رشا أرنست
(Rasha Ernest)
الحوار المتمدن-العدد: 1775 - 2006 / 12 / 25 - 11:13
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
ما من شك أن الوقت هو مفتاح لكل ما يمر في حياة الإنسان ، فهي عبارة عن أيام ، و الأيام ما هي إلا ساعات لهذا على الإنسان مجهود مستمر في التفكير كيف تكون الساعات ؟ و من ثم يأتي السؤال الأهم كيف ستكون حياته ؟ أو بالأحرى بأي شكل يُريد أن يمضى ساعاته ؟ قال سقراط " حياة لم تُفحص لا تُستحق أن تُعاش " فهل هناك أشخاص مازالوا يؤمنون بهذا و يعيشون حياتهم تاركين ما يمكن أن يُفحص و يُقدر فيها .
أيامنا هي نحن كما عبر عنها حسن البصري فقال " يا ابن آدم .. إذا ذهب يوم ذهب بعضك " ، كل يوم كما قال البصري هي جزء من الإنسان ، لابد أن يدركه و يعمل على أن يكون له قيمة ، فلا يمر كأنه لم يأتي . فاليوم هو ما نحن عليه ، ما نفعله ، ما ندركه ، ما نقضي فيه حياتنا يوم تلو الأخر ، بغض النظر إذا كنا نفعل ما نريد أو نفعل ما لا نريد فهذا أمر آخر .
يعتبر الوقت هام جداً لكثير من الناس ، حيث أن الوقت بالنسبة لهم من ذهب ، مكسب و خسارة ، كل ساعة لها ثمن . و في نفس الوقت لكثير من الناس أيضاً ليس له أي قيمة فهو لا يساوى سنتاً واحداً . أتسأل هل مازال الوقت ثمين لبعض الناس ؟ و الإجابة تعصف بذهني .. نعم مازال الوقت هام جداً و الساعة التي بأيدينا هي كنز لا يعرفه سوى من تعودوا أن تكون لكل دقيقة بساعاتهم لها سعر ، يشترون بالساعة ، يقررون بالساعة ، يدفعون بالساعة ، حياة امة تبدأ أو تنتهي في ساعة معينة . فرجال الأعمال يديرون حياتهم بالساعة ، و رؤساء الدول يديرون شئون أوطانهم بالساعة ، و البائعون يبيعون و يشترون بالساعة . هذه الدائرة الصغيرة التي يدور حولها العالم و هي ثابتة تدور بداخلها عقارب صغيرة تكاد في بعض ماركات الساعات العالمية من صغر حجمها لا تُرى . إذاً الوقت هاماً لكثير من الناس و السؤال التالي بذهني : هل هو هاماُ بنفس المقدار لمستقبل شخصاً أو مستقبل دولة ؟! يقولون مستقبل الأمم في شبابها ، نعم فهذا صحيح على اعتبار أن هذا الشباب يتعلم و ينمو في جو من الآمان و السلام و التقدم ، على اعتبار أن هذا الشباب يعمل و يبتكر و يحقق انجازات تعلو بوطنه ، على اعتبار أن بلادهم تعرف بقيمتهم و تُساعدهم ليقدموا لها المزيد ، على اعتبار أن هذا الشباب يُقدر الوقت و يستخدمه و يعرف قيمته . و لكن ماذا إذا كان اغلب شباب بلادنا العربية ضائع لا يعرف قيمة للوقت ! بعض البلاد تقوم و تصحو على أصوات المدافع و الدبابات و طلقات الرصاص هؤلاء الشباب يفتقدون للأمان فالوقت لهم هو الحرب ، حياتهم تبنيها الحرب ، طفولتهم تُبنى على مُقاومة الاحتلال ، فمتى سيكون لديهم الوقت ليبنوا بلادهم بعيداً عن الدمار . و بعض الدول الأخرى تُعانى لكثرة شبابها من البطالة ، فبعد معاناة طويلة في أيام طفولتهم في ظل الفقر و معاناة أكثر لأهلهم التي تظل تكافح و تُعانى من التربية و التعليم و الدروس الخصوصية على أمل أن هناك سيكون مستقبل لأولادهم إذا دخلوا الجامعة و تخرجوا منها ، و بعد فرحتهم العارمة بالتخرج يدركون انها أصبحت مجرد كلمة تُذكر في البطاقة الشخصية لأولادهم ، مجرد شهادة ليس لها قيمة . و يبدءون من جديد يُعانون و هذه المرة ليست من التعليم و لكن من ما نتج عن التعليم ، فالتعليم دائما هو بداية لطريق و لكن ببلادنا هو نهاية لمشوار ملايين من الشباب . فما ينتظرهم هو البطالة و الإحباط و الذل من اجل ما يستطيعوا أن ينجزوه لتستمر الحياة هذا إذا استطاعوا أن يجدوا عمل اقل ما يقال عليه انه إهدار للشباب . منذ عشرات السنين لم يعد للشهادة الجامعية أي قيمة ، فما نتعلمه لا نعمل به هذا إذا توافر لنا فرصة عمل . و تظل الأجيال تواسي أجيال بان هناك حل قريب و مستقبل آتٍ ، و رغم أن هذا الحل لا يأتي و المستقبل لا يُشرق إلا على قلة هي من أسعدهم الحظ بأن يكون أبائهم من أصحاب الساعات ذو الماركة العالمية ، لا يفقدون الأمل و لا يكفون عن الحديث أن هناك فرص للحياة لم تأتي بعد و أنها قادمة .
أفكر .. هل مازال الأمل موجود في استعادة الوقت ، في بداية لاستعماله استعمال هادف ! هل نستطيع من جديد كشباب عربي أن نقدر قيمة الوقت ! نحتاج لكثير من المعجزات ليس بالضرورة معجزات سماوية كما اعتدنا ، فالمعجزات أصبحت لها أشكال كثيرة غير التي اعتدنا عليها ، فنهاية حرب أصبحت معجزة ، و نهاية حاكم أصبحت معجزة ، و انتخابات نزيهة معجزة ، حكم ديمقراطي حر معجزة ، و تشغيل شاب هو أيضاً معجزة . فمتى سينتهي عصر المعجزات الحديثة . متى تصبح حياة كل شخص في بلادنا هي من صنعه يُديرها و يعيشها كما هو يُريد و ليس كما يُريد الآخرون .
الجميع ممن يجلسون على كراسي ثابتة يديرون العالم من حولهم يتكلمون عن الوقت و إدارة الوقت و مستقبل الأمم و الشعوب و يجهلون أن من خلفهم طوفان قادم اسمه الفراغ ، طوفان قادم من قلوب و عقول شباب لا حصر له ، إن لم يستخدموا عقولهم و قوتهم الآن فلا يحسبون ان ما تؤل إليه الأحوال الآن من جهل و إرهاب و عنف و جرائم ليس إلا القليل مما هو آتٍ إذا لم ينزلوا عن عروشهم ليبدءوا العمل و يكفون عن أحاديث الفضائيات و المؤتمرات التي لم يعد الشباب الذي هو اكبر فئة في المجتمع يسمعها مجرد السمع . أمام هؤلاء المسئولون مشوار كبير لإعادة الثقة لهم هذا إذا تحركت ضمائرهم يوماً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل غامض لا يعلمه إلا الله .
فالوقت مازال أمام الجميع ليحسنوا استعماله ، فمن عليه مسئولية مازال يستطيع انجازها ، و من لديه قرار أمامه فرصة أن يتخذه ... فإدارة الوقت هي حالة نفسية , أنها استعداد للالتزام الشخصي و إعادة ترتيب للأولويات وعادات الحياة أو العمل . و الجميع أمامهم هذه الفرصة . و إما أن يُدركها و إما أن يتركها تمضي كغيرها .
#رشا_أرنست (هاشتاغ)
Rasha_Ernest#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟