رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8074 - 2024 / 8 / 19 - 02:53
المحور:
الادب والفن
الشاعر والقصة في "أم ثكلى"
علي البتيري
"أمٌّ ثكلى في غزة صاحت
من قاع القلب بأمتها الإسلامية
يا أهل الإسلامِ لِمَن
عندٕ أذان الفجر تصلون
وماذا بين الركعة والسجدةِ
لله تقولون..
والأطفال بحي الزيتونةِ
ما بين ركام وركام يحترقون
أو تحت الأنقاض يموتون ؟!
نحن هنا نحتسب إلى الله
ونسأل عنكم آلاف المرات
بالله عليكم
هل قلب الأمة بالسكتةِ مات؟"!
حجم الضغط الواقع على الشاعر يجعله يتجه للكتابة من الخارج، الشاعر (العليم)، وكأنه بهذه الصيغة يحرر/يبعد نفسه ـ ولو قليلا ـ عن الحدث، لكنه في الحقيقة يكون مكتويا بنار الأحداث، بنار الواقع، ولهذا الاستخدام مبررات/فوائد، حيث يمنح الشاعر نفسه فسحة ليكون (خارج) الحدث/الواقع، ومن ثم يخصله من الانفعال ويبعده عن الصوت العالي، وهذا ما فعله الشاعر "علي البتيري" في قصيدة "أم ثكلى" حيث قدم لنا قصة بصيغة شعرية، نجد فيها المكان، الأشخاص، الأحداث، وصوت البطلة، وهذا المزج بين فنية الشعر والقصة ما كان ليكون دون (تحرر) الشاعر من الواقع وكتابته القصيدة من (الخارج).
يفتتح الشاعر القصيدة من مشيرا إلى الأم وإلى مكان الحدث:
"أم ثكلى في غزة صاحت
من قاع القلب بأمتها الإسلامية"
نلاحظ أن الشاعر (يؤخر كلام/حديث/قول الأم، ويركز على عناصر تجذب القارئ/المستمع المتلقي من خلال وصف مشاعرها "من قاع القلب" ومن خلال تذكيره بأنه يتشارك مع الأم في الانتماء "بأمتها الإسلامية" وبهذا يكون الشاعر قد حفز ذهن المتلقي لما ستقوله الأم الثكلى التي تتحدث من قلبها، وتخاطب قومها، من يتشاركون معها في الدين:
"يا أهل الإسلام امن
عند أذان الفجر تصلون
وماذا بين الركعة والسجدة
لله تقولون.."
يستوقفنا هذا الكلام لأنه جاء بصيغة جاذبة للمتلقي، فهو متعلق بالمؤمنين/العابدين/المصلين، فهي تخاطب النخبة/الخاصة الذي يصلون الفجر، وهذا ما يعطي كلامها/قولها أهمية وجعله محط اهتمام، ونلاحظ أن طريقة حديثها/خطابها يمهد لحديث بعده، فهي لم تنهي ما تريد طرحه:
"والأطفال بحي الزيتون
ما بين الركام وركام يحارقون
أو تحت الأنقاض يموتون!؟"
الحدث الذي تقدمه الأم الثكلى صادم/مثير/مدهش، فهناك أطفال يحترقون ويموتون، كما أنها تختزل وتكثف صورة ما يجري من خلال "تكرار" ركام، الأنقاض" وهي بهذه الألفاظ أشارت إلى التدمير ونسف المباني وتفجير البيوت التي تأوي الأطفال، وبما أنها لم تتحدث عن الآباء ولا عن الأمهات وهذا يشير إلى غيابهم قتلا أو أسرا، بمعنى أنها الباقية حيا مع قلة قليلة.
وإذا ما توقفنا عند كلام الأم السريع والقليل حجما والعظيم مضمونا، نصل إلى أنها تبتعد عن الشرح والخوض في التفاصيل، بسبب سرعة قدوم الموت وكثرة التدمير البيوت وتفجيرها، فالظرف/الواقع يفرض عليها السرعة والاختزال في الحديث، وعلى المتلقي أن يفهم السبب من وراء هذا الأمر.
تنهي حديثها قائلة:
"بالله عليكم
هل قلب الأمة بالسكتة مات!؟"
وهنا نجد تكثيف ما هو مكثف، فبدا سؤالها وكأنه الزبدة/الخلاصة، وبما أنه سؤال صادم/مُوجع/كاشف نصل إلى ضرورة الإسراع في إنقاذ الأطفال ومن تبقى من الأمهات، وهذا طبعا يقع على عاتقنا نحن المستمعين لقصتها ولحديثها.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟