كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 18:27
المحور:
الادب والفن
تثقيب القوقعة ج4 الروائي الهايتي ماكنزي يفوز بجائزة غونكور.
حصد هذا العام الروائي والشاعر الهايتي ماكنزي غورسيل -م 1983- جائزة غونكور الفرنسية بنسختها الامريكية الثانية , تثمينا لروايته (مجموع انساني ) التي تقع في 600 صفحة وهي الجزء الثاني من ثلاثيته .
هذه الجائزة المتفردة اسست سنة 1903 , تمنح سنويا لعمل واحد لكل فئة للكتاب الفرنسيين او للناطقين بالفرنسية من الدول الفرنكوفونية . وقد منحت تاريخيا لمالرو 1933 و سيمون دو بوفوار الوجودية 1954 وغيرهم .. وفتحت لها فروعا بدول عدة .
وقد توج بها لهذا العام ماكنزي بتصويت من طلاب 8 جامعات امريكية ...ويقول عن روايته المتوجة : (كتبت هذه الرواية لاقول بان البؤس موجود بكل مكان وليس في بلدي فقط .. ويضيف مفسرا سرده لاحداث روايته على لسان رواية بطلته الميتة او المنتحرة (انها طريقة لالغاء الموت الذي هو موجود اينما نظرنا يشكل لغتنا وكلماتنا وحياتنا .. حاولت ان انطلق من المجهول من المراة التي ماتت ا و انتحرت لانها لم تلد في الزمان ولا المجتمع ولا المكان المناسب .. فتاة نشات بين اكثر وحوش الارض شراسة وعنفا ) .
فالثلاثية تحاول سبر ما يقوله الاموات عنا ,نحن الاحياء , الموت هو المجهول الضبابي اللامتناهي , انا احاول اكتشف عالمنا من الناحية الاخرى ) .
(في موروث هايتي .. ان الاموات وحدهم من يرون الحقيقة) . وتقع هايتي بين البحر الكاريبي والمحيط الاطلسي تحدها غربا الجزيرة الدومينيكية وهي ثاني اكبر جزر الانتيل بعد كوبا واسمها يعني -الارض ذات الجبال الكبرى -, عاصمتها بورت ,ويتكلم سكانها الفرنسية واللغة الكريولية الهايتية وقد شهدت اول ثورة للعبيد . وهي موطن لما يسمى الذي تدفق من التعاليم الخاصة بديانة (الفودو ) ووفقا لهم فان الكهنة هم من يستخدمون الزومبي الذين يوصفون بانهم اموات لم تبدا جثثهم بالتحلل , فيظهرون ثانية من القبور وهم مسلوبو الارادة ولا يستطيعون التفكير .
رواية وليمة لاعشاب البحر وضجة الجدال
مرت بسلام منذ صدورها سنة 1983 حتى قامت سلسلة - افاق الكتابة -باعادة طبعها بعد صدورها في بيروت , فاثارت جدلا واسعا وحادا في الاوساط الشعبية والثقافية بمصر حتى حظرها الازهر .
وقد تدفقت بسببها تظاهرات لطلبة جامعة الازهر وسقوط جرحى بحجة ان الرواية تسيء للمفاهيم الاسلامية ..وتمت المطالبة باقالة وزير الثقافة الاسبق الفنان فاروق حسين .. .. وقد اجاب الروائي حيدر حيدر على كل تلك الضجة ب (نحن نعرف ديننا وتاريخنا ولسنا بحاجة لفقهاء متعصبين ودعاة يرشدوننا الى الصراط .).
فيما صرح المفكر والناقد جابر عصفور ب (انها افضل رواية عربية معاصرة ومن يتهمها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسي الذين يتدرعون باقنعة دينية ويتولون ارهاب المثقفين ..
بطل الرواية محمد جواد مناضل شيوعي يغادر العراق ابان تواري الحكم القاسمي .. فيلتقي بمناضلة جزائرية تعيش خيبات الظن بالثورة الجزائرية : (تراءى على وجهها ظلال اسى جارح ,لكنه صادق من زمن مشرق ولى الى زمن قاتم ,فحول الناس من حالة الحب والتضحية والتعاون الى حالة غريبة من الحقد والكراهية والانانية والوهية الما ل) .. هكذا توصف زميلته التي هزتها الصدمة التي لم تكن تتوقعها ..
استغرق الكاتب حيد رفي كتابتها 9 سنوات وقد برز كاتبا سرديا حينما نشر قصصه القصيرة في الاداب البيروتية التي جمعت وصدرت لاحقا باسم حكايا النورس .
ان لغة الكاتب في هذه الرواية - وليمة - تتارجح بين اللغة الايحائية والبيانية ..لكنه ليس رائدا في هذا الحقل - الايحاء والكثافة الشعرية - لان الكتاب العراقيين تمكنوا من استكشافات بلاغية ولغة ايحائية منذ الستينيات الا ان النقد لم يواكبهم بمستوى الطموح .
لقد رحل عن العالم الكاتب حيدر حيدر يوم الجمعة الماضي تاركا ضجة جدلية ستتواصل ان لم تكن فنيا فاقلها من الناحية الاديولوجية والدينية ... ان ظاهرة الحظر تشكل منعطفا خطيرا وهو لا ينجح .. فبعد حظر الازهر زاد عدد قراء الرواية بشكل لافت ...ان السيف وكاتم الصوت لن يتمكن من حجب الفكر والفن ..
تكملة المعاجم العربية للمستشرق دوزي
ولد المستشرق الهولندي دوزي (1820 ــ 1880 ) في مدينة ليدن واهتم مبكرا بالدراسات والمصنفات العربية منذ التحاقه بجامعة ليدن وكان يكتب باللاتينية والفرنسية والالمانية فضلا عن الهولندية وقد ترك 28 اثرا منها .
وصادف ان اعلنت جامعة ليدن عن مسابقة لوضع رسالة عن ملابس العرب ففاز بحثه بالجائزة الاولى ما مهد الطريق للشروع بكتابه الاهم (التكملة ).
كان حلم شبابه ان يضع هذا المعجم فاستغرق 40 عاما لانجازه ..وصدر ب 1738 صفحة بمجلدين ..
صدر الكتاب في العراق اواسط السبعينيات من القرن الماضي ب 12 جزء ...فاقتنيت اجزاء منها ثم نفذ من الاسواق وضمر ذكره .
يعكس الكتاب التأثر بالنظريات البيلوجية والاحيائية في زمانه مثل نظرية النشوء والتطور لدارون ..كما وظف المؤلف المنهج الفيلولوجي لان تطور الدلالات الجديدة للمفردة كان هما رئيسيا لديه , فقد كان يركز على ما اسماه او الوسطى التي يستخدمها الناطقون بالضاد ..
يقول دوزي في مقدمة كتابه (ان معجمي غني باسماء النبات ورغم استعانتي بكتاب دودونوس القديم ولجوئي الى توضيحات زودني بها عالم نباتي شاب هو الدكتور ترويب ,فلا ازعم اني تجنبت الخطأ فيه .لان المشارقة خلطوا بين النباتات المختلفة ,واذا لم يدرس المرء علم النبات يصعب عليه وقد يستحيل ان يعرف ها ويصحح الخطأ فيها ) .
لقد وجه المعجمي التونسي ابراهيم مراد نقدا للهفوات والاخطاء الواردة في التكملة ..وقد يجد القاريء حقا مثل هذا فقد وردت كلمة ( متعوب ) بمعنى متعب وهو خروج عن القاعدة الصرفية لان الفعل تعب لازم , لكنا نقرا هذه المفردة في شعر نزار قباني ..
لكن كل النقودات لا تقلل من قيمة هذا المؤلف الذي بذل جهدا فرديا عظيما ويكفيك ان تلقي نظرة على الهوامش والشروحات التي الحقها بالمفردات لتثمن مدى الجهد الذي بذله فقد كان يشتغل منفردا بجهود مؤسسة .
ابدا كنت احلم بان ياتي احد ليؤلف معجما للمفردات المستحدثة لكن جميع الجهود متواضعة .. في العراق بعد السقوط نتداول مفردات تحولت مجازيا لتلائم موجة العنف التي صاحبت التغيير .. نحن بامس الحاجة لبروز معجم ليرصدها ..
تثقيب القوقعة ج5 الروائية اليابانية يوكو
نهج الديستوبيا في روايات اليابانية يوكو تاوادا
بعد ترجمة اعمالها لثلاثين لغة ونيلها جائزة كلايست بالمانيا في 2010 والجائزة الامريكية للكتاب الوطني 2018وترشيحها لجائزة نوبل اخذت دار فيردييه الفرنسية بتقديمها للقراء الفرنسيين خاصة بعد ترجمة اثنتين من رواياتها : الثانية (الملاك التيبيتي العابر ) وروايتها الاولى (الكشافة ) للغة الفرنسية .
الكاتبة اليابانية يوكو تاوادا المولودة في اليابان 1960 والتي درست اللغة الروسية ثم رحلت لالمانيا لتستقر في هامبورغ عام 1982 تمارس كتابة القصة والرواية والمسرحية والشعر والمقالة .
تميزت الكاتبة يوكو بابراز سحر اللغة اليابانية وتناولها مواضيع مهمة كالمنفى والاغتراب النفسي والكوارث الطبيعية والتلوث , ما دفع بعض النقاد لوصف اسلوبها ب (اللغة الجارحة ).
في روايتها تؤكد الكاتبة على الازدواجية بين الانفتاح والانغلاق ,الشيخوخة والشباب ,الطبيعة البرية ومدينة (الديستوبيا ) 1...خلال كل ذلك تجري مسحا وتحليل اللمجتمع الياباني المعاصر بالاعتماد على خيال غني وترصد التحولات الاجتماعية بين الاجيال ..
احداث روايتها تدور في طوكيو داحل شقة صغيرة على الطراز الياباني .. يقترح الشاب البطل على جده الكاتب الذي تخطى المائة عام ان يرسم الجدران بالازرق الفاتح ويرسم عليها طيورا وسحبا لكن الجد يدرك السبب وراء ذلك ففي الخارج اصبحت كل ملامح الطبيعة مشوهة .. يقول الجد .
وتلجأ الكاتبة في روايتها الكشافة الى الفكاهة والعبثية .
تتوفر لها بالبحث قصتها ادعو القراء للاطلاع عليها . لان ترجمة روايات يوكو للان بعيدة المنال .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تعني الديستوبيا بالياباني المكان الخبيث وهي كلمة اغريقية وتم تعميمها فشملت الحقل السياسي والاقتصادي والادبي ..اول روايات الديستوبيا صدرت سنة 1607 بعنوان <العالم الاخر والعالم ذاته > للكاتب الانكليزي جويف هول . واشهرها رواية 1948 . وهي تعني الفرد وقد تحول لالة في بيئة لا تعرف الرحمة وتنهج القسوة والاضطهاد .
الروائي الياباني ميشيميا وروايته اعترافات قناع
بعد ترشيحه لاكثر من ثلاث مرات لجائزة نوبل وانجازه اربعين رواية و ثمانين عملا مسرحيا و20 مجموعة قصصية .. وضع الكاتب الياباني يوكو ميشيميا حدا لحياته بالانتحار باسلوب مرعب على الطريقة اليابانية الساموراي .وبعد مرور اكثر من خمسين عاما على الحادث ما يزال الجدل قائما حوله . وليس غريبا الانتحار في اليابان فقد انتحر الكاتب كواباتا مؤلف ( منزل الجميلات النائمات ) سنة 1972 بخنق نفسه بتنشق الغاز بعد ان حصد جائزة نوبل 1968 .
كانت عملية الانتحار مرعبة فبعد ان استدعى كويو الصحافة لتصله بعد ربع ساعة , بقر نفسه بالسيف معتمدا على صديقه بان يقطع رأسه ويخلصه من الاحساس بالالم .. لكن صديقه تردد فانتحر ما استدعى رجلا ثالثا ليحز رأسه.
ولعل كاتب سيرته , داميان فلاناغان, تمكن من تفسير حالة الانتحار فقال .
ولد الكاتب في طوكيو (1925 ـ 1970 ) ظهر اول عمل له 1941 وهو في ال 16 من عمره ...كتب روايته اعترافات قناع سنة 1949 وهي لون من الاعترافات والسيرة الذاتية ..تتصدر الرواية كلمات دستوفسكي في الاخوة كرامازوف (رهيب هو الجمال المروع , رهيب لانه لم يسبر له غور ولا يمكن ان يعرف له قرار ....) .
تبدا الرواية بوصف الظروف البيئية والانسانية التي احاطت بولادة الطفل ( في مساء اليوم السابع لف الطفل في اردية داخلية من الصوف الناعم والحرير الشاحب الصفرة البس كيمونو من الكريب الحريري ذي الزخارف اللامعة . وبحضور اهل الدار المجتمعين رسمت جدتي اسمى على شريحة مراسيمية من الورق وضعتها على منصة التقدمة في ركن الصلاة ) . جدته التي تكره جده وتشبعه سخرية كانت روحها ضيقة الافق لا تقهر وهي وحشية في شاعريتها .. اخذته من احضان والديه لتحتفظ به لديها في الطابق السفلي . في عامه الاولى تهاوى من الدرج حين تعثر بذيل كيمونو امه ما تسبب له مرض التسمم التلقائي وكاد يزهقه .. وهنا نصل الى مقطع غاية الدرامية يصعب تصويره لو لم يكن المؤلف مشبعا بالحس المسرحي والتبحر في الدراما <وقفت جدته - حين استدعيت اثر حادث سقوطه - عند المدخل منحنية على العصا .. حدقت بجدي بنظرة ثاقبة عندما تناهى صوتها هادئا على نحو غريب كانما تنحت كل كلمة من تلفظها
ــ امات ؟
ـ لا
فنزعت نعليها , اجتازت المدخل عبرت البهو بخطى واثقة تحاكي خطى راهبة > .
يمضي الكاتب باضاءة حياة الطفل والبذور التي ستنمو عميقا فتشكل هيكل مسيرته عبر تحليل سيكولوجي وفلسفي عميق ..مستفيدا من التاريخ الاقدم كالرومان والموروث الياباني وتجربته الحياتية الغنية في وصف يعكس دقة كامرا ولغة سهلة عصية تستدعي تاملا متانيا لفك شفراتها .. فما هي تلك الافكار والصور التي تترسخ في ذهن ووجدان طفل أي طفل لتكونه وتجعله مغايرا ..وهل للتركيب الفسلجي والبيلوجي علاقة بذلك .. حين سألت البريكان مرة عن سر كتاباته عن الموت ووصفه نفسه بانه شاعر الموت اجاب بان حادثة موت اخيه الصغير يكمن السر وراء ذلك لكن عددا لا يحصى شهد حوادث موت لصغار مقربين وظلت فكرة الموت لا تقلقه فما السر اذن ...يحاول كويو بروايته القناع ان يجيب :
( ما من شك في ان صورة ما رايت انذاك قد اكتست معنى جديدا , في كل مرة من المرات التي لا حصر لها والتي اعدت النظر فيها من خلالها تكاثف زخمها وتركزت في بؤر النظر , لانه عبر المنظور الغامض والضبابي لذلك المشهد لم ينتصب شيء في جلاء يختل تناسبه مع باقي مكونات المشهد بقدر ما بد ذلك الشخص المقبل منحدرا عبر التل ,ولم يكن ذلك بدون سبب فقد كانت هذه الصورة ذاتها اولى الصور التي قدر لها ان تواصل تعذيبي وبعث الذعر في نفس طوال عمري ) .
لكن لماذا شكل ذلك المشهد لشخص ينحدر من تل , يجمع السماد البشري وهو يحمل نيرا مثقلا بدلوين يوازن ثقلهما باقتدار بخطواته , كشفه الاول لقوة معينة ؟!
سيحاول الكاتب الاجابة وتحليلا لمدى تاثير هذا المشهد ومشاهد اخرى ستصادفه وستؤدي به شخصيا الى الانتحار الشخصي بصورة مرعبة .
(شعرت حيال مهنته < جامع فضلات البشر > بشيء يحاكي اسى نفاذا اسى يصهر البدن راودني الشعور بالمأساة باكثر معاني الكلمة حسية شعور معين بالتخلي عن الذات شعور بالحميمية مع الخطر ..) من هنا تبدأ الساماراوية بالتجلي : الانتحار لحظة الخطر , عدم الاستسلام والتراجع ..حتى في قراءاته المبكرة يستقطبه الموت فحين قرأ لاندرسون تجاذبته قصة - عفريت الورد ـ حيث فتى جميل يطيح برأسه شرير مستخدما السكين - ... ومن قصص وايلد تأسره قصة الصياد وروحه التي تسجل جثة صياد شاب القتها الامواج على الشاطيء ..ورغم ان الطفل في الرواية قد تستقطبه صور للجمال والفكاهة الا ان قلبه ميال لمشاهد الموت والدم اكثر من سواها .
ويصادف ان يطلع الطفل على لوحة القديس سباستيان للمصور جيدو رينيه فيصف جذع شجرة الاعدام في غابة كابية وشابا وسيما عاريا مقيد الى الجذع ,مخمنا ان اللوحة مشهد لاستشهاد احد المسيحيين : ( ما ان تطلعت الى اللوحة حتى انتفض كياني كله بفرحة طاغية ) .
كورماك وروايته الطريق فاجعة نهاية العالم
توفي قبل حوالي اسبوع الروائي الامريكي المسرحي والسينارست مكارثي عن عمر ناهز 89 عاما (1933 ــ 2023 )..بعد ان انتج 12 رواية . عمل في مهن عدة منها التعليم والميكانيك ودخل الطيران لكنه ضاق ذرعا بالثكنات فترك وظيفته .. عاش شبه متشرد شطرا من حياته وذلك ما صوره في روايته في 600 صفحة , وكان يرفض الظهور الاعلامي حتى انه رفض عرضا بالاف الدولارات مقابل محاضرات حول ادبهفي احدى الجامعات , مفضلا ان يتناول الفاصوليا على ذلك .اولى رواياته اعقبها ب < خارجا من الظلام >1979. لم يستجب القراء والنقاد لتلك الروايات .. سنة 1992 صدرت روايته - كل الخيول جميلة - فحصدت مبيعات عالية .
سنة 2006 كتب روايته (الطريق ) التي نالت جائزة بوليتزر ... وهي تتحدث عن كارثة اصابت العالم فدمرته .. يرويها رجل يتقدم باتجاه الساحل مستصحبا نجله الصغير ..كل شيء في الرواية يجسد الموت والظلمة واليأس والدمار ..
في الطريق قال لها <نحن من الناجين > فاجابته (بل نحن موتى يمشون في فلم من افلام الرعب )..وقدم لها املا بان -سيفعل أي شيء لاجلها - فاجابته : ( مثل ماذا ؟ لديك رصاصتان ولا تتمكن من حمايتنا ..آجلا او عاجلا سيقبضون علينا -اكلة لحوم البشر - وسيغتصبوننا وياكلوننا وانت لا تكترث وتفضل الانتظار ).. واضافت <اعتدنا التحدث عن الموت , لانه لم يبق شيء للحديث عنه وبان لها عشيقا هو الموت : لقد انتهيت وانتهى فؤادي الجامح وانا منذ زمن طويل , انت تتحدث عن اتخاذ موقف لكن ليس هناك موقف.. لقد نزع فؤادي مني في الليلة التي ولدت فيها ,لذا لاتطلب مني الحزن الان .. لا يوجد اثر له ).
يتقدم الرجل وابنه ورغم شدة الفاجعة فان لمسات انسانية تتدفق بينهما .. في جو مرعب هذا مثال عليه : (تابعا سيرهما بخطوات ثقيلة وقد هزل جسداهما واتسخا
كمدمني الازقة. لفا نفسيهما ببطانياتهما في مواجهة البرد وأنفاسهما تتصاعد وهما يشقان طريقهما عبر أكوام الرماد السوداء الناعمة. عبرا السهل الساحلي العريض حيث ألقت الرياح السرمدية بهما في خضم غيوم من الرماد ليبحثا عن جسر على جانب الطريق. كانا يلفان بطانياتهما حول رأسييهما وبدت سماء الظهيرة السوداء مثل زنزانات الجحيم. ضم الصبي الذي نخر البرد عظمه إليه وقال له: لاتيأس. سنكون على ما يرام.
عندما أفاق مرة أخرى كان الظلام لم يزل مخيما لكن المطر قد توقف. بدا نور مصحوب بدخان في الوادي. نهض وتجول على امتداد السفح. تبدى ضباب رقيق ناتج من حريق امتد عدة أميال. قرفص وتمعن فيه. كان بإمكانه أن يشم رائحة الدخان المنبعثة, بلل إصبعه ورفعها عكس الريح. عندما انتصب واقفا واستدار ليعود بدا الضوء من داخل المشمع حيث أفاق الصبي.. ومن حيث استقر في الظلمة ظهرت الزرقة كأنها خطوة في مغامرة أخيرة في طرف العالم، عالم كل ما فيه غير قابل للتفسير. وهكذا كانت الامور.).
لكن الكاتب قد يصيبك بالملل لان الاحداث والمشاهد متشابهة الا ان مقدرته الشعرية الفائقة تنقذ النص من الرتابة وتسحك لتكمل القراءة ..
(أمضيا اليوم التالي بكامله ينتقلان عبر الضباب المتحرك الناتج من دخان الحرائق. في المناطق المفتوحة المحروقة كان الدخان يتصاعد من الارض كالضباب، والاشجار السوداء النحيلة تحترق على المنحدرات كأنها قواعد لشموع وثنية. وصلا
فيما بعد في أثناء النهار إلى مكان عبرا فيه الحريق الطريق إذ لم تزل الحصباء ساخنة وبدأت بعد مسافة تلين تحت أقدامهما.
بدأ القار الاسود الحار يجذب نعالهما ويتمدد في موجات رقيقة تحت وطأة أقدامهما. توقفا. قال الرجل: علينا أن نتوقف.).
اشتهرت روايته لا موطن للمسنين الذي يعالج فيه ازمة الشيخوخة ..ومن الغريب انه لم يحصل على جائزة نوبل التي رشح لها .
كورماك مكارثي الذي صرح - لا تستقطبني الا روايات تتحدث عن الموت > بعد ان اهمله النقاد وجفاه القراء اصبح يستقطب ملايين المتابعين لادبه حول العالم .
تثقيب القوقعة ج6 الروائية كولين هوفر
كولين هوفر التيك توك وراء شهرتها الكاسحة.
روائية امريكية مواليد 1979 متخصصة بادب الاطفال .
جذبت مليون متابع على تيك توك وبيع 20 مليون كتاب لها وتحولت من كاسبة الى مهيمنة في سوق المشتريات .
صرحت : (قرأت كتب الآخرين، وأنا أشعر بالحسد الشديد منها، أفكر أنها أفضل بكثير من كتبى ، وان القراء يتحكمون في ما يتم بيعه الآن ".
ان نجاح هوفر وفقا لنيويورك تايمز هو أن العديد من أكثر الكتب مبيعًا لها تم نشرها منذ سنوات، وعلى الرغم من أن لديها بالفعل قاعدة معجبين راسخة، إلا أن شعبيتها على تيك توك أثناء فترة انتشار كورونا جعلتها واحدة من أكثر الأسماء التي تحدث عنها القراء الذين اكتشفها الكثيرون منهم لأول مرة.
تقول في روايتها الثانية( حقيقة )- تقع ب 250 صفحة - : ( يكون زواجك ناجحا من كل النواحي ولكن ما ان يبدأ الجنس بالذبول , تتأثر مباشرة الاجزاء الاخرى من العلاقة -كولين ) .
الرواية التي تبدأ بدهس شاحنة لـشخص استعجل بعبور الشارع وتناثر دمه على قميص بطلة الرواية الكاتبة الفقيرة المغمورة (لوين آشلي)..التي تلقت عرضا من زوج الكاتبة فيرتي كروفورد، لإكمال الكتب المتبقية في سلسلة ناجحة لا تستطيع زوجته المصابة إنهاءها . فتذهب لوين الى السكن في منزل الكاتبة المشلولة الفاقدة للإحساس بكل من حولها، مع زوجها وإبنها الصغير وهناك عن طريق الصدفة تعثر على مذكرات فيرتي المكتوبة بكل مصداقية فتقلب الاحداث رأساً على عقب.
هنالك الكثير من المشاهد الجنسية التي وظفتها الكاتبة لتسليط الضوء على اسلوب التفكير الذي يتميز به المصابون بالاضطراب النفسي فلم تكن قصة حب فيرتي لزوجها جيرمي كروفورد الا محاولة للتملك أكثر من كونه حبا. لقد كشفت فيرتي بمذكراتها الاعترافية الجانب المظلم من حياتها الذي كانت تستره عن زوجها وظلت عائلتها تعاني من نكبات متسلسلة .
فنرجسيها وحبها للتملك تدفعها الى محاولة قتل بناتها لانهن شاركنها بقلب زوجها حسب قولها، فتعاملت معهن كأنداد لها و وتسببت في موت واحدة منهن وقتلت الأخرى.
كتبت كوفين روايتها ابان جائحة كورونا في مقطورة سكنتها مع زوجها وابنائها الثلاثة ولم تكن تملك حاسوبا فكتبت روايتها باستعارته من امها .
ان اشهر روايات كولين هوفر: (تنتهي معنا ) وهي رواية عاطفية تتمحور حول بائعة ازهار وجراح اعصاب في علاقة يسودها العنف المنزلي . وقد استوحت فكرة الرواية من تجربة والدتها المريرة حسب قولها .
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬
تثقيب القوقعة ج 7 وفاة الروائي باسكال مورسييه
باسكال مورسيه وروايته قطار الليل الى لشبونة
قبل ايام توفي الشاعر والروائي السويسري بيتر بيري - مورسيه (م 1944 ـ 2023).. الذي لم تجذب النظر الروايتان اللتان نشرهما هذا الفيلسوف ,الا انه حصد نجاحا مبهرا في روايته الثالثة (قطار الليل الى لشبونة) -572 صفحة - والتي تبدا مع معاناة البطل الذي اخطا لغويا وهو المتبحر باللغات اثناء الدرس , هذا الخطا الذي شغل جميع من في المدرسة لايام وايام وكلما اتسع النقاش حول الموضوع زاد عدد المعتقدين بانهم اخطاوا السمع .. بعدها : ( نظر غريغوريوس الى متحف بيرن التاريخي المائل بابراجه الحادة ثم رفع بصره الى الغورتن وخفضه بعد ذلك الى نهر الآربمياهه الخضراء المتجمدة فيما كانت الريح تعصف بشدة وهي تطرد من فوقه الغيوم المنخفظة وتتلاعب بمطريته وفي تلك اللحظة لمح امراة في منتصف الجسر كانت متكئة على الحاجز تقرا ما بدا له رسالة تحت المطر المنهمر بغزارة وهي متشبثة بالورقة بكلتا يديها عندما اقترب منها غ طوت الورقة فجاة ودعكتها في شكل كرة وبحركة عنيفة رمتها في الفضاء عنده اضطر لا اراديا الى ان يسارع في مشيته حتى اصبح على بعد خطوات منها لمح وجهها الشاحب المبلل بالمطر وقد علاه غضب شديد لم يكن من ذلك الغضب السهل تصريفه في شكل صرخات عالية ما يلبث ان يتبدد بعدها بل كان غضبا داخليا غضبا مكبوتا ما يزال يحترق منذ فترة طويلة دون لهب ) .هذا المقطع الذي يتصدر روايته يؤكد مقدرته السينمائية التي تحولت الى فلم سنة 2013.
ولد باسكال بمدينة بيرن السويسرية و حصل على الدكتوراه 1971 في فلسفة الوقت , عمل استاذا في الجامعات الالمانية و تركزت ابحاثه على نظرية المعرفة والفلسفة التحليلية .. اتقن اللغة اليونانية والفرنسية والانكليزية والعبرية والسنسكرتييه ودرس الروسية والعربية .
فضلا عن الاطروحات الاخلاقية واللغوية في الرواية ودور اللغة في حياة الانسان تتناول الرواية اسئلة حول تعدد الذات ومدى استخدام الانسان منها (اننا لا نعيش الا بجزء من صغير من دواخلنا فما مصير بقية الاجزاء ؟ ).
ان البطل في الرواية العالم غريغوريس يشرع برحلة استكشاف بعد عمل لخمسين عاما , كمدرس منضبط , يمضي باحثا عن البرتغالي اماديو صاحب كتاب (صائغ الكلمات ) وهي رحلة للكشف عن اسرار الذات .
(نحن نكتب الاشياء ذاتها ونردد الكلمات نفسها , والاستعارات ذاتها , والاسوا من هذا كله هو انني حين اصغي لنفسي اجدني مثل كل الناس اردد الاشياء الابدية ذاتها , انها مستهلكة وذاوية بشكل رهيب ).
تثقيب القوقعة ج8الروائي ميلان كونديرا
اعلن من ايام عن وفاة الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان عن عمر 94 ..الدواوين الثلاثة التي نشرها لم تثر اهتماما ... لكنه حقق نجاحاحته في مجال السرد رواية وبحثا نقديا .. جرد كونديرا من جنسيته الاساسية واستعادها بعد 40 عاما .. وقد حمل الجنسية الفرنسية منذ 1981.. في تشيكيا صدرت له روايتان : ( الدعابة و غراميات مرحة 1968 )..اصبح من المرفوضين في بلده وبعد ربيع براغ غادر سنة 1975 مع زوجته فيرا نجمة تقديم البرامج بالتلفزيون التشيكي ,ليستقر بفرنسا .
كتب كونديرا لصحيفة لوموند بعد ان نشر كتابه : ((لقد افلست اوربا لانها لم تعرف كيف تفكر في الرواية كوحدة تاريخية ويتهم النقد بالفشل في التخلص من الجغرافيا )).
اشهر رواياته - وجود لا تحتمل خفته 1984- يعالج فيه احداث ربيع براغ والروح والجسد وموضوعة الخفة والثقل أي الاحساس بالمسؤولية والتخلي عنها .. وهو يرتكز بكثير من اطروحاته على فكرة للفيلسوف نيتشة .. وتقع الرواية في سبعة اجزاء ..تدور احداثها سنة 1986خلال اجتياح الاتحاد السوفيتي لبراغ .
لقد تزوج البطل الطبيب توماس من تريزا التي اعتبرها رمزا للثقل فيخونها مع سابينا التي تمثل الخفة .. وهو يبرر تلك الخيانة ما دام حبه لزوجته قائما..في النهاية عندما يتحرر من الثقل ويبلغ اسلوب الخفة يرى البطل نفسه وحيدا وضائعا فيتوق للعودة لزوجته التي هجرته .
(لا يمكن للانسان ابدا ان يدرك ماذا عليه فعله لانه لا يملك الا حياة واحدة لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا اصلاحها في حيوات لاحقة ... ايهما افضل : العيش مع تيريزا ام البقاء وحيدا . ).
من روايات الكاتب : <كتاب الضحك والنسيان 1963 - البطء -الخلود 1988 -غراميات مضحكة .. وغيرها ).
لقد اطلق اسمه على الجرم السماوي 7390 المكتشف 1983... ومات وفي ضميره غصة لانه لم يمنح نوبل التي يستحقها .
اعلن من ايام عن وفاة الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان عن عمر 94 ..الدواوين الثلاثة التي نشرها لم تثر اهتماما ... لكنه حقق نجاحاحته في مجال السرد رواية وبحثا نقديا .. جرد كونديرا من جنسيته الاساسية واستعادها بعد 40 عاما .. وقد حمل الجنسية الفرنسية منذ 1981.. في تشيكيا صدرت له روايتان : ( الدعابة و غراميات مرحة 1968 )..اصبح من المرفوضين في بلده وبعد ربيع براغ غادر سنة 1975 مع زوجته فيرا نجمة تقديم البرامج بالتلفزيون التشيكي ,ليستقر بفرنسا .
كتب كونديرا لصحيفة لوموند بعد ان نشر كتابه <الوصايا المغدورة > : ((لقد افلست اوربا لانها لم تعرف كيف تفكر في الرواية كوحدة تاريخية ويتهم النقد بالفشل في التخلص من الجغرافيا )).
اشهر رواياته - وجود لا تحتمل خفته 1984- يعالج فيه احداث ربيع براغ والروح والجسد وموضوعة الخفة والثقل أي الاحساس بالمسؤولية والتخلي عنها .. وهو يرتكز بكثير من اطروحاته على فكرة <العود الابدي > للفيلسوف نيتشة .. وتقع الرواية في سبعة اجزاء ..تدور احداثها سنة 1986خلال اجتياح الاتحاد السوفيتي لبراغ .
لقد تزوج البطل الطبيب توماس من تريزا التي اعتبرها رمزا للثقل فيخونها مع سابينا التي تمثل الخفة .. وهو يبرر تلك الخيانة ما دام حبه لزوجته قائما..في النهاية عندما يتحرر من الثقل ويبلغ اسلوب الخفة يرى البطل نفسه وحيدا وضائعا فيتوق للعودة لزوجته التي هجرته .
(لا يمكن للانسان ابدا ان يدرك ماذا عليه فعله لانه لا يملك الا حياة واحدة لا يسعه مقارنتها بحيوات سابقة ولا اصلاحها في حيوات لاحقة ... ايهما افضل : العيش مع تيريزا ام البقاء وحيدا . ).
من روايات الكاتب : <كتاب الضحك والنسيان 1963 - البطء -الخلود 1988 -غراميات مضحكة .. وغيرها ).
لقد اطلق اسمه على الجرم السماوي 7390 المكتشف 1983... ومات وفي ضميره غصة لانه لم يمنح نوبل التي يستحقها .
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟