|
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الحادي عشر)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8067 - 2024 / 8 / 12 - 16:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ـ المحبة والإيمان (2) يعبر الأب عن حقيقة الولد، كما يكون الله أو الأنت كلمتي الحقيقة. مثلما أن أن الله يصدح للإنسان بما يكونه من خلال تقديم جوهره الخاص، تكون وظيفة الأب هي تقديم الجوهر، اللحظة الضرورية للتخارج أو الاغتراب التي تسمح للإنسان باستعادة نفسه في الحقيقة. وهكذا نجد الأطروحات الأولية التي تؤسس هذه العلاقة على العلاقة الراغبة، حيث يكون الله هو المعبر عن رغبات الإنسان غير المحققة: "فما هو الله إذن؟ إنه سعادة الإنسان ككائن منجز وفعال، أي موضوعي”. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكننا أن نتصور الحب الإلهي والحب البشري؟ قام فيورباخ وهو يقرأ لوثر يذلك من خلال التمييز بين المحبة والإيمان. هنا نضع الأصبع على جوهر قراءة فويرباخ للوثر. بالنسبة إلى لأخير، يتمثل الانتقال من الله إلى الإنسان، كما نعلم، في إحلال الجنس البشري محل الله. لكن الجنس البشري هو أيضا مجرد تجريد. ولهذا السبب، يجب على فيورباخ، كما أشار ماركس، أن يجسد هذا النوع الذي يعرف بأنه "مجموع [...] خصائص الجنس التي توزع بين الناس والتي تتحقق في مجرى التاريخ" من خلال المرور عبر العلاقة بين أنا وأنت. هناك إذن في فهم الإنسان علاقة مزدوجة، من ناحية مع جارك في "أنت"، ومن ناحية أخرى مع الكل في هذا الحنس. وفي هذا السياق الدقيق يلجأ فيورباخ إلى التمييز اللوثري بين الإيمان والمحبة الذي يوفر في الوقت نفسه مفتاح لتفسيره للوثر. يقول فيورباخ: "كائن آخر ، الله، [...] موضوع الإيمان، كائن آخر، الإنسان، موضوع المحبة، أي النشاط العملي، الحياة". ويضيف: "لكن هل هذا هو الحال في الواقع؟ لا ! موضوع الإيمان، كما رأينا، هو المحبة – المادة الأسمى للإيمان، المادة الوحيدة الحاسمة والشاملة، هي هذه القضية: الله محبة. ولكن محبة من ، لأن حب الذات، الحب بدون موضوع، أليس مجرد وهم؟ حب الإنسان. في الحقيقة، الإنسان أيضا هو موضوع الإيمان، العمل الخيري، حب الناس هو أيضا سر الإيمان؛ مع الفارق الوحيد الذي هو أن الإنسان الآخر في المحبة هو موضوع المحبة بينما في الإيمان أنا نفسي موضوع المحبة، وبينما أحب هناك أكون محبوبا هنا". يوضح هذا المقطع أطروحة فيورباخ الأساسية التي تسمح له بتأويل علاقة الإنسان بالله كعلاقة الإنسان بنفسه، وفي التعارض بين المنفعل والفاعل، كدعوة إلى إعادة التملك الفعال، أي إلى التحرر. من الإنسان. يظهر الحب والإيمان كأسلوبين متكاملين للتواصل مع الذات ومع الآخرين إلى الحد الذي يتم فيه تأويل الإيمان على أنه حب الذات. من خلال كونه محبوبا، يصبح الإنسان واعيا بذاته، ولديه "إحساس بذاته" لأن "من يحبني يقول لي صارخا: أحب نفسك، لأني أحبك". ففي الإيمان أتعلق بنفسي والحب هو حب الذات: "[...] في الحب أنا كائن نسبي، أخدم الآخرين، أنا فقط وسيط؛ ولكن في الإيمان أنا كائن مطلق، أنا غاية في ذاتها". الاثنان متكاملان، لأنه في الحب كما في الأخلاق، لا ينبغي أبدا أن يكون المرء وسيلة بسيطة، بل دائما غاية في ذاتها. فالغاية في ذاتها، الكوني، هي انتماء إلى هذا الجنس. بل إن «مقياس الجنس مطلق، وليس نسبيا كمقياس الأفراد والأنواع». باختصار: المحبوب مطلق ويجد ذاته في جوهره، أما الكائن المحب فهو نسبي ومنفتح على الوجود. لكن كلاهما منظم: الأول هو شرط إمكان الثاني، الإيمان شرط المحبة، أي أن محبة الذات، في اللغة الفويرباخية، شرط إمكان محبة القريب: "[...] موضوع الحب (حب القريب) هو سعادة الآخر؛ بالمقابل، موضوع الإيمان هو سعادتي الخاصة، غبطتي الخاصة". هكذا يُترجم الحب إلى حوار حيث تتطلب العلاقة مع أنت موقف أنا أصيل. إنما إذن كصدى للكلمة التي لخص فيها لوثر جميع الوصايا: “سوف تحب قريبك كما تحب نفسك” ( Rom. 13.9)، حدد فيورباخ جدليته للأنا والأنت. هذه الجدلية تعزو أصل قوة الحب إلى الإيمان. وبهذا المعنى يختتم فويرباخ كتابه عن لوثر : "[...] إن جوهر الإيمان، في اختلافه عن الحب واعتباره وفقا لهدفه النهائي ، ليس سوى جوهر حب الذات". ومن خلال ترتيب الإيمان والمحبة على هذا النحو، فتح لوثر الطريق إلى الحقيقة والحرية. ومن خلال تأسيس حب القريب على حب الذات، الذي هو أيضا إخساس بالذات، يطمنح فيورباخ الحب قوة توسعه. ولهذا السبب فإن كونك محبوبا من الله، دنيويا في محبة الذات، يعطي "شعورا إلهيًا بالذات" ضروريا بدوره للحب. بالنسبة لفويرباخ، يُظهر لوثر محبة الله التي يكنها لي، مؤكدا أنه يجب علي أن أحب نفسي وهكذا "يعيد توجيه الإنسان إلى ذاته". إن حب الذات على مستوى الجنس يتيح لنا أن نفهم أن الله ليس أكثر من الإنسان وأن الأخير مدعو ليجد نفسه. هذه الحقيقة تفتح الطريق أمام التحرر، لأنه قبل أن يكون محبوبا، يجد الإنسان نفسه فقط من خلال الآخر، من خلال محبة الآخر التي تدعوه إلى حب نفسه. ولهذا السبب فإن "الأنانية" و"الشيوعية"، وحب الذات وحب الآخر لا ينفصل بعضها عن البعض الٱخر. ويمكن بعد ذلك تلخيص نطاق لوثر على النحو التالي: "[...] لقد أوضحت لك أن ما تعتقده وتؤمن به أنه الأسمى عند إلهك هو محبة الإنسان للإنسان. [...] لكن أعني بالحب نشاط الجسد كما نشاط الروح، الحياة لأجل الآخرين، لأجل الإنسانية، لأجل غايات كونية. وبما أن هذه الغايات الكونية لا تجد واقعها وحقيقتها إلا في أن صيرورةـ إنسان– إذا كنت أريد، مثلا، الحرية، فأنا لا أريد شيئًا آخر غير أناس أحرار، ولا أريد الحرية فقط في الرأس أو الإرادة، بل أريد الحرية المرئية والمحسوسة – أنا دائما أضع الإنسان على هيأة l’A et l’Ω". يبقى أن فيورباخ، وهو يعتمد على لوثر، يميز نفسه عنه. عن المحبة والإيمان كتب لوثر في "حرية المسيحي": "[...] المسيحي لا يعيش في ذاته، بل في المسيح وفي قريبه، في المسيح بالإيمان، في قريبه بالمحبة: بالإيمان يرتفع فوق ذاته في الله، ومن الله ينزل نحو ذاته بالمحبة، ومع ذلك يبقى دائما في الله وفي المحبة الإلهية [...]*. يتجاهل فيورباخ عمدا القضية الأخيرة، وهي أن حب القريب والإيمان بالله يظلان بالنسبة إلى لوثر مغلفين بـ "الحب الإلهي"، أي بالحب القادم من الله. ولم يعد هذا هو الحال في القراءة التي تجعلهما يتماشيان وأطروحة الاختزال المزدوج (1) لله في ذاته، كموضوع للاهوت والفلسفة التأملية، إلى علاقة الإنسان بالله، التي هي الدين، و (2) لعلاقة الإنسان بالله إلى علاقة الإنسان بذاته، وهي الأنثروبولوجيا الدينية. هذه الحركة، حيث الممارسة العملية هي تحقيق الذات قبل أن تكون في الحقيقة تحقيقا اجتماعيا، هي حركة الإصلاح التي يسميها فيورباخ “الطريق إلى الحقيقة والحرية”. (يتبع) المرجع: https://journals.openedition.org/rgi/378
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكناس: عاملات وعمال سيكوميك بين مطرقة التسريح التعسفي والمتا
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
على هامش اعتقال مصالح الأمن ل-خولة الفايد- و-ولد الشينوية- -
...
-
برشيد: الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر منبهة
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
تهديدات متبادلة بين إسرائيل وإيران ومناورات دبلوماسية لحمل ج
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، فرنسا تدعو رعاياها إلى
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الدار البيضاء: المكتب الجهوي للحزب الاشتراكي الموحد يعقد دور
...
-
تبادل السجناء مع موسكو: جدل ساخن في ألمانيا
-
الجنة الوطنية للقطاع الحقوقي في الاشتراكي الموحد تعتبر الإفر
...
-
حوار على الفيسبوك مع مواطن مغربي أمازيغي ساخط على العرب
-
الانتخابات الرئاسية في فنزويلا: ما هي الدول التي اعترفت بانت
...
-
بيان الحزب الشيوعي الأمريكي حول خطاب نتنياهو أمام الكونغرس
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
المزيد.....
-
في إيطاليا.. استبدل المواقع السياحية المكتظة بوجهات أخرى لا
...
-
معجزة بحرائق لوس أنجلوس.. كيف نجت هذه المنازل في حين تفحّم ك
...
-
شرارات تشبه زخات الثلج.. شبكة CNN تحصل على فيديوهات تُظهر ال
...
-
برلمان أوكرانيا يؤيد تمديد حالة الطوارئ العسكرية لمدة 90 يوم
...
-
معارض للسعودية ومؤيد لحزب الله .. من هو الإمام الشيعي المدعو
...
-
-تيك توك- تخطط لإيقاف خدماتها في الولايات المتحدة بدءًا من ا
...
-
هل نرى تحالفا تكتيكيا بين أردوغان ونتنياهو قريبا؟
-
رئيس إفريقيا الوسطى يصل إلى موسكو في زيارة رسمية
-
والد شاب مصري في سوريا يتبرأ منه بعد بثه فيديوهات تحريضية ضد
...
-
عملية مرتقبة للجيش الإسرائيلي قرب حدود مصر مع غزة؟.. الإعلام
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|