أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رائد عبيس - الفلسفة المؤسسية في البلدان العربية من فرضية الجدوى إلى واقعيتها















المزيد.....


الفلسفة المؤسسية في البلدان العربية من فرضية الجدوى إلى واقعيتها


رائد عبيس

الحوار المتمدن-العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 00:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة المؤسسية في البلدان العربية
من فرضية الجدوى إلى واقعيتها


الفلسفة التي كانت ذات يوم تخصصًا مزدهراً خارج حدود الجامعة وداخلها, شهدت في السنوات الأخيرة، تراجعًا داخل الأوساط الأكاديمية والإجتماعية, واصبحت معزولة بشكل متزايد داخل الأقسام الأكاديمية والمجلات العلمية. وقد ترافق هذا التحول مع نمو التخصصية العلمية المفرطة التي غلبت الواقع الراهن وتجاوزت النثرية الفلسفية القاحلة من الناحية الأسلوبية. وفي الوقت الذي يُرجع به البعض تراجع الفلسفة هذا بسبب النزعة الأمبريقية التي بات تأثيرها على العلوم الإنسانية كافة، الا أن من الواضح أن الطرق التي يتم بها متابعة الفلسفة وإدارتها تلعب أيضًا دورًا مهمًا في نموها وإزدهارها وأنتعاشها. ولكي تستعيد الفلسفة أهميتها ومكانتها في الأوساط الأكاديمية، يجب عليها إعادة التعامل مع جوهرها الحقيقي: وهو طرح أسئلة ذات معنى واستكشاف الادعاءات الجريئة.
تاريخيا ًيعزى تراجع الفلسفة في الأوساط الأكاديمية إلى أوائل القرن العشرين عندما بدأت التطورات التكنولوجية والثورات العلمية في احداث تحولات داخل المجتمع الغربي. وكان لهذه التغييرات آثار بعيدة المدى على مختلف التخصصات، بما في ذلك الفلسفة, وبينما سعت المجالات الأخرى إلى محاكاة العلم بطريقة ما، خضعت الفلسفة أيضًا للاحتراف والتخصص.
ومع ذلك_ وعلى عكس التخصصات العلمية_ يمكن حل الخلاف مع الفلسفة من خلال الأدلة التجريبية، فإن الخلافات الفلسفية تميل إلى أن تكون غير قابلة للحل في نهاية المطاف ولا توجد طريقة محددة لتأكيد أو دحض وجهات النظر الفلسفية, هذه الطبيعة المتأصلة للفلسفة تجعلها مناسبة لطرح الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات. ولسوء الحظ، عندما أصبح الفلاسفة أكثر رسوخاً في المساعي الأكاديمية، أصبح عملهم منفصلاً عن الخطاب العام. وكان تراجع الفلسفة داخل الأوساط الأكاديمية يعني أن عددًا أقل من الأشخاص تعرضوا للأفكار الفلسفية خارج دورات المستوى التمهيدي التي تتطلبها برامج التعليم العام. لذلك غالبًا ما يواجه الطلاب " الفلسفة " كوسيلة عند كبار أعضاء هيئة التدريس للتخلص من واجبات الدرس, بدلاً من اعتبارها مجالًا محفزًا فكريًا للبحث.
ومثل هذا التراجع في الأوساط الأكاديمية تعود أسبابه إلى التركيز على التخصص الدقيق في برامج الدراسات العليا فصاعدًا, لقد تعمق الفلاسفة بشكل متزايد في مجالات بحثية ضيقة، مما حولها إلى مشاريع تقنية تتميز بالصرامة اللغوية التي لا يمكن اختراقها بسبب جفاف أسلوبها الأدبي . في حين أن هناك مكانًا للعمل الفني والتحليلي في الفلسفة. فإن هيمنة مثل هذا العمل قد طغت على الجوانب الأوسع والأكثر تأملية في هذا التخصص.
تاريخيًا، أنتجت الفلسفة أعمالًا كانت في متناول جمهور أوسع وتناولت القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية الملحة. وابتكر مفكرون, مثل : بيكو ديلا , ميراندولا, وإيراسموس, ومونتين, ونيتشه , أعمالًا فلسفية لاقت صدى لدى الناس من جميع مناحي الحياة. ولم تكن هذه الأعمال صارمة فكريًا فحسب، بل كانت أيضًا جذابة بشكل إبداعي.
ولاستعادة مكانة الفلسفة الاجتماعية وأهميتها داخل الأوساط الأكاديمية، يجب على الفلسفة ومختصوها إعادة اكتشاف قدرتها على التعامل مع الأسئلة الكبيرة واستكشاف الادعاءات الجريئة. وينبغي تشجيع الفلاسفة على متابعة مشاريع تأملية أكبر لتستحوذ على الخيال وتتخطى الحدود. ومن خلال إعادة التأكيد على الإبداع إلى جانب مخرجات البحوث في تقييم أعضاء هيئة التدريس.
تستطيع المؤسسات الأكاديمية أن تعمل على تعزيز بيئة مواتية للتساؤل الفلسفي الذي يتجاوز الجوانب الفنية الضيقة. معتمدين بذلك على ميزة الفلسفة , ما يميز الفلسفة أكثر عن التخصصات الأخرى, هو قدرتها على طرح أسئلة عميقة تتحدى المفاهيم المسبقة حول العالم الذي نعيش فيه. فغالبًا ما تقودنا الاستفسارات الفلسفية إلى إعادة تقييم معتقداتنا وافتراضاتنا الأساسية. وتفتح عملية التساؤل هذه طرقًا جديدة للاستكشاف وتساعدنا على فهم أنفسنا ومكانتنا في العالم بشكل أفضل.
في حين أن الفلاسفة قد لا يقدمون إجابات محددة عن هذه الأسئلة، إلا أنهم يلعبون دورًا حاسمًا في تشكيل الخطاب العام, من خلال إثارة قضايا مهمة يجب على المجتمع التعامل معها. إن رؤاهم في الأخلاق, والسياسة، وعلم الوجود، ونظرية المعرفة، وعلم الجمال - من بين مجالات أخرى - تقدم وجهات نظر قيمة حول التجارب الإنسانية المعقدة التي تمتد مساهمات إلى ما هو أبعد من الأوساط الأكاديمية؛ والفلاسفة قد أثروا في مجالات متنوعة, مثل: الأدب, والفن, والعلوم, وتطوير التكنولوجيا, وصنع السياسات, ومن خلال إدراك هذه الإمكانات المتعددة للتخصصات المتأصلة في اتساع موضوعات الفلسفية البحثية. فمن الممكن للفلسفة أن تستعيد مكانتها, كمجال حيوي داخل كل من هذه الأوساط الأكاديمية والمجتمع ككل.

هل يكمن إعادة تصور دور الفلسفة ؟

لتنشيط الفلسفة داخل الأوساط الأكاديمية، من الضروري إعادة تصور دورها والغرض منها. ولا ينبغي للفلسفة أن تقتصر بعد الآن على جدران المؤسسات الأكاديمية فحسب؛ وينبغي أن تشارك بنشاط في المجال العام. و يجب على الفلاسفة المغامرة خارج نطاق المكتبية الخاصة بهم والإنشغال بإيصال أفكارهم بطرق يسهل الوصول إليها والتي يتردد صداها مع المجتمع بطريقة واسعة .
وبدلاً من التركيز فقط على التفاصيل التقنية، يجب على الفلاسفة أن يتبنوا مشاريع تأملية أوسع لاستكشاف الروابط بين التخصصات لمعالجة التحديات المجتمعية, وهذا يتطلب الابتعاد عن الاتجاه الحالي للتخصص المفرط نحو نهج أكثر شمولية وإبداعاً.
إن تراجع الفلسفة داخل الأوساط الأكاديمية لا يرجع فقط إلى عوامل خارجية تؤثر على العلوم الإنسانية؛ كما أنها أي العلوم الإنسانية تتأثر بمشاكل الفلسفة الداخلية, من خلال الاتصال بطبيعتها الجوهرية, كمجال يثير أسئلة مهمة ويستكشف الادعاءات الجريئة.
ولكن وسط هذا التفاؤل الذي يبقى قائماً ما دام الإنسان حياً ومفكراً , تعلن الأوساط الفلسفية العربية والمصرية مفاجئتها من قرارات وزارة التعليم العالي والتربية في مصر من إلغاء الدرس الفلسفي من الثانويات العامة. ونرى أن لا محل لهذه المفاجئة ما دام هناك تاريخ من التفاوت والمفارقات في التعامل مع الفلسفة في قرارات وزارات التعليم العالي والتربية في البلدان العربية عامة. فبلداننا تتعامل مع الفلسفة والدرس الفلسفي في خجل ووجل, بين محرم لها كما كان حالها في السعودية , وبين من يبيحها ويسمح بها ولكن لا يرى جدوى عملية منها. ولعل انعدام الجدوائية العملية هي التي دفعت الحكومة المصرية إلى إلغائها من التعليم الثانوي في عامها الدراسي 2025. ولعله نفسه جعل الحكومة العراقية ووزارة التربية لم تدخل الدرس الفلسفي بشكل موسع في الثانويات العامة. وأبقت على درس هامشي لم يدخل حتى في التقييم العام للطالب طيلة عقود من تاريخ (الفلسفة المؤسسية) في العراق, وللإضافة لا يوجد في العراق إي جمعية فلسفية على الرغم من وجود 6 أقسام فلسفة, وهناك أعداد كبيرة من خريجي الفلسفة فيه. فهناك تفاوت كبير في العراق في التعامل مع الفلسفة. يضع الفلسفة في موقف اللاجدوى , وهذا التفاوت هو بين وجودها المؤسسي في وزارة التعليم العالي وتقليصها المؤسسي في وزارة التربية , مما يضع مخرجاتها في موضع البطالة أو البطالة المقنعة . على عكس الأمر في دولة مصر العربية الشقيقة فيها كرسي اليونسكو للفلسفة , وفيها جمعيات فلسفية, وهذا ما يمكنها من توسيع تشاطها مجتمعياً تعوض به إلغاء (الفلسفة المؤسسية) من ثانوياتها. أما موقف الفلسفة في الجزائر الشقيق فلعل هناك مساحة جيدة بين التعليم الجامعي للفلسفة والتعليم الثانوي , فضلاً عن انتشار الجمعيات الفلسفية في ولاياتها. ولعل موقفها في المغرب العربي مشابه للحالة الجزائرية, أما موقف الفلسفة في لبنان فهو أيضاً متأرجح في الإهتمام الحكومي بين التعليم الجامعي والثانوي على مستوى المناهج وجدواها. و في سوريا فالأمر مشابه تقريباً للحالة اللبنانية , أما في الخليج العربي فهو يتعاطى معها بشكل محدود جداً على مستوى الدراسة والبحث, ولعله لأسباب إيديولوجية كما هو الحال في السودان.
وما يُثير الأشكال أكثر في تعاطي البلدان العربية المتفاوت مع الفلسفة بالطريقة "المؤسسية" هو إن هناك تيارات فكرية تصنف بما يعرف (تيارات الفكر العربي المعاصر) إي أنه نتاج منظومة فكرية عربية مؤسسية تبعاً للإيديولوجيا التي تحملها سواء كانت قومية, أو شيوعية _ ماركسية, أو وجودية, أو ناصرية , أو مادية, أو عدمية, المهم أن تكون هناك متبنيات فكرية تحمي الدرس الفلسفي في إطاره المؤسسي, ليكون نافذتها للخطاب النخبوي والعام. ولكن حتى هذه البنية في التكوين الإيديولوجي للفلسفة داخل العقلية العربية لم يعد له وجود في الغالب. لذلك الفلسفة فقدت جدوائيتها العملية في التداول العام. وما يزيد الأمر تعقيداً هو ذلك الاختراق الكبير لعالم التكنولوجيا الرقمي والذكاء الأصطناعي وما يقدمه من بدائل عملية لتساؤلات طارئة وحلول سريعة. جعل الأمر يختلف تماماً عن العقلية التقليدية في التعاطي مع الفلسفة وقيمها الغنوصية. وهذا الواقع الجديد الذي وقعت به الفلسفة لا يخص (الفلسفة المؤسسية) عربيا ًبل حتى غربياً , وقد نوهنا لهذا الأمر في بداية المقال.
لذلك نعتقد ان الأمر مرتبط بالدرجة الأسس في الجدوى الفعلية من قيمة (الفلسفة المؤسسية) داخل المؤسسة أولاً , ورغبة الطلبة ثانياً, ولو المؤسسات المصرية عملت استبيان عن رأي الطلبة في قرار الوزارة بشأن إلغاء درس الفلسفة , نعتقد أن الإجابة ستعكس مستوى الرضا عن هذا القرار وتأييده.



#رائد_عبيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم حزب البعث في قرارات مصادرة ثروات التبعية
- الأخلاق الصارمة والإنتاج العقلي لأحكامها
- الفلسفة والذكاء الاصطناعي من وجهة نظر هوبرت دريفوس
- جريمة ترحيل التبعية الإيرانية في القرارات البعثية
- المنهج النقدي عند حسام محيي الدين الآلوسي
- حماسة الله في معارك الديانات التوحيدية الثلاث لبيتر سلوترداي ...
- العقد الأول لجريمة مجزرة سبايكر وتقييمها القانوني
- الديمومة الزمنية عند هنري برجسون
- ما مسارات التطبيع بعد طوفان الأقصى ؟
- النوع الإجتماعي وجرائم التطرف
- السُّخْريَة الوظيفية على التكنولوجيا عند بيتر سلوتردايك
- مقدمة كتاب
- الهوية الملوثة - مقالات في الأنثروبولوجيا النقدية
- فلسفة الفيزياء -نظرية الخيط -
- فلسفة الفيزياء و نظرية الأوتار الفائقة
- فلسفة الفيزياء من الميتافيزيقية إلى الأمبريقية بنية الكون
- الزمن بين الفلسفة و العلم
- كيف حل الفيزيائيون مشكلة اللامُتناهية ؟
- فلسفة العلوم (Philosophy of Sciences)
- مقبرة الهجرة بحثاً عن تضامن إنساني أعمق عند بيتر سلوتردايك


المزيد.....




- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رائد عبيس - الفلسفة المؤسسية في البلدان العربية من فرضية الجدوى إلى واقعيتها