أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - موقع 30 عشت - حول ثورة أكتوبر















المزيد.....



حول ثورة أكتوبر


موقع 30 عشت

الحوار المتمدن-العدد: 8071 - 2024 / 8 / 16 - 16:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بعد نشره للنموذج الثاني من وثائق الثورات الخمس الكبرى والمعنون ب "حول كومونة باريس وما بعدها، التجربة والدروس"، يضع الموقع النموذج الثالث في هذا الملف، ضمن خانة "بيانات ومواثيق: النماذج الثورية الأساسية"، وهو يحمل عنوان:"حول ثورة أكتوبر".
ـــــــــــ ـــــــــــ
من وثائق الثورات الخمس الكبرى
النماذج الثورية الخمسة
الجزء الثالث
النموذج الثالث

حول ثورة أكتوبر
إعداد: وليد الزرقطوني

حول ثورة أكتوبر

يقول آلان باديو في كتابه "بتروغراد، شنغهاي ثورتي القرن 20" أنه:
"في الحقيقة، لجعل حدث ثوري ميتا في ذاكرة الناس، يجب تغيير الواقع وتحويله إلى حدوثة دموية وسوداوية. إن موت ثورة ما يتحقق عن طريق افتراءات تتغطى بالعلم، ولذلك فالحديث وتنظيم مئويتها لا بأس، لكن بشرط أن تتوفر الوسائل الذكية للإتيان بخلاصة: لا يجب أن يتكرر هذا أبدا!".
لقد كان الحال هكذا مع الثورة الفرنسية، فأبطال الثورة أمثال روبسبيير، سان جيست، كوتون، اللذين تم تقديمهم خلال عشرات السنين كطغاة ومجموعة من المجرمين، وقدم روبسبيير القائد الثوري كدكتاتور مصاص دماء، واليوم فهذا الاختراع الذي تعود ملكيته إلى مشلي، المؤرخ الفرنسي، الذي عرف انتشارا واسعا، فاستعمال كلمة "دكتاتور" اليوم، هذا الساطور (شفرة المشنقة) الذي يلغي أي نقاش، يرثها لينين و ماو و كاسترو و كل الثوريين الحقيقيين. هكذا، يتم إطلاق كلمة دكتاتور ويحسم الموضوع.
لقد تم إحياء الثورة الفرنسية على يد مؤرخين شيوعيين في مقدمتهم ألبيرت ماتييز بإعادة قيمها حول المساواة الكونية، ولم يتحقق هذا إلا ابتداء من السنوات العشرين من القرن 20، وذلك بفضل الثورة الروسية لسنة 1917، التي أعادت الاعتبار لمرحلة الكونفونسيون الجبيلية بين 1792 و1794.
إن الثورات الحقيقية هي دائما بمثابة بعث للثورات التي سبقتها، فالثورة الروسية أعادت بعث كومونة باريس في 1871، و الكونفونسيون الروبسبييري، و يمكن القول نفسه على انتفاضة الفلاحين في ألمانيا تحت قيادة توماس مونزير، و إذا ذهبنا بعيدا يمكن ذكر الانتفاضة الكبرى للمقاتلين و العبيد بقيادة سبارتاكوس.
هكذا، فسبارتاكوس و توماس مونزر و روبسبيير و سان غوست و العمال المسلحون في الكومونة، يعتبرون دكتاتوريون علينا نسيانهم بعد الافتراء عليهم، ولم يفعل لينين أو ماو تسي تونغ إلا إعادة لما فعل هؤلاء كأبطال للتحرر الإنساني و الشعبي على طريق التاريخ العظيم، الذي يوجه الإنسانية نحو الحكم الجماعي لنفسها.
هكذا أصبح القول، من طرف مرتزقة الإعلام وتحريفيو التاريخ، أن قلب أسيادنا، وتحقيق سيرورة المساواة العالمية، يعتبر يوتوبيا إجرامية ورغبة في الدكتاتورية الدموية، وقد تخصص جيش من المثقفين، خدام الرأسمال في كل بلد وذلك في الافتراء المضاد للثورة والدفاع الشرس عن السيطرة الرأسمالية والإمبريالية. إن كلاب الحراسة المدافعين على اللامساواة واضطهاد الناس والمحرومين والفقراء والبروليتاريا، إنهم في القيادة الآن، وقد أبدعوا كلمة "توتاليتاريا" لوصف كل الأنظمة السياسية، التي تحركها فكرة المساواة. هكذا، كما يقول آلان باديو:
"إننا حينما نسمع بأن الثورة الروسية "توتاليتارية"، علينا أن نفكر أوتوماتيكيا أن وراء هذا، مختفي بالكاد، كلمة "إيكاليتير"، والحال أن الثورة الروسية كانت كل شيء ما عدا أن تكون توتاليتارية، لقد عرفت الثورة العديد من الاتجاهات، و واجهت العديد من التناقضات الجديدة وجمعت و وحدت أناسا مختلفين إلى أقصى حد، مثقفين كبار وعمال المصانع والفلاحون ينتمون إلى أقصى التندرا الروسية، وقد قطعت الثورة خلال 12 سنة من 1917 إلى 1929 حروبا أهلية ومناقشات سياسية حماسية، وقد كانت الثورة معرضا، ليس لكلية توتاليتارية، بل فوضى فوق العادة نشيطة، يخترقها نور فكرة، فكرة المساواة".
بناء على ما جاء أعلاه، فإن استعمال كلمتا دكتاتورية و توتاليتارية، يجعل من الثورة الروسية لأكتوبر 1917 شيئا غير معروف، وميت تاريخيا.
يعود آلان باديو بعيدا في التاريخ، ليتحدث عن التاريخ الهائل للنوع البشري، تاريخ هذا الحيوان الغريب والخطير، العبقري والمخيف، المسمى إنسان، الذي يسميه الفلاسفة اليونان، الإنسان ذو القدمين العديم الريش، فلماذا هذا الأخير، ذلك أن أغلب الحيوانات الكبيرة البرية رباعية الأقدام، لكن الإنسان هو ذو قدمين، وكل الطيور ذات القدمين، لكن لها جميعا ريش، والإنسان ليس له ريش، لذلك فالإنسان هو ذو قدمين بدون ريش. إن الثورة الروسية في أكتوبر 1917 قامت بها جماهير واسعة من ذوي الأقدام بدون ريش.
فماذا يمكن القول عن هذا النوع الحيواني الذي ننتمي إليه خارج كونه ذا قدمين بدون ريش؟
لنسجل أولا، أنه نوع حديث جدا من وجهة نظر التاريخ العام للحياة على سطح هذا الكوكب الغاية في الصغر، يتعلق الأمر ببضع مئات آلاف السنين، بينما ظاهرة وجود كائنات حية تعد بمئات الملايين من السنين.
فما هي المميزات العامة لهذا النوع الحديث؟
إن الميزة الأولى، هي أن تزاوج الذكر والأنثى في هذا النوع يمكن أن تكون خصبة، وهذه ميزة للكائن الإنساني، ثم مدة الحياة الإنسانية، وبالنسبة لليوم فلا تتجاوز 130 سنة.
انطلاقا مما سبق، فإن مدة حياة الأوموسابيانس الذي ننتمي إليه، هي مغامرة خاصة قصيرة جدا، فمقارنة بالدناصير، فالحياة الإنسانية قصيرة جدا، ذلك أن الدناصير تعد حياتهم بمئات ملايين السنين.
هناك من يقول أننا ما زلنا في البداية، لكن أية بداية؟
فالمشاركون في الثورة الفرنسية فكروا بأنهم بداية مطلقة، ولذلك غيروا اليومية، واعتبروا أن السنة الأولى هي السنة التي توافق الخلق الثوري في الجمهورية الفرنسية، لأنهم اعتبروا الجمهورية والحرية والأخوة والمساواة هي بداية جديدة للنوع الإنساني بعد آلاف السنين من الاستبداد والمآسي بالنسبة لحياة الناس، بل اعتبروا أن تلك البداية لا تخص الفرنسيين فقط، بل كل الناس على هذا الكوكب، ولذلك اعتبر ثوريو 1793، بأن الإنسانية وفرنسا لا يختلفان، ولذلك ففي دستور 1793، تم التأكيد على أن كل شخص يهتم بيتيم أو يتحمل مسؤولية شيخ يجب اعتباره مواطنا في الجمهورية.
أما بالنسبة للثورة الروسية، فهي أيضا اعتبرت نفسها عهدا جديدا للنوع البشري، والمقصود المرحلة الشيوعية، المرحلة التي، بغض النظر عن البلدان والأمم ستنظم نفسها لتحديد ما هو مشترك و ذو قيمة مشتركة، والشيوعية هي التأكيد على أن:
كل ما هو مشترك بين جميع الناس، يجب أن يكون موضوعا لا يتوقف للفكر والعمل والتنظيم.
إن هذه الملاحظة لذات قيمة كبرى، انطلاقا من القول بأننا في مجرد البداية، فتحت اسم كلمة ثورة، خاصة ثورة 1917، يجب أن نفهم أننا في البداية، أو إعادة البداية لتاريخ النوع البشري.
و الآن، ننتقل إلى الملاحظة الثانية، فهناك مستوى مادي لا نقاش فيه، من طابع بيولوجي كإعادة إنتاج النوع والولادة، والتحديد الجنسي للإنسان، وانطلاقا من هذه المادة البيولوجية يثبت العلم أننا كلنا من نوع واحد، هناك إذن هوية إنسانية واحدة، و بناء عليه، يجب ألا ننسى أبدا، كيفما كان وجود الاختلافات العديدة الخاص بالأمم والأجناس والثقافات، فهناك أرضية تشكل هوية للإنسانية باعتبارها كذلك، فعندما كان الثوريون يغنون، كما هو الحال في روسيا قائلين أن الأممية ستكون النوع الإنساني، فمعنى هذا أن النوع الإنساني هو أساس واحد، فعندما كان ماركس و انجلز يقولان، إن البروليتاريين ليس لهم وطن، فيجب أن نفهم أن وطنهم هو الإنسانية.
و يقول آلان باديو، أن الشباب الذي ينطلق من مالي أو من الصومال أو من بنغلاديش أو من مكان آخر، و اللذين يقطعون البحار للوصول إلى أماكن يفكرون أنها تسمح بالعيش، الشيء الذي لا يمكن القيام به في بلدانهم، هؤلاء اللذين يخاطرون بحياتهم، و اللذين يدفعون أموالا للمهربين، و اللذين يقطعون دولا مختلفة ليبيا، إيطاليا، سويسرا، سلوفينيا ألمانيا أو هنغاريا، و اللذين يتعلمون ثلاث أو أربع لغات، و اللذين يعملون في ثلاث أو أربع أو عشرة مهن، نعم هؤلاء هم البروليتاريا المترحلة، فكل بلد هو وطنهم، إنهم قلب العالم الإنساني اليوم، يعرفون كيف يعيشون في كل مكان حيث يوجد الإنسان، إنهم الدليل على أن الإنسانية واحدة، مشتركة، ولذلك يجب أن نستقبلهم فقط كإخوان ولكن كحظ، وأن ننتظم معهم حتى تستطيع الإنسانية أخيرا أن تبدأ حياتها الحقيقية على هذا الكوكب.
ويمكن أن نضيف حجة شيوعية أخرى، فهناك دلائل على أن القدرات الفكرية للإنسان هي نفسها لا تتغير باعتبارها قدرة.
في فترة ممتدة بين 5000 و15000 سنة، وقعت ثورة أساسية لعلها الأهم في تاريخ الحيوان الإنساني ويطلق عليها المؤرخون الثورة النيوليتيكية. في زمن يعد ببضع آلاف السنين، فالإنسانية التي كانت قائمة لمدة تفوق 100000 سنة، اخترعت الزراعة المستقرة وتخزين الحبوب في الفخار، الشيء الذي أصبح يعني إمكانية التوفر على فائض من الغذاء، الشيء الذي أصبح يعني كذلك وجود طبقة من الناس تتغذى من هذا الفائض ومتخلصة من عبئ المشاركة المباشرة في الأعمال الإنتاجية، وهذا يعني كذلك بروز الدولة مدعمة بالأسلحة المعدنية، إضافة إلى الكتابة المخصصة بدائيا لإحصاء منتجي البهائم وأخذ الضرائب. في هذا السياق فإن المحافظة، ونقل وتقدم التقنيات من كل نوع، وجدت حافزا للتطور، وظهرت المدن الكبيرة وتجارة عالمية قوية عن طريق البر والبحر.
وبالنظر لهذا التغيير الذي وقع منذ آلاف السنين، فكل تغيير آخر يعتبر ثانويا، لأننا لا نخرج عن إطار النماذج التي تم ترسيخها في هذه المرحلة وخاصة وجود الطبقات المسيطرة والخاملة، و وجود دولة سلطوية و جيوش احترافية و حروب بين الأمم، و كل هذا، جعلنا نتجاوز المجموعات الصغيرة للصيادين- القاطفين، اللذين كانوا يمثلون الإنسانية السابقة. ويمكن القول، أننا لا زلنا داخل هذه النماذج، بمعنى أننا لا زلنا نيوليتيكيين، ولمن يعتقد أن القدرات الفكرية لدينا تتفوق على تلك التي كان يتوفر عليها الإنسان ما قبل الثورة النيوليتيكية، فهناك رسوم كما هو الحال بالنسبة لمغارة شوفي يعود تاريخها إلى حوالي 35000 سنة، أي زمان لا زال تعيش فيه مجموعات صغيرة من الصيادين – القاطفين، أي سابق على الثورة النيولتيكية، فهذه الرسوم تشهد على أن القدرة التفكيرية والتأملية والمتسامية للإنسان الحيواني، وكذلك القدرة التقنية، هي بالضبط ما هي عليه الآن.
لا يجب تحديد الهوية الإنسانية فقط عبر ما هو بيولوجي ومادي، بل كذلك بالاعتماد على ما هي قادرة عليه فكريا، وهذه الوحدة الأساسية شكلت العائق الأساسي للنظريات، التي تزعم أن الإنسانية ليست نفس الإنسانية، نظريا تزعم أنه توجد أنواع فرعية مختلفة أساسا، ويطلقون عليها بشكل عام الأعراق، ولذلك نجد دائما أن العنصريين يمنعون الاختلاط الجنسي والزواج بين الأعراق المختلفة "الدنيا والعليا". لقد وجدت باستمرار تيارات عنصرية تحاول إنكار وجود وحدة أولية وأساسية للإنسانية، والحال أن الأمر قد انتقل إلى الجانب الاجتماعي، فامرأة منتمية إلى الطبقة المسيطرة لا يجب أن تتزوج بل حتى أن يكون لها ارتباط جنسي وبالأحرى أبناء من الطبقات الكادحة، بمعنى آخر لا يجب على الأسياد أن يعيدوا إنتاج النوع مع العبيد.
لقد أرادت الثورة الروسية على نهج الثورة الفرنسية بناء بشكل دائم، عالم المساواة بين الجنس البشري في محاولة للخروج من المرحلة النيوليتيكية. إن النقطة الأساسية و الجوهرية في يومنا هذا، هي التنظيم الاجتماعي المسيطر وصل حد السيطرة على كلية المغامرة الإنسانية و على كلية الفضاء العالمي، و اسم هذا هو الرأسمالية، التي تنظم أشكالا متوحشة من اللامساواة، و بالتالي للغيرية داخل الوحدة المبدئية للنوع الإنساني، و يمكن تلخيص كل هذا في جملة، هناك أوليغارشية عالمية محدودة تترك اليوم، بشكل عملي، خارج إمكانية البقاء على قيد الحياة ملايير البشر اللذين يتنقلون عبر العالم بحثا عن مكان يعملون فيه و إعالة أسرة، و من هنا، اعتبر آلان باديو أن البشرية، من الممكن أن تكون في بداية وجودها التاريخي، و بالتالي، فإن هذا يعني أن التنظيم المسيطر على مستوى العلاقات الاجتماعية، وعلى مستوى البشرية الواقعية لا زال ضعيفا بشكل كبير، ويفسر آلان باديو فكرته قائلا : "أن تكون الإنسانية لا زالت نيوليتيكية، فهذا يعني أن في كل ما تنتجه وتفعله وتنظمه لا زالت ليست في مستوى الوحدة المبدئية، ومن هنا يمكن أن نفكر ونؤكد أن القدر الواقعي للإنسانية مرتبط بتجريب وتحقيق أشكال من الوجود الجماعي يكون في مستوى الوحدة الأساسية، ولذلك يمكن القول اننا ببساطة لا زلنا في مراحل نتلمس فيها عناصر مشروع جديد، لقد قال جون بول سارتر ذات يوم : "إذا تبين أن الإنسانية غير قادرة على تحقيق الشيوعية، إذن يمكن القول، بعد اختفاء البشرية، أنها لم تكن لها أهمية أكثر من النمل".
ويشرح باديو قولة سارتر قائلا:
"أن الاقتصاد التراتبي الجماعي للنمل يعرف كنموذج للتنظيم الاستبدادي، ويعني سارتر أنه إذا ربطنا تاريخ الإنسانية بفكرة أن الإنسانية يجب عليها، ويمكن أن تنتج تنظيما اجتماعيا في مستوى وحدتها الأساسية، أي أن تنتج تأكيدا واعيا لنفسها كنوع موحد، ففشل هذه المحاولة النهائي تعود بالإنسانية إلى وجه حيواني كبقية الحيوانات، وهو الوجه الحيواني الذي يستمر قائما تحت غطاء النضال من أجل البقاء ومنافسة الأفراد وانتصار الأقوياء (قانون الغاب)".
ويمكن أن نقول خلاصتنا بشكل آخر، فيمكن أن نفكر أنه من المؤكد، يجب أن يكون في القرون القادمة، حتى لو تطلب الأمر آلاف سنين مقبلة، وبالمستوى الذي لا نستطيع تحديده زمنيا، ثورة جديدة بعد الثورة النيوليتيكية، ثورة تكون في أهميتها من مستوى الثورة النيوليتيكية تعيد الوحدة الأولية للإنسانية.
لقد زودت الثورة النيوليتيكية الإنسانية بوسائل الاتصال والعيش والنزاعات ومعارف لا سابق لها، لكنها لم تحذف، بل قامت بتعميق وجود اللامساواة والتراتبيات وأوجه العنف والسلطة التي انتقلت بها إلى مستويات غير مسبوقة، إن هذه الثورة الثانية نقوم بتحديده هنا، ونرى أنها تعيد وحدة الإنسانية وسلطتها على مصيرها ومعها لا تبقى وحدة الإنسانية مجرد واقع، بل تصير قاعدة، فعلى الإنسانية أن تؤكد وتحقق إنسانيتها الخاصة بدل أن تتركها توجد في حالة الخلاف واللامساواة والتقسيم والتجزيء من كل الأنواع، القومي والديني واللغوي ... إن الثورة الثانية ستقضي على ذلك الواقع الإجرامي من منظور وحدة الإنسانية، والمتمثل في اللامساواة في الثروة وأنماط الحياة. لقد جرت محاولات في هذا الاتجاه منذ الثورة الفرنسية (حقبة 1792- 1794) وأخذت هذه المحاولات أسماء مختلفة كالديموقراطية والاشتراكية والشيوعية، وبإمكاننا أن نعتبر أن الانتصار المؤقت الراهن لأوليغارشية رأسمالية عالمية هو فشل لهذه المحاولات، لكن بإمكاننا كذلك أن نقول أن هذا الفشل المؤقت، لا يثبت شيئا إذا، طبعا، نظرنا للأمر على مستوى وجود وحدة إنسانية، إن هذا المشكل لا علاقة له بالانتخابات المقبلة (فرنسا) بل يطرح على مستوى القرون اللاحقة، وفي العمق، بالنسبة لهذه النقطة ليس هناك ما نقوله سوى: "لقد فشلنا، إذن لنستمر في الكفاح".
على أساس هذه الأرضية الفلسفية يقوم آلان باديو بتقييم ثورة أكتوبر 1917، فيقول أنه هناك فشل يختلف عن فشل، وهنا يلخص أطروحته كما يلي:
"إن أطروحتي هي التالية: إن الثورة الروسية أبانت لأول مرة في التاريخ أنه من الممكن أن ننجح، وبالإمكان القول دائما، أنه على المدى الطويل في نهاية بعض عشرات السنين، قد فشلت. لقد جسدت، ويجب أن تجسد في ذاكرتنا، إذا لم يكن الانتصار، فعلى الأقل إمكانية الانتصار. لنقل، أن الثورة الروسية قد أبانت عن إمكانية تحقيق إنسانية متصالحة مع نفسها، لكن عن أي انتصار يمكن الحديث بالضبط؟
ليس إلا بشكل متأخر، ولنقل على الأكثر بضع قرون، أتى إلى قلب النقاش السياسي مسألة الأساس الاقتصادي للدول، وطبيعتها الطبقية، فقد تم الدفاع أو توضيح أن وراء شكل الدولة (سلطة شخصية أو ديموقراطية) يمكن بشكل كامل أن يتساكن نفس التنظيم الاجتماعي القمعي الاضطهادي والتمييزي، حيث داخلها تكون القرارات الدولتية أكثر أهمية تهم بشكل لا يتغير، حماية الملكية الخاصة بلا حدود وانتقالها العائلي، وفي النهاية الإبقاء على أمر يعتبر طبيعيا ولا مفر منه، لللامساواة الوحشية. ويقدم باديو مثالا عن فرنسا، حيث يقول أن أقل من 10% تمتلك أملاكا يفوق 50% من مجموع الأملاك، وكذلك نصف السكان لا يمتلكون في الواقع أي شيء، وإذا انتقلنا إلى المستوى العالمي فإن الأمور أسوأ، فبضع مئات من الأشخاص يمتلكون أملاكا تساوي أملاك ثلاث ملايير من الأشخاص وأكثر من مليارين من البشر لا يملكون شيئا.
عندما أصبحت مسألة الملكية الخاصة، وما يتولد عنها من لا مساواة وحشية، كانت هناك محاولات ثورية من نوع آخر مختلف عن ذلك الذي يريد تغيير شكل الدولة السياسية فقط، إن هذه المحاولات كانت تهدف إلى تغيير العالم الاجتماعي بكامله، وتحقيق مساواة حقيقية، كانت هذه المحاولات تريد أن ترى العمال والفلاحين والفقراء والمحرومين والمحتقرين يصلون إلى قيادة المجتمع، وكان نشيد هذه الانتفاضات يسمى الأممية، الذي يقول لسنا أي شيء فلنكن كل شيء، ويقول كذلك أن العالم يجب أن يغير الأساس، وقد عرف القرن 19 محاولات فاشلة من قبيل كومونة باريس، التي عرفت 30000 ألف قتيل فوق أرض باريس، وتبقى الأكثر مجدا من بين تلك الهزائم، لقد أبدعت، تحت اسم الكومونة سلطة تقوم على المساواة، ولنتذكر أن لينين عندما دامت الثورة الروسية يوما واحدا مدة الكومونة، رقص لينين فوق الثلج، ذلك أنه اعتبر أنه مهما كانت الصعوبات القادمة رهيبة فإن نحس الهزائم قد انتهى. فماذا وقع في روسيا؟ نعلم أن السلطة المركزية الاستبدادية القيصرية قد دخلت الحرب العالمية الأولى إلى جانب فرنسا وانجلترا، ومن نتائج هذه الحرب على روسيا أنها فتحت أزمة السلطة المركزية القيصرية، وفي نقطة من هذا التطور انفجرت ثورة فبراير 1917، ثورة ديموقراطية كلاسيكية تقوم بقلب هذه الدولة، ولم يكن هذا أمرا جديدا، فقد سبقتها إلى ذلك فرنسا وانجلترا وألمانيا التي أقامت أنظمة برلمانية مع انتخاب للحاكمين، لكن سيرورة الثورة لم تقف عند هذا الحد، فقد كانت روسيا تتوفر على مثقفين ثوريين، نشيطين، يرون أبعد من تقليد الديموقراطيات الغربية، وكانت هناك طبقة عاملة شابة وفي طور التكون، مستعدة للثورة ولا تخضع لتأطير نقابي محافظ، وكانت هناك جماهير واسعة من الفلاحين فقراء ومضطهدين، أضف إلى ذلك، كان هناك بسبب الحرب مئات الآلاف من الجنود والبحارة المسلحون اللذين يكرهون هذه الحرب، وكانوا يعتقدون أنها تخدم مصالح الإمبريالية أساسا لفرنسا وانجلترا ضد الطموحات الإمبريالية لألمانيا، وكان في روسيا آنذاك حزب عمالي ثوري صلب و حي ومرتبط جدا بالعمال، وكان هذا الحزب يسمى الحزب البلشفي، وكان هذا الحزب أيضا حيا بشكل كبير ويعرف نقاشات مستمرة، وفي نفس الوقت منضبط جدا وأكثر نشاطا من الأحزاب الأخرى، لقد كان الحزب أقلية في بداية الحرب، لكنه تطور بسرعة مع الأزمة السياسية، وكان متواجدا داخل الطبقة العاملة الشابة، وعلى رأسه قادة متمرسون و ذوي خبرة نضالية تستلهمها دروس كومونة باريس، واستطاع الحزب البلشفي في سياق حركة الثورة الديموقراطية في فبراير أن يخلق منظمات شعبية محلية، التي ظهرت في المدن الكبرى وفي المعامل وفي بعض القرى، وكانت هذه المنظمات تعمل على طريقة التجمعات، التجمع الجماهيري الكبير، حيث يتم الاستماع إلى خطباء يتحدثون عن الوضع وعن الاحتمالات الممكنة، لقد كانت هذه المجالس الشعبية مختلفة جدا بعضها عن البعض لكنها حية ولها أهدافها الخاصة، ولكن جميعها كان يرى أن القرارات السياسية والاجتماعية يجب أن تناقش ويؤشر عليها داخل هذه المجالس، وليس لدى حكومة بعيدة تزعم أنها ديموقراطية، علما أنها مستمرة في حماية العالم الروسي القديم، كانت هذه المجالس تسمى السوفياتات. إن الربط بين القوة الإبداعية والمنضبطة للحزب البلشفي وتلك المجالس المعتمد على الديموقراطية الجماهيرية شكل مفتاح الثورة الثانية في خريف 1917.
إن أهم ما يميز الثورة الروسية في تاريخ الإنسانية هو تحول ثورة تهدف فقط إلى تغيير النظام السياسي وشكل الدولة إلى ثورة مختلفة تهدف إلى تغيير تنظيم المجتمع بالكامل عن طريق تحطيم الأوليغارشية الاقتصادية و وضع الإنتاج الصناعي والزراعي، ليس بيد بعض الملاك الخاصين، بل تحت إدارة كل من يعملون. لقد استطاعت الفكرة العامة لكل هذا أن تنتصر لأنها كانت موجودة بشكل واع وإرادي داخل أغلبية الحزب البلشفي بطبيعة الحال وانطلاقا من نهاية صيف 1917 داخل أغلبية العمال وداخل السوفييت الأهم سوفييت بتروغراد. ولعل أهم وثيقة في هذه المرحلة هي "أطروحات نيسان"، التي توجهها فكرة أساسية لثورة شاملة وكاملة ضد كل ما كان يوجد في الواقع منذ العصر النيوليتيكي.
لقد طرح ما كان يجب فعله في ظل وضعية روسيا في ظل وضع الحرب العالمية المستمرة وثورة فبراير، والحال أن ما يجب عمله يضع في قلب السيرورة المقبلة العناصر الأساسية للخروج من النيوليتيك: تشريك الملكيات الزراعية والصناعية والبنكية ونهاية الدولة الممركزة، وبالنسبة للأسلوب السياسي، وبعيدا عن الإرادوية العنيفة التي يحاولون نسبتها إلى لينين، كان هناك عمل صبور ونقاش وإقناع، خاصة لما أصبح الأمر يتعلق بانتقال من ثورة بورجوازية كلاسيكية إلى أخرى جديدة تقوم على القلب الشامل للتنظيم الاجتماعي. لقد أصبح هذا التوجه، الذي طرح في أبريل 1917 يتمتع بالأغلبية داخل السوفياتات الكبيرة خاصة سوفييت بتروغراد، عندها انقلب الوضع رأسا على عقب عبر انتفاضة شيوعية منتصرة. هكذا تحقق في روسيا ابتداء من أكتوبر 1917 أول انتصار في تاريخ الإنسانية لثورة ما بعد النيوليتيكية.
بالإمكان القول أن الأمور، تحت ضغط الحرب الأهلية قد فرضت على السلطة الثورية التمركز والانضباط العنيف نوعا ما، ونعرف جيدا أنه في بداية العشرينات كان لينين وهو مريض، يخشى من هذا التحول في الأشياء فطالب أن تخضع بيروقراطية الدولة لما أسماه بالمراقبة العمالية والفلاحية، ونعرف كذلك، أنه ابتداء من الثلاثينات وبالأخص ابتداء من 1929 تحت القيادة المتصلبة لستالين، وفي سياق المخطط الخماسي الأول، تم الانتقال من "كل السلطة للسوفياتات" إلى كل السلطة التي ستعرف اندماجا كاملا بين الحزب الشيوعي والدولة، ومن ثمة اختفاء سلطة السوفياتات، الشيء الذي فتح الباب إلى كل التجاوزات الممكنة وصلت حد الإرهاب، الذي عرف أوجه سنة 1937 – 1938 (محاكمات موسكو)، الشيء الذي هيأ ما بعد موت ستالين إلى تحول الاتحاد السوفياتي إلى دولة عظمى، ثم بطريقة مأساوية الانخراط في الرأسمالية من جديد، ومنذ ذلك الحين يتم الحكم على الثورة الروسية من وجهة نظر العودة إلى الاتفاق العام النيوليتيكي، علما أن السيطرة الحالية للرأسمالية المعولمة ليست إلا عودة إلى الوراء بدون أهمية أو مستقبل. إن الرأسمالية هي الموت والثورة الشيوعية في أكتوبر 1917 هي بالنسبة لصيرورة الإنسانية هي بداية الحياة. إن هذه الثورة ستبقى، انطلاقا مما نعرفه، وبغض النظر عن المظاهر العابرة، فالرأسمالية المسيطرة هي الآن وإلى الأبد شيء من الماضي.
نحو انتفاضة سان بترسبورغ وانتصار ثورة أكتوبر
ثورة فبراير الديموقراطية في 1917 وأطروحات نيسان
دخلت روسيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب انجلترا وفرنسا، لكن سرعان ما بدأت الجيوش القيصرية تنهار في الجبهات أمام الجيوش الألمانية، وكان الجيش الروسي يعاني من ضعف الذخيرة وتخلف الأسلحة المستعملة وقلة التنظيم وارتشاء القيادة العامة للجيش، التي يقال أنها كانت تتعاون مع الجيش الألماني. في ظروف كهاته كان القيصر الروسي يهيء لسلام منفصل مع ألمانيا، الشيء الذي أدى بالإمبرياليين الانجليز والفرنسيين إلى مساعدة البورجوازية الروسية على القيام ب "ثورة قصر" وذلك لإسقاط القيصر نيكولا الثاني و وضع قيصر آخر مرتبط بالبورجوازية و هو ميخائيل رومانوف.
لقد أظهرت الحرب العالمية الأولى هشاشة النظام القيصري في روسيا في وقت كان فيه الحزب البلشفي يخوض معارك ثورية معارضا الحرب الإمبريالية، وعرفت بداية 1917 إضرابا عماليا كبيرا تحول إلى إضراب سياسي وتمردات مفتوحة، وانتقال أجزاء من الجيش إلى معسكر المتمردين مما دفع بالمتمردين إلى مهاجمة القيصرية، وكان يوجد الحزب البلشفي في قلب هذه السيرورة، الذي كان يخوض نشاطا غير متقطع منذ 1914، كما أن الأطروحة البلشفية صحيحة معتبرة أن ثورة 1905 يتم إعادة إنتاجها، ولذلك قال لينين:
"لو لم تكن البروليتاريا الروسية قد خاضت خلال ثلاث سنوات، من 1905 إلى 1907 أكبر المعارك الطبقية، وفجرت طاقتها الثورية ما كان للثورة الثانية أن تكون بهذه السرعة (ثورة فبراير 1917) إلى حد أن مرحلتها الأولى انتهت في بضعة أيام".
لقد عرفت الثورة بالفعل انطلاقة كبيرة، فنشأت مع السوفياتات (مجالس العمال والجنود) التي أصبحت سلطة جديدة موازية للحكومة المؤقتة الجديدة التي استولت عليها البورجوازية من جانبها بفضل دعم المناشفة والاشتراكيين الثوريين. هكذا تشاور النواب الليبراليون في الدوما (البرلمان الروسي) في الكواليس مع القادة الاشتراكيين الثوريين و المناشفة، فشكلوا لجنة مؤقتة في الدوما على رأسها ملاك عقاري كبير ملكي، الشيء الذي هيأ الطريق لتشكيل حكومة مؤقتة. أما الحزب الاشتراكي الديموقراطي البلشفي، والذي كان يضم 40 ألف عضوا متمرسين على العمل السري فقد أعاد تنظيم نفسه بالعمل في الشرعية القائمة.
في ظل هذا الوضع الجديد، تم انتخاب مجموع هيئات الحزب من طرف القاعدة، الشيء الذي كان له تأثير على وحدة الحزب فظهرت داخل الحزب كتل وعناصر مساندة للحكومة المؤقتة. ويقدم كتاب "تاريخ الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي البلشفي" تفسيرا لأسباب كون الوضع كان غير مناسب بالنسبة للبلاشفة:
"كيف نفسر أن المناشفة والاشتراكيين الثوريين وجدوا أنفسهم أغلبية داخل السوفياتات؟ كيف نفسر أن العمال والفلاحين المنتصرين سلموا بإرادتهم السلطة إلى ممثلي البورجوازية؟"
لقد شرح لينين ذلك بواقع أن ملايين الناس غير المتمرسين بالسياسة وجدوا أنفسهم فجأة يمارسون السياسة وينجذبون إليها، وكانوا في أغلبيتهم مستغلين صغار وفلاحين وعمال قادمين من البوادي من وقت قصير، أي أناس يتموقعون في الوسط بين البورجوازية والبروليتاريا، وقد كانت روسيا البلد البورجوازي الصغير بامتياز من بين الدول الكبرى في أوروبا".
"لقد غمرت موجة كبيرة بورجوازية صغيرة كل شيء، سحقت بعددها وكذلك بأيديولوجيتها البروليتاريا الواعية، أي أنها أثرت في أوساط عمالية واسعة، موصلة تصوراتها البورجوازية الصغيرة في ميدان السياسة".
إن هذه الموجة للعنصر البورجوازي غير البروليتاري هي التي جعلت الأحزاب البورجوازية الصغيرة تظهر على السطح، مناشفة واشتراكيين ثوريين. وقد أشار لينين إلى معطى آخر في تفسيره للظاهرة، ويتعلق الأمر بالتغيير الحاصل في تشكيلة البروليتاريا خلال الحرب، ودرجة الوعي والتنظيم غير كافي للبروليتاريا. ولتوضيح هذه الظاهرة أكثر، يمكن الإشارة إلى أن أكثر من 40% من الرجال المنتمين إلى الوسط العمالي قد تم إدماجهم في الجيش، وهكذا تسرب عدد كبير من الملاكين الصغار والصناع وأصحاب الحوانيت، البعيدين كل البعد عن العقلية البروليتارية دخلوا الشركات للهروب من التجنيد.
إن هؤلاء العناصر البورجوازية الصغيرة داخل المحيط العمالي هي التي شكلت الأرضية التي يغذى منها السياسيون البورجوازيون الصغار، مناشفة واشتراكيون ثوريون. هذا هو السياق الذي جعل جماهير شعبية واسعة غير متمرسة بالسياسة، والتي اجتاحتها موجة العنصر البورجوازي الصغير، والمنتشية بالانتصارات الأولى للثورة، تجد نفسها في الشهور الأولى للثورة تحت تأثير الأحزاب التوفيقية، ومن ثمة قبلوا بالتنازل للبورجوازية عن السلطة، معتقدين بسذاجة أن السلطة البورجوازية لن تزعج نشاطات السوفياتات.
في هذه الأجواء المفعمة بالأوهام الإيديولوجية والسياسية، وبسيادة العنصر البورجوازي الصغير، تحمل الحزب البلشفي المسؤولية التاريخية من أجل قلب الأوضاع لصالح الثورة الاشتراكية في روسيا، بالانتقال من الثورة الديموقراطية البورجوازية إلى الثورة الاشتراكية، فانطلق أطر و مناضلو الحزب في عمل شاق وطويل النفس لشرح الأوضاع للجماهير الشعبية والكشف عن الطابع الإمبريالي للحكومة المؤقتة، وفضح خيانة الاشتراكيين الثوريين والمناشفة، وتبيان أن لا إمكانية لتحقيق السلام بدون إسقاط الحكومة المؤقتة من طرف حكومة السوفياتات.
وفي أجواء مضطربة وحيرة وارتباك يصل لينين قادما من منفاه في سويسرا وذلك في أبريل 1917، ولم ينتظر طويلا ليقوم بصياغة وثيقة أطروحات نيسان" الشهيرة.
لقد شرح لينين أن المرحلة الأولى من الثورة قد انتهت، ومن الثورة الديموقراطية يجب الانتقال إلى الثورة الاشتراكية، وأن شعارات الثورة يجب أن تكون هي:
- تأميم الأراضي
- إدماج جميع الأبناك في بنك واحد و وضعه تحت مراقبة سوفيات نواب العمال، وذلك في إطار جمهورية للسوفياتات تقوم بمراقبة وتوزيع الإنتاج.
- على البلاشفة أن يقوموا بنقد الحكومة المؤقتة من أجل فضحها أمام الجماهير، خاصة في مواصلتها للحرب الإمبريالية. وقد نادى البلاشفة بمظاهرات احتجاجية، فتظاهر 100 ألف شخص مطالبين نشر الاتفاقيات السرية وتوقيف الحرب، وقد تجمعوا تحت شعار "كل السلطة للسوفياتات". وفي هذا السياق اجتمعت الندوة الأولى للحزب في إطار الشرعية، فحضرها 133 مندوب لهم حق التقرير و18 بأصوات استشارية ويمثلون 80 ألف عضوا.
وستدور معركة طاحنة من أجل انتصار الأطروحات اللينينية، وقد وضع لينين ثقله في الميزان، ولإدراك أهمية هذه الندوة لابد من الإشارة إلى أنه في يونيو 1917 عندما اجتمع المؤتمر الأول لسوفياتات روسيا لم يكن البلاشفة يتوفرون إلا على100 مندوب مقابل 700 إلى 800 للمناشفة والاشتراكيين الثوريين وآخرين.
وعندما انطلقت مظاهرة ضد النظام تضم 400 ألف شخص يرددون شعارات البلاشفة كان الحزب البلشفي يتوفر على 41 جريدة ونشرة، 29 منها بالروسية و12 بلغات أخرى.
لقد أصبح الوضع منفجرا خاصة بعد الهزيمة العسكرية على الجبهة، فانتفضت الجماهير ضد الحكومة المؤقتة في مدينة بترسبورغ، فقرر النظام القيام بموجة قمع واسعة ضد البلاشفة، ومنع صحافتهم ونزع سلاح الحرس الأحمر. في هذا السياق عاد الحزب إلى السرية وعقد مؤتمره السادس، ولم يكن بإمكان لينين أن يشارك في المؤتمر لأنه كان مطاردا في كل مكان من طرف الشرطة الروسية، وحضر المؤتمر 175 مندوب بأصوات تقريرية و128 بأصوات استشارية، يمثلون 240 ألف عضو من الحزب.
لقد تغير الوضع لحد أن ستالين أعلن أن:
"المرحلة السلمية من الثورة قد انتهت وأن المرحلة غير السلمية جاءت، مرحلة الاحتكاكات والانفجارات...".
وفي سياق المؤتمر نظم البلاشفة إضرابا عاما قي بترسبورغ خلال افتتاح ندوة الدولة للحكومة المؤقتة، وأصبحت المدينة في حالة انتفاضة مسلحة عندما حاول الجنرال كورنيلوف القيام بعملية عسكرية لسحق الجماهير المنظمة، وحاول الإصلاحيون إنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق عقد "الندوة الديموقراطية لروسيا" يوم 12 شتنبر 1917، التي جمعت الاشتراكيين و السوفياتات التوفيقية والنقابات والحلقات الصناعية والتجارية والجيش. لقد كانت محاولة الذهاب نحو الجمهورية البورجوازية.
لقد دقت ساعة الثورة، فجاء جواب البلاشفة بإطلاق ثورة أكتوبر العظيمة.
بصدد وثيقة "أطروحات نيسان"
لعل هذه الوثيقة من أشهر الوثائق التي كتبها لينين، ذلك أنها، كوثيقة سياسية ذات صلة مباشرة بسيرورة الانتقال من ثورة ديموقراطية بورجوازية إلى ثورة اشتراكية، وتعني الوثيقة بهذا الانتقال، من خلال تحليل السيرورات و وضع الأهداف والشعارات، فهي إذن وثيقة طرحت للإنجاز وليس للنقاش فقط. وإذا عدنا إلى معنى السياسة في جزء أعلاه، فهي تنتمي إلى المعنى الثاني، الذي يهدف إلى التغيير الشمولي خلافا لثورة فبراير التي لم تعن سوى تغيير شكل الدولة، بمعنى آخر استبدال نمط سيطرة الملكية، الذي أصبح متجاوزا بنمط برلماني ديموقراطي بورجوازي، الذي تتبناه القوى الإمبريالية العظمى من انجلترا وألمانيا وفرنسا. وقد قام لينين هنا بتقسيم السيرورة الثورية مقترحا الاستمرار فيها حسب نظرة تنتمي إلى المعنى الثاني للسياسة، كما رأينا أعلاه، الشيء الذي يعني تغيير تنظيم المجتمع بكامله بتدمير الأوليغارشية الاقتصادي، والانتقال بالإنتاج الصناعي والزراعي، ليس إلى الملكية الخاصة لبعضهم، بل إلى وضعها تحت تدبير أولئك اللذين يعملون.
إنها ثورة في الثورة صنعها لينين من تقسيم السياسة إلى سياستين متعارضتين، الشيء الذي أدى إلى الاستيلاء على السلطة من طرف العمال، وما تبيع ذلك من حرب أهلية وحصار وتدخل أجنبي، إنها سيرورة ستبني عملا سياسيا سيعرفه التاريخ بثورة أكتوبر العظمى، وقد انتصرت السياسة هنا بمظهرها الثاني، لأنها ارتبطت بوعي وإرادة، أو لنقل وعيا سياسيا توفر لدى أغلبية الحزب البلشفي، ولأنها تحولت إلى أغلبية نهاية صيف 1917 داخل الأجهزة الجماهيرية والهيئات الشعبية المنبثقة من ثورة فبراير من قبيل المجالس العمالية، وخاصة وسط أهمها وهي سوفياتات العاصمة بتروغراد، و وثيقة "أطروحات نيسان" تضم ملخصا لهذا الوعي السياسي المتضمن في البرنامج العام، الذي قام فلادمير إليتش لينين بتوزيعه ونشره داخل الحزب وخارجه، وقد كان المكان الملائم للنضال والصراع بين التصورين المختلفين للسياسة هو المجلس العمالي، السوفيات.
في الوثيقة يقدم لينين ما يجب فعله في ظل الوضع في روسيا، أخذ بعين الاعتبار الحرب العالمية الأولى المستمرة وثورة فبراير ذات المبادئ البورجوازية الديموقراطية والبرلمانية بالمعنى الأول للسياسة، أي أن تلك الثورة كانت مستمرة في سيطرتها على الرأي العام، وقد ضمت الوثيقة عشرة أطروحات:
-الأطروحة الأولى: يجب إيجاد وسيلة للانسحاب من الحرب، فلا مصلحة للشعب في هذه الحرب لأنها حرب إمبريالية لصوصية بسبب كون هذه الحكومة الروسية المنبثقة من ثورة فبراير هي حكومة رأسمالية.
هكذا، حسب لينين، وهذا هو جوهر الأطروحة، ذات الطابع الكوني، تعني تنظيم رفض المشاركة في حروب الغزو والحروب الاستعمارية، وحرب اللصوص فيما بين القوى الإمبريالية والرفض المنهجي للشوفينية والوطنية الحربية.
- الأطروحة الثانية: تتطرق إلى ما يميز الوضع الراهن في روسيا، وهو الانتقال من المرحلة الأولى للثورة، والتي أعطت السلطة للبورجوازية إلى المرحلة الثانية، التي يجب أن تعطي السلطة إلى البروليتاريا والفئات الفقيرة من الفلاحين، ولكي يتحقق ذلك، يجب أن ينتصر المنظور الثاني للسياسة وسط الشعب، وتعني هذه الأطروحة نوعا من التوجيه العام يدفع نحو الخروج من السياسة بمعناها الثاني، حيث السلطة السياسية تعني العمل المتساوي للجماهير الشعبية ولمنظماتها.
- الأطروحة الثالثة: طالب لينين بعدم تقديم أي مساندة للحكومة المؤقتة، ورفض لينين، باسم أسباب تتعلق بالظرفية (الحرب) القبول بمساندة النظام السياسي القديم تحت أي شكل كان، بمعنى آخر، أن السياسة الثورية عليها أن تخلق استقلاليتها الخاصة الذهنية والعملية تجاه الدولة المسيطرة، أي أن نتذكر باستمرار أن المعنيين المختلفين للسياسة يخلقان باستمرار داخل الرأي العام تناقضا ذو طبيعة عدائية، وكما قال ماو تسي تونغ أن نستحضر الصراع الطبقي في كل شيء (أو السياسة في مركز القيادة).
- الأطروحة الرابعة: في هذه الأطروحة دعا لينين إلى الوضوح معترفا أن التصور البلشفي وتوجهه لا زال أقلية داخل الجمعيات الشعبية و السوفياتات، ودعا لينين إلى عمل سياسي مستمر عبر النقاش والشرح وسط الجماهير و وسط السوفياتات، وهو ما يسميه ماو بالتناقضات في صفوف الشعب، وذلك لخلق توجه جديد وسط الجماهير.
يقول لينين:
"إن مهمتنا لا يمكن أن تكون سوى شرحا، بصبر ومنهج وعناد للجماهير، أخطاء تكتيكاتها، وذلك بالانطلاق من مصالحها العملية، وما دمنا في الأقلية علينا نقد وشرح الأخطاء المرتكبة مع التأكيد على ضرورة انتقال كل السلطة للسوفياتات، وذلك لتستطيع الجماهير أن تتحرر من أخطائها عن طريق التجربة. ويقول آلان باديو في هذا الصدد، أن الأمر يتعلق بوصف للعمل السياسي بهدف الخروج من وبدون انقطاع منذ الثورة النيوليتيكية، منذ انتصار ثلاثية الأسرة، الملكية الخاصة والدولة.
إنه خروج يذهب في اتجاه سلطة لا سابقة لها، سلطة لم تعد دولة منفصلة، بل سلطة المجالس العمالية والفلاحية، وكما يقول لينين:
"يتعلق الأمر بخلق، ليس جمهورية برلمانية، بل جمهورية سوفياتات مندوبي العمال والأجراء الزراعيين والفلاحين في البلاد برمتها من القاعدة إلى القمة.
-الأطروحة الخامسة: إن هذه الجمهورية الجديدة تتطلب، كما تقول الأطروحة الخامسة إلغاء الشرطة والجيش وهيئة الموظفين، فهؤلاء الأخرين سيكونون منتخبين وقابلين للإزاحة، وأجورهم لا يجب أن تتعدى الأجر المتوسط لعامل جيد.
-أما الأطروحات من ستة إلى ثمانية فإنها تشكل البرنامج العام لثورة غير مسبوقة منذ أن وحدت الدول التي كانت دائما في خدمة أوليغارشيات مسيطرة، إنه برنامج لتجاوز الرأسمالية، هذا الشكل الحديث والأخير بلا شك لهذا الوجه الذي استمر لآلاف السنين.
هكذا، يجب التطرق أولا إلى ما تبقى من النظام الإقطاعي، نعني، الملكية العقارية الكبيرة، ويتحقق هذا عبر:
- تأميم جميع الأراضي في البلاد و وضعها تحت تصرف السوفياتات المحلية لمندوبي الأجراء الزراعيين والفلاحين.
-تدمير القوة المالية للرأسمال، وذلك عبر الدمج المباشر لكل الأبناك، من بنك وطني واحد بوضعه تحت مراقبة سوفياتات مندوبي العمال.
- تكون المهمة المباشرة المرور بسرعة إلى مراقبة الإنتاج الاجتماعي وتوزيع المنتجات من طرف سوفياتات مندوبي العمال، وهذا ما يوافق قولة ماركس الشهيرة في "البيان الشيوعي":
"إن كل ما نقوله في هذا الكتاب يمكن تلخيصه في جملة واحدة: القضاء على الملكية الخاصة".
- وفيما يخص الأطروحة التاسعة والعاشرة : فإنها تتعلق بالتنظيم السياسي، وفي هذا الإطار فقد غير الحزب اسمه من حزب اشتراكي- ديموقراطي إلى حزب شيوعي، لأن الشيوعية هي جعل كل شيء مشترك، والسلطة في يد مشتركة للجماهير، أي نهاية عهد دام آلاف السنين للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، هذه المهمة، التي أصبحت مع الثورة الروسية مهمة مباشرة، وفي نفس الاتجاه كان من الواجب خلق أممية شيوعية كبديل للأممية الاشتراكية – الديموقراطية التي خانت عهودها، أممية شيوعية حقيقية تنتمي لعصر الثورات الاشتراكية وعصر الشيوعية التي أصبحت مهمة مباشرة.
إنها ثورة حقيقية تفتح الباب لحداثة جديدة، وإن هذه الحداثة تحمل اسم الشيوعية، بدونها يستحيل الحديث عن الحداثة، وهذا هو الذي جعل، في لحظات تاريخية، وفي كل القارات تندفع الجماهير في حماسة منقطعة النظير لدعم الثورة البلشفية في روسيا لأنها جسدت أحلام ملايين الجماهير عبر العالم، وقد انعكس ذلك على الجماهير الشعبية العمالية وعلى الفلاحين والمثقفين والفنانين، وكذلك في المستعمرات.

مهام البروليتاريا في الثورة الحالية
ف. لينين
أطروحات أبريل
أبريل 1917
1
في موقفنا من الحرب: في ظل حكومة لفوف وشركاه المؤقتة الجديدة، من المؤكد أن الحرب لا تزال، من الجانب الروسي، حرب الكواسر الإمبريالية نظرا إلى الطبيعة الرأسمالية لتلك الحكومة، فلا يجوز تقديم أدنى تنازل لنزعة «الدفاعية الثورية".
يمكن للبروليتاريا الواعية أن توافق على حرب ثورية، التي قد تبرر الدفاعية الثورية فقط بشرط:
(أ) أن تنتقل السلطة إلى البروليتاريا وإلى الشرائح الأفقر من الفلاحين المتحالفين معها.
(ب) أن يجري التخلي عن كل أعمال ضم الأراضي بالفعل لا بالقول
(ج) أن تحصل قطيعة عملية كاملة مع كافة المصالح الرأسمالية.
نظرا للصدق الأكيد لتلك الشرائح الواسعة من الجماهير المؤمنة بالدفاعية الثورية الذين يرون إلى الحرب على أنها ضرورة، وليست وسيلة غزو، ونظرا لحقيقة أنهم يتعرضون للتضليل من قبل البرجوازية، من الضروري أن نفسر لهم خطأهم، بحزم وإصرار وصبر، وأن نشرح الصلة التي لا تنقطّع بين رأس المال والحرب الإمبريالية، وأن نثبت أنه من دون الإطاحة برأس المال، يستحيل إنهاء الحرب عن طريق سلم ديمقراطي حقا، سلم لا يفرض بواسطة العنف.
يجب أن ننظم أوسع حملة للدفاع عن هذا الرأي في صفوف الجيش على الجبهات. التآخي بين جنود معسكري الحرب عبر الخنادق.
2
الصفة المميزة للوضع الراهن في روسيا هي أن البلد في طور انتقالي من المرحلة الأولى من الثورة - التي وضعت السلطة بيد البرجوازية بسبب عدم كفاية وعي البروليتاريا وضعف تنظيمها - إلى المرحلة الثانية، التي يجب أن تضع السلطة بيد البروليتاريا والشرائح الأفقر من الفلاحين.
يتميز هذا الانتقال، من جهة، بالحد الأقصى من الحقوق المعترف بها قانونيا (وروسيا الآن هي البلد الذي يتمتع بأوسع قدر من الحرية بين البلدان المتحاربة في العالم)، وبغياب العنف تجاه الجماهير، وأخيرا بالثقة الطائشة الممنوحة لحكومة الرأسماليين، أسوأ أعداء السلم والاشتراكية.
إن هذا الوضع المميز يتطلب منا امتلاك القدرة على أن نتكيف مع الظروف الخاصة للعمل الحزبي في الأوساط البروليتارية غير المسبوقة من حيث اتساعها والتي استيقظت للتو، إلى الحياة السياسية.
3
لا تأييد للحكومة المؤقتة!
يجب توضيح الخطل الكامل في كل وعودها، خصوصا تلك المتعلقة بالتخلي عن ضم الأراضي. الفضح بديلا من «الطلب»، غير المبرر والمولد للأوهام، أن تتوقف هذه الحكومة، حكومة الرأسماليين، عن أن تكون حكومة إمبريالية.
4
الاعتراف بحقيقة أن حزبنا هو في الأقلية في معظم مجالس (سوفييتات) مندوبي العمال، وأنه لا يزال أقلية ضئيلة في مواجهة جبهة العناصر البرجوازية الصغيرة الانتهازية، من الاشتراكيين الشعبيين والاشتراكيين الثوريين وصولا إلى «اللجنة التنظيمية» (جماعة شخيدزه وتسيريتللي وسواهما) وستيكلوف، وغيرهم ممن ينصاع لنفوذ البرجوازية وينشر نفوذها في أوساط البروليتاريا.
يجب أن نوعي الجماهير على أن مجالس مندوبي العمال هي الشكل الوحيد الممكن لحكومة ثورية، وأن مهمتنا بالتالي، مادامت هذه الحكومة تنصاع لنفوذ البرجوازية، أن نقدم شرحا صبورا ومنتظما ومواظبا لأخطاء تكتيكاتها، شرحا متكيفا بنحوٍ خاص مع الحاجات العملية للجماهير.
ما دمنا نحن في الأقلية، سوف نجهد لممارسة النقد وفضح الأخطاء ولنبشر، في الوقت ذاته، بضرورة نقل سلطة الدولة كاملة إلى مجالس مندوبي العمال، بحيث يتجاوز الناس أخطاءهم بواسطة الممارسة.
5
ضد الجمهورية البرلمانية:
إن العودة إلى جمهورية برلمانيةٍ بعد قيام مجالس مندوبي العمال سوف تشكل ردة رجعية - والأحرى أنها جمهورية من مجالس مندوبي العمال والعمال الزراعيين والفلاحين على امتداد البلاد، تبنى من أسفل إلى أعلى.
إلغاء الشرطة وحل جهاز الدولة البيروقراطي.
أجور جميع الموظفين، وجميعهم يجب أن يكونوا منتخبين وقابلين للعزل في أي وقت، يجب ألا تتجاوز متوسط أجر عامل ماهر.
6
يجب نقل مركز الثقل في البرنامج الزراعي إلى مجالس مندوبي العمال الزراعيين.
مصادرة جميع ملكيات الأرض.
تأميم جميع أراضي البلد، ووضع الأرض بتصرف المجالس المحلية لمندوبي العمال الزراعيين والفلاحين.
إنشاء تنظيمٍ خاص لمجالس مندوبي فقراء الفلاحين. تأسيس مزرعة نموذجية على كل من ملكيات الأرض الكبيرة (تتراوح مساحتها بين ١٠٠ و٣٠٠ ديسياتين تبعا للظروف المحلية وغيرها، ولمقررات الهيئات المحلية) تحت سيطرة مجالس مندوبي العمال الزراعيين وفي ظل المساءلة العامة.
7
الدمج الفوري لكل مصارف البلد في مصرف وطني واحد، وإخضاعه لرقابة مجلس مندوبي العمال.
8
ليس «إدخال» الاشتراكية من مهماتنا الفورية. يجب الاقتصار على وضع الإنتاج الاجتماعي وتوزيع المواد فورا تحت إشراف مجالس مندوبي العمال.
9
مهمات حزبية:
الدعوة الفورية إلى مؤتمر للحزب.
تعديل برنامج الحزب بخصوص:
قضية الإمبريالية والحرب الإمبريالية.
موقفنا تجاه الدولة ومطالبتنا بقيام «دولة المشاع".
تعديل اسم الحزب.
10
تأسيس أممية جديدة
يجب أن نأخذ المبادرة لتأسيس أممية ثورية، أممية ضد الاشتراكيين الشوفينيين وضد "الوسط". (...)
تلاها لينين في اجتماعين لـ«مؤتمر عموم روسيا لمجالس مندوبي العمال والجنود»، في 4 نيسان / أبريل 1917.
إعلان حقوق شعوب روسيا
في 15 نونبر 1917 أصدر فلاديمير لينين "إعلان حقوق شعوب روسيا" مانحا الأقليات الروسية حق تقرير المصير. وعند تأسيس الاتحاد السوفياتي رسميا في 30 دجنبر 1922، أحيلت الأقليات في البلاد إلى مرتبة جمهوريات اشتراكية سوفياتية مستقلة.
بدأت ثورة أكتوبر للعمال والفلاحين تحت راية التحرر المشتركة.
يتم تحرير الفلاحين من نير كبار ملاك الأراضي، لأنه لم يعد هناك أي ملكية خاصة على الأرض، فقد تم إلغاؤها.
تم تحرير الجنود والبحارة من سلطة الجنرالات المستبدين، وسيتم من الآن فصاعدا انتخاب الجنرالات وعزلهم.

تم تحرير العمال من نزوات الرأسماليين وتعسفهم، لأنه من اليوم سيتم تأسيس سيطرة العمال على المعامل والمصانع.
كل ما تبقى هو شعوب روسيا، التي انتظرت وتنتظر تحت النير والتعسف والذي يجب فورا الاهتمام بتحريرها.
في زمن القيصرية، كانت شعوب روسيا مثارة ضد بعضها البعض، ونتائج هذه السياسة معروفة: المجازر والمذابح من جهة، واستعباد الشعوب من جهة أخرى.
لا يمكن العودة إلى هذه السياسة المشينة.
اليوم يجب أن تحل محلها سياسة طوعية ونزيهة لتوحيد شعوب روسيا.
في زمن الإمبريالية، بعد ثورة فبراير، عندما انتقلت السلطة إلى أيدي بورجوازية الكاديت، تم استبدال سياسة الإثارة بسياسة جبانة لعدم الثقة في شعوب روسيا، سياسة الخداع والاستفزازات المغطاة بكلمات "الحرية" و "المساواة" للشعوب. إن نتائج هذه السياسة معروفة: زيادة العداء بين الجنسيات، وانعدام الثقة المتبادلة بينها.
يجب وقف هذه السياسة الدنيئة القائمة على الأكاذيب وعدم الثقة، ومن الخداع والاستفزاز. ويجب أن تحل محلها اليوم سياسة منفتحة ونزيهة، تؤدي إلى الثقة المتبادلة الكاملة بين شعوب روسيا.
لا يمكن تشكيل الاتحاد الصادق والمتين لجميع شعوب روسيا إلا من خلال هذه الثقة.
فقط من خلال هذا الاتحاد يمكن لعمال روسيا وفلاحيها أن يتحدوا في قوة ثورية قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم من قبل البرجوازية الإمبريالية والإلحاقية.
وعلى أساس هذا المبدأ، أعلن المؤتمر الأول للمجالس، في يونيو من هذا العام، حق شعوب روسيا في تقرير المصير.
وقد أكد المؤتمر الثاني للسوفييتات في أكتوبر الماضي هذا الحق بطريقة أكثر حسما ودقة.
تنفيذا لإرادة هذه المجالس، قرر مجلس مفوضي الشعب أن يسترشد في مسألة الجنسيات بالمبادئ التالية:
المساواة والسيادة بين شعوب روسيا.
حق شعوب روسيا في التصرف في شؤونها، بما في ذلك الانفصال وتشكيل دولة مستقلة.
إلغاء جميع الامتيازات والقيود، الوطنية أو الدينية.
التنمية الحرة للأقليات القومية والمجموعات الإثنوغرافية التي تعيش في إقليم روسيا.
ستعد المراسيم فور إنشاء لجنة معنية بالجنسيات
نيابة عن الجمهورية الروسية، مفوض الشعب للجنسيات: لوسيف جوغاشفلي- ستالين.
رئيس مجلس مفوضي الشعب: ف. أوليانوف (لينين).
إعلان حقوق العمال والمستغلين
لينين
تم تقديم مشروع إعلان حقوق العمال والمستغلين في 3 يناير (16) 1918 في اجتماع للجنة التنفيذية المركزية لروسيا، والتي اعتمدته بالإجماع مع بعض التعديلات. ونشر "الإعلان" في 4 (17) يناير في إزفيستيا.
في اليوم التالي، قدم الفصيل البلشفي "الإعلان" نيابة عن السلطة السوفيتية إلى الجمعية التأسيسية للنظر فيه. رفضت هذه الهيئة المعادية للثورة مناقشتها. غادر الفصيل البلشفي الجمعية. وفي 12 يناير (25)، 1918، تمت الموافقة على "الإعلان" من قبل المؤتمر الاستثنائي الثالث للسوفييتات.
نشر في 4 (17) يناير 1918 في برافدا رقم 2 وإزفيستيا رقم 2 للجنة التنفيذية المركزية.
تصدر الجمعية التأسيسية مراسيم هي:

-l-
1 - أعلنت روسيا جمهورية سوفييتات نواب العمال والجنود والفلاحين. كل السلطة في المركز وفي المقاطعات تنتمي إلى هؤلاء السوفييتات.
2 - تأسست الجمهورية السوفيتية الروسية على الاتحاد الحر للدول الحرة، كاتحاد للجمهوريات السوفيتية القومية.
-ll-
إن مهمة إلغاء كل استغلال للإنسان من قبل الإنسان، والقضاء التام على تقسيم المجتمع إلى طبقات، وسحق مقاومة المستغلين بلا رحمة، والتنظيم الاشتراكي للمجتمع، وانتصار الاشتراكية في جميع البلدان، وإصدار مراسيم أخرى على النحو التالي:
1 - إلغاء الملكية الخاصة للأراضي: كل الأرض، مع جميع المباني والماشية، وغيرها من المعدات المستخدمة في الإنتاج الزراعي، تعلن إرثا لجميع العمال.
2 - تم إقرار القانون السوفياتي للرقابة العمالية والمجلس الأعلى للاقتصاد الوطني، بهدف تأمين سلطة الشعب العامل على المستغلين، وكإجراء أول يستعد للتسليم الكامل للمصانع والمناجم والسكك الحديدية وغيرها من وسائل الإنتاج والنقل، إلى ملكية دولة العمال والفلاحين.
3 - إن تسليم جميع البنوك كملكية لدولة العمال والفلاحين هو أحد شروط تحرر الجماهير العاملة من نير رأس المال.
4 - من أجل القضاء على الطبقات الطفيلية في المجتمع، يتم إنشاء خدمة العمل الإلزامي للجميع.
5 - من أجل ضمان اكتمال السلطة للجماهير العاملة والقضاء على أي إمكانية لاستعادة سلطة المستغلين، يتم إصدار مرسوم بتسليح العمال، وتشكيل جيش أحمر اشتراكي من العمال والفلاحين، ونزع السلاح الكامل للطبقات المالكة.
-lll-
1 - وإذ تعرب الجمعية التأسيسية عن إرادتها الراسخة لانتزاع البشرية من براثن رأس المال المالي والإمبريالية التي أغرقت الأرض بالدماء في الحرب الحالية، وهي الحرب الأكثر إجراما على الإطلاق، فإنها تحشد دون تحفظ للسياسة التي تمارسها القوة السوفياتية:
-التنديد بالمعاهدات السرية، وتنظيم أوسع أخوة مع عمال وفلاحي الجيوش التي هي حاليا في حالة حرب.
-الحصول بأي ثمن من خلال التدابير الثورية على سلام ديمقراطي بين الشعوب، دون ضم أو مساهمات حربية، على أساس حق الأمم في تقرير مصيرها.
2- من ناحية أخرى، تصر الجمعية التأسيسية على القطيعة التامة مع السياسة الهمجية للحضارة البورجوازية التي بنت ازدهار المستغلين لعدد صغير من الدول المحظوظة على استعباد مئات الملايين من العمال في آسيا والمستعمرات بشكل عام وفي البلدان الصغيرة.
ترحب الجمعية التأسيسية بسياسة مجلس مفوضي الشعب في إعلان الاستقلال الكامل لفنلندا، والبدء في سحب القوات من بلاد فارس وإعلان حرية أرمينيا في تقرير المصير .
3 - تعتبر الجمعية التأسيسية القانون السوفياتي بشأن إلغاء القروض التي تعاقدت عليها حكومات القيصر وكبار ملاك الأراضي والبرجوازية بمثابة ضربة أولى لرأس المال المصرفي والمالي الدولي، وتعبر عن قناعتها بأن قوة السوفييتات ستتخذ خطوة ثابتة في هذا الاتجاه، حتى النصر الكامل للانتفاضة العمالية الأممية ضد نير رأس المال.
- lV-
انتخبت (الجمعية التأسيسية) على أساس قوائم حزبية وضعت قبل ثورة أكتوبر، عندما لم يستطع الشعب بعد، الوقوف مع كل جماهيره ضد المستغلين، في حين أنه لم يكن يعرف القوة الكاملة للمقاومة التي سيعارضها للدفاع عن امتيازاته الطبقية، في حين أنه لم يكن قد اضطلع بعد عمليا ببناء المجتمع الاشتراكي، ستعتبر الجمعية التأسيسية ذلك خاطئا تماما، حتى من وجهة نظر شكلية للوقوف ضد سلطة السوفييتات.
أما بالنسبة للمضمون، فترى الجمعية التأسيسية أنه اليوم، في وقت النضال الأسمى للشعب ضد مستغليه، لا يمكن لهذا الأخير أن يجد مكانا له في أي من أجهزة السلطة. يجب أن تكون السلطة ملكا كاملا وحصريا للجماهير الكادحة وتمثيلها المفوض: سوفييتات نواب العمال والجنود والفلاحين.
ودعما لسلطة السوفييتات ومراسيم مجلس مفوضي الشعب، ترى الجمعية التأسيسية أن مهمتها تقتصر على إرساء الأسس الأساسية للتحول الاشتراكي للمجتمع.
في الوقت نفسه، فإن الجمعية التأسيسية، حريصة على إقامة تحالف حر وطوعي حقا، وبالتالي أكثر قربا وقوة بين الطبقات العاملة في جميع أمم روسيا، تقصر مهمتها على إرساء المبادئ الأساسية لاتحاد جمهوريات روسيا السوفياتية، تاركة للعمال والفلاحين في كل أمة حرية اتخاذ القرار المستقل، في مؤتمر السوفييتات الخاص، وبصلاحيات كاملة، إذا كانوا يرغبون في المشاركة في الحكومة الفيدرالية والمؤسسات الفيدرالية السوفيتية الأخرى، وتحت أي ظروف.
ــــــ ــــــــ
يوجد هذا النص بصيغة بدف، وهو مرفق بمجموعة من الصور على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info



#موقع_30_عشت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة السادسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية وال ...
- الحلقة الخامسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية وال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ــ ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية
- الحزب الماركسي ـ اللينيني الثوري في خط منظمة -إلى الأمام-
- حول كومونة باريس وما بعدها التجربة والدروس
- بصدد العدوان الدموي التصفوي الصهيوني على الشعب الفلسطيني
- كلمة الموقع في هول الكارثة الزلزال
- تحت أعواد المشنقة ـــ يوليوس فوتشيك
- الثورة الفرنسية ــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن 26 غشت 1789 و ...
- كتاب: -الأقدام العارية ـــ الشيوعيون المصريون: 5 سنوات في ال ...
- موقف البلاشفة أمام القضاة البلاشفة في الاستنطاقات وأمام الن ...
- إصدار جديد: محاكمة ماركس ورفاقه في -عصبة الشيوعيين- محاكمة ...
- بيان هام: جواز تلقيح أم إبادة جماعية
- إصدار جديد لموقع 30 غشت: -أزمة الرأسمالية العالمية والصراع ا ...
- إصدار جديد لموقع 30 غشت: -ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع-
- في الذكرى 51 لتأسيس المنظمة الماركسية اللينينية المغربية -إل ...


المزيد.....




- كاسترو يخشى -التحكيم- أمام الهلال.. رونالدو ورغبة الانتقام ف ...
- اتحاد متقاعدي/ات التعليم بالمغرب UREM يطالب الحكومة بالتفاعل ...
- الفصائل الفلسطينية تعلن موقفها من مفاوضات الدوحة
- الولايات المتحدة تكرر أخطاء الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوس ...
- -حماس- والفصائل الفلسطينية تؤكد أن ما يسمى اليوم التالي للحر ...
- الإفراج عن الضابط عمر نزار المحكوم بالمؤبد عن جريمة قتل متظا ...
-  الآلاف يحتشدون في كافة أنحاء المملكة المتحدة لوضع حد للفاشي ...
- الفصائل الفلسطينية: موقفنا ثابت من المفاوضات بضرورة تنفيذ ما ...
- تركيا: ضبط أسلحة خاصة بحزب العمال الكردستاني في شمال العراق ...
- العراق.. تبرئة ضابط أدين بقتل متظاهرين في -مجزرة جسر الزيتون ...


المزيد.....

- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي
- تحديث. كراسات شيوعية (الهيمنة الإمبريالية وإحتكار صناعة الأس ... / عبدالرؤوف بطيخ
- لماذا يجب أن تكون شيوعيا / روب سيويل
- كراسات شيوعية (الانفجار الاجتماعي مايو-يونيو 1968) دائرة ليو ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة الفصل ... / شادي الشماوي
- ليون تروتسكى فى المسألة اليهودية والوطن القومى / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - موقع 30 عشت - حول ثورة أكتوبر