أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جلبير الأشقر - مناهضة الفاشية وسقوط الليبرالية الأطلسية














المزيد.....

مناهضة الفاشية وسقوط الليبرالية الأطلسية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 8069 - 2024 / 8 / 14 - 10:26
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



إن المؤرخ الفرنسي فرنسوا فوريه، الذي كان شيوعياً في شبابه ثم انقلب مناهضاً للشيوعية، صاحبُ تفسيرٍ شهير لرواج الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، لا سيما في أوساط المثقفين، بعزوه إلى مناهضة الفاشية، وذلك استناداً إلى الدور الرئيسي الذي لعبه الاتحاد السوفييتي في دحر النازية خلال تلك الحرب. هكذا انقلبت الستالينية من توأم للنازية في انتمائهما إلى التوتاليتارية (الشمولية) أعلى مستويات الدكتاتورية، إلى نقيض لها، بما سمح للستالينية أن تبلغ أوجّ نفوذها الأيديولوجي في العقد الذي تلا الاندحار الكامل للمحور الفاشي. وقد واصلت مناهضة الفاشية لعب دور مركزي في الأيديولوجيا السوفييتية، إنما بصورة متضائلة التأثير بسبب تحوّل الفاشية إلى ظاهرة هامشية نسبياً في العقود التي تلت الحرب العالمية مباشرة، وصولاً إلى زمن دخول النظام السوفييتي في طور الاحتضار.
هذا التفسير لمصير الأيديولوجيا السوفييتية صحيحٌ بلا شك، إذ إن دور الاتحاد السوفييتي في دحر النازية كان الحجة الأيديولوجية الأقوى لدى الحركة الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية، بما فاق بكثير الانتساب إلى الثورة الروسية في حقبتها البلشفية. لكن ما أغفله فوريه وسواه من مناهضي الشيوعية هو أن الأيديولوجيا الليبرالية التي ادّعوا الانتماء إليها مثلما ادّعى الستالينيون الانتماء إلى الماركسية، إنما استندت هي أيضاً إلى مناهضة الفاشية، مع فارق الجمع بين هذه الأخيرة والستالينية في بوتقة التوتاليتارية. ذلك كان ولا يزال الادعاء المركزي في الأيديولوجيا الليبرالية في صيغتها الأطلسية، وهي صفة تحيل إلى ميثاق الأطلسي الذي عقدته الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1941 وكان أساس تحالفهما في الحرب العالمية الثانية، وقد شكّل أساس الحلف الأطلسي الذي قام في وجه الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.
بيد أن الأيديولوجيا الأطلسية قد غضّت الطرف عن الجذور الإمبريالية الاستعمارية للفاشية كما حلّلتها المفكّرة اليهودية الألمانية الكبيرة حنّة آرنت، وهذا لسبب بديهي هو أن الحلف الأطلسي قام بينما كانت لا تزال دوله الأعضاء تسود على إمبراطوريات استعمارية في شتى أنحاء الجنوب العالمي، والحال أن النظام الفاشي الاستعماري البرتغالي كان هو ذاته أحد مؤسسي الحلف الأطلسي. وإذ دخل العالم في مرحلة نزع الاستعمار، تركّزت الأيديولوجيا الأطلسية على مناهضة الشيوعية السوفييتية دون تخلّيها عن مناهضة الفاشية، إنما بما كاد يحصر هذه الأخيرة بالنازية وإبادة اليهود الأوروبيين التي اقترفتها. هكذا تمكّنت الأيديولوجيا الأطلسية من أن تدّعي احتكار تمثيل قيَم الحرية السياسية والديمقراطية التي تضمنتها الليبرالية التاريخية، بينما كانت ولا تزال تدوس هذه القيَم في الجنوب العالمي.


هذا وقد وصلنا اليوم إلى منعطف تاريخي يشهد سقوط قناع الادّعاء الليبرالي عن وجه الحلف الأطلسي، وذلك في وقت تلا على الفور بلوغ ذلك الادعاء ذروة جديدة مع وقوف الحلف المذكور ضد الغزو الروسي لأوكرانيا وزعمه تمثيل القيَم الليبرالية في وجه حكم فلاديمير بوتين النيوفاشي. هذا الزعم الأخير تم على الرغم من صعود النيوفاشية في صفوف الحلف الأطلسي ذاته ووصولها إلى الحكم في بعض دوله الأعضاء، بما فيها الولايات المتحدة في زمن رئاسة دونالد ترامب. بيد أن الليبراليين الأطلسيين واصلوا استخدام مناهضة التوتاليتارية، بما فيها الفاشية والنيوفاشية، ركيزة للأيديولوجيا الخاصة بهم، وهم يصوّرون كفاحهم كأنه صيغة حديثة لصراع الليبرالية (الإمبريالية) ضد الفاشية في ثلاثينيات القرن الماضي، الذي دار في شتى بلدان الشمال العالمي.
أما اليوم فقد سقط القناع الليبرالي نهائياً عن الأيديولوجيا الأطلسية من خلال تضامن أربابها وتواطئهم مع دولة إسرائيلية تحكمها التيارات النيوفاشية والنيونازية في الحركة الاستعمارية الصهيونية، وتقترف أبشع حرب إبادة جماعية متعمّدة خاضت فيها دولة مصنّعة منذ الإبادة النازية، حرب إبادة في قطاع غزة تصحبها ممارسات إزاء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية كما في السجون الإسرائيلية، تنمّ عن عداء عنصري عنيف للفلسطينيين يحيلهم إلى مرتبة البشر الدونيين (Untermenschen) على غرار ما فعله النازيون باليهود.
إزاء موقف الأطلسيين هذا، لم تعد لادّعائهم الليبرالي في مناهضة الغزو الروسي لأوكرانيا أي قيمة على الإطلاق، مثلما لم تبقَ أي قيمة لادّعائهم الليبرالي في مناهضة الفاشية والإبادة الجماعية وغيرها من أركان الأيديولوجيا التي صاغها أسلافهم إثر الحرب العالمية الثانية والتي هيمنت على تشكيل منظمة الأمم المتحدة في عام 1945. أما المفارقة العظمى في هذا المنعطف التاريخي، فهي تذرّع الأطلسيين بحرصهم على ضحايا النازية اليهود، وهم يستمدّون من تاريخ الصراع ضد النازية درساً مفعماً بالمنطق الاستعماري العنصري، يفضّلون التضامن مع الذين يدّعون تمثيل كافة اليهود وقد بات الأطلسيون يرون فيهم جزءاً من عالمهم «الأبيض» يفضّلون التضامن مع هؤلاء حتى ولو غدوا هم المجرمين مقترفي الإبادة، على التضامن مع ضحاياهم من غير «البيض».
هكذا تكون نظرية حنة آرنت في أصول التوتاليتارية قد تأكدت صحتّها، إذ إن مناهضةً للتوتاليتارية لا ترى من جذور هذه الأخيرة سوى العداء اللاسامي لليهود بينما تتغافل عن الإرث الاستعماري الذي لا يقل فظاعة عما اقترفته النازية من جرائم، إن مثل هذه المناهضة للتوتاليتارية إنما هي مناهضة ناقصة محكومة بالانهيار، يشوبها عجزٌ عن تخطّي عقدة التفوّق الأبيض الملازمة لكبرى جرائم العصر الحديث، بما فيها الإبادة النازية لليهود الأوروبيين الذين رأى فيهم النازيون دخلاء من غير البيض في مجالهم «الحيوي» (Lebensraum) الأوروبي الشمالي الأبيض.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة جو بايدن ضد الإنسانية
- لو كان قتلى مجدل شمس من اليهود…
- في قتل الأطفال وعودة الإبادة إلى الاعتياد
- ليس الأسوأ دائماً أكيداً
- عندما تصبح تهمة اللاسامية سلاحاً بيد الفاشية الجديدة
- هل يمهّد قرع طبول الحرب على الجبهة اللبنانية لحرب شاملة؟
- خلفيات الصراع الدائر بين بايدن ونتنياهو
- في سرّ تحوّل بايدن إلى حمامة
- الهدنة في غزة ومعضلتا نتنياهو و«حماس»
- خلفيات اتهام كريم خان باللاسامية
- فح والفاشر: حرب الإبادة والتضامن الواجب
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- لعبة القمار بين «حماس» ونتنياهو
- مصير فلسطين في ضوء العدوان على غزة
- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- «دولة فلسطين» بين تصفية القضية ومواصلة النضال
- إن يسارا مغايرا ممكنٌ
- درسان ثمينان من الانتخابات التركية
- نفاق الإدارة الأمريكية والصفاقة الإسرائيلية


المزيد.....




- لا سبيل لمواجهة السياسات اللاشعبية سوى بالمزيد من تنظيم وتقو ...
- الجبهة الشعبية: تتوجه بالتحية إلى المقاومة والشعب اللبناني ...
- الدفاع التركية: تحييد عنصرين من حزب العمال الكردستاني شمال س ...
- أكاديمي أميركي: وصف ترامب لهاريس بأنها شيوعية يظهر قلقه الوا ...
- تجديد حبس للصحفي ياسر أبو العلا 15 يوم.. وممدوح والخطيب أمام ...
- أحزاب يسارية تدشّن الجبهة الشعبية للعدالة الاجتماعية تحت شعا ...
- حبس 15 يوم لمعتقلي “بانر فلسطين”
- افتتاحية: للجفاف أسباب اجتماعية وطبقية
- الغارديان: المحافظون صنعوا مستنقعا معاديا للإسلام لكن حزب ال ...
- بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي


المزيد.....

- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي
- تحديث. كراسات شيوعية (الهيمنة الإمبريالية وإحتكار صناعة الأس ... / عبدالرؤوف بطيخ
- لماذا يجب أن تكون شيوعيا / روب سيويل
- كراسات شيوعية (الانفجار الاجتماعي مايو-يونيو 1968) دائرة ليو ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة الفصل ... / شادي الشماوي
- ليون تروتسكى فى المسألة اليهودية والوطن القومى / سعيد العليمى
- كيف درس لينين هيغل / حميد علي زاده


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جلبير الأشقر - مناهضة الفاشية وسقوط الليبرالية الأطلسية