أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهى الصباغ - كرم فائض من الأكفان، بوفرة بحر غزّة..














المزيد.....

كرم فائض من الأكفان، بوفرة بحر غزّة..


سهى الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 23:37
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تمرّ في مكان يدلّونك عليه،
يقولون أنه يوصلك إلى الخارج. تمشي. هو يشبه نفق من أنفاق المدينة. لكنه لا يُشبههم. الحجارة فيه مُكدّسة. تلتقي بفتيان يمرّون، لكن تشكّ أن الأمام غير "مسدود" بسبب تكدّس الحجارة. تعود إلى الوراء. أصلا كيف وصلت إلى هذا الوراء؟! كنت تمر من أمام إحدى صالات السينما، دخلت حينها، وقالوا أن هناك عرض لفيلم جديد، قلت لنفسك، وأنا ما دَخلْي بمشاهدة أفلام جديدة، الجوّ قابض، هل هو مُهيّأ لذلك؟! نعم، كل هؤلاء أمامك، يريدون الدخول لمشاهدة الفيلم، وهم لو عَرِفوا أنك مُتردّدٌ، بل تطرح السؤال، بل تستغرب، بل.. لا لن يصل بك الأمر أن تستنكر. أنت غير مرئي حتى الآن.. لو عرفوا بك يا هذا لكانوا افترسوك، لا أعرف كيف، ربّما ضربوك بوحشيّة، أو أتت واحدة من نساء المجتمع المدني، ونفشت شعرها وكشّرت عن أنيابها، ورَعَدَت وزَبَدَت.. أنت الآتٍ من الأدغال. لكنك لا تعرف الأدغال. حسناً أنت المتوحّش المجنون.. آه، فَهِمت فَهِمت..
أنت الآتٍ من الشعر، سيعتبروك آتٍ من قصيدة رقيقة..  لا أعرف.. هوّنها عليّ، بأقل تقدير يا أنت، كنت ستختنق أو تُخْنَق، يا كاره الحياة والأفلام.
أجواء العالم في هذه الأيّام، خاصّة بالبلاد التي كتبت في هويّتها أنها متحضّرة، ومن يُقلٍدها في بلاد أخرى، هناك مهرجانات. صرف أموال كثيرة يا أنت، وكل شيء يلمع، أنت مجبورٌ أن تضحك، أن تفرح.. يا سلام.. لا تعرف من أين أتوا بفرح وسعادة لم تجد لها طريق أمامك. هذا سبب آخر لِيُهشّموكَ، أنت الذي لا تعرف حبّ الحياة ولم تمرّ من أمامه..مع أنّك آتٍ من قصيدة.. لا أعرف لا تسألني وتُصعّب الأسئلة عليّ. المهم أنك.. أنك..
بكل الأحوال لنعود إلى ما كنت عالق به. مكان مغمور بالحجارة، تشعر وكأنك لو كنت بين أمواج البحر وستغرق، لكن هنا، الأمواج حجارة، سوف تغرق بالحجارة.
رأيتَ صديق كان أنجب ولد، الولد بالأرض، يبتسم صديقكَ لرؤيتك. أنت تعرف سعادته بالولد هذا الذي جاء على غفلة. لكنه لا يفهم عليك أنك ضائع. المفروض أنك في منطقة سكنك، لكنها لا تبدو كذلك. لماذا أنت ضائع، ما جوابك لو سألَك؟!
قبل أن تغرق في هذا المكان كنت في مكان آخر، داخلي، يشبه منزلاً، لكن من صادفتهم كانوا قلقون. هكذا شعرت. ما أدراني؟! دعني أُكمل، كان هناك شخص يبدو أنه أُغرم بك، وأنت بالمناسبة أنثى، لكن لتبقى بالمُذكّر، الضمير المجهول.. إذاً، كيف وصلت إلى هنا.
ممكن أن ترجع من هذا الدّرب الذي جئت منه، لكن الأرض بالإضافة للحجارة المُكدّسة، فترابها مجبول بشيء أحمر. وهناك قطع ثياب.. هذه ثياب؟! هي نُتَفٌ. هي ليست مُقطّعة.. هي نتف.. ترى هناك شيء، كأنه رأس.. هنالك يدٌ..
آه.. كأنه فيلم أميركي وأخواته؟!
ليس كأنه، هو بذاته، أو أخواته وهو..
أووو.. الجوّ ليس طبيعي ستعرف لاحقاً حين تستيقظ، نعمة سريرك.
لا.. لا.. السرير يعجنك، يعجن روحك.. هل كان كابوساً؟! بل أنت لم تنم، كنت تتابع ما يجري في غزّة، هي على مرمى حجر من بلدك، وكنت تبكي عاجزاً. كان هناك طفلة تشبه لعبة مطليّة بالطّين، لا باللون الرمادي، بالباطون، لتوّها طالعة من بين أنقاض بيتها. طَلُعَت لوحدها. ويدا أمها دملتهما الحجارة وابتسامة أبيها، كان يبتسم لها كي لا تخاف وهي بحضنه. كيف ذاب وبَقِيَت هي!؟
هو الفيلم يا أنت، هو الفيلم وأخواته.. شقيقتها وشقيقها وألعابه، لم تسمع منهم ولا حتى حِسّ واحد، آهة واحدة، إنه السّحر.. وهل يصرخ الرأس المقطوع يا أنت.. والأشلاء، هل تُحشرج؟!
كانت مواقع التواصل تعجّ بالبشر الذين يوزّعون الأشلاء وحريق الخيم، الخيم التي نزحوا إليها بعدما تدحرجت حجارة بيوتهم بل انطحنت. تلك الطّفلة ذات العينين النهريّة، لا أعرف أن أصفها، لكن عيناها خريطة من النّهر إلى البحر كوطنها. تصبح بلمحة إمرأة سبعينيّة؛ ألم أقل لك إنه السّحر؟! تقول من بين خنقتها "حسّوا فينا.. نحن بشر.."
ربّما، حين تسرّب الحلم إليّ، لَبِس كابوسه. بكيت معها ونمت. لا لم أنم. يُكمل المشهد تَغَلغُله. شيطان يَحتلُّ فلسطين، يضع قبضتيه بعنقها، ويحرق غزّة، هل سيتركني أنام؟!
غِبْتُ عن وعيي، لكن، أين الطفلة ذات العيون التي تقول الحكاية، أين ذهبت، جسمها الهزيل إلى أين ينقلها؟!
منذ عشرة أشهر لم تأكل إلا لماماً. أكلت الحشيش كالخواريف، حتى جفّت.. يسألها صوت، ماذا تريدين يا عمّو؟ هو ليس عمّها. لكن هكذا هم، أسرة واحدة، وفي الحريق حريق واحدٌ..
"أريد أن يعود بابا، أي أحد من العائلة.. واحد فقط.."
لم تكن تبكي في الشهور الماضية. كانت عيناها تمتلئ بالمشهد. لم تفهم. حين كَبُرَت ثلاثون سنة أو أربعون أو أكثر، في العشرة أشهر الماضية، لفظت جملتها أمامي، بيني وبينها شاشة زجاجيّة صغيرة. حينها ربّما، وأنا أتأمّل ذهبتُ إلى هناك.. الحجارة مُتَلْتَلة في نفق لا يوجد فيه سيّارات ولا تكنولوجيا. نفق، أمعاءه حجارة مُتدفّقة، كُدتُ أختنق، لأستيقظ وأرى أهل غزّة أشلاء. كيف يلملموا أشلاء ما تبقّى من أهاليهم، ويجدوا أكياس وأكفان بيضاء. الأكفان بعثوها لهم دول مجاورة في شاحنات للمواد الغذائية والأدوية، فمن تُقطع رجله، بحاجة لِمُسكّن. لم تحمل الشاحنات مُسكّناً، ولا مواد غذائيّة.. كانت الأكفان والأكياس بوفرة كبيرة، كبيرة كبيرة، تستطيع قياسها ببحر غزّة، ومنه شَرِبوا الماء المالح، من بقي من أهل غزّة وطفلتي تلك، التي ليس بإمكاني معانقتها وإطعامها ولو عروسة من الصعتر والزّيتون اللذين نتشارك بهما..
نظرت إلى الشاشة الزّجاجيّة وقالت لي: ما هذه الدّنيا؟!
من يرانا هناك في البلاد القريبة ولا يُساعدنا، سأقول لله أن لا يُسامحه..
لكن من الجهّة الأخرى من أرضها، ها هم يُشعلون النيران بصواريخهم بالذين أشعلوا خيَمهم..
يا طفلتي التي من خلف الشاشة الزّجاجيّة، هناك، مدّي يدك نحو يدي، شدّي أكثر، اصبري قليلاً بعد كي أصل وأحضنكِ..



#سهى_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- النهج الديمقراطي العمالي بصفرو يرفض القانون 21- 83 القاضي بت ...
- ساكنة فجيج المناضلة تواصل بثباث وصمود دافاعها على الماء والأ ...
- به توندي س?رک?ن?ي داخستني بار?گاي حزب?کان و د?ستب?س?راگرتني ...
- حياة الأطفال، مسرح للمأساة التي خلقتها الرأسمالية وليبراليته ...
- هيمنة قوى الإسلام السياسي ورأس المال الرمزي
- يسرائيل هيوم: اشتباه بإطلاق حزب الله درون استطلاع لتصوير منط ...
- جيش الاحتلال يعلق على رصد طائرة مسيرة محتملة لحزب الله بالقر ...
- -إسرائيل هيوم-: مسيّرة تابعة لـ-حزب اللـه- اللبناني اقتربت ل ...
- عاجل| يسرائيل هيوم: اشتباه بإطلاق حزب الله مسيرة استطلاع لتص ...
- من قتل المتظاهرين في مجزرة جسر الزيتون؟ تساؤلات شعبية ورسمية ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهى الصباغ - كرم فائض من الأكفان، بوفرة بحر غزّة..