الثانية الأولى من الإنفجار الكوني

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)

الحوار المتمدن-العدد: 8075 - 2024 / 8 / 20 - 02:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
٩ - سيناريو كيفية تكون العالم

ومنذ الإنفجار الكبير يعتقد أغلب علماء الفيزياء اليوم أن الكون مر بثلاثة مراحل في تكوينه، والجزء الغامض من هذه المراحل والذي يعتبر مبهما وليس معروفا هو جزء من الثانية الأولى بعد الانفجار مباشرة، وهي الفترة التي كان فيها الكون شديد الحرارة بحيث كانت الجسيمات الأولية ذات طاقات عالية جدا تفوق ما وصلت إليه معجلات الجسيمات Particle accelerators التي تستخدم في معامل الفيزياء المتطورة اليوم، وهذا الجزء الضئيل من الثانية والذي يسميه يسميه البعض عصر بلانك، هو أقرب ما يمكن للفيزياء الحالية الوصول إليه من البداية المطلقة للزمن، ولا يمكن معرفة سوى القليل جدًا عن هذه الفترة. تقترح النسبية العامة وجود تفرد جاذبية gravitational singularity قبل هذا الوقت والتي تسبب في إنتفاخ وتمدد المادة، ويُفترض أن القوى الأساسية الأربع (الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية القوية والجاذبية) لها نفس القوة، وربما تكون موحدة في قوة أساسية واحدة، متماسكة معًا من خلال تناظر مثالي شبهه البعض بقلم رصاص حاد يقف على طرفه (أي متماثل للغاية بحيث لا يدوم). في هذه النقطة، يمتد الكون على مساحة ضئيلة للغاية، ربما مجرد نقطة، ودرجة حرارته مرتفعة للغاية (درجة حرارة بلانك).. وبناء على ذلك فالمواصفات الأساسية التي وصل العلم إليها اليوم عن الانفجار العظيم إنما هي مبنية على الظن والافتراض إلى جانب مشاهداتنا العملية للكون ومحاولة مطابقتها مع هذه الفرضية. وبعد مرور ذلك الجزء من الثانية الأولى بدأ الكون يتشكل ويتطور طبقا لما هو متوفر من المعرفة والعلوم في أطار فيزياء الطاقة العالية. وتمثل هذه المرحلة الفترة التي تكون فيها أول البروتونات، والإلكترونات والنيوترونات، وكونت هذه أنوية وذرات. وبتكون الهيدروجين المتعادل كهربائيا ظهر ما يسمى إشعاع الخلفية الميكروني الكوني والذي يمكن قياسه اليوم بأجهزة تكنولوجية متطورة وحديثة. وهذا الإشعاع الذي ملأ الكون وله القدرة على الإنتقال عبر الفضاء والذي يعتبر من بقايا هذا الكون المبكر الذي كان في قيد التكوين، يسمى "إشعاع الخلفية الكونية الميكرويفي cosmic microwave background radiation - ويتم إختصاره عادة بـ CMBR.
باستخدام نظرية الانفجار العظيم، يمكن تقسيم الكون إلى عدة مراحل من التطور. أولاً، كان هناك ما يسمى بـ "تفرد أولي initial singularity" حيث تم "احتجاز أو محاصرة - trapped" كل طاقة وزمكان spacetime الكون في بقعة شديدة الكثافة والحرارة. في هذه المرحلة، ما يمكن أن نسميه التضخم الكوني cosmic inflation، يُعتبر بداية التوسع الأسي أو الإضطرادي exponential الفائق السرعة للكون. أسّسََ التضخم الكوني أيضًا الخصائص الأولية للكون كما يظهر للعلماء اليوم. في هذه المراحل الأولى الشديدة البعد، تتحد الكواركات quarks لتكوين الهادرونات hadrons والإلكترونات والبروتونات لتكوين النيوترونات والنيوترينوات neutrinos، وتتشكل النيوترونات والنيوترينوات مرة أخرى في أزواج جديدة من البروتونات والإلكترونات، إلخ.
ومع زيادة برودة الكون، ارتبطت البروتونات والنيوترونات بأنوية ذرية خفيفة من العناصر مثل الهيدروجين والهيليوم والليثيوم. يُطلق على هذه الظاهرة اسم التخليق النووي للانفجار العظيم (Big Bang Nucleosynthesis (BBN، وقد حدث في الفترة ما بين 10 ثوانٍ إلى 20 دقيقة تقريبًا بعد الانفجار العظيم. نشأت الذرات والفوتونات المحايدة في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بعد ذلك بقليل، في فترة تسمى "إعادة التركيب - recombination". بعد حوالي 20 دقيقة، انخفضت درجة حرارة وكثافة الكون إلى النقطة التي لم يعد من الممكن أن يستمر فيها الاندماج أو الإنصهار النووي. مع استمرار انخفاض درجة حرارة وكثافة الكون، استحوذت ذرات الهيدروجين والهيليوم المؤينة ionized على الإلكترونات لتكوين ذرات محايدة. ومع ارتباط الإلكترونات الآن بالذرات، أصبح الكون أخيرًا شفافًا للضوء. في الوقت نفسه، تحررت الفوتونات من تفاعلها مع الإلكترونات والبروتونات مما يمكنها من التحرك بحرية. هذه هي الفوتونات التي يمكننا اكتشافها في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي CMBR والتي يمكن قياسها بدقة بالأجهزة الحديثة. ثم هناك فترة يشار إليها غالبًا باسم "العصور المظلمة - dark ages" لأنه في هذه المرحلة، كانت الذرات الأولى قد تشكلت، لكنها لم تندمج بعد لتكوّن النجوم. وعلى الرغم من وجود الفوتونات، لم تكن هناك نجوم تصدر ضوءًا مرئيًا. وظل الأمر على هذا النحو حتى تشكل النجوم الأولى، بعد حوالي 400 مليون سنة تقريبيا من الانفجار العظيم. وتسمى هذه الفترة أيضًا إعادة التأيّن re-ionization. في هذا الوقت، انهارت مناطق أكثر كثافة من الغاز تحت تأثير جاذبيتها الخاصة وأصبحت كثيفة وساخنة بما يكفي لتحفيز تفاعلات الاندماج النووي بين ذرات الهيدروجين وتكوين النجوم والمجرات. أعاد الضوء فوق البنفسجي المنبعث من تشكل النجوم هذا تأين غاز الهيدروجين المحايد المحيط، مما تسبب في أن يصبح الكون شفافًا للضوء فوق البنفسجي.
كانت النجوم الكبيرة الحجم قصيرة العمر، وبمرور الوقت تشكلت نجوم أصغر، بينما انهارت أحجام أكبر من المادة لتشكل مجرات وعناقيد وعناقيد فائقة من المجرات. وعندما نصل إلى الوقت الحاضر، نلاحظ أنه هناك توسع وتمدد متسارع للكون وأن النجوم والمجرات تزداد إبتعادا بعضها عن بعض. وفقًا لبعض الحسابات، دخلنا هذه الفترة منذ حوالي 5 مليارات سنة، ولا نعرف حقًا إلى أين ستأخذنا في المستقبل، هذا إذا كانت هذه الفرضية صحيحة.

#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات