعة ان تصل بنت جاره فتلعب مع صغيره ثم ترفع سماعة التلفون وتقول له < بول انه والدك يريد التحدث اليك > ما يجعله في هزة عميقة .
ــــــــــــــــــــــــ بول اوستر كاتب ومخرج أمريكي مولود في 3 فبراير 1947. كتب في أدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية , وتحلى بشجاعة فائقة باضاءة احداث بالمذكرات قلما يتمكن منها كاتب .. أبرز أعماله ثلاثية نيويورك (1987)، قصر القمر (1989)، موسيقى الصدفة (1990)، كتاب الأوهام (2002) و حماقات بروكلين (2005)..
ماذا نعرف عن ثلاثين كتابا للمجرية توت
كاظم حسن سعيد الحوار المتمدن-العدد: 7554 - 2023 / 3 / 18 - 11:23 المحور: الادب والفن
ماذا نعرف عن ثلاثين كتابا للمجرية توت صدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في الكويت مجموعة قصصية للمجرية كريستينا توت .. بعنوان . ومن المؤسف ان يظل الكثير من الكتاب العالميين بعيدين عن التناول .. فقد صدر للكاتبة توت ثلاثون كتابا من رواية وقصة وخمس عشرة مجموعة شعرية ,منها (بكسل وابهة النمر وقصص من المجر و اكواريوم ). تضم مجموعة باركود التي حملتها اسم المجموعة تتناول انغماس عن طريق بطلتها في اللهاث وراء كل ما هو غربي من ثياب واحذية الهوكي وكنزات من فيينا واحذية تزلج وحتى الاكبر سنا بجّلوا المستوردات من الغرب . في قصة -احب الرقص , الحد الفاصل - تخوض في مناخات التحفظ بالتزمت الاخلاقي والديني التي صمدت في الريف البلغاري . طالبت توت بالابتعاد عن رواية الاديب البلغاري -مور جوكاي وعنوانها -رجل من ذهب - لكونها ترفض المساواة بين الرجل والمراة ما اثار ردود فعل متشنجة في اعلام بلدها الموالي للسلطة . ملاحظة : لم تقم الرواية بدور مؤثر في المجر حتى القرن التاسع عشر . ومن اسماء الكتاب بعد الستينيات -كيزا وميسولي وامري كرتيش الذي نال نوبل في 2002 واهم رواياته بلا مصير . ـــــــــــــــــــــــــــ ترجم الكتاب كريم جمال الدين فلم افضل ما يمكن الحصول عليه محنة الاصابة بالوسواس
كاظم حسن سعيد الحوار المتمدن-العدد: 7554 - 2023 / 3 / 18 - 15:40 المحور: الادب والفن
هذا الفلم حصد المرتبة 140 في قائمة "أفضل 500 فيلم على مر التاريخ ويتمحورحول المؤلف المنعزل "ميلفين يودال" المصاب بمرض الوسواس القهري , وعلاقتة بمن حوله : جاره الرسام الشاذ "سيمون" و نادلة المطعم "كارول" والكلب الصغير "فيردل" ...يقوم ميلفن بكتابة الروايات الرومانسية التي تفضلها النساء، لكنه يعيش حياة تعيسة؛ وحيدًا وتتسبب سلوكيات ميلفن الوقحة في طرده من معظم مطاعم المدينة، ولا يجد من يتعاطف معه سوى النادلة الرقيقة كارول كونلي (هيلين هنت) وهي أم وحيدة لطفل تعاني من مصاعب الحياة ومرض ولدها المصاب بالربو . وسبب كل ذلك هو اصابة البطل بمرض الوسواس القهري (OCD) الذي يتسم بنمط من الأفكار والمخاوف التي تدفع إلى القيام بسلوكيات تكرارية قهرية تُعيق الأنشطة اليومية وتتجلى بالخوف من التلوث أو القاذورات والحاجة إلى أن تكون الأشياء بشكل منظم ومتناسق وأفكار عدوانية وغيرها . لاتتناول هوليود دائما مثل هذه الافلام التي تعالج محنة الانسان وتكشف عن طبيعته .. فيتوارى خلف ضجيج المدن الكبرى اناس لا يجارون السلوكيات الاحدث في ا لمجتمع الامريكي خاصة الريف . (ربما اكون الشخص الوحيد على هذه الأرض الذي يعرف بانك أعظم امرأة على الأرض و الذي يقدر كم انتِ رائعة في كل شيء تقومين به واعتقد أن معظم الناس لا يلاحظون ذلك, واعجب كيف استطاعوا أن ينظروا إليك عندما تحضرين طعامهم وتنظفين طاولاتهم, ولا يدركون أبداً أنهم قد قابلوا اروع امرأة .) بهذه العبارات خاطب ميلفن النادلة كارول في اخر لقطة في الفلم تظهرهما يجوبان الشارع اخرة الليل , بعدما عجز طيلة الفلم من ان يقول لها او يطلق كلاما يشعرها بانوثتها .في هذه اللحظة تمكن من ضمها وتقبيلها فبرقت دمعة خفيفة بعيونها . يبدا الفلم بانزعاج ميلفن من كلب جاره الرسام اذ يتبول في شقته فيطلق عليه اصواتا حادة ويرفعه بكلتا يديه ويرعبه ثم يدفعه لمكان سحيق .. وحين يساله صاحبه عنه ينكر انه صادفه وبعدما وجده واتى يطرق الباب ليؤنب ميلفن على فعلته- وكان منغمسا يكتب عن الحب - يخاطبه بيدين متوترتين وملامح مرعبة ( اياك ان تطرق بابي ولو شممت رائحة جسد يتعفن تزكمك او لاي سبب اخر ) . ثم يعود لشقته فيظهرسلوك وسواس قهري -تكراري - فيحرك المفاتيح بالابواب مرات ليغلقها ويضيء ويطفيء الضوء بتكرار . اول صدمة منه تلقته النادلة التي كانت تسليها طرافة وجوده هو حين عرض ملعقة وشوكة من منزله في كيس وطلب منها احضار وجبة دسمه فقالت له ستموت من هذا الزاد فاجابها : .. فنظرته شزرا بغاية الاحتجاج والاشمئزاز من قوله .. وبقيت تحدق غاضبة طويلا وهو منهمك بالملاعق غير مدرك انه طعنها غائرا .. فلما رفع راسه علم انه اخطا : < اياك تكررها عندها لن تدخل المطعم ثانية >, صغيرها الاشقر البديع المصاب بالربو الذي فيه وله سر وجودها وتحمل كفاحها وهي تقف او تجري طيلة اليوم لتنظف الموائد و تجهزها بالاطعمة ..ابنها .. يموت !! يا للوقاحة ..هذا وصف نطلقه نحن اما المخرج فتالق برسم ذلك فابرز التعابير في عيونهما الملونة واثار السنوات على الوجوه المغضنة .. واعلى درجات التعبيرية . انه مشهد مشبع بالعمق والتوتر .. <قل لن اكرر جملتي > ... لم يجبها ...وظل تحت اسر العي والدهشة .. جلست منه مقتربة وقالت -قل اخطات والا لن تدخل هنا ثانية - فاجاب وكانه افاق من صاعق ( نعم ) . بعد ايام تكفل بعلاج طفلها سرا .. فاتت تشكره.. كانت قد كتبت له رسالة شكر مطولة .. وقصدته بقميصها شبه الشفاف وبنطالها الازرق . كانت تجري قفزا اليه تحت مطر كثيف واضاءة مصابيح الشارع والعجلات ... حين وصلته قدمت الظرف له ــ ما هذا ـ رسالة شكر ـ لن اقبلها . ... فاستغربت وظنت بانه ربما يخبيء كمينا لها .. عبرت عيناها عن غاية الدهشة .. وسالته ان كان يضمر شيئا فقال ( نحن لا نفتح الابواب قبل التاسعة لنلبي طلبات الجنس ).... اثر اصابة جاره الرسام برضوض وكسر في ساعده .. اقنع بعد جهد ووساطة بان يصحبه في سفرة فاخذ معهما النادلة كارول .هناك تم التصالح بينهما ونشبت ودية مسحت اثار التشجنجات بينهما .. هناك حدث في مطعم ماعكر المزاج .. فقد طلب منه ان يرتدي سترة ورباط فذهب واقتناهما وعاد لزميلته النادلة .. فطلبت منه الرقص .. وكان وجهاهما وهما يستقران على المنضدة يعكس سعادة غامرة ... فجاة قال لها <لماذا لم يسمحوا لي وتساهلوا معك رغم بدلتك البسيطة > , عندها احتدمت وتناولت حقيبتها وغادرت .. ان محنة ميلفن هي عدم القدرة على ضبط سلوكه في اشد المواقف التي تستدعيها .. كل شيء يعرّضه سلوكيا للخراب . عندما يعودون ثلاثتهم , يحثه الرسام بقوة ان يمضي ليصالحها .. كان الليل قد تقدم .. فذهب واعتلى السلم وايقظها .. قالت <| ادخل شرط ان لا تفسد الامر > لكنه فضل يصحبها بجولة جنونية -تجوال اخر الليل - .. هناك غنى لها وابلغها بانها اعظم امراة .. ثم تمكن من احتضانها وتقبيلها اخيرا . لقد انسن المخرج الكلب فيردل فاظهره بلقطات تتقارب مع التعبيرات البشرية . ـــــــــــــــــــــــــــــــ الفلم من اخراج جيمس بروكس ,ادى دور ميلفن الممثل الاوسكاري جا ك نيكلسون ودور النادل ادته القديرة هيلين هانت .. فيما الف قصته والسيناريو مارك اندرسون .
تتمتع القارة الافريقية بثروة عميقة في الحكايا الشعبية .. وبثراء ادبي استقطب اليها جوائز نوبل .. الكاتبة امنياتا السنغالية مواليد 1941 بعد ان اصدرت روايتها الاولى تبدع روايتها -اضراب الشحاذين - سنة 1979. لقد ساعدها انتقالها للدراسة الجامعية بفرنسا - لتتخصص بالاداب والترجمة الفورية - واكتضاض منزلها بزائرين حيويين والكتب التي تيسرت لها في المنزل على ابداع متميز وغزير .فقد اصدرت للان 8 روايات منها (نداءات ساحات الحرب وعناب البطريك وعيد الاستغاثة ). اليست فكرة الاضراب للشحاذين غاية الطرافة ؟!!.. الاغرب منها ان يسبقها الكاتب المصري احسان عبد القدوس فينشر بمجلة روز اليوسف سنة 1957 رواية بنفس العنوان مع تشابه بالمحتوى . طلبا للترقية يأمر الوزير بان تخلو الشوارع من الشحاين ..لانهم يضرون بقطاع السياحة ويضايقون الناس .. هؤلاء المجذومون والمرضى .. الخرق المكونون للنفايات البشرية , فضلات الناس الذين يهاجمونك ويضايقونك حسب وصف الكاتبة .. لكن عراف الوزير يخبره بانه سيترقى نائبا لرئيس الجمهورية خلال ثمانية ايام ان هو من ثوراطعم 77 شحاذا صدقات . فينفذ الوزير لكنه لم يجد الشحاذين , تنقل في المدينة حاملا اكياس اللحوم لكن عبثا ..كانوا قد دخلوا بالاضراب .. فيرفضون تقبل الصدقات من المارة ويسحبون صحافهم . ما اضطر الوزير ان يقصد مخابئهم ليقنعهم لكنهم قابلوه بقوة الحجج رافضين العودة للشوارع , جرى ذلك المشهد بصورة كاركاتيرية .. واخيرا فازشخص اخر غير الوزير بمنصب نائب الرئيس . لقد تمكنوا من هزيمته . حصدت ساو الجائزة الادبية الكبرى لافريقيا سنة 1980 .. وعدة جوائز اخرى . الاصل باسم الرواية هو > والباتو اناء المتسولين يعرضونه على المارة لتقبل الصدقة ويظهر ان له معنى رمزيا باللغة الفرنسية .. وقد ترجم الرواية الكاتب التونسي جمال اكلاصي . ساو تغور عميقا في المجتمع لتلتقط منه المنسيين ومن يتمزقون وتلك التوترات التي تهز المجتمع مثل مواطنتها ميريامابا التي ابدعت روايتها <خطاب طويل جدا > فتروي قصة امراة بعد عقدين من الزواج يتركها زوجها ليقترن بصديقة ابنته ويسافر معها تاركا اياها تعاني مع 12 طفلا وقد نسجت روايتها باسلوب الرسائل الطويلة .
الاطاريح الجامعية في العراق ما تزال معلبة
منذ اواخر السبعينيات كنت مهتما بالرسائل الجامعية واتذكر كانت تذاع مناقشتها من اذاعة بغداد كل ليلة احد ..اخر عهدي بها حين سمعت الدكتور المشرف يصرخ وهو يصغي لجواب الطالب الذي قال ان اصل مادة استقراء هو قرأ وقال متوترا (متى سنتمكن من كتابة اطروحة دقيقة ) , كان ذلك المشهد المسموع دليلا على بداية التراجع في المستوى .. نحن الذين شهدت لنا اليونسكو بالتقدم المعرفي . الان ..تدفعك حاجة ملحة فتطرق احدى منشآات الاطاريح الجامعية فيستقبلك رجل ودي ويزودك بعنوان لا تستطيع الوصول او الاهتداء اليه . هذا هو حال المهتمين حينما يبحثون عن احد البحوث .. فقد وضع الدكتور حامد الظالمي - جامعة البصرة - مؤلفه (الفهرس الشامل والاطاريح المنجزة في العراق لغاية 2013)..منذ بداية الاطاريح بالستينيات من القرن الماضي .. وشمل 70 ألف اطروحة بكل الاختصاصات لكن من النادر ان تجد ايا منها في مواقع البحث الالكتروني او المكتبات .. اما موقع (بنك الرسائل والاطاريح الجامعية العراقية )الذي اعدته مكتبة العتبة العباسية المقدسة فقد احتوى على ما ندر من البحوث التي يمكن تحميلها . ويكشف الكتاب الذي نشرته السفارة العراقية بلندن على موقعها والوارد اليها من دائرة البعثات يعكس مدى الاهمال الذي تعاني منه الاطروحات , فقد ثبّت الكتاب ..لا ادري كم شخصا تعصر قلبه هذه ال --فقط-- . ولان طباعة هذه الاطروحات هو ضرب من الخيال في هذه المرحلة لكن الطموح ينصب على تحميلها باقراص وتثبيتها بموقع الكتروني . وذلك لا يستدعي مبالغ عصية . يصاب الانسان بالذهول وهو يرى الاموال التي تخصص في دول العالم للبحوث ..اما نحن فخارج التغطية حتى الان .
منذ اواخر السبعينيات كنت مهتما بالرسائل الجامعية واتذكر كانت تذاع مناقشتها من اذاعة بغداد كل ليلة احد ..اخر عهدي بها حين سمعت الدكتور المشرف يصرخ وهو يصغي لجواب الطالب الذي قال ان اصل مادة استقراء هو قرأ وقال متوترا (متى سنتمكن من كتابة اطروحة دقيقة ) , كان ذلك المشهد المسموع دليلا على بداية التراجع في المستوى .. نحن الذين شهدت لنا اليونسكو بالتقدم المعرفي . الان ..تدفعك حاجة ملحة فتطرق احدى منشآات الاطاريح الجامعية فيستقبلك رجل ودي ويزودك بعنوان لا تستطيع الوصول او الاهتداء اليه . هذا هو حال المهتمين حينما يبحثون عن احد البحوث .. فقد وضع الدكتور حامد الظالمي - جامعة البصرة - مؤلفه (الفهرس الشامل والاطاريح المنجزة في العراق لغاية 2013)..منذ بداية الاطاريح بالستينيات من القرن الماضي .. وشمل 70 ألف اطروحة بكل الاختصاصات لكن من النادر ان تجد ايا منها في مواقع البحث الالكتروني او المكتبات .. اما موقع (بنك الرسائل والاطاريح الجامعية العراقية )الذي اعدته مكتبة العتبة العباسية المقدسة فقد احتوى على ما ندر من البحوث التي يمكن تحميلها . ويكشف الكتاب الذي نشرته السفارة العراقية بلندن على موقعها والوارد اليها من دائرة البعثات يعكس مدى الاهمال الذي تعاني منه الاطروحات , فقد ثبّت الكتاب ..لا ادري كم شخصا تعصر قلبه هذه ال --فقط-- . ولان طباعة هذه الاطروحات هو ضرب من الخيال في هذه المرحلة لكن الطموح ينصب على تحميلها باقراص وتثبيتها بموقع الكتروني . وذلك لا يستدعي مبالغ عصية . يصاب الانسان بالذهول وهو يرى الاموال التي تخصص في دول العالم للبحوث ..اما نحن فخارج التغطية حتى الان .
كازو المتوج بنوبل بقايا اليوم التخلي عن الذات لاجل الخدمة .
من سنتين غادرت قراءتها بعد 20 صفحة .. لم ترق لي .. ولاني احارب عاداتي القرائية واحورها باستمرار فقد عدت للرواية بعد يومين اذ انا امام رواية تمكنت من اجتيازامتحان التاريخ وتخلدت . رواية تتناول رئيس الخدم -ستيفز - يعمل في دار لنجتون هول البريطاني ..الذي يفني عمره في خدمة صاحب الدار اللورد البريطاني , المؤثر بقوة في مجرى السياسة البريطانية .. متخليا عن اية احلام سوى المهنية , كابتا عواطفه مشغولا عن العالم الا احداث القصر ..وهو يرى انه بتفانيه بخدمة اللورد سيساهم بخدمة انكلترا . حين توج بجائزة نوبل 2017 رسمت الاكاديمية السويدية انجاز كازو ب (كشف الهاوية التي تقف تحت شعورنا الوهمي بالاتصال بالعالم في روايات تمتلك قوة عاطفية عظيمة ). وعلى القارئ ان يتعامل بحذر مع التوصيفات السويدية لحاصدي نوبل ..لان اهم ما يميز باولو ايضا هو تناوله لشخصيات بعيدة عن التناول ويشبعها بحثا .. ان الكتابة عن مثقف اسهل بكثير من الكتابة عن مثل هذه الشخصيات ..مثلا ان كان البطل حوذيا فانت محدد بالبحث او كان شاعرا او كاتبا فبامكان المؤلف ان يزج بافكار ثقافية وفيرة ما يسهل عليه مهمته . يضعك الكاتب في بقايا اليوم امام ازمة حقيقية ذاتية وموضوعية من السطور الاولى .. فانت امام جشع رأسمالي واضح فقد تحولت ملكية الدار لغني امريكي وطلب من رئيس الخدم ان يسرح الخدم وان يعتمد على 4 اشخاص .. تصور حال ستيفر وقد كان يدير القصر ب17 فردا و28 في بعض الاوقات ...كيف سيحافظ على الفخامة في القصر والخدمة الفائقة .. ولعل المالك الجديد التقط الحرج من ملامح ستيفر فقال له -تتمكن من اضافة خادم خامس وان تستعين ببعض يعملون بالقطعة , مؤقتين -.. انه اول ادانة للجشع الرأسمالي , اربعة بدل عشرين . ويطلب منه ان يتمتع باجازة ليرى جمال الريف الانكليزي وللتشجيع يطمئنه -الوقود على حسابي - هذا الموقف تزامن مع رسالة مهمة من زميلته في العمل انسة كنتيون ـ التي عملت معه لعشر سنين ـ وقد غادرت الدار لتتزوج ..اذن يمكنه ان يقصدها فيقنعها بالعودة الى العمل . وبين الاستذكار للقصر انكليزيا وامريكيا تشتغل الذاكرة والمقارنة بين حضارتين مختلفتين واسلوبين متغايرين بالتعامل مع الاحداث ..ويتم تسليط الضوء على التغيرات الاخلاقية .. كان ستيفز قد ركز كل طاقته الفكرية والنفسية لانجاح الخدمة ربما هو يرى بهذا النجاح نجاحا للامة ..لهذا توّج باعلى درجات ضبط النفس والاداء الاداري الفائق . لكنه خلال ذلك ينسى نفسه فيهمل الانسة كنتيون ولا يعبر لها عن مشاعر, لقد كبح نفسه بجدارة .. ولم يمض لاغماض عين ابيه الميت بل كلف زميلته بذلك ..وهو معهم بالقصر لانهماكه بتادية خدمة في اجتماع مهم ضم اصحاب هتللر وانكليز وفرنسيين . تتحدث الرواية عن زمن كانت البشرية فيه على شفا حفرة .. وان القبضة الهتلرية الصلبة في طريقها لاكتساح العالم . فهل كانوا محقين عندما ادين اللورد البريطاني بالتواطيء ..وهل استجابت لكبير الخدم زميلته حين دعاها للعودة وما سر تفاني الاب وهو يؤدي خدمة بالقصر اعتادها لكنه تلكلأ بها بسبب العمر. اسئلة تلح ان تقرأ الرواية لتستكشف اعماقها .ورغم ان تراخيا يحدث في الرواية نسبيا الا ان قوة الاحداث لا تدعك تتمكن من الفكاك من سلسلتها التي تسحك بقوة . اثناء تسلم كازو نوبل ذكر ( لوالتقيتم بي سنة 1979 ربما لوجدتم صعوبة بالتصنيف حولي من الناحيتين : الاجتماعية والعرقية .. كان محقا فقد نجت امه من القنبلة الذرية على اليابان وانتقلت عائلته الى لندن سنة 1960 لكنه لم يحصل على الجنسية البريطانية الا 1982 ورغم ان تربيته صارمة ـ فكانت عائلته تشترك بسلسلات تعليمية وادبية يابانية وتطلعه عيها ليشد الى بلده ـ فانه لم يزر اليابان الا متاخرا ما خلق لديه ما يمكن تسميته -دسنتر سيلف - الفجوة النفسية . حولت الرواية الى فلم بنفس العنوان ادى دور رئيس الخدم الممثل الاوسكاري انتوني هوبكنر , ما اكسب الرواية شهرة اعظم. ــــــــــــــــــــــــــ ولد كازو 1954 باليابان , انهى الماجستير في الكتابة بالفنون الابداعية بانكلترا ..له اكثر من 8 روايات مترجمة, من رواياته : (من لا عزاء له - لا تدعني ارحل -بينما كنا يتامى صدرت في سنة 2000 -ورواية كلارا 2021. كتب بقايا اليوم بشهر واحد وقد اغلق هاتفه وانعزل حتى اتمها . رشحت رواياته لاكثر من 40 جائزة عالمية .
عود ثقاب حول الادب والرواية الفيتنامية
قدمت دراسة عن الاداب الفيتنامية بعنوان - كيف يكتب فيتنام المعاصر- , في مقابلة اجرتها معها مجلة الاداب الفرنسية تقول ( تشهد الثقافة الفيتنامية تحولا , فالادب الفيتنامي يجتاز مرحلة ثرية بالمتغيرات وان الاقلام الشابة تتابع مسيرة عمالقة الكتاب الفيتناميين المتاثرين بالفلسفة الكونفوشسية المؤمنة بالتقمص والتجسيد ويساهمون في ترويج الروحانيات الفكرية التي تعمل على بناء الانفس قبل الاجساد .. ليس مسؤولية الاديب مداواة امراض المجتمع انما مهمته التساؤل عن عسر الحضارة وياتي ابطال المؤلفات الحديثة كشخصيات هامشية تتساءل ما الذي يحمل هذا القرن ...شخصيات لا طموح لها لكنها تسعى لتفسير الاحداث كما لدى الاديبين - نغوين هويثياب و باو نينيه في رواياتهم الكلاسيكية . من ابرز الادباء الشباب فونغ دييب في روايته -بلوغر -حيث بطلته تدمن الشبكة العنكبوتية وهي فتاة غير ناضجة تزداد خجلا و انطواء حين تقابل الناس - فيتساءل الكاتب , اما الروائية ثوان - فتطرح في اعمالها الرحلات الافتراضية للشباب الفيتنامي عبر الانترنيت وما تحمله تلك المحطات من احباط وتشاؤم وتتابع الكاتبة دوان كام تي : (ثلاثة ارباع الشعب الفيتنامي ولد اواخر الحرب الامريكية على فيتنام والادباء منهم شديد الطموح لخوض غمار الرواية الحديثة بعد هجره القصة القصيرة التي تسيّدت في النصف الاول من القرن الماضي وتستعرض الكاتبة اشهر الكتاب مثل نجوين فيت صاحب رواية -فرصة امام الله - صدرت 1999. فابتعد الكاتب عن النمطية في وصف حقول الارز والجدات قرب المدفاة ليتبع اسلوبا صداميا يتناول فيه اوضاع البلاد المجاورة فهو متجدد واطاح باسلوب السر التقليدي وخلط الاشكال الروائية دون ان يتخلى عن كلاسيكيات الادب الفيتنامي والفلسفة الكونفوشسية وكيفية تاملها للكون وتختم لقاءها ب <بعد ان انشغل ادبنا بالحرب طويلا ينفتح الان على العالم بسبب النزوح وهجرة الادباء وان الادب بحث مستمر عن الاخر. لكن ماذا عن رواية -جنة العميان - ل تيو هيونغ ....وآن تساو التي اصدرت روايتها الاولى <جسر القرد> ؟!. حقيقة نحن نشعر بفقر ليس قصورا منا بل لشحة الترجمات . رغم ان عبد المعين الملوحي تمكن من ترجمة 4 مجلدات في الادب الفيتنامي بلغت ثلاثة الاف صفحة ويشمل الجزء الرابع المرحلة من 1945 ـ 1975من انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى تحرير مدينة سايفون هوشي منه . ـــــــــــــــــــــــــــــ ترجمت المقابلة : مها محفوض محمد
محنة المثقف العربي امام وهن الترجمة
في لقاء معه قال الصحفي محمد حسنين هيكل (لقد خجلنا ونحن نجيب الوفد الصيني ـــ وقد ترجم من العربية عشرات الالاف من الكتب ـــ لاننا ترجمنا عددا ضئيلا من عناوين الكتب الصينية .). احتفل الملتقى الدولي الثالث للترجمة في 2006 بمشاركة 200 باحث عربي واجنبي بصدور الالف كتاب الاولى في المشروع القومي للترجمة الذي يتبناه المجلس الاعلى للثقافة في مصر منذ 1995 .. فهل يكفي هذا ؟!...يتمكن عدد من المثقفين الاطلاع على الاداب والعلوم العالمية ان كانت باللغة الانكليزية , وماذا عن اللغات الاخرى . لقد انشأ د. حسن حماد , عالم الاداب المصري ليترجم للادباء الشبان الى الالمانية , لكنها تبقى جهودا فردية دون مستوى الطموح . في الجهة الاخرى .. الكتب العربية المترجمة الى اللغات خاصة الانكليزية ضئيلة جدا ما يحرم الكاتب العربي من فرصة الحصول على جوائز عالمية .. فخلال ( 2011 ــــ 2015 ) ترجم252عملا , رغم ان المختصين في الترجمة مثل يرون تحسنا في اعداد الكتب العربية المترجمة . وربما كانت موافقة نجيب محفوظ على نشر اعماله بالانكليزية احدى اسباب تتويجه بجائزة نوبل . هنالك دول عربية ثرية -الخليج حصرا -تقع عليها مهمة الدعم لمشاريع الترجمة . وقد خطا العراق متقدما في حقل الترجمة في العهد السابق ثم انتكست الترجمة ..فقد تاسست - دار المأمون - للترجمة والنشر في العراق سنة 1980 حيث شهد العقدان -- الثمانينيات والسبعينيات --انطلاقة نوعية موفقة . ان بقيت الدول العربية واهنة في مجال الترجمة فما على المثقف الا ان يصعد التل ويراقب تطور الذكاء الصناعي لعله ينجب مترجمين فعالين يعوض عن فقرالترجمة لدى البشر .
النوبلية اليس مونرو : الغور في روح المرأةكاظم حسن سعيد
(اذا تركت المراة الحزن لدقيقة واحدة فانه سيعود ليغريها بقوة اكبر عندما يصدم بها مرة اخرى - اليس ) ..(السعادة الدائمة هي الفضول -مونرو ) . هذان الاختياران يستحقان ان يكوّنا دليلا يقود لجغرافية القاصة الكندية اليس مونرو المتوجة بجائزة نوبل 2013 . ورغم ان الكثير من الكتاب غادر القصة القصيرة وتوجهوا لكتابة الرواية فانها ظلت وفية لخطها الاسلوبي فلم تغادر حقل القصة القصيرة .. وقد اصدرت 14 مجموعة قبل ان تعلن توقفها عن الكتابة . في مجموعتها (الحياة العزيزة ) ـ صدرت 2012 بالنص الانكليزي .. ت نهلة الدربي , 15 قصة تعكس خيبة المراة ومحنتها وهي تواجه النهاية الماساوية للحب .. وتلك النسوة والفتيات المهمشات الذين يتشبثن بصعوبة في الحياة التي غدرت بهن ..وذلك الوصف الحي للريف والحياة فيه .. والرجال الذين لا يبالون بالنساء , المجموعة لا تبهرك بقوة البلاغة او اللغة الشعرية كما ترى ذلك لدى ماركيز وغيره .. لكنها ترسم حياة مكثفة لحيوات بسطور لا تتعدى اصابع اليد تضعك امام مشهد عميق لتلك الارواح وماسيها وتطلعاتها وخيباتها .. فكثير من الشخصيات تظهر في قصصها ظهورا برقيا لكنه يعصر روحك ويضعك امام شبكة من الاسئلة التي عليك انت الاجابة عليها او فك طلاسمها .كل ذلك يجري عبر رادار سيكولجي يكشف اعمق الخلايا في روح الانسان خاصة المراة . تقول مونرو .. وحتى عندما تستقل القطار عائدة لمدينتها تفكر بكل لحظة ان ترمي نفسها وتمضي اليه ليوضح الموقف .. لكن ذلك يشعرها بالخزي ..وربما هذا الموقف تمر به كل النساء بالعالم عندما يهجرهن الرجل دون ان يقدم سببا او اعتذار . ان مونرو بكل قصصها تجعلك تكتشف اشخاصا جوارك او في موقع عملك او الاسواق , لهم حياة عميقة لكنك لا تنتبه اليهم . وصفت الاكاديمية السويدية مونرو <افضل من كتب القصة القصيرة في العصر الحديث >. من اعمالها (الدب القادم من الجليد -تحولت فلما -المتسولة-حب امراة طيبة -الهروب -حياة الصبايا والنساء ).
البعثة المصرية لليمن لكشف مخطوطات المعتزلة
تعد اليمن من اكبر المناجم للمخطوطات .. خاصة ما يتعلق بفرقة المعتزلة التي ظهرت اخر العهد الاموي وازدهرت بالعهد العباسي كفرقة كلامية قدمت العقل على النصوص . واحد اسباب انتشار هذه المخطوطات باليمن هو تقارب نهج الزيدية مع المعتزلة ..وتتباين الاحصائيات حول المخطوطات اليمنية , منهم من يقدرها ب 80 ألف مخطوطة والبعض يعدها ما يقارب المليون نسخة .وبفضل الامامين :احمد بن سليمان ت 566 ه ــ وعبد الله بن حمزة ت 614 ه فقد ارسلا وفودا لجمع وجلب كتب الزيدية والمعتزلة من العراق وبلاد الجيل والديلم - شمال ايران - . عبر التاريخ العربي كان الباحثون والمؤلفون لا يعتمدون على فكر المعتزلة المكتوب وانما من مصادر قد تكون تناقضهم او تختلف معهم .. الا ان المستشرق السويدي هنريك صامويل تمكن من العثور على نسخة من كتاب القاضي ابن الخياط المعتزلي الذي تصدى فيه لكتاب بن الراوندي -وتمكن هنريك من تحقيقه وطباعته في دمشق , بعد جهد بليغ لان النسخة وشمت بختم التحريم.
بتوجيه من طه حسين وصلت البعثة العلمية لمصر الى اليمن لاستكشاف مخطوطات المعتزلة وغيرها , سنة 1936قطعوا 2500 كم , ثلثا المسافة بالسيارات وثلث مشيا وعلى الدواب فجلبوا 6000 عينة من الحيوانات الصغيرة وكمية كبيرة من المخطوطات التي صورت بالميكروفيلم ونشرت كلها ب 14مجلدا .منها كتاب القاضي , المغني , وكتاب شرح الاصول الخمسة . وقيل ان الصدفة لعبت دورا بكشف عدد من المخطوطات اثر انهيار احد المنازل في اليمن . مر عهد بين المثقفين ان من لم يقرا الوجودية وسارتر ليس مثقفا , اما اليوم فمن يحيي كنوز طه حسين ورجال احياء التراث يعتبر -دءة قديمة -... قد نختلف معهم ومعه بالرأي لكن من باب احترام الجهد المعرفي علينا ان نتفهم ونثمن رواد النهضة العربية .
الروائي الاوكراني كوركوف يوميات غزو
الاوكراني كوركوف يوميات غزو هو الكاتب الاكثر مبيعا بعد انجازاته الروائية المتوجة بجوائز عالمية يصدر له كتابه كمذكرات وضعها سنة 2021 عشية عيد الميلاد قبل ان تقتحم القوات الروسية اوكرانيا بشباط 2022.. كانت تلك القوات على الحدود ..يتحدث في المذكرات عن اطفال ولدوا في الاقبية وعن حراثة الفلاحين لارضهم رغم القصف والالغام .. وقتال الناس من اجل الاستمرار في الحياة رغم الطقس المتعكر ..ورمادية الاشياء ... عرف الكاتب بروايته 1996 تهتم بمشكلة كاتب وبطريقه الاليف ومشكلاته مع المافيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي . ومن رواياته و<قضية حياة او موت > . رواية ( النحل الرمادي ) نشرت في 2022 تدور في دونباس بقرية مالا على خط المواجهة منذ 2014بين الانفصاليين الموالين لروسيا والجيش الحكومي الاوكراني ..وقد فازت الرواية بجائزة ميدسيس الفرنسية لافضل رواية اجنبية . وقد ورد في مقدمتها : ( لا اعرف متى ساتمكن مرة اخرى من زيارة القرم ,او دونتسك , ولا اعرف متى ستنتهي هذه الحرب ,لكن كل ما اتمناه باخلاص هو ان يتركوا سكان المنطقة الرمادية لكي يعيشوا حياتهم كما يريدون , ان يبقوا في امان ويعود للعسل المصنوع في دونباس طعمه الخالي من البارود . ) . تتناول الرواية البطلين :سيرجينش وباشكا في منطقة مهجورة ومحصورة بين الانفصاليين والجيش الاوكراني .. سيرجينش متقاعد يعتني بالنحل ويعيش مع صاحبه بلا كهرباء ولا متاجر وتحت ضغط الانفجارات والفاقة .. اخيرا يقرر اخذ نحلاته والتوجه بها نحو القرم .....
البحث عن الروائية الامريكية آش دايفيدسون
البحث عن الروائية آش دايفيدسون صدرت في العام الماضي رواية للكاتبة الامريكية آش ... تقع في 464 صفحة وقد استغرقت في كتابتها عشر سنين . تدور ا لرواية في الاعوام -1977 ـ 1978 -شمال كاليفورنيا . تتحدث عن محنة الحطابين القاسية وتعرضهم للخطر المستمر والموت احيانا ..فالبطل ريتش يعمل في شركة ساندرسون التي تستثمر في الغابة وتجني ارباحا طائلة دون مراعاة الحفاظ على البيئة وهو متزوج من كولين التي تعمل قابلة وتعرف كل نساء الحطابين وتزورهن غالبا في بيوتهن . ارتفاع الاشجار في السيكويا بكالفورنيا يبلغ 155 م وربما اكثر , وبقطر 30م ويعمد العمال الى تشذيب الاشجار قبل قطعها ما يعرضهم للمخاطر . انجبت يوهين 6 اولاد وتعرضت ل ثماني حالات اجهاض ..وهنا ينشب صراعها مع زوجها فهي تريد ان تنجب اخرين اما زوجها فيخشى عليها من الم الاجهاض . ويندلع صراع اخر لان زوجته انضمت لناشطات توقعن بان الاسقاط والتشوهات الجنينية سببها ما ترشه شركة اندرسون من مبيدات وغيرها .. فيما زوجها يتعذر من مساندتها خشية المسؤولين في الشركة ...ترسم الرواية لوحة ماساوية لانين الاشجار وعويلها وهي تهوي بلا رحمة . اما انا فشخصيا يوترني شحة المعلومات عن الكاتبة اش اندرسون .
تثقيب القوقعة ج1 الروائية غيليغان بركة الجزارين
فازت الروائية الايرلندية غيليغان بجائزة اونداتجي التي تمنح في بريطانيا لافضل كاتب يستحضر روح المكان عن روايتها ( بركة الجزارين ). وقد وصفت رئيسة التحكيم لولا يونغ الرواية بانها اثارة ادبية وقصة عن صعوبة مرحلة المراهقة حتى الوصول الى النضج وبانها رواية تاريخية وسرد للخرافات و وهي قطار الملاهي ..) . اما عضوة التحكيم هيلين فقالت <انها فولكلور يواجه ضغوط الراسمالية الحديثة فنرى ايرلندا في لحظة تحول وتغير سريع ونحن منجرفون معها .. وعلى امتداد الرواية نتنفس الطبيعة بشكل حي ومنعش ) . اما غيليفان فقد اكدت ب (انها عند ظهور مرض البقر كانت في الثامنة ولاجل كتابة الرواية كان عليهاّ ان تعود للافلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تلك الفترة ). تتناول الرواية اسطورة بركة الجزارين التي تنطوي على غموض وسرية , فعلى الجزارين ان يمسوا البقرة قبل موتها والا ستحل اللعنة ... والشرط الرئيسي ان يحضر الجزارون الثمانية جميعهم ..هذه المهنة يقابلها الجيل الجديد بعدم الايمان بها او السخرية منها ما يجعل (اونا ) 12 عاما , بنت احد الجزارين تعاني من تنمر زملائها في المدرسة لكنها تصر على تحقيق طموحها بان تصبح جزارة متدربة بسكين مطبخ وفأرة ..ورغم ان امها تحاول ان تثنيها لان العرف لا يسمح بتقبل فتاة جزارة لكنها لم تفلح .. حتى تتمكن الفتاة مستقبلا من الثار لقاتل احد الجزارين وهو الشخص المغدور الذي رسمه المصور الفوتغرافي رونان مونكس فعرض لوحة لجزار علق بكلابين من ساقيه بالمقلوب سنة 2018... اما ام الفتاة -غرا- فهي غارقة بمعتقدات دينية ولكون زوجها الجزار كوشي يتغيب 11 شهرا ليؤدي مهمته على طول الريف الايرلندي فانها تعاني من ضغط العزلة والشعور بالتلاشي فتقصد صديقتها الوحيدة ..وتعشق المصور رونان . شقيقة غرا .. ليا .. تعاني من مرض خبيث وعسر تفاهم مع زوجها ما دفعه وهو ثمل لان يكسر انفها وفكها ثم بدا قلقا من تكاليف المعيشة والعلاج ما اضطره لتهريب المواشي اثناء جنون البقر . احد ابطال الرواية دايفي مراهق يتعرض للتنمر لانه يهتم بالاساطير وينجح بتفوق دراسي ورغم ان اباه لا ينتمي للايمان فان الشاب يجد ضالته صدفة داخل بيئته الكاثوليكية المحافظة . ليس بوقت بعيد حين اندلعت تظاهرات بفلسات بايرلندا الشمالية وصفت بالاعنف منذ اتفاق الجمعة العظيمة 1998 تمظهرت بشكل صراعات تاريخية تقوم على اساس الدين لانها تدفقت قرب جدار السلام الفاصل بين البروستات والكاثوليك .لهذا يتعذر استيعاب الرواية بغض النظر عن الخلفية التاريخية التي تستلهم الكاتبة منها ابعادها .
ولدت الروائية الشابة روث غيليغان في دبلن 1988 وهي استاذة للادب في جامعة برمنغام ولها خمس روايات : ( تناسى 2006 - في مكان بين بين - هل بامكانك ان تراني -الجزارون 2020 ).
تثقيب القوقعة ج2 الروائي الامريكي باورز
امضى الروائي الامريكي ريتشارد باورز خمس سنوات في اعماق غابات جبال (غريت سموكي ) في ولاية تنيسي الامريكية ليكتب رواياته الزاخرة بالاساطير والرموز المستوحاة من تلك الاشجار الباسقة فكانت روايته صرخة احتجاج ضد الدمار الذي يلحقه البشر بالبيئة . ذلك التجوال في الغابات البكر اثرت عميقا في روحه ما ادى الى تركه وظيفته في التدريس الجامعي وانتقل منزويا الى منزل منعزل هناك متوحدا مع الاشجار . فازت روايته التاسعة (صانع الصدى ) الصادرة في 2006ى بجائزة الكتاب الوطني . يقول باورز (انه لم ينتبه الى الاشجار الا بعد مشاهدته موقع اولبرايت غروف في جبال تنيسي حيث شاهد اشجار الخشب الاحمر العملاقة ذات مرة اثناء مزاولته تدريس -الكتابة الابداعية - فالشجرة باتساع منزل وطول ملعب كرة قدم .. لكن انبهاره ليس بسبب مشاهدته حجمها بل لكونه كان غافلا عنها. درس باورز النباتات والطحالب والفطريات لمدة سنة يقول : (كنت فضوليا اريد معرفة أي شيء ,وكل يوم لدي شغف جديد , وعندما بلغت ال 16 وحان وقت الاختصاص احسست بالذعر ) .فلم تسعفه دراسة الفيزياء او الماجستير بالادب , فقرر الانسحاب من الدراسة الاكاديمية ,فعمل مبرمجا , الى ان خطر بباله ان يكتب روايته المنشورة 1985(ثلاثة مزارعين في طريقهم الى حفل راقص ) . ورغم شهرته فقد تعرضت رواياته الى الانتقاد لافتقارها للدفيء الانساني ... يقول ,ويضيف (ان المهن التي زاولها ساعدته في توصيف شخصياته وان كتاباته لا تتعمق بمواضيع شائعة كالغيرة والغضب والحسد لكنها اكثر واقعية وصورة واضحة المعالم عمن نكون , فالمهنة تشكل ذواتنا بعمق بالنسبة لمعظمنا . ) . في روايته -ذ اوفر ستوري -كان مصدر الالهام لها هو فلم وثائقي لناشطين احتشدوا سنة 1990لمنع قطع اشجار السيكويا العملاقة في كاليفورنيا .. وقد وزع الكاتب ذاته في الرواية فكان البطل نيك هاول قريب الشبه به على حد قوله .. فهو شخصية مبتكر متعمق بتاملاته وافكاره عن ذاته ويحاول حل التوتر الدائم بين هذا الانطواء في مزاجه والطموح الخارجي لمهنته . ولد باورز 1957 في ايفانستون الينوي الولايات المتحدة . من رواياته (معظلة السجين -انبهار-صانع الصدى -الشجرة العالم - )..
تثقيب القوقعة ج3 الروائية فانتل الانهماك بتجسيد الماضي .
في 33 من عمرها بدات الكاتبة والناقدة السينمائية هيلاري تكتب اولى رواياتها (كل يوم هو عيد الام ) واستوحتها من عملها في مشفى دار المسنين .. تدور احداثها منتصف السبعينيات حول الارملة ايفيلين التي تكتشف بان ابنتها حامل ,وعليها التعامل مع هذا الامر المرير . الا انها بلغت اوج شهرتها في ثلاثيتها المتسلسلة (قصر الذئاب -حصدت البوكر 2009 , واخرجوا الجثث نالت بها البوكر سنة 2012 , والمرآة والضوء 2020 ). عاشت الروائية الانكليزية هيلاري مانتل مبتعدة عن الوسط الادبي , وركزت في كتاباتها على رسم التاريخ في القرون الوسطى . تقول : (كيف نعلم التاريخ ؟ بمجموعة من القصص او مجموعة من المهارات ايضا ـ كلاهما اعتقد . نحتاج ننقل القصص ونضع قصصا . لنستعيد التاريخ نحتاج الى صراحة ونزاهة واخلاص سخي ونزوع الى الشك .. المؤرخ وكاتب السير يقتفيان آثارا من الادلة , اثارا ورقية ثم يعيدان الماضي الى سيرورته .. الى الحركة ) . في ثلاثيتها تناولت الحياة المضطربة لتوماس كروميل احد ابرز الوجوه في التيار الاصلاحي بانكلترا والذي سيغير تاريخها قبل ان يعدم بقطع رأسه . وهو يظهر في الرواية كشاب طموح , انتهازي وسياسي متمرس وثعلبي , اتى من الطبقة الدنيا لكنه تقافز صعودا ليكوّن صداقة وثيقة مع الملك هنري ويساعده على التخلص من مناوئيه لاجل تطليق زوجته والاقتران بعشيقته -آن بولين - .. هذه الرواية التي ترجمتها للعربية زينة ادريس تضمنت بعضا من الاساطير الاغريقية . في الجزء الثالث من الثلاثية (المرآة والضوء ) تتناول الكاتبة السنوات الاربع من حياة كروميل حتى اعدامه سنة 1540 .استغرقت كتابة الرواية 15 عاما وهي تتناول مرحلة قلقة وصراعية من التاريخ الانكليزي فالصراع بلغ ذروته بين الملك هنري الثامن والكنيسة , كان بحاجة لوريث فبدونه ستندلع حرب اهلية ..ورغم ان الملك هنري متزوج من اراغون لكنه وقع في حب آن بولين وهو بحاجة للموافقة على الزواج وكان ذلك طلبا محرما في ذلك الزمان . ( للكاتبة 17 كتابا , تابعت دراسة القانون بكلية لندن ثم في جامعة شيفيلد, وتزوجت من خطيبها الجيلوجي وقضيا 5 سنوات في بوتسوانا واربع سنوات في السعودية حيث انجزت فيها اهم روايتها . من مجاميعا القصصية -اغتيال ماركريت تاتشر 1914). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ < 1 > اذاعة بي بي سي والغارديان ..نشرت المحاضرة في مجلة الدوحة بترجمة احمد امان .
تثقيب القوقعة ج4 الروائي الهايتي ماكنزي يفوز بجائزة غونكور.
حصد هذا العام الروائي والشاعر الهايتي ماكنزي غورسيل -م 1983- جائزة غونكور الفرنسية بنسختها الامريكية الثانية , تثمينا لروايته (مجموع انساني ) التي تقع في 600 صفحة وهي الجزء الثاني من ثلاثيته . هذه الجائزة المتفردة اسست سنة 1903 , تمنح سنويا لعمل واحد لكل فئة للكتاب الفرنسيين او للناطقين بالفرنسية من الدول الفرنكوفونية . وقد منحت تاريخيا لمالرو 1933 و سيمون دو بوفوار الوجودية 1954 وغيرهم .. وفتحت لها فروعا بدول عدة . وقد توج بها لهذا العام ماكنزي بتصويت من طلاب 8 جامعات امريكية ...ويقول عن روايته المتوجة : (كتبت هذه الرواية لاقول بان البؤس موجود بكل مكان وليس في بلدي فقط .. ويضيف مفسرا سرده لاحداث روايته على لسان رواية بطلته الميتة او المنتحرة (انها طريقة لالغاء الموت الذي هو موجود اينما نظرنا يشكل لغتنا وكلماتنا وحياتنا .. حاولت ان انطلق من المجهول من المراة التي ماتت ا و انتحرت لانها لم تلد في الزمان ولا المجتمع ولا المكان المناسب .. فتاة نشات بين اكثر وحوش الارض شراسة وعنفا ) . فالثلاثية تحاول سبر ما يقوله الاموات عنا ,نحن الاحياء , الموت هو المجهول الضبابي اللامتناهي , انا احاول اكتشف عالمنا من الناحية الاخرى ) . (في موروث هايتي .. ان الاموات وحدهم من يرون الحقيقة) . وتقع هايتي بين البحر الكاريبي والمحيط الاطلسي تحدها غربا الجزيرة الدومينيكية وهي ثاني اكبر جزر الانتيل بعد كوبا واسمها يعني -الارض ذات الجبال الكبرى -, عاصمتها بورت ,ويتكلم سكانها الفرنسية واللغة الكريولية الهايتية وقد شهدت اول ثورة للعبيد . وهي موطن لما يسمى الذي تدفق من التعاليم الخاصة بديانة (الفودو ) ووفقا لهم فان الكهنة <البوكور > هم من يستخدمون الزومبي الذين يوصفون بانهم اموات لم تبدا جثثهم بالتحلل , فيظهرون ثانية من القبور وهم مسلوبو الارادة ولا يستطيعون التفكير .
رواية وليمة لاعشاب البحر وضجة الجدال
مرت بسلام منذ صدورها سنة 1983 حتى قامت سلسلة - افاق الكتابة -باعادة طبعها بعد صدورها في بيروت , فاثارت جدلا واسعا وحادا في الاوساط الشعبية والثقافية بمصر حتى حظرها الازهر . وقد تدفقت بسببها تظاهرات لطلبة جامعة الازهر وسقوط جرحى بحجة ان الرواية تسيء للمفاهيم الاسلامية ..وتمت المطالبة باقالة وزير الثقافة الاسبق الفنان فاروق حسين .. .. وقد اجاب الروائي حيدر حيدر على كل تلك الضجة ب (نحن نعرف ديننا وتاريخنا ولسنا بحاجة لفقهاء متعصبين ودعاة يرشدوننا الى الصراط .). فيما صرح المفكر والناقد جابر عصفور ب (انها افضل رواية عربية معاصرة ومن يتهمها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسي الذين يتدرعون باقنعة دينية ويتولون ارهاب المثقفين .. بطل الرواية محمد جواد مناضل شيوعي يغادر العراق ابان تواري الحكم القاسمي .. فيلتقي بمناضلة جزائرية تعيش خيبات الظن بالثورة الجزائرية : (تراءى على وجهها ظلال اسى جارح ,لكنه صادق من زمن مشرق ولى الى زمن قاتم ,فحول الناس من حالة الحب والتضحية والتعاون الى حالة غريبة من الحقد والكراهية والانانية والوهية الما ل) .. هكذا توصف زميلته التي هزتها الصدمة التي لم تكن تتوقعها .. استغرق الكاتب حيد رفي كتابتها 9 سنوات وقد برز كاتبا سرديا حينما نشر قصصه القصيرة في الاداب البيروتية التي جمعت وصدرت لاحقا باسم حكايا النورس . ان لغة الكاتب في هذه الرواية - وليمة - تتارجح بين اللغة الايحائية والبيانية ..لكنه ليس رائدا في هذا الحقل - الايحاء والكثافة الشعرية - لان الكتاب العراقيين تمكنوا من استكشافات بلاغية ولغة ايحائية منذ الستينيات الا ان النقد لم يواكبهم بمستوى الطموح . لقد رحل عن العالم الكاتب حيدر حيدر يوم الجمعة الماضي تاركا ضجة جدلية ستتواصل ان لم تكن فنيا فاقلها من الناحية الاديولوجية والدينية ... ان ظاهرة الحظر تشكل منعطفا خطيرا وهو لا ينجح .. فبعد حظر الازهر زاد عدد قراء الرواية بشكل لافت ...ان السيف وكاتم الصوت لن يتمكن من حجب الفكر والفن ..
تكملة المعاجم العربية للمستشرق دوزي
ولد المستشرق الهولندي دوزي (1820 ــ 1880 ) في مدينة ليدن واهتم مبكرا بالدراسات والمصنفات العربية منذ التحاقه بجامعة ليدن وكان يكتب باللاتينية والفرنسية والالمانية فضلا عن الهولندية وقد ترك 28 اثرا منها . وصادف ان اعلنت جامعة ليدن عن مسابقة لوضع رسالة عن ملابس العرب ففاز بحثه بالجائزة الاولى ما مهد الطريق للشروع بكتابه الاهم (التكملة ). كان حلم شبابه ان يضع هذا المعجم فاستغرق 40 عاما لانجازه ..وصدر ب 1738 صفحة بمجلدين .. صدر الكتاب في العراق اواسط السبعينيات من القرن الماضي ب 12 جزء ...فاقتنيت اجزاء منها ثم نفذ من الاسواق وضمر ذكره . يعكس الكتاب التأثر بالنظريات البيلوجية والاحيائية في زمانه مثل نظرية النشوء والتطور لدارون ..كما وظف المؤلف المنهج الفيلولوجي لان تطور الدلالات الجديدة للمفردة كان هما رئيسيا لديه , فقد كان يركز على ما اسماه او الوسطى التي يستخدمها الناطقون بالضاد .. يقول دوزي في مقدمة كتابه (ان معجمي غني باسماء النبات ورغم استعانتي بكتاب دودونوس القديم ولجوئي الى توضيحات زودني بها عالم نباتي شاب هو الدكتور ترويب ,فلا ازعم اني تجنبت الخطأ فيه .لان المشارقة خلطوا بين النباتات المختلفة ,واذا لم يدرس المرء علم النبات يصعب عليه وقد يستحيل ان يعرف ها ويصحح الخطأ فيها ) . لقد وجه المعجمي التونسي ابراهيم مراد نقدا للهفوات والاخطاء الواردة في التكملة ..وقد يجد القاريء حقا مثل هذا فقد وردت كلمة ( متعوب ) بمعنى متعب وهو خروج عن القاعدة الصرفية لان الفعل تعب لازم , لكنا نقرا هذه المفردة في شعر نزار قباني .. لكن كل النقودات لا تقلل من قيمة هذا المؤلف الذي بذل جهدا فرديا عظيما ويكفيك ان تلقي نظرة على الهوامش والشروحات التي الحقها بالمفردات لتثمن مدى الجهد الذي بذله فقد كان يشتغل منفردا بجهود مؤسسة . ابدا كنت احلم بان ياتي احد ليؤلف معجما للمفردات المستحدثة لكن جميع الجهود متواضعة .. في العراق بعد السقوط نتداول مفردات تحولت مجازيا لتلائم موجة العنف التي صاحبت التغيير .. نحن بامس الحاجة لبروز معجم ليرصدها ..
تثقيب القوقعة ج5 الروائية اليابانية يوكو
نهج الديستوبيا في روايات اليابانية يوكو تاوادا بعد ترجمة اعمالها لثلاثين لغة ونيلها جائزة كلايست بالمانيا في 2010 والجائزة الامريكية للكتاب الوطني 2018وترشيحها لجائزة نوبل اخذت دار فيردييه الفرنسية بتقديمها للقراء الفرنسيين خاصة بعد ترجمة اثنتين من رواياتها : الثانية (الملاك التيبيتي العابر ) وروايتها الاولى (الكشافة ) للغة الفرنسية . الكاتبة اليابانية يوكو تاوادا المولودة في اليابان 1960 والتي درست اللغة الروسية ثم رحلت لالمانيا لتستقر في هامبورغ عام 1982 تمارس كتابة القصة والرواية والمسرحية والشعر والمقالة . تميزت الكاتبة يوكو بابراز سحر اللغة اليابانية وتناولها مواضيع مهمة كالمنفى والاغتراب النفسي والكوارث الطبيعية والتلوث , ما دفع بعض النقاد لوصف اسلوبها ب (اللغة الجارحة ). في روايتها تؤكد الكاتبة على الازدواجية بين الانفتاح والانغلاق ,الشيخوخة والشباب ,الطبيعة البرية ومدينة (الديستوبيا ) 1...خلال كل ذلك تجري مسحا وتحليل اللمجتمع الياباني المعاصر بالاعتماد على خيال غني وترصد التحولات الاجتماعية بين الاجيال .. احداث روايتها تدور في طوكيو داحل شقة صغيرة على الطراز الياباني .. يقترح الشاب البطل على جده الكاتب الذي تخطى المائة عام ان يرسم الجدران بالازرق الفاتح ويرسم عليها طيورا وسحبا لكن الجد يدرك السبب وراء ذلك ففي الخارج اصبحت كل ملامح الطبيعة مشوهة .. يقول الجد . وتلجأ الكاتبة في روايتها الكشافة الى الفكاهة والعبثية . تتوفر لها بالبحث قصتها <وثنية في دير وثني > ادعو القراء للاطلاع عليها . لان ترجمة روايات يوكو للان بعيدة المنال . ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) تعني الديستوبيا بالياباني المكان الخبيث وهي كلمة اغريقية وتم تعميمها فشملت الحقل السياسي والاقتصادي والادبي ..اول روايات الديستوبيا صدرت سنة 1607 بعنوان <العالم الاخر والعالم ذاته > للكاتب الانكليزي جويف هول . واشهرها رواية 1948 . وهي تعني الفرد وقد تحول لالة في بيئة لا تعرف الرحمة وتنهج القسوة والاضطهاد .
الروائي الياباني ميشيميا وروايته اعترافات قناع
بعد ترشيحه لاكثر من ثلاث مرات لجائزة نوبل وانجازه اربعين رواية و ثمانين عملا مسرحيا و20 مجموعة قصصية .. وضع الكاتب الياباني يوكو ميشيميا حدا لحياته بالانتحار باسلوب مرعب على الطريقة اليابانية الساموراي .وبعد مرور اكثر من خمسين عاما على الحادث ما يزال الجدل قائما حوله . وليس غريبا الانتحار في اليابان فقد انتحر الكاتب كواباتا مؤلف ( منزل الجميلات النائمات ) سنة 1972 بخنق نفسه بتنشق الغاز بعد ان حصد جائزة نوبل 1968 . كانت عملية الانتحار مرعبة فبعد ان استدعى كويو الصحافة لتصله بعد ربع ساعة , بقر نفسه بالسيف معتمدا على صديقه بان يقطع رأسه ويخلصه من الاحساس بالالم .. لكن صديقه تردد فانتحر ما استدعى رجلا ثالثا ليحز رأسه. ولعل كاتب سيرته , داميان فلاناغان, تمكن من تفسير حالة الانتحار فقال . ولد الكاتب في طوكيو (1925 ـ 1970 ) ظهر اول عمل له 1941 وهو في ال 16 من عمره ...كتب روايته اعترافات قناع سنة 1949 وهي لون من الاعترافات والسيرة الذاتية ..تتصدر الرواية كلمات دستوفسكي في الاخوة كرامازوف (رهيب هو الجمال المروع , رهيب لانه لم يسبر له غور ولا يمكن ان يعرف له قرار ....) . تبدا الرواية بوصف الظروف البيئية والانسانية التي احاطت بولادة الطفل ( في مساء اليوم السابع لف الطفل في اردية داخلية من الصوف الناعم والحرير الشاحب الصفرة البس كيمونو من الكريب الحريري ذي الزخارف اللامعة . وبحضور اهل الدار المجتمعين رسمت جدتي اسمى على شريحة مراسيمية من الورق وضعتها على منصة التقدمة في ركن الصلاة ) . جدته التي تكره جده وتشبعه سخرية كانت روحها ضيقة الافق لا تقهر وهي وحشية في شاعريتها .. اخذته من احضان والديه لتحتفظ به لديها في الطابق السفلي . في عامه الاولى تهاوى من الدرج حين تعثر بذيل كيمونو امه ما تسبب له مرض التسمم التلقائي وكاد يزهقه .. وهنا نصل الى مقطع غاية الدرامية يصعب تصويره لو لم يكن المؤلف مشبعا بالحس المسرحي والتبحر في الدراما <وقفت جدته - حين استدعيت اثر حادث سقوطه - عند المدخل منحنية على العصا .. حدقت بجدي بنظرة ثاقبة عندما تناهى صوتها هادئا على نحو غريب كانما تنحت كل كلمة من تلفظها ــ امات ؟ ـ لا فنزعت نعليها , اجتازت المدخل عبرت البهو بخطى واثقة تحاكي خطى راهبة > . يمضي الكاتب باضاءة حياة الطفل والبذور التي ستنمو عميقا فتشكل هيكل مسيرته عبر تحليل سيكولوجي وفلسفي عميق ..مستفيدا من التاريخ الاقدم كالرومان والموروث الياباني وتجربته الحياتية الغنية في وصف يعكس دقة كامرا ولغة سهلة عصية تستدعي تاملا متانيا لفك شفراتها .. فما هي تلك الافكار والصور التي تترسخ في ذهن ووجدان طفل أي طفل لتكونه وتجعله مغايرا ..وهل للتركيب الفسلجي والبيلوجي علاقة بذلك .. حين سألت البريكان مرة عن سر كتاباته عن الموت ووصفه نفسه بانه شاعر الموت اجاب بان حادثة موت اخيه الصغير يكمن السر وراء ذلك لكن عددا لا يحصى شهد حوادث موت لصغار مقربين وظلت فكرة الموت لا تقلقه فما السر اذن ...يحاول كويو بروايته القناع ان يجيب : ( ما من شك في ان صورة ما رايت انذاك قد اكتست معنى جديدا , في كل مرة من المرات التي لا حصر لها والتي اعدت النظر فيها من خلالها تكاثف زخمها وتركزت في بؤر النظر , لانه عبر المنظور الغامض والضبابي لذلك المشهد لم ينتصب شيء في جلاء يختل تناسبه مع باقي مكونات المشهد بقدر ما بد ذلك الشخص المقبل منحدرا عبر التل ,ولم يكن ذلك بدون سبب فقد كانت هذه الصورة ذاتها اولى الصور التي قدر لها ان تواصل تعذيبي وبعث الذعر في نفس طوال عمري ) . لكن لماذا شكل ذلك المشهد لشخص ينحدر من تل , يجمع السماد البشري وهو يحمل نيرا مثقلا بدلوين يوازن ثقلهما باقتدار بخطواته , كشفه الاول لقوة معينة ؟! سيحاول الكاتب الاجابة وتحليلا لمدى تاثير هذا المشهد ومشاهد اخرى ستصادفه وستؤدي به شخصيا الى الانتحار الشخصي بصورة مرعبة . (شعرت حيال مهنته < جامع فضلات البشر > بشيء يحاكي اسى نفاذا اسى يصهر البدن راودني الشعور بالمأساة باكثر معاني الكلمة حسية شعور معين بالتخلي عن الذات شعور بالحميمية مع الخطر ..) من هنا تبدأ الساماراوية بالتجلي : الانتحار لحظة الخطر , عدم الاستسلام والتراجع ..حتى في قراءاته المبكرة يستقطبه الموت فحين قرأ لاندرسون تجاذبته قصة - عفريت الورد ـ حيث فتى جميل يطيح برأسه شرير مستخدما السكين - ... ومن قصص وايلد تأسره قصة الصياد وروحه التي تسجل جثة صياد شاب القتها الامواج على الشاطيء ..ورغم ان الطفل في الرواية قد تستقطبه صور للجمال والفكاهة الا ان قلبه ميال لمشاهد الموت والدم اكثر من سواها . ويصادف ان يطلع الطفل على لوحة القديس سباستيان للمصور جيدو رينيه فيصف جذع شجرة الاعدام في غابة كابية وشابا وسيما عاريا مقيد الى الجذع ,مخمنا ان اللوحة مشهد لاستشهاد احد المسيحيين : ( ما ان تطلعت الى اللوحة حتى انتفض كياني كله بفرحة طاغية ) .
كورماك وروايته الطريق فاجعة نهاية العالم
كاظم حسن سعيد الحوار المتمدن-العدد: 7652 - 2023 / 6 / 24 - 20:01 المحور: الادب والفن
توفي قبل حوالي اسبوع الروائي الامريكي المسرحي والسينارست مكارثي عن عمر ناهز 89 عاما (1933 ــ 2023 )..بعد ان انتج 12 رواية . عمل في مهن عدة منها التعليم والميكانيك ودخل الطيران لكنه ضاق ذرعا بالثكنات فترك وظيفته .. عاش شبه متشرد شطرا من حياته وذلك ما صوره في روايته في 600 صفحة , وكان يرفض الظهور الاعلامي حتى انه رفض عرضا بالاف الدولارات مقابل محاضرات حول ادبهفي احدى الجامعات , مفضلا ان يتناول الفاصوليا على ذلك .اولى رواياته اعقبها ب < خارجا من الظلام >1979. لم يستجب القراء والنقاد لتلك الروايات .. سنة 1992 صدرت روايته - كل الخيول جميلة - فحصدت مبيعات عالية . سنة 2006 كتب روايته (الطريق ) التي نالت جائزة بوليتزر ... وهي تتحدث عن كارثة اصابت العالم فدمرته .. يرويها رجل يتقدم باتجاه الساحل مستصحبا نجله الصغير ..كل شيء في الرواية يجسد الموت والظلمة واليأس والدمار .. في الطريق قال لها <نحن من الناجين > فاجابته (بل نحن موتى يمشون في فلم من افلام الرعب )..وقدم لها املا بان -سيفعل أي شيء لاجلها - فاجابته : ( مثل ماذا ؟ لديك رصاصتان ولا تتمكن من حمايتنا ..آجلا او عاجلا سيقبضون علينا -اكلة لحوم البشر - وسيغتصبوننا وياكلوننا وانت لا تكترث وتفضل الانتظار ).. واضافت <اعتدنا التحدث عن الموت , لانه لم يبق شيء للحديث عنه وبان لها عشيقا هو الموت : لقد انتهيت وانتهى فؤادي الجامح وانا منذ زمن طويل , انت تتحدث عن اتخاذ موقف لكن ليس هناك موقف.. لقد نزع فؤادي مني في الليلة التي ولدت فيها ,لذا لاتطلب مني الحزن الان .. لا يوجد اثر له ). يتقدم الرجل وابنه ورغم شدة الفاجعة فان لمسات انسانية تتدفق بينهما .. في جو مرعب هذا مثال عليه : (تابعا سيرهما بخطوات ثقيلة وقد هزل جسداهما واتسخا كمدمني الازقة. لفا نفسيهما ببطانياتهما في مواجهة البرد وأنفاسهما تتصاعد وهما يشقان طريقهما عبر أكوام الرماد السوداء الناعمة. عبرا السهل الساحلي العريض حيث ألقت الرياح السرمدية بهما في خضم غيوم من الرماد ليبحثا عن جسر على جانب الطريق. كانا يلفان بطانياتهما حول رأسييهما وبدت سماء الظهيرة السوداء مثل زنزانات الجحيم. ضم الصبي الذي نخر البرد عظمه إليه وقال له: لاتيأس. سنكون على ما يرام. عندما أفاق مرة أخرى كان الظلام لم يزل مخيما لكن المطر قد توقف. بدا نور مصحوب بدخان في الوادي. نهض وتجول على امتداد السفح. تبدى ضباب رقيق ناتج من حريق امتد عدة أميال. قرفص وتمعن فيه. كان بإمكانه أن يشم رائحة الدخان المنبعثة, بلل إصبعه ورفعها عكس الريح. عندما انتصب واقفا واستدار ليعود بدا الضوء من داخل المشمع حيث أفاق الصبي.. ومن حيث استقر في الظلمة ظهرت الزرقة كأنها خطوة في مغامرة أخيرة في طرف العالم، عالم كل ما فيه غير قابل للتفسير. وهكذا كانت الامور.). لكن الكاتب قد يصيبك بالملل لان الاحداث والمشاهد متشابهة الا ان مقدرته الشعرية الفائقة تنقذ النص من الرتابة وتسحك لتكمل القراءة .. (أمضيا اليوم التالي بكامله ينتقلان عبر الضباب المتحرك الناتج من دخان الحرائق. في المناطق المفتوحة المحروقة كان الدخان يتصاعد من الارض كالضباب، والاشجار السوداء النحيلة تحترق على المنحدرات كأنها قواعد لشموع وثنية. وصلا فيما بعد في أثناء النهار إلى مكان عبرا فيه الحريق الطريق إذ لم تزل الحصباء ساخنة وبدأت بعد مسافة تلين تحت أقدامهما. بدأ القار الاسود الحار يجذب نعالهما ويتمدد في موجات رقيقة تحت وطأة أقدامهما. توقفا. قال الرجل: علينا أن نتوقف.). اشتهرت روايته لا موطن للمسنين الذي يعالج فيه ازمة الشيخوخة ..ومن الغريب انه لم يحصل على جائزة نوبل التي رشح لها . كورماك مكارثي الذي صرح - لا تستقطبني الا روايات تتحدث عن الموت > بعد ان اهمله النقاد وجفاه القراء اصبح يستقطب ملايين المتابعين لادبه حول العالم .
تثقيب القوقعة ج6 الروائية كولين هوفر
كولين هوفر التيك توك وراء شهرتها الكاسحة. روائية امريكية مواليد 1979 متخصصة بادب الاطفال . جذبت مليون متابع على تيك توك وبيع 20 مليون كتاب لها وتحولت من كاسبة الى مهيمنة في سوق المشتريات . صرحت : (قرأت كتب الآخرين، وأنا أشعر بالحسد الشديد منها، أفكر أنها أفضل بكثير من كتبى ، وان القراء يتحكمون في ما يتم بيعه الآن ".
ان نجاح هوفر وفقا لنيويورك تايمز هو أن العديد من أكثر الكتب مبيعًا لها تم نشرها منذ سنوات، وعلى الرغم من أن لديها بالفعل قاعدة معجبين راسخة، إلا أن شعبيتها على تيك توك أثناء فترة انتشار كورونا جعلتها واحدة من أكثر الأسماء التي تحدث عنها القراء الذين اكتشفها الكثيرون منهم لأول مرة. تقول في روايتها الثانية( حقيقة )- تقع ب 250 صفحة - : ( يكون زواجك ناجحا من كل النواحي ولكن ما ان يبدأ الجنس بالذبول , تتأثر مباشرة الاجزاء الاخرى من العلاقة -كولين ) . الرواية التي تبدأ بدهس شاحنة لـشخص استعجل بعبور الشارع وتناثر دمه على قميص بطلة الرواية الكاتبة الفقيرة المغمورة (لوين آشلي)..التي تلقت عرضا من زوج الكاتبة فيرتي كروفورد، لإكمال الكتب المتبقية في سلسلة ناجحة لا تستطيع زوجته المصابة إنهاءها . فتذهب لوين الى السكن في منزل الكاتبة المشلولة الفاقدة للإحساس بكل من حولها، مع زوجها وإبنها الصغير وهناك عن طريق الصدفة تعثر على مذكرات فيرتي المكتوبة بكل مصداقية فتقلب الاحداث رأساً على عقب. هنالك الكثير من المشاهد الجنسية التي وظفتها الكاتبة لتسليط الضوء على اسلوب التفكير الذي يتميز به المصابون بالاضطراب النفسي فلم تكن قصة حب فيرتي لزوجها جيرمي كروفورد الا محاولة للتملك أكثر من كونه حبا. لقد كشفت فيرتي بمذكراتها الاعترافية الجانب المظلم من حياتها الذي كانت تستره عن زوجها وظلت عائلتها تعاني من نكبات متسلسلة . فنرجسيها وحبها للتملك تدفعها الى محاولة قتل بناتها لانهن شاركنها بقلب زوجها حسب قولها، فتعاملت معهن كأنداد لها و وتسببت في موت واحدة منهن وقتلت الأخرى. كتبت كوفين روايتها ابان جائحة كورونا في مقطورة سكنتها مع زوجها وابنائها الثلاثة ولم تكن تملك حاسوبا فكتبت روايتها باستعارته من امها . ان اشهر روايات كولين هوفر: (تنتهي معنا ) وهي رواية عاطفية تتمحور حول بائعة ازهار وجراح اعصاب في علاقة يسودها العنف المنزلي . وقد استوحت فكرة الرواية من تجربة والدتها المريرة حسب قولها .
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬ تثقيب القوقعة ج 7 وفاة الروائي باسكال مورسييه
باسكال مورسيه وروايته قطار الليل الى لشبونة قبل ايام توفي الشاعر والروائي السويسري بيتر بيري - مورسيه (م 1944 ـ 2023).. الذي لم تجذب النظر الروايتان اللتان نشرهما هذا الفيلسوف ,الا انه حصد نجاحا مبهرا في روايته الثالثة (قطار الليل الى لشبونة) -572 صفحة - والتي تبدا مع معاناة البطل الذي اخطا لغويا وهو المتبحر باللغات اثناء الدرس , هذا الخطا الذي شغل جميع من في المدرسة لايام وايام وكلما اتسع النقاش حول الموضوع زاد عدد المعتقدين بانهم اخطاوا السمع .. بعدها : ( نظر غريغوريوس الى متحف بيرن التاريخي المائل بابراجه الحادة ثم رفع بصره الى الغورتن وخفضه بعد ذلك الى نهر الآربمياهه الخضراء المتجمدة فيما كانت الريح تعصف بشدة وهي تطرد من فوقه الغيوم المنخفظة وتتلاعب بمطريته وفي تلك اللحظة لمح امراة في منتصف الجسر كانت متكئة على الحاجز تقرا ما بدا له رسالة تحت المطر المنهمر بغزارة وهي متشبثة بالورقة بكلتا يديها عندما اقترب منها غ طوت الورقة فجاة ودعكتها في شكل كرة وبحركة عنيفة رمتها في الفضاء عنده اضطر لا اراديا الى ان يسارع في مشيته حتى اصبح على بعد خطوات منها لمح وجهها الشاحب المبلل بالمطر وقد علاه غضب شديد لم يكن من ذلك الغضب السهل تصريفه في شكل صرخات عالية ما يلبث ان يتبدد بعدها بل كان غضبا داخليا غضبا مكبوتا ما يزال يحترق منذ فترة طويلة دون لهب ) .هذا المقطع الذي يتصدر روايته يؤكد مقدرته السينمائية التي تحولت الى فلم سنة 2013. ولد باسكال بمدينة بيرن السويسرية و حصل على الدكتوراه 1971 في فلسفة الوقت , عمل استاذا في الجامعات الالمانية و تركزت ابحاثه على نظرية المعرفة والفلسفة التحليلية .. اتقن اللغة اليونانية والفرنسية والانكليزية والعبرية والسنسكرتييه ودرس الروسية والعربية . فضلا عن الاطروحات الاخلاقية واللغوية في الرواية ودور اللغة في حياة الانسان تتناول الرواية اسئلة حول تعدد الذات ومدى استخدام الانسان منها (اننا لا نعيش الا بجزء من صغير من دواخلنا فما مصير بقية الاجزاء ؟ ). ان البطل في الرواية العالم غريغوريس يشرع برحلة استكشاف بعد عمل لخمسين عاما , كمدرس منضبط , يمضي باحثا عن البرتغالي اماديو صاحب كتاب (صائغ الكلمات ) وهي رحلة للكشف عن اسرار الذات . (نحن نكتب الاشياء ذاتها ونردد الكلمات نفسها , والاستعارات ذاتها , والاسوا من هذا كله هو انني حين اصغي لنفسي اجدني مثل كل الناس اردد الاشياء الابدية ذاتها , انها مستهلكة وذاوية بشكل رهيب ).
تثقيب القوقعة ج8الروائي ميلان كونديرا اعلن من ايام عن وفاة الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان عن عمر 94 ..الدواوين الثلاثة التي نشرها لم تثر اهتماما ... لكنه حقق نجاحاحته في مجال السرد رواية وبحثا نقديا .. جرد كونديرا من جنسيته الاساسية واستعادها بعد 40 عاما .. وقد حمل الجنسية الفرنسية منذ 1981.. في تشيكيا صدرت له روايتان : ( الدعابة و غراميات مرحة 1968 )..اصبح من المرفوضين في بلده وبعد ربيع براغ غادر سنة 1975 مع زوجته فيرا نجمة تقديم البرامج بالتلفزيون التشيكي ,ليستقر بفرنسا . كتب كونديرا لصحيفة لوموند بعد ان نشر كتابه : ((لقد افلست اوربا لانها لم تعرف كيف تفكر في الرواية كوحدة تاريخية ويتهم النقد بالفشل في التخلص من الجغرافيا )). اشهر رواياته - وجود لا تحتمل خفته 1984- يعالج فيه احداث ربيع براغ والروح والجسد وموضوعة الخفة والثقل أي الاحساس بالمسؤولية والتخلي عنها .. وهو يرتكز بكثير من اطروحاته على فكرة للفيلسوف نيتشة .. وتقع الرواية في سبعة اجزاء ..تدور احداثها سنة 1986خلال اجتياح الاتحاد السوفيتي لبراغ . لقد تزوج البطل الطبيب توماس من تريزا التي اعتبرها رمزا للثقل فيخونها مع سابينا التي تمثل الخفة .. وهو يبرر تلك الخيانة ما دام حبه لزوجته قائما..في النهاية عندما يتحرر من الثقل ويبلغ اسلوب الخفة يرى البطل نفسه وحيدا وضائعا فيتوق للعودة لزوجته التي هجرته . (لا يمكن للانسان ابدا ان يدرك ماذا عليه فعله لانه لا يملك الا حياة واحدة لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا اصلاحها في حيوات لاحقة ... ايهما افضل : العيش مع تيريزا ام البقاء وحيدا . ).
من روايات الكاتب : <كتاب الضحك والنسيان 1963 - البطء -الخلود 1988 -غراميات مضحكة .. وغيرها ). لقد اطلق اسمه على الجرم السماوي 7390 المكتشف 1983... ومات وفي ضميره غصة لانه لم يمنح نوبل التي يستحقها .
اعلن من ايام عن وفاة الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان عن عمر 94 ..الدواوين الثلاثة التي نشرها لم تثر اهتماما ... لكنه حقق نجاحاحته في مجال السرد رواية وبحثا نقديا .. جرد كونديرا من جنسيته الاساسية واستعادها بعد 40 عاما .. وقد حمل الجنسية الفرنسية منذ 1981.. في تشيكيا صدرت له روايتان : ( الدعابة و غراميات مرحة 1968 )..اصبح من المرفوضين في بلده وبعد ربيع براغ غادر سنة 1975 مع زوجته فيرا نجمة تقديم البرامج بالتلفزيون التشيكي ,ليستقر بفرنسا .
كتب كونديرا لصحيفة لوموند بعد ان نشر كتابه <الوصايا المغدورة > : ((لقد افلست اوربا لانها لم تعرف كيف تفكر في الرواية كوحدة تاريخية ويتهم النقد بالفشل في التخلص من الجغرافيا )). اشهر رواياته - وجود لا تحتمل خفته 1984- يعالج فيه احداث ربيع براغ والروح والجسد وموضوعة الخفة والثقل أي الاحساس بالمسؤولية والتخلي عنها .. وهو يرتكز بكثير من اطروحاته على فكرة <العود الابدي > للفيلسوف نيتشة .. وتقع الرواية في سبعة اجزاء ..تدور احداثها سنة 1986خلال اجتياح الاتحاد السوفيتي لبراغ .
لقد تزوج البطل الطبيب توماس من تريزا التي اعتبرها رمزا للثقل فيخونها مع سابينا التي تمثل الخفة .. وهو يبرر تلك الخيانة ما دام حبه لزوجته قائما..في النهاية عندما يتحرر من الثقل ويبلغ اسلوب الخفة يرى البطل نفسه وحيدا وضائعا فيتوق للعودة لزوجته التي هجرته .
(لا يمكن للانسان ابدا ان يدرك ماذا عليه فعله لانه لا يملك الا حياة واحدة لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا اصلاحها في حيوات لاحقة ... ايهما افضل : العيش مع تيريزا ام البقاء وحيدا . ).
من روايات الكاتب : <كتاب الضحك والنسيان 1963 - البطء -الخلود 1988 -غراميات مضحكة .. وغيرها ). لقد اطلق اسمه على الجرم السماوي 7390 المكتشف 1983... ومات وفي ضميره غصة لانه لم يمنح نوبل التي يستحقها .
ا
الروائي النوبلي ماريو يوسا ورواية الرياح
صدرت عن دارليرن الفرنسية ترجمة لرواية الرياح للكاتب البيروفي ماريو .. بطل الرواية رجل عجوز يعيش في مدينة مدريد اكمل مائة عام , يقرر الذهاب لحضور عرض اخير في احدى دور السينما قبل ان يتم اغلاقها , فيرى في القاعة ستة رجال من كبار السن (اشلاء بشرية ) فيقول (لقد مضى وقت طويل منذ هجر الشباب السينما لانهم اعتادوا على مشاهدة الافلام عبرشاشات الكمبيوتر ..فيعيش حالة الوحدة والضياع فيصف نفسه .. في طريق عودته يضيع فلا يهتدي الى بيته , يحاول تذكر الطرق لكن بلا جدوى فيظل تائها لساعات فلا يعرف اين هو رغم الحشد المتجمهر ولافتات الشوارع والساعة ورجال الشرطة ومداخل المترو فيخشى ان ينفضح امره فتستدعيه الشرطة فيودع في السجن .. ويقر البطل يوسا بان الشاشات الافتراضية لا تقدم سوى تجربة سطحية وغير مكتملة للفن والثقافة . ولد الكاتب 1936وحصد نوبل 1910.وهو روائي وصحفي وبروفسور جامعي وسياسي ترشح للرئاسة البروفية 1990لكنه لم يفز .بدا دراسة القانون والادب في جامعة ناسيونال سنة 1953. كتب روايته الاولى -المدينة والكلاب 1963.. والبيت الاخضر 1968 وحديث الكاتدرائية .. -البطل المتكتم -شيطنات الطفلة الخبيثة .. وعشرات الروايات . حصل على الدكتوراه حول كتابته عن مائة عام من العزلة لماركيز ... وانجز اكثر من 70 عملا ادبيا . حول اسلوبه في الكتابة يقول في احدى المقابلات (كنت دائما أتفاجئ حين أكتب. بل سأكون صريحا إن قلت ربما للمرة الأولى؛ إن اكثر اللحظات إثارة و التي اجد فيها نفسي متحفزا هي حين انكب على كتب قصة ما و تبدأ الأشياء تبرز من تلقاء نفسها دون سابق اعتبار. فعلى سبيل المثال في روايتي الزوايا الخمسة، كانت هناك شخصية أردت لها في البداية ان تكون شخصية ثانوية، غير مأثرة، إلا ان ما حدث سبق ان حدث في عديد المرات، هو أنني كلما تقدمت في القصة ، تأخذ الشخصية في التبلور و تكتسب قوتها فارضة نفسها و سطوتها علي، بمبادرة منها و قررا حاسما بأن تأخذ حيزا كبيرا لها في الظهور، فجأة تصبح الشخصية مفعمة بالحياة، أعتقد أن هذه هي أكثر اللحظات سحرية في الكتابة ).
الكراجات نقد
(وعبر اسى المحطات ..وجوع الروح والجسد ..اظل انشد الابد)…اول ما لفت نظري هو تذليل اللغة واختيار الوسط منها..فللهجة الدارجة مواطن تشع فيها. وتغذيك بطاقة ايحائية ان حسن الاختيار وتحكمت الضرورة…فهذا الوطن ( مسخم)..وهي مفردة عميقة الدلالة في اللهجة العراقية الدارجة…. يختار الكاتب باكثر من موقع تلك المفردات ليعقد مصالحة بين الفصحى والدارجة..ليس بدافع التبسيط. بل لاجل التوسع..فليس يعقل ان تكون كل مفرداتنا الشعبية مهملة بحجة انها ليست فصحى… حين تتناول اصل مفردة معجميا وجذرها تصاب بالدهشة وانت ترى تحولاتها المجازية…في العربية حرف يقلب المعنى ان تجاور مع مفردة ما…ماذا يقول الجنوبيون لمن اخطأ او اساء( صخم الله وجهك).. او او [ مصخم ملطم]..لذا تلسعك مفردة - مسخم- للوطن : يضعك الكاتب وجها لوجه امام الفاجعة ..اي وطن مسخم هذا..يكره الفتية اليافعين على موت مجاني او ملل الواجبات…ويفرض الف فدية يوميا…. اترك القراءة فورا ان رغبت بقراءة عجلى..فهذا نص لا يتصالح معك وانت تقرؤه كشارب كأس مثلجة..بعجالة ولا مبالاة…فتلك البائعة الحميراء يدنو اليها جندي فتي خشنته الحرب ساعة الفجر والمطر يلتهمك او نسمة ربيع تشملك او طاقة مسعرة تنبض فيك : تراها تغريك فلا تفكر انها تفعل ذلك لاجل الرزق..انت امام جمال يسمرك..لكنك ذاهب للموت…انت كمن يلقي النظرات الاخيرة على الحياة ولكنك في حياتك منتقل من كراج لكراج…حاملا همك وقلقك..مفارقا سلسلة امانك والاستقراردفئك والجو المثلج..فتتعمق فيك الغربةويتمكن منك الفراغ…لهذا ثبتها البريكان[ وعبر اسى المحطات] : هكذا ينتقل بك الكاتب من محطة لاخرى راسما الفوارق السيكولوجية بينها ..مفرقا بين منسوب الحزن بين كراج وكراج..كراج الحيانية..ومرآب التنومة الفوارق هنا بسلوك الناس..فالكية ذات الكية..الفرق بالبعد النفسي…بمنسوب البذاءة واللطف..بين قوة التوتر والانفس الرضية.. بين المساحات المخضرة وتلال القمامة. اتفهم القصد من اهمال مفردة ( المرآب)..واتوقع ان الكاتب خانه توضيح الفكرة …لكنها تحيلنا الى بحث لغوي ..فلماذا تهمل بعض المفردات؟..وتستبدل وكيف يتحكم بها المجاز..اؤيد فكرة احد علمائنا اللغويين( كل المفردات مجازية) ..فنحن لا ندري كيف تحولت لفظة [ الاستقراء] من الاصل للمجاز..كانت العرب تجمع الماء الشحيح من بقع متناثرة .. وتحجزها بحفرة واحدة..لسهولة التناول..كيف تحولت الى المنطق…مفكر ذكي اخذ جوهرها وحرفها عن اصل معناها..المهم ليس المرآب لفظة غريبة مهملة لان هناك حنان البقاء..وقوة التمسك بالبيت او البيئة …انما طغت الكراج فازاحت المرآب لاسباب مجهولة..لكنه بحث يستحق التأمل والتعمق [ التحول المجازي للمفردات]..لكني اتفهم قصد الكاتب ..فللمفردة ظلالها..ومن هنا تصمد القصائد ان استخدم لها مفردات ذات طاقة ايحائية.. : تناول الكاتب مزاج السواق..فهم ينتعشون باغنية الاطلال لكنهم يتمسكون بسعدي الحلي..الاطلال واضحة لكن سعدي الحلي ذلك المطرب الفذ الذي شغل الاجيال..ولم تستطع كل الاشاعات التي تشمله وكل الاف الطرائف التي نسبت اليه خاصة ما يتعلق باتهامه بحب الذكر .. : لم تستطع ان تطمره..فمن لا تطربه( غفه رسمك بعيني من الصبا لليوم).. ورغم ما يؤاخذ عليه السواق اخلاقا فان الغيرة تحركهم فيحجزون للعوائل : وقد يقرأ هذا الجيل لف الطعام وغيره بالصحف..فلا يدرك ما وراءها..اما نحن الذين عاصرنا عهد التمجيد..فقد حفظنا عشرات الطرائف..مثلا ( اشتريت جريدة لامسح بها الجام او اقتنيتها لالف بها الفلافل..لقد اتخمونا صحفا وتلفازا به بتمجيده( الضرورة)…التفت الكاتب لذلك فوثق لمجلات وصحف تتبع للنظام شهيرة نعم ستطوينا..سننسى ويبقى الحجر خالدا رغم خلوه من المعنى( بريكان)..لكن علينا ان نوثق ما نستطيع…لنتغلب على مللنا وقلقنا ورعبنا الخفي…لن ينقذك نسيم المتوسط..فها قد مضت عقود مذ غادرت الجامعة في انتظار مزيد من الملل في الكراجات. >
(لعل اللغويين الذين يحرسون اللغة بقوة الامر والنهي انما يحرسون ضريحا لا كائنا حيا وهم في قيامهم بدور السدنة لا بد ان ينتهوا باللغة الى الانحسار ).هكذا يبدأ العلوي كتابه الذي يعالج مواد من الموروث والراهن اريد بها انشاء صورة اصلاح مقترحة تطمح الى توفير حلول معقولة لمشكلة التعبير اللغوي وهو بامتزاجه كلا من الموروث والراهن يريد ان يكون المقترح وسيلة اصلاح واثراء لا انقطاع وافقار, ويصبو المقترح لتاسيس مشروع معجم جديد منطلقا من عربية القاموس مضافا اليها عربية الدارج بعد تشذيب محتوياتها . اشاد المؤلف بمقدمة كتابه بحركة الاحياء اللغوي التي انبثقت في القرن التاسع عشر والتي شملت امهات اللغة ومعاجمها ونشطت مشاريع التاليف المعجمي مثل محيط المحيط للبساني واعيد للكتابة العربية مركزها بعدما انبثقت حركة ثقافية ناشطة على يد طه حسين وجيله من الاعلام , ثم واجهت العربية مشكلة الاصطلاح العلمي واثمرت مساعي السوريين لانتاج حركة رائدة في هذا الحقل , فظهر مؤلفون معجميون في سوريا ومصر ولبنان لم ياتوا من اوساط اللغويين بل مختصون علميون ... وظهرت بعدها مجلة التي اهتمت بالدراسات المعجمية والمصطلحات واصدرت عددا من المعاجم المتخصصة بعدها ظهر معجم حتي الطبي للدكتور يوسف حتي ومعجم المصطلحات الطبية الصادر من دائرة التدريب المهني للقوات المسلحة في القاهرة سنة 1962,و المعجم العسكري الصادر بدمشق 1961 ويحتوي 25 ألف مصطلح في الشؤون العسكرية والموسوعة في علوم الطبيعة صدر 1966 وضم 25 الف مصطلح في علمي الحيوان والنبات .. وظهر في العراق من النجف ( المعجم الزولوجي الحديث ) في 8 مجلدات مكرسة لعلم الحيوان اصدره الشيخ كاظم الملكي كما اصدر الدكتور صادق الهلالي استاذ الفيزيولوجي بجامعة بغداد مجلدين حول فسلجة الجهاز العصبي .. فضلا عما اصدرته دار التقدم ودار مير في الاتحاد السوفيتي في ذات المضمار . يعرض المؤلف بعد ذلك المشكلات الاساس في التعبير اللغوي ومنها : 1 العلاقة بين العامية والفصحى 2 اشكاليات لغة العلم ومازق الاصطلاح 3 ازمة المعاجم 4 الفقر اللغوي في مواجهة حاجات العصر المتنامية ويشيد المؤلف بكتاب (في اللهجات العربية ) للدكتور ابراهيم انيس الصادر 1946فيقول يلفت المؤلف الى ان اكثر الامور اهمية في هذا الصدد هي الحروف غير الفصيحة وهي - الباء والكاف والجيم المثلثة : P-G- CH- ويؤكد العلوي بان ابدال القاف كافا عرف في لغة حمير وبقي في وسط وجنوب العراق والخليج والمغرب العربي , اما ابدال الكاف جيما مثلثة فهو معروف عند اللغويين بالكشكشة حيث اورد الخليل هذا الشاهد <تضحك مني ان راتني احترش ) , وذكر الزمخشري هذا الحرف وسماه الكاف التي كالجيم , وكانت الكشكشة متمركزة في ربيعة وغيره . وقد اورد الثعالبي في فقه اللغة هذه القراءة للاية < قد جعل ربش تحتش سريا > وهي تترجم كتابة : قد جعل ربج تحتج سريا .. وعلى نفس النهج يمكن كتابة بيت مجنون ليلى ( فعيناج عيناها وجيدج جيدها ) . لقد بذل المؤلف جهدا لافتا في كتابه لاجل ردم او تقليص الفجوة المتسعة بين الدارجة والفصحي , نأمل ان يواصل باحثون بعدها الغوص بهذا الحقل الحيوي لعلنا نتمكن من تزويد لغتنا باوكسجين معاصر لتقاوم قسوة الاندثار والتكلس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ هادي العلوي : <1932 ــ 1998 > مفكر ماركسي ومؤرخ اسلامي ولغوي عراقي , ولد في بغداد وتخرج من كلية الاقتصاد 1956 غادر العراق قسرا الى الصين ثم سوريا فعاش منفيا حتى وفاته بدمشق التي دفن فيها .اتقن 6 لغات منها : الارامية والصينية والعبرية .ابعد عن العراق 1976, له اكثر من 11 مؤلفا منها (مدارات صوفية والاغتيال السياسي في الاسلام ) .
من اجل معجم يواكب المستجدات
ابتكرت في العراق خلال العشرين سنة التي اعقبت سقوط النظام مفردات ومصطلحات تواكب التحولات والهزات المتسارعة والمتسلسلة , وقد كان لشيوع مواقع التواصل الاجتماعي دور فاعل باشاعتها . ولعل المفردات والمصطلحات التي تعكس العنف - ابرز ظاهرة اجتماعية - هي الاكثر رواجا بعضها توارت واخرى ترسخت ومنها ( العلاس والصكاك , السياف وقناص بغداد , شالوه , طكوه بالدهن ) . فيما اطلقت مفردات يعكس بعضها الحزن العراقي على اجهزة المبايل : (الشبح , طابوكة , ابو دمعة , ابو دمعتين ) . وبذات الحقل تسربت للصحافة مفردات ( جماعة تكفيرية , مظاهر مسلحة ,ميليشيات ,سياسيو الصدفة , الترحيل القسري , المقابر الجماعية ) . هنالك مفردات توصّف الاستيلاء القسري وغير القانوني ( حواسم ومشتقاتها , الفرهود , بحارة -من يعملون بتهريب المشتقات النفطية , خماطة - جماعة النشل ) . عن المخدرات ابتكروا ( كان ـ كب -اي متعاطي الكابين , مكبسل , الشم , يسكوّت - أي من يتعاطي السيكوتين بدلا من حبوب الهلوسة -. مفردات ومصطلحات تعكس الحالة والسلوك الاقتصادي (تلافة , خماطة ,عظامة , هفتي -من يبيع سلعا باسعار مرتفعة بالتقسيط , طاك) . هناك تسميات اطلقت على جمال المرأة وحالتها الاجتماعية مثل ( صاكة وسنكل ) . وانتشرت بشكل غير معقول مفردات لا معنى لها مثل (جييبة و علّي بمط اللام وتشديدها وعنّي بمط وتشديد النون ). ان ما ذكرته صورة مصغرة عن الاف المفردات التي اصبحت مشاعة في المجتمع العراقي يكمن خلفها مقدرة لغوية تميز بها العراقيون وخيال خصب سينكب عليها المتعمقون بدراسة الاستعارة والمجاز وفقة اللغة واصحاب الصرف , وستشغل مستقبلا علماء النفس والاجتماع . فيما يتدهور لدينا الاملاء والاعراب ننشط في مجال الاستعارة والمجاز ونحت الكلمات وابتكارها , انها ظاهرة تستدعي الدراسة ووضع معجم حديث .
تثقيب القوقعة ج 9 الروائي مارتن فالزر توفي عن عمر 96 عاما الروائي الالماني فالزر( 1927 ــ 2023 ).. بعد ان خلّف 50 عملا ادبيا تمثلت بمسرحيات وقصص وروايات مقالات .. لكنه اكتسب شهرته من كتاباته الروائية في المقام الاول . اطلق عليه النقاد ..وهو وصف ينطبق عليه من خلال رواياته (زيجات في فيلبسبورغ 1957 -و منتصف الوقت 1960 -جواد هارب 1978 ). في بداياته سخر منه جماعة الذي انتسب اليها بعد ان قدم لهم قصصه , لكنه تمكن اخيرا من ان يثبت مكانته وان يجتازمحنة التاريخ . ولد مارتن في مدينة فاسروج قرب بحيرة كونسانس بالمانية ,وحصل على الدكتوراه 1952 عن اطروحته <الشكل القصصي عند فرانس كافكا >. وصفه الكاتب مويان-بان كتاباته ذكية ومفعمة بالفلسفة > كما وصفه -لي أر- <اعظم كاتب الماني خلف توماس مان وبانه جوته المعاصر >. ترجمت له بالعربية الروايات ((رجل عاشق -القديسة -وجواد نافر )). جند ابان الحرب العالمي الثانية وكان في الاسر الامريكي وقت انتهت الحرب . قال فالزر <الرواية التي تخلو من السيرة الذاتية ليس رواية وانهما هب بحث اجتماعي > بروايته "دفاع عن الطفولة" التي صدرت في عام الوحدة الألمانية (1991) كان فالزر أول كاتب ألماني تناول موضوع وحدة الجمهورية الالمانية بشكل روائي روائي . وقبل انتهاء القرن العشرين احتفى عديد من نقاد الأدب بروايته "النبع الفوار" الصادرة عام (1998),حيث استلهم سنوات صباه في مسقط رأسه "فاسّربورغ" أيام النازية. في عام 2005 صدرت يومياته في الفترة بين 1951 - 1962 في كتاب سماه فالزر "الكتاب والكتابة"، وهو عن مهنته ككاتب وسر الإبداع الأدبي عنده. ورغم تقدمه بالسن فان روايته -رجل عاشق - ترسخ الشعور بحيوته ودفقه الروحي .
مع مطلع سنوات المراهقة تصورت اني حسمت الجدل الذاتي حول موضوعتين فلسفيتين هما الموت والقدر . واكتفيت بنظرية الحركة الجوهرية (الروح رغم انها ليست مادة فان لها نسبا ماديا ) والاطروحات المادية ( الروح مادة متطورة ) لانقي الدماغ من الجدل اللامتناهي حول الروح والمادة . لكن رواية قصة موت معلن المكثفة والقصيرة والمحكمة النسج وضعتني ثانية في مواجهة تلك المسائل الفلسفية الشائكة وعدت لدراسة اطروحة العلاقة بين الصدفة والضرورة وتوصلت لاراء في طور التكوين والتنضيج تلخص بان جزءا من القدر يعتمد على النسبة . منذ السطور الاولى يضعك الكاتب امام النهاية الماساوية للبطل ( في اليوم الذي كانوا سيقتلونه فيه استيقظ سنتياغو نصار وهو غني بالوراثة ومن اصل عربي ..). وعندما يعلم القاريء بالنهاية من اللحظات الاولى يفترض ان يفتر لديه الاحساس بلهفة المتابعة و لذة اكتشاف المستور . لكن ماركيز يقلب الامر مستفيدا من اسلوب الاستقصاء الصحفي وفن السيناريو وتقديم المعلومات بالتقسيط عبر لقائه بمن شهدوا الجريمة وظروفها بعد عقدين فتظل مشدودا حتى النهاية وانت تحاول مثله ان تستكشف اركان الجريمة البشعة واسبابها . سيجري الدم في جو احتفالي فالجميع ينتظر وصول مركب المطران فيما تجري استعدادات فائقة الندرة لاقامة عرس . زمن الرواية اربع ساعات فقط وعدد صفحاتها 122 . تبدا الكارثة حين يعيد العريس زوجته لاهلها بعد ساعات من الزفاف لانه يكتشف فقدانها العذرية . لكنها ستقتل انسانا اخر ايضا لا علاقة له بالحادث حسب اكبر الظن فتجيب انجيلا اخويها المسالمين التوأمين تحت ضغط لا يحتمل بان نصار هو من عبث بها ظنا منه بان اخويها لن يقتلاه بسبب غناه وجرأته . لكنهما نحراه بابشع الطرق وبمدى ذبح خنازير قاسية . لقد نصحتها القوادتان بان تسكره وتضع علامة العفة الحمراء على شرشف سريرهما الزوجي لكنها رفضت تعففا عن الغش مهيئة نفسها للقتل ( قررت اموت ولا اخدعه ) ارى في ذلك نبلا انثويا عاليا .لكن الجميع كان يعلم بان الجريمة ستقع والجميع تعفف عن اخباره وتحذيره وكل برر ذلك بالحجج الواهية . لهذا قال المحقق وهو يقلب ملفا القضية الذي بلغ 500 صفحة ( ان القدر يجعلنا غير مرئيين ) . الجميلات النائمات اسطورة شهوانية
جذبنا ماركيز لهذه الرواية التي تمنى ان يكتبها هو .. لكني بعد الصفحة 56 تساءلت كيف يتمكن الكاتب من اكمال الرواية ويبقي التوهج قائما لدى القاريء . كان مقطعا يذكر باسلوب مدام بوفاري ,واقعية غاية الاتقان لكني شعرت بالارهاق من السطور الواقعية رغم ايماني بان هذا الاسلوب ان استحدث فسيظل فعالا ولهذا نهجته بروايتي حي سليطة . قلت ساقرأ باسلوب التقفيز أي الاستمرار مع وهن بالتركيز لعلي اجد حلا .. مقاطع جاذبة فاستمر بالقراءة . لكن الكاتب ابهرني في الصفحة 58 بترجمة ماري طوق وتجاوزت ضعفا او ما رايته ضعفا بالترجمة .. فتركت الكتاب لاستوعب الصدمة التي سببها لي كاتبها ياسوناري كاواباتا . انه منزل سري يستقبل المسنين الاغنياء ليسمتعوا لليلة مع حسناوات صغيرات تعرضن للتخدير ولا يبلغن الصحو حتى الصباح بعد ان يغادر الشيوخ اسرتهن المعطرة وجمالهن الساحر. المسن ايغوشي الذي بدا يحمل جراح الشيخوخة والذي للان لم يبلغ هرم العجائز المرعب يعود للمنزل السري للمرة الثانية والفرق يكمن في ان فتاة الليلة هي متمرسة حسب وصف القوادة خلافا للصغيرة السابقة . (الى أي حد استطاع ايغوشي خلال سنواته السبع والستين من ماضيه ان يسبر المدى الهائل للرغبات وعمقها اللامحدود ومن حول العجائز تتفتح امامهم فتيات جميلات لا عد لهن ببشراتهن الجديدة بشراتهن الفتية الا تجد رغبات العجائز واحلامهم وحسرتهم على ايامهم الضائعة اكتمالها في اثام هذا البيت التعيس ؟ ). هذا المنزل هو المنقذ الوحيد للمسنين الذين عبره سيتذكرون نساءهم وعشيقاتهم ويمارسون فيه عيوب الشيخوخة دون خجل .كما فعل البطل بالليالي الخمس التي قصد فيها هذا البيت . دعني لهنا اتوقف لاوفر للقاريء لذة الاستمتاع برواية نادرة وموضوع ازلي هو ازمة الشيخوخة في العلاقات الحميمية . انها رواية من يتابعها بعمق يتاكد له بانها دخلت التاريخ بجدارة . ــــــــــــــــــــ الياباني ياسوناري كاواباتا .ولد 1899 روايته الاولى راقصة ايزو 1926 ومن رواياته (بلد الثلج 1948 وسرب عصافير بيضاء 1952 وهدير الجبل
مطلع قصيدة تعلل لمظفر النواب ليست له
تعلل فالهوى علل وصادف انه ثمل وكاد لطيب منبعه يشف ومانع الخجل تذكر اهله فبكى ولكن مانع الخجل عراقي هواي وميزة فينا الهوى خبل فيما كان الوضع مضطربا في العراق والضغط الدولي عليه في ذروته في تسعينيات القرن الماضي بعد ان بردت حربا الخليج وكانت الناس تبحث عن ابسط ثقب لتطلق صرخة الاحتجاج ظهر النواب يلقي قصيدته تعلل بالقائه الجاذب المؤثر فحصدت شهرة واسعة . لكني ارجح ان الابيات الاربعة الاولى ليست بقلمه والقصة تبدأ حين زارني صديقي الشاعرعبد الكريم سلمان الذي عاد من رحلة اغتراب اضطرارية وادلى بانه هو من كتب تلك الابيات وقد ارسلته القوى الاسلامية المعارضة قبل السقوط الى ليبيا ليلتقي بالنواب وهناك في شقته قرا له الابيات الاولى من قصيدته تعلل فاقترح عليه مظفر النواب ان يكمل عليها لتنال الشهرة وتم الاتفاق . ان نسبة قصائد او ابيات لغير قائليها يحتاج لدراسات معمقة ورغم الجهود التي بذلت في هذا الحقل من الدراسات فان الحقيقة بعيدة المنال . مثلا قصيدة انا وليلى التي انشدت في جامعة البصرة لاول مرة تنسب لاربعة كتاب او ستة ارجح ان يكون خالد الشطري هو كاتبها ليس لان نجله برهن على ذلك في كتابات ولقاءات متلفزة بل استقراء لطبيعة اللغة والايقاع . لقد التقيت الشاعر عبد الكريم سلمان مطلع التسعينات واطلعت على بعض قصائده الكلاسيكية ولم يكن بناء قصائده الايقاعي رصينا وكان الاهتمام بالسياسة يتصدر اهتمامه . ان دراسة صوتية وايقاعية معمقة لقصائد كريم سلمان قد تقود الى دليل مطمئن لنسبة القصيدة له في حال افتراض ان ما اورده لي ليس دقيقا لكني عرفته انسانا صادقا وبعيدا عن الادعاءات. وفاخَر صحبِهِ في رحلة الدنيا وما وصَلوا ولمٌا أيقظتهُ الريح ضاقَت في الشُجى الحِيَلُ فما يَبكي ولكِن لو بَكى يُرجى له أملُ تفَرٌد صامتا مُرا ومِنهُ يقطِرُ العسلُ فما خلَلُ بها الدنيا ولكِنْ كلٌها خلَلُ ذِئاب كلٌما شَمٌت جريحا بينها أطالت من مخالبها وصارَت فيهِ تقتَتِلُ بمذئبةٍ كذلكَ كيفَ دعوى يسلَم الحمِلُ وكيفَ يقالَ إنٌ الحكمَ للأغماد ينتقِلُ تفاهات وأتفَهها ضميرُ تحتَهُ عجَلُ يُفلسِفُ ثمٌ ينقِضُ ثمٌ لا عقمُ ولا حَبَلُ مزالقُ في مزالِقٍ يرتَشى فيها ولا جَلَلُ بمختَصَر العبارة إنٌهُ عُهر تركَبُ فوقهُ دَجلُ طِباق أو جِناس أو مراحل كلٌها حيَلُ فإن لم تقدَحوا نارا فكيفَ يراكمُ الأملُ فإن قَدَحت فكونوا لُبٌها ستَظلٌ تشتَعِلُ ففي لَيلُ كهذا تكثر الضوضاء والجُمَلُ ومانظروا هذا الحضيض وتِلكُم العِلَلُ قضيتنا وإن عجنوا وإن صَعَدوا وإن نَزلوا لها شرح بسيط واحد!! حقا لِمَ الهَبَلُ لماذا ألف تنظير ويكثر حولها الجدَلُ قَضِيٌتُنا لنا وَطَنُ كما للناس من نُزلُ وأحبابُ وأنهارُ وجيرانُ وكنٌا فيه أطفالا وفتياناً وبعضا صارَ يكتهِلُ وهذا كُلٌ هذا الآنَ.. مغتصب.. ومحتلُ.. ومعتقلُ قضيتنا سنرجع او سنفنى.. مثلما نفنى ونقصف مثلما قصفوا.. ونقتل مثلما قتلوا فإرهاب بعنف فوق ما الإرهاب ثوري يمينا هكذا العمَلُ أقول ويمنع الخجَلُ بشج العين يكتحِلُ وكيف عروسكم حصص وحصتكم بها نغلُ أراهنتم على جمل بمكة تسلمون ويسلم الجمَلُ غفا جرح فأرٌقَه بماذا قد غفا كهِلُ وأنب قلبه ما كان عشق فيه يكتمِلُ وكاد لما تصبى وإلتقت في روحه السبلُ تطيب بريقه القُبَلُ وأطيبهن تَتٌصِلُ ولكن في قرارته هموم ما لها مُقَلُ كما قطط ولائد في عماها والعمى كلَلُ تذكر أهله فقضى فكابر دمعه الخضِلُ وكاد يجوب لولا تمسك الآمال والحِِيلُ وعاتب صامتاً لو كان يحكي إنما المَلَلُ فما أحبابه يوماً بأحباب ولا سألوا وما مسحوا له دمعاً كما الأحباب بل عزلوا ونقل قلبه لكنهم كانوا هم الأوَلُ فلم يعدل بنخلة أهله الدنيا فنخلة أهله الأزل وماؤهم الذي يروي وماء آخر بلَلُ وحبره الذي نصف الهوى في قلبه وحلُ يخط عدوه من وطنه له شبراً فينتقِلُ طباق.. او جناس.. او مراحل كلها حِيَلُ قضيتنا وان نفخوا الكلى وشرارهم جبَلُ وصاغوا من قرارات وان طحنوا.. وان نخلوا لها درب مضيء واحد رب فلا لاتٍ... ولا عزُ ى.. ولا هُبَلُ قضيتنا لنا أرض قد أغتصبت وكنا عزلاً لا نعرف السوق البرجوازية في الدنيا ولا ما تصنع الأموال والحِيَلُ وطالبنا فكان قرار تقسيم وطالبنا فصرنا لا جئين وخيمة جرباء تنتَقِلُ كم إغتصبتْ عروسُ مِن مُخيٌمُنا وكم جعنا.. عرينا.. كم خجلنا ثم طالبنا فلَم نُسمَع فكشٌر نابهُ الخجلُ وأرسلوا السكين تَختَجِلُ يميناً انه درب الى حيفا غداً يصِلُ
ظاهرة النقد الادبي في الفيسبوك
يعاني النقد عموما من التراجع خاصة بعدما اختفت تلك المجلات الرصينة التي كانت تصدر من العراق ولبنان وغيرها . فلا غرابة من الهبوط في النقد الادبي في مواقع التواصل لكن الخطورة تكمن بترسيخ الوهم . حين تتصفح المجموعات الادبية في الفيس بوك ترى نزيفا من المقالات النقدية التي لا تفتقر الى ابسط المقومات وحسب بل هي ذاتها تشكل امية ثقافية . كنا في الصفوف الاولى من المتوسطة يحدثنا مدرسنا عن كتاب التربية الوطنية بانها ( ابلع هوا وطّلع حكي ) وارى بذلك افضل وصف للنقد الذي اتابعه من سنوات في الفيسبوك . انهم يرسخون الوهم للمبتدئين او يضيعونهم , فاذا قدمت لهم وجهة نظر فسينتصب السيف وتقام العداوة او يحذفونك من المجموعة تخلصا من ظلك الثقيل . هناك اشكال اخر هو ان اولئك ممن يسمون انفسهم نقادا وهم فارغون يتمكنون احيانا بلغة مغلقة ومفاهيم سائبة ومصطلحات غريبة ان يوهموا بان نصا يفتقر الى الفن بانه نتاج عظيم . حتى اني استغربت يوما من كاتب يحمل الدكتوراه يشير لكاتبة مبتدئة بانها بمستوى السياب . الحقيقة ان اغلب النقد المشار اليه يتناول الكتابات النسائية مما يرسخ الظن بانها للمجاملة او الاستقطاب. وهي ظاهرة مستنسخة حتى في المجال النقدي خارج حقل عوالم التواصل . فتكتب فتاة قصة متسرعة وهي لا تمتلك الادوات وربما الموهبة .. بعد ايام من صدورها يتناولها عدد من النقاد ويحولونها الى كاتبة عظيمة بكلماتهم المرمزة وطرقهم التظليلية ولغتهم المغلقة . لقد تحول النقد في الفيسبوك الى كارثة نقدية متنقلة .
لشيئية في الادب البصري
الشيئية في نصوص بعض ادباء البصرة في ستينيات القرن الماضي ظهرت الرواية على يد الان روب غرييه..ولوحظ تأثير واضح لبصماته على الادب العربي خاصة في العراق. ولان القصة الستينية اهتمت بالتجريب والتجديد ومحاولة الانفكاك من هيمنة الواقعية اليسارية فقد وجدت في الشيئية اضاءة فتحت لها افاقا جديدة . لا نقول اننا كنا مقلدين بل مستفيدين من الشيئية. سنة ١٩٧٩ ظهرت مجموعة محمد خضير منزل النساء:.وهيمنت القصة التي يتصدر اهتمامها الشكل والكتابة المحايدة واللغة الموحية الملتقطة بحيوية. اللافت ان بعض ابرز كتاب البصرة ما يزالون في قوقعة الشيئية . ورغم انك تقرأ جهودهم في اثراء اللغة مجازا واستعارة والغوص عميقا من اجل لغة شفافة مميزة الا اننا نفتقر الى المحتوى الانساني الاعمق في بعض الادب البصري. اما آن الاوان لمغادرة التجريب الشكلي بعد ٧٠ عاما من انبثاق الشيئية.
الجذور السيكولوجية للاهتمام ببيت شعر او قصيدة
أَوَبـعدَما ابـيضَّ الـقذالُ وشـابا...أصـبو لـوصلِ الغيدِ أو أتصابى هـبني صـبوتُ، فمَنْ يُعيدُ غوانيا...يـحسبنَ بـازيَّ الـمشيبَ غُـرابا قـد كـانَ يـهديهنّ لـيلُ شبيبتي...فـضللنَ حـينَ رأيـنَ فـيهِ شهابا والـغيدُ مثلُ النجمِ يطلعُ في الدجى...فـإذا تـبلَّجَ ضـوءُ صـبحٍ غابا للسيد رضا الهندي. قال الشاعر الشيخ مغامس بن داغر الحلي البحراني المتوفي حوالي 850 هـ: أتطلب دنيا بعد شيب قذالِ وتذكر أياماً مضت وليالِ أما كان في شيب القذال هداية فيهديك نور الشيب بعد ضلال ـــــــــــــــــــــ رأته على شيب القذال وأنّها … تواقع بعلا مرّة وتئيم
قاله ساعدة بن جؤيّة الهذلي. يصف امرأة فقدت ولدها الذي رزقته بعد أن شاب قذالها وبعد أن مرّت بتجارب الزواج والطلاق، فهي امرأة تنكح فتوطأ ومرة تطلق فتئيم والأيم: التي لا زوج لها، وقبل البيت: وما وجدت وجدي بها أمّ واحد … على النأي شمطاء القذال عقيم ـــــــــــــــــــــــــــــــــ قال الجواهري مضى شباب فهل يعود ولاح شيب فما يريد ورغم ان الشعر العربي زاخر بالشعر الذي يتناول موضوعة الشيب الا انني منذ الصغر حتى بعد الستين اردد ابيات السيد الهندي رغم اني مبكرا تحايدت مع الشعر البياني وصرت اشد اهتماما بالحداثة . لقد سمعت تلك الابيات في صغري من فم روزخون باحد المجالس الحسينية ثم قرأتها بكتاب مثير الاحزان الذي يجمع مئات القصائد الحسينية . ولم اكن وقتها متمرسا بالاستعارة والمجاز لكن استعارة الباز والغراب لوصف الشيب والشعر الاسود واضحة ولم اكن قد اتقنت علم العروض لاتفهم الزحافات والعلل في الابيات. فما الذي رسخ الابيات بذهني ودفعني ارددها احيانا طيلة ستين عاما . لم تكن قصيدة قارئة الفنجان لقباني تحتل كل هذه الشهرة لو لم يقم بادائها مع عبد الحليم مصحوبة بموسيقى باهرة . احيانا اتساءل كيف نهتم ببيت النابغة ( سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته واتقتنا باليد ) , رغم ان النت يظهر لنا عريا غير مسبوق . وكثير من قصائد النواب بعدما هدأت سورة الحروب وتلاشى النظام السابق ضعف اهتمامنا بها بل ان بعضها بعد قراءتها مكتوبة لم تعد تستقطبنا فهل كان الالقاء عاملا حاسما او المرحلة التاريخية ؟ ان كثيرا من الابيات التي نرددها ليس بسبب قوتها بل لعوامل اخرى مصاحبة مثل ارتباطها بذكرى غائرة او لجمال ايقاعها او لتفرد مفردات فيها او لان فما عذبا تدفقت منه لاول مرة .
لاقة الشعر الفصبح بالشعر الدارج
علاقةالشعر الفصيح بالشعر الدارج في كل بلد بالوطن العربي هناك علاقة تآزرية بين الشعر الشعبي والفصيح. لكني لم ار من دارسي الشعر الحديث من عقد مقارنة او ثبت التأثر بينهما سوى اشارة مقتضبة وردت في كتاب سلمى الخضراء الجيوسي بكتابها الضخم ( الاتجاهات والحركات في الشعر العربي) حيث تناولت الشاعر العراقي احمد الصافي النحفي. حين تتاثر بجمال ورقة الشعر اللبناني عليك تذكر اغانيهم خاصة فيروز. الشعر العراقي الشعبي محمل بحزن عميق وعاطفة فياضة وحتى الساخر منه يعكس اعماق سيكولوجية الفرد العراقي مثلا شعر الكرخي وجسام النجفي. لقد مر الشعر الدارج في العراق بثلاث مراحل توجت بديوان الريل وحمد للنواب. وحين تطلع بدقة على هذا الديوان يبهرك الايقاع وتفرد المجاز والاستعارة. كنت دائما ما اعقد مقارنة بين ابياته في قصيدته البنفسج ( يلي جرة سما بعينك ...) والشاعر الفرنسي اراغون في ديوانه عيون الزا ( الزا عيناك قطعتان من السماء قصتا بمقص) . لم يكن انبثاق الشعر الحر في العراق والتوجه نحو الحداثة بقوة بمعزل عن تطور الصورة الشعرية في اللهجة الدارحة. اطمح ان ارى نقادا يعقدون مقارنةويثبتون تفاعلا بين الشعر الحديث والدارج في العراق.
اين سيكون مصير لوريات الاصدارات القصصية
اين سيكون مصير لوريات الكتب القصصية في الوطن العربي. شهدت الساحة الادبيةمنذ مطلع القرن العشرين تراجعا لافتا بالاعمال الشعرية وتصدرت المجاميع القصصية والرواية خاصة في العراق . وتفسير ذلك يحتاج الى تظافر جهود نقاد حيويين ودارسين متأملين. ما حدث في العراق من ظروف ملحمية وتضييق حاد على مساحة النشر اعقبه ظهور مجلات ادبية متساهلة بعد حوالي ١٥ عاما من استلام النظام السابق للسلطة ما دفع عددا كبيرا من الكتاب الشباب لان ينشروا قصصهم القصيرة .وذلك جلي لكل من اطلع على مجلات مثل اسفار والطليعة الادبية العراقيتين. فبعد ثماني سنوات من الحرب وعشرة اعوام من الحصار سمح لاول مرة باقامة مهرجانات للشعر الشعبي وخفت حدة مقص الرقيب في التضييق على النصوص. وارى ان كثيرا ممن كتبوا الرواية بدؤوا شعراء او ان طاقتهم الكتابية قريبة من روح الشعراء. ولظروف يصعب غورها وتحديدها بدقة تحولوا من كتاب قصة قصيرة الى روائيين. كان بامكاننا ان نقرأ مجموعة شعرية بين ليلة وضحاها نظرا لقلة الصفحات وقصر السطور. اما الان فتحتاج عشرة قراء في مخك لتتمكن من قراءة الروايات التي تصدر سنويا. ان اصدار او كتابة رواية اصبحت موديلا ولونا من الاربطة المزخرفة التي يحتاجها كتاب لا موهوبون ليدخلوا بها حفلات الجلسات الادبية. وان كانت الكمية تؤدي الى كيفية فاين من يفرز واين من يضيء.
الهوس بالحداثة حرمنا من سحر الواقعية
في التسعينيات قرأت كتابا بالانكليزية (بيست اوف امريكان شورت ستوري ) واستغربت على تلك القصص الواقعية المؤثرة فيه فهي مختارات من القصص الامريكية مع مقدمة نقدية متقدمة ,وكانت المرحلة الادبية صاخبة بتاثير البنوية . وقلت لماذا نجري وراء احدث التقليعات الادبية فحين ظهر سارتر لا يتقبلك المثقفون بسهولة ان لم تكن كتاباتك وجودية , بعدها انبثقت الشيئية وهكذا . فانت بحاجة لتغيير اساليبك حسب ما ينتجه الغرب بل عليك ان تكيّف افكارك حسب اطروحاتهم . وحدث ذات الامر في الشعر العراقي فكنا نحرق المراحل ونتنقل طلبا للاحدث حتى لم نعد نميز بين الشعر الحقيقي والشخابيط . اقرا القصص التي وردت في التراث فاحس بالمتعة مثلا تلك القصة التي رويت باضافات ونقصان والاشهر انها تنسب للبهلول حين طلب اخوه من امه ان تهديه لصفات الزوجة الصالحة فاجابته اقصد اخاك البهلول ومضى فصادفه يعدو على قصبة واجابه ( احذر الرنانة الحنانة وام جرس وتزوج بام ( لا ادري ) وابتعد عن طريق الفرس ), طبعا كان فرسه عصاه يسوطها بين ساقيه . وانت ترى في قصص ماركيز خاصة مجموعته قصص ضائعة و12 قصة مسافرة وغيرها تلك الواقعية المؤثرة مع النظر الى انه كيّف الاسلوب فنيا . وكذلك فعل بورخيس. هذه ليست دعوة للرجوع للوراء لكنا مللنا من الحداثة السائبة في القصص . فكثير منها اشبه بحلوى نسميها في العراق ببيض اللقلق وهي شهية سريعة الذوبان في الفم وبلا ثمرة غذائية . لوحظ ان كثيرا من القصص تتناول الشخصية المثقفة وهي طريقة مستسهلة في الكتابة لان بامكانك ان تزج الافكار كما تشتهي اما ان تكتب عن حوذي اوسائق عجلة فستكون مقيدا بالموضوع تحكمك مساطر القياس بقوة
لماذا المقالات القصيرة
تعمدت مؤخرا كتابة مقالات مختصرة ومكثفة وهو ما دفع بعض الادباء والاصدقاء بالحث على توسيع تلك المقالات . غالبا في الفترة الاخيرة جنحت للاختصار والتكثيف لان نفس القاريء اصبح ضيقا فضلا عن العزوف عن القراءة . ولان النت لم يترك عذرا فلماذا التوسيع والاستطراد فيما تتمكن من حصد المزيد من المعلومات بضغطة زر. في مقالتي السابقة عن علاقة الشعر الدارج بالفصيح ذكرت بان الشعر الشعبي العراقي مر بثلاث مراحل . وكنت ادرك ان هذه المعلومة بحاجة لاضاءة لكني ما كنت بوضع كتابة عن تاريخ الشعر الدارج متأملا ان يمضي القاريء لمفتاح البحث فيجد ضالته بدقائق . مع هذا ارى ان المرحلة الاولى نضجت على يد الشاعر الحاج زاير . زاير بن علي بن جبر الدويج المسلماوي، زاير البرسي أو زاير الديك، ولد في برس في الفرات الأوسط المحاذية لبابل والقريبة من الحلة، في العام 1860 وسط عشيرة الشريفات من طفيل القيسية، ودرس في النجف في مدرسة القوام، عرف اليتم لاحقاً فحرمه من متابعة دراسته، ليدخل سوق الحياة والعمل حفاراً لآبار المياه، ولكن هذا لم يجعله ينقطع عن التواصل مع العلماء ومجالس الذكر والحسينيات . وتم سوق زاير مع السوقيات الجندية إلى حاميات العثمانيين في الخليج العربي، وفي طريقه تلك زار مكة وحجّ إليها، فحمل لقب الحاج، قبل أن يستقر في قطر، حيث كانت مهمته كجندي حراسة قلعة عالية، فكان كلما حانت مناوبته صعد إلى بروجها، ناظراً إلى الأفق الذي يفصله الخليج عن العراق، ليشتعل حنيناً لأرضه ومجالسه، ويتدفق شعراً حاراً حياً . ومن شعره وهو من صنف الموال : من يوم فركَاك جسمي من صدودك عود وهيهات عكَبك يسليني نديم وعود كلما يتوب الكلب روحي تكَلي عود من حيث بجفاك صارت بالكلب لوله وحياة من بالمهد جبريل اله لوله لوما يكَولون واعرف بالحجي لوله جنت احجي وياك لاجن بالزبيبة عود له ديوان مطبوع .والفت كتب عنه واشاد بمقدرته بعض المستشرقين . ومن شعره الشهير الذي غالبا ما تتغغنى به فرق الخشابة بالبصرة : دار الملوك أظلمت عكب الضيا بسروج/ وتميت اكت الدمع اعله الوجن بسروج/ والخيل لمن تردت واطلت بسروج/ الكدش أصبح لها عزم شديـد وباس/ والزين دنك على جف الزنيـم أوباس/ والشهم لو عاشر أنـذال بها الوكت لاباس/ من جلة الخيل شدوا عل جلاب سروج”. زار مكة فلقب بالحاج وله ديوان مطبوع . وانت ترى ان هذه المعلومات رغم ضرورتها لا تحتاجها مقالتي المذكورة فانا افضل الاشارات مهتما بما هو اهم من رصد الظواهر الادبية . ان كثيرا من القراء رأيتهم يجافون مكتباتهم التي تعبوا لاجل تجميعها واصبحت بعض التطبيقات تشدهم مثل التكتك . ولا ادري كيف نعيد العراقيين الى سابق عهدهم بالاهتمام بالقراءة في ظروف قلقة ومرتجة نمر بها . اصبح الكثير من القراء النهمين لا يطيق قراءة صفحة واحدة . والمثل كان شهيرا بان مصر تؤلف ولبان تطبع والعراقيون قرّاء نهمون , عزوف الاكاديميين عن الكتابة والنشر
هذا حكم استقرائي لا احصائي . في سنوات الحصار زرت صديقا لي يحمل الدكتوراه بعلم النفس بعد انقطاع عنه بسبب سفره فرايت لديه برف عليه كتب قليلة كتابا جذبني فسالته عنه فاجابني وفي عينيه الاستغراب ( الا تزال مجنونا فتحب القراءة ) كان صديقا موظفا بمكتبة الجامعة وكان يلتهم الكتب . تلك الحادثة ارعبتني وجرى بيننا برود لزمن طويل . وحين كنت اعمل بصحيفة حوار حدثني رئيس التحرير د .حامد الظالمي بان ( اغلب الاساتذة لا يكتبون ) وقبل ايام سألت صديقي الدكتور ع لماذا لا تكتب بحوثا ولو لغرض الترقية فاجابني ( هيأت بحوثا لم تكتمل لان لا مزاج لي ) . اذن نحن امام ثلاث ظواهر : عزوف عن القراءة والكتابة والنشر . في الغرب يتصدر الاكاديميون النقد والبحوث ومنهم انبثقت المدارس الفكرية والنقدية . فرولان بارت مثلا مؤلف كتاب الكتابة بدرجة صفر هو فيلسوف فرنسي، ناقد أدبي، دلالي، ومنظر اجتماعي. وُلد في 12 نوفمبر 1915أصبح أستاذا للسميولوجيا عام 1976 في الكولج دي فرانس، و كان مساعداً في جامعة السوربون، قبل أن يصبح مدرساً للفلسفة في غراندس ايغولوس , فيلسوف وناقد أدب فرنسي ولد في مدينة الأبيار بالجزائر 1930 - وتوفي في باريس 2004. يعد دريدا أول من استخدم مفهوم التفكيك بمعناه الجديد في الفلسفة، وأول من وظفه فلسفياً بهذا الشكل وهو ما جعله من أهم الفلاسفة في القرن العشرين . هنري برجسون قدم عام 1988 رسالتين للدكتوراه في باريس، وفي عام 1889 نشر كتاب "Time and Free Will" وتابع بعدها نشاطه البحثي من خلال تأليف الأطروحة اللاتينية "مفهوم أرسطو للمكان". وفي عام 1927 اعتمد الفيلسوف "هايدجر" على هذه الأطروحة وقد صرح حينها أن رؤية هنري برجسون لمفهوم الزمن لا تزال في أفق الميتافيزيقيا اليونانية. في عام 1896 نشر هنري برجسون كتابه الثاني بعنوان "المادة والذاكرة" وقد أسهم هذا الكتاب في اختياره ليكون عضوًا في الجامعة الفرنسية "كولج دو فرانس". ان القائمة تطول لاولئك الاكاديميين الذين اثروا المكتبات المعرفية وقادوا حركات التحول وابتكروا المدارس الفكرية والنقدية . الكثير من الاساتذة هنا يعد الشهادة الاكاديمية وظيفة , مهنة تمليء جيبه برأس الشهر وخلاص .
قصة البحث عن مؤلفات البريكان بعد فقدانهاج2
نظرة للامام - مذكرات صادفت القاص الشهير محمد خضير في احدى المقاهي بشارع الكويت بعد مقتل البريكان بطعنات عدة بسكين فاخبرته بنيتي بحث نجله الاكبر بان اول ما يفعله ان يعثر على مؤلفات البريكان والاحتفاظ بها اثر تسلمه مفتاح الباب المودع لدى الشرطة لانه اثر ثمين فقال لي القاص خضير تلك فكرة غير صحيحة عليكم ان تدفعوها لوزارة الثقافة فهي اولى بها. لكن كانت هناك مخاوف من سرقتها اوبعضها .. فذات يوم حدثني البريكان بانه ارسل اوراقا قصائد للنشر وعلم بانهم احتفظوا بورقته ونقلوها فقدموها للمجلة . قلة من رأى خط البريكان كان يتميز بجمالية عالية حتى ان جامعة البصرة دعته ليلقي محاضرات بالخط العربي ورفض على حد قوله . وهناك حادثة اخرى فاحد كتاب العراق البارزين وهو سامي مهدي اثيرت اشاعات عن ترجمته لاشعار بريفير من الفرنسية يقال انها ليست من ترجمته بل ربما وصلته وطور بها . وليس السياب وحده من استفاد من ثيمات البريكان فالقصيدة الاشهر لعبد الرزاق عبد الواحد عن الموت حين قرأتها وكنت متحفظا على نتاج الشاعرعبد الرزاق اتيت البريكان وعبرت عن اعجابي بها فاجابني بانه زاره في بغداد ابان القصف على البصرة وقرأ له قصيدة مشابهة عن الموت (1) بعدها علمنا حين استانف النشر بانها قصيدة ( الماخوذ) وكان البريكان يدرك تاثيره على الشعراء فيحجب شعره عنهم بعد تجارب قاسية . ذات يوم سلمني ماجد البريكان احد كتب ابيه المنشورة ((قواعد اللغة ومشكلة تعليمها للناشئة العربية ) ولم يكن حدثني عنه البريكان بل قال يوما ان محاضراتي في معهد المعلمين كان بعض الاساتذة يستعيرها مني . ______________________ الزائر الاخير لعبد الرزاق عبد الواحد من دون ميعادِ من دون أن تُقلقَ أولادي اطرق عليَّ الباب أكونُ في مكتبي في معظم الأحيان أجلسْ قليلاً مثل أيّ زائرٍ وسوف لا أسألُ لا ماذا ولا من أين وعندما تُبصرني مُغرورقَ العينين خذْ من يدي الكتاب اعدِهُ لو تسمح دون ضجة للرف حيث كان وعندما نخرجُ لا توقظ ببيتي أحداً لأن من أفجع ما تبصره العيون وجوه أولادي حين يعلمون
هل ساهم التخلي عن الوزن بتدهور الشعر العربي
قال الرسام سيزان عبارته الشهيرة أن «الكرة، والأسطوانة، والمخروط» هي جوهر بِنْيَة الطبيعة، والتكعيبة كمدرسة في الفن التشكيلي قد نشأت عن نوع من الالتباس في فهم هذه العبارة، فلم يكن الغرض فرض هذه الأشكال الهندسية على الطبيعة، لأنها موجودة فعلا . مخطيء من يظن بان الشعر الحر نشأ فجأة ,انه ثمرة لتراكم تحولات في البنية الشعرية منذ زمن شعراء المهجر.وكتاب الخضراء الجيوسي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث ....) يسلط الضوء بدقة وموضوعية على تلك التحولات . محظوظا كنت لامتداد صداقتي وعمقها مع اهم رواد الشعر الحديث محمود البريكان . فكنت من خلال الحوار المتواصل معه حول النشأة اوسّع من افق فهمي لتلك المرحلة . بدأ الشعر الحر بالعراق بتجارب شكلية فلم تكن قصيدة السياب الاولى حرا بالقصيدة الجاذبة .. كانت قصائد تهتم بتغيير البنية وهو حدث تاريخي سيقود لانقلاب حاسم في الشعر . ولم يكن الاهتمام بالشكل قد جرى منفردا فقد رافقته دراسات وبحوث مخلصة في المضمون فتم اعادة النظر بالاستعارة والمجاز والصورة الشعرية . واندلعت معركة مريرة بين البيان والايحاء معركة بكل ما تحمل الكلمة من معنى . في النهاية انتصرت الحداثة وتراجعت البنية الكلاسيكية . حدثني الرائد البريكان يوما عن حوار ساخن جرى بينه وصديقه رشيد ياسين حول بيت كتبه البريكان حيث استخدم فيه مجازا لم يرق لصديقه . وذكر عبد الرزاق عبد الواحد بحوار متلفز احدى الطرائف التي صاحبت الشعر الحر في بداياته فقد القى النواب قصيدة من الشعر الحر بالحرم الجامعي ما ادى الى استخفاف مجامل مع ضحكات لدى عبد الرزاق وزملائه ما جعل السياب يحتدم , فقد قال للسياب مبتسما ( انت من اتيت لنا بهذا النهج ). في الجهة الاخرى اهتم كتاب نازك الملائكة (قضايا الشعر المعاصر) النقدي بالاضاءة والدفاع عن الحركة الشعرية الجديدة وكانت لتخصصها الاكاديمي ومقدرتها التنظرية دور بتمكين الشعر الحديث وهو في بداية نشأته . ان عبقرية سيزان لم تتمكن من تبطيء الحركة الفنية فقد قال بيكاسو ان الرسامين الافذاذ الاكبر عمرا منا لم يتقبلوا لوحاتنا. فصمدت التكعيبية وترسخت المدرسة الوحوشية . ويحدث ان يمر الادب بمرحلة ارتداد فقد مجد اليوت الشعر الميتافيزيقي وعادت مرة اخرى الرومانسية بعد تلاشيها لانكلترا . كان على الفرد ليكون شاعرا ان يتقن الوزن ولكي تستجيب اذنه الموسيقية للايقاع يكره ان يمر بمئات الدواوين الشعرية القديمة والمعاصرة . اما الان فلا حاجة لكل هذا الجهد ( سفّط مفردات تنتج شعرا ). ورغم ان الموهبة عامل حاسم بتحديد هوية الفنان والشاعر فهما يحتاجان لكدح ثقافي غير محدود , استغراق بالمصنفات . اذا اعترفنا بان التاريخ لا يجري عشوائيا نستطيع ان نهّون على انفسنا ما نرى من منشورات ادبية هابطة. فان كان تقدم السنوات يفرز مبدعين ابدا فكيف مرت بنا الفترة المظلمة . خلافا لتصريح ادونيس بكتابه الثابت والمتحول لم تشهد الفترة المظلمة طيلة ستة قرون أي شعر جاذب الا ما ندر . وما ندر عبارة تحوطية .
قصة البحث عن مؤلفات البريكان بعد فقدانها ج1
( الفلاح الاَخير : حيث يعتنق النخل والظلمات ، ويمشي السكون الخفيف على الماء ، يختم جولته ، يدخل الكوخ . يشعل فانوسه ، ويدخن تبغا رديئاً يعد طعاما من الخبز والرز . يطعم كلباً يتيماً . ويرفع طرفاً كليلاً الى صورةٍ : ولد شاحب بثياب القتال . ثم يدخل في غيمة الذكريات لا اَحد في البساتين لا شبح غيره . رحلوا وهو ينتظر الموت منفرداً ! ). البريكان مجموعته الشعرية غير المنشورة ) احب ان ازف بشرى الى الوسط الثقافي الذي انتابه قلق من فقدان مؤلفات البريكان بعد مقتله في البصرة طيلة اكثر من عقدين . بان تلك المؤلفات الشعرية والبحثية نجت من الضياع وانها مودعة ببلد عربي في امان . التقيت البريكان نهاية الثمانينيات وكانت الحرب العراقية الايرانية مستعرة . جرى اول لقاء بيننا في معهد المعلمين . مضيت مع نجله الاكبر الصحفي ماجد البريكان وكان فتى يافعا الى بغداد بعد رحيل البريكان وتسلمنا مفتاح الصندوق البريدي له لكن الوصول للصندوق كان يقتضي ترتيبا قانونيا فتاجل الامر بعدها بفترة اخبرني ماجد بانه تمكن من الوصول ولم يجد اوراقا فيه او مؤلفات . الحقيقة وخلافا للاشاعة حدثني الرائد البريكان بانه اودع دفاتره في صندوق بريد ببغداد اثر اشتداد القصف على البصرة ثم سحبها على حد قوله . كان يحتفظ بقصائده بدفتر صغير اوارق سمرغير مخططة بغلاف ورقي زهري , رايت ذلك حين قرأت له قصيدتي ( حارس الجثث) كنا واقفين في الهول بمنزله فسارع الى غرفته واتى باحد الدفاتر التي اصفها ووضع يده على النص واراني العنوان وهو ( حارس الاموات ).. اتفقت مع نجله الاكبر بعد يومين من تعرضه لحادث القتل بمنزله بان ندخل معا المنزل وننقذ المؤلفات باول لحظة تسلمه مفتاح المنزل من الشرطة . حدث عكس ذلك فدخل ماجد منفردا وعاد ليقول لي ان الاوراق مفقودة كلها . وبدات رحلتي المضنية للبحث عن تلك المؤلفات خشيت ان يكون المنفذ وربما بفعل تحريض قد استولى عليها فمزقت او احرقت . حين نشرت بعد رحيله قصيدته ( الوصية ) كنت واثقا انها له لانه حدثني عنها قال لي يوما : نحن قست معنا الظروف فشنجتنا لهذا كتبت لحث الشباب على التمتع بالحياة : (لكم أن تكونوا صغاراً وأن تنعموا بالشباب وأن لا تشيبوا سريعاً لكم كل شيءٍ : جمال العطاء وكنز الصداقة لكم كل هذا الوجود العريض فلا تقنطوا ولا تتبعوا الشعراء إلى الوهم . لن تجدوا حكمة في البكاء . تسيئون فهمي إذا لم تروا غير حزني العميق نشدتُ الفرح ولكن حملي ثقيل فكونوا أخفّ وأوفر حظاً . لكم أبسط الكلمات ستكفي . لكم فسحة الوقت : أن تصنعوا أجمل الذكريات وأن تعرفوا للفصول مسراتها وأن تتغنوا معاً . ألا آمنوا بالحياة ولا تفقدوا لون هذا الحضور : عذوبة هذا الهواء وحرية الأفق المترامي ودفء اليد البشرية ومعجزة الحلم المشترك ). اما قصيدة الفلاح الاخير فقد حدثني يوما بانه كتب ديوانا صغيرا عن الحرب واتذكر كان واقفا اسفل اللوحة الفنية الوحيدة المعلقة وسط صالة الاستقبال ( وقال كيف يكتبون عن الحرب تصور سائق اسعاف يقود في جو متثلج ان مثل تلك اللقطات افضل منعكس تصويري لهول الحروب ).
نقذوا مسودات المؤلفات لكتاب البصرة من الضياع
بحّت اصواتنا ونحن ننادي بمطبعة للبصرة . لقد حضرت للمحافظة بعد سقوط النظام بسنتين دار نشر ضخمة مدعومة من احدى المرجعيات الدينية مقرها بلندن وطلبت منهم ان ينشئوا فرعا لهم في البصرة فاجابني كبيرهم ( الوضع الامني يمنعنا ) فاجبتهم كلفوا احدا نيابة عنكم فلم يستجيبوا . وتعذر علي فهم اصرارهم بالنشاط بانكلترا فيما نحن بامس الحاجة لدعمهم للمنشورا ت. بعدها اتصلت بجهات وذوات عدة تستطيع ان تساهم بنشر الكتب ولم اجد اية استجابة . مؤخرا شرعت محافظة البصرة باصدار سلسلة من الكتب مشروطة ضمن مبادرة ( البصرة تاريخ عريق وثقافة متجددة ) وهو جهد يستحق الثناء لكن العناوين التي طبعت قليلة والشروط لتقبل الكتاب مقيدة لان المسودات المقبولة ينبغي ان تختص بالبصرة . مثل واحد يكفي فالكاتب البصري احسان وفيق السامرائي صاحب كتاب (لوحات من البصرة: عبير التوابل والموانئ البعيدة ) لديه اكثر من خمسين مسودة كتاب وتساءل حين زرته وقد تقدم به العمر عن مصير مؤلفاته بعد رحيله معبرا عن قلق شديد. تمكن الدكتور الشاعر حيدر الكعبي البصري المغترب في امريكا من انقاذ بعض نتاجات الكتاب البصريين الذين غيبهم النظام السابق او رحلوا بسن مبكرة في كتابه (اعمدة النيران الخضراء ). تفتخر الامم بمبدعيها وربما تحافظ على سطر او توقيع لبيكاسو ورغم ان النت سلاح فتاك ضد ضياع المؤلفات واللوحات فهو لا يكفي . ان البصرة كنز خفي لألاف النتاجات الادبية والفنية والفكرية لم يتم اكتشافه بعد . ولا اطلق حكما لتقييم مكانتها بل اشارة لكمياتها . لا انكر موجة المطبوعات ولكن اغلبها كتب دينية تدعمها جهات متنفذة . اما غالبية المؤلفات الاخرى خارج هذا الاطار فهي في انتظار المنقذين . انظر للكم المتراكم من الاطاريح الجامعية في العراق لن تجد منها الا عناوينها فكيف ستحترمنا مراكز البحث الاجنبية وجامعات العالم وهي مودعة في الظلام . مرة قصدت سوق ابي الخصيب والتقيت مصلح ماكنات خياطة بمحله واتضح انه دكتور بيطري انجز مؤلفين باختصاصة . وفي مرة سألت دكتورا تقاعد من جامعة البصرة مختصا بالاسماك حول التغيرات بسلوكها بشط العرب فارسل لي مسودة كتابه فحزنت لمثل هذا الجهد الذي يتعذر عليه رؤية النور . دور النشر التي توسعت بالعراق كالعشب لا تطبع الا لكاتب شهير بعضها تطبع بسعر متواضع اعدادا محدودة مائة كتاب مثلا وهي ليست معنية بمشاركة الكتاب بمعارض دولية او عربية وكثير منها ساهم بنشر كتب لاقلام هابطة وصنع كتابا وهميين . ان الديمقراطية في العراق سلاح ذو حدين فمن جهة تنفس الكتّاب من مقص الرقيب او شجبه للمؤلفات او منعه, ومن جهة اخرى عدد هائل من الكتّاب وان لم ينتموا .
رواية النعاس للياباني هاروكي ازمة الشعور بالرتابة
القاريء العربي تحجمه الافتقار الى اتقان لغات ما او ذائقة المترجمين وهيمنة الجوائز العالمية الكبرى . لعل هذه الاسباب جعلت الكثر من النهمين بالقراءة بعيدين عن الكثير من المؤلفات المكتنزة . ومنها الادب الياباني . يذكر الصحفي محمد هيكل بان وفدا ثقافيا زارنا بمصر وسالنا كم كتابا ترجمتم عن الصينية فذكرنا عددا محدودا فلما ذكر كمية الكتب العربية التي ترجمت للصينية شعرنا بالخجل . من كان سيعلم بمؤلفات ماركيز لولا جائزة نوبل . نحن الذين تجذبنا الاسماء البارقة ولا نجازف بقراءة او فرز اسماء كتّاب خارج هذا الاطار. رواية النعاس لموراكامي بسيطة وعميقة ومكثفة وبالامكان قراءتها بيوم واحد . فهي تخلومن التعقيد والتجميل اللغوي وتشابك الاحداث والتواءاتها مع محدودية الابطال عددا . وهي تعتني بثيمة رئيسة هي الارق كوسيلة للتخلص من الرتابة . امرأة باسلوب المنلوج تسرد ازمتها المتمثلة بعدم القدرة على النوم لفترة طويلة وهي تعتني بزوجها طبيب الاسنان وطفلها في الابتدائية . و تعيش حياة مبسطة رضية ,حتى تنهكها الرتابة فتصاب بازمة الارق . لقد مرت بحالة مماثلة اثناء دراستها الجامعية وفي كلتا الحالتين لم تفضح سرها لاقرب شخص ولم تراجع طبيبا . تحيلك رواية النعاس لرواية تولستوي انا كارنينا التي تطالعها البطلة بفترة تارقها وهو اسلوب لتعميق الموضوع . (يطغى شعور التعاسة على آنا كارنينا وقد أدمنت المورفين، وتزداد شجاراتها مع فرونسكي ويقضي أوقات أطول خارج المنزل، وتسقط في وحشة كبيرة عندما تتيقن أنَّها باتت تكره فرونسكي وهو صار يبتعد عنها، فتخرج من البيت والفزع والبغض لجميع الناس يعمي بصيرتها، وتستشعر مدى حقارة العالم حولها، فتذهب إلى محطة القطار التي التقت فيها فرونسكي ثمَّ تلقي بنفسها على السكة بانتظار القطار القادم .. انا كارنينا ). ( يجيء الليل فاستفيق تماما حتى وان كانت قواي قد افرغت لتوها .. كأن قوة جبارة كانت تتدخل لتبقيني على هذا الحال من السهر.. فاقبع في الظلمات مشوشة التفكير مصغية الى عقارب المنبه وهي تلتهم الساعات التهاما .. النعاس ) . رغم ذلك لم تظهر عليها اعراض بدنية خاصة . فاحتفضت بشهية مفتوحة ولم يداهمها تعب انها فقط لا تنام . ولم يلحظ تلك الحالة ولدها ولا زوجها . ورغم ان زوجها لم يكن جميلا ويصعب عليها تخيل وجهه لغرابته فهو ممن يستحوذون على الوجدان بسهولة واغلب صديقاتها معجبات به لكنه لم يعجبها واغلب الظن انها تحبه فعلا حسب قولها . انها تداعبه ( نجاحك بسبب جمالك ) فيجيب ردا على دعابتها ( ليس خطئي ان كنت جميلا الى هذا الحد ). يغادر زوجها المنزل صباحا مستصحبا نجله الصغير للمدرسة ويمضي لعيادته فيعود منهكا فينام . زوج كارنينا كان طيبا وسامحها بعد ولادتها على خيانتها لكنها عادت لعشيقها ثانية وتزوجته , بعدها سقاها كاس الاهمال فاختارت الانتحار على سكة قطار. ان رواية النعاس منهج متفرد يؤكد ان بامكاننا ان نشبع ثيمة من الوضع الانساني بحثا دون مكيجة اللغة والالتواءات الدرامية وتشابك مع كثافة الاحداث . الادب العربي بحاجة الى روايات لا تتطلب اجهادا فكريا وكأنك حين تقرؤها تتعمق ببحث فلسفي . ونحن امام محنة تاريخية فروايات مثل الكرات الزجاجية ويوليسيس يتعذر قراءتها الان رغم اهميتها فالسرعة المتزايدة لايقاع العصر تحجم قراءتها الا لذوي صبر وذائقة خاصة . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هاروكي موراكامي (1949 ) كاتب ياباني من مدينة كيوتو. لاقت أعماله نجاحا باهرًا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعًا سواء على الصعيد المحلي أو العالمي وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل موراكامي أيضًا على عدة جوائز أدبية عالمية منها جائزة عالم الفنتازيا وجائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة وجائزة فرانز كافكا وجائزة القدس. 1978وضع روايته الاولى استمع للرياح تُغَنِّي وصدرَت روايته الثانية "Pinball, 1973" في عام 1980.
عود ثقاب دعوة لجمع ما كتب عن البريكان .
( انا تخليت امام الضباع والوحش عن سهمي لا مجد للمجد فخذ يا ضياع حقيقتي واسمي .. البريكان ) ستمر علينا قريبا ذكرى رحيل الشاعر المفكر الرائد محمود البريكان (1931_ فبراير 2002) ومن المتوقع ان تنضم اتحادات الادباء والمراكز الثقافية مهرجانات بهذه المناسبة . كل ذلك لا ينفع سوى انها عرفان بالجميل . الاهم ان تتشكل لجنة من الكتاب والمحققين لوضع كتاب يضم كل ما كتب عنه . في كل عام اوجه هذه الدعوة ولا احد يستجيب . وقد سبقني لذلك عميد الادب العربي طه حسين فخاطب المثقفين والكتاب والمحققين بان المهرجانات لا تفيد ابا المعري بل كتاب يجمع كل ما كتب عنه . في الذكرى الألفية لرحيل أبي العلاء المعري أقامت سوريا احتفالية كبيرة بهذه المناسبة في أوائل العام 1944، وقبل شهر من الموعد المحدد لها تشكلت في القاهرة لجنة من كبار محققي التراث العربي والإسلامي برئاسة د.طه حسين وعضوية كل من الشيوخ والدكاترة: عبد الرحيم محمود، إبراهيم الإبياري، عبد السلام هارون، مصطفى السقا، حامد عبد المجيد، وشرعوا بالبحث والعمل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
عكفت اللجنة على تحقيق آثار أبي العلاء تحقيقا علميا فنيا، وضبطها وشرحها، من أجل العمل على نشر كل ما كتبه الفيلسوف بنفسه، وكل ما كتب عنه بأقلام القدماء.
وقد استطاعت اللجنة في أول عهدها إخراج مجلد ضخم بعنوان: «تعريف القدماء بأبي العلاء» يبلغ اكثر من 700 صفحة ، أعقبته بخمسة مجلدات من شروح ديوان «سقط الزند». ان كتاب البريكان عن الرازي يضعه في عداد المفكرين وهو لم ير النور لكنه حدثني عنه وكتابه في التعليم رغم اختزاله وكثافته يعكس المعرفة التربوية وكتابه في الموسيقى فريد من نوعه لانه يصحح ترجمة المصطلحات العربية بالموسيقى , فضلا عن عشرات المجاميع الشعرية التي تنتظر الافراج عنها .
البريكان لم يكتب عنه في حياته الا ما ندر لكن بعد موته الّفت حوله كتب عدة وعدد من الاطاريح الجامعية ومئات المقالات . ان عدم نشر ديوان للبريكان طيلة عقود وعزلته الادبية واصراره على العمل ضد مصالحه حسب قوله ساهم بتواري ادبه عن الكثيرين . مؤخرا وبعد يأس من اتحاداتنا ومنتديانتنا الادبية ومراكز البحوث الثقافية بدأت اوجه دعوتي لكتاب وباحثين من خارج العراق .. وقد وجدت استجابة اولية رغم ان بعضهم ذكر صعوبة المهمة نظرا للناحية القانونية حيث ينبغي الاستئذان ممن كتبوا عن البريكان .
كاظم عبد الجبار شاعر غيبت شعره يد الضياع وخلدته اغنية اتنة اتنة .
اخر الستينيات ومطلع السبعينات شهد الوسط الفني في العراق انبثاق الاغنية الحديثة فظهر فاضل عواد باغنيته الشهيرة ( لا خبر ..) وربما قيدته هذه الاغنية حتى لحن له طالب القرغلي اغنية ( اتنه اتنه ) التي اخذت مساحة واسعة في وجدان العراقيين فقد نتجت بتآزر ملحن متفرد ومطرب متميز وشاعر قدير . كتبها الشاعر كاظم عبد الجبار وهو من مدينة السماوة (1937 - 1982), الذي تطوع في القوات المسلحة وعمل في اذاعة صوت القوات المسلحة معدا وكاتبا . وقد اصيب بمرض عضال وغيبه الموت مبكرا . صدر سنة 2020كتاب عنه ( كاظم عبدالجبار / شاعر غنائي توارى منسياً في متاهات الزمن / للكاتب لطيف عبد سالم ) بستتة فصول بتقديم الاستاذ حسين سرمك الذي صرح في المقدمة (انها في الحقيقة ( جريمتنا ) افراد ومؤسسات نعلق ثيابها السود على شماعة الزمن , فقد اسهمنا جميعاً – بلا قصد واعٍ طبعاً ولكن وفق احكام البنية اللاشعورية العميقة المستترة الحاكمة – في تغييب ذكر هذا الشاعر المهم وخصوصاً في مجال الاغنية , اذ لم يفكر ناقد في تناول منجزه الشعري ,و لم تحاول مؤسسة ثقافية رسمية نفض الغبار عن ذكراه ) ص14. ورد في الفصل الرابع (اللغز المحير في محطات حياة الشاعر الغنائي الراحل : تبرز بعض المواقف المؤلمة والموجعة , حتى بعضها لا يمكن تفسيرها , مثلاً طرده من عمله الاعلامي والاذاعي من المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون , رغم انه في قمة ابداعه المتواصل , وتشوق الناس الى برنامجه الاذاعي الاسبوعي واحيل على التقاعد. برز في منتصف الستينات وقدم العديد من البرامج للإذاعة ومنها برنامج جلسة سمر مع الشاعر جودت التميمي وبرنامج تلفزيوني مع العاملين في إذاعة القوات المسلحة مع زميله جودت التميمي وشكل معه ثاني اكثر غزارة في كتابة الاغنيات السريعة . من أعماله في الساحة الغنائية ( اتنه.. اتنه – ابو احچايات البريسم – تتلاگه الوجوه لفاضل عواد – تعاليلي لعبد الله رويشد ( التي غناها بدءا الملحن فاروق هلال – يا حبيبي للمطربة هناء – لا ياهوى لمائده نزهت – لا نار لعفيفة اسكندر – مر فرگاك لأمل خضير ).. لحن له طالب الغرغولي وفاروق هلال اغنيات عدة . التقيت الشاعر كاظم عبد الجبار في زنزانات مديرية الامن في البصرة سنة 1976 واسّر لي وحدي بانه متهم بالانتماء للحزب الاجتماعي السوري وان رفاقه يعملون للافراج عنه وهو ماحدث فعلا بحجة انه مصاب بمرض نفسي . كنا في تلك الزنزانات المقامة اسفل الارض بدرجة حرارة تتخطى الخمسين نعقد جلسات ادبية بعد الغروب فعلمت منه انه يكتب الابوذية بثلاث لغات الفارسية والانكليزية والعربية . وقال ( في مرة اطلقت منافسة لمجاراة بيت يقول -البلعقل شرجان فركتهم شلون - ) . وروى لي عن صداقته العميقة مع الشاعر الشعبي جسام النجفي وكيف ان جسام كان يفعل مقالب لا تحتمل له ولغيره . لكن اجمل رواياته لي هي حول الظروف التي دفعته لكتابة اغنية اتنة اتنة فقال كانت هيلة جارة لنا وتعمق بيننا الحب .
من ابيات اتنة اتنة اتنه اتنه وانت نفسج ماتنيتي اتنه اتنه هم تنيت وما اجيتي ياما گـلتي هوايه گـلتي وما وفيتي ياما اسهر وانت نمتي وماصحيتي ولو جفيتج ليله وحده گـلتي وينك ياتجيتي وهذا ديدانج ياهيله وهذه عاداتج ياهيله من غرورج ماشفيتي ولو گـلتلج أوفي عهدج گـلتي اتنه وانتي نفسج ماتنيتي.
الزمن فلسفيا من خلال ثيمة الحب والمرأة في شعرالبريكان .
كاظم حسن سعيد الحوار المتمدن-العدد: 7872 - 2024 / 1 / 30 - 11:39 المحور: الادب والفن
عرفت اصناف من الكتابات عن الحب في الشعر العربي منها العذري والصوفي والواقعي وفيما توغل عمر بن ابي ربيعة وابو نواس بوصف الجسد تقرا للعباس بن الأحنف ( لا يضمر السوء ان طال الجلوس به ..عف الضمير ولكن فاسق النظر ) . يتعذر على أي ناقد او قاريء تفهم المراحل في شعر البريكان بسبب الافتقار الى المجموعة الكاملة لشعره في حياته وبعد رحيله بسنوات لعزوفه عن النشر وفقدان او الحجر على نتاجاته بعد رحيله . لقد اتصلت باخيه المحامي عبد الله القاطن في السعودية قبل وفاته واوضحت له ان عليه ان يعتق مجموعات البريكان الشعرية التي لم تنشر والتي حصل عليها واحتفظ بها لانه ارث انساني وكان جوابه مخيبا للظن , ولم تفلح دعوات مماثلة شرع بها الشاعر طالب عبد العزيز . وحاولت مرارا حث نجل البريكان الاكبر الصحفي ماجد البريكان بان يسافر للحصول على تلك النتاجات وصدمت بالمبررات ومحنة التاجيل . حدثني البريكان بان الشاعر سامي مهدي عرض عليه طبع مجموعته بوزارة الثقافة باخراج فني متقن كما فعلوا بشعر شفيق الكمالي ولكن المشروع اجهزته قوة التاجيل ايضا . وها قد دخلنا في العقد الثالث على رحيله وقصائده ومؤلفاته البحثية والادبية رهن الاعتقال . ساتناول الان نهجا غفله النقاد والدارسون في شعر البريكان فقد تركز جل شعره في ثيمات التوتر بين الحياة والموت والنهايات الفاجعة . سألني البريكان يوماعن افضل النساء فاجبته المطيعه فقال بل الوديعة . وقال لي ( ربما تكون المرأة افضل من الشعر نفسه ) وهو تصريح خطير . ولا تجد في شعره الا قصيدتين خصصتا لموضوع المرأة وحبها لكني اتوقع قصائد اخرى كتبها ونحن ننتظر حين تنشر مجموعته الكاملة . لقد كان موضوع الهيستيريا عند النساء ممتدا بيننا واتحفظ على اسباب اهتمامه بالهيستريا الان اما انا فكنت في عمرمبكراهتم به لاني تفتحت في بداية التكوين الفكري على اطروحات فرويد . تميز البريكان بالعفة ولا اتوقع انه اقام علاقات نسائية خارج الزواج في شبابه فقد اخبرني يوما بمرارة ( كم من الفرص اضعتها ) . وقال بموقف اخر ( الان يكتب الشعراء حول الاديان والفلسفة اما انام فكنت افكر بثيمات فلسفية لحظة اندلاع العلاقة الحميمية ). صدفة قبل يومين اطلعت على قصيدة حب للبريكان نشرت بعد رحيله بعنوان ( الى امراة صغيرة ) . اما قصيدته (اغنية حب من معقل المنسيين ) فقد نشرت في حياته . ولا يوجد قصائد غير هاتين القصيدتين تختص ببحث ثيمة المرأة . حسب شعره المنشور . افسر ذلك لا لعدم جرأته بل لهيمنة الثيمات الاساسية في شعره وهو القائل ( انا شاعر الموت ). لا يمكنك تفهم شعر البريكان ان لم تصنفه شاعرا مفكرا . في قصيدته الى امراة صغيرة يبدأ النداء او الدعوة ( تعالي )ويظهر المقطع وصفا للطبيعة من تكاثف ظلام وليل يسقط ببطيء وسرعان ما نكتشف بانه يعالج ثيمتي الموت والزمن. (هنا عالم تتراكم فيه الثلوج، وتنطمر الأزمنة تعالي..وبعدك فليرسم الموت شارته، سأكون أقل اكتئابا... لأنك تحيين بعدي.). وهذه القصيدة هي اكثر عمقا من قصيدته المماثلة ( اغنية حب من معقل المنسيين ) التي تناول فيها رجلا سجينا احب فتاة بتاثير ما نقله عنها شريكه في الزنزانة لهذا ارجح كتابتها بعدها قبل ان ينقطع عن الكتابة لمدة ست سنوات , وهو في مرحلة قوة الشباب . ساضع القصيدتين امام انظار القراء والدارسين للاهتمام بهذه المساحة المهجورة من شعر البريكان في انتظار العودة اليهما ودراستهما مستقبلا . ( الى امراة صغيرة .. تعالي فإن الظلام هنا يتكاثف والليل يسقط عبر الزجاج ببطء على الطرق العارية هنا عالم تتراكم فيه الثلوج، وتنطمر الأزمنة تعالي..وبعدك فليرسم الموت شارته، سأكون أقل اكتئابا... لأنك تحيين بعدي.
-2 يمامة ليل مشردة في الرياح مبللة دخلت عبر نافذتي واستقرت على راحتي تتراعش من لمستي يا يمامتي الضائعة هنا أنت في ملكوت الظلال فلا تفزعي..
-3 تذكرت إذ كنت طفلا صغيرا تذكرتها ظبية من ظباء الفلاة..طوقتُها بذراعي وقد سكنت فزعا أذكر الآن نظرتها، -يا لأحداقها الواسعة – وإيقاع أنفاسها ... وأذكر لحظة أطلقتها في الهواء... فأن شئت .فانطلقي..
- 4 تمرّين بين حدود الهنيهات تمشين حافية في دوائر أُفق الشفق وتأتين راقصة بين حلم وصحو ، وبين اشتعال السريرة والانطفاء ومنتصف الليل تنزلقين بكامل عريك بيضاء َ خضراء زرقاء تحت بصيص النجوم، ولا تخلفين المواعيد. أنت معي منذ بدء الزمان أتعترفين اعترافي؟
-5 من الحب ما لا يكون ، وما لا يبوح به العاشقون لأنفسهم ما يوّحد بين النزوع وبين المحالْ وليتك كنتِ أقلَّ بهاء أقل سخاءً أقل جنونا ً لكي يمكن الاحتمالْ تفتحت في أخريات المواسم..من أجرأ الآن منكِ و أنت التي تهبين حياتك في جملة واحدة؟ ومن أبرأ الآن منك وبين هداياكِ كنز الجسد حذار..هناك المسافات بين حياد وآخر هناك أُنظري ، حاجز الزمن الأبدي فهل يستطاع العبور؟) . (أغنية حب من معقل المنسيين ) يا سلوى لم نلتقِ قبلُ، ولم أرَ مِنكِ سوى شبحك وحكايا تروى لي عن نبلك عن مرحِك لم نلتقِ قَطُّ، ولكنّي أُصغي لأخيكِ، صديقي وأخي في سجني وقسيمي ليل الزنزانة يحكي لي عنك كألطفِ ألطفِ إنسانة وكأجملِ روحٍ مبتسمة .. عن ضحكاتِكِ وهي ترنُّ صباحَ مساء حبّكِ للرسمِ وللتفصيلِ وللأزياء ومقصك والصحف البيضاء وثيابك ذات الألوان المنسجمة! أعرفُ حتى ما في درجك من أشياء! أعرف حتى ما كنتِ قرأتِ من الكتبِ حتى كلماتك عند اللوم أو الغضبِ! حتى بعضَ أغانٍ أعجبتِ بها جداً وقصائدَ مفعمةً ورداً .. ! يا سلوى، يا حُلُماً في الصمت المكتئبِ يا سرّاً في صدري، وخيالاً نورياً يتوهجُ في أقصى التعبِ! يا حبّاً لا ُيعقل، يا شعراً لا يُنسى! يا زنبقة تتفتح في الليل الأقسى وتضوع وتنمو في صمتي يا مرقّصة في الحزن رؤاي كأسطورة يا شبحاً تنقصه الصورة! أقسم لو لاقيتك يوماً في أي مكان لعرفتك! لو صافحتك بعد مضي زمان لبكت أعماقي من فرح! أتصورها خصلاتك تطفر في مرح أتصور وجهك! صوتك! لون العينين وكمونُ البسمةِ في الشفتين أتصور .. لا يمكنني تجسيد الشبح! أتصور أخوتك الأطفال، وأي حنان تضفين على البيت العاري وأفكّر: ما أروعها في غدها أماً ..! * * * في أقبية المنسيين لا صوت هناك. وما في الليل سوى الحزن! نام السجناء ونام أخوك. ولكني أرقٌ، أتأملُ أغلالي وأصارع أبعد آمالي، وأفكر فيك .. وفيما أصنع بعد سنين إذ أنزع أثواب السجن أأحبك جداً أم لهوا ..؟ ثم، أتبقين كما أهوى وكما أتصور، يا سلوى!؟).
الشعر الحديث في العراق تبرعم في حقل الكلاسيكية الرومانسية .
نضج نهج الشعر الرومانسي منذ شعراء المهجر ,سبقتهم اوربا لذلك . وحدث ان ظهر ارتداد عنها متمثلا بشعر الرصافي والزهاوي وغيرهم . لكن طليعة الشعراء الذين ثبّتوا الحداثة في الشعر العراقي تجاوزوا هذا الارتداد وانطلقوا مما انتهى اليه النهج الرومانسي . مثال ذلك قصيدة الرائد محمود البريكان(غسق) المنشورة في مجلة “الأديب” عام (1948): ما للوجود كأنما عبرت تدعوه نازلة الى سفر والافق مطوي على لهب فكأنما هو محجر القدر ولنقرا له قصيدة اخرى ( التراب ) المنشورة في الاديب اللبنانية بالاربعينيات من القرن الماضي . (قيل لي انت حفنة من تراب فاقشعرت بكبرياء جراحي قلت لا لن اكون طينا من الطين انا من سلالة الارواح وتشددت وافتديت خلودي وطماح المنى , باغلى الاضاحي بدمي بالحبيس من من نازعاتي برؤى الليل وابتهاج الصباح.. وتغنيت للوجود بشعر اتحدى به الزمان الماحي وادعيت السمو حقا لقد حلقت لكن من التراب جناحي). ان انبثاق اية مدرسة تحتاج مجموعة مبدعين لهم افق فكري ومزاج سلوكي متشابه . تاريخ الادب والفن يضيء ذلك فالانطباعيون كان همهم ابراز الضوء بتدرجاته فقالوا (نحن نعتّم كي نضيء ) اما التكعيبية فقد ابدعها اثنان بالدرجة الاولى بيكاسو وبراك. لكن ماتيس لكم يكن يهمه كلاسيكيات الكتل ولم يكن معنيا بنظريات اللون فانتج وحده الوحوشية التي صمدت رغم محاولات اغتيالها وهي بعمر مبكر . فما الذي توفر في الشعر الرومانسي العراقي لنعده حديثا .انه الانتقال من قبضة البيان الى افق الايحاء وتغير حاسم بالمفردات والصور واستعارة والمجازوتناول مواضيع غير مطروقة كثيمة التوتر بين الحياة والموت والنهايات . ان كتاب (التجربة الخلاقة ) للبروفسور مورا يرصد التحولات بالشعر المعاصر ويوضح كيف تقدم الشعراء المحدثون من حيث انتهى الرومانسيون وما هي اهم التغيرات التي كسبها الشعراء المحدثون . ادرك ان هذا المقال مختزل ومكثف ولكنه دعوة لاعادة البحث عن جذور ومسار التطور في الشعر العراقي الحديث والذي بدأ في اطار القصيدة العمودية بنفس حداثوي مهد لانبثاق الشعر الحر بالعراق .
الترابط الصوري احد اهم اسباب نجاح القصيدة
(يقول لي الطبيب أكلت شيئا وداؤك في شرابك والطعام وما في طبه أني جواد أضر بجسمه طول الجمام تعود أن يغبر في السرايا ويدخل من قتام في قتام). هذه القصيدة التي كتبها المتنبي في وصف الحمى , البيت الاول منها المثبت هنا يظهر كلاما عاديا , وصفة واضحة لطبيب . اما البيت الثاني باستعارة صفة الجواد لنفسه وتضرره من الجمام فقد فند فيه تشخيص الطبيب فهو ليس مريضا بسبب بدني بل سيكولوجي هو الجمام وتعني ما اومن بحاجة للراحة من كثرة الحركة . تقول العرب (جمّمت المرأة شعرها اجم تشبها بالرجال وفي الحديث الشريف - لعن الله المجممات من النساء .-. ولا بد ان نتوقف على مفردة الجواد في شعرالمتنبي وظلالها فهو يقول ( احب مكان في الدنا سرج سابح ) و ( الخيل والليل .. ). وان ديوانه زاخر بمفردة الجواد . انه البدوي سيفه وفرسه وقربته ومن قتام الى قتام ومن معركة لاخرى . هذه الحياة المتوترة التي يحاول الانسان تجنبها ويميل للسكينة والاستقرار لا تروق للمتنبي. ( سبحان خالق نفسي كيف لذتها فيما النفوس تراه غاية الالم .). فالحمى مظهر جسماني لتوتر نفسي اعمق. اما عمر بن ابي ربيعة فيقول (أَبتِ الرَوادِفُ وَالثُدِيُّ لِقُمصِها مَسَّ البُطونِ وَأَن تَمَسَّ ظُهورا وَإِذا الرِياحُ مَعَ العَشِيِّ تَناوَحَت نَبَّهنَ حاسِدَةً وَهِجنَ غَيورا). ورد البيتان في ديوانه واستعاره ابو تمام في كتابه الحماسة . البيت الاول كاميرا حساسة التقطت جمال الجسد , والجمال نسبي حسب العصور فالعرب كانت تهتم بالمرأة الناهدة وعظيمة الارداف . ورد في كتاب دولة النساء للبرقوقي الصادر 1946 ان العرب (كانوا يفضلون المراة الرفيعة من الجزء العلوي والممتلئة من الجزء السفلي ويرون عند امتلاكها الميزتين تصبح المراة المثالية ليقدموا عليها ويطلبونها للزواج ). لكن عمر بن ابي ربيعة بالترابط الصوري اضاف اضاءة على سحر الجسد فاتى برياح متناوحة وهي التي يشتد هبوبها من جهة لاخرى او من جهات اربع ما يعكس اثارة لجسد المراة وهي تضغط بتقوسات ساحرة عليه , فما سيفعله هذا المشهد بالاثنين الاكثر استثارة لجمال جسد المراة وهما الحاسدة والغيور ؟. طالما ادى الحسد والغيرة الى عملية تصفية واغتيال مثلا ساليري وموزرات ( حسب مسرحية الكاتب بيتر شافر وفلم Amadeus)وديك الجن وزوجته. ليس بالضرورة ان يكون البيت الاول كلاما عاديا والثاني شعريا بل قد ياتي البيت الثاني لتوسيع الافق والاضاءة وقوة التاثير .كابيات عمر بن ابي ربيعة .
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رنين المعول رؤى نقدية ج3
-
رنين المعول رؤى نقدية ج2 كتاب كامل
-
رنين المعول رؤى نقدية لافاق متنوعة ج1 كتاب كامل
-
حي سليطة رواية كتاب كامل
-
شاشة الارواح كتاب كامل
-
وفاة عبوسي الذي خلده مسلسل تحت موسى الحلاق
-
تسجيل لحكايا برقية ج2 الخباز والمراة البدينة
-
ديوان (البصيلة الزجاجية) كتاب كامل
-
البيدوفيليا مرض الاثارة الجنسية بالاطفال
-
مجوهرات روحية قصائد كتاب كامل
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
-
قصة رئيس ورئيسي ومبارك ومبروك
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
-
تسجيل لحكايا برقية ج1
-
زواج المسيار والمتعة وقانون الاحوال الشخصية في العراق .
-
(ديوان الابواب) وزيارة اثر ديوان شعر
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
-
المراة لا ترث ارضا او عقارا والمادة 57
-
راية للامام الحسين بقيمة 93 مليون
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|