ترامب وهاريس: مناظرة مرتقبة لتحديد مسار الولايات المتحدة

زهراء موسى جابر

الحوار المتمدن-العدد: 8066 - 2024 / 8 / 11 - 22:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تمثل المناظرات بين المرشحين في الولايات المتحدة جزءاً حيوياً من العملية الانتخابية، إذ تساعد المرشحون على تقديم وجهات نظرهم حول قضايا السياسة العامة ومناقشة خططهم وأهدافهم، فضلاً عن كونها بمثابة فرصة للناخبين للمقارنة ما بين المرشحين وفهم مواقفهم بشكل أوضح. فمع اقتراب المناظرات الرئاسية لعام 2024 تجد الولايات المتحدة والنظام السياسي العالمي قبالة مواجهة سياسية حاسمة للغاية فيما بين الرئيس السابق دونالد ترامب، ونائب الرئيس الحالي كامالا هاريس، لكون كل مرشح يمثل رؤى مختلفة لمستقبل الولايات المتحدة, والتناقض فيما بينهما يسلط الضوء على قضايا أساسية مثل الاقتصاد، والسياسة الخارجية، والعدالة الاجتماعية، وحماية البيئة؛ في هذه المقالة نقدم لمحة عامة عن الاتجاهات الرئيسية لكلا المرشحين وما قد تعنيه تلك المناظرات المقبلة بالنسبة لتشكيل هذه الأمة في المستقبل.
خلفية المرشحين والمشهد السياسي
دونالد ترامب (الزعيم المحافظ): منذ انتهاء ولايته، ظل ترامب شخصية محورية ومؤثرة داخل الحزب الجمهوري وخارجه، فبعد فترة ولاية مثيرة للجدل يعتمد دونالد ترامب على قاعدة قوية من الناخبين المحافظين الذين يرون فيه مدافعاً عن القيم الأميركية التقليدية، ومعارضاً للنخب السياسية، إذ يسعى ترامب المعروف بخطابه الشعبوي، ونهجه السياسي العدواني للعودة إلى الرئاسة على أساس وعده باستعادة مبدأ "أمريكا أولا", وتحقيق النمو الاقتصادي.
اما كامالا هاريس (رمز التجديد الديمقراطي): فتمثل أول امرأة سوداء آسيوية تتولى منصب نائب الرئيس _الوجه الجديد للحزب الديمقراطي_ وتشتهر هاريس بقدرتها على التواصل مع مجموعة متنوعة من الناخبين الشباب، والأقليات، النساء، والمجتمع الليبرالي، إذ بنت حملتها على تعزيز العدالة الاجتماعية والرعاية الصحية وإصلاح العدالة الجنائية، مع التركيز على تعزيز المساواة والاندماج في المجتمع الأمريكي.
استراتيجيات الحملات الانتخابية
ركزت حملاتهم الانتخابية على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التي سنتطرق اليها على النحو الاتي:
اولاً: الرؤية الاقتصادية (نظرة على سياسات النمو والاستدامة): يُعرف دونالد ترامب بمواقفه القومية، إذ يروج للسياسات الاقتصادية التي تركز على التخفيضات الضريبية، والتنظيم الحكومي لتعزيز القطاع الخاص؛ وسعى لإعادة التصنيع الى الولايات المتحدة لتحقيق ما يسميه "أمريكا أولا" عبر فرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة، وإعادة التفاوض على الصفقات التجارية التي تعزز قطاعات الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز على اعتبار انها ركائز أساسية لأمن الطاقة والنمو الاقتصادي؛ ففي المناظرة سيحاول ترامب تسليط الضوء على سجله في خلق فرص العمل، وخفض البطالة في مدة ولايته. في حين تلتزم كامالا هاريس بتعزيز الاقتصاد الشامل، ومعالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ودعت هاريس إلى زيادة الإنفاق على البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، لوثوقها بأن هذه الاستثمارات ستساعد على تحسين نوعية الحياة، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. كما أنها تعزز السياسات الرامية إلى تمكين التحول السريع إلى الطاقة النظيفة، مما يدل على التزامها بمكافحة تغير المناخ؛ وفي المناظرة ستحاول هاريس إقناع الناخبين بأن نهجها يمكن أن يعزز العدالة الاجتماعية، ويحقق اقتصاداً أكثر استدامة.
ثانياً: السياسة الخارجية (التوجهات الدولية والدور الأمريكي): شدد ترامب على سياسة خارجية "أميركا أولا"، سعيا إلى تقليص التزامات أميركا الخارجية والتركيز على المصالح الوطنية، كما يفضل ترامب الصفقات الثنائية المباشرة، ويعارض الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يرى أنها تحد من سيادة الولايات المتحدة؛ في المناظرة سيتحدث ترامب عن موقفه المتشدد تجاه الصين وإيران، فضلاً عن إنجازاته في إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية مثل اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا USMCA)). اما كامالا هاريس فتدعو للتعامل مع الحلفاء وتعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ، والأمن السيبراني والإرهاب؛ كما تؤكد هاريس على أهمية الدبلوماسية المتعددة الأطراف بما في ذلك العودة إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق باريس للمناخ؛ وستسعى في المناظرة إلى تقديم رؤية لعالم يتسم بالتضامن والتعاون، مع التركيز على تعزيز القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ثالثاً: العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان (الأمن مقابل العدالة): دعا ترامب إلى اتخاذ موقف صارم بشأن الأمن الداخلي مشدداً على ضرورة دعم تطبيق القانون، ومعارضة الحركات التي يراها تهديداً للسلامة العامة، في حين يعارض ترامب الهجرة غير الشرعية، ويدعم سياسات مثل بناء جدار حدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ وسيسعى في المناظرة إلى تسليط الضوء على سجله في خفض معدلات الجريمة وتعزيز أمن الحدود. اما هاريس فترى أن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان تقع في قلب السياسة الفعالة، فتدعو إلى إصلاح العدالة الجنائية بما في ذلك معالجة التحيز العنصري وتوسيع حقوق المهاجرين، كما تدعم السياسات الرامية إلى تعزيز المساواة الاقتصادية والاجتماعية؛ وستسعى في المناظرة لإظهار التزامها بتحقيق العدالة والإنصاف للجميع، مع التركيز على سياسات الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأقليات والفئات المهمشة.
رابعاً: قضايا البيئة والطاقة (استراتيجيات مواجهة التغير المناخي): ركز ترامب على تنمية الموارد الطبيعية لأميركا ودعم الصناعات التقليدية مثل النفط والغاز مع الحد من الأنظمة البيئية التي يرى أنها تعيق النمو الاقتصادي، فلقد شكك في التأثير الاقتصادي للسياسات البيئية الصارمة، وسيحاول في المناظرة إقناع الناخبين بأن سياساته تعزز استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة. في حين شددت كامالا هاريس على أهمية التحول إلى الاقتصاد الأخضر مع العمل على تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، فهو يدعم السياسات الرامية إلى الحد من انبعاثات الكربون وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة؛ ستسعى في المناظرة إلى إظهار أن السياسة البيئية ليست مجرد ضرورة بيئية، ولكنها فرصة اقتصادية تحفز الابتكار، وتخلق فرص العمل.
التحديات المشتركة والفرص
كلا المرشحين يواجهان تحديات كبيرة في السباق إلى البيت الأبيض، فبالنسبة لترامب تحدياته تشمل التغلب على الانتقادات المتعلقة بإدارته السابقة والاتهامات القانونية المحتملة، فضلاً عن ذلك، يحتاج إلى جذب المزيد من الناخبين المستقلين والنساء الذين قد يشعرون بالقلق من أسلوبه الصدامي. اما هاريس، فالتحدي الرئيسي يكمن في تعزيز صورتها كقائدة قوية ومستقلة، خصوصاً بعد فترة قضتها كنائبة للرئيس، لذا فهي تحتاج هاريس لتحفيز الناخبين الديمقراطيين، وضمان مشاركتهم القوية في الانتخابات، خصوصاً في ظل التحديات المتعلقة بتوحيد الحزب خلفها.
وفي الختام يمكن ان يلحظ بأن هذه المناظرات والنقاشات ستلعب دوراً مهماً في قرارات الناخبين النهائية بشأن المسار او الاتجاه الذي ينبغي للبلاد أن تسلكه في السنوات المقبلة، ففي نهاية المطاف ستساعد هذه المناقشات في توضيح الخيارات المتاحة للمواطنين الأميركيين وتحديد المسار الذي سيتبعونه في المستقبل. الا انه لابد من الإشارة بأنه حتى الآن لم يتخذ دونالد ترامب موقفاً نهائياً بشأن المشاركة في مناظرة مع كامالا هاريس في انتخابات 2024 مع تقارير تفيد بأن فريق ترامب لم يلتزم بجدول مناظرة رسمي أو يقبل به، وقد يكون ذلك بسبب مناورات سياسية أو رغبة في السيطرة على البيئة المحيطة بالنقاش، ومايزال الوضع غير واضح، وقد يتغير مستقبلا مع اقتراب موعد الانتخابات.

#زهراء_موسى_جابر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات