أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - ساعات مع أسمهان ...















المزيد.....

ساعات مع أسمهان ...


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8067 - 2024 / 8 / 12 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


في سفر هذا الاسبوع الي القاهرة ــ لحضور اجتماع مجلس القسم ــ والعودة منها صباح اليوم كان معي كتاب " أسمهان تروي قصتها " للصحفي القديم واللامع محمد التابعي ..

وهو كتاب يحوي فصولا كتبها التابعي عن قصته مع المطربة المشهورة ، ونشرها قديما علي صفحات مجلته أخر ساعة سنة١٩٤٩ ثم جمعها فيما بعد ــ سنة ١٩٦١ ــ في كتاب ...

وفي سنة ٢٠٠٨ قررت دار الشروق اعادة طبع الكتاب ، وكانت نسخة دار الشروق هي التي أخذتها معي في السفر الي القاهرة والعودة منها ...

وقد أحببت اسمهان من حب جدي لأمي لها ، فقد كان محبا لصوتها ، وقد ذكر لي ــ وكان ذلك في التسعينات في احاديثي الطويلة معه ــ انه في شبابه دخل فيلمها الثاني غرام وانتقام في احدي سينمات القاهرة سنة ١٩٤٤..

وقد احببت لأسمهان اغنيات كثيرة منها : كان لي أمل في الحياة ، وليالي الانس في فيينا ، ويا ليالي البشر ، وياللي هواك شاغل بالي ، ورجعتلك يا حبيبي بعد الغياب ، ودويتو الشمس غابت انوارها مع اخوها فريد الاطرش ... وغير ذلك.

وقد كان الرئيس الراحل انور السادات من كبار المعجبين بصوت أسمهان ، وذكر موقفا طريفا حدث معه في بداية ثورة يوليو ١٩٥٢، فقد ذهب في بدايات الثورة الي احدي الدول الإسلامية ــ ماليزيا او أندونيسيا تقريبا ــ لتدعيم علاقة مصر بها ...
وفي واحدة من لقاءاته الجماهيرية في تلك الدولة أحاط به الناس البسطاء يتباركون بالرجل القادم من بلد الازهر الشريف عز الاسلام وموطن بلده الكريم ، وطلبوا منه ان يتحدث اليهم ويلقي فيهم كلمة ، وقال السادات انه لم يكن يعرف كيف يتصرف ، فالناس هناك لا يعرفون العربية وهو بالمقابل لا يعرف لغتهم ...

فما كان من السياسي العريق ــ وكان جالسا ــ الا ان اخذ يتمايل ذات اليمين وذات الشمال مغمغما بكلام يبدو فيه التأثر والناس حوله متأثرون جدا بكلامه الذي يبدو انه وعظا وارشادا ..

ولم يكن كلام السادات سوي ترديدا لكلمات اغنية اسمهان المشهورة ــ التي كان السادات كما قال يحفظها كاملة ــ عليك صلاة الله وسلامه ..
وخاصة المقطع الذي تقول فيه :
وامتي عيني تشوف منظركم يا مدنتين فوق الحرمين
واطول مطال حجاج اتباركم وشربوا من زمزم بقين
وفي المدينة نالوا القبول
في نور نبينا طه الرسول
يا بخت زواره بإكرامه
عليك صلاة الله وسلامه

والناس حول السادات يتمابلون من شدة التأثر !!!

... ونعود الي كتاب التابعي واسمهان ..

وقصة حياة أسمهان في منتهي الغرابة.. يتقاطع فيها الفقر المدقع ثم الثراء الفاحش ، ويتجاور فيها الفن مع حب الحياة والنهل من متعها حتي الثمالة ، وتتلامس فيها دهاليز السياسة مع شرك الجاسوسية والمخابرات ودروبها الخطرة ...

واسمهان من اسرة درزية مرموقة تسكن جبل الدروز في محافظة السويداء بسوريا ، وكان اهلها هم حكام الجبل ، وبسبب صدام سلطان باشا الاطرش مع الفرنسيين ــ محتلي سوريا ــ اضطرت الاسرة الي الذهاب الي مصر والعيش فيها ...

وعمل فريد واسمهان الأطرش ــ واسمها الحقيقي إيميلي وكانوا ينادونها أمال ــ في الفن ، ثم رجعت اسمهان الي الجبل في سوريا وتزوجت ابن عمها حسن الاطرش ثم تركته ورجعت الي حياة الاضواء في القاهرة ...

وفي الكتاب تفاصيل كثيرة عن حياة أسمهان الشخصية وتفاصيلها الغريبة ونمط شخصينها المعقدة ...

اغرب فصل في الكتاب واكثرها تشويقا هو الفصل الخاص بعمل اسمهان في الجاسوسية ...

فقد اتصل قلم المخابرات البريطاني في القاهرة بأسمهان في مايو ١٩٤١ وطلب منها ان تذهب متخفية الي سوريا ــ وكانت يومئذ تحت حكم حكومة فيشي الفرنسية ــ وتقنع أهلها من الدروز وكذلك شيوخ قبائل البادية السورية بالانضمام الي الجيش البريطاني الذي سيغزو سوريا ويطرد منها الفرنسيين الموالين لهتلر ...

وأعطت لها المخابرات البريطانية عشرات ألاف من الجنيهات لتوزيعها علي حكام جبل الدروز وبادية الشام ...

واستطاعت اسمهان القيام بمهمتها بنجاح ، ودخلت القوات البريطانية سوريا واصبح زوجها السابق حسن الاطرش وزيرا للدفاع في الحكومة السورية الجديدة ...

( وهو دور مازلت الحكومة البريطانية ــ والامريكية قبلها طبعا ــ تقوم به حتي الان ، وهو شراء ولاء الرجال البارزين في المجتمعات المحلية بالمال والنفوذ ومعهم رجال الدعاية ايضا ..
وفي سنوات الربيع العربي السوداء رأينا كلنا الأذرع البريطانية في سوريا واضحة جلية ، وابرزها هيئتين :
الاولي هي المرصد السوري لحقوق الانسان ومقره لندن ويراسه السوري المقرب من الأخوان المسلمين ــ حسب مصادر اعلامية ــ رامي عبد الرحمن ، وكانت كل الاخبار الخاصة بسوريا تؤخذ من هذا المصدر غير المحايد والذي يشرف عليه رجل واحد فقط ، ولا يعيش حتي في سوريا ولكن في بريطانيا !!

والهيئة الثانية كانت تنظيم الخوذ البيضاء وهي منظمة تشرف عليها المخابرات البريطانية وتعمل كستار في اعمال الإغاثة في سوريا !!

وبالاضافة الي هذه العوامل والهيئات المساعدة فقد نثرت المخابرات البريطانية والامريكية مئات الملايين علي قادة الجماعات المسلحة في سوريا بعد ٢٠١١ ــ كما ساعدت قادة الجبل والبادية اثناء الحرب العالمية الثانية ــ وارسلت لهم الأسلحة ، وبعضها اسلحة حديثة ومتقدمة وساعدتهم اعلاميا بواسطة قنوات فضائية جديدة كثيرة انشأت لهم ، بالاضافة الي قناة الجزيرة وهي قناة افتتحها البريطانيون عام ١٩٩٦ علي نمط بي بي سي ، وليس لقطر أي سيطرة فعلية عليها ، هي فقط من تقوم بالتمويل اما السياسة التحريرية فتأتي من هناك ... من وراء البحار )..

ومع نجاح اسمهان في مهمتها جعل منها البريطانيون نجمة المجتمعات في دمشق وبيروت، وكانت طبيعة شخصية أسمهان تتمشي مع هذا الجو ...

ولكن بطبيعة تقلب شخصية أسمهان وعدم استقرارها تعرف عليها صحفي أمريكي يعمل جاسوسا مع المخابرات الألمانية وكان الرجل يعمل ــ كغطاء ــ صحفيا متجولا في الشرق الاوسط ، وقد استطاع اقناعها بأن النصر في الحرب سيكون لألمانيا وليس لبريطانيا وان عليها ان تعود الي جبل الدروز وتقنع اهلها بنقل ولاءهم الي الألمان بدلا من البريطانيين ...

وكادت اسمهان ان تفعل لولا ان عرفت المخابرات البريطانية بنواياها ومنعت اسمهان من العمل في المجهود السري الألماني في الشرق ...

وقد اغدقت عليها المخابرات البريطانية الاموال بلا حساب عندما كانت راضية عنها ...

وكانت اسمهان وقتها تعيش عيشة الملكات ، وتنثر الاموال علي من حولها كما تنثر الأوراق وكانت تنزل في الجناح الملكي في افخم فنادق فلسطين ولبنان وسوريا ، مثل فندق الملك داوود في القدس ، وفندق سان جورج في بيروت ، وفنادق بلودان ــ المصيف السوري الشهير ــ وهي افخم فنادق الشرق وقتها ...

وقد امسكت المخابرات البريطانية يدها عنها عندما كانت تتكلم بلا تحفظ في مجالسها عن علاقتها بالبريطانيين ، وبصورة أكبر عندما تقاربت مع الالمان ــ بواسطة الصحفي الأمريكي المتجول في الشرق الاوسط ــ وكادت ان تعمل معهم ..

وحكاية الصحفي المتجول تلك تستحق الالتفات اليها ..

فهو اسلوب كانت المخابرات البريطانية والامريكية تستخدمه كستار وغطاء لرجالها الذين يجمعون لها الاخبار وينقلون التوجيهات بدون ان يلفت ذلك نظر احد او يبدو غريبا ...

وهناك مهنتين طالما استخدمتهما المخابرات الغربية عموما كغطاء لرجالها ، هما مهنة الصحفي ومهنة رجل الاعمال ...

وفي حياة الشرق الاوسط في العقود الاخيرة عشرات الصحفيين الذين عملوا متجولين في عموم المنطقة ، وكانت لهم علاقاتهم غير الظاهرة مع مخابرات بلادهم وقدموا لهاخدمات مهمة ...
ومن الاسماء المشهورة في هذا الاطار الصحفي البريطاني الشهير باتريك سيل والصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك وغيرهم ...

وقد عمل بعض الصحفيين العرب في هذا المجال ــ الصحفي المتجول ــ في الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن العشرين، وهناك شكوك كثيرة وقوية حول طبيعة عملهم ...

ومع انطفاء بريق مهنة الصحافة مع ظهور وسائل الاعلام الجديدة تراجع كثيرا اللجوء الي هذا الاسلوب في اعمال الجاسوسية والمخابرات وتقدمت عليه وسائل اخري أكثر عصرية ، ومنها مثلا ما كشف في الصحافة الدولية من ثلاث او اربع سنوات ان مدير تويتر في عموم الشرق الاوسط ضابط في المخابرات السرية البريطانية !!

عموما قصة اسمهان قصة مثيرة ومشوقة الي ابعد حد ، قصة اجتمع فيها الفن مع الصحافة مع التجسس ، اجتمع فيها الاضداد مثل الحياة في الأجنحة الملكية في أفخم الفنادق حينا وعدم امتلاك اجرة تاكسي أحياناً أخري ، اجتمع فيها الفن وسموه بالروح مع السياسة والحياة السرية بين دروب العمل السري لأقوي دول العالم ...

وقد انتهت تلك القصة ــ كحياة صاحبتها ــ نهاية مثيرة وحزينة ، وكان عمرها يوم وفاتها ٣٢ سنة فقط ...

فقد انقلبت بها ــ وكان معها صديقتها ماري قلادة ــ سيارة قرب مدينة المنصورة وهي متجهة الي مصيف راس البر في صيف ١٩٤٤، مسدلة الستار عن فصل غريب من حياة فنانة عربية ذات صوت ساحر ... وحياة متقلبة ... ونهاية حزينة ...



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جارية القصر ...
- العصر الامريكي ...
- هنيئا لكم ...
- هل كان ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 حكما مدنيا ؟! وهل كان في مص ...
- هل كانت هناك ديموقراطية في مصر قبل 23 يوليو 1952 ؟!
- لماذا يتعرض ترامب للاغتيال؟!
- انتخابات فرنسا وبريطانيا ... وانتخابات مصر
- العالم المرعب الذي نوشك ان ندخل اليه ...
- لماذا ايدنا عبد الفتاح السيسي بالامس ... ولماذا نؤيده حتي ال ...
- هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه ...
- هل مصر بلد يحارب الكفاءات ؟!!
- التكتيك الذى لا يخيب أبدا !!
- التيارات المغامرة في السياسة العربية
- هل مصر تتراجع ولا تتقدم ؟!
- عمرو موسي ..
- كيف تم صنع وترتيب الثورة في ايران ..
- حل مجلس الأمة الكويتي ..
- ماذا فعلت بريطانيا والولايات المتحدة لإنجاح الثورة الأيرانية ...
- إعادة هندسة المجتمعات .. الطريق إلى -الثورة الإسلامية في إير ...
- لماذا لن تحارب إيران إسرائيل ؟!


المزيد.....




- كشف آلية تأثير الموسيقى الكلاسيكية على أدمغة المصابين بالاكت ...
- فنان مصري يستغيث بدار الإفتاء بعد منعه من الصلاة في مسجد
- مراجعات واسيني الأعرج.. عوالم القرية والنساء ودمشق واكتشاف ا ...
- سيلين ديون تنتقد حملة ترامب بسبب الاستخدام غير المصرح به لمو ...
- الموسم 2… مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 29 على الفجر الجزا ...
- مصرع فنان مصري بحادث سير (صورة)
- تنسيق الجامعات 2025 ماهى مؤشرات القبول بكليات الطب والهندسة ...
- “أختار كُليتك بنفسك” مؤشرات تنسيق الثانوية الأزهرية 2024.. ل ...
- -الساردون الشهداء-.. مُلتقى فلسطين السابع للرواية العربية في ...
- أفلام كرتون طول اليوم.. تردد قناة كراميش الجديد بجودة Hd است ...


المزيد.....

- (مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- كتاب نظرة للامام مذكرات ج1 / كاظم حسن سعيد
- البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- صليب باخوس العاشق / ياسر يونس
- الكل يصفق للسلطان / ياسر يونس
- ليالي شهرزاد / ياسر يونس
- ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير / ياسر يونس
- زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي / ياسر يونس
- رسالةإ لى امرأة / ياسر يونس
- ديوان قصَائدُ لَهُنَّ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فاروق عباس - ساعات مع أسمهان ...