زكية خيرهم
الحوار المتمدن-العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 02:48
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في قلب المدينة النابضة بالحياة، حيث تتشابك الأرواح كخيوط نسيج غير مرئي، كانت الجماهير تتحرك كما لو أنها تموجات بحر عارم. كل فرد، بحد ذاته، كان يحمل داخله عوالم خاصة من الأفكار والآمال والتطلعات، لكنه حين امتزج مع هذا المحيط المتلاطم، تلاشت حدوده الشخصية، وكأنه صار جزءًا من كيان هائل، يكاد يفقد هويته.
كان الجو مشحونًا بطاقة عاطفية، تضج بها الشوارع، وكأن الهواء نفسه يرقص على إيقاع غير مرئي. في هذا التجمع الجماهيري، حيث الأفراد صاروا أجسادًا تتحرك وفق نغمة مشتركة، كانت الأفكار تتناقل بينهم كشرارة سريعة، تعدو بلا توقف، تترك خلفها سلوكًا موحدًا يكاد يبتلع الفردية.
في خضم هذا التيار العاطفي، ظهر القائد، ليس كشخص عادي، بل كرمز يشع بالثقة. لم يكن بحاجة للكلمات المعقدة، بل كان صوته يتردد كصدى عميق في الوجدان، يوقظ في نفوسهم رغبات دفينة وأحلام غير معلنة. وكأن الجماهير كانت تنتظره بفارغ الصبر، تفتش في خطابه عن الخلاص، عن الطريق، عن ذلك الهدف الذي يوحدها. كلماته كانت تتسلل إلى قلوبهم، تحفزهم وتشعل فيهم حماسة لا تفسير لها، وكأن العواطف هي الخيط الوحيد الذي يحكم الموقف.
وعلى حين غرة، بدأت الأفكار تنتشر كعدوى. كلما توحدت النظرات والآهات، تضاعف ذلك الشعور المشترك. لم يعد السؤال يدور حول الصواب أو الخطأ، بل حول الانتماء إلى هذه الجماعة التي كانت تتحرك بوحدة عميقة. غابت الأسئلة الفردية، وذابت الأصوات الداخلية التي عادة ما تعترض على العاطفة. في تلك اللحظة، صار العقل الجماعي هو الصوت الأوحد، يوجه الجميع نحو هدف مشترك.
وكانت الشمس تغيب في الأفق، فتتوهج السماء بظل أحمر قاتم، يلف الجميع في جو من الغموض. كأنما هذا الكيان الجديد الذي نشأ بين الأفراد بات يتنفس معًا، ينبض كقلب واحد. كانت الجماهير تتحرك كما لو أن كل جسد يعرف موضعه في هذا الكون الواسع، بلا حاجة إلى التفكير أو التساؤل.
ولم يكن هناك سوى تلك اللحظة العابرة، حيث اختفى التفكير المنطقي، واستسلم الجميع لتلك القوة الغامضة التي جمعتهم. لقد كانت رقصة بين العواطف والعقل، بين الفردية والجماعة، حيث تألق العقل الجماعي في ليله الخاص، لينير الظلام بشعلة العاطفة المتقدة.
في النهاية، ساد الهدوء. غابت تلك اللحظة الموحّدة، وعاد كل فرد إلى ذاته. لكن في قلوبهم، بقيت تلك اللحظة، كندبة خفية، كذكرى لأوقات يكون فيها المرء جزءًا من شيء أكبر وأعمق، شيء لا يدركه العقل لكنه يشعر به القلب.
#زكية_خيرهم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟