|
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الخامس عشر)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8072 - 2024 / 8 / 17 - 07:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من التحديات التي واجهتني في المراحل الأولى من هذه الرحلة شساعة نطاق الموضوع الذي ليس مناطه شيئا ٱخر غير الحديث عن مفهومي الحرية والحقيقة في القول الفلسفي، وربما، لهذا السبب، أرى أنه من غير المناسب أن أدعي قدرة على الإلمام بالموضوع من كل جوانبه، إنما حسبي ألا يتعدى عملي حدود تجربة يمكن اعتبارها نموذجا فقط من بين نماذج محتملة يبقى متاحا لغيري، حاضرا ومستقبلا، إمكان الاشتغال عليها بمقاربة مغايرة ومنظورةمختلف. في هذه المرحلة الخامسة، بخلاف سابقاتها، سنقوم سويا بقراءة مقالة مطولة (140 صفحة) كتبها روبينس بيليدور، الأستاذ الباحث بجامعة شيربروك الكتدية، ونشرها على الحامل الورقي سنة 1996 وعلى الانترنيت سنة 2015 تحت عنوان: "بخصوص إشكالية الوجود: جوهر الحقيقة والحرية الإنسانية عند هيدجر". بدأ هذا النص بالإشارة إلى أن مسألة الحقيقة هي مسألة "معنى الوجود". أصبحت متجذرة حتى في ماهيتها ا الأساسية كحقيقة الجوهر. ويعني الفيلسوف بالجوهر ما يميز شيء ما باعتباره كذلك. هكذا، تم إدراك فكر الوجود، الذي اشتقت منه هذه المسألة في الأصل، منذ أفلاطون على أنه "فلسفة"، ثم حصل في ما بعد على اسم "الميتافيزيقا" التي ينظر إليها من أساسها كتفكير في الموجود بما هو موجود. إنها تساؤل يتجاوز الموجود الذي تتساءل عنه من أجل استعادته كما هو في مجمله لتحقيق مفهومه. وبالفعل، حيثما طرح السؤال عما هو الموجود، إلا ويقف مرئيا كما هو. وهكذا يكون التمثيل الميتافيزيقي مدينا بهذه الرؤية إلى ضوء الوجود. إنه (السؤال) يتوقف عن أن يكون قبل كل شيء في ملكية المعرفة المطابقة للواقعي، ليصبح حدثا مرتبطا بحلول الوجود في الدازاين. إنما في الاختلاف بين الوجود والموجود يعثر على أصله. ولأن الوجود لم يُفترض قط من قبل التفكير الفلسفي كأصل لزمن وتاريخ العالم في هذا التفاعل الثنائي ببن الوجود والموجود، لم تكن حقيقة الوجود أبدا موضوعا للتفكير الموضوعاتي. لعرض هذا البحث الصعب عن مسألة حقيقة الوجود التي لها نفس البنية الدائرية التي لمسألة الوجود، قام الكاتب بإجراء تقطيع معين بدا له ضروريا للاستجابة لحاجتنا إلى فهم أوضح لفكر فيلسوفنا. أليس هذا ما فعله هايدجر نفسه عندما عرض لأول مرة في كتاباته الأولى، من "الوجود والزمن إلى "جوهر الحقيقة"، الجانب "المتعالي" لحقيقة الوجود، في حين أن أحدث أعماله، وهي تحتفظ بالنتائج السابقة، لكن عبر استعادتها على أساس أكثر أصالة، حققت منعطف --- die Kehre --- فكره وفق الجانب "المتعالي" لحقيقة الوجود. هنا أخبر الكاتب قراءه بأن مقالته ستأخذ في الاعتبار الأعمال الأولى فقط، وهذا يعني أنه لن يتطرق إلى المنعطف، لكنه سيركز على هايدجر الشاب وسوف ينتناوله كهلا في حديث لاحق. عندما نشر مارتن هايدجر الجزء الأول من كتابه "الوجود والزمن"، عام 1927، تعرض فجأة فكره الذي تطور لفترة طويلة في صمت نشاط أستاذ جامعي، للضوء القاسي للوجود العام. في هذا السياق، أكد هايدجر، كما كتب بوجيلر في مقدمة "الوجود والزمان"، أن هذا الكتاب جعل فكر مارتن هايدجر، على ما يبدو، في طليعة الحركة الفينومينولوجية، التي كان يعلم أنه ينتمي إليها، وأنه أهله لأن يتقدم، بشكل أكثر عمومية، على كل الذين كرسوا أنفسهم للفلسفة. أثار الكتاب إلى حد كبير ظهور مواقف أساسية: البعض رأى فيه محاولة، قام بها الإنسان أخيرا بشكل جذري لأجل غاية حسنة، للارتباط به وحده وبأكمله؛ بالنسبة للآخرين، قدم الكتاب مساعدة كافية لجعل خطاب الإنسان حول الله، أو حتى الكلام الموجه من الله إلى الإنسان، ملموسا بطريقة جديدة. بالنسبة إلى الكثير من الشباب الذين كانوا يبحثون عن طريقهم، أصبح "الوجود والزمان" مرشدا، فقط لأنه في وسط ديحور الثورات والحروب تعلموا رغم كل شيء، من هذا الكتاب، أن يموتوا --- في هذا المعسكر أو ذاك --- كيف يجربون موتهم الخاص. لا يمكننا أن نكلف أنفسنا بمهمة مكافحة أخطاء التأويلات. ما الفائدة من إظهار أن هايدجر قد أسيء فهمه، --- ما ذا يمكن ان يقع،خلال المسار، لو احتقر ايضا نفسه ومٱله؟ قد نسأل أنفسنا: ما الذي يبرر أن هايدجر أسيئ فهمه؟ يمكننا الإجابة بإيجاز، آخذين النازية كمثال. عدد كبير جدا من المعلقين والقراء الذين يربطون أفكار الفيلسوف بانتماءه النازي، لا يوافقون أي شخص على اختياره فلسفة مارتن هايدجر كمسار فكري في الحياة العملية. ربما هناك، كما يشير بيير بورديو، أفكار قليلة محددة ومؤرخة بعمق مثل "الفلسفة الخالصة" لهايدجر. ما من مشكلة من مشكلات العصر، أوإجابة أيديولوجية من"الثوار المحافظين" على هذه المشاكل إلا وتوجد في هذا العمل المطلق، إنما في صورة متسامية وغير معروفة. ومع ذلك، هناك عدد قليل من الكتب التي تمت قراءتها بطريقة هي كذلك لا تاريخية بشكل عميق. أكثر المستنكرين تصميماً على التنازلات التي قدمها مؤلف كتاب "الوجود والزمان" للنازية هم بالذات من أهملوا دائمًا البحث في طياته عن أدلة أو اعترافات أو آثار قادرة على التأشير أو إلقاء الضوء على التزامات مؤلفه السياسية. هؤلاء المستنكرون لم يستطيعوا تجشم عناء السعي إلى معرفة ما كان يريده هايدجر من صيرورته نازيا، فضلوا التدقيق في أعمال الفيلسوف من أجل تسليط الضوء على ما اعتبروه جديرا بالدلالة على معاداة السامية، معتبرين أن العرق هو "وجود-الإنسان". هذا هو التناقض الذي ننوي حله في نهاية حديثنا، حتى نظهر للقراء الكرام ما أراد تحقيقه من خلاله انتمائه إلى النازية، معتمدين على كلام هايدجر نفسه. المسألة الحاسمة والوحيدة هي معرفة مصدر هذا سوء الفهم، ومن أين يأتي. نظرا للطمأنينة أثناء مشيها نائمة عندما مرت الفلسفة. بجانب القضية الحقيقية والوحيدة في "الوجود والزمان"، لم يكن الأمر، كما أدرك هايدجر في حينه، يتعلق بتفسير خاطئ لكتاب ما، ولكن بهجراننا من قبل الوجود: فهم أصل هذا "الهجران"، البحث عن إمكانية الخروج منه، والاهتداء هكذا إلى مدخل يؤدي إلى ما يجب التفكير فيه والتوجه نحوه، تلك هي المهمة الآن. ما كان نيتشه يريده، من خلال تقاسمه، عبر "فكره الفريد"، من هذا القليل الذي يحجب، بحث عنه هايدجر أيضا في المقالات والندوات والدروس التي يتعين علينا مراجعتها والتي سنذكرها بالترتيب الزمني: "في جوهر حرية الإنسان"، دروس 1930؛ دروس حول استعارة الكهف ومحاورة ثياتيتوس لأفلاطون، شتاء 1931-1932. شيلينج صيف 1936: مقالة حول جوهر الحرية الإنسانية ونظرية أفلاطون حول الحقيقة، 1942. (يتبع) المرجع: RUBENS BÉLIDOR, A propos de la problématique de l Être: L ESSENCE DE LA VÉRITÉ ET DE LA LIBERTÉ HUMAINE CHEZ HEIDEGGER
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
رحلة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الصحافيون الثلاثة المفرج عنهم يطالبون بـ”إطلاق سراح جميع معت
...
-
المغاربة المناصرون لفلسطين غاضبون من صمت المخزن عن إغتيال هن
...
-
حماس ترحب بهدنة وفق رؤية بايدن وأبو مازن في رحلة إلى روسيا ل
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
مكناس: عاملات وعمال سيكوميك بين مطرقة التسريح التعسفي والمتا
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
على هامش اعتقال مصالح الأمن ل-خولة الفايد- و-ولد الشينوية- -
...
-
برشيد: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر منبهة
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
تهديدات متبادلة بين إسرائيل وإيران ومناورات دبلوماسية لحمل ج
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فرنسا تدعو رعاياها إلى
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الدار البيضاء: المكتب الجهوي للحزب الاشتراكي الموحد يعقد دور
...
-
تبادل السجناء مع موسكو: جدل ساخن في ألمانيا
المزيد.....
-
زفاف أمباني وسيلين ديون صنعت الحدث في باريس والرياض.. أحداث
...
-
وزير خارجية طالبان يجري أول اتصال بنظيره السوري.. ماذا بحثا؟
...
-
بلينكن يبحث مع نظيره الأوكراني مسألة الدعم الأمريكي لكييف
-
بعد ضجة واسعة.. محافظ دمشق يصدر توضيحا بعد تصريحاته حول السل
...
-
هل تتحول سوريا لساحة صراع تركي إسرائيلي؟
-
ناسا تسجلاً إنجازاً جديداً بوصول مسبار باركر إلى أقرب نقطة م
...
-
روما تندد باحتجاز صحفية إيطالية في إيران منذ أسبوع
-
أردوغان يعلق على نهاية -ظلم البعث- في سوريا وانتصار السوريين
...
-
الولايات المتحدة تزعم تورط روسيا في تحطم طائرة أكتاو
-
لبنان.. توقيف سائق شاحنة على متنها 67 شخصا تسللوا من سوريا
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|