لا ثقةَ إسلاميّاً بامرأةٍ مطلقة !

إلزا ساسين

الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 18:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يعتقد المسلم أن كل النساء فاجرات بالطبيعة ، و أنه ما من امرأة إلا و تنطوي في دخيلة نفسها على استعداد لممارسة الجنس مع أيِّ عابر سبيل ، و الأمر مرهون فقط بالاقتراب منها ، لاكتشاف نقطة ضعفها والولوج إلى عالمها الداخلي ، فلكل امرأة مفتاح شخصيتها كأنثى . و أنه ما أن تجد المرأة فرصة للإفلات من الرقابة و الوصاية الذكورية ، حتى تطلق لغريزتها الجنسية العنان ، بلا أية ضوابط أخلاقية تحكم سلوكها الذاتي ، و تستسلم لنزواتها الشهوانية ، و تنغمس في شتى المغامرات العاطفية و الجنسية مع من هب ودب ، من الرجال الصيادين المتربصين جنسياً بالنساء الطرائد ، أو هي لا تصمد طويلا أمام مطاردة الرجال لها و محاولاتهم استمالتها والإيقاع بها في حبائلهم ، لغرض (ارتكاب الفاحشة) معها .
و لأن الشريعة الإسلامية أعطت للزوج المسلم الحق التام ، غير القابل للتبرير في تطليق الزوجة ؛ فله أن يطلقها متى شاء ، بإرادته المنفردة ، وله - أيضا - أن يعيدها إلى عصمته (ملكيته) خلال فترة العدة ، دونما حاجة إلى موافقتها !
ولأن الطلاق يقع فورا بمجرد أن ينطق الرجل كلمة شفوية واحدة ، تحتوي حروف : (ط ، ل ، ق) ، كأنْ يقول لها : أنتِ طالق أو أنتِ مطلقة أو أنت طليقة السراح ، أو حتى ما يقصد به نفس المعنى كقوله : أنت حرة نفسك ؛ فقد كان لابد من إحكام طوق الرقابة (الأخلاقية) الذكورية حول المرأة المطلقة ، حتى لا تجد أمامها أية فرصة لممارسة الجنس - خارج الزواج - خلال فترة العدة ، وذلك منعا لفرضيّة حملها من رجل آخر غير الزوج الذي طلقها ، فيُنسب إليه ابن هو ليس ابنه البيولوجي .
فإذا طلق أو أراد الرجل المسلم أن يطلق زوجته ، فله عليها أن يستبقيها في بيته فلا تخرج منه ، و لها عليه النفقة ، إلى أن تكمل عدة الطلاق الرجعي ، فتظل بذلك تحت رقابته المباشرة و رقابة أهله ، ضمانا لعدم ارتكابها خطيئة ممارسة الجنس (الفاحشة / الزنى) أثناء فترة العدة ، وتحسبا لاحتمال حملها من رجل غيره . فعن ابن عباس : " لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن " . فالمرأة المطلقة لا تخرج من بيتها ، ما دام لزوجها عليها رجعة الطلاق ، و هي في عدة .
ففي نص من القرآن : " فطلقوهن لعدتهن ، و أحصوا العدة ، و اتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " (سورة الطلاق : 1) .
و ليس للمرأة المطلقة طلقة رجعية ، أن تخرج من بيت مُطلِّقها ، إلا بعد أن تتم العدة و يتأكد له (طهرها) . و مدة العدة هي ثلاثة حيضات ، لمن تحيض من النساء : " وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم " (سورة البقرة : 228) ، أو ثلاثة أشهر لمن لا تحيض ، سواء لكبر السن أم لعدم البلوغ : " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن " (سورة الطلاق : 4) .
فالمرأة المطلقة طلاقا رجعيا ، يجب حبسها في بيت الزوجية ، و لا يجوز لها الخروج منه ، إلى إن تكمل عدة الطلاق و تطهر من العدة ..
فأما النهي عن إخراجها من البيت ، فلأن المسكن يجب على الرجل لطليقته ، لتكمل فيه عدتها ، التي هي حق من حقوقه . و أما النهي عن خروجها ، فلأن في ذلك صونا لنسب الرجل وضمانا لنقاء نسله .
و لم نأت بشيء من عندنا ، بل : " و تلك هي حدود الله ، و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " ( سورة الطلاق : 1) . فما تحاط به المرأة المطلقة من تضييق اجتماعي على حريتها ، باعتبار أن الأنثى ليست أكثر من مهبل يمشي على قدمين ؛ إنما هو نتيجة لثقافة ذكورية سائدة ، تجد تبريرا لها في النص المقدس . و لا أظن أن المرء بحاجة إلى مزيد من الكلام للتدليل على مدى النظرة التبخيسية للمرأة ، و الطعن في أخلاقها من حيث المبدأ و على وجه الإطلاق .
و بوضع تلك النظرة النمطية للمرأة المطلقة جانبا ، فإنه إذا اتفقنا على أن علوم و معارف اليوم ، هي غير علوم و معارف الأمس البعيد ؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : طالما أن المسألة تتعلق بالتأكد مما إذا كانت المرأة المطلقة حاملا أم غير حامل ؛ فلماذا حجز المرأة في الحبس المنزلي ، أو منعها من زواج جديد لمدة ثلاثة أشهر بعد طلاقها من زواج سابق ، في حين أنه قد صار بالإمكان التأكد من الحمل - وجودا من عدمه - بإجراء كشف طبي لا يستغرق سوى بضع دقائق ؟
ولا يفوتنا ختاما ، أن نشير بإصبع الإدانة والرفض ، إلى ما تنطوي عليه كلمة (مطَلّقة) من إهانة معنوية للمرأة (المنفصلة) عن زواج سابق ؛ نظرا لما تحمله كلمة (مطَلّقة) من دلالة النبذ والاستغناء والوصم الاجتماعي ، في الثقافة البطريركية لمجتمع الذكور ، تمييزا جندريا ضد النساء ، و انعكاسا نمطيا للتفكير الاستعلائي الذكوري البدوي في مفردات اللغة العربية ، المربوطة بحبل سُري مع المقدس الإسلامي .

#إلزا_ساسين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات