أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عبث في قطار آخر الليل














المزيد.....

عبث في قطار آخر الليل


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 1771 - 2006 / 12 / 21 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


في القطار او في الباص ، دائما يصادفك جار او رفيق سفر يحرمك من سويعات صمتك التي تحب ان تقضيها بعيدا عن رقابة المتطفلين ، في القراءة او في التفكير او حتى في مجرد مراقبة قضبان سكك الحديد وهي تمتد ببلاهة في صمتها الابدي او في عد اعمدة الكهرباء وهي تتراجع باستسلام لايذكرك الا بعذابات رحلتك .وكعادتي معهم ،فان رفيق سفرتي هذه المرة كان قد استعد لهجومه من اول لحظة استعداده للسفر في القطار الصاعد من العاصمة . فبعد السؤال عن ان كان المقعد المجاور لمقعدي شاغرا ام لا ،سالني بجراة انذرتني برفيق سفر بتمام المواصفات ، عن امكانية الحصول على مقعدي المجاور لنافذة القطار فاجبته باقتضاب : كلا . ولكنه سالني بادب مصطنع : لماذا؟ فقلت بشئ من الارتباك : لا لشئ مهم الحقيقة سوى ان الجلوس قريبا من بحر العربة يفقدني الشعور بخصوصية مكاني التي احتاج . ابتسم ابتسامة شك ،او هكذا قراتها ، قبل ان ترتسم امارات الجد على وجهه ليقول : نعم افهم .. ثم زرع عينيه في نقطة ما من ظهر
المقعد الذي يتقدمه وغرق في صمت لم اعتده من رفاق سفراتي المعتادين فقدمت له سجارة مجاراة للفضول الذي اتبد بي .. بعد عدة محاولات من التنبيه ، استفاق صاحبي ليصطنع ابتسامة باهتة ويقول : اوه ! شكرا للطفك . اخذ السجارة بلهفة ظاهرة وعض عليها بشفتيه وانتظر متحرقا ان اشعلها له .. لم اشعلها له ،ولم اشعل سجارتي هي الاخرى وانتظرت ردة فعله . بعد دقيقة اخرى فهم لوحده اني لااحمل علبة ثقاب فنهض بعصبية وقال : ساتيك بالنار حالا ؛ واخذ بالدوران على ركاب العربة التي علا ضجيجها فاشعلت سجارتي وانتظرت ردة فعله بهدوء مصطنع . عندما عاد مد لي سجارته بامتنان لاشعل سجارتي ، وعندما اريته اياها وهي تشتعل جلس دون تعليق . عاد جاري الى صمته وهو يمص سجاته بنهم ، ولمن بهدوء . لم ينم وجهه عن تفكير عميق او انفعال .. كان صامتا فقط .. او هكذا بدا لي . فجاة نشب نزاع بين شاغلي المقعد الذي يتقدمنا وعلا صراخ احد الرجلين سابا لاعنا قبل ان يرد عليه الثاني ويشتبكا بالايدي وصاحبي على هدوءه تطارد عيناه نقطة ما في فراغ الخارج ، وكأنه معزولا عن عن تلك الضجة . وحتى عندما سقطت نظارة احد الرجلين في حضنه ، فان كل ما فعله هو انه مدها باتجاهي ورجاني ان اعيدها الى صاحبها . سيطر الرجل على كامل اهتمامي ولم استطع تحويل عينيّ عنه فمددت علبة سجائري امام عينيه وانتظرت ان يتذكر وجودي وجلوسي الى جانبه .. ولكن الامر احتاج الى نصف ساعة من تارجح القطار على قضبانه المتهالكة ولتوقفه في احدى المحطات الضاجة ، ولثلاث صرخات من احد باعة الصحف .. عندما تنبه اى علبة السجائر سحب سجارة وهو يدمدم : سيشركك الاخرون في ضجتهم ولو كنت في بطن امك . شكرني بامتنان كبير ونهض ليبحث عمن يشعلها له . عندما عاد وجد سجارتي في انفاسها الاخيرة فقال بشئ من الغضب :
ـ الامر معك اسهل .. فقلت بلهجة استفزازية ..
ـ هذا لانك مفلس لا اكثر . فهز راسه بما يشبه الموافقة وقال ..
ـ وحرماني من الجلوس الى جوار النافذة ، هل يعود الى افلاسي هو الاخر ؟
ـ بالتأكيد !فسالني باهتمام ..
ـ ولماذا أنا مفلس برأيك ؟
ـ ثمة من يعنث بك وبمصيرك .. قوة او روح خارجية . فرد باهتمام كبير ، بعد ان استدار ليصير بمواجهتي ..
ـ وكيف عرفت كل هذا ؟ هل انت من الروحانيين ؟
ـ كلا ، ولكني لا اجد تفسيرا آخر لحالتك .
ـ وهذا كل شئ ... ؟
ـ نعم . فان تصل من البؤس لن لاتجد ثمن سجارة فهذا لا يعني سوى ان الامر خارج حدود سيطرة الانسان . فقال وهو يعاود زرع عينيه في زجاج النافذة التي تحولت الى لوح جيري بسبب شدة ظلام المكان الذي كنا نمر به ..
ـ قبل عشرين عاما توصلت الى التفسير عينه ولكني مازلت اعاند هذه الفكرة .
ـ والى اين وصلت الان ؟
ـ ان اتسلل خلسة الى القطار وان لا اجد ثمن سجارة احرقها .. هل عندك ما تشير به علي ّ.. ؟
ـ نعم . ان تجترح معجزة ، او تقتل روح ما !
ـ واين اجد مثل هذه الروح ، ما دمت عاجزا عن فعل المعجزة ؟
ـ ربما في عرض البحر او ربما في مقبرة مهملة او ربما بابل القديمة حيث علم هاروت وماروت بني آدم السحر ! في هذه اللحظة لم اعد اتمكن من السيطرة على نفسي فانفجرت بضحكة ضاجة لاغراقي في عبثي ذاك ؛ لكن صاحبي امسك بذراعي بحزم ليوقفني عن الضحك وقال بجد وهو يقف على قدميه ..
ـ ولم تضحك ، فهذه هي قناعتي والان ساذهب لتنفيذها !
ـ ولكني كنت اعبث فقط ...؟
وانا لم يعد امامي غير عبثك !
وانطلق بخطى قلقة باتجاه العربة الامامية . بعد ربع ساعة ، وفي بقعة لايتذكرها حتى الجغرافيون ، توقف القطار للحظات ثم عاود ارتجاجاته باتجاه الشمال وجاء راكب جديد ليحتل مقعد ذلك الرجل .



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عواصمنا العربية وبعبع الثقافة
- كفانا نمارس السياسة حربا
- غباء اليمين المزمن
- احزابنا السياسية ومسؤولية بناء المجتمع
- اشكاليات الرواية العراقية
- فرائض ضلالاتي
- من قتل جلوريا بيتي ......؟
- استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
- من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
- التخبط الامريكي في العراق
- المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
- هزيم الحماقات الليلية
- قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
- ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
- هامش على سفر(جدارية النهرين
- الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا ...
- لعبة صناعة الأهداف
- !بلد يبحث عن زعيم
- ركود ثقافي أم ثقافة ركود
- لعبة صناعة الاهداف


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عبث في قطار آخر الليل