|
حكايا من حكايات جحا 2
رولا حسينات
(Rula Hessinat)
الحوار المتمدن-العدد: 8073 - 2024 / 8 / 18 - 00:21
المحور:
الادب والفن
يبدو أن القرية التي دخل عليها جحا غائبة عن الوجود أو ربما لم يعرفها أحد من قبل، أو ربما احتاجت لأحد المستكشفين ليدون اسمها على صفحات الكتب، واضعاً اسمه كتذيل بآخر كل حديث عنها. ولكن كل هذا لم يكن ليحدث لهذه القرية ؟! فمواصفات القرية التي دخلها جحا صحيح كما يبدو أنها قرية من حيث البيوت الصغيرة المتقاربة، والشوارع الضيقة وأكوام من القاذورات عند بيت من البيوت دون غيره من البيوتات المتلاصقة، كما يصح الوصف بطريق طويل متعرج يلتف حول عدد من البيوت وينفتح فمه كثعبان عند بيوت أخرى، والحجارة تنبز منه كحبوب بنية وسوداء، غير أن كل هذا وإن كان من مواصفات القرية، ولكن يبقى الجز الأهم، حدج جحا عينيه ليلمح طفلاً أو شيخاً أو امرأة أو رجلاً أو أي أحد...فليكن...فكر جحا وهمهم :... ربما لصا. استرق السمع من أحد البيوت غير أنه لم يسمع صفير شخير أحدهم، حديثا بين اثنين عن ثالثهم، غيبة لنساء الحي، صراخاً لطفل رضيع، عويلا، نحيبا، ضحكا، جنونا فليكن أي شيء ينبأ بالحياة... لم يكن من عادة جحا أن ينتظر طيلة النهار ليطعم او ليسقى، فعادات الناس وأهل القرى أن يطعموا غريب ديارهم، ويسقوه ويجعلوا له دارا ولو صغرت ليسكن فيها حتى يرتب أحواله إن طال به المقام، الباب وراء الباب طرق حجا، ونادى عند الشبابيك وطرق الكثيرمنها لكنه لم يصل إلى أن هناك روحا في هذه القرية. -أربما جاءها عارض فأخذها عن بكرة أبيها...؟أطرق جحا رأسه بالتفكير...ولكن أيكون دون أن يحطم البيوت ويجعل عاليها أسفلها؟...غمغم جحا ونفض الفكرة عن رأسه...ولكن أيكون هؤلاء القوم من الأقوام التي لا تأكل الطعام ولا تشرب الشراب ولا تقضي الحاجات... ولا تبيع ولا تشتري وإنما وتبيع وتشتري الراحة والكسل؟ وماذا عن بهائمها...؟ قالها جحا وهو ينبش بأظافره فروة رأسه...بعد أن رفع عمامته والتي أثقلت رأسه كما أثقلته الكثير من الأسئلة التي لم تعد له جوابا. انهك التفكير جحا كما أنهكه الجوع وأضرم في قلبه العطش... - لا سوق، ولا دكان...ولا قن للدجاج ولا سرب من الحمام... تمتم جحا ورمى رأسه ليعد الحصا المتناثرة هنا وهناك حتى وقفت عيناه على خيط طويل...خيط لونه أبيض يسير مع مد البصر، تتبع جحا الخيط ليرى له البداية فلم يجد، فقام من فوره يقتفي أثره لعله يجد النهاية ولعلها تفسر له الكثير مما جهله، وما أصعب أن يجهل المرء كل شيء مما يراه... باتت قدرته على اللحاق بالخيط الأبيض صعبة المنال مع التهام ابتلاع الليل آخر ضوء للنهار، وبالكاد حملته قدماه، رغم أن القرية تبدو صغيرة غير أن يقسم أنه قد كبرت وكبرت كثيرا، ولكنه عندما أسند ظهره للجدار الخشن وبات ينزلق بخشونة طابت له لتحك جلده الذي اغتسل بالعرق...حرك رأسه يمنة ويسرى لقد أدرك أنه دار العديد من الدورات ليعود إلى نفس البيت الذي كان جالسا بقربه أول مرة...كذب نفسه وهز برأسه ولكن هذي هي البقعة الكبيرة عند حافة النافذة حديثة الرطوبة، يبدو أن هناك تسربا ما في الجدار أحدث تلك البقعة ولكن لا يوجد شيء في الحائط إن تشابهت هذه القرية مع غيرها من القرى، وإن كان هناك شيء يحدث ذلك القدر من الرطوبة فلا بد أن مصدره دائم فلا يجعل يدا للحر أن يساعد في تبخيره...هرش رأسه وقد قرر ألا يفكر في شيء فجحا الذي لا تخفى عليه خافية بات لا يستطيع أن يفهم أو يفكر. ما الذي يحدث؟ بدا الليل موحشا والكثير من السكون القاتل يعني أن يتوقع أي شيء في أي لحظة. لم يجد نفسه إلا وقد فتح الباب لم يستطع أن ير شيئا وسط الظلام الدامس تحسس طريقه ليجد سريرا يلقي بجسده الثقيل عليه، بضع ثواني وقد كان صوت شخيره يعلو في المكان... -ما هذا اشيء؟ -لا أدري! لقدر درست كل الكتب ولم أعرف تصنيف هذا الشيء؟ -هل نقتله؟ أو نحلله ونضعه في إحدى الزجاجات في القبو؟ -ولكن...الأمر الغريب أنه استطاع أن يدخل قريتنا دون أن يمسه سحرنا أو أن تضربه واحدة من اللعنات المرصودة عند البوابة...ولكن الأغرب يا سعلوة أنه قد تمكن من رؤية قريتنا! -بقيت الأعين الأربع تتابع كل صعدة وهبطة من صدر جحا وهم يحاولون معرفة أي قوة يمتلكها هذا الكائن الغريب! القوة العجيبة التي تستطيع أن توقظ جحا من نومه هي رائحة الطعام، وليس أي طعام يستطيع أن يملأ منخريه، فللطعام أوصاف وكامل الأوصاف ما يملئ دماغه...الدسم، الدسم هي الكلمات التي تسبق كلمة طعام بل وتسبق رائحته لتدغدغ جحا بنومه الثقيل. أخذ أنفه يتقدم جسده وهو يجلس على طرف السرير...وعيناه بالكاد يستطيع فتحهما...إلى المائدة القريبة مد نظره الذي غطته غشاوة رقيقة أعاد فتح عينيه مرة تلو الأخرى، فركهما، حملته قدماه إلى المائدة في وسط الحجرة، جلس إلى الطاولة والكثير من أطايب الطعام...اللحم والدجاج والعصيدة والأرز والكثير الكثير من الصحون المملوءة. صح قول القائل: عند البطون تغيب الذهون...انشغل جحا بتناول الكثير من الطعام ما لذ منه وطاب دون أن يحيد بنظره عن المائدة أمامه. بعد أن امتلأت بطنه وانتفخ بطنه...حمد الله وشكر على نعمه التي أنعمها عليه، فما استطاع أن يأكله في هذه الوليمة لم يكن ليقدر له أن يأكله...والأمر الأكثر روعة، أنها له وحده لجحا وحده دون غيره فلا أحد ينافسه حتى حماره الذي خلاه وراءه في قريته البعيدة بعد أن طعن بالسن، فخير ما يقدره به عدم إنهاكه بالكثير من ويلات ومشقة الترحال الذي جعله جحا وصفته السحرية في البحث عن أشياء جديدة بعد أن أنهكه سباب زوجته ليل نهار ولعنها للحياة معه. تنهد تنهيدة طويلة وهو يربت على بطنه، تجشأ...وهو يلف بنظره الحجرة، حتى وقف بنظره إلى العيون التي تنظر إليه...لقد تذكر أنه في القرية المجهولة...والتي تتسم بكل غرابة عاشها...لكن ما يراه أمامه هو أغرب ما يمكن رؤيته!
#رولا_حسينات (هاشتاغ)
Rula_Hessinat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيد علم الدين 3
-
المصباح
-
والله يازول الحال تعبان
-
السيد علم الدين 2
-
الفرار المحتوم
-
المألوف المجتمعي
-
السيد علم الدين
-
المألوف المجتمعي بين التغيير والتحول
-
فأر أسود
-
الشبيه
-
Children of Gaza are dolls, and perhaps its inhabitants are
...
-
It is not as any other stories
-
قراءة نقدية في المجموعة القصصية اعترافات ثملة بقلم الناقدة و
...
-
رحلة في تابوت
-
رشفات الحياة
-
رواية شيفرة الإنتقام
-
الرسالة الأولى
-
الرسالة الخامسة
-
منعرجات النسيان
-
الرسالة السادسة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|