زكية خيرهم
الحوار المتمدن-العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 06:18
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في أعماق النفوس البشرية، حيث تتراقص العقلانية على ألحان العاطفة، تقف الجماهير على مشارف التحول، ككائن واحد نابض بالحياة، لكنه يفتقد الروح الفردية. في هذا الاندماج، تتلاشى الفروق بين البشر، وتخفت الأصوات التي تمنح كل فرد تفرده الخاص. يتحول الجمع إلى كتلة موحدة، تتحرك بإيقاع خفي، تتمايل مع كل نسمة، كل كلمة، وكل إشارة من قائد يجيد عزف ألحان القلوب. هنا، في قلب الجماهير، يغرق الإنسان في تيار اللاوعي الجمعي، حيث تنطفئ الأنوار الفردية لتشرق شمس العاطفة الجماعية. لم يعد العقل الحارس على التفكير، بل أصبحت القيادة لقوى أعمق، تجتاح الوجدان كأمواج تتبع الرياح دون تساؤل. تنساب الجماهير مع كل فكرة يحييها الخطيب أو تنقلها الصورة، بينما يقف القائد كساحر، يمسك بمفاتيح العواطف، يحركها كيفما يشاء، موجًا بمد وجزر المشاعر. وفي هذه اللحظات العاصفة، تذوب الحقيقة في الخيال، ويصبح الواقع أقرب إلى الحلم. تلتف الأحاسيس وتعلو المشاعر، فتتحول الجماهير إلى إعصار عظيم، لا يدرك من أين أتى ولا إلى أين يتجه، لكنه ينبض بقوة لا متناهية تجري في عروقه. ومع ذلك، ما يُشيد على العاطفة وحدها، يظل هشًا كبيت من رمال، تتحطم دعائمه مع أول نسمة من العقل. وهنا يتجلى الفارق بين ما هو عابر وما هو خالد. الجماهير تعيش بقوة اللحظة، تنبض بالحياة، لكنها تبقى محكومة بالزوال عند أول بزوغ لوعي الفرد. هذا هو سر الجماهير، سر قوتها وضعفها معًا. ففي لحظة، قد تهدم عروشًا، أو تبني عوالم جديدة، لكنها تبقى دومًا معلقة بين العاطفة والعقل، بين القائد وأتباعه، بين الوحدة والانقسام.
#زكية_خيرهم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟