أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - المنصور جعفر - جعفر بخيت، ديالكتيك الادارة العامة والحكومات المحلية والحكم الشعبي في الصراع بين نصف الدولة ونصف الثورة















المزيد.....



جعفر بخيت، ديالكتيك الادارة العامة والحكومات المحلية والحكم الشعبي في الصراع بين نصف الدولة ونصف الثورة


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 00:23
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


هذه لمحات عن حياة وإسهامات الدكتور جعفر محمد علي بخيت (1933- 1976) في تنظير دور الإدارة العامة وتغيير طبيعتها من تحكمية إلى خدمية وتنسيقية ومن حالة الجزر المعزولة والأعمال الجزئية والعشواء إلى حال شمولية ومنهجية وخطط ارتقاء رأسية وأفقية وشمسية وكذلك إسهاماته في تنظير تنمية الحكومات المحلية في السودان وتغيير أوضاعها من التشتت وانتظار الميزانيات والتمويل من العاصمة وتراكم سلبيات الموظفين الى حال تعتمد فيه كل حكومة محلي على تنمية مجتمعها وتكامله مع بيئته واستثماره مواردها وعلى التعاون مع حكومات المجتمعات الأخرى زما يتطلبه ذلك من نشاط جماهيري وجمعيات ومنظمات تعاونية وأخرى فئوية وجماهيرية لها وجود نسبي غالب في كل مجلس محلي وكانت هذه الأمور حسب تنظيراته في حاجة إلى إقرار إتفاق سلام بين الشمال والجنوب وإلى إتحاد القوى الإشتراكية وإلى إقرار دستور يبين طبيعة وهيكلة إستقلال وتكامل هيئات سيادة الشعب وتحكمه في موارده ومعيشته بداية من مجالس الأعمال أو المهن وهي مجالس تجمع فئات العاملين يتناسب مع تعددهم داخل مجال العمل ومجالس السكان في الأحياء والمدن والقرى السكن وهو التنظير المشتهر آنذاك وإلى الزمان الحاضر باسم "الحكم الشعبي" وقد كان منذ بداية فكرته مضاداً لأشكال الحكم النخبوي.

بشكل عام لم تكن هذه التنظيرات نتيجة تصور ذهني مجرد بل كانت نتيجة من حاجات رئيسة في مختلف مجتمعات السودان كانت اجابات هذه الحاجات تحتاج إلى عملية تنمية متكاملة لكل شؤون المجتمع والدولة مستقلة عن شروط التمويلات الغرب أوروبية والأمريكية، ومن ثم كانت التنمية تحتاج إلى سلام وكان تحقيق السلام يحتاج إلى حكم شعبي وهذا الحكم الشعبي يحتاج الى تنظيم وتنظيم الجماهير وتنظيم أمور الدولة في مجتمع تحكمه النخب أمر متشعب يحتاج إلى نوع من التنسيق والاتحاد بين القوى الاشتراكية.

اهتم الدكتور جعفر بخيت بتنظير هذه الأمور ضد ثقافة الانتظار، اي ضد إنتظار قرارات الوزراء والمدراء وضد انتظار الزعماء وضد ثقافة إنتظار تحسن الأوضاع المعيشية والحضارية وضد ثقافة الوله بنقاشات الاصلاح الوظيفي وشؤون درجات ورواتب الموظفين ولجاج مفاضلاتهم بين اختصاص المصالح واختصاص الهيئات، وضد الوله بنقاشات موضوع الثقافة وتواشجها مع السياسة وتواشج السياسة مع المجتمع والصراع الطبقي داخله والصراعات المحيطة به وبالدولة.

في غابة وصحراء تلك الانتظارات وتأجيلها المتطاول كل إصلاح بزعم إنتظار إصلاحات أخرى اهتم جعفر بخيت بخبرة ومعرفة وثقافة الإدارة العامة كونها هي المحور مشترك التروس لأمور تنمية الدولة والمجتمع.

بين الدكتور جعفر بخيت ضرورة هذه الأمور الادارية الأساسية في ظروف تخلف إقتصادي ومجتمعي واضطراب سياسي متجدد بعوامل تحكم أفراد النخب في السياسة وفي هيئات المجتمع وإهمالهم واجبات القيادة والحكم في تنمية أوضاع مجتمعات المواشجة لهم بل توالي تمدد نزعاتهم الرجعية ونزعاتهم الحداثوية مع تحكمهم في أمور المعيشة ومتاجرتهم بأسس حيوية وتعاون وتماسك مجتمعات السودان.

اتسمت أعمال النخب بتأجيل كل إصلاح لحين حدوث إصلاحات أخرى كما إتسمت بانفرادات وأنانيات الزعامة أو بالتبعية لزعماء وكبراء غير مهتمين بالتنمية واتسمت ايضاً بالجزئية والعشواء وضد هذه السمات السلبية إهتمت تنظيرات الدكتور جعفر بخيت بموضوع الإدارة العامة بداية بالإوضاح النظري لأهم محاور تنميتها وهي خمسة محاور مكونة من:

1- محور الكينونة الاجتماعية المستقلة أي النائية عن التحكم الأجنبي وعن التزعم وعن الخضوع لطائفة أو قبيلة أو حزب أو مجموعة،

2- المحور التاريخي بدعم النظرة العلمية الانتقادية الممحصة لأسس وإجراءات الإدارة في السودان في مختلف فترات حكمه والبعد في تقييمها عن التفاوت وعن المبالغة بل ربط التقييم بمدى تكامل وإتساق وفاعلية قراراتها.

3- المحور الاقتصادي الاجتماعي للإدارة العامة وضرورة وشجها بقضيتين متداخلتين وهي قضية التنمية وقضية إنهاء سيطرة النخب،

4- محور التكامل والشمولية في ربط مهمات الدولة والمجتمع بالنشاط ثوري ضد الترتيبات القديمة الاستعمارية الأصل وضد المنظومات ذات الميسم الرجعي في الطائفية والقبيلية أو المنظومات الحداثوية الشكل في هيئات نخب الأفندية سواء كانت وحدات حكومية أو هيئات حزبية،

5- محور المنهجية والتخطيط للبعد عن العشواء.

بهذه المحاور الخمسة تحرك تنظير الدكتور جعفر بخيت لتأسيس مداخلة جديدة لأوضاع الإدارة العامة في المجتمع والدولة ضد حالة توالي التشتت والتخلف مع السياسات النخبوية والشعبوية،

جرت تلك المحاولة ضمن وضع نخبوي وشعبوي مضطرب منذ ما قبل عام 1504 وهو اضطراب لم تنفع لوقفه عبر الزمان حجة تأجيل الإصلاح إلى حين استقرار، لذلك بدأ جعفر وقف الاضطراب بمواجهة أزمات هذه المحاور. وقد ارتبط التنظير الجعفري بضرورة تأسيس نوع جديد من الإدارة والحكم تسهم أولياته وتفاصيله في تغيير حالة الحرب وحالة الاضطراب السياسي وحالة الاحتكارات والتسيب وحالة التخلف العام.، بل بناء السلام والاستقرار السياسي والديمقراطية الشعبية والتنمية وهي مهمات تحتاج في واقع صراعات السودان إلى تنسيق حداثي الميسم بين القوى الاشتراكية والإجتماعية وإلى تنسيق و اتحاد إشتراكي النشاط بين قوى الحداثة والتقدم.

1- بعض معالم حياة الدكتور جعفر بخيت:

(أ) التنظير يدل إلى المنظار
لحياة المرحوم الدكتور جعفر محمد علي بخيت البسيطة والقصيرة (1933 1976) معالم كبيرة كثيرة فهو 1- محاضر سوداني في علم الإدارة العامة و2- وزير الحكومات المحلية/الحكم الشعبي في أوائل سبعينيات القرن العشرين و3- الدعوة لتحويل نظام الحكم المركزي إلى حكم لامركزي تسيطر فيه مديريات السودان الشاسع على شؤونها وتمول مشروعاتها وتأخذ لنفسها غالبية عائدات مواردها 4-كان أحد الذين نموا منظومة الحكومات المحلية وحولوها من مجرد مجالس بلدية متفرقة لبعض المدن وأريافها إلى منظومة إدارة شمولية متكاملة في مختلف مناطق السودان لكافة شؤون الأعمال والخدمات والتجارة والاستثمار، 6- أيضاً كان د. جعفر بخيت من أوائل دعاة وبناة فكرة الحكم الشعبي و البناء القاعدي لديموقراطية شعبية وقيام الناس بداية من مجالات عملهم ومناطق سكنهم بإدارة أمور المجتمع/الدولة، 7- كذلك اسهم جعفر بخيت في وشج فكرتين مهمتين في الحياة الإدارية وهما فكرة الحكم الشعبي وفكرة التنسيق والإتحاد بين كافة القوى الإشتراكية فكان من رواد تحويل فكرة "الجبهة الشعبية" و "الإتحاد الإشتراكي" من تصورها التقليدي كتحالف بين حزب الثوريين وأصدقاءهم إلى منظومة تنسيق إرادات شعبية قاعدية تدير الموارد والخدمات والتنمية بداية من مجالس (سوفييتات) لإدارة العمل ومجالس شعبية (سوفييتات) تدير مناطق السكن. كذلك كانت للدكتور جعفر بخيت تنظيرات مضادة لنزعات إدارية كانت سائدة في زمانه ولم تزل باقية وأهمها: 8- تنظيره ضد نزعة إوكال أمور المجتمع/الدولة إلى نخبة من بعض الأفذاذ بل رأى أن يتولاها كل الناس في مجالس إدارات مجالات عملهم و المجالس الشعبية المنتخبة لإدارة مناطقهم، 9- تنظيره لمنظومة عمل إداري متكامل ضد نزعات الشعبوية الديماغوجية و وعودها وخطبها العقيمة التي لم تحفر بئراً أو تبني مدرسة أو تفتح مركزاً صحياً، كذلك لجعفر بخيت تنظيرات ضد 10- نزعة تضخيم الحكومة والبيروقراطية وحصر أمور إدارة المجتمع والدولة في كم من الموظفين والاجراءات الحكومية، 11- أيضاً كانت للدكتور جعفر بخيت تنظيرات ضد النزعة الأوتوقراطية المؤمنة بإدارة أمور معيشة الناس وفق تقديرات شخص، 13- رغم تكوينه التكنوقراطي نظر الدكتور جعفر بخيت ضد التكنوقراطية وحصر إدارة معيشة المجتمع وموارده في ثقاة بالخبرة أو بالأكاديمية حيث دحض هذه الصفوية بتبيان مزيات الحكم الشعبي. وقد عزز جعفر كل واحدة من هذه التنظيرات بملحوظات وافتراضات وتجارب وخبرات أثرتها.

■ بشكل عام كانت للدكتور جعفر بخيت اسهامات في تنمية ثقافة الإدارة العامة ورفعها من حالتها المتراوحة عند كثرة من الناس بين القدسية والهامشية كما أسهمت تنظيراته في عتق الإدارة العامة والإرادة العامة من أغلال القرارات الجزئية وشغل التلتيق وكثرة رهنها للعشواء أو للحزبية وأنهت بعض لفها ودورانها في قرارات من وإلى موظفي وحدات حكومية تتنازعها وتتنازعهم بعض أمور الترقي والمحسوبية وإنشغال بعض أولئك الموظفين ووحداتهم بتناقضات ولاء أو تخاصم لبعض المدراء والكبراء انشغالاً متفاوتاً عن نموء الأزمات في بنى البلاد.

■ مع كثرة من التراكمات والإسهامات الأخرى قامت إجتهادات الدكتور جعفر بخيت بنقل المنظومة الفكرية والعملية للإدارة العامة من حالة البؤس والشتات والانحيازات والتهميشات والترضيات إلى حال تفكير موضوعي ذو قوام إحصائي وسياسة عامة متكاملة وهو حال -مع عوامل أخرى- زادت فيه فهوم وأمور إدارة وتنمية المجتمع والدولة بعد عشرات الأعوام من تراوح التعامل معها وسط النخب ووسط الناس بين الإهمال أو التقديس.

■ مثل تنظير الدكتور جعفر بخيت لضرورة شمولية وجود ودور الإدارة الشعبية في تقسيم الموارد تغييراً جذرياًً في سياسة المجتمع/الدولة وفي سياسة الثورة والدولة إذ نقلها من حالة تدابير جزئية متفرقة وشعارات وخطب سياسوية وإختلافات حزبية وشخصية، فمع عوامل وجهود أخرى أسهمت تنظيراته في تحويل جزء من شعار "حكم الشعب" إلى برامج عمل بسيطة محددة يضعها أهل كل مجال عمل وكل منطقة سكن وفق حاجاتهم وقدراتهم.

■ واقعياً هزمت النخب المركزية الاقتصادية والسياسية السودانية والامبريالية كل تنظيرات الدكتور جعفر بخيت لأفكار اللامركزية وتقسيم الموارد والسلطات وتأسيس حكم الشعب لكن بعد عشرات الأعوام من وفاته بقيت هذه إسهامات تتأجج بين فترة وأخرى فرغم رفض كثرة من الهيئات السياسية وقادتها هذه الإسهامات حين اقتراحها الا ان نفس أفكار اللامركزية واقتسام الموارد والسلطات وتأسيس حكم الشعب أصبحت مادة وهندسة مهمة لأعمال الأحزاب والتجمعات السياسية والمنظمات الفئوية والجماهيرية وفي أنشطة لجان المقاومة الشعبية وميثاقها.

■ انصبت معظم الإنتقادات على وصم مشروع الحكم الشعبي مشروع معقد كثير التفاصيل وأنه مكلف مالياً لخزانة الحكم المركزي! والواقع ان تفاصيله لا تعدو سوى انتخاب مجلس في مجال العمل ومجلس في منطقة السكن ومن ثم تتواشج هذه المجالس وتصعد مندوبيها وصولاً إلى مجلس الشعب، أما التكلفة المالية فيتحملها كل مجلس بنفسه باسهامه في إدارة واستثمار موارده أي ان خزانة الحكومة المركزية لن تكون مرهقة بتكاليف إدارة شعبية.

في هذا الصدد طرفة أليمة ان سردها أحد الزعماء وهو وزير مع الدكتور جعفر بخيت زاره بعد عزله وأنبه ملاطفاً متحمداً الله على السلامة بعزله لأن مشروع الحكم الشعبي حال إكماله كان سيأخذ منهم أعمال وزاراتهم في العاصمة ويلقيها للناس.

■ بعيداً عن نخبوية وأمور كتب التثقيف أودع الدكتور جعفر محمد علي بخيت خلاصة معرفته وخبرته الادارية في محاضراته الجامعية وفي معهد الإدارة وفي كتيبات وزارة الحكم المحلي وقد اعانته على عرضها النقاشات في عائلته ومجتمعه حول القيم والنظم والأفكار والممارسات.

■ مع إسهامات أخرى يتبين ان الدكتور جعفر بخيت حقق خلال سنوات قليلة من حياته القصيرة اسهامات كثيرة أثرت منذ بداية تبيينها إلى اليوم والمستقبل في الحياة النظرية والعملية لتفاعل الإدارة والمجتمع والسياسة والدولة، بل بعد عشرات الأعوام من وفاته ظلت موضوعات إسهاماته محل نقاش بعضه يبالغ إما في سلبيتها أو في موجبيتها .


2- تكوين الدكتور جعفر محمد علي بخيت:

(أ) تأثير الحركة الوطنية:
■ من أشهر أساتذته العلم الجليل حسن الطاهر زروق وهو أحد أميز قادة "الجبهة المعادية للاستعمار" و"جماعة أنصار السلام العالمي" و"الحركة السودانية للتحرر الوطني" و"الحزب الشيوعي السوداني" وكلها تنظيمات ثورية للتحرر الوطني والطبقي اتسمت بنشاط دراسي هادي وبعمل تنظيمي دقيق ولنشاط ثقافي متعمق ومتسع وشامل وبنشاط صدامي ضد الاستعمار والرجعية كما اتسمت أيضاً بروح الحداثة إذ كانت نافرة من النزعات الطائفية والعنصرية القبيلية ومضادة لها كما كانت ترفض الأهداف والأساليب المتخلفة لإدارة البريطانيين من فوق لشؤون مجتمعات السودان ومعيشتهم.

■ كان طرح تلك الحركة الوطنية الرائدة طرحاً شمولياً تكاملاً يرتبط بالإستقلال المتكامل لمنظومات الإقتصاد والدولة والمجتمع والثقافة وارادة المواطنين وكان ذلك ضمن تيار عالمي أشتهر في ستينيات القرن العشرين بإسم "التحرر الوطني".

■ في قلب تلك الحركة السودانية للتحرر الوطني نبض الحزب الشيوعي السوداني وفي قلب برنامج ذلك الحزب العتيد نبضت قضايا إدارة الدولة بداية بأهدافها وتكوينها وتناقضاتها وكيفية علاج أزماتها وإتجاه تغيير وضعها وطبيعتها المالية من دخل وصرف وكثرة من أمورها المواشجة لتاريخ وحاضر الإقتصاد السياسي للإنتاج والدولة والأوضاع الطبقية في المجتمع وتلبية حاجات الناس الى التعليم والصحة والى تنظيم التجارة والاستثمارات وشيء من أمور الضرائب والمالية العامة وفلسفة الإدارة، ومستويات إستقلال المواطنين بإدارة مواردهم من ثم ليس من المنطقي ذكر افكار الحكم الشعبي دون اشارة إلى تأثرها بالثقافة الوطنية الديموقراطية.

في ذلك الزمان كانت تلك الثقافة فذة عالية ونادرة عصية على غالبية الناس الذين سادتهم ويلات الأمية والجهل والفقر والمرض. لكن الظروف والحظوظ مكنت جعفر بخيت ان يكون من المتأثرين بها سواء بحكم تأثير عائلته المواشجة لها واو بحكم تأثير ثورة 1924 على أجيال ومناطق مدينة أم درمان أو وبحكم تأثير المدارس وأساتذتها الوطنيين الأفذاذ.

■ ابان حياته الطلابية أصيب جعفر وبعض زملائه وأساتذته في تظاهرات فترة 1946 1948 وأشهرها التظاهرة التي نظمتها "الحركة السودانية للتحرر الوطني" للمطالبة بحل "الجمعية التشريعية" التي كونها الإستعمار الانجليزي من بعض شيوخ القبائل والطوائف وكبراء موظفيه لتكون مانعاً من نموء أنشطة الخريجين والنقابيين ولتبدأ في ترتيب وإدارة جزء من الأمور بوجوه سودانية و نظام استعماري.



(ب) دراسته وعمله:
■ تخرج جعفر بخيت من كلية غوردون/الخرطوم الجامعية وكانت فرعاً من جامعة لندن، وبعد تخرجه عمل إدارياً في مديريات الجنوب وفي دارفور حيث رأى بأم عينيه أوضاع الإهمال والتهميش والفشل الذريع للإدارة الحكومية والفشل الذريع للإدارة القبيلية في تلبية أبسط حقوق وحاجات سكان تلك المناطق نأهيك عن فشل الإدارتين الفاشلتين في تنمية أحوال تلك المجتمعات.

■ بعد العمل في المناطق الخلوية المهمشة أصبح جعفر من مناوبي وكيل الحكومات المحلية ثم سافر في أول الستينات إلى إنجلترا حيث نال شهادة الدكتوراة من جامعة كامبريدج الإنجليزية العريقة بحكم نجاحه في إختيار ودرس وتقييم موضوع تاريخي مهم للسياستين السودانية والانجليزية وكشفه طبيعة بني ونشاط السياستين واثارهما، وكان عنوان ذلك الموضوع "الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان 1919 1939"
British Administration and Sudanese Nationalism, 1919-1939 وقد نشر القاضي الجليل هنري رياض موجزاً لها باللغة العربية.

■ كان ولم يزل موضوع جدل الإدارة البريطانية وتعامل السودانيين معها من الكشوف الباكرة في إنتقاد النسخ المحلية من دولة الإستعمار. إذ كشف أكبر جذور أوضاع السياسة والإدارة العامة وأزمات التخلف وصراعاته الناتجة-مع أسباب أخرى- من أسلوب الإدارة الإستعماري. وفي ذات الآن مثلت تلك الدراسة السودانية للبريطانيين رصداً علمياً لنقاط فشلهم وأسبابه ونتائجه.

■ آثر جعفر بخيت الرجوع إلى السودان بعد تأهله بتلك المكانة الأكاديمية الصعبة العالية رغم وفرة الفرص المالية والمعنوية في بريطانيا ونسخها القائمة في استراليا وكندا وأمريكا.

آنذاك لم تكن مغالبة الظروف المعيشية والمالية من هموم كثرة من الأكاديميين بل كان أكثرهم من خصوم المحسوبيات والتناقضات الطائفية والبيروقراطية يشغلهم طلب وتجويد التعلم والتعليم في مجال تخصصاتهم. وحتى بعد توليه مهمة وزير اعتذر لتسعة حكام إمبراطورين وسلطان وملك وأمير وأربعة رؤساء وقادة في ثلاثة منظمات دولية عن القيام بدور استشاري لهم في مجال الإدارة العامة لأن ذلك يشغله عن مهمته المعرفية والعملية، (وقد يدخل السودان في حرج دولي) وفي كثرة المناصب التي تولاها كان يؤديها كمنتدب بمرتبه الأصل وهو مرتب كبير كما لم تعرف عنه أو عن إخوانه أمور تكسب أو تجارة أو مساومة. وكان يرد على المشفقين عليه وعلى أسرته من غوائل الزمان بأن جهده أو عناية أهله أو ميراثه من جديه تكفي لرد تلك الغوائل.

■ إضافة لعمله الإداري أصبح الدكتور جعفر بخيت أستاذاً في علم الإدارة العامة في جامعة الخرطوم ثم نائبا لعميد كلية الدراسات الإقتصادية والإجتماعية كما أختير مع أفذاذ آخرين ليشكلوا سكرتارية مؤتمر المائدة المستديرة 1965 للسلام بين قوى الشمال وقوى الجنوب المقاوم ظلم وبطش تحكم الشمال، وقد عقد ذلك المؤتمر بمشاركة ستة دول، ومع نجاحه في أداء هذه المهمات كلفته إدارة الجامعة بالإشراف على شؤون الطلاب.

■ ضمن تكوينه حظي الدكتور جعفر محمد علي بخيت بالمشاركة في أعمال سكرتارية مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر وذلك بأثر من خمسة عوامل اجتمعت فيه على النحو الاتي:

العامل الأول: خبرة عمله في مناطق دارفور والجنوب ورؤيته طبيعة أخطاء ومظالم السياسة والادارة العامة رأي العين،

العامل الثاني: خبرة دراسته ومعرفته أنساق وصراعات تيارات الإدارة العامة البريطانية وكذلك تيارات الحركة الوطنية والإجتماعية،

العامل الثالث: شأنه الإداري القديم وشأنه الأكاديمي كدارس ثم معلم وما في الشأنين من مهارات جمع وتلخيص وعرض ونقاش الأمور وبناء أو زيادة الإيجابيات،

العامل الرابع: من شأنه كإداري من الفئة العليا شغله حساب الحاجات البشرية والبيئية و حساب موارد وأنواع وأسباب إجابة الحاجات ثم تقييم وتقويم الزيادة أو النقص في هذه التلبية،

العامل الخامس: معرفته من الجنوب ومن انجلترا بعض قادة وفلسفات بعض الجنوبيين وبعض نشطاء الدول الداعمة لهم وهي يوغاندا وتنزانيا وكينيا ونيجيريا وغانا إضافة إلى تمكنه في بعض شؤون صلات وفروق الثقافات الإجتماعية والسياسية السودانية والحداثوية وبعض مرجعياتها العلمانية والإسلامية وتنوع ممارساتها وتطبيقاتها.

■ بالمشاركة في سكرتارية مؤتمر المائدة المستديرة للسلام في السودان وسكرتارية لجنة الإثنى عشر المنبثقة عنه عام 1965 أتيحت للدكتور جعفر بخيت رؤية ونظر الخطابات السياسية السودانية على مختلف تنوعاتها وتبين بعض نقاط قوتها وبعض نقاط ضعفها ومعرفة مناطق اتفاقها ومناطق اختلافها وبعض صور وأشكال الصراع بينها. وهي مشاركة زادت فيه مع غيره من الحداثيين إنتقادهم اللفكر والتنظير والنشاط السياسي النخبوي في الجنوب وفي الشمال.

■ نفر جماهير الحداثة والاشتراكية والتقدم من كلام وتسويفات القوى الرجعية في جانبي المؤتمر ومن إنغلاق أسلوب تأجيل أي اصلاح إلى حين حدوث إصلاح، ومن تحريك الرجعيين مع وكلاء الاستعمار في المنطقة عوامل القوة السياسية وعوامل المالية وعوامل القوة العسكرية وعوامل القوة الإعلامية ضد عوامل قوة التنمية والحرية من التدخل الخارجي والاستغلال والتخلف الداخلي.

■ مع وأد حكومة ثورة أكتوبر 1964 ثم عرقلة وخنق وفشل مؤتمر السلام وما سبق ذلك من تناغم الأحزاب الرجعية وكبراء الحكم القبيلي وكبراء الحكومة وكبراء الجيش وكبراء التجار والرأسماليين مع الإستعمار فترة (1945 1955) ثم تناغمهم مع زعماء الطائفية (1956 1958) ثم مع حكم الجنرالات (1958 1964) ثم مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني منذ 1965 تحول كثرة من شباب المدن من حالة انتظار الثورة والثقة في قدرة الحزب الشيوعي السوداني على تغيير كل هذا الخراب بمفرده إلى حال صناعة الثورة بأنفسهم.

■ في فترة النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين التي زاد فيها الدكتور جعفر بخيت جهوده العلمية والعملية كان معدل التردي والانهيار قد زاد في النظام الطائفي وديكتاتوريته الحزبية ودولته الاستعمارية المعالم. ففي 16 نوفمبر 1964 تنصلت غالبية الأحزاب من أهداف ثورة 21 أكتوبر 1964 ثم قامت بانقلاب متكامل على أسس الديمقراطية الليبرالية شمل تحريم نشاط الحزب الشيوعي السوداني ومنع نوابه المنتخبين من حق دخول البرلمان وتم إغلاق صحيفة الحزب و اضطهدت ذلك الحزب بعنف معنوي وبدني كما رفض غالبية النواب وكل الحكومة والرئاسة الخضوع للقانون سافهين احكام القضاء الأعلى بمخالفة إجراءاتهم القمعية للدستور، كذلك أفشلت الأحزاب جهود السلام ثم تلاعبت بأمور حل وعقد البرلمان قبل ان يشرع زعماء الطائفية والرأسماليين ووكلاءهم في إلغاء الدستور المؤسس للدولة متحججين ببديل إسلامي خلى من تحديد معالم الدولة وهيئاتها ومن مختلف الحريات والحقوق. أيضا أدخلت هذه القوى أمور الجيش والحكومة في أزمات مالية وبيروقراطية. إضافة للتناغم مع قوى الإستعمار ومع الرجعية العربية.

■ بكل هذه الأزمات في الإدارات الحزبية والدستورية والحكومية والتشريعية والقضائية والمالية والعسكرية وما إليها من أزمة طبقية وأزمة تفاوت تعامل الحكومة المركزية وأحكام الشيوخ مع قضايا المساواة والوحدة والسيادة الوطنية والتنمية دخل السودان في أزمة وجودية نتجت من تنوع و تجمع وتراكم وتوالد كل أنواع هذا الفشل الإداري النسق.

■ كانت -ولم تزل- مناطق السودان تعاني البؤس بحكم تنطع النخب وتخلف المجتمع وتوالي التدهور والإهمال الحكومي. وآنذاك وإلى الزمان الحاضر كانت السياسة مشغولة بسجالات الحزبيين وكانت النزاعات والحرب متأججة في بعض أنحاء البلاد.

■ مع زيادة الفشل في تحقيق الإدارة العادلة لأمور الموارد كان التماسك النسبي للمجتمعات والدولة يزيد ضعفاً، فبدلاً لعدد قليل ومتفرق من النزاعات القبيلية في فترات مختلفة صارت النزاعات أمرأً مالوفاً في كل شهر ، وبدلاً لإنخفاض مستوى المعيشة بمعدل سنوي صار الانخفاض بمعدل شهري، وبدلاً لتوفر الأعمال في دواوين الحكومة وشؤون التعليم والخدمات صار تعطيل حق العمل من سمات حياة الشباب، وبدلاً لتحسين النشاط التجاري زادت الإحتكارات والمضاربات، وكانت كل هذه أزمات مواشجة لغياب/تغييب العدالة في إدارة أمور الاستثمار والضرائب والتعليم والصحة والمياه والكهرباء والإسكان والطرق في مختلف المناطق.

■ من ثم كان لتصورات الإداريين الشباب لحل أزمات البلاد عبر تنظيم لا حزبي لشؤون الحكم وتنمية للحكومات المحلية وإرساء لأسس الحكم الشعبي دور مهم في انتباه بعض متزعمي التجديد اليساري لبعض تنظيرات الدكتور جعفر بخيت قبل وبعد ثورة 25 مايو 1969 وقبل وبعد ثورة 2019 وهي تنظيرات اهتمت بحل إداري لنقاط الإختلاف بين القوى الإشتراكية وقوى التقدم والحداثة بإجراء تغييرات اضرورية لتغيير أوضاع المجتمع والدولة وربط السياسة بحاجات وإرادة وإدارة الناس للتنمية في كل منطقة محلية. وعلى أساس هذا المشروع العلمي الجمعي تولى الدكتور جعفر بخيت وزارة الحكومات المحلية منذ عام 1972 حتى إعفاءه منها في عام 1975.


3- أزمة الإدارة العامة في الصراع بين الحكم المركزي والحكم المحلي:

(أ) لمحة عن شكل وطبيعة الحكم:
منذ عشرينيات القرن العشرين كان الحكم المركزي بطبيعته العسكرية وشبه العسكرية يمثل قوام الإدارة العامة بداية بمنظومة الحاكم العام وسكرتاريوه الثلاثة للشؤون القضائية والمالية والإدارية وهم رئاسة هذا الحكم وتتبعهم مديريات يرأس كل منها مدير تتبعه مراكز مدن ومناطق على راس كل منها مفتش تتبعه أقسام/قرى يترأسها مآمير، وحذيهم في غالبية الأرياف حكم شيوخ القبائل وما إليها من نظار وعمد وهو تصادم مع نشوء حكم المجالس البلدية في بعض المدن منذ خمسينيات القرن العشرين وهي والمجالس الريفية أصبحت جنين الحكومات المحلية. وفي الواقع خارج مقر الرئاسة كانت كثرة من الأمور محل صراع وإحالات بين هذه الوحدات.

■ كانت كل هذه الوحدات تدار بطريقة اوتوقراطية عسكرية وشبه عسكرية وفق قرارات المركز في العاصمة الخرطوم كما كانت مشتتة الأعمال تدار حسب تقديرات المدير الاستعماري المنفردة أو حسب توافقه مع بعض أفراد النخبة الموالين له.

■ كان الأسلوب المركزي للإدارة أسلوباً جامعاً بين نزعة تحكم وتعنت بيروقراطي في نمط مستبد (أوتوقراطي) لا يستجيب لضرورات تقسيم وتبسيط العمل ولا ينتبه لنموء الفرق بين زيادة تعداد وحاجات الناس وضعف الامكانات البشرية والتقنية المحدودة منذ أيام الاستعمار.

■ في آيام الاستعمار كان المسؤول الإداري يختص بكل القرارات ومعه المسؤول المالي الذي يختص بكل أمور الدخل والصرف ولهذين المسؤولين دفتر مراسلات حكومية (سركي) بين الرئاسة في العاصمة وفرعها وبين الفرع والطرف وهو دفتر شهير موروث في إدارات السودان من الخلافة الإسلامية العثمانية حين كانت الطلبات والقرارات اللازمة لها قليلة.

■ في مطلع السبعينيات لم يكن التحكم المركزي الكبير السلطة والضعيف الامكانات والأهداف ليضير الأمور لولا انه فقد صلاحيته منذ عشرينية القرن العشرين بحكم زيادات شتى في مختلف مجالات الحياة والدولة تحتم على المجتمعات التجاوب معها وتلزم الحكومة بتسهيل هذا التجاوب.

■ كانت ولم تزل زيادة عدد السكان وانتشارهم وتداخلهم وزيادة وتنوع حاجاتهم وقدراتهم من أهم دواعي تغيير أسلوب الإدارة العامة المركزي الكثير السلطات القليل الإمكانات. اما الداعي الآخر لتغيير أسلوب الإدارة فتمثل في زيادة عدد ومعرفة وتخصصات المؤهلين الإداريين وتنوع الإدارات الحكومية ونشوء المصالح والوزارات بعد ان كان مكتب السكرتير الاداري للحاكم البريطاني هو الحكومة وكان مكتب السكرتير المالي للحاكم البريطاني هو الحاكم الفعلي للسودان.


■ من ثم نشأت الحاجة لتقسيم السلطات الرأسية والافقية وفق تطور الحاجات والمهمات والقدرات البشرية. لكن منذ عشرينيات القرن العشرين وإلى أواخر الستينيات لم يوجد مشروع متكامل لهذا التغيير الملح. كما ان أساطين الحكم المركزي وكبراءه وأولياءهم من شيوخ الإدارة القبيلية وكلاء الطائفية لم يرحبوا بأي تغيير في بنية الحكم يخفض سلطاتهم وإمازاتهم أو يسمح بنموء ما يسمونه "النشاط الهدام" (أي النشاط الشيوعي حسب الوصف الحكومي).

■ في الجانب الثاني من الصراع كانت الحكومات المحلية متفرقة على بعض المدن ذات السوق الواحد أو ذات السوقين والتي حظيت بقدر من المياه النظيفة والكهرباء و مرحلتين تعليميتين أو ثلاثة وكان بها طريق عمومي وبعض المواصلات. وكانت هذه المجالس وشبهها في بعض المناطق الريفية تريد قدراً أعلى من إمكانات التجاوب مع حقوق وحاجات الناس للطرق والمياه النظيفة والكهرباء ولعدد زائد من المدارس والمراكز الصحية والأسواق وأراضي السكن.

■ إضافة إلى جبروت وتعنت الحكم المركزي وسيطرته الشديدة على كافة القرارات عانت الحكومات المحلية مع أزمات الترقي والنسيان ونقص الامكانات من تسلط أو من تسيب بعض بيروقراطييها ومن انشغالهم بمقومات الوظيفة على حساب مقومات الأداء ومن غلبة الاهتمام بامور السياسة العامة ومواقف الزعماء على اهتمامهم بتجويد الكفاءة الادارية وتحويل الشعارات السياسية البراقة إلى منجزات مفيدة ومسهلة لمعيشة الناس في نطاق كل حكومة/مجلس بلدى.

■ للدفاع عن بقاء هذا الوضع الفاشل والمتدهور كان أرباب الحكومات المحلية يستعملون ضد منتقدي سلبيات منظومته حججاً شبيهة للتي يستعملها أساطين الحكم المركزي في إبقاء سلطاتهم وإمازاتهم وأهمها حجة درء الفوضى وحجة تخفيض الصرف وحجة البعد عن المشاكل و حجة المحافظة على تقاليد العمل رغم انه عمل ضعيف أو فاشل.

■ بشكل عام بالامكان القول ان الصراع بين إدارة المركز وإدارة الأطراف انصب حول قضايا تحديد الاختصاصات والحدود الادارية والجغرافية والمالية لكل منصب ولكل إجراء. وكانت لمواقف كل منهما صلة بالصراعات النخبوية والسياسية أكثر من صلتها بحاجات غالبية الناس، من ثم كانت الموجهات الإدارية العمومية من نوع "تشجيع الزراعة" والموجهات الادارية الخاصة من نوع "تخفيض الصرف" موجهات بلا فاعلية سوى توكيد وجود الرؤوساء.

نتيجة التشتت والاحتكارات النخبوية بقيت كيانات الدولة والمجتمع والادارة في حالة صراع بدلا لأن يكون أحد هذه الكيانات قائدا وموجهاً لباقي الكيانات أو إن يشكلوا إتحاداً اشتراكياً تقوده الغالبية الكادحة عبر منظماتها الفئوية ومنظماتها الجماهيرية ومجالسها الشعبية القاعدية المتصاعدة إلى مجلس الشعب الأعلى .

■ أياً كانت حالة الحكم المركزي والحكم المحلي فقد كان التكامل بينهما سطحياً بينما كان التشتت والصراع الداخلي والسياسي ديدن أنشطة الإدارة العامة ليس في السودان فحسب بل في كل الدول التي استنسخت نظام الإدارة الاستعماري مع تغيير في الوجوه واللغة.

■ جراء عوامل الاحتكار والتشتت والإنفراد والدورة التكرارية لضعف الامكانات وانعدام وضعف القرارات لم ينجح النوع الاستعماري من أنواع الإدارة العامة أو نسخه الجديدة المختلفة في الوجوه أو في اللغة في تحقيق تنمية مستقلة متوازنة، وأيضاً بحكم قيام الاسلوب الاستعماري في الإدارة العامة في تكرار أو تجديد أهم معوقات تقدم المجتمعات التي تم غزوها وكسر امكانات تظورها أي حرية التملك والتجارة الرأسمالية التي تؤدي في الواقع إلى تحكم كبراء النخب والسوق في معيشة الناس.






























4- الحكم الشعبي في الصراع بين نصف الدولة ونصف الثورة:

(أ) أوضاع مختلفة لقيادة الدولة ولعموم المجتمع:
زادت مهمات فتح طريق الحكم الشعبي عن دراسات كل نوع من أنواع موجبات وسلبيات تأسيس وبناء وعمل وتقييم الإدارة العامة بمختلف مدارسها وإزاء مختلف خصومها، لكن التنظيرات المنسوبة لإسم الدكتور جعفر محمد علي بخيت اهتمت فوق المعتاد بثلاثة جدليات اشرقت في أطروحته للدكتوراة وهي:

1- تنوع جدل النخب وهم كبراء الأفندية والعسكريين وزعماء الطائفية وشيوخ القبائل وكبراء التجار والرأسماليين وفق أوضاعهم المجتمعية بين وضع كاسب للقوة ووضع فاقد لها، وحسب اتجاههم الحزبي داخل العهد السياسي الواحد وعبر مختلف العهود، وحسب ضعهم غما قائد في الإدارة او نائب عن القائد أو وضع "عبد المأمور".

2- ان جدل أمور الإدارة جدل مواشج لأسس ورسوخ حالة "النصف الدولة" حيث غابت سيطرة الحكم على ثلث أو ثلثي البلاد وان بعض الأمور الأساس في مجال الإقتصاد والتجارة والمال تقررها قوى أجنبية، إضافة إلى النزاعات بين السلطة المركزية والحكم الذاتي وشقي الحكم المحلي والجهجة في حدود المناطق والاختصاصات.

3- الجدل المواشج لحالة "نصف الثورة" وهي حالة ناتجة من اكتفاء كل عهد (ثوري) ببضعة تغييرات في الشكل الليبرالي التجاري لتملك وتبادل الموارد وتأجيله أهم التغييرات في أهم أسس الاقتصاد والسياسة.


جراء ويلات التشتت والتخلف وما إليه من فقر وجهل وأمية وأمراض نشأت الحاجة في الدولة والمجتمع وفي اليسار التغيير هذا الوضع المزري وفتح إمكانية تناسقهم على ضوء حاجة الناس إلى التنمية وحاجة التنمية إلى تغييرات متكاملة .

■ لم يكن الدكتور جعفر بخيت مجرد وزير من النوع العابر بل كان ناقداً ألمعياً ومبادراً الى تغيير المنظومات الحكومية التقليدية التي أسسها الاستعمار لنهب موارد البلاد.

بالإمكان القول ان هذا التغيير بدأ بكشف فشل هذه المنظومات في تنمية بلد ملاييني السكان ذاخر بكل أنواع الموارد لكن بعد حوالى خمسة وستون عاماً من الإدارة الإستعمارية وإلحاق هذا البلد بحداثة غرب أوروبا بقى مجتمعه مشتتاً ومتخلفاَِ معتمداً على مشروع زراعي واحد وبضعة مدارس ومشافي، مجتمعاً يتحرك بلا طرق ويعيش بدون مياه نظيفة وبدون كهرباء، تسيطر على معيشته وأموره حفنة من التجار تحكمهم وتحكم شؤون انتاجه أربعة شركات أجنبية وأربعة بنوك أجنبية يأخذون لنفسهم غالبية ثمرات جهد المجتمع ووعي غالبيته مغيب يالأمية والجهل والفقر والمرض والنزاعات.


■ في ذات السياق الإداري لضرورة التنمية الشمولية كان الدكتور جعفر بخيت منتقداً سلبيات الطائفية وسلبيات النزعة القبيلية في الدولة ومع إنتقاده لتخلف العمل السياسي والحكومي وما إليهم من مظالم طبقية ونزاعات طائفية وقبيلية وأيضاً واجهت تنظيرات الدكتور جعفر بخيت إنقسامات أحزاب الفكر الإشتراكي بفكرة الوحدة القاعدية وربط فكرة الإتحاد الإشتراكي بمهمتين شعبيتين متداخلتين إلى حد ما هما مهمة تنمية الحكومات المحلية ومهمة إرساء حكم الشعب.

■ بين الدكتور جعفر بخيت إن أمور التنمية وما تحتاجه من تنسيق واتحاد بين القوى الاشتراكية لا يمكن تحقيقها إلا بإرساء سلام عادل بين شمال وجنوب السودان بدايته حكم ذاتي اقليمي وأن كل هذه الأمور لايمكن تحقيقها بدون صياغتها بشكل محدد ومفصل في دستور مدني علماني ينظم كل أمور الحكم والدولة بعيداً عن الإنفرادات والنزاعات القبيلية والطائفية.



5- العلة الأساس في تنظيرات الدكتور جعفر بخيت:
كانت العلة الأساس في تنظيرات الدكتور جعفر محمد علي بخيت وما يشبهها داخل وخارج السودان تصورها إمكان صنع حل إداري لأزمة طبقية عالمية وداخلية معقدة يحتاج حلها الجذري إلى ثورة بروليتارية تدافع بكل آليات الحسم الثوري عن حقوق وأهداف الشعب ضد كل أنواع وأشكال التحكم الرأسمالي والعنف الرجعي.

(أ) بعض أسباب العلة:
■ من أهم أسباب علة ربط الثورة بالتغيير الاداري أولاً اكثر من ربطها وربط التغيير الاداري بالتغيير الطبقي أولاً سبب مرتبط بسيادة الثقافة النخبوية المتمركزة حول فكرة إمكان حل الأزمات العامة بجهد فرد مخلص مزود بالعلم والخبرة وهي فكرة مكرسة في أذهان غالبية المتعلمين وراسخة فيهم منذ الاف السنين بحكم تأثير نهج التعلم والتعليم والإعلام القائم على الوجود والاقناع والإقتناع والنشاط الفردي أكثر من تركيزه على وعيه وأكثر من اهتمام ذلك التعليم وثقافته بالأسئلة والمعرفة والأنشطة الجمعية.

■ السبب الثاني سيادة ثقافة الإخاء والتجمع والبعد من الصراعات العميقة وما فيها من إحتمالات إراقة الدماء وتأجيج الحروب أكثر من ثقافة الوعي بطبيعية وجود صراع بين طبقات كل مجتمع على أمور المعيشة والانتاج وضرورة حسمها بنشاط ثوري جماهيري لتوعية وتجميع وحشد وتنظيم غالبية القوى النشطة وسط الطبقة العاملة المستغلة لكسر جميع أشكال الاحتكار والعنف والتحكم التجاري والرأسمالي التي يمارسها تحكم الطبقة المتملكة لأهم موارد ووسائل معيشة المجتمع وما في هذا التحكم التجاري والرأسمالي من اهدار حقوق وسفك آجل لدماء غزيرة.

■ السبب الثالث: هيمنة فئة المهنيين وطريقة تفكيرهم وآرائهم على كل كل شيء في الدولة و طبقتي المجتمع بحكم انهم أكثر فئات الطبقة الوسطى نشاطا في كل مفاصل الاقتصاد والتجارة والقانون والحكم والسياسة والتعليم والاعلام وفي الأنشطة العسكرية والأمنية وفي الأنشطة الحزبية وبالتالي ميل ثقافتهم لأمور التوافق والتغييرات الإدارية السلمية.


■ على أي حال كانت كل فكرة من الأفكار التي قدمتها تنظيرات الدكتور جعفر محمد علي بخيت من الافكار المعلومة نوعاً ما في المجتمع السياسي لكن تنظيرات الدكتور جعفر إمتازت بجمعها وتبيينها وترتيبها في مشروع تقدمي للثورة ومشروع ثوري لتعزيز التقدم.

■ شكل بجمع وتقديم كل هذه الأفكار هدفاً لهجوم النخبة عليه وترط الابداع الشعبي منتظراً تحت مظلة انتظار التكنوقراطية والعشم في إصلاحات جزئية تكرر فشلها حيث رأت مركزية الدولة ومركزية العالم الغربي -من قبيل التسويف- ترك الامور للمستقبل عندما تتحسن الظروف دون تغيير في نوع الإدارة والسياسة والاقتصاد حيث تم عزل الدكتور جعفر بخيت من وزارة الحكم الشعبي وتحويل كل المشروع إلى حالة بيروقراطية وتكنوقراطية.























6- اللامركزية واللا حزبية :

(أ) أجزاء من البداية الثقافية:

1- منذ الخمسينيات والستينيات انتشرت في كثرة من الدول فكر "اللا" الماثل في أوصاف صعبة الاحتكار كصفة "عمل لا تجاري" أو عمل "غير حكومي" أو صفات مثل "لارأسمالي" و"اللامركزية" و"اللاعنف" و"اللاآيديولوجي" و "اللاحزبية" و"عدم الانحياز" وكذلك حالة اة حال "اللاسلم واللاحرب".

2- ثقافة هذه "اللا" التي تشبه خط الاستواء ثقافة متنوعة النبات فقد حضر بعضها في أجزاء من "الصوفية" و"الفابية" و"الشكلانية" و"النسبية" و"السوريالية" و"الوجودية" و "الظاهراتية" وفلسفة "الرفض" و"اليسار الجديد" وهي الشق الثاني من فلسفة الاصطلاحات فكثير من الإصطلاحات تتخشب بحرفي التعريف "الـ" كإصطلاحات "المجتمع" و"الانسان" و"العدل" ثم إذا حضرها الانسان وجد لها في ذهنه ومجتمعه عدد من التصورات لذا مقابل هذه "الـ" القابضة المحددة للمعنى حسب ما تقرره الصياغة والمداولات الأولى للاصطلاح صاغ الفلاسفة ضد تحكم "الـ" صيغة نفي بحرفي "لا" …none قبل فترة طويلة من صيغة شهادة العقيدة الاسلامية (أشهد أ"لا" إله الا الله محمد رسول الله").

3- بشيء من تكاثر الثقافة النظرية في العالم وهذه الـ"لا" أو تلك "الـ" دخلت الدعاوي والصراعات السياسية في السودان مرحلة الرسالات والتعبيرات الفكرية الدقيقة بعد ان كانت أمور السياسة تنطلق في شكل عبارات عامة.

رغم دقة أو انفتاح التعبيرات السياسية الجديدة بقيت علاماتها الكلامية وإصطلاحاتها حبيسة تقليدين مألوفين عند النخب المهتمة بالكلام السياسي وهما التقليد اليساري الشكل المشتغل بتمحيص دقة الاصطلاحات والتقليد الثقافوي المشتغل بزيادة نطاق الاصطلاحات وإفساح دائرتها ودون اهتمام في التقليدين بإجراءات التغيير. ولعل الدكتور جعفر بخيت وهو سليل أربعة أنساق متكاملة ومتصارعة من الثقافات كان من أوائل الذين رأوا إيجابية تكامل وتعامل اصطلاحات الثقافة والسياسة والمعرفة الحديثة مع الإدارة العامة للمجتمع والدولة وكذلك ايجابية تعامل الإدارة معهم.


(ب) رفض الأحزاب اليمينية لليسار ورفض اليسار للطائفية والقبيلية والرأسمالية:
كان ولم يزل نفور الأحزاب الحامية لمصالح الطبقة المالكة لموارد الحياة وكثرة من وسائل المعيشة نفوراًَ شديداً من آمال ومطالب الطبقة الكادحة أساس في عجز التحزب عن تنمية غالبية دول العالم وإدارة تنوع مواردها ومجتمعاتها بشكل عادل ومثمر لذا انتشرت ثقافة تأجيل التحزب وصراعاته والاهتمام بحل الازمات والمشاكل العملية عبر التخصص التقني الاداري في حلها وليس عبر التخصص السياسي الفوقي.


(ج) حضور الحزب وحضور العمل وحضور الإنسان:
عرف الدكتور جعفر بخيت باهتماماته المهنية الإدارية والثقافية بينما كانت مكانة كثير من مجايليه في خمسينيات وستينيات القرن العشرين مكانة قائمة على أساس إنتماء إلى طائفة أو حزب معين أو مناصرة حزب لهم، وخارج المهن الناعمة لم يكن الإرتباط بمهنة أو حرفة أمراً من دواعي الإعتبار وحسن التقدير لكنه أصبح كذلك في حياة د. جعفر بخيت حيث ما إن يذكر اسمه لكثير من مجايليه إلا وترد معه أمور الحكومات المحلية والحكم الشعبي واللامركزية وجزء من إرتباطه بها. ومنذ الثمانينيات أصبح حال الانتساب للعمل ديدن كثرة من المهنيين بعد أن كان فردهم يقدم نفسه بحزبيته أصبحت الأحزاب تقدم نفسها بمهنييها وأصبح المهني يقدم نفسه أو يذكر عند الآخرين بحرفته وتخصصه. ويبقى حضور الانسان في الحزبية وفي العمل رهن مجموعة من الخلفيات والتقديرات والمصادفات قوامها الاتساق الثقافي والشبه الوجداني


(د) الوحدة والصراع:
في حرارة ستينيات القرن العشرين طرح الساسة الامور العامة لتنوع الآراء طرحا اقتصر على المفاضلة بين الوحدة والصراع من ثم كانت النظرة العامة إلى الصراع نظرة سلبية بينما غلبت في الالفية الجديدة صيغة مفاضلة موجبة بين الاختلاف داخل الوحدة أو تجميع وتنسيق الاختلافات من ثم في أمور النشاط العام والإسهام الوطني كان جعفر بخيت في تلك الستينيات تكنوقراطياً كأبيه وجده مجدولاً برفض التحزب كأي من الخبراء التكنوقراط وكأي فرد من المستقلين الذين يظنون ان جودة الحياة العامة تتحقق بتجويد الفرد عمله وزيادة معرفته وتنمية تخصصه.


(هـ) صراع الكفاءة والولاء:
■ قبل وبعد توليه الوزارة كان الدكتور جعفر بخيت مؤمناً بان إصلاح النظم الكبيرة يبدأ باجتماع واتفاق أهل كل مجال فيها على مواطن الخلل واتجاهات الإصلاح. وان التحزب وخلافاته تجعل الأعمال رهينة المسميات والشخصيات بدلاً لأن تجعل المسميات والشخصيات رهناً للأعمال وان تقلبات ترتيبات وشخصيات التحزب وما فيه من مؤثرات وتغيرات دولية وأخرى داخلية تخفض استجابة الجمهور لدواع التعاون والعمل المشترك وتضعف تركيز الفرد على تجويد عمله ودراسته وتقوى سعيه لإظهار ولاءه على حساب قيامه بانتقاد أداءه وهي نظرة لا ترى في التحزب معيناً لتدرب الانسان الحزبي ومدرسة لتجويد عمله وتحسين تعلمه.

■ عرف العالم شيء من التمايز والتنافر بين التزامات الأداء الحزبي والتزامات العمل النمطي في موضوع الصراع في إدارة الأمور بين أهل الثقة والولاء وأهل الكفاءة والاختصاص إذ ان من غير المنطقي ان يقوم المرتبطين بالسياسة القديمة بإدارة السياسة الجديدة وكذلك من غير المنطقي تغيير شاغلي الوظائف مع كل تغيير سياسي في أمور الإدارة ومن غير المنطقي إبقاء جزء من السياسة التالفة حاكماً لنوع جديد من الإدارة أو تكوين إدارة جديدة لسياسة تكرر فشلها البنيوي.
■ بحكم تداخل الأزمات والنخب والسياسات ونوع الإدارة اتجهت تنظيرات الدكتور جعفر بخيت في موضوعات الإدارة العامة إتجاهاً شمولياً تكاملياً هدفه قيام كل الناس بتغيير كل الأوضاع العامة بأسلوب الحكم الشعبي وهو أسلوب ديموقراطي لا حزبي بل تتعدد الآراء داخل وحداته الأساسية في مجالات العمل ومناطق السكن وفي مجلس الشعب وفي إطاره السياسي، وهو أي الحكم الشعبي أسلوب يخفض خطر الصراعات والتقلبات في الدولة والمجتمع.

■ في أواخر الأربعينيات وأول الخمسينيات كانت غالبية الحزبية في السودان شأن نخبوي وشعبوي ليبرالي بمساق رجعي يظن ان الخير في رجوع الزمان وحياة الناس إلى الماضي الذهبي وكان يتسيدها زعماء الطائفتين لكل منهما حزب، فطائفة الأنصار لها حزب الأمة الموالي لملك بريطانيا وكانت الطائفة وحزبها أقرب للمزاج القبيلي وكانت لطائفة الختمية أحزاب إتحادية كانت موالية لملك مصر أو تروم الإتحاد معها وهي طائفة وحركة أقرب إلى مزاج أفندية وتجار المدن.

■ كان أعيان الطائفتين قد هادنوا الاستعمار الإنجليزي بعد غزوه السودان ولم يكتفوا بذلك بل اهدوا سيف المهدي لملك بريطانيا 1919 ثم وقفوا ضد ثورة 1924 باعتبارها ثورة زنج وضد قرارات إنهاء بقايا النظام العبودي 1925 وفي نفس الفترة تمولوا بالأرض والمال من السلطة الاستعمارية وشاركوها الربح والجاه حين كانت دماء السودانيين تقطر منها ثم دعموا نشاط الإستعمار ضد اضطرابات فترة الثلاثينيات وفي الأربعينيات لم يرفضوا قمع الاستعمار لحركة التحرر بل صاروا تابعين مخلصين لمشروع "الجمعية التشريعية" الاستعماري 1948 كما لم تكن لأي من الطائفتين وحزبيهما برامج عمل محدد بل تمجيد الزعماء والشيوخ و الأفذاذ.

■ في جهة قليلة العدد نمت قوى التحرر الوطني والحداثة وكان لبها عمال وزراع ومهنيين كادحين وطلاب وكانوا كلهم متطلعين إلى تغيير معالم الحياة البائسة بصيغ وبرامج خلاصتها تحكم الناس في حياتهم وموارد مجتمعاتهم هم وطبيعة معيشتهم وثمرات جهودهم وتحريرها من السيطرتين المشتركتين الاستعمارية والطائفية, وكانت قوى التحرر هذه قوى كثيرة الإطلاع قليلة العدد تعاني من الاضطهاد الحكومي ومن الخبث النخبوي وكانت أنشطتها متنازعة بين السرية الشديدة والتحالف مع الأحزاب الاتحادية. وقد حضرت بدايتها خلافات المنشفيك والبلشفيك وتغاير الاستالينيين والإصلاحيين ثم زادت الخلافات بدخول "الإشتراكية العربية" بسياقيها الناصري والبعثي دخولاً أضعف المعسكر الرجعي لكنهايضاً خفض وحدة النضال الثوري الاشتراكي.

■ من الفروق داخل وبين التقدميين والحداثيين والطائفيين والإسناد الاستعماري للرجعية والحرب العالمية ضد الاشتراكية العلمية والعقلانية الإجتماعية نبتت بعض تصورات حركة اسلامية حديثة كانت تلبي تطلعات بعض الطلاب والتجار الصغار الريفيين النافرين من تقاليع المدن والمتطلعين لدور سياسي في المدن والمؤمنين بان الاسلام في خطر من الطائفيين ومن الشيوعيين من ثم اتخذ بعضهم مظهر الافندي المتدين المعتزل وتحالف بعضهم مع زعماء الحزبين الطائفيين.

■ ازاء الصراعات في الحزبية الحديثة وما سبقها من بؤس آراء وأنشطة الأحزاب الطائفية والقبيلية نشأ وسط طلاب الجامعة إتجاه جديد كان لبه المستقبلي تجويد تكنوقراطي للأعمال العامة وزعم هذا الإتجاه ان نأي الطلاب عن الصراعات يسهل اقتراب مكونات المجتمع إلى وحدة فعالة!

■ منذ وسط خمسينيات القرن العشرين إلى وسط ستينياته زادت الانتماءات والنزعات وصراعاتها المنضدة أو المتفجرة بسجالات زعماءها وكانت كل الآراء مشغولة بتسمية الشكل السياسي للحكم ضمن صندوق أو منظومة الاقتصاد والمعيشة السائدة وهي منظومة ليبرالية خاضعة للاستعمار، وعدا بعض جهود الشيوعيين غابت عن الصحف والخطب والنقاشات قضايا هندسة الأسس الشعبية لإدارة الدولة والتنمية.

■ مع جر صراعات الأحزاب الطائفية لتعصب وتلاسن وطائفية وعشائرية وقبيلية وعائلية وإمازات أو أضرار بيروقراطية وتجارية كان دخول طالب جامعي إلى الأحزاب الطائفية يبدو نوعاً من التخلف أو المغامرة وكان دخول الحركة الإشتراكية متعرقلاً بسرية شديدة في جهة وبتقاليع وأمور هتافية وشعاراتية إضافة إلى توالي أنباء إنشقاقاتها الآيديولوجية وخلافات دولها.

■ بين ضعف الطائفية وصلادة وصدمات الاشتراكية صار غالبية الطلاب في حفنة المدارس العليا وفي الجامعة الوحيدة آنذاك طلاباً مناصرين لعموميات الحداثة ومبتعدين عن تنظيماتها الحزبية.
لعل سمة التركيز على مناصرة المحتوى والبعد عن صراعات الشكل تكونت مع التتالي السريع لتغيرات عهود التحكم الفرعونية والسلطانية والتركية والمهدية والانجليزية وكلها تغيرات أضعفت إنتماء الأفراد للقبيلة أو لأي شكل يشبهها وبدلته بالانتماء إلى المهنة أو إلى الدولة أو إلى منطقة أو مدينة فيها ووهي انتماءات تهتم بالوجود العياني والنتيجة أكثر من إهتمامها بالأفكار المقترحة لأسس وطبيعة بناء جديد. وبهذه الثقافة زاد تركيز بعض الطلاب على أمور التفوق الدراسي أكثر من انشغالهم كالطلاب الحزبيين بتأسيس وتنظير الأوضاع التي تلد وتزيد هذا التفوق وتحقق فاعليته، وكذا انصرف كثرة من الناس فيهم الطالب جعفر بخيت عن الأشكال الحزبية وبنفس الثقافة انصرف كثرة من الناس عن تنظيرات الحكم الشعبي والحكم اللامركزي ضمن ثقافة البعد عن جهود الأفكار والمشروعات النظرية طالما انهم لا يشاهدون نتائجها.










7- بعض أصول تنظير جعفر بخيت لتنمية فكرة الحكومات المحلية والحكم الشعبي:

أسهمت أربعة عوامل مع مؤثرات أخرى في تكوين وتنمية اهتمام ونشاط جعفر بخيت في مجالات الإدارة العامة والحكومات المحلية والحكم الشعبي وهي:

(أ) مؤتمرات الإدارة في السودان واتجاهات الإداريين الشباب منذ الثلاثينيات إلى إنتقاد وتغيير سلطات المديرين وحدود المديريات،

(ب) خبرته المهنية كإداري في دارفور وجنوب السودان وفي المركز، ومعرفته النظرية والعملية نقاط قوة ونقاط ضعف النظام الاداري،

(ج) الخبرة بالنظم الإدارية في العالم،

(د) الدراسة والمعرفة العلمية.

من ثم اتجهت جهود الإداري المتعلم جعفر بخيت إلى دراسة تاريخ وجذور الإدارة العامة البريطانية في السودان وطبيعة أعمالها وطبيعة الوضع والتفاعل السوداني معها وآثار نشاطها والتفاعل معها على حقوق ومستوى تنمية مجتمعات السودان المختلفة.



8- رؤية جعفر بخيت لمعالم تجويد وتنمية الإدارة:
■ بحكم الثقافة الحداثية في عائلته وبحكم خبرته العملية وبحكم معرفته وتخصصه كان الدكتور جعفر بخيت يرى إن منظومتي الإدارة المركزية الحكومية والادارة القبيلية منظومتين لتكرار الفشل عجزتا بحكم عناصر وبنية تكوينهما ومصالح القوى المسيطرة عليهما عن تحقيق تنمية متوازنة في السودان وفي كثرة من الدول مثل نايجيريا والهند.

بحكم هذا الفشل البنيي التكوين رأى الإداريين الشباب منذ أربعينيات القرن العشرين ان حل أزمة التخلف/التنمية يبدأ بتكوين نظام سياسي إداري جديد لامركزي السمة قوامه حكم الشعب لأموره في كل مجال عمل وكل منطقة سكن عبر مجلس شعبي لكل منهما تكون غالبية عضويته من مندوبي المنظمات الفئوية (النقابية) والمنظمات الجماهيرية (اتحادات الشباب والنساء) والجمعيات التعاونية وبضعة خبراء أو أفذاذ مختارين لتحسين عمل هذا المجلس على ان يقتصر دور ممثل الحكومة في مجالس الأعمال وفي مجالس المناطق على مهمة التنسيق الأفقي والرأسي، تؤديه الدولة بواسطة ضابط إداري تنفيذي ينسق وينفذ إرادة المجلس.


9- طبيعة التغيير وأفقه البعيد:

(أ) معالم التغيير:
■ ارتبطت إسهامات الدكتور جعفر محمد علي بخيت في مجالات الإدارة العامة وتنمية وضع الحكومات المحلية وتأسيس الحكم الشعبي بالمنظومة الفلسفية سياسية المعروفة في العالم بإسم "الديمقراطية الشعبية" وهي منظومة كان يدرسها لطلابه منذ منتصف الستينيات.


■ لمنظومات حكم الشعب والديموقراطية الشعبية تاريخ عريق فهي منظومات لها جذور في روابط ومجالس الحرفيين في الحضارات القديمة وفي الخلافات الاسلامية وفي غرب أوروبا القديم والحديث التي بلغت مستوى جمعيات المدن الحرة من الاقطاع (فينيسيا وجنوا وفلورنسا وباريس وفرانكفورت وأمستردام وبروكسل ولندن إلخ) كما بلغت طور التحول إلى مجالس عموم وبرلمانات ثم تجلت في أول ثورات برجواز غرب أوروبا في هولاند وإنجلترا وأمريكا وفرنسا قبل ان توئدها أنشطة رأس المال.


■ بعد فشل ثورات غرب أوروبا وأمريكا قام الشيوعيون منذ ثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية في بلاد الروسيا الشاسعة بتنمية فكرتي الاشتراكية واليموقراطية الشعبية انهوا بها الفروق الطبقية والمناطقية وما اليها، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية استعملها كثير من الوطنيين التقدميين والشيوعيين واخرجوا بها أو بجزء منها كثير من الدول من حالة الخراب والموات إلى حال منظومة من النشاط في بناء الأسس المادية للحداثة والتقدم في الانتاج والخدمات بشكل وفر في كل منطقة أسس التعلم والصحة والانتاج والتواصل وإمكانات المنافسة العادلة. وأشهر هذه الدول في عالم اليوم هي الصين.

■ عروة الديمقراطية الشعبية في التنظير الجعفري للحكومات المحلية والحكم الشعبي ان ينعقد الحكم المحلي بإرادة الناس في مجالات عنلهم وفي مناطق سكنهم يكونون مجالس شعبية تنظيم و تدير شؤون وموارد العمل أو المنطقة ثم تنتخب مجالس العمل ومجالس السكن القاعدية هذه ممثلين عنها لمجلس المنطقة الذي بدوره ينتخب إلى المستوى الإداري الأوسع للمحافظة ثم الى مجلس الشعب الذي يحدد سياسة الدولة ويوجه ويحدد عمل الحكومة ويعين رأسها ويوافق على ترشيح من يريدون التنافس على منصب رئيس الدولة.






(ب) أفق التغيير:
■ كان الأفق البعيد والكبير لهذه الرؤية هو تحويل السودان حسب ظروف وثقافة وقدرات مجتمعاته إلى كتلة حكم شعبي لامركزية (جمهورية اتحادية أو ولايات متحدة أو اتحاد جمهوريات).

■ كان الدكتور جعفر بخيت قارئاً انتقادياً وله فكرة أو أفكار اشتراكية فابية عن ضرورة تكامل الأفكار الاشتراكية المتنازعة التي تشمل أفكار الاشتراكيات اللينينية الإستالينية والماوية والعربية والإفريقية والإسلامية. كما كانت له معرفة بعيون وصراعات الفقه والفلسفة والتاريخ والعلوم الإجتماعية والسياسية الحديثة، من ثم واشج فكرة تجمع تيارات الحداثة وتيارات الاشتراكية في مواجهة شتات وغلو الأفكار الرجعية وتنطع وطنقعة أفكار الحداثة السطحية التي تريد استنساخ الشكل السياسي الأوروبي دون ان تهتم بحفر وتشييد أسس وفاعلية عناصر الدولة الحديثة.

(ج) أعمال ارتبطت بإسم الدكتور جعفر بخيت:
نشأ الدكتور جعفر محمد علي بخيت ونشط مع ثقافتي جيله الثقافة الحداثية والثقافة اليسارية مضاداً للتحزب الطائفي ولعنصرية القبيلة كما ضاد النزعات الفوقية البيروقراطية والأوتوقراطية والتكنوقراطية وبهذه الثقافة التي كانت مضطرمة في كل أنحاء العالم آنذاك قدم في أواخر الستينيات دراسات عن الإدارة العامة في السودان لبعض الأفراد من الذين تولوا بعض أمور الدولة والحكم بعد ثورة 25 مايو 1969 وبعض من اختلفوا معها أو تبرأوا منها وقد كانت أهم الأعمال التي ارتبطت باسمه بعد توليه وزارة الحكومات المحلية/الحكم الشعبي 1972 1975 هي:

1- الدفاع عن فكرة الحكم الشعبي وتبيين أهميتها الأساس لاستقلال وتنمية مجتمعات السودان ودولته وضرورتها لإنهاء التحكم الطبقي والتحكم المركزي وتحكم القبيلي المعيق للتنمية.

2- الدفاع عن علمانية الحكم ومنظومات الدولة.

3- الإسهام في عقد أول إتفاق سلام في السودان بين الحكومة المركزية وممثلي الجنوب وهو الاتفاق المشهور باسم "اتفاقية اديس" أو "اتفاقية 3 مارس" وهو اسم مستمد من مكان وتاريخ إعلان الاتفاق في مدينة أديس عاصمة إثيوبيا في اليوم الثالث من شهر مارس عام 1972.

4- تنمية وزارة وأنشطة الحكومات المحلية.

5- تضمين حقوق الجنوب الواردة في اتفاقية 1972 في الدستور المقر عام 1973. وكذلك له جهد تضمين نظام الحكم المحلي في نفس الدستور بعد أن ظل لعشرات السنين لعبة بين رؤساء ووزراء ومحافظين وشيوخ.

6- زيادة ميزانية جامعة الخرطوم والإسهام مع آخرين في تنمية جامعة أم درمان الاسلامية وبداية تأسيس جامعتي جوبا والجزيرة وترفيع المستوى الأكاديمي لعدد من المعاهد.

■ عزله:
بعد نذر معارضته فكرة التوافق مع المركزية المالية العالمية وشروط صندوق النقد الدولي ورفضه بدايات مشروع "المصالحة الوطنية" تم عزله من منصب الوزير في 1975.

■ منذ بدايته إنفاذ خبرة غالبية اداريو السودان بدأت القوى الحزبية المختلفة في مهاجمة فكرته العلمية عن الحكم المحلي وادارة الناس لشؤون مواردهم ومعيشتهم وخدمات حقوقهم وتركز ذلك الهجوم على افتراض سطحي لبه أن تكلفة الحكم المحلي ومناصبه تكلفة مرهقة لميزانية الحكومة! وكان رد الدكتور جعفر بخيت إن الحكومة المركزية لا يجب عليها تمويل الحكم المحلي بل عليها أن تترك لأهل كل منطقة حرية تنمية مواردهم ودفع تكاليف إدارتها.

وقد بين الدكتور جعغر بخيت إن الحكم المركزي الذي يبدو قليل الصرف وهو قليل الانجازات في دولة شاسعة ومبتدئة كالسودان هو حكم في حقيقته باهظ التكلفة مستحق للتغيير لأنه مسبب للتخلف ومهدر للموارد ومعيق التنمية، وان الإقتصاد الحقيقي في نفقات الإدارة الحكومية يحتاج لزيادة الحكم الشعبي وتخفيض الظل الاداري وإلا فإن التسلط المركزي سيزيد الفروق والنزاعات والحروب التي تفكك التماسك النسبي لمجتمعات السودان.*


■ حاز الدكتور جعفر محمد علي بخيت على أوسمة سودانية وإفريقية وعربية وقد توفي في 25 مارس 1976 عفيفاً بلا مال أو منزل أو سيارة بل مكتبة ضخمة وأم جنازته آلاف الناس وقد بكاه بعض العلماء والطلاب والكادحين الفقراء وسخط عليه قبل وبعد وفاته أصحاب المصالح الكبيرة والجاه المضيع ومن فاتهم في أمور الدنيا والآخرة. وكانت
















10- أهم ملمحين من أطروحته عن الإدارة البريطانية والحركة الوطنية:

(أ) تياران بريطانيان:
عرضت أطروحته عن الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان موضوع الحركة الوطنية بشقيها الرجعي والحداثي رأى جعفر بخيت من خلال الوثائق البريطانية التي عرضها ان الإدارة البريطانية لأمور السودان احتوت على تيار إستعماري قح وتيار آخر مناهض للإستعمار من داخلها في لندن وفي الخرطوم كانت ضدية ذلك التيار البريطاني للاستعمار البريطاني ضدية نابعة من ثقافة افرادها أو من تيار تحرر داخل سياسة حزب العمال البريطاني.

(ب) السادة والشعب:
أما في الجزء السوداني من ذلك التاريخ فكانت الوثائق البريطانية وبعض الأخبار السودانية تؤشر إلى ان الحركة السودانية أيضاً كانت تحتوي على تيارين: تيار يميل إلى التعامل الودي مع سلطات الاستعمار وله منها منافع عرضها بالوثائق وهو تيار مكون من سادة الطوائف وشيوخ القبائل وكبار التجار والموظفين السودانيين وتيار مضاد ومصادم للاستعمار في أواسط المدن وكان مكوناً من صغار وأواسط ضباط القوات العسكرية السودانية وأواسط وصغار الموظفين وبعض العمال. لكنه لم يأخذ هذه المجموعة السودانية المصادمة كتلة واحدة بل بين ان فيها أسلوبين أحدهما ذو ثقافة ثورية تميل إلى الفرز والتنظيم الدقيق وأخرى تميل إلى التجميع والنشاط العلني الواسع.

وفي كتابه الصغير عن تاريخ "الأنشطة الشيوعية في الشرق الأوسط بتركيز على السودان ومصر 1919 1937 تناول من خلال الوثائق البريطانية صلة بعض أنشطة الشيوعيين الأولى في الشرق الأوسط بالحزب الشيوعي المصري وعبره ببعض أعضاء اللواء الأبيض.

إنتهى النص



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جعفر بخيت، ديالكتيك الإدارة العامة والحكومات المحلية والحكم ...
- بعض نهايات الليبرالية
- تأثيل خفيف لتأريخ علي شريعتي
- في تناقض الجذريين والإصلاحيين
- أمن البحر الأحمر
- الحاجة لتصورات مختصرة
- تأثيل الغابة والصحراء
- شقا الليبرالية العلماني والإسلامي
- تأثيل العمال والمحافظين
- ما هو الميزان الصحيح؟
- أهمية تكامل العملية الثورية
- الصوفية والسلام
- تمحيص خفيف لكلام فرزعة الحزب
- رحلة ذهن من العاشات الى التأثيل
- معالم فهم النخبة لوقف الحرب والسلام
- الخراب زاد ضرورة التغيير الجذري في العمل السياسي
- نقطة من الصراع الطبقي في الأحزاب الثورية
- الزراعة، أزمة في أوروبا وإزدهار في الصين
- ضد الماركسية الغربية
- جزء من تأثيل الآيديولوجيا


المزيد.....




- البنك المركزي السعودي يعلن ارتفاع صافي الاصول الاجنبية ووصول ...
- نور زهير: أموال الامانات الضريبية غير تابعة للدولة وسرقة الق ...
- مصر.. توقيع اتفاقيتين لمشروع مصري إماراتي ضخم في خليج السويس ...
- اقتصادي يعلل فشل نظام الدفع الالكتروني في محطات الوقود ويدعو ...
- نمو الفائض التجاري لمنطقة اليورو خلال يونيو
- النمسا.. أطول موجة حر تلحق الضرر بالمحاصيل الزراعية
- تحالف -مصدر- إنفينيتي- يوقع اتفاقيتي مشروع طاقة رياح في مصر ...
- بافاريان نورديك الدنماركية تزيد إنتاجها من لقاح جدري القردة ...
- الروس يتصدرون السياح إلى تركيا وأنقرة ترفض وضع قيود
- استطلاع: هاريس تعود للمنافسة في -حزام الشمس-


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - المنصور جعفر - جعفر بخيت، ديالكتيك الادارة العامة والحكومات المحلية والحكم الشعبي في الصراع بين نصف الدولة ونصف الثورة